-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع عشر

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع عشر

 خيوط

-شلة من الخيط هذا هو التعبير المُناسب لما يُعيق خُطانا في بعض الأحيان، وكأن المُشكِلات اتحدت مع بعضها لتُعطي مزيجًا خاص من التشابُك، ذاك التشابُك الذي يجذُب الأعيُن في بعض الأوقات للاقتناء...

مرت الليلة سريعًا كلمح البصر أو هو أقرب، لتبدأ خيوط الصباح في التجلي، لتُوقظ من أرخي جسدهُ ليلةُ أمس، وتُرهق من جافا النوم عيناهُ، وكانت هي أول من خانها سُلطان النوم، رفعت "مريم" رأسها من فوق إطار النافذة بإرهاق شديد، لتتحرك بعين خاوية من الحياة، فقد زُجاج شفاف لرؤية المار، تنهيده مُتعبة فارقت شفتيها الجافة؛ من تيار الهواء، لتُكمل دربها نحو المنبه لتغلقهُ، و تخلع عنها ملابس الأمس، مدت يدها لالتقاط ما يصلُح للخروج به في ذاك البرد القارص، وخلال دقائق كانت انهت حمامها، وادت فريضتها، و استعدت للخروج، لتتجمد قدمها مع....

لم يزُر سلطان النوم عينها أيضًا، فباتت ليلتها على كرسي المائدة، وطرق باب غرفة ابنتها، لتنفرج شفتيها برجاء :

-"مريم"..

غصة مريرة استوطنت حلقها، وبنبرة مُنكسرة :

-أيوه..

تلكئت الحروف بين شفتي "بدرية" لتتحدث برجاء :

-"مريم" افهميني.

بنبرة مُنفعلة؛ من غضبها المكبوت :

-افهم ايه يا "" ماما"، افهم أني بقيت زي العروسة تركلوها براحتكم..

غزى الدمع عينها، وبقلق أم لا تعرف سوى فعل ما يصلح لأولادها من وجهه نظر قلبها :

-والله يا بنتي ما...

امتنعت عن الاستماع، وبلهجة ضائعة مُتخبطة، ركضت لملاذها بين زراعي والدتها، وبهمس :

-كُنت محتاج أطمن، مش فرض وجميل... لتترك زراعي والدتها وتهرول للخارج، فجدران البيت تطبق على أنفاسُها....

انفلتت شهقات "بدرية" بمرارة، ولسانها يدعوا بالسعادة لابنتها، وإنارة بصيرتها، لتتحرك بوهن إلى المائدة؛ فقدمها لم تعُد تحملها، وقلبها يؤمن أن ما فعلتهً صواب....

توقفت "مريم" أمام بوابة البيت للحظات، وعينها تُراقب قهوة والدها المُغلقة، كحال قلبها نحوه، لتسقُط دمعة حارة من مقلتيها قبل التحرُك إلى خارج الحارة، تتحرك بانفعال لا يُخفي عن الناظرين، لتسقُط في غيابات الأمس...

عندما استطاع "سيد" " جلب خاتمها من الصائغ، وبنبرة مُميته خذرها أن لا تفعل هذا مُطلقاً، ليسبقها؛ لإيقاف احدي سيارات الاجرة لنقلها إلى البيت، لتمُر الساعة في صمت تام، قبل صعودهم الدرج، لتجد غضبهُ يتفجر في بهو منزلهُ، أنها جُنت لا مُحال، وأنها لا تعي شيء، فثارت ثورتُها... :-أنها لا تقبل صدقة، وهو كالغريب عليه

أخذ ثمن الإيجار، والا سترحل.... ليُقابلها بانفعال أكثرُ قوة، مُفجرًا احدي قنابل الحرب بوجهها :أن لا يوجد رجل يأخذ الإيجار من زوجته... ليرنوا صمت مهيب عليهم، وانفاسهم تخرُج لاهثة كمن في سِباق العدو لأميال، لتكُن شفتها المُنفرجة أول من يقطع الصمت بذهول :- زوجة من؟.. لتهرع إلى والدتها لنفي هذا، لتجد عيني مُتخبطة، تؤكد على قوله، وقبل أن تنفرج شفتي والدتها للحديث كانت اختبأت في الغُرفة تبكي وتنوح؛ لما حل بها، وعقلها يضع المزيد من التساؤلات المُراهقة لروح قبل الرأس، لماذا هي؟... هل ارتكبت اثمًا ما لتجد عالمها ينهار بين يوم وليلة فوق رأسها؟.. هل طمعت بحقٍ لم يُكتب لها؟... لتجد صفعات الأمطار فوق رأسها، مع تشبُث يديها بسياج النيل، فتختلط دموعها مع الأمطار، وتتحرك لإيقاف إحدى وسائل النقل، فلن تخسر عملها أيضًا...

**

تجمدت أطرافهُ من شدة البرد، وابيضت عيناهُ من الذكري، وتحولت شفتاهُ لأرض يابسة فقدت كُل معالم الحياة ، ليلقي نظرة ضائعة إلى تلك الشجرة، التي قرر أمس المبيت مع سُكان أغصانها، وليشهد القدير هي لم تخذلهُ بل كان جذعها خير وسند بليلتهُ الماضية، ليتحرك بعظام مُتيبسة نحو سيارتهُ، وكأن الأمس لم يكُن سوى مُحاكمة لقلبه المجذوب، وعقلهُ الخائف من المواجهة، ليُحرك مقود سيارتهُ، وينطلق نحو عملة، للحصول على أكبر قسط من الهدوء، بعيدًا عن نِزعات والدتُه القائمة، وعقلهُ يُبحر فيما يورق موضعه كُل ليلة، ابحار خالي من الذكري، ابحار بنكهة الأمواج المُتضاربة لمتاريس السُفن العالقة بداخلُه تنتظر الرُبان لرفعها تاركًا الأمر لرياح القدر، ولكن رُبان سفينتهُ، قرر التخلي عنهُ، وارتدي زي الموتى، ليس الموت فقط لقبٌ يُطلق على من تُغادر روحه الجسد، ولكن لمن قرر لعب دور الضحية في كُل حكاية تُروى بين البشر، لمن قرر الخنوع لغريب يرحم العثرات، وغفل عن منحة القدير الكُبرى لعقلة، ليفق من شروده، مع اصطدام سيارتهُ بإحدى السيارات المارة، فيتوقف ليُلقي الاعتذار، وينطلق كالإعصار نحو عملة، غير مبالي بألم عجلات القيادة، وكُل ما يُريدُه انقضاء اليوم سريعًا؛ للوصول إلى شاطئ النجاة....

**

ارتفع صوت المذياع ببرنامجهُ اليومي في تمام الثامنة الا ربع "براعمُ الإيمان، تقديم الدكتورة هاجر سعد الدين"... لتملأ رائحة الفول المطبخ وتتسرب بكُل سفور لإيقاظ النائمين، ومداعبة بطون الجائعين، ومن الجائعين كان صوت "فرج" يصمُ جدران المنزل، ليُلقي تلك اللقُمة بداخل فمه، ويُكمل قبل أن تعزم اسنانهُ للمضغ :

-الشاي يا "سماح "..

رسمت بسمة مغوية بفمها، و بتعبير يحمل الكثير من الحديث اللعوب :

-يوه مالك يا راجل، متسربع على ايه يا اخويا؟... وحركت حاجبيها بمكر انثوي مدروس.... ول قعدنا بقت وحشة يا عنيا..

شقت البسمة وجهه، وسُرعان ما أجاب كفر ساذج :

-هو في زي قعدتك، بس القهوة مقفولها بقالها كتير، ولازمن نشوف أكل عيشنا...

رفعت حاجبها الأيسر، واردفت :

-كُل بعقلي حلاوة يا اخويا، كُل...

اطلق ضحكة مُجلجلة فبدى، كمُراهق لم يعلم قط بفنون اغواء الأنثى، وحيالُها،، ليُكمل بسعادة، ولما لا فزوجته لا تُريد مُفارقتُه :

-سلي نفسك بأي حاجة، وهجبلك حاجة حلوة وأنا راجع.. لينهض مُغادرًا البيت..

ابتسمت بانتصار، وبنبرة ماكرة ، لحقتهُ قدمها بالدُعاء :

-ربنا معاك ويفتحلك الأبواب المتقفلة، يا "فرج"، يا ابن حواء وآدام.. والقت الباب خلفهُ بسعادة؛ فقد اقترب مُخططها علي التنفيذ، لتُسارع لغرفة "رامي" لإيقاظُه بعفوية مُدعاه، فطرقت الباب بخفوت، وتنتظر الجواب بعين ذائب يعلم جيدًا أين تقبع الفريسة؟..

انهي "رامي" ارتداء ملابسهُ، وبدأ بتمشيط خُصلات شعره، ليعلوا طرقات باب الغُرفة، همسات شفتاه بإحدى الأغاني الرائجة، فيُجيب :

-ادخلي يا "سماح".

رسمت بسمة قوية على ثغرها، وادارت مقبض الباب، وبحنان :

-هتتأخر يا "رامي"، على مُحاضراتك..

- مش هتأخر ول حاجة، وسارع بأخذ هاتفهُ، وهو يُكمل :

-اعمليلي فنجان قهوة من ايدك الحلوة..

رفعت يداها؛ لتنقلها بين عينيها، وامتزجت مع قولها :

-من عنيا، خمس دقايق ويكون أحلى فنجان قهوة ليك... وسارعت للمطبخ لإعدادُه....

تحرك "رامي" إلى الخارج، وجلس على المائدة، وبدأ في تناول الإفطار، عازمًا على نيل مُساعدتها؛ فقد علم في الأيام المُسبقة مدى تأثيرها على والدهُ، لتشُق بسمة ساخرة وجههُ، قبل أن يمحيها مع ندائها، ليرسم أخرى نهمة لطعام...

تحركت ويدها تحمل الفنجان، وبنداء :

-يا "رامي ".. لتضع الفنجان امامُه مع جلوسها على الكُرسي المُجاور بهدوء، يُنافي حيلها القائمة...

انهي وضع أخر لقمة بفمه، وبإطراء :

-تسلم ايدك ، وبدأ برفع الفنجان لفمه، وانفهُ تلتقط الرائحة المُنبعثة بتلذُذ قوي، ورشفة تلو الأُخرى، وعيناهُ تُومض بالأنوار السعيدة، وعقلها يرقُص فرِحٍ، لينهي قدحهُ سريعًا، وبنبرة مُستمتعة :

-سماح كنت عاوز منك خدمة...

-عنيا يا اخويا، عاوز فلوس...

-لا، بس كنت عاوزك تكلمي الحج يخطبلي..

ضحكة مُجلجلة كانت الجواب، وسُرعان ما حاولت كتمها :

-بس أنت مش لسه صغيرة، وفي شغل لسه.

-كلمي الحج بس..

-عنيا، قولي هي مين وعرفتها ازاي...

لتنفرج شفتاهُ عن استرسال عاشق، بما يضمُر بقلبه، وما تراهُ عيناه....

**

تملك الاعياءُ منها، وخارت قواها بالكامل، فلم تستطع ايقاظ "ريتا" للحاق بالمدرسة، لتستيقظ بفزع، وعينها تبحث عن هاتفها؛ لترى الساعة، لتزفر بيأس عندما رأت الساعة الثامنة، ومكان الصغيرة فارغ، ربما استيقظت وذهبت مع جدتها، وقبل أن تسقُط في التساؤلات عن كيفية الاستيقاظ، ومع من ذهبت للمدرسة، كانت طرقات باب الغُرفة، خيرُ منقذ، لتتحرك لفتح باب الغُرفة، فبرغم من معرفتها أن لا أحد سيدخُل الغرفة، تُفضل أن ترتدي حجابها وهي نائمة ، تحركت بتمهل شديد وكأن المسافة من السرير إلى الباب أميال وليست بضعُ خطوات، اغتصبت بسمة فاترة، قبل أن تفتح الباب...

قبل نص ساعة أخبرت "فادية" "حسن" أنها ستذهب مع "ريتا" دون الحاجة إليهِ اليوم، ليُحاول النوم من جديد، ولكن رنين هاتفهُ كان بالمرصاد، ليُجيب بتأفف :

-أيوه.. ليصدع صوت أخيه بلهجة حازمة عن مكان "وداد"، وعندما أخبرهُ بالجهل عن مكانها، كانت أوامر صارمة بجلبها لشركة معهُ، ليتحرك باستسلام، ويزفر بسخط عن عدم نيل حقهُ بالنوم كباقي البشر، لتمر النصف ساعة سريعًا ويطرق باب غرفتها، مُنتظرًا الجواب...

فتحت "وداد" الباب بتساؤل مُرهق يقفزُ من عينها قبل شفتيها :

-في حاجه يا "حسن"؟.

تنحنح بإحراج؛ من هذا الموقف :

-لا، لكن "أيمن" طلب متى أخدك معايا للمكتب..

-طيب، واغلقت الباب سريعًا، وصوت عقلها يصدع بتأكيد حدسها بالأمس أن هُناك أمر ما، لتُجاهد في التغلُب على إعيائها ، و ترتدي ملابسها سريعًا، وتحارب التفكير عن السبب...

**

خرج "منصور" من غُرفتها، والنوم قد غلب عيناهُ، فلم يشعر بتجاوز موعد خروجه، ليُلقي تحية الصباح، ويفتح باب البيت، تاركًا خلفهُ نظرات مُصوبة عليهِ بتقييم....

انهت "سناء" كوب الشاي خاصتها، وهي تستمع بتركيز لنصائح "فدوة"، لتزفر بيأس :

-طب هو يرضى، بس....

سارعت "فدوة " برسم بسمة حانيه، وأنهت قول والدتها :

-بس أيه يا "سونة"، قدمي المشيئة بس، أمال يعني هو هيترهبن!.

- أن شاء الله.

علمت أن والدتها ستُساندُها فيما تُريد ،دون أن تظهر نيتها، فسارعت برمي شِباك قولها :

-تلاقي" منصور" عاوز وحدة حركة شوية، مش ست بيت..

ظهر الاهتمام جليًا على وجه "سناء"، و بتأكيد :

-يقطعني، أنا كنت فاكره عاوز وحده هادية، مفكرتش في الحتة دي قبل كده..

-شوفتي بقا، وتلاقي مقصوفة الرقبة عارفة، ومش عاوزه تقولك، ويمكن عارفه الي عليها العين.... وارتدت الصمت؛ لتُراقب وميض عين والدتها...

همست بشرود :

-صح، حتى سرو كلو مع "رقية "، وعمرها ما قالت لا على عروسة الا لما هو يقول..

-كلميها يا اما، وهي هتقولك، ومش بعيد تكون صاحبتها الي في دماغ أبنك...

سارعت بالقول دون تفكير :

-يقطعني يا بنتي، والنبي ما اعرف، عشان كدة لما كنت بتكلم عن الي حصلها في كتب الكِتاب يتحمق ويمشي...

-شوفتي يا اما، كل دا وأنتِ مش واخدة بالك..

عزمت على مُرضاة ابنها، حتى وإن كان سيتزوج من أبنة "حلمي"، وبهمس :

-أن شاء الله هكلموا لما يرجع...

آمنت على قول والدتها، وبسمة نصر تغزوا وجهها، فيقطعها بُكاء ابنها فتزفر بسخط، قبل أن تُحاول النهوض لهُ...

تحركت "رقية" من غرفتها سريعًا؛ بفعل بُكاء الصغير، قاصدة غُرفة أخيها، في على علم بحبه لنوم معهُ، لتتعجب من جلسة والدتها واختها بصمت غير مُعتاد، وعيني كُل منها تتوجه عليها، لتتدخل غرفة أخيها، لحمل "رحيم" والبدء في مُشاكسته ؛ ليتوقف عن البكاء، لتخرج لهم، وبتقريع :

-" فدوة" خلي بالك من ابنك..

بامتعاض :

-وأنا هستناكي عشان تعرفيني، يا اختي مكنش يومين...

-يومين مين، أنتِ داخلة على شهرين، وشكلك مطوله يا بنت ابويا..

ارتدت قناع البؤس، واسقطت دمعها :

-كتر خيرك، واشارت لولدتها بالحديث :شوفي يا اما، من دلوقتي بتطردني امال لما يجرالك حاجة هيقطعوني...

بلهجة هادرة، وبلوم :

-"رقية"..

وضعت "رقية" الطفل بجوارهم، وعينها تتحدى "فدوة"، وهمست لها :

-اعقلي يا مدام، رحلت للخارج فباتت تشعُر بالضيق لمُجرد مكوثها بالبيت...

هل صوت "سناء" بغضب :

-ينقفل في وشك باب الرحمة، واستدارت لمُرضاة "فدوة" : - معلش يا بنتي، أنتِ عارفها شعنونه حبتين..... لتبدأ وصلة غير مُتناهية من اسعاد ابنتها، وحمل " رحيم" واطعامه...

**

مرت الساعة سريعًا، والصمت حليفهم في السيارة، ليتوقف "حسن" أمام باب العمارة، وبنداء :

-"وداد".

حركت رأسها بإيماء مُتسائل مع نظرة عينها، دون أن تنبث شفتها بأدني كلمة...

شعر بوجود خطب ما لا يعرفه، فشحنات البيت المتوترة، تعم أرجاء البيت :

-متأكدة انك كويسه... ولم يكُن سؤلًا فضوليًا، بقدر ما كان رأفة بحالتها، ووجهها المُتعب، خلف بسمة مصطنعة...

لأول مرة منذ سنوات بعيدة، تشعر بوجود احدًا يهتمُ بها لأجلها فقط ليس الأ، فخرجت حروفها مُمتنه :

-ايوه.. وقلبت دفة الحوار سريعًا، عامل ايه مع "ياسمين"..

بشرود مُحبب لقلبه، مُصاحبهُ فراشات تُحلق بين موت وصحوه بداخله :

-مش عارف، حاسس أني في حرب هكون خسران فيها..

-الأمر في ايدك يا "حسن"، حاول تواجهه تاني، وصدقتي أي ست في الدنيا محتاجة تطمن، على الأقل عشان تعرف أنت هتكمل ول لا..

- الجامعة رد عليا بموافقة البعثة، وأنا تايه..

بمؤازه، وبنبرة هادئة :

-وجهها يا "حسن" من غير وسيط، خلي قلبك يتكلم مش العقل، اسمعها بهدوء أي كان الي هيتقال بس خليك مُتأكد الست محتاجه تطمن بس.... وسارعت بالخروج من السيارة، وعقلها يسخر منها بشدة، تُساعدين الغير وأنتِ أحوجهما إلى الشفقة، لتصعد الدرج بهدوء، وعقلها يضع النهاية، ولكن تلك النهاية ستُحاول بشتى الطُرق تأخيرها، لحين التأكُد من الأمر المحتوم... توقفت أمام مكتبه، وطرقت بهدوء يُنافي توترها...

امتنع عقلهُ عن العمل، وكأنهُ يعلن الصراع الأكبر بقلبة، ليُقرر أن يقضي يومهُ في النظر من النافذة، فيداهُ تأبى أن تحمل القلم، وعيناهُ تُحبر في طيف غائبة من حوله حاضرة بروحه، زفر بتمهُل شديد، ينتظر أن تأتي.... ليتوقف حلقهُ عن نُطق كنتها بحياتُه، فذاك اللقب غير مُستساغ لحلقه، فكيف حال قلبهُ العليل؟... وقبل أن يُحاول العثور عن معنى مُناسب كانت طرقات الباب خير صفعة لهُ...

أطلت برأسها، و لفت إلى الداخل، حينما رأت ذهول عيناهُ، وتحركت بهدوء لتجلس على الكُرسي المُقابل لمكتبهُ، تنتظر أن يأتي لهذا الحديث، الذي طلب قدموها لأجله..

نزع "أيمن" ذهولهُ بقوة، وكأن يصفع احدي الوحوش، وتحرك ليجلس على الكُرسي المُقابل بدلًا من كُرسي مكتبه، وظل يفتح فمه دون أن تهرب الكلِمات من جوفه..

بسمة فاترة شقت وجه "وداد"، وتتذكر يومًا كهذا قبل سنوات عدة، عندما قررت طلب الطلاق، بتباع غصة مريرة فلا مجال لذكرى المؤلمة من جديد، وبنبرة مُشجعة على الحديث :

-قول الي عندك، أكيد في كلام كتير عينك عاوزه تتكلم..

جمع عدة أنفاس، و بهدوء :

-احنا لازم نطلق..

بسمة ساخرة كانت الجواب، وبتهكم :

-وأنا مش عاوزه، ودا حقي الي مش هتنازل عنوا..

تعجب من سُخريتها، وفاق ذهوله الحد مع رفضها :

-لكن، أنا عمري ما هكون ليكِ، ول هقبل أقل تصرف يهين رجولتي...

- ومين قال أني عاوزك تكون ليا، كُل البي بينا عقد يُحلل وجودي في بيتك عشان بنتك وعشاني، أنا مش ملاك اقدم خير من غير مُقابل، والمقابل حب بنتك ليا، أما بالنسبة لرجولتك أنت عارف ومتأكد أن مفيش ست هتقبل بوضعي وتفكر في وجود غيرك، مش حبًا فيك أطلاقًا لكن، لراجل رباني وعرفني يعني أيه ست تصون عهد الله، وزفرت بتعب؛ فقد أنهكها الثبات، وتمتمت باعتذار:

-عن إذنك... ورحلت دون انتظار الجواب، فبداخلها تعلم جيدًا أن "أيمن" لم ولن يعشق ويهوي سوى الراحلة، وهي تؤمن أن ندوب قلبها لن ولم تُشفي من صفعات الماضي، وقد كرهت جنس الرجال بأكمله، جنس لم ترى منهُ سوي القذارة باستثناء قطعة روحها الراحلة من الحُزن، تُشفق على "أيمن" وتكنُ لهُ احترام كبير، احترام يجعلها ترى والدها بهِ... ليتوقف حديثها مع نحيب يصدُر من حولها، لتطوف عينها سريعًا بالمكان فتقع على، أنثى تُختبئ أسفل ذراعيها، لتتحرك بهدوء نحوها، وبهمس مُشفق على غريب :

-لو سمحتي....

سارعت بمسح اهدابها العالقة بالدمع، وببسمة عمليه :

-ايوه..

ومضة خافته لهذا الوجه مرت بذهن "وداد"، وجهه رأتهُ قبل أشهر يبتسم، و بتساؤل :

-أنا شُفتك قبل كده.

حركت "مريم" رأسها بنفي :

-مش عارفه..

وبتردُد :

-أنتِ بتبكي ليه؟.

بسمة مُتكلفة كانت الجواب، قبل النفي :

-مببكيش، حاجه طرفت عيني..

بسمة حانيه، قبل أن تجلس علي الكُرسي المُقابل لمكتبها :

-متأكدة طرفت عينك مش قلبك!... رأت تخبط عينها، فأردفت بالقول.... كُل المشاكل بتهون، خليكي متأكدة أن أي مُشكلة في الدنيا ليها حل، كانت كبيرة أو صغيرة فهي ليها حل، خلي إيمانك بربنا كبير، عن إذنك ورحلت بصمت وكأن الرياح قررت حملها لتعصف بمكان أخر، بجُزء من نسيمها....

نظرت في اثرها بذهول، وهمست بتضرع "يا رب"، وتحركت لتغسل وجهها، وتعود للتفكير بعقلانية....

"رياح القدر قادرة على إهداءً روح تُطيب القلب قبل رحيلها في دُنيا البشر"

**

حل الليل بظلام دامس غير مُنير، بظلام مُخيف تقشعر لهُ الابدان، بظلام سيقتُل أقوى القلوب صلابة، ويهدم أقوى الجِبال قوة بعاصفة الموت، تلك العاصفة القادرة على الفتك بقلوب اعتى الرجال قوة، عاصفة لم ولن ترحم كبير كان أو صغير، عاصفة خُلِقت لنهاية من دروب الوهم والتحليق في سماء الحق، دروب سيبكي فيها المُحب بدمائُه قبل دمع عيناهُ، سيبكي القلب، وتنوح الروح، وتتألم الأجساد من فرط الشوق لعِناق دافئ بنكهة الود الخاص، عِناق خالي من أدنى تكلُف يُصيب البشر، اليوم سيرحل حبيب، ليس حبيبٌ بالكُنية فقط، بل رفيقٌ لروح، تلك الروح التي آمنت وصدقت أن الحياة لن تكتمل سوي بهذا العِناق، عِناق سيُحرم على القلب قبل الجسد، وستتلاشى كلِمات الود، وتبقى أشواك الحُزن والفُراق تضمرُ بالروح، كان هذا أقل تعبير يصفُ حالتها، فقبل دقائق كانت أكبر طامة تحلُ بعالمها قد وقعت، والجواب كان كلمة أن والدتها رحلت بسلام، تاركها في دروب عفِنة....

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة