-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الخامس والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس والعشرون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الخامس والعشرون

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الخامس والعشرون

 حالة من الجنون إجتاحت أوصال ذلك الثائر، صرختها تدوي بمسامعه، لتزلزل كيانه بأكمله، قلبه يحترق لوعة، ألاف الأفكار تزاحمت وتصارعت برأسه، العالم حوله إنقلب رأسًا على عقب، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، توسلات عديدة لها بأن تجاوبه، صرخات قلبه تتوسل لها بأن تبث ولو قليل من الإطمئنان، صرخ "ثائر" بذعر :

- "همس" ردي عليّا.... طمنيني يا حبيبتي.


نهض "علي" من مقعده بفزع لحال صديقه هاتفًا بصدمة :

- فيه إيه يا "ثائر"؟!!... "همس" مالها؟!!


أنفاسها اللاهثة هي ما جاوبه بعد إنقطاعها للحظات، لتلتقط الهاتف برعبّ جليّ مردفة ً بكلمة واحدة كانت كفيلة بأن تخرج الوحش الثائر من عرينه، ليركض مغادرًا ذلك المطعم الذي واعده" علي" باللقاء به، ولاقاه بالفعل، كلمة واحدة إعتصرت قلبه ومزقت، صوتها اللاهث المتحشرج أردف حروفها بثلعثم :

- حـ..... ا.... تـ.... م.


لكنه أجمع تلك الأحرف بسرعة البرق، وتيقن من وجودها بعالمها، ليستقل سيارته بجنون، ورافقه إليها "علي" الذي جهل ما حدث لصديقه.


إنطلق "ثائر" بأقصي سرعة تحملتها سيارته، أضواء مصابيح السيارات حوله مزدوجة بمشهد جعله أقرب لفقدان وعيه، بل لفقدان حياته بأكملها، وسط صرخات "علي" له بتوضيح الأمر، لكن كل ما كان يتفوه به :

-"حاتم"..... "همس".


لحظات.... دقائق... ربما ساعات.... مرت عليه كدهرٍ كامل، صورتها تقتحم زجاج سيارته، صرختها تحرق روحه، بل وقلبه أيضًا.


توقف بسيارته فجأة، ليترجل عنها مهرولًا دون أن يوصد بابها. لحقه "على" بمغادرتها وهو يطوف المنطقة كاملةً بنظراته الثاقبة.


بينما وجد "ثائر" من تهرول مغادرةً بنايتها لتركض نحوه وعلامات الفزع تنهش ملامحها كأنها تهرب من وحش كاسر يركض نحوها. ذعره تجاوز حدود المنطق لحالها المزري، تهاوت بين ذراعيه، لتشدد من إحتضانه بفزع أنثي ضلت طريقها بغابة من الذئاب، إرتجفت بين ذراعيه بقوة مزقت قلبه وحطمته.


شدد هو من إحتضانها بلهفة عاشق مشتاق لأن يبث الأمان لقلب معشوقته، لكن لا فائدة من كل هذا فحالة الجزع إستوطنت قلبها.


لتبتعد عنه قليلًا مشيرة بسبابتها المرتجفة نحو تلك البناية التي يقطنها "حاتم " مردفةً بتلعثم :

-حـ.... "حاتم" يا "ثائر"..... قتلوه.


صخرة عملاقة هوت فوق رأسه وحطمتها بقسوة، لتترنح خطواته الثابتة،و تغرق أحرف كلماته ببئر جوفه العميق، عيونه الزائغة التي حجظت وتأججت جحيمًا.


قفزات واسعة وكان "علي" بمدخل البناية يضغط زر إستدعاء المصعد، لحظات مرت عليه كالدهر إلى أن هبط المصعد ولحق به "ثائر" و "همس" وأوصد المصعد أبوابه.


بدأت رحلة عذابهم أو رحلة إحتراق أرواحهم، ذلك الذي تمنى أن يدفع المصعد بساعديه لأعلى للإطمئنان على صديقه، والآخر الذي شدد من إحتضان من تتزلزل ذراتها بين ذراعيه، أما هي فقد شهدت على بشاعة تلك الجريمة الوحشية، أي وحش أقدم على تلك الجريمة الشنعاء، فرغ رصاص سلاحه كاملًا بأجساد عائلتها، نعم فهي أحد أفراد تلك العائلة حتى وإن غابت عنهم.


الشك ساور الجميع، مئات الأفكار تعصف بأذهانهم، إلا هي يقينها التام بقتلهما جعلها تذرف دمعات الألم والحسرة لفراق من كان لها نعم الأخ والسند، حتى "منة" علاقتها بها حديثة العهد لم تتجاوز بضع ساعات إلا أنها أحد أفراد عائلتها.


أخيرًا... توقف المصعد للتوقف معه أنفاسهم اللاهثة، دقاتهم المتلاطمة، إنطبقت جدران المصعد على أرواحهم فإختنقت، إلى أن إنفتحت أبوابه لتهب تلك البرودة التي فشلت في إثلاج أجسادهم المشتعلة.


غادر "علي" المصعد راكضًا ليلمح باب الشقة شبة مفتوح، فدفعه بحرص وحذر، لكن بشاعة ما وقعت عليه أنظاره زلزلته بقسوة ليستند بكلتا يديه على طرفي الباب، ليحجب الرؤية عمن دفعه بقوة لكن ذلك الجبل الشامخ لم يتزحزح قيد أنمله، ليلتفت نحو صديقه فيدفعه بعيدًا عن الباب، إلا أنا "ثائر" أزاحه بعيدًا ودلف إلى شقة أخيه لتخونه قدماه ويهوي أرضًا إلى جوارهما.


"حاتم" مُلقي أرضًا مطروحًا على ظهره، جثة هامدة غارقًا بدمائه، إلى جواره "منة" التي طُرحت أرضًا على وجهها وجسدها مُخترق برصاصات الغدر التي أنزفتها فجعلت كنزتها الزهرية دامية فأدمت قلوب الجميع.


بينما دلفت "همس" بخطي ثقيلة مرتجفة إلى أن وقعت أنظارها على ذلك المشهد القاسي لتهوي أرضًا فاقدةً وعيها.


إستعادت وعيها تدريجيًا لتجد نفسها بفراش ما وإلى جوارها "هايدي" التي إنهمرت دمعاتها الملتاعة لبشاعة مصير جارهما الطيب وزوجته، وقلبها يئن لحال صديقتها التي ما إن إستعادت وعيها، حتى فقدته ثانية، إلى أن حقنها الطبيب ببعض المهدئات.


رجال الشرطة حاوطت البناية، وسيارات الإسعاف تحمل بين جوانبها قلوب عائلة

بأسرها، لتنطلق مسرعة إلى أقرب مشفى لهم، ويلحق بها "ثائر" بقلب فقد نبضه ودقاته، وروح فقدت شغفها ورفعت رايات الإستسلام لليأس والألم .


توقفت سيارات الإسعاف أمام المشفى، لتتبعها سيارة "ثائر" وصرير عجلاتها يصرخ غاضبًا في الجميع لإخلاء الطريق أمامهم.


ليترجل "ثائر" عنها مسرعًا، ويلحق بأخيه الذي حمله طاقم التمريض بالمشفى بذلك الفراش المتحرك، ليدلفوا مهرولين إلى الداخل. وأخرين يحملون "منة" الغارقة هي الأخرى بدمائها ليتبعوا زوجها إلى غرفة العمليات.


دلف "حاتم" إلى إحدى غرف العمليات وتبعه فريق طبي كامل، ليجذب "ثائر" الطبيب نحوه من ياقة معطف العمليات الخاص به ليصرخ إلى جواره بصوت متحشرج :

- يطلع سليم بدل ما أجيب عليها واطيها إنت فاهم.


أومأ الطبيب برأسه عدة مرات قبل أن يردف بإرتباك جلي :

- إن شاء الله.... قول يارب.


أغمض "ثائر" عيناه مرددًا بتوسل :

- يارب.


ودفع الطبيب تجاه غرفة العمليات زافرًا زفرة جحيمية، ليلتفت نحو "منة" التي كادت أن تدلف إلى غرفة العمليات الأخرى، ليهتف "ثائر" بقوة موجهًا كلماته إلى طبيب العمليات :

- لازم تعيش.... لازم يعيشوا.... فاهمين.


*******


غرفة "هايدي".


إستعادت "همس" وعيها تدريجيًا، لتجد "هايدي" ووالدتها إلى جوارها وعلامات القلق، والأسي تنهش ملامحهم. رفعت جذعها إلى أعلى لتعتدل بالفراش وجلست إلى طرفه ممددةً ساقاها إلى أسفل، وأخذت تبحث بأقدامها عن حذائها لتنتعله ناهضةً بترنح شديد ، بينما حاولت" هايدي" أن تمنعها من ذلك، مرددة ببكاء :

- إهدي يا حبيبتي إنتي مش قادرة تقفي على رجلك، مفعول المهدئ لسه مارحش.


دفعت يدها بعيدًا، وهي تردد بصرامة :

- إبعدي يا "هايدي" مش هسيب "ثائر" لوحده في موقف زي ده.


لتردف والدة "هايدي" بأسي :

- يا بنتي جوزك راح المستشفى مع أخوه ومرات أخوه ماتشيلهوش همك إنتي كمان.


غادر "همس" الغرفة دون الإلتفات إلى أحاديثهم السخيفة، لتركض نحو شقة "حاتم" التي يُرابض أمامها أحد العساكر الذي منعها من الدلوف إليها لتهتف بغضب شديد :

- يعني إيه ماينفعش؟!!

عايزة أفهم إيه اللي حصل.


أجابها العسكري بجدية :

- ممنوع يا مدام.


ليخرج إليها "علي" وعلامات الجدية والصرامة تكسو ملامح وجهه، مردفًا بحزم :

- سيبها يا إبني... إتفضلي يا مدام "همس".


دلفت "همس" إلى الداخل مردفةً ببكاء :

- أستاذ "علي" أرجوك تقولي إنهم بخير، عشان خاطر ربنا طمني عليهم.


زفر "على" زفرة قوية، وأردف بنبرة هادئة، متيقنة :

- إن شاء الله خير... هما دلوقتي في غرفة العمليات... إدعيلهم.


تنهدت "همس" ببكاء، وهي تردد مناجيةً ربها :

- يارب.... يارب.


وإستدارت مغادرة وهي تردد بلهفة :

- أنا لازم أروح لهم، لازم أكون جنب "ثائر" في الوقت ده.


ليسوقفها صوت "علي" الجادي :

- إستني يا مدام "همس" وكيل النيابة عايز يسألك سؤالين عشان التحقيق.... وبعدين إنتي تعرفي هما في أي مستشفى ؟


إستدارت كليًّا لتصبح مواجهةً له، وحركت رأسها نافية قبل أن تردف بصوت إختنقه البكاء :

- لأ ... مش عارفة.


إنضم إليهم وكيل النائب العام، ليردف بجدية :

- حضرتك مدام "همس السيوفي"؟


أومأت برأسها مؤكدة دون أن تتفوه بكلمات، فكانت دمعاتها المنهمرة هي جوابها المُؤكد.


وكيل النيابة بجدية :

- حضرتك الشاهدة الوحيدة على الحادث المؤلم ده، ممكن حضرتك تحكيلنا بالتفصيل إيه اللي حصل؟


إزدادت دمعاتها لهيبًا، وشهقاتها إرتفاعًا، ودقاتها تلاطمًا، وأنفاسها تقطعًا ، جسدها الذي صار ينتفض بشدة، لتحرك رأسها نافيةً كلما تذكرت ما حدث.


كانت حالتها يرثى لها، فإنفطر قلب "على" علي ما وصلت إليه تلك الفتاة الرقيقة، ليلتفت نحو وكيل النيابة مردفًا بتمنى :

- ممكن نأجل إفادتها لحد ما تهدي، أكيد حضرتك شايف إنهيار مدام "همس".


أومأ برأسه مردفًا بجدية :

- تمام.... مجرد ما مدام "همس" تهدي ياريت حضرتها تشرفنا في النيابة عشان نستكمل التحقيقات... بعد إذنك.


فجاوبه "علي" بثبات :

- شكرًا جزيلًا لحضرتك، إتفضل.


وإتجه نحو المطبخ، ليأتي بكأس من العصير وناولها إياه مردفًا بود :

- ممكن تهدي وتشربي العصير ده عشان نروح نطمن على "حاتم".


أومأت له برأسها و هي تتناول منه كأس العصير؛ لتتجرعه على دفعة واحدة علّه يرطب جفاف حلقها، ويثلج نار قلبها، لتردف بلهفة :

- الحمد لله... يلا لو سمحت لازم أكون هناك.


وغادرا سويًا البناية ليتجها نحو سيارة "علي"، حتى وجدت من يركض نحوها مرددًا بحنو :

- "همس".


إستدارت نحو ذلك الصوت، لتركض إليه مهرولةً وتدفن رأسها بين ذراعيه باكيةً بأنين مزق قلبه، وهي تردد بأسي :

- بابا.... أستاذ "حاتم" و"منة".....


شدد "عبد العزيز "من إحتضانها مربتًا على ظهرها بحنان وعطف ، مرددًا بإستنكار :

- ليه الإنكسار ده؟!!

إجمدي كده وإدعي ربنا يقومهم بالسلامة، وإن شاء الله ربنا مش هيضرنا أبدًا... يلا عشان نروح لجوزك المستشفى أنا كنت نازل رايحله.


رفعت عيناها الباكية نحو "علي"، وأردفت بهدوء :

- حضرة المقدم "على إبراهيم" يا بابا صديق "ثائر" وكنا رايحين المستشفى دلوقتي.

وده بابا يا أستاذ "علي".


إتجه نحوه "علي" ليصافحه بمودة مردفًا :

- أهلا بحضرتك يا "عمي"، إتفضل معانا إحنا رايحين لهم.


إستقل "عبد العزيز" السيارة إلى جوار "علي" بينما إستقلت "همس" المقعد الخلفي للسيارة، لينطلق "على" مسرعًا نحو المشفى.


دمعاتها تتهاوى بغزارة، وتتجسد صورته المبتسمة أمامها، لتغمض عيناها بقوة لكن تهاجمها ذكرى آخر حوار بينهما.


فلاش باك.


غادرت "همس" المصعد بدموع حجبت عنها رؤية ما حولها، لتتجه نحو الباب الجانبي للقصر ومنه إلى الحديقة، فتركض مهرولةً بقلبها الممزق، فقد أحرقها معشوقها بشكوكه وظنونه الواهية...

من يظنها ليصدق كل هذا؟!!

أي عبث هذا؟!!


وصلت إلى البوابة بحالتها تلك، ليحاول الأمن إيقافها ومساعدتها إلا أنها رفضت وغادرت القصر برمتة...


ركضت وركضت وتعالت شهقاتها بأنفاسٍ متقطعة، كانت تركض كمن تحاول الهرب من وحش كاسر، كلماته دوت أصدائها بمسامعها، معاملته القاسية نهشت قلبها ومزقته.


تذكرت قسوته وغضبه، جنونه وإنفعاله، هجره وفراقه، لتتضاعف سرعتها، وتتضاعف شهقاتها.


لتجد من يميل نحوها بسيارته بشكل مفاجئ، ليستوقفها، ويترجل هو الآخر عنها وعلامات القلق والإستنكار تلتهم معالم وجهه بشراهة ، ليردف :

- "همس"!!... فيه إيه؟!!

بتجري كده ليه كأنك بتهربي من الموت؟!!


رفعت عيناها الدامية نحوه، لتردف بتوسل :

-أرجوك يا أستاذ "حاتم" عايزة أمشي من هنا... ممكن تساعدني... أرجوك.


عقد "حاتم" جبينه بصدمة، مرددة بإستنكار أكبر :

-تمشي من هنا ليه؟!!

وبعدين أنا "حاتم" أخوكي الكبير.... يعني كلمة أستاذ دي مش حاببها.


أغمضت عيناها بقوة، وفتحتها سريعًا ملتفتةً نحو القصر، لتُعيد أنظارها الزائغة نحوه مرة أخرى، مردفةً بتوسل :

- عشان خاطر ربنا عايزة أمشي من هنا.... ممكن تساعدني.


أشار بيده نحو باب سيارته، ليردف متنهدًا بإستسلام :

- تمام... إركبي يلا.


إستقلت المقعد المجاور له، وإستقل هو مقعد القيادة، وإنطلق مغادرًا هذا التجمع السكني الراقي.


ليلتقط "حاتم" محرمة ورقية، وناولها لها لتزيل بها تلك الدمعات، التي تسيل كفيضان عاصف يدمر كل ما يواجهه بطريقه، مردفًا بود :

- ممكن تمسحي دموعك وتفهميني فيه إيه؟


تناولها منه لتردف بحشرجة من أثر البكاء :

- مفيش حاجة، عايزة أروح بيت بابا.


تنهد "حاتم" بهدوء، ليردف بأخوة :

- بيت بابا في أول أسبوع ليكي في الجواز يا "همس".... طيب ده ينفع؟!!

ليه تشيلي عمي "عبد العزيز" هموم هو في غنى عنها، حتى لو زعلانة من "ثائر" إخواتك موجودة، ولا إحنا مش إخواتك ولا إيه؟


حركت "همس" رأسها نافيةً ببكاء، لتردف بتلعثم :

- إ.. إ.. إخواتي طبعًا.


أردف "حاتم" بود، ومحبة شديدين :

- طب ممكن تسمعي نصيحة أخوكي الكبير.


أومأت برأسها مؤكدة دون أن تتفوه بكلمة، ليردد هو مكملًا :

- مهما يحصل من مشاكل بينك وبين جوزك إوعي تسيبي بيتك يوم، لأن يومها الفجوة بينكم هتوسع، والمسافات هتزيد، لكن طول ما إنتوا في مكان واحد أي مشكلة بيكون حلها سهل وبسيط.


تنهدت "همس" بمرارة، وهي تغمض عيناها مردفةً :

-لو بقيت معاه في نفس المكان ممكن أكرهه، لكن الأكيد إني هكره نفسي وضعفها، وأنا مش كده، يعني لازم أبعد وأعيد حساباتي.


مط "حاتم" فمه بإستنكار، مرددًا بتهكم :

- تكرهيه! ..... كلمة صعبة قوي.. لو تعرفي "ثائر" بيحبك لأي درجة هتغفري أي ذنب يرتكبه وهتسامحيه.... "ثائر" اللي طول عمره عقل شغال وبس، إكتشفنا إن عنده قلب لما دق بحبك.... إوعي يوم تفكري مجرد تفكير في الكلمة دي يا "همس" لأن "ثائر" ما يستاهلش منك كده.


إستشعرت كانت كلمة قاسية!

هل حقًا سيأتي يوم ما وتعلن عن وجود تلك الكلمة بقاموسها الذي لطالما خُذفت من جميع أوراقه؟

لربما يكون خانها التعبير، فهي حقًا تعشقه حد الجنون، ولن تتنازل عن عشقه يوم، بل ستضاعفه وتنميه ليزهر أيامها القادمة.


لتتنهد ببعض الراحة، مردفة بإستسلام :

- تمام أنا مش هروح عند بابا، وبرضه مش هرجع القصر.


ضيق "حاتم" عيناه، ليردف مستنكرًا :

-أومال هتروحي فين؟!!


جاوبته "همس" بتأكيد :

- هقعد في الأوضتين اللي كانت قاعدة فيهم تيتة فريدة، بس ده سر بينا، يومين كده هفكر وهرجع تاني.


ليجذبها من شرودها أصوات صرير عجلات سيارة على التي إصطفت لتوها أمام الباب الرئيسي للمشفى.


*********

أمام غرفة العمليات.


أنفاسه اللاهثة تنفث جحيمًا مستعرًا لمن تجرأ على تلك الفعلة الخسيسة فـ "حاتم " مسالم إلى أبعد الحدود ليست له عدوات مع أحد، حتى عدوات العمل فالمتصدر لها دائما وأبدًا هو ذلك الوحش الثائر.


إلى أي حد أنتزعت من قلوبهم الرحمة، لكن عن أي رحمة تتحدث فالقاتل المأجور أُنتزعت منه جميع معالم الإنسانية، فعندما تكون المهنة هي قتل البشر دون أن يرف لك جفن، فلا تحدثني عن أية إنسانية ولا أية رحمة.


عيناه جمرتان من النيران المتأججة، جميع عروق جسده نافره ومتأهبة للإنتقام، يُقسم بجحيم قادم لأعدائه، لمن تجرأ وأذي رفيق دربه وسنده برحلته. هيئته وحش كاسر يزمجر بقوة كاشفًا عن أنيابه، مستعد للإنقضاض على فريسته أيًا كانت شراستها.


صدره يعلو ويهبط لمسافات متباعده، محيطه مشتعل نيرانًا، من يقترب منه لأمتار قليلة تلفحه نيران الغضب، ثابت بموضعه، بل متسمر بالأرض وحدقتاه تجول بتلك المسافة الفاصلة بينه وبين غرفة العمليات.


ركضت إحدى فتيات التمريض مغادرة الغرفة بهرولة، لتجد قبضة قوية تعتصر معصمها وتوقفها جبرًا، ليهتف بصوته الرخيم :

- إيه اللي بيحصل جوه، بقالكم أكتر من ساعتين في أم المخروبة دي ومحدش بيخرج يطمني.


علامات الألم والرهبة نهشت ملامحها بإفتراس، لتردف بتلعثم :

- ا.. الـ... الحالة صعبة يا أستاذ، إدعيله ربنا يلطف بيه.


شدد "ثائر" من قبضته، وهمس إلى جوارها بفحيح أفعى سامة :

- لو حصلله حاجة هخلي كل اللي في المستشفى دي يسبقوه على القبر..... فاهمة.


نيران حارقة لفحت صفحة وجهها المشتعلة رُعبًا، دقاتها دوت أصدائها بالمكان، أنفاسها اللاهثة توسلته بالتصفح والغفران، حدقتاها الجاحظة فصحت عن إقرارها له بالذعر والفزع.


ركضت نحوه مهرولةً ومعالم وجهها فشلت في إخفاء ذعرها، لتجذب يد تلك الفتاة التي قادتها الظروف لملاقاة ذلك الثائر في أوج غضبه وإنفعاله، لتردف بتوسل :

- سيب إيدها يا "ثائر".... لو سمحت سيبها عشان تشوف شغلها.


دفعها بعيدًا عنه لتتنفس الصعداء، وهي تركض مهرولةً نحو غرفة الأطباء للإستعانة بطبيب آخر.


أما هو فأنظاره مثبتة بمكان آخر أو بالأحرى نحو شخص آخر، نظراته المتوعدة بالإنتقام ممن تجرأ على هذا موجهة نحو "علي" ليردف بصوته المتحشرج :

- وصلت لإيه يا "علي"؟

عايز الكلاب دي تحت رجلي، لو مش عارف سيبني أتصرف.


تنهد "على" بهدوء ليقترب منه بخُطاه الثابتة مردفًا بوعيد :

- أقسم بالله العلي العظيم لأجيبهم تحت رجلي قبلك وأدفعهم تمن اللي عملوه لآخر نقطة دم.


إقترب "عبد العزيز " من ثائر ليردف بأسي وألم رافق أحرف كلماته :

- إن شاء الله هيعدي منها على خير يا إبني، ربك لطيف بعباده.


أغمض "ثائر" عيناه الحارقة، متنهدًا برجاء :

- يارب.... إدعيله يا عمي... إدعيله.


لتقترب "همس" منه، لتُصبح مقابلة له. رفعت عيناها الباكية مقابلة حدقتاه المتأججة، ورفعت يداها المرتجفة لتحتضن وجنتاه برفق، مردفةً بنبرتها الحانية :

- هيبقى كويس بإذن الله، عشان خاطر كل اللي بيحبوه هيبقى كويس يا حبيبي.


أغمض عيناه متنهدًا بأسي أحرق روحها، وأردف بدعاء :

- يارب.... يارب.


فتح عيناه نافثًا نيران غضبه، وموجهًا نظراته نحو صديقه ليردف بصرامة :

- "علي" تعالي معايا.


وغادرا سويًا نحو شرفة جانية لذلك الطابق، ليقترب "عبد العزيز" من إبنته ليجذبها نحو أحضانه مربتًا عليها بحنان، لتشدد هي الأخرى من إحتضانه وتعالي شهقاتها التي أحرقت قلوب الجميع،

متي سيُمحي ذلك الحادث الأليم من ذاكرتها؟

متى ستهدأ نفسها الهالعة؟

متى سيعود إليها سكونها الهامس ؟


******

قصر السيوفي


تحديداً غرفة" خالد".


إتكأت على يدها بفراشها تتصفح تلك الصور التي جمعتها برفيقتها بإشتياق، لتتمرد تلك الدمعات الملتاعة، لتردف بأنين :

-ياترى إنتي فين يا حبيبتي؟.... وحشتيني قوي... يارب تكوني بخير.


إقترب منها بأسي لحالها ولحال أخيه، ليجلس إلى جوارها بطرف الفراش ملتقطًا يدها بين يديه ليقربها من شفتاه العاشقة ويلثمها بوله مردفًا بإبتسامته العذبة :

- هترجع بالسلامة يا حبيبتي.... "ثائر" مش هيسيبها بعيد عنه أكتر من كده.


تنهدت بأسي مردفة :

- يارب يا "خالد" يارب... وحشتني قوي.


تنهد "خالد" براحة، وأردف مقترحًا :

- طيب حاولي ترني عليها يمكن تكون فتحت تليفونها.


إلتقطت هاتفها في محاولة للإتصال وهي تردد :

- عندك حق من وقت ماوصلتوا وأنا ماحاولتش إتصل بيها.....


لكنها قطعت كلماتها حينما وجدت الهاتف يصدح بإشعار الرنين بالجهة المقابلة لتهم معتدلة بجلستها وقد أشرقت ملامحها بهجة، لتردف بسعادة :

- بيرن.. بيرن... فتحت التليفون.


وضغطت زر مكبر الصوت، مردفةً بتأكيد :

- والله بيرن يا "خالد".... سامع.


إتسعت إبتسامته ليأتيها صوت "همس" الشجي قبل أن يجاوبها "خالد" بكلمة واحدة، لتنهض "ضحي" من فراشها بسعادة وإشتياق دون أن تلاحظ نبرة صوت صديقتها، لتردف بعتاب ولوم :

- إنتي فين يا حبيبتي؟... نهون عليكي تسيبينا كده من غير ما تبصي وراكي.


شهقاتها المتصاعدة، وأنينها المكتوم كان جوابها القاسي، لتدب رجفة قوية بأوصال "ضحي" وقبضة أقوى إعتصرت قلبها بقسوة، لتردف بلهفة :

- فيه إيه يا "همس"؟!!

إنتي فين يا حبيبتي؟!!


دمعاتها الحارقة إختنقت أحرفها لتردف بكلمات غير مفهومة ولا مترابطة من الأساس :

- حـ.... قـ... مستشفى.


بينما هب "خالد" من مجلسه مهرولًا ليلتقط الهاتف من "ضحي" التي إنهمرت دمعاتها لحال صديقتها المجهول السبب، أو إلى الآن سببه مجهول بالنسبة إليهم، ليردد بلهفة :

- "همس"... "همس"... إهدي كده وفهمينا إنتي فين وإحنا هنجيلك حالًا... إهدي.


لكن شهقاتها إزدادت إرتفاعًا فالأمر بات مُوجعًا كيف ستخبر شقيقه بأمر ذلك الحادث، لتغمض عيناها بأسي، مردفة بثبات :

- "منة" و"حاتم" عملوا حادثة وإحنا في المستشفى دلوقتي.


صعقة قوية هوت على رؤسهم أفقدتها النطق، وأشعلته ذُعرًا ليهتف بإستنكار :

- "حاتم" مين؟!!... و "منة" مين؟!!

وحادثة إيه؟!!

إنتي بتقولي إيه يا "همس" بتقولي إيه؟!!!


تنهدت بألم مردفةً :

- إحنا في مستشفى (٠٠٠٠٠) و"ثائر" موجود معانا يا "خالد".


مجرد ذكرها لإسم ذلك الثائر إقتلع قلبه من موضعه ومزقه إربًا بقسوة كلماتها، ليركض نحو خزانة ملابسه ويجذب بنطال جينز و(تيشرت) ليبدل ثياب نومه ولازال الخط مفتوح بينهما، ليهتف بصراخ :

- إحكيلي الحقيقة يا "همس" أخويا فين دلوقتي؟


دمعاتها الحارقة أذابت أحرفها لتردف بتلعثم :

- في... في.... في العمليات.


بسرعة البرق كان قد أبدل ثيابه وكذلك "ضحي" ليغادرا الغرفة مهرولين إلى المشفى، بينما قابلهم "حمزة" بطريقهم ليعقد جبينه مستنكرًا من حالتهم إلا أن ذلك الإستنكار تحول إلى صدمة حينما تسلل إلى مسامعه صوت "همس" الباكي بكلماتها :

- "حاتم" في العمليات بقاله ٣ ساعات يا "خالد".


صرخ "حمزة" مستنكرًا :

- إنتوا إتجننتوا... مين ده اللي في العمليات؟


كلمة هوت على مسامعها ليهوي معها قلبها فصرخت باكية :

- مين ده يا "حمزة"؟ مين؟


ركض الجميع إلى سيارة واحدة ولازالت "همس" معهم بأنفاسها المتقطعة وقلوبهم التي قد أعلنت توقفها بين الحين والآخر، دمعات "هيا" الحارقة لأرواح إحترقت بالفعل كمن يسكب وقودًا بجحيم متأجج.


قاد "خالد" السيارة بأقصي سرعة تتحملها سيارة بالعالم، إلى جواره "حمزة " التي إشتعلت عيناه بجحيم الإنتقام.


دقائق وكانت السيارة بساحة المشفى ليغادرها أربعتهم مهرولين نحو الداخل دون النظر إلى تلك الأبواب الأربع التي لازالت مفتوحة على مصرعيها.


عائلة "السيوفي" غنية عن التعريف فجميع الأبواب فُتحت لهم والجميع تنحي جانبًا من أمام عاصفتهم المدمرة، لتشير إحداهما بسبابتها نحو طابق العمليات دون أن تنبس ببنت شفه.


أخذون الدرج قفزات سريعة، فيقينهم أنهم أسرع من أسرع مصاعد العالم، أربعة طوابق تخطوها بلحظات ثقيلة وقاسية، ليرمقون "همس" التي إستندت إلى ذلك الحائط الصلب علّه يقاوم معها صدماتها المتتالية.


ركض الجميع نحوها برفض لذلك الهراء، ليردف "حمزة" بإستنكار :

- مش "حاتم" أخويا يا "همس"... صح؟

مش "حاتم"


دمعاتها المنهمرة كانت جوابها الأصدق، لتومأ برأسها مؤكدةً حتى ترنحت أقدام "هيا" وتهاوت أرضًا بأعين تذرف دمعات لوعة وأسي.


لتدنو "ضحي" إليها وتجلس إلى جوارها وتجذبها نحو أحضانها فتشدد "هيا" من إحتضانها صارخة صرخة زلزلت جدران المشفى وقلوب من حولها :

- أبيه "حاتم".... لأاااااا.


دوت تلك الصرخة بقلب ذلك الثائر ليركض نحو غرفة العمليات وتبعه "علي"، ليجد من يركض نحو محركًا رأسه برفض :

- مش "حاتم" يا "ثائر".... مش "حاتم".


دون أن يجاوبه "ثائر" بكلمة كان الطبيب إنضم إليهم طارقًا رأسه لأسفل مرددًا بأسي :

- البقاء لله..... أستاذ "حاتم".


عندما تتحالف جميع قوي الشر لتعصف بك وتدمرك، فلا منجي لك سوي خالقك، فدائما بقضاء ربك رحمة، دائما هناك لطفًا خفي.


صاعقة قوية عصفت بقلوبهم فأشعلتها نيرانًا لتتعالي صرخات الفتيات حينما إستسلمت "هيا" لتلك الدوامة القوية التي تجذبها نحوها ففقدت وعيها دون أدنى مقاومة.


ركض "حمزة" نحوها ليحملها بين ذراعيه ويضمها إلى صدره صارخًا بجنون:

- دكتور..... دكتور...


إقترب منه ذلك الطبيب الذي تولي مسئولية إبلاغهم تلك الكارثة، ليدفعه "حمزة" بعيدًا عنها،رامقًا إياه بنظراته النارية :

- إنت لأ.... إنت حسابك لسه مجاش.... غور من وشي.


إقترب "علي" منه بحزن وأسي مردفًا :

- تعالي معايا يا "حمزة" وأنا هجيب لها دكتور.


ورافقه إلى إحدى الغرف، ليستدعي "علي" طبيبة لفحصها. إنتظر "حمزة" و "علي" خارج الغرفة إلى أن خرجت الطبيبة بوجهها المتجهم مردفةً بأسي :

- إنهيار عصبي حاد، وأنا علقتلها محاليل وإديتها مهدئ.....

والبقاء لله في وفاة أستاذ "حاتم".


أومأ لها "علي" برأسه قبل أن يردف بثبات :

- ونعم بالله... إتفضلي حضرتك.


وإلتفتت نحو "حمزة" مردفًا :

- إدخل لها يا "حمزة" وخليك جانبها... أنا هروح لـ "ثائر" و "خالد" هشوف هنعمل إيه، ونطمن كمان على اللي لسه في أوضة العمليات دي.


أومأ "حمزة" برأسه، ودلف إليها بقلبٍ فقد جميع معالم الحياة، فقد نبضه، فقد أنفاسه، فقد أخيه الذي لطالما كان خير مُعين له.


فلاش باك.


جلس حمزة بتلك الأرجوحة شاردًا مهمومًا ليجد من يقترب منه بهدوء ويدفع تلك الأرجوحة بقوة لينتفض جسده بقوة، ويلتفت للخلف فيلمح إبتسامته التي دائمًا ما تلازم ملامحه البشوشة، لينهد براحة مردفًا :

- "حاتم"!! ... تعالي.


إستدار "حاتم" حول تلك الأرجوحة ليجلس إلى جوار "حمزة" مربتًا على يده بود، مردفًا بمشاكسة :

- مالك يا واد؟!!... شايل طاجن ستك "فريدة" هانم "السيوفي" ليه؟!!


إنفرجت إبتسامة "حمزة"، ليردف بتحذير :

- إوعي تسمعك.... تطلع عليك عفاريت سلطح ملطح باشا.


تعالت ضحكات "حاتم" الرجولية، وحرك رأسه نافيًا :

- كان زمان يا إبني، دلوقتي جدتك إتغيرت وجت صالحتني أنا و"منة" ورجعتنا القصر.

بس ما قولتليش مالك؟... شكلك مهموم.


زفر "حمزة" زفرة قوية، مردفًا بنفي :

- مفيش... تعبان شوية.


أجابه "حاتم" بعدم تصديق :

- تمام... هحاول أعمل نفسي مصدقك.... يلا تصبح على خير.


نهض "حاتم" من جواره، وإستدار مغادرًا ليجده أردف بعشق :

- أنا بحب "هيا" وعايز أتجوزها.


إبتسم "حاتم" بتهكم فهو يعلم جيدًا مدى عشق "حمزة" لشقيقته ومدي عشقها له، فهو عشق الطفولة والشباب....


ليزفر زفرة قوية ويرسم معالم الغضب بملامحه، وستدار هاتفًا بإستنكار :

- نعم يا حبيبي!!!... بتحب مين؟!!

وعايز تتجوز مين؟!!


نهض "حمزة" من مجلسه ليصبح مقابلًا له، ليردف بثبات وصرامة :

- بحب أختك وعايز أتجوزها.


حرك "حاتم" رأسه نافيًا :

- وأنا مش موافق، وأختي هتسافر تكمل دراستها في أمريكا، واللي يشاور عليه قلبها هجوزهولها حتى لو مين.


إشتعلت حدقتاه غضبًا ليردف ضاغطًا على أحرف كلماته :

- هقتلها وأقتله وأقتلك يا "حاتم يا سيوفي" لو فكرت تسفر أختك بره مصر أو تجوزها واحد غيري.


إقترب منه "حاتم" بشموخ ليردف بتحدٍ سافر :

- أختي الصغيرة وأنا ولي أمرها وأعمل اللي يعجبني، وإبقي وريني شطارتك يا "حمزة يا سيوفي".


إقترب منه "حمزة" بكبرياء عاقدًا ساعديه أعلى صدره بشموخ مردفًا بتحدٍ أكبر :

- هتشوف يا "حاتم يا سيوفي".... هتشوف.


صرخة مدوية مزقت قلبه وإنتشلته من ذِكراه، ليركض نحوها ويضمها إلى صدره بقوة، لتتمرد تلك الدمعات الحارقة من حدقتاه، وتستكين معشوقته بين ذراعيه، ليضعها بفراشها مرة أخرى.


********


أمام غرفة العمليات.


حالة من الفوضى أحدثها "خالد" بدلوفه إلى غرفة العمليات وتحطيم جميع الأجهزة بها. إنهال ضربًا على جميع الأطباء والممرضين، صرخات زلزلت غرفة العمليات، ليقترب من شقيقه في محاوله لجذبه عنوة، ليجد لكمة قوية تتهاوى على فكه فتعيده إلى رشده، وصراخ أقوى :

الميت له حرمة يا "خالد"... إوعي تفكر تعملها.


إرتمي بأحضانه، ليصرخ صرخات مزقت قلب الجميع، وأبكتهم :

- "حاتم" يا "ثائر"..... أخونا مات يا "ثائر ".


سياط لاذعة إنهالت على قلبه بضراوة لتمزقه أشلاءًا، فأغمض عيناه بثبات مردفًا :

- أمر ربنا يا حبيبي، كلنا زوار في رحلة نهايتها معروفة.


تعالت شهقاته التي أحرقت قلب "ثائر" فدموع الرجال غالية، ونحيبها أغلى وأقوى وأقسي.


ربت "ثائر" على ظهره بثبات.

نعم... فقد حان وقت الثبات والشموخ، حان وقت الثأر والإنتقام لأخيه... حان وقت حماية إخوته.... حان وقت الصمود.


وإرتمت "ضحي" بأحضان "همس" لتتعالي شهقاتهن ونحيبهن، فلتردد "همس" بدعاء:

- اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها.


راقب "على" ما يحدث بأعين مشتعلة بالإنتقام وقلب محترق لما تمر به تلك العائلة، ليزفر زفرة قوية أخرج بها لهيب قلبه، ليردف بصرامة :

- لازم تجمد يا "خالد" المدى قدامك طويل، لازم نخلص إجراءات الدفن عشان نعرف نجيب حقه.


بينما إبتعد "خالد" عن أحضان أخيه، وهو يزيل دمعاته بصرامة، وقد إشتعلت عيناه بجحيم قادم لمن سولت نفسه له إحراق قلب عائلة "السيوفي".


حتى دلف إليهم الطبيب الذي أشرف على جراحة "منة" ليردف بهدوء :

- الحمد لله عملية مدام "منة" نجحت.. وهي دلوقتي في الرعاية المركزة... إدعولها تعدي الـ ٤٨ ساعة الجاية على خير.... والبقاء لله في أستاذ "حاتم".


أومأ "ثائر" برأسه، ليلتفت نحو "على" مردفًا بصرامة :

- الإجراءات تخلص، عشان نلحق نغسله ونصلي عليه الضهر... الساعة دلوقتي ٩.


أومأ "علي" بتأكيد مردفًا :

- بإذن الله كل حاجة هتخلص على طول...


وإلتفت نحو "خالد" مردفًا بجدية :

- خد البنات إنت يا "خالد " وإطلع على القصر عشان "فريدة" هانم و طنط "نجلاء".


حرك "خالد" رأسه نافيًا، وهو يرددبإصرار :

- مش هسيب أخويا.... مش هسيبه.


هنا هتف "ثائر" بحدة :

- عاجبك منظر البنات كده، لازم يرجعوا القصر، ولازم تكون موجود جنب جدتك وجنب أمي..... يلا وأنا موجود هنا هخلص الإجراءات على ماتروحهم وتجيلي على هنا عشان نطلع بالدفنة.


إنصاع "خالد" لأوامره بعد إصرار شديد، وغادر متجهًا نحو القصر وبرفقته "ضحي" و "همس" ويغادر "عبد العزيز " إلى منزله لإحضار "حنان" و "عمر".


أما "حمزة" فلا زال إلى جوار معشوقته التي تستعيد وعيها للحظات تصرخ بها وتفقده سريعًا...

محاولات كثيرة من "همس" و "ضحي " للبقاء إلى جوارها، لكنها قُوبلت بالرفض التام من "حمزة"٠


********

قصر السيوفي.


حالة من القلق تساور "نجلاء" و "فريدة" فمنذ اللحظات الأولى من الصباح وهي تبحث عن الجميع لكن بلا فائدة، حاولت كثيرًا الإتصال بهم جميعًا لكن لا إجابة، تتنهد بقوة مردفةً :

- محدش فيهم بيرد يا ماما.... ربنا يسترها.


لتدور "فريدة" بجميع الأنحاء مرددةً بإستنكار :

- إزاي ماشين من بليل من غير ماحد يقولنا حاجة ولا يعرفنا، الأمن بيقول "خالد" كان هيخبطه بالعربية عشان يفتح البوابة.


حتى تسلل إلى مسامعها أصوات تلك الخطوات الثقيلة، لتلتف نحوها فتجد "خالد" و "همس" و "ضحي"، إبتسمت قليلًا لعودة" همس" لكن سرعان ماإختفت وحل محلها القلق والإرتباك لحالتهم المزرية، وإقتربت منهم مردفةً بإستنكار :

- كنتم فين؟!!!

الحارس بيقول إنك طلعت بالعربية زي المجنون.


وإقتربت منهم "نجلاء" بقلب أوشك على التوقف، هاتفة بجزع :

- مالكوا؟!!.... فيه إيه يا "خالد"؟!

فين "هيا"؟!!.. وفين" حمزة"؟!!

وإنتي رجعتي إزاي يا "همس"؟!!

"ثائر" راح لـ "علي" عشان يدوروا عليكي.


مواجهة حتمية وقعت على عاتق "خالد" من أين يأتي بالقوة ليخبرهم بتلك المصيبة؟!!

من أين يأتي بالطاقة ليتحمل ردة فعلهم؟!!

فهو فقد كل طاقته، فقد كل معالم حياته، إنحني ظهره وإنكسر.


دمعاتهم السخية كانت جواب بحدوث أمر ما، لكن لأي درجة، ولأي من أبنائها؟!!


إعتصرت ذراعه بقبضتها المرتجفة ودمعاتها التي تمردت وتهاوت، لتردف بذعر :

- فيه إيه يا "خالد "؟!!

حد من إخواتك تعبان؟!

طمن قلبي يا إبني بالله عليك.


شهقاته إرتفعت ونحيبه دوت أصداؤه بأرجاء القصر، لتحرك "نجلاء" رأسها رافضةً إحساسها، وتدفعه بقوتها الهزيلة للخلف، مرددة بهذيان :

- بتعيط ليه يا حبيبي... هو لما حد يتعب بنعيط عشانه؟!!


لم تستعب الأمر إلا حينما وجدت ثُقلًا تهاوي على صدرها وشدد من إحتضانها صارخًا صرخة مزقت القلوب :

- "حاتم" مات يا ماما..... "حاتم" مات.


دفعته بعيدًا عنها، وإنهالت عليه بصفعة قوية، مردفةً بتحذير :

- بعيد الشر.... ماتفولش على أخوك... إنت فاهم.


إرتطام قوي بالأرض كان جواب جملتها. فإلتفت الجميع نحوه، ليجدوا "فريدة" طريحة الأرض فاقدة لوعيها.


ركضوا جميعًا نحوها بفزع ماعدا "نجلاء"، ليحملها "خالد" إلى غرفتها وهاتفت "همس" الطبيب، وإلتقطت "ضحي" إحدى زجاجات العطور لتبدأ بنثر ذراتها بالقرب من أنف "فريدة" التي بدأت تحرك أهدابها ببكاء.


أما "نجلاء" فبعالم آخر يبتعد عن الجميع آلاف السنوات الضوئية، عالم رفضت به واقعها، تستنكر به هذا الهراء، عالم يجذبها إلى غيابات الموت، حركت رأسها نافيةً كل هذا، لتركض نحوها "ملك" ببكاء، مرددة بتوسل :

- طنط... أرجوكي خليكي معانا... طنط.... لو سمحتي فوقي....


بينما صفعها "ملك" صفعات خفيفة على وجنتاها لتجذبها إلى أرض الواقع، لكنها مستسلمة وبكل رحابة صدر.


ركضت "ملك" نحو المطبخ لتجلب زجاجة من المياه المثلجة وتسكبها بأكملها أعلى رأس "نجلاء" ، فإنتفض جسدها بقوة وقاومت إستسلامها وضعفها وإنكسارها، لتطوف بنظراتها الزائغة المكان حولها، صارخةً بلوعة :

- " حااااااااتم".


ساعات بطيئة مضت على الجميع، لتنتهي مراسم الغسل وصلاة الجنازة، لتتوجه أفراد عائلة السيوفي بجميع أفرادها إلى مدافن العائلة وسط نظرات الصدمة من البعض والإستنكار من البعض الآخر.


إقترب "علي" و "ثائر" و"خالد" و "حمزة" من ذلك الصندوق الذي ضم بين جنباته قطعة من أرواحهم المحترقة، ليحملوا جثمان "حاتم" ويضعوه إلى مثواه الأخير


و إنهمرت دمعاتهم جميعًا، لتحرق ما تبقى من رماد أرواحهم المحترقة، بينما دنى "خالد" من شقيقه وشدد من إحتضانه باكيًا بنحيب.


ليجذبه "علي" نحوه بقوة، مردفًا بجدية :

- ماينفعش كده يا "خالد" دلوقتي بين إيدين ربنا وإنت بتعذبه بعياطك ده، وبعدين إجمد عشان "هيا" محتاجاك جنبها.... إنت مش شايف شكلها بره عامل إزاي.... إهدى وإستغفر ربنا.


إنتهت مراسم الدفن، وبدأ الشيخ بتلاوة بعض أيات الذكر الحكيم، والإكثار من الدعاء للمتوفي، ولأهله بالصبر والسلوان.


وإصطف "ثائر" و "حمزة" و "خالد" وإلى جوارهم "علي" لتلقي العزاء من ذلك العدد القليل الذي سمح لهم "ثائر السيوفي" بإتباع الجنازة وحضور مراسم الدفن، فقد أقسموا ألا يتلقوا عزاء إلا بعد الإنتقام والثأر لأخيهم.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس والعشرون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة