-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل العاشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل العاشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل العاشر

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل العاشر

 طواحين الحياة...

"حياتُنا مثلُ طحون خُلقت لإنهاء كُل ما هو صلب، ولكن أترانا نستسلم!..

-كلا لم ولن نفعلها، ولكن ندوب القلب تقتُل، ونيران الروح المُشتعلة تؤلم، وانهارُ الدمعُ لا تجف قط، ربما سأفقد قوتي واسقُط في الجُب مُحتضنًا أحزاني، مُستمتعًا بما سيحلُ بيّ من إزالة الأحزان... "

تمرُ الايام بسرعة البرق، غير مُباليه بالبالغين، فقط تشرُق شمس الصباح وترحل دون رحمة، وكأن شظى العيش حُرم الذكر في حضرتُها، ولكن مع سقوط السِتار الأسود، تأن العيون، وتزقزق البطون، وكأن الليل اتصل بكُل ما هو مؤلم... زفرت" مريم" بمراره، واستدارت لتُغلق نافذة الشُرفة، وكأنها تقتُل نور الشمس الساطع، توقفت لهنيّة مُرحبة بكُل ود بتلك الومضات التي تورق مضجعه كُل ليلة... فقبل شهران انتقلت مع والدتها إلى شقة "سيد" بعد اصراره الدائم على المكوث ببيته، رضخت والدتُها في نهاية الأمر، على الرغم رفضها الشديد ؛ فكيف لها بالمكوث بجوار أبيها؟...

ليصدع أنين قلبها عند ذكر أبيها؛ ذاك الذي تخلي دون أن يرمش لهُ جفن عن والدتها، تُقسم أن قلبها لم يعُد يحتمل؛ فالصباح يأتي سريعًا والدتُها ترتدي قناع الجمود، ولكن حينما يحلُ المساء تلوذ بالغرفة التي يتشاركونها سويًا وتبكي كطفلٌ فقد والدهُ في العيد ، والدتُها تظن أنها لا تشعُر ولكنها تتألم لحالها بقوة.... ليتوقف عقلها عن تلك الومضات مع صوت أخيها الغاضب كعادتهُ في الأيام المُنصرمة، لتتحرك بتكاسُل شديد، وتُجيب :

-أيوه يا "رامي".

خرج "رامي" من غرفته والغضب يستعمر وجههُ، وبانفعال:

-مااااما...

وصلت "مريم" اليه بسرعة البرق، وبهمس :

-وطي صوتك؛ ماما نايمه... ولكن لا مُجيب..

تجاهل همسها، وزاد انفعال :

-فين الزفت..

بتساؤل غاضب من انفعاله :

-زفت ايه؟..

-القميص بتاعي فين؟.

-معرفش، يمكن في الغسيل...

وكأن شيطان من الجان تلبسهُ، فضرب باب الغرفة بقبضته :

-يوه بقا، دي بقت عيشه تقرف؛ لا عارفين ناكل ولا نلبس... ليزداد انفعاله مع صوت والدتُه الواهن..

قبل دقائق استيقظت "بدرية" من نومها؛ بفعل صُراخ ابنها، وتحركت بوهن تملكُها منذُ ستون يومًا، وكأن سنوات عمرها الأربعون تجاوزت المئة عام، فباتت قدمها تخذُلها من آن لأخر، ووجهها فقد بريقُه الطفولي، وخطوط الزمن احتلتها بكُل سفور غير مبالية بمالك الحُسن في ذقنها، وبنبرة ما :

-في ايه؟..

ليُكمل في انفعاله:

-هي ناقصة وعظ، أنا زهقت منكم...

ارتفع صوت "مريم" من فرط الغضب، وبلهجة هادرة :

-احترم نفسك بقا...

ضحكة ساخرة شقت عبوس وجهُه :

-مبقاش غيرك ولا ايه؟..

رأت حُزن والدتُها المُطل من عينها على حال ابنها البكري، وجنود الخذلان ملأت الأجواء، فدفعت لدفعه لغُرفته؛ من أجل إبعاد انفعالهُ عنها :

-ادخل يلا يا "رامي"... ولكن ما هي الا ثواني من وضع يدها فوق صدره، ودفعهُ للخلف بقوة واهنة، لتجد صفعة تسقُط على وجهها...

زاد غضبه؛ من دفعها لهُ، لترتفع يداهُ وتسقط على وجهها كطامة حلت بها، وصوته لا ينفك عن إكمال المزيد من الانفجارات في حياتهم :

-أنا هروح عند ابويا، و اشبعوا بفقركم... ورحل صافعًا الباب خلفه، فاهتزت جُدران البيت على اثره..

نفضت عنها رداء الصدمة، و الخيبة في أخيها، وركضت تضمُ والدتها، ويدها تربت برفق على كتفها، وكأنها أُمًا لها، وبهمس حنون نسجهُ البُكاء:

-هيرجع أنتِ عارفه "رامي"..

اتفرج صوت "بدرية" بحُزن دفين، وانهزام سحيق، وبمرارة العلقم :

-خلاص، وببكاء... روحي أنتِ كمان يا "مريم" عيشتكم معايا متنفعش، مش هتاخدي منها غير الفقر... وربتت بيدها على كتفها، وبهمس صادق من قلب أُم لا تُريد سوي الراحة لفلذات أكبدُها :

-روحي يا بنتي...

صعيق يُصيب روحها في مقتل؛ من لهجة والدتها البائسة، لتُسارع بالنفي، ويدها تشدُ من وثائق الاحتضان :

-مستحيل، ملكيش دعوة بحاجه أنا هتصرف.... ليصدع عقلها بتأكيد لفكرة روادتُها منذُ أيام...

"وحسرتا على جُزءٌ من جسدي قرر تركِ لأجل مرضٌ لعين، يُدعي بالجوع..."

**

صدع رنين الهاتف بجوارها، فسارعت "وداد" لإغلاقُه، وبهمس حنون، بجوار "ريتا" ، ويدها تُسافر في مُداعبة لخُصلات شعرها :

-"ريتا".. يلا يا حبيبتي... وتحركت من جوارها؛ لأنها تلك المهام التي جعلت تُلقي على عاتقها منذُ دخولها البيت قبل شهران، تستيقظ في الصباح لتجهيز الإفطار للجميع، وتعود بعد انتهاء الدوام فتُسارع بتجهيز الغداء وتجذب" ريتا" للعب بجوارها لحين الانتهاء، وبعدها تلوذ بها في غرفتها لنوم ساعتين، قبل العودة لإنهاء الواجبات المدرسية، فتُثير الكثير والكثير من غيظ "فادية"، وصلت المطبخ لتبدأ بإعداد الشطائر، لتتعجب من جود "حسن" وبتساؤل غريب :

-ايه الي مصحيك بدري؟..

ابتسم "حسن" لها بود، فقد جمعتهم علاقة ارتياح،، واحترام مُتبادل ، ودعها للجلوس بجواره على احدي كراسي المائدة، وببؤس مُفتعل :

-جعان...

علمت بجود خطب ما، فقررت تجاهلُه، وبمرح :

-طب يلا ساعدني في عمل السندوتشات، وأنا هعملك فطار، وتحركت لتجلب الخُبز، فتجمدت من..

قبض" حسن" على كوب قهوته، وبتساؤل صريح :

-بتحبي "أيمن"؟..

فر الجمود سريعًا، وبنبرة هادئة، تملأُها السخرية:

-أنا أحب أخوك!...

تعجب قليلًا من نبرتها :

-امال!..

زفرت بما يعتلي صدها، وباسترسال:

-أنا بحب "ريتا" بجد، ولو مش هي مظنش أني كنت هتجوز تاني..

وباستغراب :

-هو أنتِ كُنتي متجوزه!..

حركت رأسها بإيماء :

-اها... واتخذت جانبًا أخر للحديث؛ الفرار :

-هروح افطر "ريتا"...

اصطدام "أيمن" بها في طريقُه للخروج، فحرك رأسه بتحية، دون أن تنبث شفتاهُ بادني كلمه، ليُكمل طريقُه إلى الشركة، فبداخلهُ شيء غريب نحوها، أبعد ما يكون عن خفقات الحُب والإعجاب، فهو عاشق لزوجته، ولكن بها شيء يُثير حدسُه، ليتوقف مع...

انهت "فادية" ارتداء ملابسها للخروج، لتجد ابنها المُتهرب من حديثها، فسارعت بالنداء :

-"أيمن".

توقف مع صوتها، وبتساؤل :

-ايوه يا هانم..

لم تُلقي بالًا لنبرتهُ الهادئة على غير العادة، فغيظها يتزايد كُل يوم عن سابقُه، وبنبرة جدية :

-عاوزه اتكلم معاك...

وباعتذار :

-ممكن بليل، عندي شُغل...

بصرامة :

-دلوقتي، وتحركت لتجلس في رُكنها المُخصص، وحركة رجلها لا تنفك عن الاهتزاز؛ من توترها...

جلس على مضض؛ فاليوم لديهِ الكثير من المهام :

-اتفضلي يا هانم..

انفجرت كالبركان :

-البتاعه الي أنت جايبها، لازم تمشي حالًا..

زفر بهدوء، وهب واقفًا؛ ليُنهي الجدال العقيم :

-لا، اعتبريها مُربية "لريتا"، وتحرك مُسرعًا إلى الخارج؛ فقد سئم رفض والدتُه الدائم لها، فهي لا تفعل شيء، ويُكفهِ ضحكات ابنتهُ كُل مساء، ليركب سيارتهُ وينطلق نحو عملُه...

**

احتلت شمس الظهيرة موضعها، وبدأت بنثر الكثير من خيوطها الذهبية على المارة، ترحيبًا بمرورهم اسفلها، ولكن تلك الخيوط أصابت البعض منهم بالإنهاك، ومن ضمن المُنهكين كانت "ياسمين"؛ فقد ترجلت من سيارة الأجرة في بداية الشارع، لتطر لحمل الصندوق الكرتوني إلى مبنى الشركة، فاليوم موعد تسليم الرسومات، ستون يومًا قضتهم في توتر، وعمل دائم، فقد اقتصت من راحتها لإنهاء الرسومات وإصابة "رقية" بالذعر من جنونها الدائم، وعصبيتها الدائمة، ولكن اليوم ستنتهي تلك الحالة من الجنون، وقفت أمام بوابة العمارة، تلتقط أنفاسُها الهاربة؛ بفعل الإنهاك، وقبل أن تتوجه إلى درج الشركة، كان يداهُ تحمل الصندوق دون أخذ اذنها، وكأنها جماد، جحظت عينها من رؤيته بتلك الصورة التي تسلبُها قلبها، وحبست أنفاسها بداخل جوفها؛ خوفًا من هروب عطرهُ الأخذ من رئتيها، وسُرعان ما ارتفع صوتها بجنون :

-ايه الي أنت عملتوا دا؟... ومين سمحلك اصلًا تأخذ الصندوق؟..

ببرود واستفزاز:

-خلصتي..

اشتعلت عينها من بروده :

-ايوه..

القى نظرة فاترة لها، واكمل صعود الدرج غير مُبالي بحنقها.....

صعدت الدرج خلفهُ، وقد بلغ منها الغيظ مبلغهُ، وقبل أن تنفجر بهِ، كانوا أمام الشقة المُخصصة لشركة، لتأخذ الصندوق بسرعة البرق وتفر مُسرعة وهي تضرب الأرض بقدمها،وتطرق باب مكتب "أيمن" بقدمها قبل الدخول، وتضع الصندوق على مكتبه بكُل ذرة غضب بداخلها...

تعجب "أيمن" من حالها، و بتساؤل :

-في ايه؟..

-دا الشغل..

تحرك من كُرسيه، وحمل الصندوق لطاولة الاجتماعات بإحدى الأركان، وبدأ بإخراج المحتويات، لتظهر بسمة إعجاب على وجهه؛ فقد أتقنت "ياسمين" رسم اللوحات بالخيط بجدارة، وتلك المدليات الخاصة بالأبواب رائعة، لتنفرج شفتاهُ بإعجاب صريح :

-حلو جدًا..

حركت رأسها بتفاخُر؛ بإنجازها البسيط، وسارعت بالاستئذان :

-عن إذنك يا "أيمن"، وهنتظر رأي العميل...

دخل "حسن" مكتبهُ وهي بالكاد يُحاول كبح جمام ضحكاتُه، لتبدأ يداهُ بالاتصال بها، وخلال ثوان أتهُ الجواب....

انهت "وداد" دوامها اليومي، وتحركت لتجلس بالفناء، ريثما ينتهي اليوم الدراسي "لريتا"، ليصدع هاتفها بالرنين، وبذهول :

-"حسن"..

تحرك ليقف بالنافذة؛ ليري حالها وهي خارجة، وبسمة عابثة تُزين ثغرهُ :

-أفكارك جابت نتيجة..

فهمت سريعًا مقصدهُ، فذات يوم كان قد أخبرها عن حبهُ" لياسمين"، وتخبُط عيناها في حضرتُه، رغم أشواك لسانُها :

-عملت ايه؟..

خفق قلبهُ كقرع الطبول؛ عندما التقطت عيناهُ بسمتها وهي تخرُج من باب العِمارة، واجاب :

-ببرود..

قهقت بقوة حتى ادمعت عينها، فنبرتهُ كانت تحمل طيف خاص من الحنين :

-لا مينفعش في التليفون، لما أروح هعملك أكل ونحكي، واغلقت الهاتف...

اتسعت ابتسامتهُ، وبهمس:

-أما اشوف اخرتها، وتحرك ليُنهي عمله، فلديه طاقة من السعادة، تُكفي الجميع....

"قلوبنا تُغرد فرِحًا برؤية من نهواه..."

وعلى الجانب الأخر، وعلى وجه التحديد بفناء المدرسة، أغلقت "وداد" الهاتف، وعينها ترى "فادية" تتقدم نحوها، وعبوس وجهها أكثر من ذي قلب، حتى أن حجبيها تحالف على الفتكُ بها.... لترسُم بسمة باردة، أجادت صُنعها بجداره في السنوات المُنصرمة، وعينها تُسافر للفضاء...

توقفت "فادية" أمام "وداد" وعينها تحمل من سِهام الغضب ما يكفي، وبنبرة تُجيد استخدامها :

-وبعدين؟..

ببلاهة :

-بعدين أيه؟.

ضحكة ساخرة شقت صرامتها، فباتت موحش مُخيف :

-تو، أنتِ ذكية، وأكيد ليكي هدف من وجودك في البيت، عشان كده هريحك ونجيب من الأخر، عاوزه كام؟..

أطلقت ضحكة مُجلجلة، قبل أن تدع لقلبها الجواب :

-كنوز العالم متبعدنيش عن "ريتا"، وتحركت من أمامها غير مُباليه بعين تحولت لأفعي سامة....

انفرجت شفتي "فادية" بلهجة قاتله :

-هنشوف، وتحركت لمكتبه...

**

علت ضحكات "فريدة" وملأت أركان البيت، وبمشاكسة، قبلت وجنتي "فاطمة"، وفرت هاربة إلى الغُرفة...

حركت "فاطمة" رأسها بسعادة، واغلقت الموقد، ورسمت قِناع من الجدية، وتحركت خلفها وبتقريع :

-هتبطلي أمتي جنانك دا؟... كنتي هتحرقينا...

انهت "فريدة" وضع خُصلات شعرها في عقاله، وتحركت لتخرج من جوارها، والمرح يطلُ من عينها :

-متخافيش الناس هتلحقنا...

ضربت كفيا بالأخر، وبلهجة صارمة ويدها ترتفع في تحذير:

-مفيش بوس تاني في المطبخ، مفهوم..

حركت رأسها بنعم، ورفعت يداها في حركة مسرحية بالتحية:

-حاضر يا طمطم.. وتحركت لتحمل الصندوق الخاص بعملها، وبهمس :

-طمطم..

وبهمس مُماثل :

-ايه...

رسمت الجدية، وقبلتها وركضت صوب الباب....

ابتسمت "فاطمة"، وتحركت لترى خروجها، وعينها تبتسم بود، وعقلها يُخبرها أن تلك الفتاه عطاء القدير لها....

**

وعلى الجانب الأخر بوسط البلد، في معرض الموبيليا الخاص به وبصديقه، كان "سيد" يودع العميل الأخير، وتحرك ليضع النقود في الخِزانة، ليجلس على الكُرسي وكأنهُ يُلقي حمل الجِبال فوقه، فعقلهُ اللعين يُصارعهُ كُل ليلة وكأنه عدوًا له، انهي تسجيل الغُرفة المُباعة والعنوان الذي ستُرسل لهُ، وبدأ بالعبث في هاتفهُ، لتقع عيناهُ على صورتها، في خلفية الهاتف، ليبتسم حتى بانت نوجزُه، وكأنه قبل قليل لم يُعنف نفسه على مُصارعة عقلهُ، ليصدع هدير قلبه، فيحمل حافظة نقوده ويفر هاربًا لرؤيتها، وليحترق العقل، ولتذهب الوعود هباءً ، وليحيا عشقُه ..ولم تكد تمضي الساعة الا وكان يقف في مُنتصف الحارة، وعلى وجه التحديد أسفل بيتهم، ولكن تعجب من انغلاق القهوة في تلك الساعة، وقبل أن يسقطُ في حيرته، انتشلهُ صوت...

كان "منصور" يوجه احدي العُمال، على إنهاء تلك القطعة الخشبية، لتلتقط عيناهُ خيال يعرفُه، فيترُك ما بيده سريعًا، وبنداء :

-"سيد"...

تحرك نحوه، والتساؤل يفرُ من عينه :

-أمال القهوة مقفولة ليه؟..

مر الامتعاض بوجه، قبل أن يُجيب:

-دا الحال من وقت ما سبت الحارة..

حرك رأسهُ بتفهُم، وأخرج احدي الأوراق من جيبه :

-دي ورقة بالي ناقص، والي انطلب....وكاد أن يتحرك ولكن...

تعجب من استعجالُه، وبمشاكسه :

-ايه يابني أنت جيت في ايه، وماشي في ايه؟..

ضحك "سيد" ملأ شدقيه :

-هطلع شوية فوق وهعدي عليك وأنا نازل... وانصرف سريعًا قاصده شقتهُ، ليتوقف مع...

توقفت "فريدة" لرؤية، و بتساؤل وكأن بينهم ود :

-أزيك يا "سيد"..

تنحنح في احراج، وبدي كمن في عجله في أمره :

-الحمد لله، عن اذنك..

تعجبت من استعجالُه، فنادتهُ ثانيًا :

-اسفه لو بعطلك، لكن كنت حابه أشكرك على وقفتك معايا...ولكن يبدوا كمن في عالم أخر؛ فقد تمتم سريعًا بالكلمات وفر هاربًا، ظلت تنظُر في اثره بذهول، وتعجب، والتساؤل يصدع :

-هل فعلت شيئًا خطأ؟...

حُبست أنفاسُه من رؤيتها، وثار بُركانه من وقفها مع صديقة، ولكن قدماهُ أبت الانصياع ليسمع ما يدور بينهم، فابتلع نارُه وكاد أن يدخُل لورشتُه من جديد، ليتوقف مع نداها، وبجمود يتلبسُه :

-نعم..

ارتفع حاجبها في ذهول :

-مالك يا "منصور"..

انفرجت شفتاهُ على مضض:

-مالي يا عني؟..

تجاهلت اسلوبهُ السافر في الرد، وبجدية :

-كنت عاوزه ورشة الخراطة؟.

-ليه؟.

-هو أيه الي ليه؟..

آثار حنقهُ من رد فعلها، وتحرك لمكتبه وأتى بورقة دون عليها العنوان، وبلهجة صارمة :

-ابقى عرفيني هتروحي أمتي، وأنا هوديكي وقام بتقطيع الورقة، وعاد لعملة كأن شيء لم يكُن..

حركت رأسها باستغراب، وهمست :

-مجنون دا ولا ايه؟... وتحركت لوجهتُها..

**

جلست "بدرية" على احدي كراسي المائدة، وبيدها ورقة وقلم؛ وتحسب المُتبقي معها من نقود، لتسقُط في براثن الهم وتقُرر بيع دهبها...

أتت "مريم" من المطبخ، وبيدها كوب دفئ من الحليب :

-الجميل زعلان ليه؟..

ربتت على يدها، وببسمة شاحبه :

-مبقاش معانا فلوس، بكره تنزلي تبيعي الدهب.

قبلت رأسها بعمق، وجلست على الكُرسي المُجاور، وببعض من الحزم :

-لا، دهب بدارة ميسبش ايدها أبدًا.... لتنقطع الكلِمات مع طرقات الباب.... وخلال دقيقة كانت تبتسم بترحاب صادق في وجه "سيد"؛ فلديها الكثير من الامتنان له :

-اتفضل..

بدأ كأنهُ في عالم أخر، فخفقات قلبه باتت أشدُ قوة، وعجز لسانه عن البوح بشيء، فكتفي بإيماء الرأس، لينجدهُ صوت أخر مُرحب بهِ بشدة...

ارتفع صوتها في حفاوة لا مثيل لها، وبدعوة حارة لدخول :

-تعالي يا حبيبي..

فر هاربًا من أمامها، ففي حضرتُها تعصيهِ الكلِمات، انحناًء لمكانتها، وبحروف متفككة :

-أزيك يا خالتي..

بسمة امتنان غزت وجهها قبل أن تُجيب :

-فضل ونعمة يا حبيبي، أنا هقوم أعملك الأكل الي بتحبوا، شكلك يا حبة عيني هفتان... ولكنها توقفت عن الحركة بفعل..

ابتسم لها بودٍ صادق، وبنفي :

-ارتاحي، أنا جاي أطمن عليكِ.. لتحتل الصدمة وجهه مع قولها...

انفرجت شفتي "مريم" بإحدى القنابل :

-"سيد" إحنا محتاجين نكتب عقد إيجار أو على الأقل نتفق على المبلغ المطلوب مننا...

بهتت ملامحهُ، واتسعت عيناهُ من الصدمة :

-إيجار ايه!.. حد طلب منكم إيجار..

-"سيد" دا حقك، وإحنا خرجناك من بيتك، فدا أقل حاجه ليك، وعشان نكون مرتاحين...

-أنتِ أكيد جرالك حاجه، الشقة أصلًا أنا مش محتاجه، ولو على الراحة الي بتتكلمي عنها، فجودكم هنا راحة ليا، وكمان رد دين في رقبتي لخالتي...

-"سيد" أنا مقدرة الي بتقولوا بس دا حق، وهنا أو أي مكان تاني هندفع إيجار، فأرجوك تعرفني المبلغ يا أما هنمشي...

ارتفت يداهُ حتى أنه كاد أن يقتلع شعره من منبته :

-ما تحضرينا يا خالتي..

ألقت نظرة رجاء لولدتها، قبل أن تُكمل :

-ماما موافقة، ودي رغبتها...

وباستنكار :

-رغبة ايه!.. مُستحيل، وخرج صافعًا الباب خلفه...

تلقت نظرة اللوم من والدتها، وبهمس :

-أرجوكي يا ماما أنا مش حابه أحس أننا عالة، ممكن تفهمي مشاعري، ورحلت دون انتظار ردها...

"قوة الإنسان تَكمُن في تقديره لذات، وليس فيما يملُك.."

**

خرج "سيد" مُسرعًا يُحارب وحوش روحه، وهو يُقسم أنها جُنت لا محال، وقبل أن يخطوا خطوه واحده، تجمد من... .

أغلقت "سماح" باب شقتها، وتحركت بخيلاء نحوه، وبنبرة ما:

-ازيك يا "سيد"...وعندما لم يأتها الجواب، اقتربت أكثر منه، ورفعت يدها بغنج صريح، لتستوطن صدرهُ، وبهمس :

-مبتجيش ليه؟..

تصاعد غضبهُ، واحتل النفور وجههُ، وارتفعت يداهُ بسرعة البرق، وأزل يدها، وتحرك كمن لدغهُ عقرب...

اشتعلت من غيظها، وانفرجت شفتها بهمس، ويدها تمسك إحدى خُصلات شعرها، وبهمس متوعد :

-وحيات دا وميكونش على مره أن ما خدت حقي منك....وتحركت تقطع الدرج قاصدة الشيخ "ذكي"....

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل العاشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة