-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الرابع

 طرف....

"دائما نحيا على شفا حُفرة تُدعيَ بــطرف، ذاك الطرف هو جسرٌ لكُل ما يمرُ بنا، ولكن هنالك البعض مما يمُر ما هو الا سهمٌ من نيران نكوي به بين الفنية والأُخرى، فليس هُنالك المٌ أشد من ألم الهوي سوي الموت، لذا حاول جاهداً مُحارب ما يُعيق خُطاك لما يتمناهُ القلب دون أذى لكَ ولغيرك، وتذكر دائما بعض قصص الهوي تبقى بين أضلُع من لم يُحالفهُ الهوي... "


لم يمضي اليوم سريعاً فهو ما زال يحمل بين طياتهُ الامنيات، وما بين هذا وذاك نكُن، ظلت

" ياسمين "تحاول جاهده الصمود بعد رحيلُه، ولكن لم ينصاع القلبُ لها بل أعلن الحرب عليها، لا سبيل لإيقافها سوي ببطلاٍ مِغوار يملُك من فنون القتال ما لا يملكهُ بشر، ولكن ذاك البطل....وقبل أن يُكمل عقلها كانت يدها ترتفع تلقائياً لعُنقها؛ لتقبض بشدة على تلك الحلقة الذهبية، وتُخبرُها بما يعتلي قلبها، أنها تموت بعد تركها موضعها، تُخبرُها كم تتألم، لتخرُج أنفسُها كلهيب مُشتعل على وشك الفتك بكُل أهل الأرض، لتبحث مُسرعة عن هاتفها، ولم تكد تمُر دقيقة الأ واتها الجواب، لتُفضي بما يعتليها من خوف بتلك الكلِمة :

-محتاجكِ.... ولم تدري أن تلك الكلمة استطاعت قلب موازين الأُخرى، فقد توسدت زراعيها وعادت للبُكاء من جديد ...

**

احتل الذُعر عينها، وكأن صاعق كهربي أصابها، ثوان كانت الفيصل لركوضها بين الطُلاب، والهاتف لم يبرح يدها، تعاود الاتصال من جديد ولكن ما من مُجيب، وأثناء ركوضها تصادمت مع جدار بشري، ولكن قبل أن ترجع للوراء كانت يداهُ تتشبث بها كغريق وجد طوق النجاة...دقيقة كانت بالنسبة لها قمة الاحراج، فقد غزي الاحمرار وجنتيها بكُل سفور غير مبالي لحالها...

لم يختلف الحال كثيرا عند "رامي" ولكن ذاك الاحمرار بوجنتيها كان يُقابل بعين تعلن الفرح بحكايات العشق، ظلت عيناهُ تُرسل الكلِمات التي عجز عنها اللسان، ولكن الكلِمات لا يفهمُها أصم....

ابتعدت مُسرعة، كمن لدغهُ عقرب، لسانُها يُتمتم بالاعتذار، وتركت لقدمها القيادة، ولكن ...

لم يعرف ماذا يمكنهُ ان يفعل، فقد خطت أول خطوتُها نحو فناء الجامعة، فلم يشعُر سوي بانفراج شفتاهُ بالحديث :

-"رقية"..

توقفت قدمها عن السير، و بهدوء ينافي تعلثُمها من الاحراج، و خوفها الناشب على "ياسمين" :

-نعم..

اكلت قدماهُ الطريق بنهم شديد، وتوقف أمامها، وبدأت عيناهُ تدور بلا هود، وكأنهُ يخشى أن تلتقط الابتسامة، فيخرُ صريعاً بما يضمرهُ لها، وبنبرة مبحوح من العِشق:

-"رقية" ممكن اتكلم معاكي شوية.

تمتمت بالاعتذار، وهي ترفع يدها بالهاتف لعينها :

-معلش يا "رامي"، ممكن وقت تاني... وفرت هاربة....

**

أغلقت باب البيت خلفها، وهي تُكمل غلق سحاب الحقيبة، ولكنها لم تستطع إكمال غلقها؛ فقد سقطت خيوطها الذهبية على عينيها ومن بين تلك الخيوط علق أحدهم بالسحابة ، حتى أنها لم تنظُر لدرج فكادت أن تتعثر، الأ أن يدها قد اُحكمت على دوران السُلم، فمنعتها من السقوط،..... زفرت بارتياح واغلقت السحاب مُسرعة وارتد الحقيبة وركضت على السُلم، ولكن قبل أن تُخطي قدماها الدور الأرضي، وجدت أحدهم بالكاد يلتقط أنفاسُه والاعياء يحتل جسدهُ بجدارة ، وما هي الا ثانية وكانت تهرول صوب الجسد ...

زاد مُعدل ارتفاع وتيرة أنفاسُها، وبدأت الأرض تميدُ بها، وكأنها تتلاشى من أسفل قدميها، حاولت جاهدة الصعود لشقتها، ولكن الاعياء كان أقوى منها، وبدأت تتصبب عرقًا، وقبل أن تخونها قدمها وتعجز عن حملها كانت يد "فريدة" الأقرب فسقطت كلاهُما أرضاً....

احتل الذُعر وجهها بقوة، وبدأت يدها تضرب برفق على وجنتي القابعة بين يديها أرضً، بدأ الخوف يغزوها بقوة، وتحولت ضربتُها الخفيفة لأخري أشد قوة، وغامت عيناها بالغيوم، حاولت النداء ثانياً علها تُجيب ويتسرب صوتها إليها ، ولكن ما من مُجيب، وفي غضون ثوان ركضت خارج البيت، تبحث عن من يُساعدها...

**

استوطن العرق جبهتهُ، لا بل جسدهُ بالكامل وهو يُسارع الزمن؛ من أجل إنهاء تلك الغُرفة لأحد الأشخاص المرموقين، فقد طلبها في أقل من أسبوع، انفرجت رئتاهُ قابضه على اكبر قدر من الهواء، يُنعش جسدهُ الغارق، ولكن ذاك الصوت الخافت جعلهُ يُصاب بالذُعر....

وقعت عينها على تلك الورشة في وجه المنزل، فركضت صوبها والدموع تتساقط من عينها، وببكاء :

-أرجوك ساعدني!...

شخصت ابصارهُ من تلك التي تُناديه، فهي بالفعل مُنهارة، ولكن مظهرها، كاد أن تنفجر عيناهُ من الغضب؛ فقد كانت ترتدي، لا هي لا تردي تلك القطع التي عجز الخياط على أكملها بسبب عطب في رأسه، تنحنح بحرج، وحاول إبعاد عيناهُ عنها، مع ارتفاع صوته بلهجه لا تقبل النقاش لمن يعملون معهُ :

-كُل واحد يركز في شغلوا،... وتحرك صوبها :

-أمري يا ست....

لم تدع لهُ مجال لإكمال المُتبقي من حديثُها، فقد قبضت على ذراعهُ بقوة، وبدأت تحثهُ على الحركة بسرعة، ولكنها عجزت فهي كعصفور يُحاول حمل غُصن شجرة.... وببكاء :

-ارجوك اسرع قليلاً....

أن كانت عيناهُ جحظت قبل قليل فهذا قليل على حالهُ الآن، فتلك الدُمية تجذبهُ بكل سفور، لا بل تقبض على يداهُ دون حياء، تنحنح في خشونة :

-ابعدي أيدك.... وأشار لها بالتحرُك، مع انبثاق صوته :اتفضلي...

ركضت مُسرعة، وجلست بجوار الفاقدة لوعيها، حينها سمحت لخوفها بالتجليّ، لتنهمر زيتونيتها بالغيوم، وبنبرة مُرتعِشة من الخوف :

-هتموت.... ولم يكُن سؤلًا بقدر ما هو تحريرٌ للخوف بداخِلها..

القى عليها نظره يملأُها الشفقة، الاستغراب ليُقرر وضع النظرات جانبًا، ويجثوا على رُكبتيهِ بجوارها، ليضع يداهُ على الوريد النبض من أسفل حِجابها ، ليجدهُ ضعيفًا للغاية، ليردُف من فوره :

-لازم نطلبها الإسعاف بسرعة...

**

صوتهُ يصمُ الأذان بل أن الطيور بالجوار فرت هاربه من غضبهُ، بدأ يُخرج كُل مُحتويات الإدراج أرضً يبحث عن التصميم المبدئي للمشروع ، زفر بغيظ حتى أنهُ كاد ان يقتلع شعرهُ من منبتُه، وقف دقائق يلتقط أنفاسه وهو يكاد يُجن أين اختفى التصميم؟! .....

دخل "أيمن" المكتب مُسرعاً وهو يُكمل ارتداء معطفهُ، و بتساؤل :

-لقيت التصميم؟..

حرك "ياسين" رأسه بنفي، وانحني يُفتش بين الأوراق المُتساقطة أرضً، ولكن توقف مع....

كان "حسن" يلهث من صعوده السلم مُسرعاً، حتى أنهُ انحني مُستنداً على رُكبتيهِ يلتقط أنفاسُه :

-التصميم أهو..

ثوان معدودة وكان غضبه الكامن، يتفجر في تلك اللكمة التي زينت وجه" حسن "، وبانفعال :

-الشغل مش نافع كده، شفوا سكرتيرة، مش كُل يوم دمى يتحرق.

بصرامتهُ المعهودة، وبنفي قاطع :

-لا ..

حاول التقط بعضٌ من أنفاسُه، التي هرِبت مع تلك اللكمة، ليأخُذ الملف، ويعود لمكتبه، وبنفاذ صبر :

-وأنا مش كُل يوم والتاني هدور على أوراقي.

تحرك "حسن" للجلوس على أقرب كُرسي فقد أُنهك بالفعل فتلك الساعة المُنصرمة، كادت أن تقتلهُ حياً،... ليزفُر بهدوء وعيناهُ تراقب الجدال القائم بين أخيهِ وياسين....

تأزم الوضع، وأصر على قولُه :

لازم يكون في سكرتيرة.

بنفي قاطع، لا يقبل الجِدال:

-لا يعني لا يا "ياسين".

ليتفوه دون قصد:

-وأنا قرفت، من افكاركِم الغريبة..

نظرة قاتلة أطلت من عيناهُ، قبل أن يتحرك خُطوة واحدة ليأخذ الأوراق، ولم تنبث شفتاهُ بادني كلمه، فقد تجمد وجهه أكثر من ذي قبل، بل أصبح شاحب كالموتي لثواني، وسُرعان ما تلاشت سِهام عينُه، وبقي الاسمرار المُبهم يعلوا وجهه قبل أن يوليهم ظهرهُ للخارج...

شعر بالغضب من نفسه، وتلك الحالة التي تُسيطر عليهِ منذُ فترة، تجعلهُ كالموقد، ليتنحنح بحرج:

-"أيمن"... أنا آسف، أنت عارف ظروفي و... وانقطعت الكلِمات مع...

أظلمت عيناهُ، فلم يقوي على الاستدارة ، فاكتفي برفع يداهُ لمنع الحديث وأكمل طريقهُ لمكتبه ....اغلق الباب خلفهُ وقدماهُ بالكاد تحملهُ ، فقد تحولت عيناهُ لغيمه من العواصف ولكنها لا رزق فيها لليابس، بل نيران ستأكُل الأخضر واليابس دون توقف، تحرك ليستند على النافذة، و يداهُ تقبض على تلك الحلقة الفضية بين اصابعه، ليُقسم أنه لن ولم يبعدُها عن يداهُ قبل أن يصل لها،... ثار القلب بالعديد من التخبُط، عشق، وفراق،... ألم، راحة... ود، وجفاء... فتور، وشغف... لكن المُتبقي القائم تلك النبضات من أجلها بين الحين والأخر، تلك التي تُخالف كُل حِسابات العقل، لتُبقي الاشتياق سيدًا..

**

فتحت "رقية" باب المحل على مصرعيهِ، حتى كادت أن تسقُط من هول الصدمة،...

فقد كانت "ياسمين" جفنيها مُنتفخان بشدة، وحدقتيها بركتان من الدم ، ووجهه كثمرة التُفاح من شدة الاحمرار....ثوان وكانت تحضنُها بشدة، والسؤال يلوح في عينها قبل أن تلفظهُ شفتيها...

ببكاء ونحيب :

-أنا....

حاولت جاهده بث الهدوء، وجعلُها تكُف عن البُكاء :

-اهدي، كُل حاجه هتبقى بخير..

حركت رأسها بلا، وبنبرة ضائعة، مُنهزمة، لا روح فيها :

بس أنا مش بخير، أنا محتاجه، وهو...

ربتت على ذراعيها، وببسمة اغتصبتها من حاله صديقتُها، ونبرة مُتحاملة عليها؛ من أجل إفاقتُها :

-بس دا كان قرارك، وهو حاول اكتر من مرة وأنتِ رافضتي، عمرك ما هترتاحي؛ غير لما تخرجي الي جواكي، "حسن" مش وحش، ول هيكون...

توقفت عن البُكاء لثواني، وبنبرة تحمل الكثير :

-أنتِ مش فاهمه حاجه.

ابتسمت برفق، وحاولت استمالة الحديث :

-كلنا هتفهم لو أتكلمتِ، السكوت مش حل، فكري شوية، مش كُل يوم هنلاقي حد بيحبنا ومستعد يكمل معانا..

نظرة خاوية أطلت من عينيها، قبل أن تخرُج من بين ذراعي "رقية"، ورفعت يداها لتُزيل تلك القطرات العالقة بأجفانها، وهي تهمس:

-مش كُل قصص الحُب وردية، في حب بيموت، زي الدبة الي موتت صاحبها.

زفرت بيأس، قبل أن تُجيب :

-والحياة ايه لو مش هنموت واحنا فرحانين بقلب لينا! مش معاكي خالص، الحب حُب....

**

جميعُنا يعرف أن الأبيض خُلِقَ للنقاء، للود، لكُل ما يريح القلب ويُزيل العناء، ولكن ذاك الأبيض، برائحة الدواء وآهات المرضى، وخوف الدقيقة المُقبلة، والمُعقمات تُزيل الراحلين وتستقبل بكُل قسوة القادمين فلم ولن يبقي سوي الوحش بداخلها... جلست على الكُرسي بجوار العديد من البشر، وما يجمعهُم القلق والخوف على من بالغُرفة، طافت عينها سريعاً، على الجُدران الشبه باليه، و الأرضية الصفراء، رغم تلك الرائحة النافذة التي تُصيبُك بالغثيان من الوهلة الأولى حتى تعتاد خلال ثوان، وهنا وهناك يركُض الجميع... لتسقُط عيناها عليهِ، جامد كالجدار المُستند عليهِ، لم يُبدي أدنى فعل لتلك الحالة بل سكون تام ، لا يخلوا من النظر الى الباب...

"الطبيب" بعملية :

-حمد الله على السلامة.

فُتِحَ جفنيها لجزء من الثانية، ثم عاود للانغلاق من جديد بفعل الضوء الساطع، دقيقة كانت كفيله لها لتدور عينها على الغُرفة سريعاً، وبهمس :

-أنا فين؟.

-"الطبيب":

مستشفي***.

حاولت "وداد" الاعتدال ولكن، يداها ما زالت رخوة لا تحملها :

-مية...

-"الطبيب" :

هناديلك حد من أهلك، والتحاليل هتطلع كمان ساعه عن اذنك.. وتحرك مُنصرفاً دون انتظار ردها فلديهِ الكثير...

شعرت بالخوف من أن يُفتضح أمرها، وخلال دقيقة كانت تنزع جهاز المحلول، وتستند إلى مُقدمة السرير بكُل وهن، فمع زكر التحاليل، شعرت بالخوف يُداهمُها... لتخرُج من الغرفة وترسم قناع صلب من البسمة...


فُتِح الباب، ومع صوت صريرُه، تحرك "منصور" :

-أنتِ بخير.

حركت رأسها بالموافقة، وهمست :

-شكرا، ممكن أروح.

حرك رأسهُ، وأشار لتلك المُحدقة في الغير ببلاهة تملأُها الدمع، انه حنا وقت الرحيل ...

**


اسدل الليل ستائرهُ مُعلنً عن ليله غير مُقمره، فالقمر افل حُزنًا على حالهم، ظلت "فاطمة" تقطع الردهة ذهاباً وإياباً بترقُب شديد تنتظر أن تُجيب كلاهُما على اتصالاتها، ولكن ما من رد... تأكل قلبُها من شدة القلق لتضغط مُسرعة بالاتصال بابنها....

وعلى الجانب الأخر، وعلى وجه التحديد مكتب "ياسين" كان يفرُك جبينهُ بإرهاق شديد؛ فقد قضى ثلاث ساعات متواصلة لإنهاء ذاك التقرير، الذي سيُقدم لشركة غداً، وقبل أن يهمُ بجمع متعلقاتُة، فُتِحَ الباب.....

دخل "حسن" غرفة المكتب كالعاصفة، ووجهه غير مُبشر بالخير... :

-"ياسين".

بصوت مُنهك :

-خير يا "حسن"، لو في اي شغل أجلوا لبُكره أنا مش شايف قدامي..

جلس على الكُرسي المُقابل :

-اقعد نتكلم شوية، مفيش شغل.

استجاب له، وجلس على كُرسي مكتبُه، بتنهيدة :

-خير يا"" حسن "..

بتساؤل صريح :

كلمتها..


شعر بالحرج الشديد ، فهو يعلم جيداً أن اختهُ لن تبوح بشيء، وصديقهُ يشتعل :

-" حسن ".

حرك رأسهُ بتفهُم، وتمتم بالاعتذار:

-طيب يا" ياسين "... عن أذنك.

لم يعرف بماذا يُجيب، فهو بين نارين وكلاهُما أشدُ وطءً على قلبُه :

-" حسن" احنا عشرة، وقبل أي ارتباط هي اختي وأنت عارف" ياسمين" ودماغها، فأرجوك ياريت تحترم رغبتها.

كاد يغوص في حلقه، وباستنكار :

-رغبة ايه؟... أنت مش فاهم "ياسمين" بالنسبالي أيه..


-فاهم وعارف عشان كده بقولك سيبها، "ياسمين" اتغيرت، بلاش نخسر بعض.

وبنبرة هادرة :

-"ياسمين" مراتي..

بانفعال مُماثل :

-كانت هتبقى مراتك، واظن ان المؤذون مكتبش الكتاب.


-والسبب، كده بين يوم وليلة كرهتني.

وبإشفاق لحال صديقُه :

-"حسن" افهمني أنت صاحبي، بس قبل أي حاجه انت راجل ومش هقدر اجبرها، عن اذنك يا صاحبي،... ورحل قاصداِ مكتب "ايمن" ليعتذر منهُ على ما حدث، طرقه، اثنان وارتفع صوته يسمح بالدخول...

توقف "ايمن" العمل على حاسوبه، وبصوت عال:

- ادخل يا "ياسين"..

:

-"أيمن" دا ورق شركة**.

اخذ الورق ليتفحصهُ بهدوء...

أراد أن يجمع الكثير من الكلِمات للاعتذار، ولكن اكتفي بكلِمة :

أنا آسف، بس.

حرك رأسه بتفهم :

-ولا يهمك، بكرة الاجتماع "4"العصر.

وباعتذار :

-بكره صعب، في افتتاح محل "ياسمين".... ومد يدهُ بالدعوة.... وقبل أن يُكمل حديثُه ارتفع صوت الهاتف :

-ايوه يا "بطه"... دقيقة كانت كفيله بتغير ملامحهُ..

"فاطمة" ببكاء :

-اخواتك يا "ياسين"..

بقلق:

-مالهم..اهدي وقوليلي في ايه...

حاولت جلي صوتها:

-"فريدة" خرجت عشان تروح لياسمين، وبقالي ساعتين بتصل بيهم محدش بيرد، انا قلقانه يكون جوالهم حاجه.

حاول جاهداً بث الطمأنينة بداخلها :

-اهدي متقلقيش نص ساعه واكون عندهم، وبعدين ممكن يكون التليفون في مكان مفيهوش شبكه، وهما بيجهزوا المحل..

**

توقف التاكسي أمام باب العمارة، وثوان وكأن الجميع يترحل من التاكسي... "وداد" بإعياء شديد :

-شكرا يا ريس "منصور"، وكانت تمد يدها بملغ مالي له...

:

-رجعي فلوسك يا ست، أنتِ كده بتشتميني، ربنا يشفيكِ، ولو احتاجتي أي حاجه، الورشة وصاحبة في خدمتك، تصبحوا على خير... وتحرك مُسرعًا...

ظلت تنظُر في اثرهُ بامتنان، لتتوجه بالحديث :

-شكرا يا "فريدة".

-فري .. أوك.

ابتسمت بوهن :

-فري، كده حلو.

توسعت ابتسامتُها :

شور، يلا بقا نطلع فوق..

وبعد مرور عدة دقائق، كانت "فريدة" تفتح الباب وهي تسند "وداد" وخلفهم "بدرية"..

احتل الذُعر وجه "بدرية"، و بتساؤل :

كف الله الشر عنك يا حبيبتي، مالك بس؟..

جلست "وداد" على الاريكة، وبامتنان:

ربنا يخليكي.


-أنتِ تدخلي ترتاحي، وأنا نص ساعه ويكون أكلك جاهز ورحلت دون أن تسمع ردها...

**

إيقاع حرب ..

"ذاك القابع بين أضلُعي، يُعلن عن حروب طاحنة بينهُ وبين جنود الفكر، ولكن مع مرور طيفيها تُعلن الجنود انهزامها بكُل صدرٍ رحب وتُرفع الرايات انتصارُها مع إيقاع العشق.."


صياح حاد يشقُ جدران الصمت المُهيب بكُل قسوة، غير مُبالي بسكون الليل، ول انهاك الأجساد التي تأنُ من فرط الإرهاق تُطالب بحقها من الراحة، ولكن تلك الراحة لم تعرف الطريق إلى بيتهم منذُ ظهورها بتلك الصورة في حياتهم.. وبنبرة قاطعة :

-لأخر مرة ممنوع تخرجي من البيت تانى...

وبصرامة مُماثله :

-لا هخرج، ولأخر مرة يا "ياسين" تتجاوز حدودك معايا.

تجسدت الصدمة بقوة مُحتله حدقتيهُ، وبدأت عيناهُ بإطلاق سِهام من نيران صوبها، وبنبرة مُميته:

-أنتِ هنا في بيتي، وحدودك تلزميها كويس..

و بسفور وتحدي لا مثيل لهُ :

-لا... أنا فريدة حلمي، وزي ما دا بيتك دا بيتي يا "ياسين"...وقبل أن تُكمل حديثها كان صوت....

عندما رأت "فاطمة" أن الأوضاع تتأزم بينهم، وخروج ابنها عن شعوره، انطلقت الكلِمات من جوفها دون مُبالة لهُ :

-البيت دا بيت "حلمي" عاش او مات دا بيتو فاهم، ولأخر مرة يا ابن بطني تفكر تتكلم مع اخواتك عليه، عاجبك اقعد مش عاجبك اي مقاول هيقسم الشقة.... وبدأ صدرها يعلوا من الانفعال، وعيناها تلتقط صدمة ابنها من ما قالتهُ... ليقطع حرب النظارات الذاهلة صوت انفتاح الباب...

دخلت "ياسمين "البيت بملامح مُنهك؛ من الإرهاق البدني والجسدي، لتجد الأجواء يسودها التوتر، فطافت عيناها عليهم و بتساؤل:

-في ايه يا ماما؟...لم يُجيب أحدهم بل تحرك من جورها كعاصفة هوجاء من شدة الغضب، صافعاً الباب خلفُه... لتنظر بتعجب في اثرُه :

-مالو "ياسين"...

رفعت رأسها بهدوء، يُنافي الأجواء المِشتعلة، وبلهجة آمرة خوفًا من انفراط حبات العُقد :

"فريدة "ادخلي ارتاحي، تعالي يا "ياسمين" وتحركت لغُرفتها..

**

بحث "أيمن" عن اخيه في مكتبه فلم يجدهُ، ليبدأ بالتحرُك صوب الشرفة، لكنها كانت مُغلقة، ليعود لمكتب "ياسين" ربما كلاهما يتناقش، ولكن كان المكتب يتسللهُ ضوء خافت، واخيهِ مُستلقي على الاريكة ويضع يداهُ على عينيهِ بسكون تام وكأنه انفصل عن العالم، ليتنحنح بخشونة :

-حسن.

بصوت يشوبه النُعاس :

-ايوه..

-يلا روح.

اعتدل في جلسته وهو يفرك عيناهُ :

-خدني معاك.

عاد ادراجهُ للخلف، مُردفًا :

-لا روح أنت أنا هتأخر شويه...

زفر بنفاذ صبر من عادت اخية المُتلازمة بعد اختفاء زوجته، تلك العادات التي توجب باختفائهُ إلى قُرب الفجر، يُقسم انه لو لم يعرف مقدار عشق اخيهِ لها لظن أنهُ يعبث :

-"ريتا" مبتشوفهاش..

تسربت تنهيدة حارة من أعماق روحه :

-كلمتها الصبح..

لم يعرف ماذا يقول، ولكن قرر الضغط على مشاعرهُ المُحتجزة :

-بنتك محتاجك يا "ايمن" دي طفلة وصعب تفقد أمها وابوها في وقت واحد، اعتزل الناس براحتك بس كلوا الا بنتك.... وتحرك دون أن تنبث شفتاهُ بكلِمه، تاركً خلفهُ من يتخبط في ظُلُمات روحه...

لم تمر دقائق الا وكأن "أيمن" يعتلي مقود السيارة، عازماً على اقتناء بعض الدُمي لصغيرتهُ، وليلة هانئة بجوارها ، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تلاشي الضوء سريعًا، وخانتهُ بناتُ رأسه قبل قدماه، لتُعلن يداهُ التحالُف وتتخلي عن دوراها في التشبث بالمقود ......

**

وبنفس الوقت على الجانب الأخر، كانت "بدرية" تعضُ على اتأملها من الترقُب، فابنتها تأخر اليوم عن المعتاد، وهاتفها لا تُجيب عليهِ، ظلت تدور بين الردهة والشرفة علها تلمح طيفيها من بعيد، وما هي الا ثوان وكانت تُجيب بلهفة :

-كده يا "مريم" مبتروديش عليا... ولكن صمت تام مع نبرة غريب يُخبرها أن ابنتها في المستشفى... زاد وجيب القلب، وباتت رئتيها تُطالب بالصعود والهبوط دون هدى مع سُحب تجتمع بعينيها، لتشهق بخوف مع صياح الاستغاثة :

-مريييييييييييييم.....

**


وهنا بالأسفل، وعلى وجه التحديد القهوة ، جلس "ياسين" بضيق وبنبرة مُرتفعة :

-شاي يا "سيد"....وقبل أن يُنهي طلبُه كان...

جلس "منصور" على الكُرسي المجاور، وبنبرة مُماثلة :

-خليهم أتنين.. وصمت تام يرنو عليهم ولكن ملامح كُلاً منهُما تبوح بالكثير، فقد تجلت الهموم بشدة رغم اختلاف أسبابها، لينظرُ كُلاً منهُما إلى الأخر وينفجر ضاحكاً....

اتي "سيد" حاملاً الصينية الخاصة بالمشاريب، وببسمة وهو يضع الكوبين أمامهم :

-ودول منيّ... ورحل مُسرعاً مُلبياً النداء، لكن عيناهُ تبحث عن طيفيها، فقد تجاوزت الساعة الثامنة ولم تأتي إلى الآن، لم تتأخر هكذا من قبل، لتعصف بهِ الظنون، هل هي بخير؟.. هل آتت وهو يُقدم المشاريب لأحدهم؟... وقبل أن ينسج عقلهُ المزيد من التساؤلات كان صوت "بدرية" يصمُ الأذان بالاستغاثة، فيركُض هاربًا، وضجيج قلبهُ يسبقهُ.....

**

اجربت "ياسمين" قدمها على الحركة لغرفة والدتها، بعدما ألقت نظرة تائهة على تلك المُنسحبة للغرفة والدمع يترقق بعينيها ، لتزفر بإنهاك فجسدها يُطالب بقسطً من الراحة، لتطرق الباب قبل أن تسمع النداء بالدخول.. لتفتح الباب :

-ايوة يا ماما.

أشارت لها بالجلوس بجوارها :

-تعالي يا "ياسمين".

تحركت بترقُب تنتظر أن تنبث شفتي والدتها بالحديث، فملامح وجهها عابثة وهذا ما يحدُث نادراً، لتجلس بجوارها :

-مالك يا ماما..

وبتساؤل صريح :

-مالكوا أنتو؟..

تجلت البلاهة على وجهها، والتساؤل قفز من عينها :

-احنا مين؟..

-أنتِ وأخوكِ... وظلت تنتظر بترقُب الجواب، فهي تخشي مما يجول برأسها من تصرفات ابنها الظاهرة للجميع...

أجابت بنفي قاطع:

-مفيش حاجه...

لم يخفى عليها تخبُط عيني ابنتها وهي تُجيب، فسارعت بتشبث بيدها، وتهمس بصدق :

-لا في يا بنت بطني، قالبين على اختكم؛ وكأنها السبب في جواز أبوكم، إلي حصل حصل وهي حقها زيكم، بلاش تقطعوا الرحم..

شعرت انها مُحاصرة، فلا احد يستطيع فهم شعورها :

-حتى أنتِ يا ماما، المفروض تبقى... لتبتلع الكلِمات مع نظرة والدتها الزاجرة...

بنبرة تحمل الكثير من العِتاب، واللوم :

-المفروض ايه يا بنتي، نظلم وحدة ملهاش ذنب، ولا ناخد حقوق مش من أهلها، المال نار بتحرق صاحبها، والكرة بيزودها...

شعرت بمزيد من التيه، وتخبطت الحروف في حلقها، فخرجت مُبعثرة كحال قلبها :

-ايوة يا ماما بس مينفعش، أنتِ مش فاهمه...

بصرامة، وبنفي قاطع :

-مفيش حاجه تتفهم يا بنتي، والدم ميبقاش ميه لو الدنيا كلها اتهدت، يلا عاوزه انام..

خرجت من الغرفة وهي تتخبط اكثر من ذي قبل ، والنوم امتنع عن عينها، لتفتح غرفتها لتجد...

كانت" فريدة" تجمع ملابسها بالحقيبة وهي شاحبة كالموتي...

لم تستطع منع الخفقة الهاربة من قلبها، وبتساؤل عينها، فأسرعت بالإفصاح :

بتعملي ايه؟..

خواء يعتليها، ورفض يلحقُ بها أينما ذهبت، وبنبرة فارغة من معالم الحياة :

-راجعه... ولم تُكلف نفسها عناء النظر الى المصدومة بجوارها...

التقطت البعض من أنفاسها، وهي تحاول ترتيب الحديث بداخلها :

-ممكن نتكلم شوية، ونسيب شغل العيال.. "فريدة "حاولي تفهمي وضعنا بين يوم وليلة لينا أخت و....

-و ايه كملي، خدت حق راجل ميعرفش حاجه عنها غير اسمها، راجل كان سبب في هروب والدتها في بلد متعرفهاش، بلاش نتكلم يا "ياسمين" انتو عندكم حق انا مكاني مش هنا هيعش واموت غريب..

لم يخفي عليها تلك النبرة المُحملة بالأحزان :

-ممكن تحاولي معانا، كلنا محتاجين نرتاح وتفوق..

**

كان يركُض بين ردهات المستشفى، يبحث عن غُرفتها غير مبالي بعمة ولا تلك النظرات الرافضة لوجودهُ بينهم، فليحترق الجميع، توقف أمام الرقم المُخصص لغُرفتها ليلهث بصعوبة، مانعاً يداهُ بتحدٍ سافر ان لا تُحرك المقبض، فهو بالنهاية رجُلاً، دارت عيناهُ على عمهُ الجامد، وزوجتهُ المُنهارة تبكي وتنوح، وقبل أن تُكمل عيناهُ الدوران، كانت أُذناهُ تلتقط صوت انفتاح باب الغُرفة، وبلهفة عجز عن قتلها :

-خير يا دكتور.

عدل الطبيب من وضع نظارتهُ الطبية، و بعملية :

-مجرد رضوش والتواء في الكاحل، محتاجه راحة مش اكتر، لحسن حظكم أن الي سايق مكنش سكران والا كانت.... وترك كلماتهُ مُعلقه رغم ظهور المعنى، ليدخُل الي الغُرفة المجاورة...

"بدرية" بعين مُنتفخة من كثرة البكاء :

-يعني بنتي كويسه.

تحرك "سيد" بمقدار خطوة، ليربت على كتفها، فقبل أي شيء تلك السيدة يكنُ لها أكثر من الود، يعلم انها مغلوب على أمرها ولكن :

-كويسه متقلقيش... ونظرة نارية من "فرج" منعتهُ من الاسترسال..

بنبرة مهزوزة بعض الشيء، فتلك القابعة بالغرفة ابنتهُ، قطعة السُكر بعالمة، وبنبرة قاطعة :

-خدها يا "سيد" وانا هبات معها،... ودلف إلى الغرفة دون انتظار أحدهم، غير مُبالي بتلك الدمعة من نيران تشقُ خدي الواقفة خلفهُ....

شعر بارتعاش جسدها أسفل يداهُ الموضوعة على كتفاها، وبنبرة حنونه:

-أنتِ عارفة عمي، يلا نروح وبكرة هنيجى سوا.

حركت رأسها بانهزام، وكاد كتفها أن يغوصَ بجسدها من التهدُل :

-يلا يا "سيد"..

"خنوع يستوطنُني بلا هواد ليُبقيني بكماء لا تعرف سوي الاستسلام..."

**

دخل "أيمن" البيت وهو غير قادر على الحركة، فعظام جسدهُ بالكامل تؤلمُه، بعد الحادثة، لم يستطع المكوث بالمستشفى، فدفع حساب المستشفى للفتاه التي أصابها ورحل، مع غضة مريرة تحتل حلقهُ ولم يُبالي.... وانقطع عصفهُ الذهني مع صوت مُحبب لقلبه...

ركضت" ريتا" على الدرج، وبصياح :

-بابا..

فتح ذراعيهِ مُرحباً بصغيرتهُ، وبسمة تُزين ثغرهُ:

-حبيبية بابا عاملة أيه؟..

عبوس احتل وجه الصغيرة :

-عاوزه اروح لماما، تيته مبترضاش، وأنت في الشغل كُل يوم.. وقبل أن تُكمل حزنها الطفولي كان صوت...

بنبرة حادة، شقت سكون المنزل :

-ريتا...

انزل صغيرتهُ من بين يديهِ وهمس لها بحنان :

-يلا اسبقيني للاوضة، وأنا هنام جمبك....

صفقت بفرح، وركضت صوب غرفتها.... حينها استدار لوالدتهُ وبهدوء:

-ازيك يا "فادية" هانم...

زفرة غير راضية كانت الجواب، وبنبرة حادة :

-لحد امتى يا "أيمن"؟..

بجمود استوطن روحة قبل جسدهُ، وبنبرة تحمل الرجاء :

-لحد ما تعرفيني الحقيقة، عن اذنك يا هانم،.... وتحرك إلى غرفة صغيرته تاركً والدتهُ تشتعل غيظاً.... تحركت بهدوء يُنافي غضبها لتجلس على مقعدها الوثير بالردهة وهي تُفكر جيداً، وقبل أن تسقُط في نوبة العقل، كان ضجيج يعمُ المنزل...

اغلق "حسن" الباب خلفهُ وهو يُدندن بسعادة، ويحمل بين يديه عُلبة متوسطة الحجم، ليلمح تسرُب الضوء من احدي أركان الصالة، ليتحرك مُسرعاً ويمرح :

-مساء الخير يا "فوفا"... وانحني يلثم جبينها بود، ليجلس على ذراع كُرسيها، و بتساؤل :

-مين مزعل القمر..

بسمة رزينة احتلت وجهها :

-بطل بكش يا واد.

قهقه بقوة :

-امال الحج طلع من التربة زعلك ورجع..

نبرة زاجرة جعلتهُ يبتلع المُتبقي من حديثهُ، وبشجن :

-"حسن"..

رفع ذراعيهِ مُعتذراً، وامال على جبينها من جديد :

-متزعليش يا قمر، تصبحي على خير، وفر هارباً لغرفتهُ، يستعيد ذكرى قبل دقائق....

أغلق باب المكتب بهدوء، ليصتدم بها، ليرقُص قلبهُ فرِحاً :

-"ياسمين".

لم يكُن نصيبها من الذهول اقل منه، ولكنها استطاعت ابتلاع ذهولها من جديد :

-"ياسين" فين؟..

-مشي من زمان، هو مروحش ول ايه؟..

- لا روح بس خرج وانا فكرتُ رجع الشغل...

-جربتي تكلميه في التليفون...

-لا... طيب شكرا يا" حسن" عن اذنك.

وبلهفة لم يستطع منعها :

-"ياسمين".

توقفت عن السير، واستدارت :

-ايوه..

لم يعرف ماذا يقول، ولكنه أراد ابقائها بجواره، ليُطفئ شوق قلبُه من وجهها الصبوح ، وليحترق عقلهُ الرافض:

مبروك المحل.

التخبط أقل شعور يُمكن أن يمُر بعاشق، ولكن أن كان عاشق قرر الابتعاد؟!.... زفرت بتوتر :

-الله يبارك فيك، هستناك في الافتتاح، وركضت هاربة من أمامه....

"واهٍ من عشقٍ ميؤس لم يعرف سوي الأحزان والشوق دون جواب، ولكنك يا قلبي احمق تُغرد فرِحً مع اللِقاء"

**

اغلقت باب البيت وقلبها يكاد يُفارق أضلُعه، لا تعلم كيف جُنت وذهبت لمكتبه، ولكن هي تُريدهُ بجانبها غداً، واتعود القطيعة من جديد، ولكن غداً يختلف، غداً ستُحقق حلماً كانوا يتشاركونه سوياً..

التهمت "فريدة" الشطيرة مُسرعة، وبصياح :

-ياااااااسميييين.

فزعت بشدة، وبصياح مُماثل :

-يا مااااما.

انفجرت في نوبة ضحك، وهي تُراقب تبدُل ملامح "ياسمين" من الهيام إلى الذُعر... لتبتلع المُتبقي من صخبها داخل جوفها مع انفتاح الباب وتُسرع إلى الداخل، ولكن..

أغلق "ياسين" الباب خلفهُ وزفر بهدوء وهو يستعيد ذكرى ما، وعندما لمحها تدخل الغرفة :

-"فريدة".

زفرت بتأفف مسموع، وبضجر يحتل وجهها بجدارة :

-نعم..

ظل واقفاً يُراقب ضجرها، وسخطها على نداءُه، وبنبره ما لا تُفصح عما يجول بخاطرة :

-أنا آسف، بس أنتِ..... لتمتنع الكلِمات عن الظهور مع...

ذهول تام يعتلي وجهها، وقبل أن يُكمل حديثُه كانت قدماها أُطلقت لرياح، لتمر جُزء من الثانية وذراعيها تحتضن خاصرهُ...

تجمدت أطرافُه، وبعين مُتسعه من تصرُفها، لم يعلم ماذا يفعل، لتدور عيناهُ بلا سبب لتسقُط على والدتهُ المُبتسمة بجوار باب غرفتها، وياسمين المصدومة كُلياً حتى أنها نست أن تُغلق فمها، لترتفع يداهُ بتلقائية وتربت على سلاسل الذهب خاصتها، فتُزيد من ضمها لهُ...

"ويبقي الود مُفتاح القلب والعقل، ومع من يتصلُ بالدم يُصبحُ الودُ روحاً من الياسمين تطفوا على سُكانُه، فتُجبر طيور الحُزن على الرحيل"

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة