-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات مع رواية رومانسية جديدة ذات طابع إجتماعى تدور أحداثه فى بيئة مصرية, وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الثانى من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح.

رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى

تابع من هنا: روايات زوجية جريئة

رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح

رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى

 "خيوط"

-كُل شيء يرتبط بنا بشكل أو بأخر، فهذا يعرف هذا، وتلك تصل إليك بالنسب من طريق أصعب على العقل حفظها، ولكن بما إننا من نسل آدم وحواء فجميعنا نتصل برابط خفي...

أكمل "خالد" الركض خلف تلك "الصابرين" ولا يعلم لماذا، ولكن صدع صوت العقل بتلك الحُجة الواهية، الأ وهي وتحذيرها من نظرات "ثروت" السافرة، ليُلقي نظرة خاطفة على المصعد فيراهُ متوقف، لينزل مُسرعًا مُستخدمًا الدرج، وقبل أن يتوقف في الطابق الأرضي لمحاها تقف بجوار بوابة العِمارة، وتبتسم ببشاشة لتلك الفتاة، ويدها تمُدها بإحدي الأوراق المُغلفة، ليُكمل نزول الدرج بتمهُل شديد، وعيناهُ ما زالت تراقب بسمتها، ليُقرر استِراق السمع، ويمر بجوارها ليصل إلى مسامعهُ..


بسمة راضيه تحتل وجهها، ويدها تبدأ في فتح حقيبتها لإخراج دفترًا صغيرًا، لتحث من أمامها على القول :


-ولا يهمك الفلوس، اديني بس المقاس وأنا هعملهولك..


غزى الاحمرار وجه "داليا" ، لتُتمتم بتعلثُم :


-خليها مرة تانية، أنا لسه مكملتش حِساب الفستان..


ببشاشة، مُمتزج بطيب النفس، وبِعتاب :


-هزعل منك بجد يا "داليا"، كفايا مُساعدتك ليا، والزباين الي بتقوليلهم عليا..


نظرة مُمتنه أطلت من عينها، وبود :


-عيب يا "صابرين"، أنتِ ايدك تتلف بحرير، وشغلك الي جابهم مش أنا..


-يلا قوليلي المقاس، ووريني الصورة..


لتمر دقائق وعيناهُ ما زالت ثابتة عليها، وعقلهُ يُرسل الكثير من الإنذارات، ليُقرر عدم الاستماع لها، ويبحث عن حجه أخرى للحديث معاها، لتنفرج شفتاهُ بالنداء، عند مرورها بجوار سيارتهُ :- آنسة "صابرين"..


تعجب لوهلة من معرفة الغريب باسمها، ليتلاشى التعجُب عند تذكُرها رؤية لها بمكتب مُدير المجلة، لتتوقف بإستحياء، وبخفوت :


-في حاجة حضرتك..


هربت الكلِمات من حلقه، وعيناهُ ثُبتت على عينها، ليهمس مُحدثً نفسه لجزء من الثانية :- رباه عيناه كبركتي عسل مُصفى... ليتوقف عن التحديق بها كالأبله، ويتنحنح بإحراج :


-كُنت محتاجك في خدمة، ممكن..


إن كان أصابها سهم التعجُب قبل دقائق، فالأن استوطنها الذهول، غريب يحتاجها، كيف؟.. ولماذا؟... لتظهر حيرتها في توتر حروفها :


-محتاجي أنا!... لم تقصد بها التحقير أو التقليل من حالها، ولكن الأمر برمتهُ غريب يُثير كُل ما هو غير مألوف لديها...


رحمَ توترها :


-أيوه،.. ممكن نشرب قهوة في أي مكان وأحكيلك التفاصيل..


برفض قاطع دون أدنى ذرة تفكير :


-لا...


تنحنح بإحراج للمرة التي لا يعرف عددها، ويبدأ في الاسترسال :


-شوفت تصميمك فوق وعجبني جدًا، ممكن ترسميلي ملامح شخص..


تمتمت باعتذار :


-اسفة أنا مبعرفش أرسم رسم تفصيلي لملامح البشر..


-طيب، ومد يدهُ ليبدأ بالتعارف عليها، ولكن..


نظرت ليداهُ الممدودة بملامح خاوية، وتمتمت باعتذار :


-عن إذنك... ورحلت دون انتظار رده، ليصدع عقلها أن هذا الصواب، لتسقُط في بئر الذكري السحيق...


قبل عامان ونصف من اليوم، كانت تحمل لقبها الجديد، وضاقت بهم الحياة، لتبدأ في إجادة ريم البشر وتمر أشهر وكانت قد أجادت رسم البشر، وسارعت لرسم ملامح وجه والدها اول شيء، ولكن والدتها رفضت بشدة أخذ الرسمة وأخبرتها أن هُناك العديد من الأقوال في رسم البشر والجِدال قائم بين يجوز ولا يجوز، وأن الأمر الذي ثُبِتَ فيهِ الاختلاف وجب تركة، فأن كان إثمًا رُحِمت من ذنبه...


راقب اختفائها بتعجب، ليزول تعجبهُ مع رنين الهاتف، فتغزوا المُشاكسة ملامحهُ، ويعتلي المقود، ليُجيب :


-البطل بنفسو بيكلمني.


قهقهة رجولية انبعثت من صوت "حازم" لتمر عبر الهاتف، ليُكمل نزول الدرج ويداهُ تحمل حقيبة السفر الخاصة به؛ فلديهِ بعد يومان مُسابقة للخيل في مرسى علم، ليتوقف أمام صندوق سيارتهُ، ويردف :


-فكرتك نايم...


افتعل الأسى، ليُكمل بمشاغبة :


-نوم أيه بقا، وأبوك في البيت..


جمود أصابهُ، وعيناهُ الزرقاء تحولت لسماء مُلبدة بالغيوم، ليقبض بقوة على مقبض باب سيارتهُ، لتخرج حروفهُ جامدة، مُتجاهله أي خبر عن والدتهُ، فهو لن ينسى قط ما عاشهُ في بيت زوجة أبيه، وهو أجاد رسم دور الغافل عما يدور حوله، قرر ارتداء قناع الصمت والإنهاك في عمله، وكأن لا ابن لهُ، يُعاني الأمرين مع زوجة أبيه الحانقة لوجوده، والحاقدة لرؤيتهُ في منزلها، لن ينسى نظراتها المُشتعلة كُل صباح، بل عندما تقع عيناها عليهِ، ليعجز عن التحمُل فيفر هاربًا لرياضة يُخرج بها كِل ما يختلج بصدره بعُنف، يُقسم أن الأيام كانت تمُر دون أن يغمض لهُ جفن من ألم عضلات جسده، والحق يُقال لم تخذلهُ الرياضة يومًا ولولها ما استطاع بناء أسم "حازم الرماح" وسط عُلية القوم دون اللجوء لوالده، وشراء شقة خاصة به، والبعد عن مُحيط ابيه وزوجته، بُعد لا عودة به، ولكن عجز عن الابتعاد عن أخيه، فهو لم يُعاملهُ قط كما كانت تفعل والدتهُ بل كان نورًا يُبقيهِ في البيت وسط ظلام ساكنيهِ... زفر بتمهل، وبدأ يستعيد صلابتهُ :


-مسافر ما تيجي...


قهقهة بمُشاغبة، وبدأ بالتحرك بسيارتهُ :


-أجي فين يا بني، أجي أتصدم، الأ ما في بنت بتقولي صباح الخير معاك....


لم يقوى على الصمود، فانفجر ضاحكًا بقوة حتى أدمعت عيناهُ...


بعبوس مرح :


-اضحك يا أخويا ما أنت بقيت شبه نجوم هوليود، بعينك الزرقاء وعضلاتك و....


ليتوقف عن الإكمال مع صوت أخيهِ، بتعبير مسرحي :


-خمسة يا أبني، وأنا بقول بزور كتير ليه....


-هو أنت نافع معاك حاجة، كل مرة بقر عضلاتك بتكبر...


-لغتك بقت بلدي يا ابن الزوات...


-زوات أيه بس، قلبك أبيض... دي للحبايب بس...


-مفيش فايدة فيك، يلا سلام...


-سلام.... ليبتسم للهاتف بصدق، رغم ما حدث مع أخيه، الأ أنهُ لا يبتعد عنهُ قط، لم يُبالي بما تفعلهُ والدتهُ، بل كان ذراعًا يستندوا عليهِ كثيرًا...


**


أكمل "حمدي" التهام طعامهُ بنهم، ليضع الكثير من معالق الأرز بفمه دُفعة واحده، وكأن أحدهم سيهرب بطبقة، بل أكمل دس قطع الفِراخ بداخل فمه، حتى أصابتهُ الحازوقة، فتمتد يداهُ لجلب كوب الماء....


لم تمهلهُ "جميلة" ثانية الا وكانت تمد يدها بكوب الماء، وبهمس حاني لا يخرج سوى لأولادها وأخيها :


-اصمله عليك يا أخويا.... لتُكمل بضيق... دي عين مدوره بصتلك، أنا عارفة دي عينة الحيزبونه وبناتها...


-حرام عليكي يا "جميلة"، هي عملت حاجه..


-اسكت أنت متعرفهاش دي حيزبونة محدش يعرفها قدي..


-لا إله إلا الله، سيبك منها دلوقتي وقوليلي عاوزه أيه؟.


-بص يا أخويا، البت "رضوى" كبرت وعاوزك تشوفلي دكتور شاطر يعف البت...


-البت لسه مراحتش الإعدادية يا "جميلة"..


-دا أول حاجه تخليني أعجل بيها، هو أنا هستني لما تجبلي مصيبة، ولا تتطلق زي البومة الي تحت...


التزم الصمت، فليس لدية قدرة على النِقاش في أمرًا كهذا...


**

قاربت شمس الصباح على الرحيل، لتسقُط خلف حِجاب خفي يُعرف بالغروب، فيُصبح البحر الهائج من فوق رؤوسنا آية لناظرين؛ بفعل تحول لونه إلى الزرقة بنفسجية، وقد اختلط الأزرق بحمرة الغروب فتُصبح بهجة للقلوب، وهي كانت تُغرد فَرِحٍ كعصفور وجود مخزون كافي من الحب فور انتهاء يومه، لتُقرر "صابرين" السير على قدمها من أمام إحدى محلات الأقمشة بوسط البلد لحارتهم، وعينها تُسافر في لوحة القدير، وعقلها لا ينفك عن الهمس عما تبقى لها من مال يُمكن إقصاءهُ عن حاجة اليوم؛ من أجل الحصول على كُرسي يُساعد والدتها في التنقل داخل أرجاء بيتهم، لتغمض عينها في تأمين لتلك الدعوة المُفارقة لباب القلب بتمني لا مثل لهُ، سالكة دربها لباب الرحيم طالبة العون والجواب... ولم تكد تمضي ثانيه على دُعاء قلبها، الأ وكان القدير يُجيب في أذان المغرب أنهُ يسمع همسها...لتهمس بصدق وتُردد الأذان بخشوع في حضرة نداء الصلاة :

-الله أكبر....

**

غضب حاد يُنزر ببُركان خامل على وشك الانفجار، ليعلوا صوت "جابر" بتلك اللهجة المُرعبة في ذاك التاجر الذي يرفُض سداد ما تبقى عليه من مال بفعل انقلاب الزمان عليهِ، ويطلب باستعطاف راجي :

-يا معلم "جابر"، أحب على ايدك اصبر عليا شوية...

صم أُذنيهِ عن الرجاء المُنتشر بنبرة الرجُل في انكسار صريح، ليُكمل بتلك النبرة الهادرة :

-عظيم بيمين إن فلوسي موصلتليش آخر الشهر لأكون جايبلك ضُرفها... وتحرك مُنصرفًا، وشياطين الإنس والجن تتقافز أمام عينيهِ، لتنفرج شفتاهُ عن سيل عارم من الشتائم لذلك التاجر، وكأن نداء الحق لم يبعث في قلبه أدنى رحمة، ليُكمل دربة نحو بيته، وبسمة لزجة تحتل وجهه، ليُقرر الدلوف لبيت أخيه ِ، فيطرُق الباب بقسوة...

كادت "نعمة" أن تُنهي قرأتها عند تلك الآية القرآنية " فَوَيْلٌ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ "، لتغلق مُصحفها بوضع الشريط بين الصفحتين، وشفتيها تنفرج بالتصديق لقول الحق جل عُله صدق الله العظيم، وتبدأ في وخز ابنتها برفق مُمتزج مع همسها :

-"رحمة" يا "رحمة "..

همهمات غير مفهومة غادرت حلقها، وسلطان النوم مازال جالسًا على عرشه فوق جفنيها...

أشفق قلبها لحال ابنتها؛ فالإنهاك ما زال ظاهرًا على وجهها، لتُكمل برفق :

-"رحمة" الباب بيخبط، يا "رحمة"..

ارتفعت يداها بتكاسُل يوازي نبرتها النائمة :

-تلاقي حد من العيال..

-معلش يا حبيبتي قومي شوفي مين...

-طيب... لتتحرك ببطء وبالكاد تستطيع تحريك قدميها، وفمها لا ينفك عن التثاؤب، لتفتح الباب لطارق المُزعج :

-أيوه... ليحتل الضيق وجهها مع رؤية وجه عمها الغاضب.

-ساعة عشان تتزفتي، ودفعها من جوار الباب ليدلف إلى داخل البيت قاصدًا غرفة والدتها...

فر سُلطان النوم هاربًا؛ من اشتعال عينيها بالغضب، وبلهجة حانقة :

-استنى ماما جوه..

بسماجة ولزوجة خُلقت لمن لم يعرف بحُرمة البيوت :

-وأنا غريب، أوعى يا بت...

وصلت لأذنها صوت ابنتها بالخارج، لترتفع نبرتها بقلق:

-في ايه يا "رحمة"؟..

لم ينتظر الكثير بل دلف للغرفة سريعًا، وابتسامتهُ المُقيتة تُنير وجههُ :

-سلام عليكم..

ارتفع وجيب قلبها بعُنف، واستُبدلَ القلق بداخلها للخوف الشديد، ليس من شخصه، ولكن تعرف جيدًا دخول "جابر" لبيتها يُعني الكثير، وجميع ما يُعنيه هو المشاكل من كُل حدب، لتبتسم بارتعاش مُرحب :

-نورت يا معلم..

بلهجة قاسية، تحمل البعض من التشفي والسخرية :

-نورك يا أم البنات... ليُكمل بثوب الورع الذي يُجيد استخدامهُ أمام رجال المنطقة :

-قولت اعدي اشقر على بنات أخويا واشوفهم محتاجين حاجة ول لا...

-تسلم يا معلم، كتر خيرك...

عجزت "رحمة" عن كتم انفعالاتها وغضبها من ذاك الرجُل المُسمى بعمها، تُقسم برب السموات والأرض أن ليس لديهِ أدنى قطرة دم من حنان والدها الراحل، ولتنفجر بضيق :

-وهنحتاج ايه وأنت واكل حقنا، ول الشرع... لتتوقف الكلِمات بحلقها مع صفعة مدوية استوطنت وجنتيها لثواني، لتعجز عن الاكمال بفعل الألم الحاد الذي غزي روحها، تُهان من هذا!...

صرخة مدوية خرجت من شفتي "نعيمة" بهلع :

-قلبي يا بنتي...

لم يرمش لهُ أدنى جفن فور صفعها، بل أكمل بقسوة هادرة :

-حق أيه، أبوكي خد حقو في حياتوا، ول هو جوز الشملوله أختك إزاي، وعزة جلال الله لو سمعت نفسك تاني لأكون دافنك جتكم الهم، وخرج صافعًا الباب خلفهُ، ووجيب قلبهُ يصمُ الأذان، ليس رحمةً بها حاشه لله، ولكن حُزنًا عن تلك الحالة التي أصابت من هوى، لتعصر قبضة نارية قلبه دون شفقة، ليدب ألم حاد بسائر جسده، ألم عِشق قُتِل في مهده قبل سنوات..

لم تخلع "نعيمة" ثوب الهلع؛ بل زاد أكثر مع دموع ابنتها المُتحجرة في مقلتيها، واحمرار وجهها، لتهمس بتأنيب :

-يا ريتني ما صحيتك...

غصة مريرة مرت بجوفها، لتغمض عينها للثانية، وبجمود يعتري ملامحها رغم نيران روحها، لتهمس بحروف جاهدة العثور عليها :

-هروح أجهز لشغل، وتحركت دون انتظار ردها...

دمعة حارة فارقت عينيها؛ بفعل عجزها عن الدفاع عن ابنتها، وبدعاء خالص :

-يا رب ارحمنا برحمتك من جبروت "جابر" ابن حواء وآدم..

احتمت "رحمة" بقطرات الماء، ودموعها تنهمر بقوة في رثاء مرير لحالها، لتُسارع بإغلاق صنبور المياه وبدأت تستعد للخروج، فلن تخسر عملها، وتقسم بأغلظ الأيمان عن رد الصاع صاعين لذاك "الجابر"...

**

أسدل الليل جنحهُ، وبات ضجيج الشارع يتزايد أكثر من ذي قبل، في تلك الفترة من نهاية شهر مايو، توقفت لبرهة تلتقط أنفاسها الهاربة؛ من مشقة السير، وأصابع يدها قد تورمت بالفعل؛ من حمل أكياس القُماش، طافت عينها سريعًا علها ترى أحدً يُساعدها في حمل الأكياس ولكن لا أحد فالجميع يُراقب شاشة القهوة بنهم، لتُكمل دربها بإعياء...

مرت نصف ساعة، لتطرق باب بيتهم بأخر ذرة تمتلكُها من الطاقة، تدعوا القدير أن تكن "رحمة" بالداخل؛ فقد نسيت مفتاحها...

أنهت "رحمة" سكب الماء على قدم والدتها، بعد مُساعدتها في الوضوء؛ من أجل فريضة العِشاء، ليتهادى إلى أذنها صوت طرقات الباب، لتشتعل عينها من جديد، وتُسارع بإراحة والدتها، ووضع وسادة تبث الراحة في عِظام ظهرها، قبل أن تهرع للخارج، تقسم أن تُذيقهُ العذاب أن كان الطارق، لتفتح الباب بعُنف...

أجفلت "صابرين" من انفتاح الباب بذاك الضيق، وباستغراب :

-في أيه؟..

-مفيش... وسارعت بالخروج لحمل الأكياس من يدها، وتحركت بصمت لتضعهم في الغُرفة، ولكن...

ارتفع صوتها بلهجة مُتعبة :

-سبيهم في الصالة وتعالي نتعشى مع ماما، جبت أكل...وتحركت لغرفة والدتها، لتتوقف بجوار الباب؛ فوالدتها كانت تُصلي.. لتتحرك للخروج من الغرفة؛ من أجل تبديل ملابسها بأخرى مريحة... دقيقة وكانت تدخل غرفتهم، لتسأل بتعجب :

-على فين كده؟..

أنهت "رحمة" تمشيط شعرها، وسارعت بوضع مشبكًا لشعر، لتُجيب :

-عندي نبطشية...

-والعشاء..

-هأكُل أي حاجة في الشغل، سلام عليكم، ورحلت سريعًا قبل أن تُحاصرها "صابرين" بمزيد من التساؤلات، فهي بحاجة للاختلاء بنفسها قليلًا قبل الذهاب للعمل...

**

استيقظ "خالد" من النوم، ليسارع بالخروج من غرفته، باحثًا عن شيء يؤكل، ليجد والده يُجلس أمام التلفاز بردهة البيت، ليتحرك نحوه، وبنعاس :

-مفيش حد هنا..

لم يُحرك "توفيق" مقلتيهِ عن شاشة التلفاز، مُستمتعًا بمعرفة أخبار العالم في ذاك البرنامج، لتمر دقيقة ويتوقف البرنامج؛ من أجل بث مُباشر بأخبار الساعة، ليردف بسخط :

-أوف... لتتوقف الكلِمات بحلقه مع شريط العنوان أسفل الساعة، قبل أن يردف المُذيع بتلك النبرة الحازمة موجز التاسعة، لتعرض الشاشة عربة مُتفحمة بفعل حريق هائل نشب بها، وصوت المُذيع يُكمل :

-قبل قليل قد تم نقل بطل الفروسية "حازم الرماح" إلى مستشفى ***، بعدما عثرت أجهزة الشرطة على سيارته مُحترقة على طريق مرسى علم الصحراوي....

هلع شديد، امتزج بالذعر بداخل قلب كُلًا منهُما ليهب "خالد" راكضًا لغرفته؛ من أجل جلب مفتاح السيارة الخاص به، وركض للخارج دون تبديل ملابسة، ووجيب قلبهُ يصمُ الأذان، وومضات متفاوتة تظهر أمام عيناهُ لكثير من الذكريات بينهُ وبين أخيه...

دمعة فرت من عيني "توفيق" لتمتزج بقوة مع همسة بالتضرع إلى القدير أن يحفظ ابنه، ليُسارع بضغط على زر الكُرسي؛ لكي يجلب هاتفهُ النقال من أجل مُتابعة صحة ولدهُ من أخيه، ولكن أصابع يداهُ عجزت عن الا ستجابه، فخانتهُ في الضغط على الزر، ليمقت لأول مرة ما أصابهُ من عجز...

شقت "سيارتهُ الطريق بالسرعة القصوة، غير مُبالي بتعرضهُ للخطر كل ما يُريده أن يطمئن على أخيه، وقبل أن تفلت يداهُ زمام الأمر لمقود السيارة، بفعل تزاحُم الذكرى، و الومضات الغير مُستساغة أنه قد يرحل، ليعود إليه رشدهُ من جديد...

**

وصلت" رحمة "المستشفى، وتحركت لغرفة التمريض؛ من أجل تبديل ثيابها لزي الرسمي الخاص بطاقم التمريض، لتجد الهرج والمرج يعم المكان، وطاقم الأطباء والتمريض يركُض نحو غرفة العمليات، لتُسرع نحو موظفي الاستقبال، وبتساؤل :

-في إيه...

موظف الاستقبال :

-حالة مهم جدًا والدنيا مقلوبة عشانوا..

-طيب...وسارعت لعملها، فاليوم لا يُبشر بالخير، وربما ستكُن أسوء من أمس...

بعد مرور أكثر ثلاث ساعات، ظل فيهم "خالد" مُرابطًا أمام غُرفة العمليات، عيناهُ تُراقب بهلع دخول وخروج التمريض، ولا أحد يلتفت إليه، ليستند بظهر على الجِدار مُتشبثًا بالمقبض المعدني المُثبت على الجِدار، وكأن قدماهُ تأبى أن تمدهُ بقدر أخر من الطاقة للوقوف عليها، لتبدأ الغيوم بتجمُع خلف اهدابهُ، لينفصل عن العالم لبضع دقائق رغم وقوفه...

خرج الطبيب "مُعاذ" من غرفة العمليات والانهاك قد بلغ مبلغهُ منه، وحبات العرق تحتل جسدهُ، ليتوقف عن السير بفعل ...

عاد إلى "خالد" رشدهُ من جديد، ليرى الطبيب يمر بجواره، فيُصيح :

-يا دكتور...

راقب "مُعاذ" هيئتهُ قبل أن يُجيب بتعالي :

-ايوه..

لم يكن بمزاج رائق لمعرفة سر تلك النظرات، لتنفرج شفتاهُ بسؤال عن حال أخيهِ، وبلهفة واضح :

-طمني يا دكتور..

-حضرتك مين؟..

-"خالد الرماح" اخوه..

حرك رأسهُ بتفهم، ليسترسل حديثُه بطريقة عمليه :

-كسر في مفصل الكتف، وكدمات وجروح في جسمُ، دا طبعًا غير عملية رجلوا الي منعرفش هتبقى مضاعفاتها أيه..

بتعجب :

-رجلوا..

-ايوه، كان في كسر من الدرجة التانيه في الركبة، طبعا غير تهتك في الأنسجة، والنزيف الحاد الي ستمر فترة طويلة قبل وصول الإسعاف، فكان مفروض يحصل بتر لكن حاولنا نسيطر على الوضع ولسه لما يفوق هنقيم الوضع...

مرت دقائق ولا يعلم هل يحمد القدير لعودته أخيهِ، أم يحزن على ما أصابه، ليصدع رنين الهاتف، فيُجيب بإرهاق :

-أيوة يا باشا..

بلهفة لا مثيل لها، أو ربما مثيلها كُل قلب استوطن جسد أم أو أب في يومٍ ما، يومٍ وجد فلذة كبده يُعاني من المرض، وبينهم أسوار لا نهاية لها :

-طمني يا "خالد"..

-كويس يا بشا خرج من العمليات، وبتهرب صريح، عن إذنك هروح أدفع الحِساب... ليتحرك ببطء شديد وقدماهُ بالكاد تتحرك ليتوقف أمام موظفي الاستقبال، لدفع حِساب المشفى، وقبل أن يسئل أحدهم...

أنهت "رحمة" تركيب إحدى المحاليل لإحدى المرضى، وعند خروجها من باب الغُرفة الخاصة به، رأت وجههًا تعرفهُ جيدًا، ليحل التعجب وجهها، قبل أن تهرول نحو الواقف أمام موظف الاستقبال، وبتساؤل :

-أستاذ "خالد"...

لم يتعجب من وجودها، وسُرعان ما عاد إليه عقله، فقبل عام كان والدهُ محجوزًا بذلك المشفى، و"رحمة" كانت المُمرضة الخاصة بغرفته، وبعدها صارت تأتيهِ البيت ثلاث أيام في الأسبوع لإعطائُه حقن الفيتامين الخاصة به، ليُجيب كغريق وجد طوق النجاة :

-"رحمة"..

-خير يا أستاذ "خالد"، وبتساؤل.. "توفيق" باشا بخير...

حرك رأسهُ بنعم، قبل أن تنفرج شفتاهُ بطلب خاص :

-عاوزك تطمنيني على أخويا في العناية...

ذهول أصابها؛ فهي تعرف جيدًا أنهُ الأبن الوحيد لتوفيق الرماح، وصفية الجيار، ليظهر تعجبها في قولها :

-أخوك...

رحم تعجُبها، ولكن لم يكُن لديهِ أدنى طاقة لشرح الوضع :

-اخويا في العناية، عاوز ادخلوا...

-عناية صعب دلوقتي، أنا هدخل وهطمنك عليه، تمام..

-طيب، اسمو "حازم الرماح"...

*********************
إلي هنا ينتهى الفصل الثانى من رواية قلوب ضائعة بقلم رانيا صلاح .
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات رومانسية
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة