-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الخامس والعشرون

أصدقائي الأعزاء متابعي موقع قصص 26 يسعدني أن أقدم لكم الفصل الخامس والعشرون من رواية فى قلبى أنثى عبرية بقلم دكتورة خولة حمدى وهي رواية واقعية إجتماعية ممزوجة بالحب وأيضا  تتسم بالكثير من الأحداث والمواقف المتشابكة التي ستنال اعجابك بالتأكيد فتابع معنا.

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الخامس والعشرون

حمل تطبيق قصص وروايات عربية من جوجل بلاي
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الخامس والعشرون

توقفت سارا أمام إحدى المكتبات، وتطلعت إلى ندى في تساؤل:
أي أنواع الكتب تريدين؟
ترددت ندى قبل ان تجيبها , هذه الفتاة التي لم تتجاوز الأحد عشر ربيعا ، هل يمكنها أن تفهم شيئا يتجاوز المواد التي تدرسها في المدرسة؟
لا داعي للحديث عن الفقه والسيرة وأصول الدين.
قالت بإيجاز:
كتب دينية...
هزت الفتاة رأسها متفهمة وأضافت:
لدينا الكثير من الكتب عن الديانة اليهودية في المنزل. قرأتها جميعها.
لكنني أشك في أنك بحاجة إليها.
على أية حال، الكتب التي تتناول الإسلام متوفرة في المكتبات بكثرة.
تعالي، من هذا الاتجاه.
تبعتها ندى في دهشة وهي تقودها عبر الرفوف، حتى وقفت أمام القسم الذي تبحث عنه.
تطلعت سارا إلى الرفوف العالية التي تكدست فوقها الكتب الجديدة والقديمة، وعقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول:
كتب الإسلام ممنوعة في بيتنا.
كثيرا ما آتي إلى هنا بحثا عن الكتب، لكن هذا القسم ممنوع علي.
ماما تقول إن هذه الكتب خطيرة، لذلك لا يجب ان نقترب منها.
إنها لا تدرك أنني كبرت وصار بإمكاني التمييز بين الخطأ والصواب، أريد أن أقرأها من باب الفضول والعلم بالشيء لا اكثر...
راقبتها ندى في ذهول.
هذه الطفلة تدهشها أكثر وأكثر في كل يوم
تابعت سارا وهي تلتفت إليها:
لكن هذا القانون لا يطالك، لأنكِ ضيفة! يمكنك شراء ما تريدين بشرط أن لا يرى شيء منه في بقية أرجاء المنزل.
ثم اضافت وهي تغمزها:
وأنا بدوري سأحفظ السر ولن أخبر أحدا عنها!
قبل أن تستوعب ندى، كانت سارا تهمس في إثارة وحماس:
لكن بشرط، يجب أن تتركيني أقرؤها في غرفدك
يمكنك أن تحدثيني أيضا بكل ما تعرفين عن الإسلام!
ترددت ندى للحظات، ثم تمتمت: -لكن...
بادرتها سارا على الفور:
تعتقدين بأنني لن أفهمها؟، انتظري...
ثم اختفت للحظات قبل أن تعود وهي تحمل مجلدا علميا ضخما.
هل يمكنك فهم هذا ؟
قرأت ندى العنوان المكتوب باللغة الإنجليزية:
الفيزياء النسبية))، فأحست بصداع.
لا تذكر متى قرأت دا عن الفيزياء للمرة الأخيرة.
ربما في بداية دراستها بالمعهد، قبل أن تتخصص في المجال الأدبي.
قالت سارا بكل ثقة وفخر:
كان هذا الكتاب موضوع البحث الذي قدمته الشهر الماضي أمام مجموعة من العلماء الأجانب!
حدقت فيها ندى في عدم تصديق.
لم تكن قد أدركت بعد بأن الطفلة الماثلة أمامها نابغة بأتم معنى الكلمة.
سرحت نظراتها بين الكتب تقلبها بإمعان.
ستختار بعض الكتب المبسطة اللتي تشرح مبادئ الإسلام لغير معتنقيه.
وبعض الكتب الأخرى عن تاريخ الإسلام والسيرة النبوية.
أدخلت يدها في محفظتها وعدت القطع النقدية القليلة التي بقيت لديها.
لا يمكنها أن تبذر المبلغ اللذي بحوذتها على الكتب.
عليها منذ الآن أن تجد مورد رزق حتى توفر مصروفها اليومي، وما يلزمها لإنجاز مهمتها.
لكن ايها تأخذ اليوم؟ لا يمكنها ان تشتريها كلها‘
فوجئت حين سحبت منها سارا الكتب. نظرت إليها في تساؤل، فأجابت الفتاة:
سأدفع ثمنها هذه المرة...
بما أنني سأقرؤها أيضا ، استوقفتها ندى في دهشة:
-من اين لك بالنقود؟
قالت سارا وهي تسير نحو مكتب الاستقبال:
أمي تخصص ميزانية شهرية للكتب، وبإمكاني أن أختار ما أريد قراءته.
ثم التفتت وهي تغمزها مجددا وتقول هامسة:
لكن هذه الكتب بالطبع ستبقى سرا بيني وبينك!

اخي في الله أحمد،
لم أكن اعتقد بأنني سأبدأ حملة الدعوة في هذا البيت عن طريق الصغيرة سارا.
إنها فتاة مذهلة حقا.
قدراتها الذهنية تتجاوز بمراحل عديدة قدرات الأطفال في سنها.
واهتمامها بالإسلام جعلني أستبشر خيرا كثيرا .
إنها تقرأ بنهم الكتب التي أشتريها من المكتبة، ثم تناقشني فيها بعقلانية وبراعة شديدين.
أحاول أن أجمع من المواد ما يكفي لإقناعها.
اعتقد جازمة بأنني إن توصلت إلى إقناع سارا ، فلن يكون إقناع بقية أفراد العائلة سوى ضربا من التسلية

وضعت سارا ملعقتها وهتفت وهي تمسح يديها وفمها :
-انتهيت!
اعترضت تانيا وهي تشير إلى الشطيرة التي تركت نصفها:
سارا، لم تكملي طبقك!
تجاهلتها سارا وهي تقف من مقعدها:
حان موعد الدرا سة الآن. ندى، سأحضر كتبي وأنتظرك في الغرفة!
تابعتها تانيا بنظرات غاضبة، ثم التفتت إلى جاكوب
إنها لا تأكل جيدا مؤخرا, ولم تعد تحب الدراسة في غرفة الجلوس!
منذ صغرها تحب البقاء أمام التلفاز حين تقرأ كتبها، وها هي فجأة تطلب أن تدرس في غرفة هادئة!
ألقى باسكال ملعقته بدوره وهو يصرخ في احتجاج:
أنا أيضا أريد ان ادرس في غرفة ندى!
ابتسم جاكوب وهو يربت كتف ولده:
هل تريد ان تتشاجر مع سارا؟، تعال، سندرس معا في غرفتك، هل تريد؟
عقد الولد ذراعيه أمام صدره علامة الغضب، منذرا باقتراب عاصفة البكاء.
وقفت ندى معتذرة وتبعت سارا إلى الغرفة.
وحدها كانت تدرك سر التغيير في تصرفات سارا في الفترة الأخيرة.
إنها الكتب الممنوعة التي تقرؤها خلسة عن عيني والدتها.
ما إن توارت ندى خلف الباب حتى قالت تانيا بلهجة جادة: -
ألا ترى أن سارا أصبحت قريبة جدا من ندى؟، إني أخاف عليها من تأثيرها
الا تذكر لماذا قمنا بإبعاد ريما منذ سنوات؟، حتى لا تسمم أذهان أولادنا بأفكارها المنحرفة!
احمر وجه جاكوب وهو يذكر حادثة رحيل ريما، لن يترك التجربة تتكرر للمرة الثانية.
تابعت زوجته في إصرار:
لقد وافقت على استقبال ندى في بيتنا لأنها دون عائلة، ولا يمكنها إعالة نفسها
لكنها الآن وقد وجدت عملا، يمكنها أن تنفق على حاجياتها.
كما يمكنها ان تسكن إحدى الغرف التي تؤجرها ,.. ما رأيك؟
رمى جاكوب بالمنديل بعيدا ووقف ساخطا:
ندى ضيفتنا ولن يتغير شيء من ذلك، لا تناقشيني كثيرا!
خلف باب الغرفة الموصد، وقفت ندى وسارا تسترقان السمع في تحفز.
تنهدت سارا وهي تسير نحو السرير وتتناول الكتاب من جديد:
كما قلت لك، ماما لن تجرؤ على فعل شيء طالما كان بابا في صفك.
إنها لا تجرؤ حتى على دخول هذه الغرفة!
لذلك فنحن في أمان...
ابتسمت ندى في مرارة.
تعلم أن تانيا تعترض على وجودها هنا بضراوة، خاصة وهي تلحظ العلاقة المميزة التي صارت تجمعها بطفلتها النابغة سارا.
لكن عليها تحمل كل ذلك حتى تصل إلى هدفها
لم تعد تعتمد على سارا في شراء الكتب، فهي قد صارت تقدم دروسا خصوصية منزلية في كل من الفرنسية والعبرية.
إتقانها للغتين إضافة إلى العربية جعلها تجد طلبات كثيرة تفي بحاجتها وتزيد.
لكنها تفكر في أبعد من ذلك.
كما توقعت، لم يحاول والدها أن يأخذها للإقامة معه مثلما وعد.
ها قد مر شهر على إقامتها في تونس، لم تره خلاله مطلقا. حاولت مرة واحدة أن تذهب لرؤيته.
أخذت العنوان من جاكوب، وقفت عند منزله في طريق عودتها من الدرس.
تأملت طويلا الشقوق والتجاعيد التي علت بابا خشبيا ذا لون بُنَيّ مزعج
ماذا كانت تنتظر؟؟، أن يفتح الباب دون أن تطرق
لقد جاءت بنفسها وهي عازمة على مواجهته.
لكن ما إن وجدت نفسها تقف تلك الوقفة، حتى انتابها فتور وتوتر
كان قلبها منقبضا وأصابعها باردة إلى درجة التجمد، حتى إنها لم تعد تشعر بأطرافها.
لدقائق طويلة، لم تكن تسمع إلا أنفاسها المضطربة وهي تفكر في قرار مصيري:
هل عليها أن تطرق الباب؟
حين سمعت حركة بالداخل توحي بقرب خروج شخص ما ، قفزت درجات السلم نزولا في وثبة واحدة، وهرولت باتجاه شارع جانبي وهي لا تدرك ما تفعل.
حين ابتعدت بقدر كافي
ماذا دهاها حتى تذهب إليه ذليلة وهو الذي أهملها ونسيها؟
لم تكن في حاجة إلى أب، فقد رحل أبوها ، بابا جورج، بعد أن ملأ فراغ الأب في حياتها بشكل كامل.
ذلك الشخص الذي كان مجرد اسم في حياتها بلا أي معنى، لماذا تريد أن تسبغ عليه معنى الآن؟
كانت تقول في نفسها في السابق إن أمها ظلمتها حين أبعدتها إلى لبنان.
لو كانت بقيت مع أبيها لكانت مسلمة مثله.
لكن أي نوع من الإسلام كانت ستترعرع عليه؟، هل هو إسلام بالوراثة فارغ من القيم والأخلاق؟
أي دين كان سيورثه لها أب لا يبالي بالرحم المعلقة بعرش الرحمن، تقول:، من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله))؟
ربما رحمها الله بقدرها ذاك، سبحان الله في حكمته.
آمنت حينها بأنها في حال أفضل دون ذاك الأب.
لن تسعى مجددا لرؤيته.
فليكن لقاؤهما الوحيد في المطار الأول والأخير. اللقاء الفراق.
في تلك اللحظة، اتخذت قرارها بأن ترحل بعد الانتهاء من مهمتها مع عائلة جاكوب
ستخبئ قسما من دخلها لتذكرة السفر.
حين تجمع ثمنها سيكون بامكانها الرحيل وقتما تشاء. ستنتظر الوقت المناسب لذلك.
اخرجتها سارا من أفكارها وهي تقول:
حين تزوج النبي محمد من عائشة، كانت لم تتجاوز السادسة من عمرها,..
الا ترين أن ذلك يعد إعتداء على طفولتها ؟، كيف يمكن لشيخ قد تجاوز الخمسين أن يتزوج فتاة صغيرة هكذا !
ابتسمت ندى وهي تجيبها:
إذا عدنا إلى تلك الحقبة الزمنية، لوجدنا أن تزويج الفتيات في سن السادسة كان أمرا عاديا, فالسيدة عائشة لم تكن حالة شازة في ذلك، بدليل أن قريش التي كانت تعادي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتقتنص الفرص لاتهامه والتنكيل به، لم تستنكر عليه صنيعه
هل تعتقدينَ أنهم كانوا ليقولوا عليهم مثل هذه الفرصة؟ والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن أول الخاطبين للسيدة عائشة، بل كانت مخطوبة لرجل آخر قبله...
كما ان زواج الشيوخ من الفتيات الصغيرات لم يكن أمرا غريبا كذلك.
فعبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوج في نفس اليوم الذي تزوج فيه ولده عبد الله من آمنة بنت وهب، ولم تكن زوجته سوى هالة بنت عم آمنة التي كانت في مثل سنها، ولم يستنكر عليه أحد ذلك.
سكتت سارا للحظات، ثم تساءلت مجددا :
بمعنى أنهم كانوا جميعا يعتدون على الأطفال ويجدون ذلك أمرا عاديا؟
اليس هذا اختلالا اجتماعيا؟
ضحكت ندى ثم قالت:
- ليس اختلالا اجتماعيا او شيئا من ذلك القبيل.
بل إن الفتيات في تلك الحقبة الزمنية وفي تلك البقعة من الأرض كن ينضجن مبكرا.
حتى في عصرنا الحالي، فمن المعروف طبيا أن الفتيات في الأماكن الحارة يبلغن مرحلة النضج قبل اللواتي يقمن في المناطق الباردة، وقد يصل سن النضج إلى ثمانية أو تسع سنين.
وشبه الجزيرة العربية هي صحراء معروفة بحرارة طقسها
كما أن سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم) تزوج السيدة عائشة وهي بنت ست سنين، لكنه لم يدخل بها إلا وهي ذات تسع سنوات.
بمعنى أنه انتظر أن يكتمل تكوينها، وتصبح صالحة لدخول الحياة الزوجية.
هزت سارا رأسها في تفهم، ثم عادت إلى قراءتها.
ابتسمت ندى وهي تراقبها في سرور.
هذه الفتاة ليست هينة
أسئلتها دقيقة وشديدة الحساسية.
من حسن حظها أنها تحضرت لجل أسئلتها.
لا وقت لديها تُضَيْعه.
عادت إلى كتابها هي الأخرى.
تقرأ عن الشبهات التي يدعيها الغرب على الإسلام، تبوبها وتحضر ملفات بالإجابات التي قدمها العلماء.
تبُنَيّ حصونا منيعة لتستبق أسئلة سارا وبقية عائلتها...
ستكون جاهزة هذه المرة، حتى لا تتكرر تجربتها مع ميشال.

عاد جاكوب من عمله متعبا.
مشاكل لا تنتهي في معمل الخياطة.
أحيانا يفكر في بيعه، وأخذ قسط من الراحة.
تانيا ترى من مصلحة الطفلين أن تسافر العائلة إلى بلد أوروبي حتى يجدا الرعاية اللازمة لنابفتين مثلهما.
ترى أن طفليها لا يحظيان بالفرصة الكافية التي تثمن مواهبهما كما يجب
ربما هي على حق. وربما عليه أن يفكر في الأمر بجدية.
حين قدمت سارا بحثها العلمي أمام مجموعة من العلماء الأجانب، رأى علامات الانبهار في عيونهم وهم يستمعون إلى الطفلة المعجزة.
حينها عرضوا عليه ان يأخذوها إلى أمريكا لتلقي دروس علمية خاصة تناسب مستوى تطورها الذهني. لكنه رفض...
لم يقبل فكرة رحيل طفلته بمفردها إلى الطرف الآخر من العالم. رغم كل قدراتها الخارقة، فهي لا تزال طفلة...
طرق باب غرفتها وانتظر للحظات قبل أن يفتح.
لم تكن هناك.
آه، نعم. صارت تدرس كثيرا مع ندى في الفترة الأخيرة.
غريب أمرها. ما الذي تفعله البنتان كل هذا الوقت؟
اقترب من غرفة ندى، ورفع يده ليطرق الباب.
لكنه توقف فجأة حين جاءه صوت سارا:
لماذا قررت ارتداء الحجاب الإسلامي؟، أنت كنت يهودية وتغطين رأسك أيضا، اليس كذلك؟
فما الفرق الذي يمثله الحجاب الإسلامي؟
سارا تسأل عن الإسلام والحجاب؟، أنصت في انفعال وتحفز لندى وهي تجيب
- من الطبيعي أن تسألي هذا السؤال.
فأنا حين كنت يهودية ملتزمة، كنت متعلقة بعفتي وأحب غطاء رأسي وأحافظ عليه.
لكنني فيما بعد، حين تعرفت إلى الإسلام، وجدت في حجابه معاني أخرى لم أعرفها في ديني حين ذاك
كما تعلمين، غطاء الرأس ليس خاصا بالإسلام، بل هو موجود في كل الديانات الأخرى.
لكنه في الديانة المسيحية مثلا خاص برا هبات الكنيسة... فهو يخص فئة معينة دون الفئات الأخرى.
أما في اليهودية، فهو يكرس فكرة نقص تكوين المرأة، وكونها جنسا بشريا ادنى من الرجل, كونها آلة لإشباع شهواته، والكثير من الأفكار اليهودية الأخرى التي تحط من قدر المرأة التي كانت تزعجني ولا أدري كيف أفسرها.
اما في الإسلام فالأمر مختلف تماما.
المرأة المسلمة لا تغطي رأسها وجسدها لأنها عورة ولأنها تخجل من جسدها.
بل لأنها تريد الحفاظ على نفسها.
تريد ان تحمي جمالها وزينتها فلا يراها منها إلا زوجها ومحارمها.
بل إن من واجبها أن تتجمل وتتزين في بيتها، حتى تعف زوجها.
أوا ليست في ذلك آلة لإشباع غرائز الرجل أيضا؟
ليس الأمر كذلك، فالأمر لا يقتصر على المرأة... الرجل أيضا مطالب بالتزين لزوجته حتى تراه بأجمل شكل وأبهى حلة.
سأوضح لك.
ترددت ندى للحظات. الفتاة لا تزال صغيرة حتى تحدثها عن العلاقات الزوجية.
قالت محاولة التبسيط:
الرجل يرى خارج بيته الكثير من الفتن...
نساء جميلات متبرجات..، وفي أحيان يكن شبه عاريات...
وكل ذلك يجذبه إليهن...
فالنفس البشرية تحب كل ما هو جميل...
إضافة إلى الغرائز التي فينا... تفهمين؟
أومأت سارا برأسها موافقة، فتابعت ندى:
لذلك فإن الإسلام يأمره بغض بصره عن الفتن...
وفي المقابل، فهو يجد البديل في بيته..، في زوجته.
يعني صفقة رابحة بين الاثنين.
المرأة تمتنع عن إثارة الفتنة بزينتها خارج البيت، والرجل يغض بصره...
ثم يجد كل منهما ضالته في ظل الحياة الزوجية...
وماذا لولم تكن زوجته جميلة؟
ابتسمت ندى وهي تقول:
ذلك هو بيت القصيد
غض البصر واحتشام النساء يمنع الرجل من رؤية ما لنساء الآخرين من جمال وزينة، فيكتفي بما في زوجته من جمال ويرضى بها حتى لولم تكن باهرة الحسن.
كما أن الله يحسنها في عينه فيراها اجمل مما يراها غيره...
لأنها زوجته حلاله!
إذن فالحجاب في الإسلام هو وسيلة اجتماعية للحفاظ على العلاقات الأسرية!
ضحكت ندى وهي تقول مؤيدة:
هو ذلك يا عزيزتي!
تردد جاكوبى للحظات.
هل يطرق الباب؟، لم يكن قد جرؤ من قبل على نقاش ريما حول حجابها
والصغيرة لم تكن لتدرك الكثير من الأفكار التي كانت وراءه، بل ارتدته لأنه فرض عليها في دينها.
لم يحاول أبدا أن يناقشها في عقيدتها أو يطرح عليها الأسئلة التي تراوده عن الإسلام.
فهو يشك في وجود الإجابة لديها، كما أنه وعد والدتها بأن يحافظ على دينها، ولا ايدخل الشك والالتباس على قلبها.
من أجل كل ذلك لم تكن بينه وبين ريما نقاشات من هذا النوع.
لكن وهو يستمع إلى ندى الآن، وجد نفسه يهتم بالنقاش.
ربما يمكنها ان تجيب عن بعض اسئلته... وربما يمكنه ان يقنعها بالعودة إلى اليهودية.
فكر من جديد.
لم يكن حتى قد سألها عما دفعها إلى اعتناق الإسلام وهي التي تربت على اليهودية!
تناهى إلى مسامعه صوت سارا وهي تقول:
- سأحضر كتب الفرنسية حتى ندرس قليلا...
ستنتبه ماما إلى ما نفعله إن لاحظت انني لم أنته من الكتاب!
بسرعة، ابتعد جاكوب عن الباب، فتح باب غرفة باسكال ليختفي خلفه.
أوف.. كان ذلك في الوقت المناسب.
لم تره سارا حين خرجت، ليس الوقت مناسبا لمواجهتها بما اكتشفه.
سينتظر أن تسنح الفرصة.
لكن هل يمكنه الاطمئنان إلى نقاشاتها مع ندى؟، ماذا لو دخل الشك في نفس طفلته؟
لكن سارا ليست بريئة او سهلة التأثر مثلما كانت ريما.
بل لعلها أشد صلابة من والدها.
ما الذي تفعله هنا بابا؟، هل تلعب الغميضة؟
استدار جاكوب فزعا.
كان باسكال الذي جلس وراء مكتبه يطالعه في استغراب.
ابتسم في حرج وهو يهرش مؤخرة رأسه في ارتباك:
-ليس الأمر كذلك...
ثم قال مغيرا الموضوع:
كيف كانت المدرسة اليوم؟، حدثني بما حصل,,,

يوم الحادي عشر من إبريل لسنة 2002، حصل تفجير إرهابي استهدف كنيس الغريبة اليهودي القا ئم في جزيرة جربة التونسية
في صباح ذلك اليوم، انطلقت شاحنة نقل للغاز الطبيعي محملة بالمتفجرات
تمكن سائقها الشاب من تجاوز الحواجز الأمنية لكنيس الغريبة الأثري، لتنفجر الشاحنة أمام الكنيس، حيث تجمع عدد من السياح والزوار من مختلف الجنسيات.
تسبب الحادث في مقتل أربعة عشر شخصا، منهم ستة سياح ألمان، وستة تونسيين، وفرنسي واحد، إضافة إلى سائق الشاحنة المنفذ للعملية الانتحارية.
ووصل عدد الجرحى إلى الثلاثين، بين إصابات خفيفة وأخرى بليغة.
رغم أنه قيل في البداية إن الأمر لا يعدو ان يكون مجرد حادث، إلا أن التحقيقات في ذونس وألمانيا وفرنسا، أثبتت ان الهجوم كان إرهابيا متعمدا.
حيث قام شاب بتنفيذ العملية الإرهابية بمساعدة بعض أقاربه.
وقد عثر على تسجيل صوتي له فيما بعد يحمل توقيع جماعة القاعدة.
استمع جاكوب إلى آخر المستجدات بخصوص حادثة الكنيس عبر موجات الإذاعة المحلية قبل أن يغادر مكتبه.
ضرب كفا بكف في حسرة وغيظ.
هل انقضى زمن التعايش السلمي بين المسلمين واليهود في جزيرة الأحلام؟
لقد عاش مع عائلته هنا جيلا بعد جيل، ولم يحدث يوما أن تعرضوا للمضايقة أو الاعتداء.
لكن ما يحصل في العالم في هذه السنوات الأخيرة على يد الجماعات الإسلامية الإرهابية أصبح يهدد أمن الجميع.
فضحايا الاعتداء لم يكونوا كلهم من اليهود!
حين مر بالمقهى في طريق عودته، كانت أحداث الشغب الأخيرة تشغل الجميع.
رأى بعض الأيادي تشتبك في عراك متشنج.
جاران قديمان، مسلم ويهودي، تبادلا الاتهامات، وانتهى الأمر بينهما إلى السباب والشتائم وتقاذف الكراسي.
كان مزاجه متعكرا وهو يدخل البيت.
في غرفة الجلوس، كانت القنوات التلفازية تنقل صور الفاجعة للمرة الألف.
كانت ندى تتابع الأخبار في ألم وحسرة.
تمنت ان يكون الانفجار مجرد حادثة.
كانت تتخوف من نسب العملية لجماعات إسلامية. فقد كثرت في الفترة الأخيرة الهجمات الإرهابية التي تشوه دسورة الإسلام وتتحدث باسمه.
لكن بعد بث شريط الاعترافات لم يعد هناك مجال للشك
التفت إليها باسكال الصغير الذي جلس إلى جوارها على الأريكة وقال:
-ما الذي يريده المسلمون منا؟، لماذا يعتدون على مقدسات اليهود هكذا ؟
توجهت كل العيون إليها في انتباه، تنتظر ردها.
أخذت ندى نفسا عميقا قبل أن تقول:
منذ زمن قصير، كنت يهودية مثلكم وكنت أتساءل إن كان المسلمون يكرهون اليهود,..
لكنني حينها كنت أجهل كل شيء عن الإسلام، عدا ما تنقله شاشات التلفزة من معلومات مشوهة، هدفها تذكية العداء القائم بين أبناء الديانتين.
اكتشفت فيما بعد أن الإسلام ليس ممثلا في أراء وتصرفات من يقولون إنهم يتحدثون باسمه، وكثيرا ما تحصل تجاوزات وانتهاكات ليس لها أساس في الإسلام.
والأمر ينطبق على هذه الهجمات الإرهابية.
هاؤلاء الانتحاريون الذين يعتدون على الشعوب الآمنة ويروعون السياح يجرمهم الإسلام، كما تجرمهم المرجعيات الإنسانية كلها...
للمرة الأولى، انفجر جاكوب محتجا :
هل تريدين إقناعنا بأن الإسلام دين سلام ومحبة؟، ألم تقم الفتوحات الإسلامية منذ القدم على سفك الدماء؟
الإسلام كان دينا دمويا منذ بداياته ولا يزال!
تنهدت ندى وهي تستجمع أفكارها :
بالنسبة للفتوحات الإسلامية، فسأوضح لك الأمر...
كان المسلمون يبدؤون بإرسال الرسل إلى ملوك البلدان يعرض عليهم الإسلام، فإن أسلموا فلهم ان يبقوا في بلادهم يحكمونها بشرع الله، دون أن ينقص من أملاكهم شيء.
لم يكن الهدف الاحتلال والاستحواذ على الثروات.
أما إن رفضوا الإسلام، فيبقون على دينهم على أن يدفعوا الجزية والخراج للحامية الإسلامية، بمعنى أنهم يدفعون لقاء بقائهم في أرض الإسلام تحت حماية الحاكم المسلم.
فإن رفضوا كل ذلك وأعلنوا الحرب، فحينها فقط تكون المواجهة العسكرية.
وحتى في هذه الحالة، فإن الإسلام يأمر بعدم الاعتداء على النساء والشيوخ والأطفال ومحاربة من يحمل سلاحا فقط.
وكل من يعلن إسلامه حتى على ارض المعركة- فهو آمن على حياته.
ولا يجوز الاعتداء على دور العبادة أيا كانت.
وشتان ما بين هذه المبادئ الحربية النبيلة، وما عرفته الإنسانية من حروب شَعْوَاء لا تضع اعتبارا لصغير أو كبير.
فإن كان الإسلام في صدر الفتوحات الإسلامية قد منع الاعتداء على المواطنين الآمنين وحماية دور العبادة وعدم تحويلها لمساجد، فكيف يمكن أن نصدق أن القائمين بالاعتداءات الإرهابية في عصرنا الحالي يتكلمون باسم الإسلام؟
أليس في ذلك كل التناقض؟
نظرت إلى عيونهم تقرء ردود أفعالهم، ثم واصلت: -
هذه الهجمات الإرهابية الهامشية يستنكرها الإسلام ويتبرأ منها المسلمون قبل أي كان,..
فهي تشوه صورته وتحرج أهله أمام العالم أجمع...
وإذا استعرضت تاريخ المسيحية مقارنا بتاريخ الإسلام، ستجد الهوة كبيرة بينهما،
سترى تاريخ المسيحية ملطخا بالدماء في جميع حقبه الزمانية.
ففي الحروب الصليبية -التي استمرت أكثر من ثلاثة قرون ضد الإسلام والمسلمين- أبيد الملايين، ودمرت القرى والمدن، وهدمت المساجد والمعابد، وكانت تبقر بطون الحوامل لإخراج الأجنة ثم حرقها بعد ذلك في ضوء الشموع والمشاعل0
أما الغزوات الإسلامية فلم تكن ضحاياها تتجاوز بضع عشرات. بل إن المسلمين كانو! يقتلون وهم كارهون، حتى إن الله تعالى قال في القرآن الكريم(كتب
كتب عليكم القتال وهو كره' لكم).
والدليل البالغ على عدم انتشار الإسلام بحد السيف، هو وصوله في زمن قياسي إلى مناطق لم تطأها الجيوش المسلمة، بل وصل إليها التجار وتحدثوا عن هذا الدين الجديد ذي المبادئ والأخلاق الحسنة.
كما كان المسلمون يتزوجون من أهل البلاد المفتوحة حتى ينتشر الإسلام بطريقة اجتماعية حضارية.
أما شبه الجزيرة العربية، فهي لم تتحول إلى أرض مليئة بالقصور والمباني الفارهة!
بل ظلت على ما هي عليه من فقر حتى اكتشاف الثروات الباطنية فيها، في الوقت الذي تجلب فيه الدول المستعمرة ثروات البلاد المحتلة إلى مراكزها
لكنها توحدت على يد النبي محمد( صلى الله عليه وسلم)، وعم فيها الأمان والاستقرار بعد أن عرفت عصورا من التناحر بين القبائل المتفرقة...
استمع إليها جاكوب، وسارا وباسكال في اهتمام وحيرة، ثم تكلم باسكال متسائلا في براءة:
إذن من يكون هؤلاء الذين يقولون إنهم مسلمون ويعتدون على الآخرين؟
مثلما هو الأمر بالنسبة لكل الديانات، فإن هنالك من يستغل المعتقدات من أجل أهداف شخصية، ويسخر طاقات بشرية تنفذ رغباته باسم المعتقد، عن جهل وسوء فهم.
ومثل كل الديانات أيضا، كثيرا ما تتفرق بعض المجموعات قليلة العدد عن الأصل، وتحيد عن الطريق وهي تظن نفسها على صواب... فتنحرف بالدين عن مساره وهي ترى نفسها تسير على دربه وخطاه
لكن لحسن الحظ، فأنها تبقى أقليات مهمشة.
وحتى إن كانت ذات خطورة على المجتمع، فلا يمكن أن تتحول إلى تيار رئيسي تلتف حوله أعداد كبيرة من المسلمين...
لأن الفطرة السليمة تبقى غالبة، والمرجعية الدينية حاضرة لتصحيح ما غاب عن الأذهان...
فكر جاكوب للحظات لم تكن الأمثلة! التي تحيط به من المسلمين لتجذبه إلى الإسلام.
تعرض للأذى من قبل. وأسئلة كثيرة تلح عليه.
لم يتردد هذه المرة. أخذ يسرد على ندى الحا دثة التي حصلت في معمله منذ سنتين.
العاملة المسلمة أخذت المنتجات التي لم يقع بيعها، ووهبتها للجامع
لم يكن ضد التبرع بها إلى اطفال المسلمين، لكنه كان يفضل أي جمعية خيرية لا تحمل طابعا دينيا.
وكان يعلم أن العاملة قصدت إهانته وإغاظته بتصرفها ذلك...
ثم تعمدت نشر الخبر في الحي، حتى يسخر الجميع من اليهودي الذي يتعامل مع الجامع.
اصغت إليه ندى في انتباه، ثم قالت في حزم:
- العاملة أخطأت معك ثلاث مرات.
حين لم تطلب إذنك في كيفية التصرف في الحاجيات، ثم حين نشرت الخبر وهي تعلم ما يثيره ذلك من حساسيات... ثم حين رفضت الاعتراف بخطئها والاعتذار.
ولتعلم أن هذا ليس من الخلق الإسلامية. فرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، كان يحترم جيرانه اليهود ويبرهم ويقسط إليهم طالما لم تبدر عنهم إساءة للإسلام والمسلمين.
بل كانت بينه وبينهم معاملات مبنية على أسس اخلاقية. .
ليس هناك ما يمنع المسلم من الاعتذار لغير المسلم، فالناس كلهم سواسية من المنظور الأخلاقي... وليس هناك ما يمنعك من الحقد عليها والرغبة في الانتقام منها بعد ما فعلته معك...
استفزت جاكوب إجابتها الأخيرة، فطفق يسأل ويسأل.
أخرج كل ما في جرابه من استفسارات معلقة عن مواقف تعرض لها، وأخرى سمع عنها.
يريد أن يعرف رأي الإسلام في كل ذلك.
كان وجه ندى يحمر حينا ، وتنفرج اساريرها حينا آخر، وهي تبحث عن الإجابات وتتخير الكلمات لتوصل المعلومة على أكمل وجه.
واستمر النقاش لساعات...
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس والعشرون من رواية فى قلبى انثي عبرية بقلم خولة حمدى
تابع من هنا : جميع فصول رواية فى قلبى أنثى عبرية 
تابع من هنا: جميع فصول رواية حكاية بقلم إيمان الصياد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة