-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أنت لى بقلم منى المرشود - الفصل السادس والأربعون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي في موقعنا قصص 26 مع روايات رومانسية وإجتماعية ومثيرة مع الفصل السادس والأربعون من رواية أنت لى بقلم د/ منى المرشود،وهى من الروايات ذات البحث الكثير على مواقع التواصل الإجتماعى 

رواية أنت لي بقلم منى المرشود - الفصل السادس والأربعون


اقرأ أيضا: روايات إجتماعية
رواية أنت لي بقلم منى المرشود
رواية أنت لي بقلم منى المرشود

رواية أنت لي بقلم منى المرشود - الفصل السادس والأربعون

لا يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي ارتبطتُ به ! مستحيل أنه هو وليد ذاته... الرجل الطيب الخلوق المهذب...اللطيف الهادئ... الصبور الحليم... ينقضُّ على ذراعيّ بهذه الوحشية و يصرخ في وجهي بهذه القسوة ؟؟

و لأجل ماذا ؟؟
لا أعرف! ما هو الذنب الخطير الذي ارتكبته و جعلته يثور لهذا الحد؟؟
فقط لأنني سألتُ مدللته الغالية عن سبب قتله لعمار؟؟
ألا يجعلني تصرفه أصرُ أكثر و أكثر على معرفة السبب؟ إذا كان خطيرا لهذا الحد... للحد الذي يوشك معه أن يقطع ذراعي و يحرق وجهي بنار صراخه... فهل أُلام إن ألححتُ على معرفة الحقيقة؟؟

مضتْ بضع ساعات و الهدوء يخيّم على المنزل رغم الشحنات المتضادّة التي تنبعث من رؤوسنا... كنتُ قد لمحتُ وليد يدخل غرفة مكتبه الخاص، و لم أره بعد ذلك... أما المدللة العزيزة فهي لم تغادر غرفة نومها على الأرجح... و لم نجرؤ لا أنا و لا والدتي على الاقتراب منها... و إن كانتْ والدتي تردد بين الفينة و الأخرى:

" ألا يجب أن نطمئن على الفتاة ؟؟ "

استدرتُ إلى أمي بحنق و قلتُ:

" لا تقلقي يا أمي... إنها بخير... لا شيء يصيب تلك المدللة... إنها فقط تمثـّل دور المتعبة حتى تسرق اهتمام وليد "

و عضضتُ على شفتي ّ غيظا...
والدتي لم تعجبها النبرة غير المعتادة في صوتي و كلامي فقالتْ:

" لا يا أروى هداك الله... لا يجب أن يصدر منك ِ أنت العاقلة الناضجة كلامٌ كهذا... كما أنكِ قلتِ بنفسك أنها أصيبتْ بالإغماء لبعض الوقت... "

رددتُ غاضبة :

" تمثيل ! "

والدتي هزّت رأسها استنكارا... فقلتُ منفعلة:

" نعم تمثيل يا أمي... ما عدتُ أصدّق شيئا مما حولي... إنها تؤدي دورها بشكل مذهل... ليستْ أوّل مرّة... تتظاهر بالانهيار و تستميتُ في البكاء حتى يسرع وليد إليها... تريد الاستحواذ على اهتمامه و السيطرة عليه... إنها تحبه يا أمي... ألا تفهمين معنى ذلك ؟؟ تحب خطيبي و تريد سرقته منّي ! "

و لحظتها لم أتمالك نفسي و أخذتُ أبكي... فأقبلتْ أمّي و ضمتني إلى صدرها الحنون و أخذتْ تربتُ عليّ و تواسيني...

و أنا في حضن أمّي لمحتُ كيس المجوهرات الذي جلبته رغد إليّ تلك الليلة تريد دفع ما فيه تعويضا عما صرفته من الأموال... و قد وضعناه كما هو على منضدة مجاورة لإعادته إليها لاحقا... و لا أدري لم تذكّرتُ حينها يوم مررنا من منزل عائلة وليد المحروق ... و أخذتْ رغد تجمع التذكارات منه، و من بينها هذه المجوهرات...و كيف كانت تضمها إلى صدرها بحرقة و تبكي بألم... أذكر أنها آنذاك كانت منهارة جدا... و وسط الدموع التفتتْ إلى وليد و طلبتْ منه أن يضمّها !

ضغطتُ ذراعي ّ حول أمي و أنا أتذكّر كيف ارتمتْ في حضنه هذا الصباح... و كأنّ صدر وليد شيء يخصها و يمكنها الاستلقاء عليه كلّما شاءتْ !
ألا تعرف هذه الفتاة حدودها ؟؟ إن وليد لم يشملني بين ذراعيه بالطريقة التي غلّفها بها صباح هذا اليوم.....

في وقت لاحق من ذلك اليوم المزعج كنتُ مع أمي نشاهد التلفاز علّ الوقت يمضي و الجو يلطُف قليلا...
و لأن وليد لم يظهرْ من الصباح فقد شعرتُ ببعض القلق... تركتُ والدتي في الغرفة و ذهبتُ أتفقده في غرفة مكتبه... أ معقول أنه لا يزال هناك ؟؟
توجهتُ إلى غرفة المكتب بحذر... طرقتُ الباب بهدوء و انتظرتُ قليلا ثم فتحتُه ببطء و أطللتُ برأسي على الداخل
وجدتُ وليد ينام على أحد المقاعد...

ناديتُ و لكن بهدوء :

" وليد ! "

و لم يسمعني، لذا غادرتُ الغرفة و سرتُ عائدة إلى أمي.
هناك في تلك الغرفة وجدت ُ رغد !
كانت واقفة قرب الباب و يبدو أنها كانت على وشك الانصراف
التقتْ نظراتنا فأشاحتْ هي بوجهها عنّي...
تذكرتُ صورتها و هي تشير بنظراتها إليّ و تقول لوليد : (أبعدها عنّي) بينما كانتْ متربعة في حضنه بكل جرأة...أحسستُ بالغيظ الشديد...
و لما أرادتْ الخروج استوقفتها :

" انتظري "

التفتتْ إلي ببرود و قالتْ :

" نعم ؟ "

قلتُ و أنا أشير إلى كيس المجوهرات الموضوع على المنضدة :

" إن كنت ِ تبحثين عن هذا فهو هنا "

رغد نظرتْ إلى الكيس ثم إليّ و ردّتْ:

" لا. لم آتِ من أجل هذا... يمكنك الاحتفاظ به "

قلتُ :

" لماذا أنت ِ هنا إذن ؟ "

أمي أومأتْ لي بأن أسحب سؤالي، لكنّي أكدتُ نظرات الاستجواب على عيني رغد منتظرة ردّها... إنني مملوءة حنقا عليها منذ فترة و اشتعل فتيلي هذا الصباح و لم ينطفىء.
رغد همّت بالانصراف لكنني قلتُ بغضب:

" لم تجيبي على سؤالي؟ "

و بدا أن الجملة قد استفزتها فقالتْ:

" و هل عليّ أن استأذنك ِ للتجوّل في منزلي ؟ "

أجبتُ منفعلة و مطلقة العنان لغيظي :

" لا ! إنّه منزل وليد... زوجي... على أيّة حال... و واقعا لا تملكين فيه غير هذا الكيس "

و أشرتُ إلى كيس المجوهرات ذاك...

أمي هتفتْ رادعة بغضب :

" أروى ! ما هذا الكلام ؟ "

قلتُ مباشرة :

" الحقيقة التي يجب أن تدركها هذه "

رغد كانت تنظر نحوي بذهول... فهي لم تكن للتوقع منّي كلاما كهذا... بل إنني نفسي لم أكن لأتوقعه!
لطالما كنتُ طيبة و متساهلة معها و تحمّلتُ الكثير من سوء معاملتها لي... من أجل وليد...
و أنا متأكدة أنها جاءتْ إلى هنا بحثا عنه! و لكن... متى تدرك هذه المراهقة أن وليد هو زوجي أنا ؟؟
توجهتُ لحظتها نحو كيس المجوهرات و جلبته إلى رغد و أنا أقول:

" إليك ِ أشياؤك... لستُ بحاجة إليها و لديّ أضعاف أضعافها... و ما هو أهم منها يا رغد "

نقلتْ رغد بصرها بيننا نحن الاثنتين... و تحوّل وجهها إلى اللون الأحمر... و بدأتْ عضلات فمها بالتقوس للأسفل... كانتْ على وشك البكاء!
وضعتُ الكيس قرب قدمها و أشحتُ بوجهي عنها منتظرة انصرافها...
سمعتُ صوت يدها تطبق على الكيس... ثم رأيتها تعبر فتحة الباب إلى الخارج فتوغلتُ أنا إلى الداخل و صفعتُ بالباب بقوّة !
سمعت ُ حينها صوت رغد تقول من خلف الباب:

" سأخبر وليد عن هذا "

قلت ُ بغضب و تحدٍ:

" تجدينه في مكتبه ... أسرعي ! "

في الداخل استقبلتني والدتي بنظرات غاضبة و وبختني... أدركُ أن تصرفي كان سيئا لكنني لم أتمالك نفسي بعد كل الذي حدث مؤخرا... و أصبحتْ لدي رغبة مفاجئة في إزاحة رغد عن طريقي...
أمّي أرادتْ اللحاق بها لتهدئة الموقف لكنني عارضتها و قلت ُ:

" لا تقلقي على المدللة... سيتكفّل وليد بذلك ! "

~~~~~~~~~~~~~~~

حملتُ كيس المجوهرات توجهتُ إلى غرفة مكتب وليد... كنتُ قد بحثتُ عنه في أرجاء مختلفة من المنزل و لم أره، و ذهبتُ لسؤال السيدة ليندا عنه حين فاجأتني أروى بموقفها الجديد هذا
حسنا ! تبا لك ِ يا أروى... سترين !
طرقتُ الباب و لم أسمع جوابا، ففتحته و دخلتُ الغرفة. الوقت آنذاك كان وقت غروب الشمس... الغرفة كانتْ تسبح في السواد إلا عن بصيص بسيط يتسلل عبر فتحة صغيرة بين ستائر إحدى النوافذ...
البصيص كان يشقّ طريقه عبر فراغ الغرفة و يقع رأسا على جسم مغناطيسي... طويل... عريض... ضخم... محشور فوق أحد المقاعد !
متأكدة أن البصيص اختار الانجذاب طوعا إليه هو... دونا عن بقية الأجسام... الطويلة العريضة الضخمة... التي تفرض وجودها بكل ثقة في أرجاء هذه الغرفة !
لا أعرف ما الذي دهاني !؟
كنتُ قادمة بمشاعر غاضبة تريد أن تنفجر... و فجأة تحوّلتْ مشاعري إلى نهر دافئ ينجرف طوعا نحو وليد !
أغلقتُ الباب و على هدى النور الخافت سرتُ نحو وليد أحمل الكيس بحذر...
وقفتُ قربه و أنا أشعر بأنه أقرب إليّ من الهواء الذي يلامسني، و من المشاعر التي تختلج صدري...
وضعتُ الكيس جانبا فأصدر صوتا... لكن وليد لم ينتبه له... يبدو أنه نائم بعمق ! و لكن لماذا ينام هنا و بهذا الشكل المتعب و في مثل هذا الوقت؟ كنتُ على وشك أن أهتف باسمه إلا أن هتافا أقوى و أعظم تسلل عبر زجاج نوافذ الغرفة أو جدرانها و ملأ داخلها إصغاء ً و خشوعا

( الله أكبر الله أكبر )

و لم ينتبه وليد لصوت الأذان...
توجهتُ نحو تلك النافذة... و أزحتُ الستائر و فتحتها بهدوء... فاندفع صدى الأذان أقوى و أخشع نحو الداخل... و انتشر النور الباهت في الغرفة...
النافذة تطل على الفناء الخلفي للمنزل، و الذي كانت تستعمره حديقة جميلة في الماضي... تحولتْ إلى صحراء قاحلة خالية إلا من بعض قطع الأثاث و السجاد القديمة التي ركناها هناك عند مجيئنا للمنزل...
أما السماء فقد كانت تودع خيوط الشمس الراحلة... و التي لم تشأ توديع الكون قبل أن ترسل بصيصها الأخير... إلى وليد !
انتهى الأذان و وليد لم يسمعه ... و لم يشعر بحركة شيء من حوله ! قررتُ أخيرا أن أوقظه !
ناديته بضع مرات و بصوتٍ يعلو مرة تلو الأخرى إلى أن سمعني و استيقظ أخيرا !
فتح وليد عينيه و هو ينظر نحو النافذة مباشرة !

قلت ُ :

" صحوة حميدة ! "

وليد مغط ذراعيه و تثاءب ثم قال:

" من ؟ أهذه أنتِ رغد ؟؟ "

أجبتُ :

" نعم "

وليد أخذ يدلّك عنقه قليلا... ربما يشعر بألم بسبب نومه على المقعد ! لا أعرف لم يحبّ وليد النوم على المقاعد ؟؟

قلت ُ :

" لماذا تنام هنا وليد ؟؟ "

أسند وليد رأسه إلى مسند المقعد لبرهة ثم أخذ ينظر إلى ساعة يده:

" كم الساعة الآن ؟؟ "

قلت ُ :

" تقريبا السادسة ! رُفع أذان المغرب قبل قليل فأردتُ إيقاظك ! "

قال وليد :

" آه... هل نمتُ كل هذا !؟ إنني هنا منذ الظهيرة "

ابتسمتُ و قلتُ:

" نوم العافية ! "

وليد فجأة نظر نحوي... ثم أخذ يتلفتْ يمينا و شمالا ... ثم نهض واقفا و هو ينظر نحوي و قال :

" رغد ؟؟! ماذا تفعلين هنا ؟؟ "

و كأنه انتبه للتو أنني موجودة ! و كأنه استيقظ الآن فقط من النوم !

قلت ُ باستغراب :

" أتيتُ لإيقاظك ! وقت الصلاة "

قال :

" و النافذة ؟ "

قلتُ :

" كنتُ أستمع إلى الأذان... و أراقب السماء ! "

وليد حكّ شعر رأسه قليلا ثم سار باتجاهي... حتى صار عند الطرف الآخر من النافذة ثم قال :

" و لكن أين المطر "

استغربتُ و سألت ُ:

" المطر ؟ أي مطر ؟؟ "

قال :

" ألم تقولي أنك كنتِ تراقبين المطر ؟ "

قلتُ :

" أبدا ! قلتُ أنني كنتُ استمع إلى الأذان و أراقب السماء ! أي مطر هذا و نحن في قلب الصيف ! "

قال وليد :

" لم أسمع جيدا "

قلتُ و أنا أبتسم :

" يبدو أنك لا تزال نائما ! "

ابتسم وليد و ألقى نظرة على السماء و مجموعة من العصافير تطير عائدة إلى أعشاشها...

التفت إليّ بعدها و سأل:

" صحيح رغد... كيف أنت ِ الآن ؟ "

و تذكّرت ُ لحظتها الدوخة الذي داهمتي صباحا بسبب الجوع ... و كيف أنه أغشي عليّ بضع دقائق... و انهرتُ بين ذراعي وليد !
و شعرت ُ بطعم السكّر في فمي... فازدرتُ ريقي وأنا أطأطئ رأسي خجلا و أهمس:

" بخير... "

وليد قال :

" جيّد ! و هل تناولت ِ وجبة بعد البيتزا ؟ "

قلت :

" لا "

" سيء ! لماذا رغد ؟ أنت ِ صغيرة و نحيلة و لا تتحملين الجوع لوقت ٍ طويل... تكرر هذا معنا في البر... أتذكرين ؟ "

رفعتُ بصري إليه و ابتسمت ُ... طبعا أذكر ! من ينسى يوما كذلك اليوم ؟؟ و نحن حفاه جياع عطشى مرعوبون و هائمون في البر؟؟
و لكن لحظة ! هل أنا صغيرة لهذا الحد ؟؟

قلت ُ :

" لا تقلق... متى ما شعرتُ بالجوع سأحضّر لي بعض البطاطا المقلية "

ابتسم وليد و قال :

" طبقك ِ المفضّل ! "

اتسعتْ ابتسامتي تأييدا و أضفت ُ:

" و الوحيد ! فأنا لا أجيد صنع شيء آخر ! "

ضحك وليد... ضحكة عفوية رائعة... أطربت ْ قلبي... و كدتُ أنفجر ضحكا من السعادة لولا أنني كتمتُ أنفاسي خجلا منه !

في ذات اللحظة، انفتح باب الغرفة ... التفتنا نحن الاثنان نحو الباب... فوجدنا أروى تطلّ علينا... و لأن الإضاءة كانتْ خافتة جدا... يصعب عليّ كشف تعبيرات وجهها... لم تتحدّث أروى بادئ الأمر، كما ألجم الصمت لسانينا أنا و وليد... بعدها قالت أروى:

" استيقظتَ ؟ جيّد إذن... كنت ُ سأوقظك لتأدية الصلاة "

وليد قال و هو يسير نحو الباب مبتعدا عنّي :

" نعم أروى... نهضت لتوّي "

وصل وليد إلى مكابس مصابيح الغرفة، فأضاءها... الإنارة القوية ضيّقت بؤبؤي عينيّ المركزين على أروى، للحد الذي كادا معه أن يخنقاها !
كانت أروى تنظر نحوي، ثم نقلتْ نظرها إلى وليد...
سمعتُ وليد و الذي صار قربها يهمس بشيء لم تترجمه أذناي... ثم رأيتُ أروى تشيح بوجهها و تغادر الغرفة.
وليد وقف على وضعه لثوان... ثم استدار و هو يتنهّد و قال أخيرا :

" سأذهب إلى المسجد... هل تريدين شيئا أحضره ؟ "

قلتُ و أنا مشغولة البال بفك رموز همسة وليد السابقة :

" كلا... شكرا "

و غادر وليد الغرفة...

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

و الآن... الغاضبة هي أروى و هذا دورها! ربّاه ! هل أنتهي من إحداهما لأبدأ مع الأخرى؟؟ إن أعصابي ما كادتْ تستفيق من صدمة الصباح، و ها هي على وشك الاحتراق بحادثة أخرى...
كنتُ أود تلطيف الأجواء و لو قليلا... و الاسترخاء في هواء طلق يزيح عنّي شحنات الصباح القوية... و يطمئنني أكثر إلى أن رغد بخير...
اقترحتُ في تلك الليلة الليلاء أن نخرج في نزهة و نتناول عشاءنا في أحد المطاعم. رغد وافقتْ و الخالة ليندا رحبتْ بالفكرة غير أن أروى ردت بـِ:

" اذهب أنت َ و ابنة عمّك المدللة... و استمتعا بوقتكما... أنا و أمي سنبقى ها هنا "

كنتُ ساعتها مع أروى في غرفتها و قد قدمتُ للتو لأعرض عليها الفكرة... و لمّا سمعتُ ردها حزنتُ و قلت ُ :

" لم يا أروى ؟ والدتك ِ كذلك رحبتْ بالفكرة و بادرتْ بالاستعداد للنزهة "

أبعدت ْ أروى نظرها عنّي هروبا من سؤالي.... لكنني واصلت ُ:

" هيا يا أروى ! دعينا نروّح عن أنفسنا قليلا ! الأجواء خانقة هنا ! "

اعني بذلك المشكلة الأخيرة بيننا أنا و رغد و أروى ...

نظرتْ أروى إليّ و قالتْ:

" كلا و شكرا... لا أريد الذهاب معكم "

صمتُ قليلا ثم قلت ُ:

" أما زلت ِ غاضبة مني ؟؟ "

لم تجب أروى، بمعنى أنها تؤيد هذا...

قلتُ :

" و لم كل هذا ؟ "

قالتْ بعصبية :

" أنتَ تعرف السبب ... فلم تسأل ؟ "

و بدا و كأنها تنتظر الشرارة لتشعل الحريق ! لم أكن أريد أن نبدأ الجدال من جديد بل على العكس... أردتُ أن نجدد الأجواء و نرخي أعصابنا المشدودة منذ يومين...

" ليس بالوقت المناسب لإعادة فتح الموضوع من جديد يا أروى ! "

ردّتْ أروى بعصبية أكبر:

" و من قال أنني أغلقته أصلا؟؟ سيبقى معلقا إلى أن تخبرني بكل الحقائق التي تخفيها عنّي"

كنتُ أقف عند الباب و لما اشتد صوت أروى خشيتُ أن يتسرب إلى آذان أخرى...
دخلتُ الغرفة و أغلقتُ الباب و اقتربتُ منها و قلتُ برجاء:

" لا نريد أن نثير شجارا الآن... أرجوكِ يا أروى... لا استطيع إيضاح المزيد... و لن أفعل ذلك مستقبلا فلا تعاودي الضغط عليّ "

ردتْ أروى مباشرة:

" إلى هذا الحد ؟؟ "

قلتُ مؤكدا :

" نعم . إلى هذا الحد "

ضيّقتْ أروى فتحتي عينيها و قالتْ:

" و رغد ؟؟ "

لم تقلها ببساطة... كانت تحدّق في عينيّ بحدة ثاقبة... كأنها تتوقع رؤية الحقائق تختبئ خلف بؤبؤيهما... بدّلت ُ تعبيرات وجهي إلى الجدية و التحذير و قلتُ و أنا أشير بسبّابتي:

" إياك ِ أن تقتربي منها ثانية ! يكفي ما حصل هذا الصباح... إياك ِ يا أروى "

أروى تأملتْ تعبيراتي برهة ثم أشاحتْ بوجهها و هي تقول:

" اذهب... قبل أن يتأخر الوقت "

قلتُ :

" و هل ستبقين بمفردك ؟ "

" نعم "

قلتُ معترضا :

" لا يريحني ذلك ! "

استدارتْ أروى و قالتْ بلهجة أقرب للسخرية:

" لا تقلق بشأني ! فأنا لا أخاف البقاء منفردة و ليستْ لديّ عقدة من الوحدة ! "

آنذاك... لم أشأ أن أطيل النقاش حرفا زائدا... و غادرتُ غرفتها و ذهبتُ إلى غرفة المعيشة الرئيسية حيث كانتْ رغد و الخالة ليندا تجلسان... قلت ُ :

" هيا بنا "

الخالة ليندا سألتْ:

" أين أروى ؟ "

تنهّدتُ و قلتُ:

" لا تريد الذهاب "

تمتمتْ الخالة بعبارات الاحتجاج ثم قالتْ أخيرا:

" إذن... اذهبا أنتما فأنا لن أتركها وحدها "

نهاية الأمر التفتُ إلى الصغيرة و سألت ُ:

" إذن... أتذهبين ؟ "

و لعلي لن أفلح في وصف التعبيرات التي كانتْ تملأ وجهها و هي تجيبُ :

" نعم ! بالتأكيد "

~~~~~~~~~~

" نعم بالتأكيد ! "

و هل أضيع فرصة رائعة كهذه ؟؟
أنا و وليد نخرج في نزهة ليلية ! نتجول في شوارع المدينة... نتناول الطعام من أحد المطاعم... و نحلّي بكرات البوظة ! تماما كما كنا نفعل في الماضي ! يــــاه ! ما أسعدني !... و تحقق الحلم الذي كان أبعد من الخيال! و قضينا نحو ثلاث ساعات في نزهة رائعة أنا و وليد قلبي فقط و فقط !
أوقف وليد سيارته عند الموقف الجانبي لأحد الجسور المؤدّية إلى جزيرة اصطناعية ترفيهية صغيرة يرتادها الناس للتنزه... و وقفنا أنا و هو على الجسر... عند السياج نتأمل الجزيرة و نراقب أمواج البحر و نتنفس عبقه المنعش... و من حولنا الناس يستمتعون بالأجواء الرائعة ...

" منظر مدهش وليد ! ليتنا أحضرنا معنا آلة تصوير ! "

وليد ابتسم، و أخرج هاتفه المحمول من جيبه و استخدم الكاميرا التابعة له و التقط بعض الصور... ثم دفعه لي كي أتفرج عليها !

" عظيم ! ليتني اقتني هاتفا كهذا ! "

كرر وليد ابتسامته و قال:

" بكل سرور! أبقه معك لتصوري ما تودين الليلة! مع أن الظلام لن يسمح بالكثير"

و مع ذلك التقطتُ بعض الصور الأخرى، و الأهم... صورة مختلسة لوليد التقطتها بحذر دون أن يدري... و قد أبقيتُ الهاتف معي طوال النزهة لئلا يراها! و راودتني فكرة أن أنقلها إلى الحاسوب، ثم أقوم بطباعتها و من ثم أرسمها بيدي... و أعيد إلى مجموعة لوحاتي صورة جديدة لوليد قلبي... عوضا عن تلك التي احترقتْ في منزلنا المنكوب...
آه ! كم أنا سعيدة! و لأنني كنتُ في غمرة لا توصف من البهجة فقد تخليتُ عن جزء من حذري و رحتُ أراقب وليد بلهفة و تمعن و أرصد تحركاته و تعبيرات وجهه بدقة منقطعة النظير... أتمنى فقط ألا يلحظ هو ذلك !
و نحن عند الجسر... و فيما أنا منغمسة في مراقبته... مرت لحظة أغمض وليد فيها عينيه و أخذ يتنفس بعمق... و يزفر الهواء مصحوبا بتنهيدات حزينة من صدره ... كرر ذلك مرارا و كأنه يريد أن يغسل صدره من الهواء الراكد الكئيب فيه !

شعرتُ ببعض القلق فسألتُ :

" ما بك وليد ؟ "

التفتَ إليّ و هو يفتح عينيه و يبتسم و يجيب:

" لا شيء! أريد أن أملأ رئتيّ من هذا النقاء! جميل جدا... كيف تفوّتْ أروى و الخالة شيئا كهذا؟"

إذن... ربما كان يفكّر في أروى ! خذلتني جملته بعض الشيء... ففيما أنا مكرسة نظري و فكري فيه... يشتغل باله بالتفكير بها هي؟؟
مرتْ بذاكرتي صورة أروى و هي تشيح بوجهها عن وليد و تخرج من غرفة مكتبه هذا اليوم...عند المغرب... بدتْ غاضبة... وبدا وليد حينها منزعجا... و كأن بينهما خصام ما... الفضول تملّكني هذه اللحظة و ربما كانتْ الغيرة هي الدافع، فسألت ُ:

" لماذا رفضتْ المجيء معنا ؟؟ هل... هل هي غاضبة؟ "

وليد نقل بصره إلى البحر... و قال بعد قليل :

" نعم... منّي "

لستُ شريرة و لا خبيثة ! لكن... يا إلهي أشعر بسرور غير لائق ! لم استطع كتمه و قلتُ باندفاع فاضح:

" هل أنتما متخاصمان ؟؟ "

التفتَ إلي ّ وليد مستغربا ! لقد كان صوتي و كذلك تعبيرات وجهي تنم عن البهجة !
شعرتُ بالخجل من نفسي فطأطأتُ رأسي نحو الأرض فيما تصاعدتْ الدماء إلى وجنتيّ !
لم أسمع ردا من وليد... فرفعتُ بصري اختلس النظر إليه... فوجدته و قد سبحتْ عيناه في البحر بعيدا عنّي... ثم سمعته يقول :

" تريد العودة إلى لمزرعة "

اندهشتُ ... و أصغيتُ باهتمام مكثف ... وليد تابع:

" مصرة على ذلك و قد فشلتُ في ثنيها عن الأمر... اضطررتُ لشراء التذاكر و موعد السفر يوم الأحد "

ماذا ! عجبا ! قلتُ :

" أحقا ؟ ستتركها تذهب ؟؟ "

وليد أجاب و هو لا يزال ينظر إلى البحر:

" و الخالة كذلك... "

قلتُ مباشرة :

" و أنتَ ؟؟ و أنا ؟ "

التفتَ وليد إليّ و كأن هذه الجملة هي أكثر ما يثير اهتمامه! ركز النظر في عينيّ لحظة ثم قال :

" سنرافقهما طبعا "

صمتُ و علامات التعجب تدور فوق رأسي !!!

قلتُ بعدها :

" نعود للمزرعة ! كلا ! و الكلية ؟ و الدراسة ؟؟ "

وليد تنهد ثم قال :

" سنرافقهما إلى المزرعة ثم نعود... مساء الثلاثاء "

بدأ قلبي يدق بسرعة ... نعود يقصد بها.. أنا و هو ؟؟ أم ماذا ؟؟

خرجتْ الحروف مرتجفة على لساني :

" أأأ ... نـ...ـعود أنا و أنتَ ؟ "

وليد قال :

" نعم "

عدتُ أسأل لأتأكد:

" و ... أروى و أمها... ستظلان في... المزرعة ؟؟ "

وليد قال :

" نعم ! إلى أن تهدأ الأوضاع قليلا "

أتسمعون ؟؟
أنا و وليد وحدنا ... و لا شقراء بيننا !
مدهش ! يا لسعادتي ! تخلـّـصت ُ منها أخيرا
أكاد أطير من الفرح ! بل إنني طرتُ فعلا ! هل ترون ذلك ؟؟

تعبيرات وجهي بالتأكيد كانت صارخة... و لو لم أمسك نفسي آنذاك لربما انفجرتُ ضحكا... لكن وليد مع ذلك سألني و بشكل متردد:

" ما رأيك ؟ "

آه يا وليد أ وَ تسأل عن رأيي ؟
ألا تدرك أنه حلم حياتي يتحقق أخيرا ؟؟
وداعا أيتها الشقراء !

و لئلا أفضح فرحي بهذا الشكل طأطأتُ رأسي و خبأتُ نظري تحت حذاء وليد !
و قلتُ مفتعلة التماسك :

" لا أعرف... كما ترى أنتَ "

وليد عاد يسأل و بشكل أكثر جدية و بعض القلق امتزج بصوته:

" هل تقبلين بهذا كحل مؤقت طارئ... حتى نجد الحل الأنسب ؟ "

قلتُ و أنا لا أزال أدعي التماسك و عدم الانفعال:

" لا بأس "

تحركتْ قدم وليد قليلا باتجاه الجسر... رفعتُ عيني عنها إليه فوجدته وقد عاد يغوص بأنظاره في أعماق البحر... و سمعته يقول:

" سنمر بسامر و أطلب منه العودة معنا... "

تعجبتُ و سألتُ:

" سامر ؟! "

أجاب :

" نعم. طلبتُ منه مرارا أن يأتي للعيش و العمل معنا هنا و قد تكون هذه فرصة جيدة لإقناعه "

سامر من جديد ؟
لا أتخيل أن أعود للعيش معه تحت سقف بيت واحد ثانية ! لا أعرف بأي طريقة سنتعامل... يكفي الحرج الذي عانيناه عندما اضطررتُ للمبيت في شقته أنا و وليد بعد حادث السيارة...
أتذكرون ؟؟
و رغم أني لم أحبذ الفكرة لم أشأ التعليق عليها... و على كل ٍ لا أظن سامر سيرحب بها هو بدوره...
وليد تابع :

" أما الخادمة فسنجعلها تعمل ليلا أيضا و تباتُ في المنزل و نضاعف لها الراتب "

علقتُ :

" يبدو أنك خططتَ لكل شيء! "

استدار وليد إليّ و قال :

" لم أنم الليلة الماضية من شدة التفكير! هذه الحلول المؤقتة حاليا... يمكننا تدبر بعض الأمور الأخرى بشكل أو بآخر... "

قلت ُ :

" و ماذا عن الطعام ؟ "

فأروى و والدتها كانتا تتوليان أمر المطبخ و تعدان الوجبات الرئيسية... و الأطباق الأخرى و التي كان وليد لا يستغني عنها و يمتدحها دائما!

وليد رد :

" لدينا المطاعم "

ابتسمت ُ و قلتُ مداعبة:

" يمكنك الاعتماد عليّ ! البطاطا المقلية يوميا كحل طارئ مؤقت ! "

ابتسم وليد فأتممت ُ :

" لكن لا تقلق! سأشتري كتاب الطهي و أتعلم ابتداء من الغد ! سترى أنني ذكية جدا و أتطور بسرعة "

ضحك وليد ضحكة خفيفة كنتُ أريد أن أختم نزهتي الرائعة بها...
و مع خبر مذهل كخبر سفر الشقراء أخيرا ... أصبحتْ معنوياتي عالية جدا و دبّ النشاط و الحيوية في جسدي و ذهني و ألححتُ على نقل الصور من هاتف وليد إلى جهاز الحاسوب في مكتبه و تنسيقها في تلك الليلة... قبل أن يكتشف صورته من بينها... و رغم أن الليل كان قد انتصف و لم يبقَ أمامي غير ساعات بسيطة للنوم إلى موعد الكلية إلا أنني أنجزتُ الأمر و بدأتُ برسم أولي لوجه وليد بقلم الرصاص على بعض الأوراق...

الساعة تجاوزت الثانية عشر و النصف، و أخيرا انتهيتُ !
كنتُ على وشك النهوض عندما رنّ هاتف وليد و الذي كان معي، موضوعا على المكتب.
و لكن هل يتصل أصحابه به في ساعة متأخرة ؟؟ أتراه لا يزال مستيقظا؟ اعتقد أن الجميع قد خلدوا للنوم !

حملتُ الهاتف و أوراقي و شرعتُ بالمغادرة بسرعة، حينها توقف رنين الهاتف...
واصلتُ طريقي نحو السلّم و في نيّتي المرور بغرفة وليد و إعادة الهاتف إليه إن كان مستيقظا قبل لجوئي إلى فراشي...
و فيما أنا أصعد السلّم عاد الهاتف للرنين... حثثتُ الخطى صعودا لأوصله إلى وليد...
و في منتصف الطريق رأيت ُ جسما يقف على الدرجات ينظر نحوي !
كانت أروى !
توقفتُ ثوانٍ و ألقيتُ عليها نظرة لا مبالية و صعدتُ خطوة جديدة...

و هنا سمعتها تخاطبني :

" أليس هذا هاتف وليد ؟ "

نظرتُ إليها و أجبتُ:

" بلى "

سألتْ :

" و لم هو عندك ؟ "

رمقتها بنظرة تجاهلية و قلتُ:

" سأعيده إليه "

و صعدتُ خطوة بعد...
كانتْ أروى تقف مباشرة في طريق خطواتي... تنحيتُ للجانب قليلا لأواصل طريقي إلا أنها تنحتْ لتعترضني !
نظرتُ إليها و رأيتها تمد يدها إليّ قائلة:

" هاتيه... أنا سأعيده "

توقف الهاتف عن الرنين، يبدو أن المتصل قد يئس من الرد...

أضافت أروى :

" وليد نائم على أية حال... لكنه يستخدمه كمنبّه لصلاة الفجر... سأضعه قرب وسادته "

شعرتُ بالغيظ ! يكفي أن ألقي نظرة على هذه الفراشة الملونة حتى أفقد أعصابي!

قلتُ :

" سأفعل أنا ذلك، بما أن غرفته في طريقي "

فجأة تحوّل لون الفراشة إلى الأحمر الدموي! أروى بيضاء جدا و حين تنفعل يتوهج وجهها احمرارا شديدا !

قالتْ بنبرة غاضبة :

" عفوا؟؟ تقصدين أن تتسللي إلى غرفة زوجي و هو نائم؟؟ من تظنين نفسك؟ "

فوجئتُ من هذا السؤال الذي لم أكن لأتوقع صدوره من أروى ! و المفاجأة ألجمتْ لساني...

أروى قالتْ بانفعال :

" وليد هو زوجي أنا... يجب أن تدركي ذلك و تلزمي حدودكِ "

صعقتُ... عمّ تتحدّث هذه الدخيلة ؟؟ قلتُ بصوت متردد :

" مـ ... ماذا تعنين ؟؟ "

هتفتْ أروى باندفاع :

" تعرفين ما أعني... أم تظنين أننا بهذا الغباء حتى لا ندرك معنى تصرفاتك ؟؟ "

ذهلتُ أكثر و كررتُ :

" ما الذي تقصدينه ؟؟ "

و كأن أروى قنبلة موقوتة انفجرتْ هذه اللحظة ! رمتْ بهذه الكلمات القوية دون تردد و دون حساب !

" لا تدعي البراءة يا رغد ! ما أبرعكِ من ممثلة ! أنتِ ماكرة جدا... و تستغلين تعاطف وليد و شعوره بالمسؤولية تجاهكِ حتى تفعلين ما يحلو لكِ ! دون خجل و لا حدود... لكن... كل شيء أصبح مكشوفا يا رغد... أنا أعرف ما الذي تخططين له... تخططين لسرقة زوجي منّي ! أليس كذلك ؟؟ تستميلين عواطفه بطرقك ِ الدنيئة! أنت ِ خبيثة يا رغد... و سأكشف نواياك ِ السيئة لوليد ليعرف حقيقة من تكونين ! "

ذهلتُ ... وقفتُ كالورقة تعصف بي كلمات أروى... لا تكاد أذناي تصدقان ما تسمعان...
كنتُ أنظر إلى أروى بأوسع عينين من شدّة الذهول... عبستْ أروى بوجهها و ضغطتْ على أسنانها و هي تقول :

" كنتِ تمثلين دور المتعبة هذا الصباح... و مثلتِ دور المريضة ليلة حفلتنا أنا و وليد... و دور المرعوبة ليلة سهرنا أنا و وليد... هنا و في المزرعة و في بيت خالتكِ و في أي مكان... تمثلين أدوار المسكينة لتجعلي عقل وليد يطير جنونا خوفا عليك ِ ! تدركين أنه لا يستطيع إلا تنفيذ رغباتك شعورا منه بالمسؤولية العظمى تجاهكِ! ما أشد دهائكِ و خبثك ِ... لكنني سأخبر وليد عن كل هذا... وإن اضطررتُ لفعل ذلك الآن ! "

كنتُ أمسك بهاتف وليد في يدي اليمنى و بالأوراق في يدي اليسرى... و للذهول الذي أصابني من كلام أروى رفعتُ يدي اليمنى تلقائيا ووضعتها على صدري...
فجأة تحركتْ يد أروى نحوي... و همّتْ بانتزاع الهاتف و هي تقول:

" هاتي هذا "

و كردة فعل تشبثتُ بالهاتف أكثر... فسحبته هي بقوة أكبر... ثم انزلق من بين أيدينا و وقع على عتبات الدرج...
استدرتْ منثنية بقصد التقاطه بسرعة فتحرتْ أروى لمنعي فجأة و اصطدمتْ بي...
حركتها هذه أفقدتني التوازن ... فالتوتْ قدمي و فتحتُ يدي اليسرى بسرعة موقعة بالأوراق أرضا... و مددتها نحو ذراع أروى وتشبثتُ بها طالبة الدعم... الأمر الذي أفقد أروى توازنها هي الأخرى... وفجأة انهرنا نحن الاثنتان متدحرجتين على الدرَج ... و لأنني كنتُ في الأسفل... فقد وقع جسدها عليّ و انتهى الأمر بصرخة مدوية انطلقتْ من أعماق صدري من فرط الألم...

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

لأنني نمتُ معظم النهار، لم يستجب النعاس لندائي تلك الليلة و بقيتُ أتقلّب في فراشي لبعض الوقت...
كنتُ استعيد ذكريات النزهة الجميلة التي قضيناها أنا و صغيرتي هذه الليلة و التي أنعشتْ الذكريات الماضية الرائعة في مخيلتي... خصوصا و أن صغيرتي بدتْ مسرورة و مبتهجة بشكل أراحني و وئد خوفي عليها المولود هذا الصباح...
كل شيء كما في السابق... إنها نفس الفتاة التي كنتُ أصطحبها في النزهات باستمرار... في أرجاء المدينة... و أقضي بصحبتها أمتع الأوقات و أطيبها على نفسي !
غير أنها كبرتْ و لم يعد باستطاعتي أن أحملها على كتفيّ كما في الماضي !
كانتْ مهووسة بامتطاء كتفيّ و هي صغيرة و لم تتخلى عن هوسها حتى آخر عهدي بها قبل دخولي السجن...
يا ترى... هل تتذكر الآن؟؟
يا ترى كيف تشعر حين تكون معي و هل أعني لها ما عنيتُ في الماضي؟؟
لا أعرف لِمَ كان طيف رغد يسيطر عليّ هذه الليلة... بالتأكيد... خروجي معها في هذه النزهة هو ما هيّج المكنون من مشاعري القديمة... الأزلية...
جلستُ و توجهتُ إلى محفظتي... و منها استخرجتُ قصاصات الصورة الممزقة لرغد... و عدتُ أركّب أجزاءها كما كانت...

أقسم... بأنني أستطيع تجميعها بالضبط كما كانت و أنا مغمض العينين !

أخذتُ القصاصات إلى سريري و جلستُ و أغمضتُ عينيّ... لأثبت لكم صدق قسمي...
أتحسسها قصاصة ً قصاصة ً... حافة ً حافة ً ... طرفا ً طرفا ً ..
ها أنا ذا انتهيتُ !
فتحتُ عينيّ و نظرتُ إلى الصورة المكتملة و شعرتُ بالسرور! إنها رغد ... و دفتر تلوينها... و أقلام التلوين الجميلة !
يا لي من مجنون !
ما الذي أفعله في مثل هذا الوقت المتأخر بعد منتصف الليل !
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السادس والأربعون من رواية أنت لي بقلم منى المرشود
تابع من هنا: جميع فصول رواية أنت لى بقلم منى المرشود
تابع من هنا: جميع فصول رواية آدم بقلم جودى سامى
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة