-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أنت لى بقلم منى المرشود - الفصل الثامن والخمسون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي في موقعنا قصص 26 مع روايات رومانسية وإجتماعية ومثيرة مع الفصل الثامن والخمسون من رواية أنت لى بقلم د/ منى المرشود،وهى من الروايات ذات البحث الكثير على مواقع التواصل الإجتماعى 

رواية أنت لي بقلم منى المرشود - الفصل الثامن والخمسون


اقرأ أيضا: روايات إجتماعية
رواية أنت لي بقلم منى المرشود
رواية أنت لي بقلم منى المرشود

رواية أنت لي بقلم منى المرشود - الفصل الثامن والخمسون

"إلى المزرعة؟!"
شهقت مندهشة لما أعلمنا وليد عن نيته في الذهاب إلى المزرعة غدا... ورجحت أن يكون الهدف هو جلب الشقراء.
لم أستطع شيئا وكتمت اعتراضي في داخلي... لا يهم إن كانت الشقراء ستأتي.. لا يهم إن كانت قد انتصرت علي.. المهم أن أبقى تحت سقف واحد مع وليد وأحظى برؤيته كل يوم... إنني رأيت الموت من دونه... وسأقبل بأي شيء لقاء أن أظل على مقربة منه ويظل طيفه يجول من حولي...
ومنذ أن أخبرنا بالخبر وأنا واقفة على أعصاب مشدودة في انتظار ما ستسفر عنه سفرته هذه...
لم يكن وليد يجالسني أو يتحدث معي إلا بكلام عابر... وكان يقضي معظم الوقت في مكتبه يعمل.
كنت سأجن لو أنه لم يحضرني معه... لم تكن شمس النهار التالي لتطلع علي وبي عقل... بعد مقابلته البليدة عند بوابة منزل خالتي...
على فكرة... نظارته الشمسية أصبحت ملكي الآن!
اليوم ستزورني مرح وتجلب معها بعض المحاضرات الهامة لأطلع عليها... سأعود للجامعة قريبا وأشغل وقتي في الدراسة من جديد... وأبعد عن رأسي التفكير في الشقراء...
الساعة الآن الواحدة ظهرا ونحن -أنا وسامر- نتناول طعام الغداء في المطبخ... ووليد في عمله...
"ما بك يا رغد؟؟ فيم أنت شاردة؟؟"
سألني سامر وهو يرى يدي تقلب الحساء بالملعقة طويلا... دون أن أرشف منه شيئا...
قلت تلقائيا:
"هل تظن أنه سيحضرها معه؟؟"
فرد سامر:
"أظن ذلك, وهذا شأنهما".
فازداد توتري... فقال سامر:
"من الطبيعي أن يجلب زوجته معه يا رغد".
تناولت رشفة من الحساء بلعتها ولم أشعر بطعمها... ثم قلت:
"المهم.. أن تقبل بوجودي.. لأن وليد.. فيما لو رفضت.. سيعيدني إلى خالتي".
فاستغرب سامر وقال:
"وما علاقة هذا بك؟؟"
قلت:
"إنها لا تريد أن أعيش معهما".
"أهكذا؟"
نعم. لأن الانسجام بيني وبينها مستحيل.."
تجلى على سامر بعض التردد ثم تجرأ وسأل:
"هل تدرك هي أنك..."
طأطأت رأسي ونظرت إلى وعاء الحساء الموضوع أمامي حرجا... ففهم سامر إجابتي... سامر يفهمني جيدا... وهو دائما معي صريح ومباشر... ليس فيه الغموض ولا ينشر الحيرة والتساؤل والذهول أينما حل... كما هو وليد...
قال بعد صمت قصير:
"إذن وليد يعرف... الآن تأكدت".
فرفعت بصري إليه وسألت:
"يعرف ماذا؟؟"
فهوى ببصره إلى أطباق طعامه وتظاهر بالانشغال بتقطيع قطعة اللحم... وقال:
"أنك تحبينه".
شددت على يدي وفارت الدماء في وجهي وأبعدت نظري عن عيني سامر وقلت بصوت ضعيف:
"أأأأ... لا... ليس كذلك".
وأمسكت بطرف مفرش مائدة الطعام وأخذت أشد وأرخي فيه باضطراب...
سامر وضع قطعة اللحم في فمه وراح يمضغها ثم بلعها وقال:
"بل يعرف".
فرفعت بصري إليه باهتمام فوجدته يرفع كأس العصير ويشرب جرعة منه... متظاهرا بالبرود...
قلت:
"كيف؟"
قال وهو يتابع تناول طعامه:
"ليس بهذا الغباء".
وأحسست بقلبي يخفق بقوة... هل يمكن أن يكون وليد... قد اكتشف أنني أحبه.. أكثر من حب ابنة لأبيها؟؟
وفيما أنا شاردة في تفكيري سمعت سامر يقول بجدية:
"لكن ذلك لن يغير شيئا يا رغد... وليد رجل متزوج ويكبرك بعشر سنين.. ولا أظنه يعتبرك إلا ابنة أو أخت صغيرة يتيمة تكفل برعايتها".
فقدت شهيتي للطعام فجأة وتوجم وجهي حزنا... ولاحظ سامر التغيرات التي اعترتني فوضع شوكته جانبا وخاطبني بنبرة أكثر جدية وواقعية:
"يا رغد... ستستفيقين يوما وتدركين أين كنت تتخبطين... لكنني لا أريد أن تصابي بصدمة قاسية.. فكري مليا في وضعك... وقيمي الأشياء تقييما عقلانيا وليس عاطفيا... ماهي نهاية حب رجل مرتبط بفتاة أخرى لا يملك أي سبب ليتخلى عنها؟ ولا أي دافع ليفكر في غيرها".
أصبت بعسر هضم وتلوت معدتي... ورفعت عيني بانكسار وأبرزت يدي على المائدة وقلت:
"حتى لو تزوجها... سأبقى معه... تحت وصايته".
قال:
"ستكبرين يوما... ولن تحتجي وصيا... وهو سيتزوج ويكرس جهده لعائلته الجديدة.. هذا هو المسار الطبيعي للحياة".
قلت بشء من الاتفعال:
"وأنا؟؟"
فصمت سامر... ثم قال:
"أنت أيضا... ستتزوجين وتعيشين حياتك... مع من يستحقك ويقدرك".
وتبادلنا نظرات عميقة... ثم قال:
"القرار بيدك".
فأخذت أنظر إلى يدي... أتأمل راحتيهما... والخطوط التي تملأهما... وكأنني أفتش عن القرار بينهما... وأراهما خاليتين جوفاوين... لا تحملان شيئا...
مددتهما نحو سامر أريه باطنهما الأجوف وأنا أقول:
"يداي لا تملكان شيئا".
فمد سامر يده نحو يدي وقال:
"ما في يدي هو ملكك".
وكانت عيناه تحملقان بي تملؤهما المعاني العميقة...
شعرت بمرارة في حلقي... كأنني تجرعت دواء مركزا... وانهارت تعبيرات وجهي أمام نظرات سامر فإذا بي أقول دون تفكير:
"ألا زلت تحبني؟"
وكانت إجابته بأن شد قبضة يده وأغمض عينيه كمن يعتصر ألما...
نعم يحبني... أعرف ذلك... كان مهوسا بي... يغمرني بلطفه ويمطرني بهداياه ويغلفني بعواطفه...
لم يكن خطيبي فقط... كان أخي وصديقي المقرب... وكان يشاركني كل شيء... ولم أشعر يوما وهو معي بأنني بحاجة لأي شيء...
لماذا لا تزل تحبني يا سامر... بعد ما فعلته بك...؟؟
آه...كم يؤلمني قلبي... كم يقرصني ضميري... كم أنا أنانية... كم أنا حزينة من أجلك...
رفعت رأسي أريد أن أرمي به إلى الوراء لعل الأحزان تتساقط منه... فإذا بعيني تقعان فجأة على وليد...
جفلت وسحبت يدي نحو صدري أمسك نفسي الذي انحشر فجأة في شعيباتي الهوائية إثر ظهور وليد المباغت... و
أحس سامر بحركتي السريعة ففتح عينيه والتفت إلى الوراء... إلى الباب... فوجد وليد يقف هناك...
"أهلا وليد... كيف كان يومك؟"
بادر سامر بالسؤال فرد وليد:
"كان حافلا جدا".
قال سامر:
"قرصنا الجوع فشرعنا بالأكل قبلك".
رد وليد:
"بالهناء والعافية".
وتوجه نحو المغسل فغسل يديه وأقبل واتخذ مقعدا... على رأس المائدة...
قال:
"ماذا لدينا اليوم؟"
فأجاب سامر متظاهرا بالمرح:
"مشويات طلبناها من مطعم... وحساء أعدته رغد".
فطأطأت رأسي خجلا من الحساء المتواضع الذي أعددته...
وبدأ وليد يعد أطباقه وسكب لنفسه شيئا من الحساء... وأخذ يرتشفه... ولم ينطق بأي تعليق...
وسامر عاد يتناول طعامه ويطرح على وليد الأسئلة حول العمل... حيث إنه سيذهب بعد قليل... ويجيب وليد أجوبة مختصرة... إلى أن سمعته يقول:
"لم لا تأكلين؟"
انتبهت على سؤاله فرفعت رأسي ونظرت إليه نظرة سريعة ثم أخفضت رأسي وأجبت بصوت خافت:
"اكتفيت الحمدلله".
وأمسكت بعكازي الموضوع إلى جواري وقمت عن المائدة...
سامر قال:
"لم تأكلي شيئا رغد".
فقلت:
"الحمد لله".
وسرت متجهة إلى الباب... فاستوقفني صوت وليد يقول:
"على فكرة هل لديك استعداد لزيارة الطبيب اليوم".
فتذكرت صديقتي مرح وقلت وأنا لا أجرؤ على رفع بصري إليه:
"اليوم؟ أأأأ ستأتي مرح لزيارتي".
فقال:
"ماذا عن بعد الغد أو بعده؟"
فأجبت:
"بعد الغد..."
فقال:
"لا بأس".
ثم تابعت طريقي إلى غرفتي...
وقبل مجيء مرح ذهبت إلى المطبخ لأحضر بعض أطباق المكسرات والحلويات...
وشيئا من العصير... وفيما أنا أحمل الصينية بيدي اليمنى بينما تمسك يدي اليسرى بالعكاز... اختل توازن الصينية فوقعت أرضا وتحطم الكأسان الزجاجيان محدثين جلبة كبيرة... وتبعثرت الأطباق والمحتويات على مساحة كبيرة...
"أوه... هذا ما كان ينقصني!"
تذمرت بصوت غاضب... ثم جثوت على الأرض بحذر ألتقط شظايا الزجاج والطعام المبعثر...
"ماذا حصل؟"
التفت بسرعة نجو مصدر الصوت... وجدته واقفا عند الباب والقلق يخطو نتوءا على جبينه ويحفر مابين حاجبيه... ثم اقترب مني وسأل:
"هل انزلقت؟؟ هل أنت بخير؟"
سحبت نظراتي عنه وسلطتها بخنوع نحو الشظايا وأجبت هامسة:
"أوقعت هذا من يدي".
ورأيت ظله ينعكس على الأرضية الملساء... ثم رأيت يده تظهر من الفضاء وتهبط على الشظايا وتلملمها...
جمع قطع الزجاج الكبيرة والطعام في الصينية وانغمست أنا في التقاط الأشلاء الصغيرة وإذا به يرفع الصينية ويقول:
"دعيها عنك".
فنهضت مستندة على عكازي ورأيته يتجه نحو المكنسة الكهربائية فشعرت بالحرج وتقدمت خطوتين وأنا أقول:
"أنا سأنظفها".
فالتفت إلي وقال:
"لا عليك... احذري أن تدوسي عليها".
وقد كنت حافية القدم اليمنى, أما الآخرى فمجبرة كما تعلمون...
عكف وليد على تنظيف الأرضية بحذر من أي شظايا ممكنة... وعكفت عيناي على مراقبته بكل عناية... فهما قد حرمتا من رؤيته أسابيع طويلة ولم ترتويا بمرآه بعد...
لما فرغ من مهمته استدرت بسرعة نحو الدواليب وتظاهرت بأنني أستخرج كأسين آخرين وأطباق جديدة... وسمعته يقول:
""دعيني أساعدك"
وتولى بنفسه تحضير كل شيء ثم حمل الصينية إلى العربة ثم سأل:
"أين ستستقبلينها؟"
أجبت:
"في غرفة الضيوف الرئيسية".
فقاد العربة إلى هناك ثم عاد وسأل:
"شيء آخر؟؟"
فأخفضت رأسي وابتسمت وقلت:
"شكرا لك".
فرد:
"العفو... صغيرتي".
رفعت إليه بصري بسرعة... هل قال صغيرتي؟؟ هل ناداني بصغيرتي من جديد؟؟ أخيرا حن علي؟؟ هل صفح عني ورضا علي؟؟
حاولت أن أقرأ شيئا في عينيه لكنه استدار منصرفا وهو يقول:
"إذا احتجتني فناديني".
بعد ذلك ذهبت إلى غرفتي قريرة العين... ونظرت إلى وجهي في المرآة... فوجدته متوهجا...
نزعت وشاحي وأطلقت سراح شعري السجين... إن لدي ضيفة مقربة وأنا لا أريد أن أستقبلها كما في الزيارة السابقة! أتذكرون؟؟ الشقراء في قمة الأناقة وأزهى الألوان...
وأنا خلف السواد وتحت الجبائر!
وأردت التزين ولكنني لم أملك شيئا في هذه الغرفة! لا حلي ولا مساحيق ولا ملابس تليق باستقبال ضيوف مقربين!
"أوه... ما هذا الحظ العاثر! كيف سأصعد الآن إلى غرفتي... وكيف سأهبط!؟"
لا!
لا تذهبو بأفكاركم إلى الجحيم! هل تظنون أنني سأطلب هذا من وليد؟؟
في غرفة الضيوف استقبلت ضيفتي بعباءتي ووشاحي... وكأنني لست من أصحاب المنزل... وكان وليد هو الذي فتح لها الباب وقادها إلى الغرفة.
"واو! ما هذه الأناقة يارغد؟؟ تبدين مذهلة!"
قالت مرح مازحة وهي تتأملني, فأجبت وأنا أرفع رأسي وحاجباي وأغمض عيني مفتعلة المكابرة المازحة:
"لا تحاولي مضاهاتي! احترقي غيرة!"
وضحكنا مرحتين. وحقيقة اعتادت مرح وجميع الزميلات على رؤيتي بمظهر رسمي عادي... في الجامعة لم أكن أرتدي غير الملابس الرسمية ولم أكن أضع أي مساحيق أو حلي كما تفعل هي ومعظم الطالبات... بعضهن يحملن عدة التزين معهن عوضا عن الكتب!
أما أنا فلم أتزين منذ أن.... سافر والدي للحج... العام الماضي... ولم يعودا... وكما تعلمون بقيت في منزلنا في المدينة الصناعية تحت مرأى وليد إلى أن احترق المنزل... ثم عشت في شقة سامر إلى أن بلغنا مقتل الحبيبين رحمهما الله... وانتقلت بعدها إلى مزرعة الشقراء... ثم إلى هنا... ثم إلى منزل خالتي... كالمشردة الضائعة بلا مأوى...مغلفة بسواد عباءتي...
لاحظت مرح شرودي فقالت:
"ابتسمي وأريني جمالك الحقيقي".
فابتسمت بعفوية فقالت:
"رائعة جدا! ستبهرينه بالتأكيد!".
تقوس حاجباي استغرابا وسألت:
"أبهر من؟".
فضحكت مرح ثم قالت:
"الرجل الذي ستتزوجينه ذات يوم..."
آه! يا لأفكارك السخيفة!
أما هي فتابعت:
"فنانة.. جميلة... خلوقة ومن عائلة راقية.. وابنة مليونير كبير!... سينبهر حتما".
قرصت يدها قرصة خفيفة وقلت:
"دعك من هذا... أخبريني كيف هي الجامعة؟ والزميلات؟؟"
وأخبرتني بعدة أمور كان أكثر ما أثار اهتمامي هو المعرض الفني الذي يقام حاليا في إحدى القاعات, بإشراف شقيقها, والذي شاركت هي فيه ببعض لوحاتها. وأعلمتني بأنها ومجموعة من زميلاتنا قد اتفقن على حضوره يوم الغد, اليوم الأخير للمعرض.
وكانت مرح قد سبق وأن أخبرتني عن المعرض عندما كنت راقدة في المستشفى...
قلت:
"غدا آخر يوم؟"
فأجابت:
"نعم".
قلت:
"يا للخسارة! كم تمنيت الحضور".
فقالت وقد لمعت فكرة في عينيها:
"ولم لا رغد؟ تعالي معنا فكلنا سنذهب غدا ونقضي وقتا رائعا".
قلت وأنا أشير إلى عكازي:
"وهذا".
فقالت:
"وما المانع؟ ألست تستطيعين السير؟؟ لا تفوتي فرصة كهذه رغد".
وكبرت الفكرة في رأسي بسرعة.. وشجعتني مرح حتى آمنت بها وقررت الذهاب!

**************************
عاد شقيقي مساء يحمل معه عشاء من أحد المطاعم وكيسا يحوي معتبرة من كرات البوظة المختلفة الأنواع قال عنها:
"وهذه لرغد! ستدهشها".
وذهب مباشرة ليريها إياها... ولأن المطبخ قريب من غرفة رغد فمن السهل سماع أي حوار يدور عند الباب...
كانت مسرورة.. وسمعت ضحكتها وضحكة سامر تنطلقان بمرح وتطرقان أذني بتحدي..
تجاهلت ذلك وخدرت أعصابي لتمر الليلة بسلام.
وقبل أن آوي إلى فراشي باكرا عاودت الاتصال بالمزرعة وتفقد أحوال أروى والعم إلياس.. وقد رفضت أروى التحدث معي وطلب عمي مني الحضور لحل المشكلة...
فأخبرته بأنني سأعود نههاية الأسبوع كما خططت.
أويت إلى فراشي وبعد منتصف الليل استيقضت بسبب ألم في معدتي.. ذهبت إلى المطبخ لأتناول دوائي وأشرب الماء وسمعت صوت التلفاز في غرفة المعيشة.. وتوقعت أن يكون أخي قد نام تاركا الجهاز مشغلا وذهبت بقصد إيقافه وفوجئت حين أطللت برأسي فرأيت أخي ورغد يشاهدان التلفاز معا... ويلتهمان البوظة...
قال سامر حين رآني:
"ألم تنم بعد؟"
والأجدر أن أطرح أنا هذا السؤال... قلت:
"بلى, نهضت لأشرب ماء.. ولكن لم أنتما ساهرين للآن؟"
فرد:
"نشاهد فيلما ممتعا... ثم إننا لن ننهض باكرا مثلك!"
ولم أجد أي تعليق أعقب به... فانسحبت وعدت إلى فراشي...
لكن معدتي شاءت تعذيبي ساعة من الزمن حتى هدأت... وسلمتني للأفكار والهواجس.. تلعب بي بقية الليل...
كان لدي عمل كثير ومهم جدا في اليوم التالي.. عدت ظهرا من الشركة فيما ذهب شقيقي إليها.
اعتكفت في مكتبي لإنجاز أمور ضرورية.. ودعوت أحد الموظفين المسؤولين لزيارتي في المنزل وإتمام العمل معي..
وفيما أنا في قمة الانشغال طرق الباب وأجبت الطارق.. فكان رغد..

**********************

بعد أن اتصلت بي مرح تؤكد علي الذهاب للمعرض لم أستطع مقاومة رغبتي في ذلك فاستجمعت جرأتي وأتيت إلى وليد وأخبرته بذلك..
كان يجلس خلف المكتب وأمامه الكثير من الأوراق والملفات إضافة إلى حاسوبه الخاص والهاتف.. بدا مشغولا جدا وربما لن يوافق..
نظر إلي وليد باستغراب وقال:
"كيف يا رغد! وإصابتك؟"
قلت:
"سأسير بعكازي".
قال:
"ألن يكون هذا شاقا؟"
قلت مبررة:
"لن أضطر للمشي كثيرا... ستساعدني مرح إن احتجت..."
ولم يظهر عليه الاقتناع فقلت بنبرة رجاء:
"لا أود تفويت الفرصة... مجموعة من صديقاتي وزميلاتي اتفقن على الذهاب اليوم وسيمضين وقتا ممتعا. أريد مشاركتهن.. والتفرج على اللوحات الرائعة... سأمر ولو لنصف ساعة..."
نظرت إليه مستشفية رأيه... كان الاعتراض جليا على وجهه... وسمعته يقول:
"إذا كان ولا بد, فأجلي الفكرة إلى الغد. إن ضيفا سيزورني هذا اليوم ولا يمكنني الخروج معك".
قلت:
"لكنه آخر الأيام".
فقال وهو يعود للتحديق في شاشة حاسوبه:
"إذن انسي الأمر".
شعرت بالحزن والحنق... ووقفت في مكاني منكسرة.. ثم قلت مستدرة موافقته:
"أنا لم أخرج من البيت منذ زمن... منذ إصابتي... أريد أن أغير الجو قليلا".
فالتفت وليد نحوي... وقال:
"أنا مشغول جدا اليوم يا رغد".
قلت مباشرة:
"سأذهب مع مرح".وسكت وليد فتابعت:
"أخبرتني بأنها تستطيع اصطحابي. سترافقها إحدى شقيقاتها والأستاذ عارف ذاته هو الذي سيقلنا بسيارته".
وكما يظهر لم يستسغ وليد الفكرة... أطرق برأسه قليلا ثم قال أخيرا:
"لا أرها فكرة حسنة من البداية. لم لا تصرفين النظر عنها وتستغلين وقتك في الدراسة؟؟"
وبهذا أنهى الحوار وعاد لحاسوبه.
أحسست بالحسرة!... وخرجت من كتبه أجر أذيال الخيبة.

إنني سجينة المنزل منذ أن وقعت من أعلى السلم... وآخر مرة رأيت فيها العالم كانت ليلة نزهتنا أنا وهو قبيل الحادث.
ذهبت إلى المطبخ وأنا مكسورة الخاطر واتصلت بصديقتي مرح وأخبرتها بعدم تمكني من الذهاب, وأنا أعتصر حسرة!
مضت فترة ووليد مشغول في مكتبه وعند الرابعة عصرا وفيما أنا جالسة عند المائدة أتصفح بعض المجلات وألتهم البوظة, سمعته يتنحنح.
التفت إلى ناحية الباب ووجدته يقف هناك ويهم بالدخول...
دخل وليد ولمح المجلات بين يدي فقال:
"أليس أجدر بك تصفح كتبك؟! لقد فاتك الكثير يا رغد! شدي همتك".
انزعجت من نصيحته رغم كونها قيمة, فقط لأنني مستاءة من رفضه لطلبي. وقلت:
"حاضر. سلأفعل ذلك".
وربما فهم التذمر في ردي لكنه تجاهله, واتجه إلى الموقد وأخذ يعد الشاي...
فرغت من التهام كرة البوظة ورغبت في المزيد.. فاتجهت إلى الثلاجة واستخرجت كرة أخرى فإذا بي أسمع وليد يقول:
"لا تكثري من تناول البوظة... ستمرضين".
فشعرت بالحرج وأعدت البوظة إلى مكانها... ثم حملت مجلاتي وغادرت المطبخ متجهة إلى غرفة المعيشة.. وشغلت التلفاز وجعلت أقلب القنوات بملل... لحظات وإذا بوليد يقف عند الباب ويقول:
"دعك من التلفاز يا رغد.. ستعودين الأسبوع المقبل إلى الجامعة.. لم لا تراجعين دروسك؟"
أحسست بالضيق.. فأغلقت التلفاز ونهضت أريد العودة إلى غرفتي.. وعندما اقتربت من الباب قال:
"ولا تسهري في الليل وتفسدي نومك وصحتك... لا زلت صغيرة على ذلك".
ما به وليد؟؟ لماذا يعاملني هكذا اليوم؟؟
التفت إليه منزعجة وقلت:
"حاضر... أي أوامر أخرى؟؟؟"
ولم يتنحى عن طريقي فرفعت بصري إليه ورأيته يحملق بي...
قال:
"أنا لا آمرك يا رغد... أنا أنصحك".
وهل تراني طفلة ضالة أو غبية؟؟ قلت:
"حاضر.. كما تأمر.. أو كما تنصح.. أنت الوصي وأنت السيد هنا.. هل تأذن لي بالانصراف الآن؟"
وليد صفق راحة يسراه بقبضته اليمنى... تعبيرا من استيائه من ردي... ثم خطا خطوة باتجاهي وقد أظهر اهتمامه بتذمري أخيرا وقال:
"ما الأمر يا رغد؟"
فلم أرد.
"لم كل هذا الحنق؟ ألا ترحبين بنصيحة ممن يفوقك سنا وحكمة؟"
احمر وجهي ونظرت إليه وقلت:
"بلى... أقدر لك اهتمامك وشكرا".
انتقل الاحمرار إلى وجه وليد الذي قال:
"لماذا تخاطبينني هكذا؟".
فصمت برهة ثم قلت:
"بأي طرقة تريدني أن أخاطبك؟ وجهني فأنا لم أعد أفهمك".
رماني بنظرة قوية وسأل:
"ماذا تعنين؟؟"
قلت متخلية عن حذري:
"أنت تغيرت علي.. وضح لي الطريقة التي تريد أن أتعامل بها معك من الآن فصاعدا.. فأنا أخشى أن أقدم على تصرف لا يعجبك فتغضب وتعاقبني بإرسالي إلى خالتي وحرماني من الدراسة".
وإذا بوجه وليد يتحول من الاحمرار إلى السواد... وكأنه احترق.. وإذا بأوداجه تنتفخ حتى خشيت أن تتمزق...
شعرت بالفزع وتراجعت للوراء... وهممت بأن أستدير وأولج الغرفة مبتعدة عنه...
فإذا به يمد يده ويقبض على ذراعي ويقول:
"إلى أين؟"
فنظرت إليه نظرات خوف ممزوج برجاء... فقال:
"كل هذا لأنني رفضت اصطحابك إلى المعرض؟"
باغتني سؤاله وأربكني... ولم يعطني فرصة للإجابة بل واصل:
"قلت لك إن لدي عمل مهم جدا أقوم به الآن".
فنطقت بخوف:
"انس الأمر... غيرت رأيي..."
ولا بد أنه رأى الخوف في عيني... سحب يده ومرر أصابعه في شعره ثم إذا به يقول:
"لتجدي الفرصة لإخبارهم بأن وليد... وصي صارم وفظ وجاف... لا يحسن معاملتك... ألست من أراد السفر معي؟؟"
ذهلت من قوله أردت التكلم غير أنه قاطعني:
"اذهبي حيثما تريدين... حتى لا تنعتوني بما هو أبشع... هيا يمكنك الذهاب الآن".
واستدار خارجا من الغرفة... وأنا لا أزال في حالة الذهول... وعندما اختفى عن مآي... سرت بسرعة وأنا لأتبعه وأنا أقول:
"لم أعد أرغب في ذلك".
توقف وليد برهة موليا ظهره إلي... ثم استدار ونظر إلي بحدة ثم قال:
"بل اذهبي... الصداع ونشب... والجدال حصل... فلا تزيدي الأمر إضراما على صفر النتيجة".
واستدار وولى...

*************************

عدت إلى مكتبي وانخرطت في عملي بأقصى تركيز ممكن, محاولا طرد رغد من رأسي تلك الساعة... وبعد قليل سمعتها تقبل إلى الغرفة وهي تقول:
"أنا جاهزة".
وكان وجهها مسترخيا... غير الوجه الذي فارقتني عليه قبل قليل... أرخيت عضلات وجهي وقلت بهدوء:
"حسنا. انتبهي لنفسك".
وانكببت على حاسوبي وأوراقي أواصل العمل, وأحسست بها لا تزال واقفة عند الباب...
رفعت إليها رأسي فرأيتها تنظر إلي...
قلت:
"خيرا؟"
قالت بتردد:
"هل سترافقني؟؟"
استغربت وحدقت فيها متعجبا...! ألم تقل إنها ستذهب مع صديقتها؟؟
قلت:
"أرافقك..؟"
وردت بإيماءة من رأسها...
لكن...!
آه فهمت... لا بد أنها تقصد أن أرافقها إلى البوابة, لأفتح الأبواب في طريقها... وأساعدها في الصعود وهبوط العتبات...
وقفت وأشرت إليها بيدي:
"تفضلي".
غير أنها لم تتزحزح عن موضعها... أطرقت برأسي تعجبا... فقالت متمة سؤالها:
"أعني إلى المعرض؟"
أصابتني الدهشة ووقفت أنظر إليها ثم قلت بحيرة:
"إلى المعرض!؟"
فأخفضت بصرها... فسألتها مستغربا:
"هل قلت إنني سآخذك بنفسي إلى المعرض؟؟"
أجابت وهي لا تزال مطأطئة برأسها نحو الأرض وعيناها بين صعود وهبوط:
"ولكن... أنا... لا أريد الذهاب وحدي".
مرت لحظة صامتة جدا... تلتها لحظة تبادل النظرات... تلتها لحظة تبادل الكلمات.
قلت:
"أليست صديقتك معك؟"
قالت:
"بلى... إنما..."
قلت:
"ماذا؟"
أجابت وصوتها يتحول إلى الهمس الحزين:
"لا أستطيع الذهاب... بدونك".
تنفست الصعداء بعمق شديد... متفهما موقف رغد... وخوفها غير الطبيعي من زيارة الأماكن الغريبة بدون أهلها... وهذه عقدة نفسية خاجة عن سيطرتها...
ورغد أحست بأنني أقرأ ما بداخلها فبقيت صامتة لحظة... ثم نظرت إلي وطلبت برجاء:
"هل ترافقني؟"
رجاؤها صفع قلبي... ولكن ما باليد حيلة... وخروجي صعب جدا ولدي أعمال ملحة وضيف مرتقب...
قلت بصوت جعلته حنونا قدر الإمكان:
"لا أستطيع. أنا آسف... أخبرتك بأنني أنتظر ضيفا... سيأتي بعد قليل".
ثم قلت مشجعا:
"صديقاتك هناك... لن تشعري بالغربة... اذهبي في رعاية الله".
التردد تفاقم بسرعة على وجه رغد... يصحبه الحزن والخيبة... ورن هاتفها المحمول... فألقت نظرة على الشاشة ثم نظرت إلي وقالت:
"مرح وصلت".
وظلت تنتظر مني ردا لبضع ثوان, ثم اتخذت قرارها فجأة:
"سأعتذر لها... لن أذهب".
فوجئت... قلت بسرعة قبل أن تجيب:
"انتظري!"
أنا أستسلم...
إنني لا أستطيع أن يكون لي موقف غير هذا.. رغد أنت دائما تنتصرين..
"سأرافقك... لكن لنص ساعة فقط... لا أكثر".

****************************

وذهبنا إلى المعرض... بالطبع أقلني وليد بسيارته... وسرنا خلف سيارة شقيق مرح.
في القاعة التقيت بمجموعة من زميلاتي اللواتي رحبن بي بحرارة وعبرن عن شوقهن إلي وتمنين لي الشفاء العاجل...
قضيت برفقتهن ورفقت مرح وقتا أقل ما يمكن وصفي له بأنه مذهل... وإن كان قصير جدا!
اللوحات التي كانت تحمل توقيع الأستاذ سامر, شقيق مرح... الفنان المعروف... كانت مبهرة جدا... وقفت عند إحداها مأسورة بروعتها...
الفتيات سبقنني إلى اللوحات التالية وبقيت مرح إلى جواري...
"أعجبتك كثيرا أليس كذلك؟؟"
سألتني فأجبت وعيناي محملقتان في تناسق الألوان البديع في اللوحة:
"ولا أجمل! تحفة!"
سمعت مرح تقول:
"أسمعتَ؟؟ تحفة!"
والتفت إليها فإذا بي أراها توجه الخطاب إلى أحدهم, فيرد:
"شهادة أعتز بها".
نظرت إلى الشخص المتحدث في استغراب... ثم إلى مرح... فابتسمت الأخيرة وقالت:
"المبدع الفنان الأستاذ عارف... شقيقي بكل فخر!"
شعرت بالخجل... وطأطأت برأسي فأنا صغيرة جدا لأبدي شهادة في حق رسام فنان كبير ومعروف... ومرح أمسكت بذراعي وقالت بمرح:
"وهذه رغد آل شاكر... منافستي الأولى في الجامعة! ابنة الملياردير السيد وليد شاكر... مدير مصنع وشركة آل بحري..."
الأستاذ عارف قال:
"تشرفنا... هل السيد وليد شاكر هنا؟؟"
رفعت رأسي عن الأرض والتفت للخلف أفتش عن وليد. كان يتبعنا على بعد عدة أمتار... ويتفرج على اللوحات...
حانت منه التفاتة نحونا ولما رآني أنظر إليه فهم أن في الأمر شيء ما... فسار مقتربا...
مرح أومأت مشيرة إليه مخاطبة شقيقها:
"هذا الشاب... هناك!"
وشقيق مرح سار مبتعدا باتجاه وليد...
التفت إلى مرح فإذا بها تراقب الاثنين وهما يلتقيان ويحيي كل منهما الآخر ويتعرفان على بعضهما البعض...
قلت:
"يبدو أن وليد لم يقابل شقيقك من ذي قبل".
فأجابت:
"أجل. وقد كان يتوق للتعرف إليه ولم تسنح له الفرصة بمرافقتنا ليلة العشاء في منزلكم".
ثم وضعت إحدى يديها على خصرها ورفعت أحد حاجبيها وأخفضت الآخر وقالت:
"أطول منه بعشرين سنتيمترا وفقا لتقديري!"
هنا أقبلت زميلاتنا نحونا وسألن مازحات:
"لم توقفتما هنا؟؟ تعالا واسمعا تعليقاتنا حول لوحات الفنانة المعجزة مرح أسامة!"
وأخذنا نضحك بسرور... ثم إذا بمرح تقول:
"بنات... انظرن... هذا هو أبو رغد".
وهي تومىء نحو وليد!
إحداهن سألت:
"أين؟"
فردت مرح:
"الذي يتحدث مع أخي!"
واتجهت أنظارهن إلى وليد! بعضهن أطلقن تعليقات عدم التصديق, وبعضهن لم يكترثن, والبعض الآخر لسعنه بأعينهن فيما أخريات مبهورات بالفنان عارف أكثر من لوحاته...!
أما مرح فقد قربت فمها من أذني وهمست:
"أكثر وسامة وجاذبية من أخي! لكن عارف ذو شعبية كبيرة وكلهن مأسورات بفنه!"
ثم ضحكت وأمسكت بذراعي وتابعنا التقدم نحو لوحاتها...
وبعد قليل وفيما كنا منشغلات بتأمل لوحات مرح والتعليق عليها سمعت صوت وليد مقبلا من الخلف يتنحنح ويقول:
"معذرة".
التفتنا جميعا للوراء... ورأيته يقف على مقربة وينظر إلي ويشير إلى ساعة يده...
نظرت إلى ساعة يدي فإذا بها الخامسة والنصف... لقد مر الوقت سريعا جدا وأنا لم أنهِ بعد جولتي على بقية اللوحات!
ابتعد وليد عدة خطوات, ووجهت خطابي إلى زميلاتي:
"يؤسفني أنني مضطرة للمغادرة الآن!"
أبدين احتجاجهن ودعونني للمكوث فترة أطول... وكنت أرغب في ذلكولكن...
أخيرا شكرت زميلاتي وودعتهن وسرت نحو وليد...
ونحن نغادر مررنا بالأستاذ عارف الذي ودعنا وشكرنا بشكل شخصي على زيارة المعرض...
عندما عدنا إلى المنزل أردت أن أسهب في شكر وليد وأعتذر على إزعاجه غير أنه كان على عجل من أمره ودخل مكتبه وما هي دقائق إلا حتى أتاه الضيف...
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والخمسون من رواية أنت لي بقلم منى المرشود
تابع من هنا: جميع فصول رواية أنت لى بقلم منى المرشود
تابع من هنا: جميع فصول رواية آدم بقلم جودى سامى
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة