-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن عشر من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن عشر

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن عشر

 رفعت عيناها نحوهما بصدمة ألجمت أوصالها بقسوة ، عيناها الزائغة طوفت من يتجه نحوها بإستنكار، تتمنى أن يكون هذا كابوسًا مرعبًا.


إقترب منها "حمزة" بخطي ثابتة، وتلك الفتاة المجهولة تتكأ على ذراعه بترقب للمجهول، لتجد من يربت على يدها بحنان مردفًا :

-ما تقلقيش... دي "هيا" بنت عمي، طيبة جدًا وهتحبيها على طول، وممكن تكونوا أصحاب كمان.


إقتحمت تلك الكلمات مسامعها بقوة، لتدب تلك الرجفة القوية بأوردتها، تشبثت بتلك الأرجوحة بإرتجافة علّها تستمد منها بعض القوة والثبات اللذان إفتقدهما للتو.

هل فقد هذا الأهوج عقله؟!!

كيف يقتحم عليها خلوتها وتلك الحمقاء تعانق ذراعه بكل حرية وتملك؟!!

هل تزوجها؟!!... أم نزوة عابرة بحياته؟!!


فتلك الفتاة حقًا جميلة ( فتاة في بداية العقد الثالث من عمرها ، متوسطة الطول، تتميز برشاقتها وشعرها البني الكثيف، أما بشرتها الحنطية فتزيدها جمالًا، وعيون المها التي تزيدها جاذبية)


رسمت "هيا" إبتسامة مذبذبة بمعالم وجهها، لتنهض بجسد متشنج الأعصاب. وتقطع تلك المسافة الفاصلة بينها بثقل قدميها المرتجفة، أنفاس أوشكت على الإنقطاع وقلب إحترق بلارحمة أو شفقة. فقدت إحساسها بكل ما يدور حولها، فجميع حواسها إستنفرت وإرتكزت نحو يدها المتعلقة بذراعه بكل جرأة وثبات.


مادت بها الأرض بما رحبت، ضاقت أنفاسها، كادت أن تفقد وعيها وتهوي أرضًا، لتغمض عيناها بلوعة وأنين، لكن سرعان ما إستدعت كبريائها وشموخ الأنثى داخلها، لتستقيم بوقفتها، وتخطو بخطوات رزينة، مردفةً بثبات :

-مساء الخير يا "حمزة"، مين القمر دي؟


تشبثت الأخرى بذراعه بقوة، لتتوراي خلفه بذعر، ونظراتها المرتابة ترمق "هيا" بتوتر.


ليستدير "حمزة" نحوها ويغمرها بنظراته الحانية، مردفًا بود :

-ماتخافيش... أنا جانبك.


ويتجه بأنظاره نحو "هيا" بترجي، مردفًا :

-معلش يا "يوكا" ممكن أي حاجة من هدومك بس، للصبح هشتريلها هدوم جديدة، زي ما إنتي شايفة هدومها متبهدلة.


عقدت جبينها بحنق، رافعةً أحد حاجبيها بإستنكار، وهي تردد:

-هدوم!!.... أوك... بس إيه الحكاية؟!!


أردف "حمزة" بإصرار :

-هاتي بس الحاجة وتعالي على أوضة الضيوف ، وبعدين هحكيلك.


ليصطحب الفتاة برفق قاصدًا إحدى غرف القصر المجاورة لغرفة جدته "فريدة".


كانت الصدمة تنهش عقلها بإحترافية ومهارة، الغيرة أحرقت فؤادها بلا هوداة، كبريائها تمرد بشموخ طغي على كل هذا، لتتبع أثرهما ببرود، وتدلف إلى القصر لتجلب بعض من ثيابها، التي أقسمت أن تكون أكثرها بشاعة و أقلها أناقة.


دلفا سويًا إلى الغرفة،وأشعل "حمزة" أنوارها بهدوء، مردفًا بترحيب :

-إتفضلي يا.... أه صحيح... تحبي أناديكي إيه؟

وبدأ بالتفكير قليلًا، ليردف بجدية :

-إيه رأيك في "بكيزة" حلو؟


لتنفرج إبتسامتها للمرة الأولى منذ ذلك الحادث، وتردف بتذمر :

-وحش طبعًا.... مش عايزة ده.


إبتسم "حمزة" مردفًا بإرتياح :

-أخيرًا الشمس طلعت... أيوه كده، وبعدين ما إنتي بتعرفي تضحكي أهو، أومال ليه الوش الخشب ده؟!


ليتنهد براحة مردفًا بجدية أكثر :

-والله... أنا بعتذر لك تاني، وبتمنى من ربنا إنك تقدري تسامحيني. أنا عارف إني أذيتك قوي بفقدان الذاكرة ده، وأكيد أهلك قلقانين عليكي.... بس الأكيد إني هعمل أي حاجة تساعدك عشان ترجعي لأهلك، والذاكرة ترجعلك على طول، حتى لو هسفرك تتعالجي بره.

لكن اللي أقدر أوعدك بيه دلوقتي؛ إنك هتلاقي هنا عيلة تحبك وتحترمك، مش هتحسي معاها بغربة ولا وحدة.


إنهمرت دمعاتها بهدوء، لتذوب بأحرف كلماتها المتلعثمة :

-عيلة!!... تفتكر أنا إنسانة طيبة وكويسة؟! ، طب تفتكري عندي عيلة؟!!... طب بيدوروا عليّا؟!!... طب قلقانين عليّا؟

ولا أنا شريرة ومنبوذة من الكل، وماليش حد يسأل عني، ولا يقلق عليّا.


لتتعالي شهقاتها التي أدمت قلبه ندمًا، وتصرخ بإستنكار :

أنا مين؟!!... طب إسمي إيه؟!!


كان هناك من تتسمع إلى حوارهما كاملًا، بألم إخترق صمام قلبها، ودموع أقسمت أن تنهمر بسخاء، لتُزيلها بأناملها المرتجفة، وتدلف إليهما بإبتسامتها المتألمة، مردفةً برجاء :

-ممكن أختارلك أنا إسمك لحد ما تفتكري وإنتي معانا؟


رمقها تلك المجهولة بدهشة، فكيف تبدلت أحوالها عما قبل؟!!


وإقتربت منها "هيا" بهدوء، لتمد يدها لها للمصافحة، وإبتسامتها الودودة تزين ثغرها :

-أنا "هيا السيوفي" بنت عم الأستاذ اللي واقف معانا ده، تقبلي تكوني صاحبتي.


صافحها تلك المجهولة بإنكسار، مردفةً :

-كان نفسي أقولك إسمي بس....


لتقاطعها "هيا" بجدية :

-"ملك"..... إسمك "ملك"، إيه رأيك؟


أومأت الفتاة برأسها ، ودمعات غامضة تجتاح مقلتيها بسخاء، لترتمي بين ذراعي "هيا"، محتضنةً إياها بأسي.


شددت "هيا" من إحتضانها بقوة، وإنهمرت دمعات تلك الفتيات بلا توقف.


فيرفع "حمزة" أحد حاجبيه بإستنكار، مردفًا :

-إيه البنات الكئيبة دي؟!!... يلا تصبحوا على خير.


وغادر الغرفة تاركًا الفتيات سويًا، فتسامرا طويلًا حتى غلبهما سلطان النوم وإستسلما له بكل رحابة صدر .


****

صباحًا


غادرت "فريدة" غرفتها متجهة نحو بهو القصر، لتستوقفها هذه الهمهمات المنبعثة من تلك الغرفة التي لطالما خيم عليها سكون قاتل لأيامٍ وليال، إقتربت من الباب بهدوء وحرص، لتتعالي بالغرفة تلك الضحكات الأنثوية.


إشتعلت "فريدة" حنقًا لإعتقادها بأن أحد أحفادها إصطحب فتاة للقصر. لتقتحم الغرفة بقوة وقد تملكها غضبًا جحيميًا، فتسيطر الدهشة على جميع حواسها، حينما وجدت تلك الفتاة صحبة "هيا"... إذن فمن إصطحب تلك الفتاة هي حفيدتها وليس حفيدها، هذا ما إعتقدته "فريدة".


وجدت "هيا" و "ملك" مستلقيتان بالفراش كل منهن متكأة على يدها، وتتمازحان بضحكات مدوية فـ "هيا" أخذت على عاتقها مسئولية التهوين عن "ملك"، والحد من وحدتها.


بينما رفعت "ملك" عيناها نحو باب الغرفة، لتصمت بشكل مفاجئ، فتلتفت "هيا" نحو ما ترمقه "ملك" لتتفاجأ هي الأخرى بجدتها، فتنهض مهرولة من الفراش، لتتجه نحوها، مردفةً :

-صباح الفل يا تيتة.


******

بهو القصر.


إجتمع الجميع حول "حمزة" و "ملك"، لينصتوا بإهتمام لكل ما بدأ يقصه عليهم بأدق تفاصيله، فتعاطفت معها "فريدة" و"نجلاء" التي نهضت من مقعدها وتوجهت إليها لتعتذر لها بشدة، وتحتضنها بحنان وعطف إستشعرته "ملك" فشددت من إحتضانها كغريق وجد تلك القشة التي علق عليها آماله بالحياة.


أما "منة" فنظراتها على النقيض تمامًا، فقد إشتعلت نيران الحقد بقلبها، وأقسمت ألا تصدق كل تلك التفاهات، فكل هذا هراء وعبث.... فلم تشعر نحو "ملك" بلحظة تعاطف ولا شفقة، ولا حتى القليل من الراحة.


لكن هناك من يراقب ذلك المشهد بترقب، ونظراته الغامضة رصدت جميع إشارات جسدها، ليزفر زفرة قوية، ويهب من مقعده، مردفًا بثبات :

-حمدالله على سلامتك أنسة "ملك"، وإن شاء الله تستعيدي ذاكرتك في أقرب وقت، وأكيد أهلا بيكي في بيتنا.


ويستدير نحو ذلك المنهمك في إتمام أعماله بحاسوبه النقال، فيردف بغموض :

- "حاتم" .. عايزك في المكتب شوية.


أغلق "حاتم" حاسوبه بجدية، ونهض من مقعده بحماس. ليتبع "ثائر" بخطي رزينة حتىيدلفا سويًا إلى غرفة المكتب، وأوصد "حاتم" الباب خلفه بهدوء مستديرًا نحو "ثائر" بإهتمام:

-خير يا "ثائر"؟!!


وضع "ثائر"يداه بجيبي بنطاله، عاقدًا جبينه بغضب :

-"أرثر"....


قاطعه "حاتم" بإستنكار :

-ماله سي زفت ده؟!


زفر "ثائر" نيران غضبه المتأجج بقوة أوشكت على إشعال ما يحيط به، ليردف بضيق غلف أحرف كلماته :

-بيهددني بحياة "همس"، إمبارح بعتلها هدية الخطوبة .


رفع "حاتم" أحد حاجبيه مستنكرًا :

-هدية؟!!


أجابه "ثائر" مغمضًا عيناه بغضب وحشي :

-رصاصة!!!.... الحيوان بيقولي إنها مجرد رصاصة رخيصة و ينهي بيها حياتها.


إشتعلت نيران الغضب والإنتقام، ليردف ضاغطًا على كل كلمة تشدق بها :

-كده تخطي كل حدوده، ولازم نوقفه عند حده.


أردف "ثائر" بغضب أقوى :

-أقسم بالله ليدفع التمن.... بعد ما وقعتله الكام صفقة الأخيرة، ودخلته السجن، ناوي ينتقم، بس إنتقامه وصل للعيلة، وده اللي مش هسكت عنه ولا هغفره في يوم.


أردف "حاتم" بضيق :

-خرجوه من الحبس النهاردة الصبح، عدم كفاية الأدلة، للأسف مفيش ورقة واحدة عليها توقيعه .


شدد "ثائر" على خصلات شعره بغضبٍ جامح، صارخًا بقوة :

-ورق... ورق... ورق... كل الدنيا عارفة إنه مجرم.. وقاتل.. ومُهرب.. وتاجر مخدرات، ومحدش قادر يعمل حاجة عشان شوية ورق.


ليقاطعه "حاتم" بوعيد :

- ماتقلقش... لازم في يوم هيقع في شر أعماله، وساعتها محدش هيقدر يخرجه منها.


تنهد "ثائر" بقوة، مردفًا بصرامة :

-لازم الحراسة تزيد على القصر الأيام الجاية، وأي حد يدخل يتفتش كويس، فـ الناس اللي هتفرش الجناح جاية بكرة، وكمان عايزين حراسة كاملة على الفندق اللي هيتعمل فيه الفرح.


أجابه "حاتم" بتأكيد :

-إتصلت بشركة الأمن عشان تضاعف أفراد الأمن على القصر، وكمان الفندق... ما تقلقش إن شاء الله هتعدي على خير.


*****


إتجهت "منة" نحو حديقة القصر بشرود، لتستوقفها تلك الواقفة أمام مكتب "ثائر".

ضيقت عيناها بإستنكار، وإقتربت منها بغضب، مردفةً :

-واقفة هنا كده ليه يا إنتي؟!


علامات التوتر والإرتباك كست ملامحها، فركت أناملها ببعضها البعض، لتردف بتلعثم :

-أ.... أنـ... أنا كنت راحة أوضتي بس توهت ومعرفتش أوصل.


عقدت "منة" ساعديها أعلى صدرها، لترمقها من أخمص قدميها لشعر رأسها بإحتقار وتعالٍ، لتهتف بسخرية :

-أوضتك؟!!!... يابنتي إنتي واحدة من الشارع مانعرفش عنها حاجة.


بينما خرج "ثائر" و "حاتم" من المكتب مهرولين، لإستكشاف الأمر، ليردف "حاتم" بإندهاش:

-فيه إيه يا حبيبتي؟!!!... صوتك عالي ليه؟!!


حركت قدمها بعصبية، لتردف بصياح :

-البت اللي إنتوا جايبنها من الشارع كانت واقفة ورا الباب تتسمع عليكوا، وأنا معدية شوفتها بالصدفة.


دمعات إنكسارها تدفقت بصمت، لتحرك "ملك" رأسها نافيةً :

-والله ماعملت حاجة، أنا كنت رايحة الأوضة وتوهت، ماعرفش إن ده مكتب أصلًا.


لتصرخ "منة" بسخرية :

-بلاش دموع التماسيح دي يا حبيبتي، أصلها مش هتخيل علينا.


إجتمع الجميع نحو تلك الأصوات المرتفعة، ليردف "حمزة" بصرامة :

-كفاية يا "منة".... البنت قالتلك إنها ماتعرفش إن ده المكتب.


لتهتف "منة" بإستنكار :

-هتكدبني أنا وتصدقها هي؟!!!


أردفت "هيا" بتأكيد :

-فعلًا هي كانت رايحة الأوضة، أنا قولتلها إسبقيني هجيب عصير وهحصلك.


لتلوح "منة" بيدها بوجه الجميع، وتصرخ غاضبةً :

-بطلوا هبل بقا.......


إلا أنها وجدت صفعة قوية هوت على وجنتها، لتطرحها أرضًا وسط صدمة الجميع، و "حاتم" يصرخ بصوت جهوري :

-إنتي إتجننتي؟!!

بتقولي الكلمة دي لمين؟!!!

-وصوتك آخر مرة يعلي في البيت ده.... إنتي فاهمة.


وضعت "منة" يدها موضع الصفعة لترمقه بأعين أشعلتها نيران الغضب، لتقترب منها "نجلاء" وتساعدها على النهوض، إلا أن "منة" دفعت يدها بعيدًا فإختل توازنها لتجد يد ذلك الثائر تدعمها بقوة، وعيناه تقدح بشرارات الغضب، فتربت "نجلاء" على يده بحنان علّها تحد من ثورته.


إقترب "حاتم" منها لينهال عليها ضربًا، ليجد "خالد" يقف بوجهه ليكون فاصلًا بينهما، مردفًا بصرامة وحزم :

-رجاله "السيوفي" ما بيضربوش ستات.


زفر "حاتم" نيران غضبه، ليهتف بصرامة :

- إعتذري لماما "نجلاء" حالًا .... وبعدها تنجري على أوضتك، ماشوفش وشك تحت النهاردة.


أردفت "نجلاء" بحنان :

-مفيش داعي يا حبيبي أكيد هي ماتقصدش.


ليردف "حاتم" بهدوء :

-لو سمحتي يا ماما، لازم تعتذر وحضرتك ليكي حرية الإختيار تقبلي إعتذارها ، ياترفضيه.


وإتجه بنظراته الجحيمية نحوها هاتفًا بصرامة أكثر :

-إعتذري.


إتجهت "منة" نحو "نجلاء" بضيق، لتهتف بغضب :

-أسفة.

وركضت مهرولة نحو غرفتها، وقد أقسمت بالإنتقام من تلك الدخيلة التي إقتحمت حياتهم وتسببت بتلك الصفعة الأولى والأخيرة.


بينما إقترب "حمزة" من "ملك" ليصبح مقابلًا لها، وهو يردد بأسف :

-معلش يا "ملك" حقك عليّا... أكيد "منة" ما تقصدش حاجة.


حركت "ملك" رأسها نافية قبل أن تردف :

-مفيش حاجة... أنا اللي أسفة، ولو هقعد فترة هنا ياريت تشوف ليّا أي شغل مقابل أكلي ونومتي.


ليردف "ثائر" بحزم :

-حضرتك هتكوني هنا معززة مكرمة يا أنسة "ملك"، وأكيد بنعتذر عن خطأ مدام "منة" ، وأكيد إنتي فرد من أفراد العيلة لحد ما ترجعي لأهلك بالسلامة.


وإستدار دالفًا إلى مكتبه وتبعه "حاتم" و "خالد" و "حمزة".


أما "هيا" فرافقت "ملك" إلى غرفتها، لتطيب خاطرها وتهون عليها.


أما "نجلاء" و "فريدة" فقد خرجتا إلى الحديقة بحنقٍ وغضب من تصرف "منة" الأهوج.


حالة من الحزن خيمت على ذلك القصر، فالبنات لزمن غرفتهن رافضين مغادرتها. أما الشباب فكل ذهب إلى عمله لمتابعة خط سيره إستعدادًا ليوم الزفاف.


مضت الساعات ببطئ شديد، حتى حل الليل والحال بالقصر كما هو.

"منة" بغرفتها تشتعل نيران غضبها وتأجج، تأكل الأرض ذهابا وإيابًا، تقسم بالإنتقام وكشف حقيقة "ملك" سريعًا. "حاتم" منذ الصباح وهو بعمله ولم تطأ قداماه غرفته حتى الآن.


"ملك" أيضًا بغرفتها تتصنع النوم، فقد رفضت المواجهة مع تلك العائلة وفضلت الإنسحاب.


أما "هيا" فقد خلدت إلى النوم هروبًا من واقعها الغامض، وكذلك "نجلاء" و"فريدة".


دقت الساعة الثانية عشر معلنة وصول "حمزة" إلى القصر، ليجد شبح الظلام والصمت يخيم على المكان، فيزفر زفرة قوية متجهًا نحو غرفة "ملك" للإطمئنان عليها. طرق الباب بدقات خفيفة، مردفًا بثبات :

-"ملك"... أنا عارف إنك صاحية... لو ممكن تخرجي أنا محتاج أتكلم معاكي شوية..... أنا منتظرك في الجنينة.


ويستدير مغادرًا نحو حديقة القصر،

أما بالداخل.... "ملك" تسمعت إلى كلماته بدمعات تتهاوى، وقلب يتألم. لتنهض من فراشها وتزيل تلك الدمعات بيديها ، متنهدة بقوة علّها تستجمع قوتها وكبريائها.


***

حديقة القصر.


جلس "حمزة" بذلك المقعد الخشبي، واضعًا متعلقاته أعلى تلك الطاولة. ليسترخي بهدوء طارحًا رأسه للخلف، وعاقدًا ساعديه أعلى صدره. تنهد براحة شاردًا بتلك السماء المزينة بنجماتها المتوهجة، أما قمرها فأعلن الرحيل والإنسحاب، لترتسم ملامح معشوقته فتُنير سماء ليله المظلم. ليبتسم إبتسامة خفيفة كلما تذكر حنقها وغيرتها من وجود "ملك".


حمحمت إلى جواره بخجل، لتجذبه إلى واقعه المظلم. ليعتدل في جلسته مشيرًا إلى المقعد المقابل له بإبتسامة خفيفة :

-إتفضلي إقعدي يا "ملك".


جلست إلى طرف مقعدها بتوتر، تفرك يداها بإرتباك، محمحة :

-نعم يا أستاذ "حمزة".... حضرتك كنت محتاج حاجة؟


عقد جبينه بدهشة، رافعًا أحد حاجبيه بإستنكار :

-أستاذ "حمزة"!!!!.... ومحتاج حاجة!!!

فيه إيه يا "ملك"؟!!... مش إتفقنا نكون أصحاب.


أجابته "ملك" بتلعثم :

-العفو حضرتك.... أنا هنا ضيفة ومش مرحب بيها، بس للأسف مفيش عندي بديل تاني، بس لو أمكن تشوفلي أي شغلانة لحد ما الذاكرة ترجعلي وأروح لحال سبيلي.


زفر "حمزة" زفرة بقوة مشددًا على خصلات شعره بقوة، ليردف بجدية :

-تاني يا "ملك" نفس الكلام..... أكيد الكل رحب بيكي في البيت هنا و"ثائر" قالك إنك معززة مكرمة لحد ما ترجعي بيتك بالسلامة، بس لو لسه مُصره على كلامك ده، فممكن نروح قسم الشرطة ونعمل محضر بالحادثة دي ولو فيها حبسي.. أنا موافق.


لتحرك رأسها نافيةً قبل أن تردف :

-لأ طبعًا... إنت كنت كريم معايا، فأكيد مش هقابل ده بقلة أصل مني...


تنهد براحة قائلًا :

-طيب متفقين أهو، يعني إنتي تكوني كريمة معايا وترفضي إنك تإذيني في نفس الوقت اللي بتطلبي مني أكون قليل الأصل معاكي.... ده ينفع بالله عليكي.


حكت "ملك" جبينها بتفكير مصطنع :

-الصراحة ما ينفعش.


إنفرجت إبتسامته المرهقة ليهتف بصرامة :

-عارفة لو رجعتي في كلامك تاني وقولتي الهبل ده، هسيب عليكي الكلب اللي وراكي ده.


إنتفض جسدها بقوة، لتهب من مقعدها وتتشبث بيديها المرتجفة بكتفه الصلب، صارخةً :

-لا وحياة أغلى حاجة عندك، أنا بخاف من الكلاب.


لينهض هو الآخر من مقعده، فيكون مقابلًا لها فيربت على يدها بحنان، ليجدها ترتجف بقوة، فيلتقطها بين يديه ويبدأ بتدليكها برفق، مردفًا :

-إيه يا بنتي إيدك متلجة وبتترعش كده ليه؟!!.... إحنا مش عندنا كلاب أصلًا.


بدأ القليل من الدفء يسرى بأوردتها تدريجيًا، لتتنهد براحة مردفةً بجدية :

-بجد والله ... مفيش كلاب.


لتتعالي ضحكات "حمزة" الساخرة، ويردف بمشاكسة :

-مين قال كده؟...... حاسبي يا "ملك"الكلب وراكي .


صرخت صرخة قوية، لترتمي بأحضانه مغمضةً عيناها بذعر، لينتفض جسدها بقوة أكثر مما قبل، فيشدد "حمزة" من إحتضانها، مردفًا بندم :

-أسف والله... أنا بهزر معاكي ماكنتش أعرف إنك بتخافي قوي كده.


إبتعدت عنه قليلًا، لتنهال عليه بسيل من اللكمات التي حاول كثيرًا أن يتفاداها ببراعة، وسط صيحاتها :

-بتهزر معايا؟!!!.... إنت إتجننت... أنا قلبي كان هيقف من الرعب.


قبض "حمزة" على يديها بقبضته القوية، هاتفًا بإستنكار :

-إنتي بتلعبي ملاكمة يا بت إنتي، إيدك تقيلة قوي.


تملصت من قبضته ببراعة، لتكيل له ما تبقى من لكماتها القوية، مردفةً بتمنى :

-ياريت.... وياسلام لو كانت مصارعة حرة بقا، كنت جبتك أرض بالضاربة القاضية.


ليزفر "حمزة" بقوة، مردفًا بغيظ :

-ماشي يا شاطرة هوريكي مين هيجيب مين الأرض؟... مع إن إحنا ما بنمدش إيدنا على بنات.


تبادلا اللكمات الخفيفة، والضحكات الصاخبة، حتى أُنهكت قواهما فافترشا الأرض لاهثين بقوة، ليردف "حمزة" بحنق :

-فرهدتي أمي الله يحرقك يا شيخة.... قومي هاتيلنا حاجة تتشرب من التلاجة اللي جوه دي.... كل اللي في القصر زمانهم ناموا.


هبت "ملك" واقفة، لتردف بمشاكسة :

-صحيح ما أنا الفلبينية اللي جايبهالك بابي.


ليردف "حمزة" بصرامة متصنعة :

-أيوة... يلا إنجري هاتي عصير.


غادرت "ملك" إلى المطبخ، مردفةً بتذمر طفولي :

-ماشي يا "حمزة".... ربنا يسامحك.


تابع "حمزة" أثرها بإبتسامة، ليتنهد بقوة طارحًا جذعه أرضًا، وعاقدًا كفيه أسفل رأسه ليتكأ عليهما مغمضًا عيناه.


حفيف أشجار خفيف تسلل إلى مسامعه، خطوات ثقيلة إقتربت منه ببطئ، تيار هواء بارد إجتاح أوصاله لتسري تلك الرعشة الخفيفة بأوردته. فيسترق السمع بتركيز عالٍ

الأصوات تقترب منه بإيقاعٍ ثابتٍ، تقترب، وتقترب، وتزداد معها دقات قلبه إندفاع، حبيبات عرق خفيفة تكسو جبينه رغم برودة الطقس حوله، الأصوات تتوقف فجأة.


فتح عيناه بهدوء وحذر، ونهض مستقيمًا بجلسته، لتقع أنظاره على تلك الفتاة بثوبها الأبيض، وخصلاتها المتطايرة حولها بحرية، نظراتها الغامضة له، إشارات يدها تجذبه نحوها.


ليرمقها بنظراته المتفحصة والمترقبة، ويزفر زفرة قوية أطلق بها كامل غضبه، ليهب واقفًا فيكون مواجهًا لها، لكن هناك بعض الأمتار القليلة التي تفصل بينها.


إشاراتها لازالت تجذبه نحوها، فيخطو بثبات ويأكل تلك المسافة الفاصلة، مردفًا بغضب جليّ:

-إنتي مين؟!!!... وعايزة مني إيه؟!!!

ليه بتطارديني في كل مكان؟!!!


إشارات بلا صوت تلك التي تجذبه، يقترب ويقترب، لترمقه بنظراتها المشتعلة غضبًا، مردفةً بصوت يأتي من أعماق بئر ساحق بكلمة ترددت أصدائها بأرجاء المكان :

-"حمزة".


لتستدير كليّا وتغادر المكان وسط غيمة كثيفة من الدخان. لحظات وإنقشع وصفا الهواء حوله، ليركض نحوها باحثًا عنها بصرخات مدوية، ولكن لا أثر لها... إلا أنه لمح قصاصة قماش صغيرة من فستانها معلقة بأحد الأغضان، لكنها ملوثة بقطرات من الدماء.


ركضت نحوه "ملك" وعلامات القلق تنهش ملامحها، وكذلك "منة" وعلامات الإستنكار تكسو وجهها بسخاء، نظرن الفتيات لبعضهن البعض بحنق، ليلتفتا نحو "حمزة" مردفين بدهشة وإستنكار :

-فيه إيه يا حمزة؟!!!


رمق "منة" بضيق مردفًا :

-"منة"!!! ... .. إنتي لسه صاحية؟!!


أجابته "منة" بثبات :

-مستنية جوزي، وكنت رايحة المطبخ أجيب مايه فسمعت صوتك العالي، فجيت أشوف فيه إيه.


حرك رأسه نافيًا قبل أن يردف :

-مفيش حاجة.... كنت بتكلم في التليفون مع واحد صاحبي وصوتي على عليه.


لتقع نظراته نحو ذلك الجرح النازف بذراع "ملك". فيضيق عيناه بتركيز ليخطو نحوها بإستنكار، جاذبًا ذراعها نحوه، ليردف بدهشة :

-إيه الجرح ده يا "ملك"؟!!


حركت "ملك" رأسها مردفةً بثبات :

-أبدًا.. وأنا جاية أجرى على صوتك، سن ضرفة المطبخ جرحني... بس ما تقلقش بسيطة هروح أعقمها دلوقتي.


شرد "حمزة" بنظرات غامضة........

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن عشر من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة