-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل السابع والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل السابع والعشرون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل السابع والعشرون

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل السابع والعشرون

 دقات خطواته الثقيلة تقترب بثبات من هدفها، إلى أن دلف من أوسع أبواب القصر وإبتسامة التشفي تعتلي ملامح وجهه.


إحتضن سيجاره الغليظ بأنامله الحادة ووضعه بين شفتاه، ليسحب أنفاسًا متمهلة ويحتبسها بصدره قليلًا ومن ثم ينفثها بوجه ذلك الثائر الذي حافظ على ثباته وكبريائه، وأردف متهكمًا :

- أهلًا بك سيد "ثائر"... يُسعدني لقائك كثيرًا، فقد إشتقت إليك يارجل.


رمقه "ثائر" بنظراته الساخطة من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، وأردف مستنكرًا :

- كيف لي ألا أفكر بك... فتلك الحرب القذرة لابد أن تكون الطرف الخسيس بها.


تعالت ضحكات "أرثر" الشيطانية، وهو يضع سيجاره بجانب فمه مردفًا بتهكم أكثر :

- هذه المعركة أخطط لها منذ عامٍ مضى، فأنا أُعد لهذا اليوم من شهورٍ طويلة.


نظرات الدهشة والإستنكار تنهش وجوه الجميع. إذن فتلك الحرب الضارية ضريبة نجاح ذلك الثائر، أحقاد وضغائن بسوق الأعمال.

نظراتهم تبادلت بين الوجوه إلى أن إستقرت نحو ذلك الوغد، ليقترب "حمزة" من "ثائر" حتى أصبح مواجهًا له، فأردف مندهشًا :

- فهمنا إيه الموضوع يا "ثائر".


قطب "ثائر" جبينه بحنق، متنهدًا بهدوء، وردد بصرامة :

- لحظة يا "حمزة".... لحظة.


إبتسم "أرثر" إبتسامة جانبية متهكمة، وإلتقط سيجاره بأطراف أنامله، ليناوله إلى ذلك المحامي الذي إصطحبه معه ، ووضع يده الأخرى بجيب بنطاله مردفًا بعربية ساخرة :

- إشرح له الأمر سيد "ثائر".


لحظات دهشة مرت بملامح "ثائر" لكن سرعان ما إنتصرت معالم الجمود والكبرياء، ليمط فمه مردفًا بسخرية :

- لقد تعلمت أصول اللغة العربية سيد "أرثر"! .


تعالت ضحكاته المتهكمة، ليردف من بينها بكلمات متقطعة :

- نـ... نعم... نعم سيد "ثائر"، لقد أخبرتك سابقًا أني أعد لهذا اليوم منذ ما يقرب من عام.... كان أهم إعداداتي تعلم اللغة العربية لأستمتع بنبرة الهزيمة والإنكسار التي تكسو كلمات أفراد عائلتك.


وتحولت نبرته إلى أكثر وحشية :

- نعم... كم تمنت هذا اليوم الذي تأتي فيه ذليل وتركع تحت أقدامي بتوسل كي أعفُ عنك، وأصفح عن أفراد عائلتك.


إقترب "ثائر" منه، لتتلاشي المسافات، وتلفح أنفاسه الحارقة صفحة وجه هذا الشيطان، ليردف إلى جوار أذنه بفحيح أفعى سامة :

- تعلم خير المعرفة أني لا أركع لغير الله، ولم يُخلق على ظهر تلك البسيطة من يذلني أو يذل أحدًا تجري بعروقه دماء "السيوفي" أو يحمل لقبًا مرتبطًا بأحد أفراد عائلة السيوفي، فالله خلقنا كِرامًا آمنين.


إلتفت "أرثر" نحوه قليلًا، ولازال يحافظ على ملامحه المتهكمة، مردفًا :

- أشك في بعض ماقُلت سيد "ثائر".... لكن لا علينا الآن، فلم يحن وقت الكشف عن جميع الأوراق.

فالآن سأستمتع بإذلال تلك العائلة التي تتباهي بدمائها.


وأشار بإصبعه نحو ذلك المحامي، الذي ركض نحو حقائب النساء ولديه الرغبة والعزيمة في فض محتوياتها ومتعلقاتهم الخاصة أمام الجميع.


فخطى بخطى مرتجفة نحو حقيبة "همس"، ليجذبها من جوارها، ويدنو منها هامًا بفتحها، إلا أن تلك القبضة الفولاذية إعتصرت يده بغضب جامح؛ حتى إنفلتت صرخته المدوية، ورفع عيناه الجاحظة بألم نحو ذلك المُنقض، ليجد ذلك الجحيم المستعر تأجج بحدقتيه ، وجميع عروق وجهه نفرت وتأهبت، ليردف بوعيد :

- فكر تاني تعملها وأنا أدفنك مكانك.... مش أميرات عيلة "السيوفي" اللي واحد حقير زيك يفكر مجرد تفكير إن يمس خيط واحد في فستان يخصهم.


بينما طرح "ثائر" رأسه للخلف قليلًا، وهو يمط شفتاه بلامبالاة، مرددًا بصرامة وحزم :

- أعتقد كلام "خالد السيوفي" مش محتاج ترجمة يا "أرثر".... ولا مبادئ اللغة عندك ماوصلتش لمعنى كلمة نخوة ورجولة.


رجفة خفيفة سرت بأوصاله، لكن سرعان ما تملك زمام الأمور، وأردف بتهكم لاذع :

- أخشى أن تكونوا قد إستوليتم على بعض الأشياء النفيثة التي تخصني كمالك قانوني لهذا القصر الذي تمنت طويلًا أن أستمتع بالنوم بين جنبات غرفاته، وبالأخص تلك الغرفة التي تحمل بين طياتها عطر والدتك.


لكمة قوية هوت بفكه، وطرحته أرضًا، لينقض عليه "حمزة" ويكيل له اللكمات الصائبة، صارخًا بغضب جنوني :

- تجرأ وتفوه بتلك الكلمة مرة أخرى، وسأدفنك بأرضك أيها الوغد.


ليركض نحوه المحامي، مشيرًا بسبابته في وجه "حمزة"، مردفًا بتحذير مرتبك :

- إنت كده بتتعدي على مواطن ألماني في ممتلكاته الخاصة، يعني إتصال صغير للسفارة الألمانية وتكون بين جدران السجن.


نهض "حمزة" مستقيمًا، وعدل من هندامه وثيابه، رامقًا ذلك المحامي بغموض، ليهوي عليه بلكمة أقوى مردفًا بسخرية :

- إبقى حط في البلاغ بتاعك كمان.. التعدي على محامي مصري أثناء تأدية عمله.


بينما إنتصبت "فريدة" بوقفتها، عاقدة ساعديها أعلى صدرها بكبرياء وشموخ، لتصطف إلى جوارها" نجلاء" بنفس الكبرياء.

لحظات وإصطفت إلى جوارهن باقي الفتيات عاقدين سواعدهن أعلى صدورهن بكبرياء وشموخ ، فمن كان حائط الصد له هذه الفرسان، فحتما لا خوف لديهم من خوض آلاف المعارك .


بينما نهض "أرثر" مستندًا على يديه ، ليحرك فكه يمينًا ويسارًا بتأوهٍ خفيف، وهو يعدل من ثيابه متجهًا نحو أقرب مقعد ليجلس عليه بكبرياء ظاهري، واضعًا ساق فوق الأخرى، مستندًا بساعديه أعلى متكأي المقعد، زافرًا زفرة قوية، ولازال محافظًا على نبرة التشفي بكلماته، وهو يردد :

- هذا ما تُسمونه بالعامية المصرية حلاوة روح، فالضربة قاضية وأصبحت أنا المالك القانوني لكل أملاك "السيوفي" سابقًا.


خطى "ثائر" نحوه بثبات وكبرياء، ليجلس إلى المقعد المقابل له بإستقامه، مردفًا بجدية :

- طالما أصبحت أوراقنا مكشوفة أمام الجميع، وأصبحت أنت المالك القانوني لهذا القصر، فلدي سؤال دائمًا يؤرقني....

إذا كان "حاتم" باع لك جميع أملاكنا وقبض المقابل،إذن فأين تلك الأموال؟


إرتسمت معالم الجدية على ملامح "أرثر" وأردف بثبات :

- أعتقد أن وجهة سؤالك خاطئة سيد "ثائر"، فالأحق بهذا السؤال هي سيدة "حاتم السيوفي" بذاتها .


إلتفت "ثائر" بنظراته الغامضة نحو "منة" لتسري بجسدها رجفة خفيفة، وهي تردد بتلعثم :

- أنا.... أنا.... أنا معرفش حاجة، وأول مرة أعرف إن "حاتم" باع كل حاجة إمبارح لما قولت قدامنا كلنا، وبعدين أنا مش مصدقة إن" حاتم" يعمل كده.


تعالت ضحكات "أرثر" الساخرة، وردد بتهكم :

- لا يعنيني هذا الأمر برمته، فالآن أنا أمتلك كل شئ، حتى أوراق تلك الصفقة السرية الخاصة بتلك الجهة السيادية بين يديّ.


ليجد ذلك الصوت المتهكم بنبرته الصارمة :

- أجل سيد "أرثر" الأوراق بين يديك، لكنها تلك الأوراق التي خططنا لتكون بين يديك.


نهض "أرثر" من مقعده بإرتبارك، وإبتلع ريقه بتلعثم مردفًا :

- كولونيل "علي"؟!!!


إتسعت إبتسامة "علي" المتهكمة، وهو يخطو نحوه برزانة؛ حتى أصبح مقابلًا له، فوضع يديه بجيبي بنطاله بكبريائه المعهود مردفًا بسخرية :

- أجل سيد "أرثر" إنه أنا المقدم "على إبراهيم" بذاته...


طوف "أرثر" أنحاء المكان بنظراته المرتبكة، مرددًا بثبات ظاهري :

- وما شأن الشرطة المصرية بي، أنا مواطن ألماني أقضي عطلتي الصيفية بمصر؟!!


مط "على" شفتاه بلامبالاة مردفًا بسخرية :

- إذا كنت تخطط لهذا اليوم منذ عام، فنحن نستبقك بخطوة سيد "أرثر"...

نعم كنت تتبع ما خططناه لك بإحترافية، لم يكن مجيئك إلى مصر بمحض الصدفة، بل كان مُعدًا له منذ البداية.

أهلًا بك في بلد الأمن والأمان سيد "أرثر".


إشتعلت عيناه غضبًا، وإستدار نحوها بملامح شيطانية صارخًا بغضب :

- "مارجو" الحمقاء ، لقد أضعتي مجهود عام كامل بحماقتك وغبائك.


همهمات فوضاوية دوت بالأنحاء، نظرات مندهشة تبادلت بين الجميع، لتتسع حدقاتهم فجأة؛ حتى إستقرت نحو "ملك"، ليردف "حمزة" مستنكرًا :

- "ملك"!!!


لكن الجواب كان شبة صادم للجميع، فصوت من أجابت بتلك الكلمات لم يكن سوي" منة":

- غباء ماذا "أرثر"؟!!!... فأنا دائمًا ما كنت أُطلعك على مستجدات الأمر، لتخطط أنت وأنفذ أنا.


صاعقة قوية هوت برأس الجميع ما عدا ذلك الثائر الذي إبتسم إبتسامة إنتصار خفيفة، لتردف "هيا" مستنكرة :

- "منة"!!!.... "مارجو"!!!


بينما إتسعت إبتسامة "علي"، وردد بإسترسال :

- سنة بحالها وإحنا مستنين الفرصة دي...

صفقات مشبوهة ومنتظمة بتدخل البلد وعن طريق شركة شحن واحدة، قدام الناس قطع غيار سيارات ومعدات تقيلة، تدخل مصر تتجمع بقدرة قادر وتتحول لأسلحة.


سنة كاملة بنسهلك دخول شحنات المخدرات والأسلحة للبلد، بس يدوب كانت تدخل وكنا نبيدها من أساسها. الموضوع كان في إعتقادك إن الشرطة المصرية بتشتغل كويس وبتقبض على الموزعين.

وده فعلًا؛ إحنا بنشتغل كويس بس شغلنا الأساسي كان إنت. جمعنا كل المعلومات الخاصة بيك وبنشطاتك المشبوهة، وده كان بتنسيق مع الشرطة الألمانية.


عرفنا بالعداوة اللي بينك وبين "ثائر السيوفي" ، بس كان الموضوع عادي، عداوة رجال أعمال، منافسات عمل، لحد ما يوم


******


فلاش باك.


أحد أرقي المولات الشهيرة.


غادر "علي" أحد المحال التجارية حاملًا بإحدى يديه بعض الأكياس الورقية التي تحمل بين طياتها بعض الثياب الصيفية، وبيده الأخرى هاتفه يعبث به بضجر إلى أن تلقى رسالة مُصورة بصورة شخصية لـ "أرثر" و شقيقته "مارجو". رمقها "علي" بسخط، مردفًا بتهكم :

- ودي بقى ست "مارجو" بقالها سنة في مصر!!!...

يا ترى أنتي فين يا "مارجو" هانم؟!!


وأنهي تسوقه وغادر المول مستقلًا سيارته لينطلق إلى منزله.


مضت أيام كثيرة والبحث مستمر عن تلك المدعوة "مارجو" إلى أن إلتقي" على" "حاتم" و" منة" بأحد المطاعم التي كانا يتناولا بها العشاء.


تمكن "علي" من كشفها منذ الوهلة الأولى رغم تغيير ملامحها التام من ضبغة شعرها، وألوان عيناها، وطريقة ثيابها.


فغادر "علي" المطعم سريعًا لينطلق بسيارته ملتقطًا هاتفه، ليتصل بأحدهم مردفًا بجدية :

- عايز أقابلك بعد نص ساعة في المرساه.


**********

مكان ما بأخد شواطئ نيل القاهرة.


خطى "ثائر" نحوه بخطى ثابتة وعلامات الدهشة والإستنكار تكسو ملامح وجهه، ليردف بإستياء :

- فيه إيه يا "علي"؟!!...

سيبت إجتماع مهم وجيت من غير ما أفهم السبب.


ملامح جدية متجهمة تكسو وجهه، وهو يردد بثباته المعهود :

- "منة"!!! ... "حاتم " إتعرف عليها إزاي؟!!


قطب "ثائر" جبينه بإستنكار، عاقدًا ساعديه أعلى صدره، ليردف بسخرية :

- إشمعني؟!!


زفر "علي" زفرة قوية مشددًا على خصلات شعره، مردفًا بصرامة :

- الموضوع خطير يا "ثائر"مش سهل، وفيه خطر على "حاتم"، ويمكن على العيلة كلها.


نفض ثائر يداه بعيدًا عن صدره، وعلامات الغضب تأججت وإلتهمت ملامح وجه، ليردف بحزم :

- خطر إيه؟...

وضح يا "علي" ده مش وقت ألغازك.


وجه "علي" هاتفه نحو "ثائر" ليصبح مقابلًا لعيناه بتلك الصورة التي تجمع"أرثر" و "مارجو"، وأردف بجدية :

- تعرف دول؟


إلتقط "ثائر" الهاتف من يده، وأمعن النظر بتلك الصورة، محركًا رأسه بتأكيد، مرددًا بجدية أكثر :

- أيوة.... ده "أرثر" رجل أعمال ألماني بس شغله مشبوه، لكن اللي معاه دي ماعرفهاش. إيه دخل "منة" بالموضوع؟!!...

مش فاهم.


زفر "علي" زفرة قوية، مغمضًا عيناه بتفكير، وأردف بصرامة :

- اللي في صورة دي "مارجو" أخت "أرثر" اللي هي برضه "منة" مرات "حاتم".


ضيق "ثائر" عيناه بإستنكار، وبدأ في تحريك رأسه نافيًا كل هذا العبث، مرددًا بسخرية :

- إيه الجنان اللي بتقوله ده يا "علي"؟!!

إنت هتعمل شغل الشرطة والمخابرات ده على عيلتي ولا إيه؟!!


لوح "علي" بيده في الهواء هاتفًا بغضب :

- إنت صاحب عمري، وعيلتك هي عيلتي، والكلام اللي بقوله ده حقيقي، وإنت متأكد منه مليون في الميه.... نهدي ونفكر في الحل.

"حاتم" و "منة" فين دلوقتي؟


جاوبه "ثائر" بشرود، فهو حقًا يؤمن بكفاءة "علي" بعمله، وحرصه على مصلحة العائلة، فكلامه لا يقبل الشك :

- في القصر.


تنهد "علي" ببعض الراحة، ليردف بهدوء :

- تمام.... لازم يفضلوا معاكم في القصر، ودايما لازم "منة" تكون تحت المراقبة لأن إحنا لسه لحد دلوقتي مش عارفين هما ناويين على إيه!!!


ولو فيه أي حاجة غريبة ملاحظها على "حاتم" أو أي حد من العيلة لازم تبلغني بها مباشرة، عشان نلحق نتصرف.

وكمان لو فيه أي ورق مهم، أو صفقة مهمة لازم تكون في الكتمان، والورق يكون بعيد عن القصر.


تذكر "ثائر" حالة "حمزة" المضطربة، ليردف بتأكيد :

- "حمزة"... فيه حاجة مش طبيعية بتحصل معاه بس مش قادر أعرفها.


شرد "علي" بتفكير عميق، وأردف بصوت يكاد يكون مسموع :

- "حمزة"!!!... كده لازم نتدخل بنفسنا.


لتعلو نبرته قليلًا :

- إستني تدخلنا قريب قوي، وأي جديد هنكون على إتصال.


*******

عودة للوقت الحالي.


صفعة قوية هوت على وجه "منة"، وتبعها صرخات "أرثر" المدوية :

- كما قولت سابقًا... حماقتك وغبائك ما أوقع بنا.


بينما تعالت ضحكات "على" الرجولية، وهتف بسخرية :

- لم تكن حمقاتها بمفردها سيد "أرثر" فغبائك من صورك لك مقدرتك على الحصول على أوراق تخص جهة سيادية بدولتنا، فقد تم تبديل تلك الأوراق بأوراق أخرى تحوي مانود إعلامك به من معلومات أتت بك إلى هنا....


وتنهد بهدوء مكملًا :

- وحقيقة تلك كانت مهمة النقيب "نور ذو الفقار".

وأشا ر بنظراته الثاقبة نحو "ملك"، التي أدت التحية العسكرية بثبات وهمة لقائدها المقدم "على إبراهيم" وسط نظرات الصدمة من الجميع، لتردف بصرامة :

- تحت أمر سيادتك يا فندم.


أومأ لها بعينيه ، لترتخي عضلاتها بهدوء، وهي تخطو نحوه إلى أن إستقرت بجوار وأصبحت بمواجهة الجميع، لتردف بجدية :

- مهمتي كانت تتلخص في نقطتين، الأولى حماية الورق، والتانية مراقبة "منة".

ودخولي القصر كان لازم يكون عن طريق "حمزة" مش حد تاني.


تنهدت بأسف :

يعني حادثة العربية كان مُدبرة، والجرح كان سطحي، وفقدان الذاكرة كان تمثيلية...

أنا أسفة.. بس شغلي كان حمايتكم.


من يوم مادخلت القصر و"منة" كارهة وجودي، بس رغم ده ماغابتش لحظة عن عيني، واللي أكد شكوكي إنها السبب في موضوع البنت اللي كانت بتظهر لك يا "حمزة".


صدمات متتالية هوت برأس الجميع، مجموعة من الطلاسم تُلقي بأوجههم، البعض يجهل كل شئ، والبعض لديه القليل من المعلومات، لكن الحقيقة بأكملها بجعبة ذلك الثائر الذي خطط ودبر مع صديقه الكولونيل.


*******

فلاش باك.


حديقة القصر.


جلس "حمزة" بذلك المقعد واضعًا متعلقاته أعلى تلك الطاولة. وإسترخي بهدوء طارحًا رأسه للخلف، وعاقدًا ساعديه أعلى صدره. ليتنهد براحة شاردًا بتلك السماء المزينة بنجماتها المتوهجة، أما قمرها فأعلن الرحيل والإنسحاب، لترتسم ملامح معشوقته فتُنير سماء ليله المظلم. إبتسم إبتسامة خفيفة كلما تذكر حنقها وغيرتها من وجود "ملك".


"ملك" بشرفة غرفتها تتأمل سكون هذا الليل الذي أسدل ستائره بجدران قلبها المشتاق لحضن والدتها وشقيقها الأصغر.


لتحتضن ذراعيها بكلتا يديها، لتدلكهما جيدًا كي تبث بهما بعض الدفء، ليتسلل إلى مسامعها صوت حفيف خافت لتلك الأوراق الجافة المتساقطة، فتدنو بأنظارها نحو ذلك الشئ المتحرك.

أمعنت النظر جيدًا لتنفرج تلك الإبتسامة التهكمية حينما رمقت "منة" تحاول فتح ذلك الباب الجانبي للقصر، لتردف بحماس :

- الله عليكي يا ست "مارجو"، كده اللعب دخل في الجد.


وفركت يداها ببعضهما البعض مردفةً

بتأهب :

- إستعنا على الشقا بالله.


وإتجهت مغادرة غرفتها نحو ذلك المتيم بحديقة القصر.


حمحمت إلى جواره بخجل، لتجذبه إلى واقعه المظلم، ليعتدل في جلسته مشيرًا إلى المقعد المقابل له بإبتسامة خفيفة :

- إتفضلي إقعدي يا "ملك".


جلست إلى طرف مقعدها بتوتر، تفرك يداها بإرتباك، وأردفت محمحة :

- نعم يا أستاذ "حمزة".... حضرتك كنت محتاج حاجة؟


عقد جبينه بدهشة، رافعًا أحد حاجبيه بإستنكار :

- أستاذ "حمزة"!!!!.... ومحتاج حاجة!!!

فيه إيه يا "ملك"؟!!... مش إتفقنا نكون أصحاب.


أجابته "ملك" بتلعثم :

- العفو حضرتك.... أنا هنا ضيفة ومش مرحب بيها، بس للأسف مفيش عندي بديل تاني، بس لو أمكن تشوفلي أي شغلانة لحد ما الذاكرة ترجعلي وأروح لحال سبيلي.


زفر "حمزة" زفرة قوية، مشددًا على خصلات شعره بقوة، ليردف بجدية :

- تاني يا "ملك" نفس الكلام..... أكيد الكل رحب بيكي في البيت هنا و"ثائر" قالك إنك معززة مكرمة لحد ما ترجعي بيتك بالسلامة، بس لو لسه مُصره على كلامك ده، فممكن نروح قسم الشرطة ونعمل محضر بالحادثة دي ولو فيها حبسي.. أنا موافق.


حركت رأسها نافيةً قبل أن تجاوبه :

- لأ طبعًا... إنت كنت كريم معايا، فأكيد مش هقابل ده بقلة أصل مني...


تنهد براحة قائلًا :

- طيب متفقين أهو، يعني إنتي تكوني كريمة معايا وترفضي إنك تإذيني في نفس الوقت اللي بتطلبي مني أكون قليل الأصل معاكي.... ده ينفع بالله عليكي.


حكت جبينها بتفكير مصطنع :

- الصراحة ما ينفعش.


فإنفرجت إبتسامته المرهقة، وردد بصرامة :

- عارفة لو رجعتي في كلامك تاني وقولتي الهبل ده، هسيب عليكي الكلب اللي وراكي ده.


إنتفض جسدها بقوة، لتهب من مقعدها وتتشبث بيديها المرتجفة بكتفه الصلب، صارخةً :

- لا وحياة أغلى حاجة عندك، أنا بخاف من الكلاب.


نهض من مقعده ليكون مقابلًا لها وهو يربت على يدها بحنان، ليجدها ترتجف بقوة، فيلتقطها بين يديه، ويبدأ بتدليكها برفق، مردفًا :

- إيه يا بنتي إيدك متلجة وبتترعش كده ليه؟!!.... إحنا مش عندنا كلاب أصلًا.


بدأ القليل من الدفء يسرى بأوردتها تدريجيًا، لتتنهد براحة مردفةً بجدية :

- بجد والله ... مفيش كلاب.


تعالت ضحكات "حمزة" الساخرة، ليردف :

- مين قال كده؟...... حاسبي يا "ملك"الكلب وراكي .


صرخت صرخة قوية، وإرتمت إلى أحضانه مغمضةً عيناها بذعر، لينتفض جسدها بقوة أكثر مما قبل، فيشدد "حمزة" من إحتضانها، مردفًا بندم :

- أسف والله... أنا بهزر معاكي ماكنتش أعرف إنك بتخافي قوي كده.


إبتعدت عنه قليلًا، وإنهالت عليه بسيل من اللكمات التي حاول كثيرًا أن يتفاداها ببراعة، وسط صيحاتها :

- بتهزر معايا؟!!!.... إنت إتجننت... أنا قلبي كان هيقف من الرعب.


قبض "حمزة" على يدبها بقبضته القوية، هاتفًا بإستنكار :

- إنتي بتلعبي ملاكمة يا بت إنتي، إيدك تقيلة قوي.


تملصت من قبضته ببراعة، لتكيل له ما تبقى من لكماتها القوية، مردفةً بتمنى :

- ياريت.... وياسلام لو كانت مصارعة حرة بقا، كنت جبتك أرض بالضاربة القاضية.


زفر "حمزة" بقوة، مردفًا بغيظ :

- ماشي يا شاطرة هوريكي مين هيجيب مين الأرض؟... مع إن إحنا ما بنمدش إيدنا على بنات.


تبادلا اللكمات الخفيفة، والضحكات الصاخبة، حتى أُنهكت قواهما فافترشا الأرض لاهثين بقوة، ليردف "حمزة" بحنق :

- فرهدتي أمي الله يحرقك يا شيخة.... قومي هاتيلنا حاجة تتشرب من التلاجة اللي جوه دي.... كل اللي في القصر زمانهم ناموا.


هبت "ملك" واقفة، لتردف بمشاكسة :

- صحيح ما أنا الفلبينية اللي جايبهالك بابي.


أردف "حمزة" بصرامة مصطنعة :

- أيوة... يلا إنجري هاتي عصير.


غادرت "ملك" إلى المطبخ، مردفةً بتذمر طفولي :

- ماشي يا "حمزة".... ربنا يسامحك.


ودلفت إلى المطبخ لتراقب المشهد الخارجي من تلك النافذة الصغيرة، كما راقبت "منة" التي إستمعت بما يواجهه "حمزة" من أحداث، أطلت من شرفة غرفتها وتلك الإبتسامة الساخرة تكسو ملامحها.


نظرات "ملك" مرتكزة مابين "حمزة" وهذا الشبح الذي يهاجمه، و"منة" التي تراقبه بسعادة وتشفي. أما عقلها فيبحث عن طريقة سريعة لدلوفها إلى "السيوفي جروب" فموعد تسليم الأوراق إقترب، ولابد أن تحافظ عليها وإن تطلب هذا الأمر التضحية بحياتها.


لمعت تلك الفكرة برأسها لكنها يشوبها بعض المخاطرة، لتهمس "ملك" بسخرية :

- وإيه يعني، شغلنا كله مخاطرة.... لازم "حمزة" يشك فيّا عشان يفضل حاططني تحت عينه ويضطر ياخدني معاه الشغل عشان أفضل تحت عنيه ٢٤ ساعة.


لتدوي صرخة "حمزة" بالأنحاء، فإلتقطت "ملك" ذلك السكين الحاد وجرحت ذراعها بخفة بعدما لمحت ذلك الجرح بذراع تلك الفتاة الشبح.


****

دلفت "ملك" إلى السيوفي جروب لتتمم ماخططت له بعدما تلقت إتصال من "علي"

يؤكد موعد إستلام "حمزة" لتلك الأوراق، ووجوب تبديلها في الوقت المناسب.


إتجهت "ملك" إلى باب المكتب لتطرقه بدقاتها الخفيفة، ودلفت إليه مباشرة بإبتسامتها الرقيقة، مردفةً بتعجب :

- لسه ما خلصتش شغل يا "حمزة".


نهض "حمزة" من مقعده، ودار حول مكتبه، ليجلس على سطحه رامقًا إياها بنظراته الغامضة، مرددًا بثبات :

- لسه.... لسه قدامي شوية ورق محتاج مراجعة، لكن إنتي السواق منتظرك قدام المجموعة..... يلا عشان ما تتأخريش أكتر من كده الساعة ستة.


بينما لمحت "ملك" تلك الأوراق بطرف عينها، لتتسارع دقات قلبها حماسًا، فالأوراق غاية في الخطورة، وحمايتها واجب وطني.


لتتسع إبتسامتها، فتردد بتذمر طفولي :

- كده مش حلو خالص على فكرة يا مدير.... أنا كده عايزة أوفر تايم ما ينفعش أشتغل كده ببلاش.


إبتسم "حمزة" ضاربًا كلا كفيه ببعضها البعض، ليردف مستنكرًا :

- أوفر تايم؟؟!!... وببلاش؟!

يا بنتي إنتي إسمك لسه متسجل بالقلم الرصاص يعني ممكن أمسحه دلوقتي حالًا.


تعالت ضحكاتها المتذمرة، لتردف مستنكرة :

- رصاص؟!!.... وتمسحه !!..

ماشي يا عم... عموما أنا همشي دلوقتي بدل ما تلاقيني رئيس مجلس إدارة مكان "ثائر السيوفي" من الصبح.... يلا سلام.


وغادرت "ملك" المجموعة، لتستقل السيارة وينطلق بها السائق قاصدًا قصر السيوفي .


دقائق محسوبة ودلفت السيارة إلى القصر، لتترجل عنها "ملك"،فتجد الجميع يحاوط "عبد العزيز " وأسرته لتوديعهما.


إنضمت إليهم "ملك" مردفةً بإبتسامتها المرحة :

- مساء الخير يا جماعة، إوعوا تقولوا إنكم ماشيين، أنا ملحقتش أقعد معاكم.


أردف الجميع بإبتسامة :

- مساء الخير يا بنتي.


بينما إبتسم "عبد العزيز" مردفًا :

- عندها حق "ضحي"... لازم نمشي عشان ما نتأخرش... يلا سلام عليكم.


وإستقل هو وأسرته إحدى السيارات الفارهة التي تقتنيها عائلة السيوفي لينطلق السائق متجهًا نحو ذلك الحي الهادئ.


بينما دلف الجميع إلى الداخل، لتستأذن "ملك" منهم للدلوف إلى غرفتها وتبديل ثيابها.


دلفت " ملك" إلى غرفتها، موصدة بابها بالمفتاح جيدًا، لتركض نحو خزانة ملابسها وتبدل تلك الثياب بأخرى مطاطية سوداء ، وإنتعلت بقدمها حذاء رياضي، لتقفز من شرفة غرفتها متجهة نحو ذلك الباب الذي دلفت منه تلك الشبح. فتحته بحرص وهدوء وغادرت القصر، لتجد بإنتظارها تلك السيارة التي إنطلقت ما إن إستقلتها "ملك" إلى "السيوفي جروب".


وصلت السيارة بالقرب من المجموعة، وغادرتها "ملك" على بعد مسافة من مرأب المجموعة، لتضغط زر بسماعة أذنها، مردفةً بهمس:

- أنا على بعد ١٠ ثواني جري من جراج المجموعة.... مستنية إشارة الإنطلاق.


لحظات وأرسلت لها الإشارة بالإنطلاق فأطلقت لساقيها العنان بعد تأكدها من إتمام فصل كاميرات المراقبة بتخطيط من "منة".


ثوان عشر وكانت بالمرأب، ومثلهما وكانت قد تخطت ذلك الدرج ووصلت إلى ذلك الباب الجانبي الذي تُرك مفتوح بواسطة "ثائر"٠


لحظات أخرى وبدأ ذلك الشبح بإستكمال مخططه وسط إبتسامات "ملك" المتهكمة، ليغادر "حمزة" مكتبه غاضبًا وهو يتبع تلك الفتاة.


لحظات وكانت "ملك" أمام تلك الأوراق تقوم بجمعها بخفة ووضع الأوراق البديلة، لتستشعر تلك الخُطي التي تقترب من باب المكتب بهدوء، لتهرول مغادرة المكتب، وبتلك اللحظة دلف أحدهما، ليسرق تلك الأوراق بسعادة لإعتقاده إتمام مهمته بنجاح.


********

عودة للوقت الحالي.


تنهدت "ملك" براحة مردفةً بنبرتها المتهكمة :

- وأعتقد الورق وصل في موعده المحدد سيد "أرثر".


بينما إبتسم "على" مؤكدًا بصرامة مصطنعة :

- وصل في ميعاده يا حضرة النقيب وإلا ماكانش سيد "أرثر" موجود هنا دلوقتي، وكمان رهن الإعتقال.

يعني كل الورق اللي يثبت تجارته في الأسلحة والمخدرات بين إيدينا دلوقتي وده بالتعاون مع الإنتربول.


وضيق "علي" عيناه بإستنكار مردفًا :

- قولتلي خرجت من السجن في ألمانيا ليه سيد "أرثر"؟!!

أمممم.. أعتقد عشان ماكانش فيه ورق يدينك!!..


حالة من الجنون عصفت بعقله، لتتعالي صرخاته المدوية، التي سرعان ماتحولت إلى ضحكات هستيرية ليردف بسخرية :

- وإن يكن سيد "ثائر" فقد تسببت في خسارتك لجميع ممتلكاتك، كما أنني تسببت بحرق قلوب أفراد عائلة "السيوفي" بمقتل أحد أفرادها.


ليكون الجواب تلك الضحكات الساخرة التي سبقت كلماته المتهكمة :

- محدش بيموت ناقص عمر سيد "أرثر" وأنا الحمد لله ربنا لسه كاتب لي عمر عشان أعيشه في وسط أهلي.


نعم إنها ليلة الصدمات التي عجز عقل "منة" أو "مارجو" عن إستعابها لتتسع مقلتاها ذُعرًا وتدلي فكها إلى أن كاد يصل إلى بلاط القصر. رجفة قوية تسري بجسدها لتصرخ بجنون :

- لأ.... لأ.... "حاتم" مات.


إلا أنها وجدت تلك الصفعة القوية التي هوت على وجهها، وتبعتها كلمات "نجلاء" الغاضبة :

- بعيد الشر عن إبني..... إوعي... إوعي في يوم تنطقي إسمه على لسانك القذر ده..... فاهمة.


صرخت "منة" بجنون :

- يعني دي تمثيلية عليّا وحزنكم وإنهياركم ده كان تمثيل.


صفعة أخرى إستقرت على وجنتها، لتشير" نجلاء" بسبابتها نحو قلبها مردفة بأسي :

-مفيش أم هتتمني موت إبنها، وإخواته تدفنه بإيدها وتمثل الحزن عليه.


*********

فلاش باك.

يوم تسليم القصر.


دلفت "منة" إلى غرفتها لجمع متعلقاتها الشخصية أو هذا ما تصنعته، لتوصد الباب خلفها بإبتسامة إنتصار إلى أن تعالت دقات الخادمة بباب الغرفة، لتتبدل ملامح "منة" إلى التجهم والحزن، وتستدير بكامل جسدها لتفتح باب الغرفة، فتجد أمامها الخادمة تحمل بين يدها صينية تحتوي على كأس من العصير وبعض أقراص الأدوية، لتردف الخادمة بهدوء :

- ميعاد أدوية حضرتك يا هانم.


أشارت "منة" برأسها نحو طاولة صغيرة مردفةً بألم متصنع :

- حطيها هناك، لو سمحتي ممكن تساعديني وتروحي لطنط "نجلاء" وتجيبي شنطة منها عشان أحط فيها حاجتي، عشان معنديش هنا شنطة.


أومأت لها الخادمة برأسها قبل أن تردد بنبرة هادئة :

- تحت أمر حضرتك يا فندم... بعد إذنك.


وغادرت الخادمة الغرفة، وتبعها منة بنظراتها حتى تأكدت من مغادرتها، لتلتفت نحو تلك الصينية فتلتقط قرص الدواء بأناملها، و كأس العصير بيدها الأخرى.


حركت القرص بين أناملها بلا مبالاة لتخطو نحو شرفة الغرفة وتُلقيه منها مردفةً بسخرية :

- باي باي...

وإرتشفت كأس العصير بتلذذ وإستمتاع.


لحظات وبدأت تفقد وعيها تدريجيًا حتى كادت أن تهوي أرضًا بعد أن فقدته تمامًا، لولا أن تلقتها "ملك" بين ذراعيها لتضعها بذلك المقعد، متأكدة من سريان مفعول ذلك المخدر الذي وضعته لها بكأس العصير.


لتعقد ساعديها أمام صدرها مردفةً بتهكم :

- باي باي "مارجو".


وغادرت الغرفة لتجد "ثائر" بإنتظارها مردفًا بثبات وجدية :

- تمام.


أومأت "ملك" برأسها مردفةً بتأكيد :

- تمام... قدامها ٣ ساعات بالظبط ومفعول المخدر ينتهي، هتفوق مش مستوعبة إنها كانت فاقدة الوعي أصلًا... أنا موجودة معاها... إتفضل حضرتك.


تركها "ثائر" متجهًا إلى غرفته، وما إن دلفها حتى أرسل رسالة إلى جميع أفراد عائلته بما فيهم" همس" التي كانت تساعد "هيا" بجمع متعلقاتها، وكان الرسالة تنص على سرعة التوجه إلى غرفته للضرورة القصوى.


لحظات وكان الجميع بغرفة "ثائر" وعلامات الدهشة والإستغراب تنهش ملامحهم لتردف "فريدة" بتساؤل :

- فيه إيه يا "ثائر"؟

جامعنا هنا ليه؟!!... وليه ما إجتمعناش في المكتب؟!!


لتجد من يطل عليهم بطالته الخاطفة لأنفاسهم جميعًا مردفًا بإبتسامة :

- عشاني يا تيتة.


مشاعر متضاربة مابين الصدمة والدهشة والسعادة والهذيان، التأكيد والنفي.

الجميع يغمض عيناه ويفتحها مرارًا وتكرارًا ظنًا أنهم بحلم سعيد، أو ربما الإشتياق هو من صور لهم تلك التخيلات.


لتدوي أصداء صوته المُنغمة بأرجاء قلوبهم عندما أردف بلوعة الإشتياق :

- وحشتوني..... أنا أسف إني عيشتكم الأيام الصعبة دي.


ولا أقوى مسكنات العالم وأدويتها لديها القدرة على تسكين ألم الفراق وأساه، لكن كل هذا مُحِيَ من ذاكرتهم وكأنه كان كابوسًا بشعًا، ليركض الجميع إليه ودمعات الفرح والسعادة تسبقهم لأحضانه المشتاقة لدفء العائلة وسندها، لتشدد "فريدة" من إحتضانه باكيةً بسعادة :

- حمد الله على سلامتك يا حبيبي، وحشتي يا "حاتم ".


لتجذبها "نجلاء" برفق بعيدًا عنه مردفةً بحشرجة :

- سيبهولي شوية يا ماما.


وإستوطنت صدره العريض وقد تعالت شهقاتها المريرة مردفةً بأنفاس متقطعة :

- ليه تعمل فينا كده يا حبيبي، ليه توجع قلوبنا عليك.


ربتت "حاتم" على كتفها بحنان، ليدمغ جبينها بقبلة حانية أرفق بها كل معاني الأسف والإعتذار، وأردف بتلعثم :

- أ.... أسف.. أسف ياماما.


ليجد من تنقض عليه بإفتراس، وتنهال عليه بوابل من القبلات المشتاقة، مردفةً ببكاء وسعادة :

- وحشتي يا أبية، كنت هموت من غيرك.


حاوط أكتافها بذراعه القوية ليضمها إلى جانبه مقبلًا رأسها بعتاب :

- بعيد الشر عنك يا قلبي، ماتقوليش كده تاني.


هناك نظرات مترقبة لكل مايحدث بحالة من الدهشة واللاتصديق، يحرك رأسه نافيًا أحيانًا، وأحيانًا أخرى يومأ مؤكدًا، حتى إستقرت نظرات شقيقه نحوه وذابت بنظراته اللائمة، لتتسارع دقات قلبه بإشتياق، فيركض نحوه فاتحًا ذراعيه بحفاوة، إلى أن أصبح مواجهًا له فكور قبضته بغضب ليلكمه بقوة، إلا أن سرعة ردة فعله ماجعلت يده تتلقى تلك اللكمة ليردف بإبتسامة :

- إوعي تنسى إني المدرب بتاعك يا حيوان، يعني من نظرة عينك أعرف أنت بتفكر في إيه، وأعرف قرارك كمان.


دفعه "خالد" بقوته الحانقة للخلف، ليهتف بحدة :

_ إوعي تفكر تعمل فينا المقلب الحقير ده تاني... إنت فاهم.


ليجد "حمزة" يجاوبه بنبرة تهكمية :

- أعتقد إنه مش لوحده في الموضوع ده، بص لرد فعل "ثائر" بيه وإنت تعرف إنه مشترك في المخطط الشيطاني ده.


كان الرد مؤكدًا بكبرياء، لكن من بين شفتا ملك القلوب ومُهلكها "على" ، الذي أردف بثبات :

- عندك حقك يا "حمزة".


حقًا إنها ليلة المفاجآت المُذهلة، فحتى "همس" و "ضحي" لم يسلمن من تلك الصدمات المتتالية، ولم تكن ردود أفعالهن

سوي بعض النظرات المتبادلة فيما بيهن وبعض الإبتسامات البلهاء، لتهمس "ضحي" إلى جوار أذن "همس" :

- إيه العيلة دي يا بنتي؟!!

حاسة إننا في سيرك، الميت بيطلع مش ميت، و كمان القمر اللي طلع علينا فجأة ده!!


أغمضت "همس" عيناها بتركيز، ومطت فمها بتهكم مردفةً بجدية مصطنعة :

- إحنا وقعنا مع ناس مش سهلة شكلهم بيروضوا أسود كمان.


لكن ماتفوه به ذلك الوسيم خطف ألباب وقلوب الجميع، ليُكمل بإسترسال:

- البداية كانت بيني وبين "ثائر" ، وكان حريص جدًا إن الموضوع يتم بعيد عنكم ليوم ماكان في المكتب مع "حاتم" عشان يبلغه بسفره للخارج وإنه عملته توكيل رسمي عام.


******

فلاش باك.


إستدار مغادرًا الغرفة، إلا أنه يتوقف مردفًا بصرامة دون أن يلتفت له :

- التوكيل عندك والمجموعة مسئوليتك، وأخواتك وماما وتيتة أمانة في رقبتك... وده آخر كلام.


ليلمح "ثائر" طيف أحدهما أمام باب المكتب فضيق عيناه بإستنكار مبتسمًا إبتسامة جانبية متهكمة، ليؤكد مردفًا :

- التوكيل عندك.... سلام.


وغادر المكتب بكبريائه وثباته المعهود، ليتبعه "حاتم" بغضب جامح، هاتفًا بحنق :

- إبقى قابلني يا "ثائر" لو قدرت تعمل حاجة من اللي في دماغك ده.


لكن ما كان يشغل تفكير ذلك الثائر شئ آخر،

كيف تجرأت تلك الحقيرة وتسللت إلى باب المكتب لتتسمع إلى حواره مع أخيه. خاصة بعد أن تيقنت شكوكه عندما رمقها بطرف عينه تركض نحو حديقة القصر.


فتنهد ببعض الحنق ليخطو نحو ذلك الدرج ملتقطًا هاتفه ليعبث به قليلًا إلى أن أخرج رقم "علي" وأجرى إتصالًا به مردفًا بتهكم :

- الغبية كانت بتلمع أوكر، سمعت كل كلامنا وأنا بقوله إني مهاجر وإني عملتله توكيل عام.


أجابه "علي" بثبات :

- براحة كده وفهمني موضوع الهجرة وموضوع التوكيل ده.


بدأ "ثائر" بسرد مختصر له عن نيته للهجرة خارج البلاد دون التطرق للأسباب والتفاصيل.


بينما تعالت ضحكات "علي" الرجولية ليردف بثناء :

- الله عليك يا "ثائر يا سيوفي"، حلو جدًا الموضوع ده، لو كان فيه إحتمال ٩٠ في المية إن "آرثر" يجي مصر، بعد مايوصله موضوع التوكيل ده مليون في الميه هيجي مصر.... أكيد هيفكر إزاي يذلك ويستمتع بده.


قطب "ثائر" جبينه بغضب، مردفًا بغضب جليّ :

- إيه يذلك ده ياد إنت؟

لسه ماتوجدش على وش الأرض اللي يذل" ثائر السيوفي ".


تعالت ضحكات "علي" المتهكمة إلى أن هدأت تدريجيًا ليردف بجدية :

- بجد يا "ثائر" الموضوع كده دخل في الجد، يعني اللي فات كله كان هزار، عمومًا الكلام في التليفون مش هينفع، لازم أشوفك بكرة.


نهار اليوم التالي.


المرساه.


ركل "ثائر" الأرض بقدمه، ونيران الغضب تتأجج بحدقتاه، فرغم إنتقامه من "قاسم" ووالدته إلا أن لم يهدأ بعد، فلابد أن يُلقنهما درسًا أقسى وأَمَرْ. نفث نيران غضبه كتنين ثائر، يعلو صدره ويهبط لضراوة الحرب المشتعلة بقلبه، إلى أن إنضم إليه "علي" بإبتسامته العذبة، ليردف بحفاوة :

- إزيك يا "ثائر". إيه الأخبار؟


رمقه "ثائر" بنظراته التي لازالت مشتعلة غضبًا، وأردف بصرامة :

- زي الزفت، إخلص عايز تقول إيه؟

عايز أمشي من هنا.


إلتمس "علي" غضب صديقه، فتيقن أن الأمر لايقبل النقاش، فزفر زفرة قوية وأردف بحزم :

- "منة" إتصلت بأخوها وقالت له على موضوع التوكيل، وطبعًا مش هقولك كان فرحان إزاي، وأقسم إنه ياخد أملاك "السيوفي" لآخر جنيه.


قبض "ثائر" على ياقة كنزة "علي" بقوة، ليردف صاكًا أسنانه بفحيح :

- يبقى آخر يوم في عمره يوم مايفكر يقرب من شقا عمرنا، أدفنه مكانه، والحقيرة دي هقتلها.. هقتلها يا علي.


ربت "علي" على يده برفق، وأردف بمودة :

- إهدا يا "ثائر".. محدش هياخد جنيه من تعبك، أنا أكتر واحد عارف إنت و" حاتم" تعبتوا إزاي في الفلوس دي... والله ما هيطول منها جنيه، كده "أرثر" دق آخر مسمار في نعشه ، يعني خلاص النهاية قربت.


تنفس "ثائر" بهدوء، وأرخي قبضته قليلًا، مربتًا على كتف "علي"، ومردفًا بندم :

- معلش يا صاحبي حقك عليّا، بس أنا مضايق أصلًا.


حرك" علي" رأسه بنفي، مرددًا بإبتسامته المهلكة :

- ولا يهمك يا صاحبي، لو ماإتحملناش بعض في الضيق هنتحمل بعض إمتى؟

.... خلينا في المهم ، دلوقتي أكيد هيستخدموا التوكيل في الحرب ضدك، و"منة" ممكن تعمل أي حاجة عشان تخليه يوقع العقود، يعني الخطر شبة مُبهم بالنسبة لنا، مع إن إحنا حطنها تحت المراقبة ٢٤ ساعة في اليوم.


شرد "ثائر" بتفكير عميق، مردفًا بتحدٍ سافر :

- أهلا بالمعارك، أنا مستني اليوم ده من زمان، بس وديني وما أعبد لو مست "حاتم" بشر لأدفنها حية هي وأخوها.


أجابه "علي" بمكر :

- المرحلة الجاية هتكون صعبة نفسيًا بالنسبة لك، مواجهة "حمزة" عشان ضياع الأوراق لازم تكون حقيقية عشان توصل لأخوها مظبوط.


تنهد "ثائر" بحنق، مردفًا بإستنكار :

- حظه بقا، أخيرًا هلاقي حاجة أطلع فيها غضبي.


إنفرجت إبتسامة خفيفة لتزين ثغر "علي" الذي أردف بمزاح :

- عليه العوض ومنه العوض في الواد، كده ضمنت إنه هيرقد في القصر العيني فترة حلوة.


ليبتسم "ثائر" متهكمًا :

- أرزاق يا صاحبي.


بينما تنهد "على" ببعض الراحة، مردفًا بتردد :

- فيه حاجة كمان.... المواجهة بينك وبين "حاتم" بعد توقيع العقود هتكون قاسية وصعبة، يعني لازم ماتتهزش ولا يبان عليك أي تعاطف، وده ممكن يخسرك أخوك وسندك.


إستدار "ثائر" ليصبح مقابلًا لذلك النهر الثائر كثورة قلبه، فيشرد بأمواجه المتلاطمة قليلًا، ويردف بإصرار :

- عشان تستأصل مرض خبيث لازم تعمل جراحة، ورغم قساوتها ووجعها إلا أن الجسم بيرتاح بعدها، ولو "حاتم" كان مكاني مش هيتردد لحظة إنه يعمل كده عشان مصلحة العيلة.


وإنتهي لقاء العمالقة بعدما أرسوا مبادئ خطة أيامهم القادمة، ليغادر كل منهم إلى عالمه.


بعد مرور أيام قليلة.


على بمكتبه يراجع أوراق أحد القضايا التي أوشك على إستلامها، ليصدح هاتفه الجوال برنين مميز فيلتقطه مسرعًا، ويجاوب بجدية :

- أيوه.


المتصل :

-أحد الأشخاص تسلل إلى مكتب المهندس "حاتم السيوفي".


قطب "على" جبينه بإستنكار مردفًا :

-وبعدين.


المتصل :

- كانت نتائج مراقبة الكاميرات المزروعة في المكتب، إرفاق ذلك الشخص بعض الأوراق وسط مجموعة من الأوراق الخاصة بصفقة هتم غدًا.


مط "علي" فمه بإستياء، مرددًا بصرامة :

- تمام... كمل مراقبة، وبلغني بأي جديد.


****

يوم سرقة الأوراق من المجموعة.


مكتب "حاتم".


إنكبت السكرتيرة الخاصة بـ "حاتم" على بعض الأوراق أمامها بجدية وإخلاص، ليتسلل إلى مسامعها دقات ذلك الحذاء الأنثوي بأرضية المكتب. رفعت عيناها نحو القادمة بطالتها الفاتنة، لتبتسم إبتسامتها العملية :

- مساء الخير يا فندم... أقدر أساعد حضرتك إزاي؟


أجابتها بإبتسامة :

- مساء النور... ممكن أقابل باشمهندس "حاتم".


تمسكت السكرتيرة بطرفي القلم بين أناملها الرقيقة، لتردف بجدية :

- باشمهندس "حاتم" عنده "meeting" مهم، بعتذر لحضرتك.... ممكن أحدد ميعاد تاني لحضرتك.


إلتفتت نحو باب مكتبه، لتخطو إليه بغضب تسلل إلى أوردتها لتدفع الباب بقوة مردفةً :

- أنا ما بخدش مواعيد يا حلوة.


وجدت "حاتم"يجتمع بأحد رجال الأعمال الوطنيين لإبرام إتفاق بينهما على إستلام مكتب "حاتم" الهندسي لبعض المشاريع القومية الذي ينتوي إقامتها بالعاصمة الإدارية الجديدة.


بينما إلتفت "حاتم" نحوها بغضب أشعل حدقتاه نيرانًا، ليهتف بحدة :

- إزاي تدخلي بالشكل العشوائي ده؟


إبتلع السكرتيرة التي تبعت خطوات "منة" لتمنعها من الدلوف إلى المكتب ريقها بتوتر، لتردف بتلعثم :

- أـ.. أنا... أسفة يا باشمهندس، المدام هي اللي إقتحمت المكتب ودخلت.


رمقها "حاتم" بنظراته النارية، ليردف دون أن يلتفت نحو سكرتيرته :

- دي مدام "منة السيوفي" تدخل في أي وقت إتفضلي إنتي على مكتبك.


أجابته السكرتيرة بإرتباك جليّ:

- بعتذر من حضرتك يا مدام "منة"... بعد إذن حضرتك يا باشمهندس.


بينما أشار "حاتم" بعيناه لها نحو أحد المقاعد، لتخطو نحوه بثبات وإحتلته بكبرياء واضعةً ساق فوق الأخرى، ليلحق هو بعميله ويستكمل إجتماعه بعدما إعتذر عن تلك المقاطعة.


دقائق وأنهي الإجتماع بعدما وقع العقود، ليصافح ذلك العميل ويرافقه إلى باب الشركة الرئيسي.


بينما نهضت "منة" من مقعدها لتخطو نحو باب المكتب بحرص؛ حتى تأكدت من إبتعاد "حاتم "، فإستدارت نحو طاولة الإجتماع وركضت إليها بهدوء، ودنت نحو تلك الأوراق، لتُقلب بينها بحرص إلي أن وجدت تلك الورقة الببضاء التي ذُيلت بتوقيع "حاتم السيوفي" لتطويها جيدًا وتركض نحو حقيبة يدها لتدسها بين جنباتها وتغلقها جيدًا، وتجلس بمقعدها كما تركها "حاتم".


*****

يوم حادث "حاتم".


أحد المطاعم الفاخرة.


جلس "ثائر" وعلامات الغضب لا تفارق ملامحه كما حاله بالفترة الأخيرة، مقابلًا له "على" بصرامته وكبريائه المعهود الذي زفر زفرة قوية، مرددًا بجدية :

- وصلوا لتوقيع "حاتم" لعبة قديمة حطوا ورقة فاضية ولزقوها بورقة من أوراق المقاولة الجديدة للمكتب، و"منة" أخدتها موقعة، يعني المواجهة قربت قوي.


تنهد "ثائر" بغضب مردفًا :

- مش عارف قدرت تضحك على "حاتم" الفترة دي كلها إزاي؟... لدرجة إنه ساب القصر وساب عيلته عشانها.


صدح هاتف "علي" بتلك النغمة المميزة ليجاوب بإبتسامة خفيفة سرعان ما تحولت إلى تجهم ساخط، هب على أثره من مقعده صائحًا بغضب جامح :

- أمنوه، حتى لو كشفت نفسك... أمنوه.


بينما هب "ثائر" من مقعده هو الآخر ليردف مستنكرًا :

- فيه إيه يا "علي"؟!


جاوبه "علي" صارخًا أثناء ركضه :

- "حاتم "... هيقتلوا "حاتم".


ركضا سويًا ليستقلا سيارة "علي" وإنطلق مهرولًا إلى ذلك الحي الهادئ وسط صيحات "ثائر" الغاضبة :

- يعني إيه يقتلوه يا "علي"... يعني إيه؟


ضغط على أداة التنبية بغضب، صارخًا :

- رجالتنا شافت قاتل مأجور قدام العمارة، القاتل ده مطلوب أمنيًا.... وده اللي ماكوناش عاملين حسابه.


لكم "ثائر" الباب الجانبي له بقبضته صارخًا بغضب جامح :

- يعني إيه مش عاملين حسابه؟!!... يعني إيه... أضحى بأخويا عشان تقبض عليهم.


كانت تلك الكلمات كوقود أشعل فتيل الغضب، ليضغط علي وقود السيارة، وإنطلق بأقصي سرعة لها.


دقائق وكانت السيارة تدلف إلى ذلك الحي الهادئ، ليصرخ "ثائر" مُشيرًا بسبابته أمامه :

- "حاتم".... "حاتم" دخل السوبر ماركت ده.


ضغط على مكابح سيارته بقوة لتصرخ عجلاتها بصرير قوي. وترجلا سويا من السيارة ليصدح هاتف "علي" الذي جاوب بغضب :

- ألو.


المتصل :......


أنهي "علي" الإتصال ليجذب ذراع "ثائر" ويركضا سويًا إلى شارع جانبي، مردفًا بصرامة :

- السوبر ماركت له باب خلفي، تعالي معايا.


لحظات وكانا داخل المتجر، ليجدا به "حاتم" والبائع لحالهما، ليخرج "على" بطاقة تعريفه إلى البائع مردفًا بثبات :

- أكيد فيه هنا مخزن.. صح؟


أشار البائع بسبابته نحو إحدى الغرف الصغيرة، ليجذب "على" يد "حاتم" ويدلفون ثلاثتهم إلى تلك الغرفة وسط نظرات الدهشة التي إستوطنت حدقتا "حاتم"، فأردف مستنكرًا :

- فيه إيه؟!!... إيه شغل رأفت الهجان ده؟


إحتضنه "ثائر" بقوة متنهدًا بإرتياح :

- الحمد لله إنك كويس.


دفعه "حاتم" بعيدًا عنه برفق، رافعًا أحد حاجبيه بدهشة، وهتف مستنكرًا :

- فيه إيه؟... عايز أفهم.... وبعدين إيه اللي لمك على "علي".


نظرات متبادلة بين "علي" و"ثائر" لتستقر أخيرًا نحو "حاتم" الذي بدأ يستشيط غضبًا، وصرخ بحدة :

- فيه إيه؟


زفر "ثائر" زفرة قوية أرفق بها نيران غضبه ليبدأ بسرد الحكاية من بدايتها إلى تلك اللحظة الراهنة، لتشتعل نيران جحيمية بقلب "حاتم " وحدقتاه،

ألهذا الحد كان ساذجًا وأبله؟

أَ كان سهل المنال لذلك الحد؟

أَ كان دُمية تحركها تلك الحقيرة كيفما تشاء، وقتما تشاء؟

أَ كان ذلك العشق والغرام مسرحية هزلية؟


فأخرجه صوت "ثائر" من دوامة أفكاره، حينما أردف بأسف :

- أنا أسف يا "حاتم"... خلاص هنوقف كل حاجة، وكده كده التوكيل إتلغي، و"علي" بعلاقاته مخاللي الموضوع سري، وحتى اللي أخدوه الشهر العقاري مكانك متصور صوت وصورة، و"علي" عدي الموضوع بس عشان "أرثر" يطمن ويجي مصر.... يعني كل الورق ده يبلوه ويشربوا ميته، تزوير في تزوير ومالوش لازمة.


شرد "حاتم" بتفكير عميق، مردفًا بصرامة :

- اللعب كده هيبتدي، وهنجيبه تحت رجلنا.... عشان تنقض على فريستك، لازم ترجع خطوتين للخلف، وتاخد سرعة إنطلاقك.


ضيق "علي" عيناه بإستنكار مردفًا :

- قصدك إيه يا "حاتم ".


عقد "حاتم" ساعديه أعلى صدره، قاطبًا جبينه بتفكير عميق مردفًا :

- يعني لازم نبين له إننا أكلنا الطعم، وإنه كمان قدر يكسرنا وإننا معتش هتقوم لنا قومة، هتلاقيه طلع زي الفار من جحره، بعدين نصطاده بمزاج.


حرك" ثائر" رأسه نافيًا، ليردف بإستنكار :

- إنت إتجننت، دول باعتين قاتل مأجور يقتلك، فاهم يعني إيه؟...

يعني نشانه من هيخيب.


بينما إبتسم "علي" لذكاء "حاتم" وأردف بتأكيد :

- بس مش قناص، يعني يوم ما هيصوب هيكون في المنطقة دي ( أشار على بيده نحو منطقة الصدر )، وده ممكن نلبس قميص مضاد للرصاص.

وده بقا موجود، قميص ألياف لون الجلد وملمسه، يعني عمر ما حد يحس بوجوده، بس عايز التاتش بتاعنا.


ضيق "ثائر" عيناه مردفًا بإستنكار أكثر لكل ذلك الهراء :

- إنتوا مجانين... دي حياتك يا "حاتم"، يعني مش لعبة.


لكن "علي" كان إلتقط هاتفه، لوأجري إتصال بمساعده ليُملي عليه بعض التعليمات ويُغلق الخط ناهيًا الإتصال، لتتسع إبتسامة الثقة مردفًا بكبرياء :

- خمس دقايق ويكون عندنا واقي الرصاص، وكام كيس ده صغير، وحقنة مخدرة.


دقائق ودلف مساعد "علي" إلى المتجر بحجة شراء بعض المعلبات، ليُسلم لـ "علي" تلك الأدوات المطلوبة.

ساعد "علي" "حاتم" على إرتداء هذا القميص ولصق أكياس الدماء الصغيرة، ليُعيد "حاتم" إرتداء حلته كاملة، ومن ثم حقنه على بذلك المخدر الذي يبدأ مفعوله بالسريان بعد قرابة العشرون دقيقة.

*****
شقة "حاتم"

دقائق طويلة مضت، مايقرب من الساعة حتى دلف حاتم إلى الشقة بإرهاق وتعب، لتركض نحوه "منة" مردفةً بإستنكار:
كل ده تأخير يا حبيبي.

إتجه نحو المطبخ ليضع ما بيده من أكياس، مردفًا :
- السوبر ماركت كان زحمة.

بينما قطع حديثه تلك الدقات الرزينة بباب شقته، ليبتسم "حاتم" إبتسامة خفيفة، فقد بدأت المعركة، وإتجه نحو الباب وفتحه مصطنعًا الإستنكار، ومردفًا بسخط :
- أفندم!!!.. مين حضرتك؟!!

دفعه أحدهما للخلف وأوصد خلفه الباب بهدوء ليشير نحوه بسلاحه. ركضت "منة" بذعر لتتواري خلف "حاتم" الذي حاوطها بذراعيه.

بينما أردف ذلك القاتل بسخرية :
- الباشا بيسلم عليك

وبدأ بإطلاق الرصاص نحو صدره، ليهوي "حاتم" على إثره أرضًا. وتسلل إلى مسامعه ضحكات "منة" المتهكمة، وقد أتبعها كلماتها :
- طلقة واحدة ، وتضربها هنا (أشارت له بسبابتها نحو نقطة بعيدة قليلًاعن القلب ) عشان محدش يشك فيّا. كويس إن المسدس فيه كاتم صوت، بس وإنت خارج من العمارة حاول تتحرك كتير عشان الناس تشك فيك وتكشفك... عشان حد يكتشف جريمة القتل دي و يبلغ عيلة السيوفي.

وإلتفت بنظراتها الساخرة نحو "حاتم " مردفةً بتهكم :
- وأهو "حاتم" غرقان في دمه يعني على مايوصل المستشفى هيكون مات، ده لو مامتش قبل كده.

أطلق القاتل تلك الطلقة موضع ما أشارت إليه "منة".
لتهوي أرضًا إلى جوار "حاتم"، بإنتظار قدوم أحدهم.

*******
عودة لغرفة "ثائر" .

تنهد "علي" براحة مردفًا، كنا مستنين في المطعم إتصال من اللي بيراقب" حاتم"، لكن اللي ماعملناش حسابه إن الإتصال يكون من "همس".

كست علامات الصدمة التي أُمتزجت باللامنطق الجميع، فالجميع أقسم أنه بأحد الأفلام الأمريكية.

بينما رفع "ثائر" ساعته مقابل عيناه، وأردف بصرامة :
- مفيش وقت للإندهاش بتاعكوا ده، ١٠ دقايق و"منة" هتفوق، إحنا قررنا نعرفكوا عشان ما تبوظوش الدنيا قدام الحقير "أرثر"، بس لازم "منة" ما تحسش بأي حاجة فاهمين.... يعني تتصدموا من الكلام، دوركوا الفعلي هيبتدي.

إجتمع حوله الجميع واضعين قبضتهم المُكورة فوق قبضته، ليهتفوا بحماس :
- "السيوفي"...

وردد "خالد" بجدية مصطنعة :
- حان وقت المعركة، حان وقت الحزم.

*******
عودة للوقت الحالي

هتفت "منة" بجنون صارخة :
- يعني إيه؟!!!....
حاتم مات وإتدفن....

تعالت ضحكات "علي" الساخرة، وأردف بإستنكار :
- إتدفن إزاي يا "مارجو "؟ ما هو واقف قدامك أسد أهو.
بس الصراحة مسكينة ما هو رجالتك بلغت "أرثر" إن مقابر عيلة "السيوفي" إتفتحت ودفنوا فيها جثة إبنهم "حاتم السيوفي".

وحرك "علي" رأسه بنفي، مُكملًا بنبرة متهكمة :
- تؤ تؤ تؤ... إبقي إختار رجالتك بعد كده سيد "أرثر"، لأن ببساطة اللي إدفن في مقابر "السيوفي" حد تاني خالص....
شاب مجهول الهوية عمل حادثة، والعيلة إتطوعت إنها تدفنه في مقابرها.

تعالت ضحكات "أرثر" الجنونية، ليردف بهذيان :
- أنا أمتلك جميع أملاك السيوفي... أنا مواطن ألماني.... سأتصل بسفارة بلدي.

بينما ركضت " منة" نحو حاتم، وإقتربت منه بإغواء كعادتها، مردفةً بدلال :
- عشان خاطر إبننا يا حبيبي.

دفعها "حاتم" بعيدًا عنه ليطرحها أرضًا مردفًا بتهكم :
- إبننا!!!
ضحكتيني والله.... إنتي ناسية إنك كنتي في المستشفى، يعني عملنالك كل التحاليل اللازمة، وكمان أقراص منع الحمل اللي موجودة في دولابك دي ليه؟

رمقته بحقدٍ دفين، لتستند على يديها وتنهض واقفةً، وهي تردد بفحيح أفعى سامة :
- لو كنت قتلك يوم ما رفعت إيدك عليّا وضربتني قدام عيلتك، ماكونتش زمانك واقف قدامي دلوقتي.... بس "أرثر" اللي منعني يومها، وإلا كان زمانك ميت من زمان.

إقتربت منها "ملك" بإبتسامتها الشامتة، لتلوي ذراعها بخفة للخلف وتقف خلفها هامسةً إلى جوارها بفحيح :
- لو كنت يومها طاوعت إحساسي كان زمانك مرمية في المستشفى ومش عارفين يجبسوا فيكي إيه ولا إيه.... بس عقلي اللي منعني يومها عشان المهمة.

لحظات وكان القصر يعج بقوات الشرطة التي ألقت القبض على "أرثر" و "مارجو" فبإنتظارهما العديد من القضايا كالإتجار بالمخدرات، والسلاح، محاولة قتل وتزوير، ولازالت هناك العديد من الجرائم.

إتسعت إبتسامة "علي" الودودة، ليرمق صديق عمره بنظرات فخر وإحترام ويخطو نحوه فاتحًا ذراعيه ليحتضنا بعضهما البعض بمحبة، فيردد" ثائر" بعرفان :
- شكرًا يا صاحبي إنك كنت في ضهري.

إبتعد عنه "علي" قليلًا ليربت بيديه على كتفي "ثائر" مردفًا بمحبة :
- إنت اللي كنت راجل وقد المسئولية... مع إنك إنهارت شوية وكنت هتنسحب... فاكر.

******
فلاش باك.

المشفى... أمام غرفة العمليات.

إقتربت "همس" منه؛ حتى أصبحت مقابلة له. لترفع عيناها الباكية وتقابل حدقتاه المتأججة. فرفعت يداها المرتجفة لتحتضن وجنتاه برفق، مردفةً بنبرتها الحانية :
- هيبقى كويس بإذن الله، عشان خاطر كل اللي بيحبوه هيبقى كويس يا حبيبي.

أغمض عيناه متنهدًا بأسي أحرق روحها، مرددًا بدعاء :
- يارب.... يارب.

وفتح عيناه، لينفث نيران غضبه موجهًا نظراته نحو صديقه، وهو يردد بصرامة :
- "علي" تعالي معايا.

وإتجها سويًا نحو الشرفة، ليدفعه "ثائر" بغضب نحو ذلك الحائط الرخامي، قابضًا على ياقته بكلتا يديه ، هامسًا بغضب :
- عيلتي هتضيع مني، مش هيستحملوا خبر زي ده، تيتة ممكن تموت فيها، و "هيا" إنت مش عارف متعلقة بـ"حاتم" قد إيه، أنا مش هقدر أشوفهم بيموتوا قدام عيني وأقف أتفرج... .. أنا مش هكمل المسرحية السخيفة دي... "حاتم" يفوق ونخرج من هنا، ولو على "منة" و"أرثر" عندي إستعداد أقتلهم وأسلم نفسي للشرطة...

أجابه "علي" بهدوء:
- أنا عارف إن الموضوع هيكون صعب عليك، بس دول فكروا فعلًا في قتل أخوك، ونفذوا كمان.... يعني ده تار ولازم تاخده بس بالقانون..... الموضوع دقايق والدكتور هيخرج يعلن وفاته، بس لازم محدش من إخواتك يقف على الغُسل عشان مانضيعش مجهود سنة كاملة..... إطمن" حاتم" متخدر مش هيحس بحاجة، وبعد ما تمشوا من هنا هيطلع على القصر زي ما إتفقنا.

لتدوي تلك الصرخة بقلب ذلك الثائر الذي ركض نحو غرفة العمليات وتبعه "علي"، ليجدا من يركض نحوه محركًا رأسه برفض :
- مش "حاتم" يا "ثائر".... مش "حاتم".

دون أن يجاوبه "ثائر" بكلمة كان الطبيب إنضم إليهم طارقًا رأسه لأسفل مرددًا بأسي :
- البقاء لله..... أستاذ "حاتم".

******
عودة للوقت الحاضر.

إلتفتت "علي" نحو "حاتم"، مرددًا بإمتنان :
- شكرًا على تعاونك معانا يا "حاتم"....

وإلتفتت نحو "حمزة" مردفًا بثبات :
- الورق الأصلي في الحفظ والصون يا "حمزة".
أستأذن أنا بقا عشان ورايا تحقيق...

وإلتفتت نحو "ملك" مرددًا بجدية :
- حضرة النقيب" نور ذو الفقار" ممكن تودعيهم وتحصليني على المديرية.

أدت "نور" التحية العسكرية بهمة وصرامة، مردفةً بثبات :
- أوامر سيادتك يا فندم.
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السابع والعشرون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة