-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثاني والثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل الثاني والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثاني والثلاثون

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثاني والثلاثون

 تململ في فراشه بتكاسل وسعادة ، ليدُق جرس تنبيه بإزاحة ذلك الثقل الذي إعتلي صدره لساعات ربما تكون طويلة. تلمس الفراش الخالي جواره بيده ، ليتسلل إلى مسامعه صوت تلك الشهقات المتقطعة.


إنتفض جسده بقوة، لتتسارع دقات قلبه بذعر جليّ، فيرتفع بجذعه كثيرًا حتى إستقام بجلسته فاتحًا عيناه، ليبحث عنها بلهفة بين جنبات الغرفة، حتى إستقرت عيناه نحو تلك الساجدة بين يدي ربها بتضرع وخشوع متمتمةً ببعض الأدعية التي يخالطها الكثير من البكاء، لتتمرد بعض الشهقات بين آنٍ وآخر.


قبضة قوية إعتصرت قلبه، ليُزيح ذلك الدثار عنه وينهض من فراشه بتوتر وقلق، فبكائها كسهام نارية تخترق قلبه لتحرقه. يدلف إلى حمام الغرفة الخاصة بعالمهما السري، فيفتح صنبور المياة ويدفع كامل جسده تحت المياه الباردة ليبدأ بالإغتسال.


دقائق سريعة وكان قد أتم إغتساله ليلتقط ثوب الإستحمام الخاص به منتعلًا بأرجله، ويغادر الحمام متجهًا نحو خزانة ملابسه. يلتقط تلك الثياب الرياضية ليرتديها مصففًا خصلات شعره بمهارة، فتعزف سيمفونية رائعة للوسامة والجاذبية.


وضع ما بيده أعلى طاولة الزينة وإلتقط زجاجة العطر الخاصة به ليبدأ بنثر ذراتها فينتشر عبقه بالمكان ويتسلل إلى أنفاس تلك الساجدة بتضرع،فترفع جذعها وتتمم صلاتها مسلمةً.


رفعت أناملها نحو وجنتاها كي تزيل دمعاتها المنهمرة، إلا هناك من سبقها بأنامله الحانية وبدأ يُزيلها بعيونٍ عاشقةٍ، ليجلس إلى جوارها مستندًا إلى ركبيته، فيردف بنبرة دافئة :

حرمًا يا حبيبتي.... ليه ماصحتنيش نصلي مع بعض ... ولا أنا كنت إمام غلس في صلاة العشا .


رفعت عيناها المتلألئة بقطرات دامعة، لتتنهد بمشقة محركةً رأسها بنفي، مردفة :

بالعكس.... وإنت بتئمني للصلاة بتفكرني ببابا بالظبط لما كان يصحى عشان قيام الليل ويلاقيني بتوضا، وأجرى أفرد سجادة الصلاة ليه.... كانت بتبقى أسعد لحظات حياتي، بحس إني بين إيدين ربنا وضهري وسندي بالحياة جانبي.


إعتدل بجلسته إلى جوارها، ليردف بثبات ومكر :

يعني أنا كمان سندك وضهرك يا "همس"؟... يعني فعلًا بتحسي فيّا حاجات من عمي؟


تنهدت ببعض الراحة، لتُزيل حجابها عنها فتنسدل خصلاتها بجاذبية مهلكة، مردفةً بإبتسامة خفيفة :

طول عمري بحلم إني أتجوز واحد زي "زيزو"... يكون حنين عليًا وعلى أولادنا إن شاء الله،و يفضل يحبني زي "زيزو" ما بيحب "نونا" ولسه شايفها البنت اللي قابلها في أولى جامعة.... يقدر يحترمني ويحتويني، أكون مطمنة طول ما أنا شايلة إسمه، وقبل ده كله يتقي ربنا فيّا ويعرف إني حتي لو كنت مخلوقة من ضلعه الضعيف، إلا إنى قوته وضعفه، ضهره وسنده... يعني زي ما هيقويني على الصعب، هقويه على الأصعب.


إزدادت دهشة "ثائر" ليردف بتساؤل :

ولقيتي فيّا اللي كنتي بتتمنيه يا "همس"؟


أردف بتأكيد :

وأكتر من اللي حلمت بيه كمان..

حنيتك اللي شوفتها في عنيك يوم ماكنت جاي تصالح تيتة "فريدة" رغم القسوة اللي كنت بتحاول تظهرها.... بس زي ماقولتلي قبل كده، عنيك مابتعرفش تكذب وده اللي أنا متأكدة منه، حتى لو لسانك قال عكس كده.... ويوم ما الحيوان "قاسم" كذب عليك وخدعك بصور ورسايل متفبركة.... أي راجل في مكانك كان زمانه طلقني

و رماني في الشارع، بس إنت يومها صرخت وقولتلي، إننا هنستنى فترة عشان خاطر باباكي، يعني عملت خاطر لإنسان المفروض إنك بتشك في بنته، وخوفت عليه من الصدمة..... كنت بشوف الحرب اللي بين قلبك وعقلك،وماكنتش فاهمة أسبابها.... لحد اليوم اللي إعترفتلي بأسبابك، اليوم اللي ماعتش فاكرة تفاصيله حتي، أو عشان أكون دقيقة صورته بقت مهزوزة عندي في الذاكرة، وده برضه بسبب إصرارك إنك تعيد نفس التفاصيل بس بحياة أحلى..... يوم ما إستنجدت بيك في التليفون يوم حادثة "حاتم" رعشة جسمك وإنتي حاضني وبتحاول تهون عليّا مسحت من ذاكرتي قسوتك ، ماهي صعبة قوي على راجل إنه يترعش وهو حاضن حبيبته!!! ..... خوفك وحنيتك علي إخواتك وعلى كل اللي ملزوم منك، وشيلك مسئوليتهم، خلاني أدعي ربنا إني أفضل شايلة إسمك لآخر يوم في عمري.


لتجد سبابته تصم شفتاها، مردفًا بتحذير :

قولتلك مليون مرة، إوعي تجيبي السيرة دي تاني.... إوعي توجعيني تاني يا"همس"... إوعي.... إنسى اللي فات، عشان نقدر نعيش حياتنا من غير ما إحس إنك لسة شايلة زعل في قلبك مني..... روحي كانت بعيدة عني وماصدقت إنها ترجعلي تاني.... مجرد التفكير في إن الحيوان ده أذاكي هو والعقربة والدته بيجنني، وبيحسسني بالعجز إني مقدرتش أحميكي وأبعد الأذى عنك..... كنت بموت ميت مرة في الدقيقة من مجرد التفكير إنه... إنه.....


ليحرك رأسه عدة مرات بنفي، فيزفر زفرة قوية، رافعًا أنظاره نحو تلك الساعة المعلقة بالحائط ليردف بثبات :

الساعة لسه ماجتش تلاتة.... قومي نامي شوية، وأنا هصلي ركعتين شكر لله، وهخرج بره أشم هوا.


رفعت عيناها بتوسل مردفةً بصوت ثابت :

ممكن أصلي معاك؟.... حاسة إني محتاجة لكده قوي دلوقتي، حاسة إن ماشبعتش صلاة....


مدّ يده نحوها لتتسند عليه ناهضةً، ملتقطة حجابها وتبدأ بجمع خصلاتها بشكل عشوائي.


إرتدت حجابها ثانيةً ، فتأملها بعشق مغمضًا عيناه برجاء ودعاء لله عزوجل أن يحفظها له من كل سوء، وأن يُعينه على إسعادها وحمايتها، وأن يرزقهما بالذرية الصالحة، ليلتقط سجادة صلاة أخرى ويفردها أمامه وينتوي صلاة ركعتين شكر لله عزوجل.


**************


غرفة "حمزة"


توسدت صدره العاري برأسها لتتسمع إلى دقات قلبه المتنغمة بأحرف إسمها، خصلاتها المبعثرة تواري عضلات صدره القوية، لتزيد إبتسامتها توهجًا مردفةً بسعادة وهي تحتضن خصره بذراعيها :

أنا مش مصدقة إني بقيت مراتك يا "حمزة" وإني بقيت خلاص في حضنك وبين إيديك.


رفع يده نحوها ليمسد خصلاتها بحنان، مردفًا بتأكيد :

صدقي بقا يا مجنونة... من ساعة ما دخلنا الأوضة وإنتي مشغلة الإسطوانة دي... أنا مش مصدقة.. أنا مش مصدقة.... قوليلي هتصدقي إمتى؟... أو أجبلك إثبات أكتر من اللي إحنا فيه ده إيه؟... قولي بس والله؟ !!!

أتجوز "ملك" قصدي حضرة الظابط "نور" عشان يبقالك ضرة وتصدقي.


هبت جالسةً لتكور قبضتها، و تلكمه بقوة بصدره وعلامات الغضب والسخط تنهش معالم وجهها، لتصيح حانقة :

تتجوز مين ؟!!

ده أنا كنت أقتلك يا"حمزة" وأقتل حضرة الظابط اللي فرحان بها قوي دي... وأنا مجنونة وأعملها... فاهم... .


ضرباتها القوية لاتحركه إنشًا واحدًا ولا تقوى على ذلك الصوان، ليرفع أحد حاجبيه مستنكرًا :

يعني كل مشكلتك في حضرة الظابط؟!!

يعني أي واحدة تانية عادي؟!!


إعتدلت بجلستها لتجثو على ركبتيها وتنهال عليه بلكمات كلتا يداها، هاتفةً بسخط :

ولا أي واحدة خلقها ربنا تجيب سيرتها على لسانك... فاهم يا إبن "السيوفي".


قيد كلتا يداها بقبضته القوية، ليزيح خصلاتها المتمردة بإغراء على عيناها خلف أذنها، ويقترب منها هامسًا بأنفاس مشتعلة لفحت وجنتاها :

ولا أي واحدة خلقها ربنا ممكن تشغل بال إبن "السيوفي" غير أميرة "السيوفي"....


ليشير بسبابته ووسطاه نحو مضخته العارية:

ولا عمر ده هينادي بإسم غير إسمك، ولاعمره هتسكنه واحدة غيرك، وعيوني لو شافت غيرك يكون قلتها أحسن..... إنتي اللي من دمي... إنتي اللي شبهي يا"يوكا".... إنتي حب عمري اللي ماكونتش معترف بيه.... إنت الحياة.


تسارعت دقاتها، ليعلو ويهبط صدرها لاهثًا بأشواق جارفة ، لترتكز الأنظار نحو تلك الشفاه التي تتأهب للبوح بمكنونات الصدور وخباياها، ليقتربا بعشق جرفهما إلى عالم خاص فيذوبا ببحور هوي خفق به الفؤاد.


***************


غرفة "خالد".


تململ في فراشه بقوة مقصودة، يتعمد الإصطدام بها مرارًا وتكرارًا، لكنها لازالت تغط بسبات عميق وتلك الإبتسامة المرحة تزين ثغرها بجاذبية. سحب نفس عميق ويزفره بقوة دافعًا إياها بقدمه، ليطرحها أرضًا هاويةً من أعلى الفراش. دوت صرخة قوية بأرجاء الغرفة، لتتلمس ظهرها متأوهةً بقوة، لكنه تصنع النوم بإحترافية ومهارة.


تعالت تأويهاتها المتألمة، لتشرئب بعنقها لأعلى صارخة بغضب:

"خاااااااالد" يا "خااااالد".


إنتفض جسده بقوة مصطنعة، لينهض معتدلًا بجلسته، باحثًا عنها بالأرجاء، هاتفًا بصياح :

"ضحى".... "ضحى"... إنتي فين يا" ضحى"؟!!


تشبثت بيدها بأطراف الفراش، لتعلو بجذعها إلى أعلى مردفةً بتألم :

أنا هنا يا "خالد".


إنبطح بجذعه على الفراش ليقترب منها برأسه مردفًا بإستنكار :

إيه اللي منيمك على الأرض يا حبيبتي؟!!!

فيه عروسه جديدة تسيب سريرها وجوزها وتنام على الأرض؟!!

لحقتي تزهقي مني "أدودي"؟!!!


نهضت مستندة بيدها على أطراف الفراش لتقف منحنية قليلًا ولازالت تتلمس ظهرها، لترمقه بنظرات تطاير منها نيران الغضب، لتصرخ بقوة :

اللي منيمي على الأرض، إني البيه جوزي بيشلت وهو نايم، مش عارف ينام زي البني أدمين... ، لو فضلت بالأسلوب ده في النوم تتفضل تنام في حتة تانية.


لتدفعه بعيدًا بيدها، لكنه لازال متسمر بمكانه، لتهتف بصياح :

إبعد خليني أتنيل وأنام في أم الليلة دي.


رمقها من خصلات شعرها إلى أخمص قدميها بنظراته الوقحة، فكانت ترتدي منامة حمراء قصيرة عارية الصدر والأكتاف، وخصلاتها مبعثرة بشكل عشوائي، فزادها جاذبية وإغراء، ليهمس "خالد" بخبث :

تنامي إيه؟ وبتاع إيه يا "دودي"!!!

هما اللي ناموا يعني أخدوا إيه؟!!

الفرص الحلوة دي مابتتكررش كتير... إسمعي مني.


رفعت "ضحي" أحد حاجبيها بسخط، وكلتا يداها تتوسط خصرها النحيل، لتردف مستنكرة :

الفرص الحلوة؟!!!

فرص إيه دي بقا يا حبيبي؟!!

الساعة تلاتة.... يعني داخلين على الفجر...

وبعدين أنا عايزة أنام، فرصة سعيدة حضرتك.


لتفترش الفراش إلى جواره، مغمضةً عيناها بإستسلام، لتجد من يداعب خصلاتها برقة دامغًا قبلة حارة بالقرب من شفتاها، هامسًا بعذوبة :

"دودي"... "دودي"... إصحي عشان خاطري.


ذمت شفتاها بطفولية، لتردف بتذمر :

نعممم.... نعم يا أخرت صبري... صحيت أهو... أؤمر حضرتك.


لتنهض جالسة بالفراش، فيقترب منها منهالًا عليها بوابل من القبلات الحارة، وسط سعادتها الخجلة، ليتوقف بشكل مباغت، هامسًا بعشق :

ممكن أطلب منك طلب صغير.؟


أومأت له برأسها دون التفوه بحرف واحد سوي دقاتها المتلاطمة التي تسللت إلى مسامعه، ليردف برجاء :

ممكن تعمليلي أكل.... جعان ومش عارف أنام من الجوع.


لتتسع حدقتاها من الصدمة، وتتعسر كلماتها المستنكرة :

أ.... أكـ...ل.... جـ... ا... عـ.... ا... ن.


أومأ برأسه قبل أن يردف برجاء :

والله جعاااان... ومش عارف أنام.... بالله عليكي تقومي تعمليلي أي حاجة أكلها.


علامات الغضب كست ملامحها، لتصك أسنانها مردفةً :

قصر طويل عريض زي ده، ومفيهوش شغالين يعملولك أكل، وجاي تصحيني عشان أعملك أنا الأكل.


حرك رأسه نافيًا، وأردف :

ماهما أخرهم للساعة ١٢ ويقفلوا المطبخ، بعد كده اللي عايز ياكل يخدم نفسه بنفسه، دي تعليمات "فريدة" هانم.


ضيقت "ضحى" عيناها بتركيز، فكل هذا لم يعنيها بشئ، لكن ماتفكر به ويشعل نيران غضبها، أنه كان متقصدًا أن يدفعها عن الفراش ليوقظها، لتصيح غاضبةً :

يعني إنت كنت قاصد توقعني من السرير عشان تصحيني وأعملك أكل؟!

يعني توقعني الواقعة اللي كسرت ضهري دي عشان جعان؟!

يعني داخل عليًا بالفيلم الرومانسي ده عشان المطبخ قفل ومش لاقي حد يأكلك؟!!

يعني بتلعب بمشاعري عشان بطنك يا "خالد"؟!!


لتلتقط وسادتها وتنهال عليه بالضربات المتتالية، لينهض من الفراش راكضًا بالغرفة، ليهتف بإستجداء :

جعان يا "دودي"... أروح لمين يعني؟

لو ماكانتش مراتي هي اللي تأكلني، مين هيأكلني؟!


إلتفتت يمينًا ويسارًا باحثة عن شيئا ما تقذفه، لتلتقط تلك المزهرية، وتدفعها نحوه، صارخة بغضب :

وأنا اللي كنت مفكرة إنك عا.......


دنى "خالد" بجذعه قليلًا، لتستقر المزهرية بالحائط ويتطاير شظاياها بالأنحاء، فيرمقها "خالد" بدهشة مردفًا :

إنتي بتفكري في الحاجات دي يا "دودي"؟!!

والله ماعرف.... عمومًا هاكل ونشوف الموضوع ده مع بعض يا حبيبتي.


ليجد وحش مفترس ينقض عليه بغضب جامح. لكمات قوية تنهال بفكه، برأسه، بظهره، بجميع أنحاء جسده، توازيها صرخات، وصيحات ساخطة :

حاجات إيه اللي بفكر فيها يا متخلف إنت؟!!

الأفكار السافلة دي دماغك إنت يا أهبل.

ورحمة أبويا يا "خالد " مش هسيبك غير ماتقول حقي برقبتي.... فاهم.


تصنع "خالد" التألم، ليهتف برجاء :

خلاص.. خلاص يا "دودي".... فعلًا الأفكار الشمال دي في راسي أنا بس... خلاص والله.


ليلتقط تلك الوسادة وينهال عليها باللكمات المازحة، وسط صيحاتها وغضبها المحتقن.


****************


أحد المشافي الخاصة.


تحديدًا غرفة العمليات.


"عبد العزيز " إفترش تلك الطاولة الجلدية، وتلك الأسلاك والأنابيب المتصلة به تخبرهم بتوتر حالته الصحية، طاقم كامل من أكفأ أطباء المشفى يلتف حوله، ليجري تلك الجراجة الدقيقة بمهارة وإحترافية.. نظرات الطبيب موزعة مابين شاشة إشعار وظائفه الحيوية، وبين ذلك القلب المفتوح الذي يتعامل معه بدقة وكفاءة.


أما خارج غرفة العمليات.


جلست "حنان" إلى أحد المقاعد المعدنية، وبيدها كتاب الله تتلو بعض آيات سورة ياسين ودمعاتها تنهمر ببذخ لتشوش رؤيتها لكلمات الله عزوجل. تزيل الدمعات متنهدة بقوة وعزيمة تنفيذًا لوصية شريك رحلتها وسندها بالحياة، لتُكمل تلاوة بخشوع.


إستند "عمر" بكامل جسده على ذلك الحائط وحالة من الرفض التام والذهول تسيطر عليه وتجذبه لعالم آخر، مقاومات عنيفة للتصدي لتلك الدمعات اللعينة، فإحتبسها بمقلتاه بقوة وكبرياء.


"حاتم " حاول الإتصال مجددًا بـ "ثائر" للإطمئنان عن وصوله إلى المشفى، ولكن كانت تلك الخطوات الراكضة نحوهم هي جوابه الصحيح.


ركض "همس" نحوهم بدموع غزيزة رافقتها شهقات متقطعة، ليخلفها "ثائر"... "ضحي"... "خالد"... "حمزة"... "هيا"... "نجلاء " و "فريدة".


لتجد من يندفع إلى أحضانها، ويتشبث بها بقوة، دافنًا رأسه بعنقها، ليكتم شهقاته الملتاعة، فتشدد هي الأخرى من إحتضان شقيقها متشبثة بكتفاه، ليستمدا قوتهما من بعضهما البعض. يهمس "عمر" بصوت متحشرج :

بابا يا" همس"...." بابا".


تشبثت بقوة بقميصه، لتهمس إلى جواره بيقين :

إن شاء الله هيعدي منها على خير يا حبيبي.... "زيزو" قوي، وعارف إننا من غيره نموت.


عناق أشقاء بقلوبٍ تئن وتلتاع بكبرياءٍ وشموخ. قوة غامضة تسري بأوردتهما ليستقويا ببعضهما البعض متنهدين براحة ويقين بلطف المولى عزوجل.


بينما ركضت "فريدة" و "نجلاء" نحو "حنان" لتحتضنها "فريدة" بقوة، مردفةً بمواساة :

إن شاء الله هيرجع لنا بالسلامة... أستاذ "عبد العزيز " راجل مؤمن وصالح، وربنا مش هيضرنا فيه أبدًا ياحبيبتي.


كما ربتت "نجلاء" على كتفها مردفةً بأخوة :

والله يا حبيبتي ربنا هيلطف بينا، وهيخرج منها بالسلامة عشان كل اللي بيحبوه بيدعوله من قلوبهم.


ليجذب "ثائر" ذراع "حاتم" ويتنحيا جانبًا، فيردف بثبات :

إيه اللي حصل بالظبط؟

مافهمتش منك حاجة في التليفون.


زفر "حاتم" زفرة قوية، ليردف بأسي :

أنا يدوب كنت داخل القصر لقيت "عمر" بيتصل على رقمي وصوته كان مخنوق بالعياط ، وبيقولي إنه بيرن عليك إنت و"همس" من بدري وتليفوناتكوا مقفولة، وحكالي إن والده وقع في الأوضة ومابيردش... ركبت العربية، وجريت عليهم، يدوب وصلت عند العمارة لقيت عربية الإسعاف بتتحرك و"عمر" و "طنط" في الحالة اللي إنت شايفها دي... إتصلت بيك كتير جدًا بس التليفون مقفول... لحد ما فتحته ولقيتك بترن عليّا.


فرك "ثائر" وجهه بكفه متنهدًا بحنق، ليردف بجدية :

الدكاترة شخصت الحالة إيه؟


أردف "حاتم" بحزن :

كان متقرر له عملية قلب مفتوح من فترة، وأهمل كلام الدكاترة وإكتفي ببعض الأدوية، بس لو كنا إتأخرنا شوية، كان ممكن لاقدر الله يتوفى... عمومًا هنشوف دكتور الحراجة هيقول إيه؟


أغمض "ثائر" عيناه بأسي فهو حقًا يكن الكثير من المحبة لهذا الرجل الحنون الذي يجود بعطفه وطيبته على جميع من يلقاه بالحياة، فدائمًا ماكان أجمل مثال للعطاء دون مقابل، فمشاعره الجياشة تحاوط الجميع كدرعٍ واقٍ ضد قسوة الحياة وتلاطمها، ليزفر زفرة قوية مردفًا بصرامة :

حساب المستشفى يدفع كله، أي أدوية تتجاب في لمح البصر، لو محتاج متابعة برة مصر نسفره بعد الجراجة مباشرة.


ليربت "حاتم" على ذراع "ثائر"، مردفًا بجدية :

ماتقلقش... أنا سبتلهم الفيزا في الحسابات تحت، وإديتهم أوردر بسحب أي مبلغ مطلوب عشان الجراحة أو الأدوية أو الإقامة.... وهنشوف الدكاترة هتخرج وتقول إيه، وعلى أساسه هنتصرف.


إقترب "خالد" و "حمزة" من "عمر" الذي لازال يتشبث بأحضان شقيقته، ليربت "خالد" على ظهره بحنو، مردفًا بمشاكسة للتهوين عنه :

عمي "عبد العزيز " قوي يا "عمور" ما تقلقش عليه، بإذن الله هيقوم لنا بالسلامة، ويخاويك كمان ويدخلك الجيش يامعلم.


سحب "عمر" نفسًا قويًا، و زفره بهدوء مستجمعًا كامل طاقته، ليكون سندًا لوالدته وشقيقته، فيربت على ظهر "همس" بحنان، مبتعدًا عنها قليلًا، ليردف بإبتسامة مترددة :

ماتخافيش يا حبيبتي، بإذن الله هيرجع لنا بالسلامة، وينور بيته من جديد، وهيبقي طول عمره السند والضهر لينا.


فيلتفت نحو "خالد" بإبتسامة متذمرة :

يخاوي مين بقا يا كابتن؟!!!

ومين ده اللي يدخل الجيش؟!!!

ده أنا كده أحبسه في أوضة لوحده، وأخلي "نونا" تنام في أوضة "همس".

قااال أدخل جيش قااال.


ربت "حمزة" على كتفه، مردفًا بإبتسامة خفيفة :

ربنا يطمننا عليه يا حبيبي، ربك كريم وهيلطف بينا بإذن الله.


جثت "ضحي" على ركبتيها أمام "حنان " لتربت على ركبتها بأسي، رافعة عيناها المتلألئة بدمعات القلق والترقب ، لتردف بأحرف إختنقها البكاء :

إن شاء الله هيقوم لنا بالسلامة يا ماما، ماهو ربنا مش هيوجع قلبي عليه، ده أبويا اللي ماسبنيش يوم، ولا فرق بيني وبين "همس" و "عمر" في المعاملة، أبويا اللي وقف جانبي وسلمني لجوزي بإيده، أبويا اللي كان نعم السند والضهر ليّا، أبويا اللي مخلفنيش.... والله أبويا يا ماما.... مش أبو صاحبتي وصاحب بابا.... النهاردة بس إتأكدت فعلًا إنه أبويا بجد.... هيقوم عشانك وعشان "همس" و "عمر"، عشان كل اللي شايفاهم حواليكي دول، هيقوم عشاني أنا محتاجة حضنه قوي يا ماما... محتاجاه قوي.. قوي.


لتتعالي شهقاتها الملتاعة، فتحتضنها "حنان" بقوة مربتةً عليها بحنان، لتردف بيقين :

إن شاء الله يا بنتي هيقوم عشاننا كلنا.


إنضمت إليهم "هايدي" راكضةً وعلامات القلق والتوتر تكسو ملامح وجهها، لتقترب من "همس" مردفةً، بنبرة يشوبها التلعثم :

عـ... مي... عمي عامل إيه دلوقتي يا "همس"؟


أومأت لها "همس" برأسها قبل أن تردف بأسي :

لسه في العمليات ومحدش خرج يطمننا عليه، إدعيليه يا"ديدا"... إدعيليه.


لتجد من يجاوبها :

ألف سلامة على باباكي يا مدام "همس".


رفعت" همس" عيناه خلف "هايدي"، لتتنهد بهدوء مردفةً :

الله يسلمك يا أستاذ "أحمد "، ماكانش له لزوم تتعب نفسك وتيجي لحد هنا.


أردف "أحمد" بهدوء :

ولا تعب ولا حاجة، ماهو ماكانش ينفع أسيب "ديدا" تيجي في الوقت ده لوحدها.


أغمضت "هايدي" عيناها بنفاذ صبر، متنهدةً بقوة، لتفتح عيناها مردفةً بحنو :

إطمني يا حبيبتي، ربنا هيجبر بخاطرنا كلنا، وهيقومه لنا بالسلامة بإذن الله.


مرت الساعات كدهورٍ طويلة أثقلت أنفاس الجميع بثقل خطواتها. البعض يحتل مقعده يتلو بعض الآيات القرآنية، ويتضرع لله بالدعاء، البعض يستند بكامل جسده على ذلك الحائط البارد ليستمد منه بعض القوة والصلابة ليستقوي بها أمام الجميع، البعض يراقب خطوات عقرب الثواني بأنفاسٍ متقطعة، البعض نيران قلقه تستعر لتنهش جدران قلبه بلا هواده، الكل تنهشه معالم القلق والترقب.


لحظات وإنطفأت تلك اللمبة الحمراء التي إعتلت باب غرفة العمليات، لينفتح قليلًا ويعبر خلاله ذلك الطبيب بملامح متجهمة فيهب الجميع راكضًا نحوه بترقب، ليردف "ثائر" بحدة :

خير يا دكتور، طمننا.


تنهد الطبيب براحة مردفًا بجدية :

حالة القلب كانت سيئة جدًا، وأي تأخير في الجراحة كان هيدخلنا في حسابات تانية تمامًا.


ليردف "عمر" بغضب :

حضرتك مش بتدي محاضرة لطلبة عندك في الكلية، طمننا على حالة بابا لو سمحت.


فأردف الطبيب بجمود :

العملية كانت صعبة جدًا بس الحمد لله عدت على خير، ونقلناه العناية الفائقة، إدعوله الـ ٢٤ ساعة الجاية تعدي على خير، والحالة تستقر.


غادر الطبيب تاركًا الجميع يشتعل بنيران القلق والترقب، ليلتفت "ثائر" نحوهم، مردفًا بثبات :

إن شاء الله الحالة هتستقر، والساعات الجاية هتعدي على خير... "خالد" ممكن تاخد ماما وتيتة والبنات وترجعهم القصر، و"حاتم" تاخد "عمر" وطنط وترجعهم البيت، و"هايدي" هترجعي مع إبن خالتك؟.. ولا هتروحي مع طنط و"عمر"؟


حركت "حنان" رأسها نافية بصرامة :

مش هسيب جوزي وأروح، مش هرجع بيته من غيره... مش هسيب "عبد العزيز ".. مش هسيبه.


ربت" ثائر" على يدها مردفًا بحنو:

الساعة عشرة الصبح يا حبيبتي، روحي البيت ريحي شوية وغيري هدومك، وإرجعي تاني، وأنا والله هفضل جانبه مش هسيبه.


تشبث بكلتا يديها بيد "ثائر"، لترمقه بنظرات متوسله، مردفةً ببكاء :

مش هقدر أسيبه يا"ثائر"... مش هقدر أخطي عتبة بيته من غيره، والله ما هقدر أبعد عنه لحظه، والله ماهقدر.


أغمض "ثائر" عيناه بلوعة إحرقت ثنايا قلبه، ليتنهد بأسي لحال "حنان"، فيفتح عيناه دانيًا من رأسها ليقبلها بحنان، مردفًا بود:

خلاص ياحبيبتي، إنتي خليكي هنا وأنا هتكلم مع إدارة المستشفى تحجزلك أوضة وبالمرة تعملي فحص شامل، بس "عمر" هيروح مع تيتة وماما على القصر.


أغمضت "حنان" عيناها بإمتنان، لتفتحها مردفةً بعرفان :

ربنا يخليك ويحميك يا إبني، بس معلش "عمر" لازم يروح الشقة يجيبلي حاجة وبعد إذنك "حاتم" يوصله و يبقى يرجعه هنا تاني.


لتجذب يد "عمر" بعيدًا، وتميل نحوه هامسةً بخفوت :

هتروح الشقة، وهتدخل أوضتنا.. هتفتح درج الكومود اللي جنب السرير، هتلاقي مفتاح الدولاب بتاع بابا، هتفتحه وهتلاقي في وشك صندوق فيه فلوس العملية، تجيبها وتيجي على الحسابات تدفعها، وهات هدوم ليا عشان اللي يسألك تقوله إنك كنت بتجيب هدومي... يلا ماتتأخرش.


أومأ لها برأسه، ليلتقط يدها ويدمغ قبلة حب وتقدير لوالدته، مردفًا بحنو :

حاضر يا ست الكل، مسافة الطريق وأكون عندك، لو إحتاجتي حاجة كلميني.


إنضمت لهما "همس" بدمعات متحجرة بمقلتاها، لتردف بحشرجة :

فيه إيه يا ماما؟.... محتاجة حاجة؟


ربتت "حنان" على يد إبنتها بإبتسامة باهتة، لتردف بحنان :

مفيش حاجة ياحبيبتي، يلا إنتي روحي مع حماتك.


حركت "همس " رأسها نافية، لتسيل دمعاتها فيضانًا، فتردف :

مش هسيب بابا، ولا هسيبك لحظة واحدة، يروحوا هما، لكن أنا بنته ومش هسيبه.


لتتنهد "حنان" بألم، مردفةً برجاء:

يا بنتي روحي إنتي وتعالي بليل، كده كده بابا مش هيفوق دلوقتي، وأنا موجودة جانبه لو فيه حاجة هتصل بيكي.


حركت "همس" رأسها بقوة أكبر، نافيةً بإصرار :

مش همشي يا "نونا"... مش هسيب "زيزو" لوحده، مش همشي غير لما يفوق ويكلمني.


غادر الجميع المشفى كل إلى مقصده بعد مناوشات طويلة مع "ثائر" فالجميع كان اديه الرغبة بالبقاء والإطمئنان على صحة "عبد العزيز "، ليقنعهم بالذهاب والرجوع ليلًا للإطمئنان عليه ، ويتبقي "حمزة" الذي إقترب منه "ثائر" مردفًا بثبات :

معلش يا"حمزة" لازم تروح المجموعة، فيه إجتماع مهم مع الوفد الألماني.. مقدرتش أأجله لأن طيارتهم الساعة خمسة مساءًا، وأنا مش هقدر أسيب الجماعة هنا لوحدهم.


رمقه "حمزة " بجدية، مردفًا :

ماتقلقش يا"ثائر" الإجتماع هيتم كأنك موجود بالظبط،خليك إنت مع مراتك وأهلها، وأنا هخلص وأجيلك على هنا.


ليغادر "حمزة" هو الآخر متجههًا نحو "السيوفي جروب"،


إلتفت "ثائر" نحو "حنان" و"همس" التي أصرت على البقاء إلى جوار والديها. ليخطو نحوهن بخطي رزينة، ويغمر ملامحها بنظراته العاشقة التي أقسم بها على رغبته في إختطافها وأسرها بين ذراعيه للأبد، يود أن يزيل دمعاتها المتدفقة بشفتاه الملتهبة، يود أن ينزع الحزن والألم عن قلبها، يود أن يأخدها لعالمه الآمن، ليردف بنبرة عاشقة :

إتفضلوا إنتوا على الأوضة عشان ترتاحوا شوية،وأنا هروح للدكتور وأجيلكوا على طول.


إستدار مغادرًا، ليجد ذلك الدفء الآسر يتشبث بيده، فيُذيب قلبه ويُصهره، لتصرخ دقاته إشتاقًا لأنفاسها. فأغمض عيناه بقوة، ليزفر زفرة خفيفة أرفق بها مشاعره الجياشة، فلا المكان ولا الزمان يصطفا إلى جانبه، ويستدير نحوها رامقها بنظرات حانية، لتردف هي برجاء :

ممكن آجي معاك للدكتور، عشان أطمن على بابا.


رفع "ثائر" أنظاره نحو "حنان"، ليردف بود :

تمام... نوصل ماما أوضتها ونروح مع بعض للدكتور.


************


حي "عبد العزيز"


توقفت سيارة "أحمد " أمام البناية، لتترجل عنها "هايدي" متجهةً إلى الداخل، ويتبعها "أحمد" بعدما تأكد من غلق أبواب السيارة.


توقفت سيارة "حاتم" ، ليلتفت نحوه" عمر" مردفًا بإمتنان :

مش عارف أشكرك إزاي يا "حاتم "، وقفتك معانا طول الليل وتوصيلك ليا لحد هنا، كتر خيرك.


ضغط "حاتم" عجلة القيادة بقبضتاه القوية، ليزفر زفرة أقوى أنفس بها نيران غامضة، مردفًا بود يناقض إختلاط مشاعره :

لو قولت الكلام ده تاني يا "عمر" هزعل منك، إحنا أهل وإخوات وعمي "عبد العزيز " غالي علينا قوي ، وأعتقد لو أنا في نفس الموقف ده مش هتسبوني، ولا إيه؟!!


إنفرجت إبتسامة خفيفة من ثغر "عمر"، ليردف :

أكيد طبعًا إحنا أهل وأكتر، وربنا يديم مابينا المحبة والود يارب....

عمومًا.. هطلع أجيب هدوم لماما وأنزل على طول.


ليومأ له "حاتم " برأسه قبل أن يردف :

تمام... وأنا هطلع الشقة أخد شاور على السريع وأغير هدومي، وأرن عليك تنزل.


فتح "عمر" باب السيارة، مردفًا بتأييد :

تمام جدًا... أكون أنا كمان أخدت شاور وغيرت البدلة دي.


*********


مدخل بناية "هايدي"


دلفت إليه بغضب غامض ومجهول الأسباب، زفرات نارية تنفسها بقوة، معالم وجهها لاتوحي بخير، دقات متشابكة يتعالي بها قلبها، أفكار مشوشة تنهش عقلها.


لتجد من يجذب يدها ويستوقفها بوقاحة، مردفًا بخبث :

"ديدا" إستني... محتاج أتكلم معاكي قبل ما نطلع عند طنط.


إستدارت كليًا نحوه، لتعقد ذراعيها أمام صدرها، مردفةً بسخط :

هنا يا "أحمد"؟!!.. عايز تتكلم معايا على السلم؟!!


أردف بمكر :

معلش هو سؤال وهسأله، وهمشي على طول.


زفرت زفرة قوية، لتردف بإستياء :

إتفضل.. بس بسرعة لأن وقفتنا هنا شكلها مش لطيف.


تنهد "أحمد" بقوة، مردفًا بتساؤل :

إنتي ليه رفضاني؟.... شايفة فيّا إيه وحش اترفض بسببه؟


حركت هايدى" رأسها، ذامةً شفتاها، لتردف بلا مبالاة :

مفيش حاجة معينة، ولا شايفة فيك حاجة وحشة... بس إنت مش أكتر من إبن خالتي، وعمرك ما هتكون أكتر من كده بالنسبالي.


إقترب منها بنظرات وقحة، ليكتم أنفاسها بيده، ويدفعها أسفل ذلك الدرج، منهالاً عليها بوابل من القبلات المقززة، ويحاول تمزيق ملابسها في حالة من الدونية والوحشية.


دلف "حاتم" إلى البناية بإرهاق جليّ، ليصعد تلك الدرجات الرئيسية متجههًا نحو المصعد، فيضغط زر هبوط المصعد بهدوء، وينتظره قليلًا، لتنفتح أبوابه تلقائيًا.


دلف "حاتم" إليه بثبات ضاغطًا زر الصعود، لتتسلل إلى مسامعه أصوات مكتومة، مابين تأويهات وأنين، وبين أصوات تمزق ثياب. ليسترق "حاتم" السمع، ويغادر المصعد متبعًا تلك الأصوات، فإتسعت عيناه صدمة، وجذب ذلك القذر منقضًا عليه بسيل من اللكمات والركلات الغاضبة، ومتفوهًا بألذع السُباب وأغضبه، ليطرحه أرضًا غارقًا بدمائه. إستدار نحو التي إنزلقت أرضًا لتجمع ثيابها فتواري ما كشفه ذلك الوغد وسط سيل من الدموع الذاهلة، لينزع "حاتم" عنه معطفه، وناولها إياه دون النظر نحوها. فرفعت عيناها المتوسلة نحوه، لتتسع حدقتاها صدمة، تبعها إرتطام قوي بالأرض.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثاني والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة