-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الرابع والثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الرابع والثلاثون

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الرابع والثلاثون

 مضى أسبوع كامل على أبطالنا بأحداث هادئة نوعًا ما مابين تحسن حالة "عبد العزيز " الصحية ومغادرته المشفى وسط سعادة وسرور من الجميع، وبين إعتراف "ضحي" بعدم حدوث ذلك الحمل المزعوم من قبل هذا الأحمق "خالد" وغضبها منه وإجتنابها للحديث معه، بل إتخاذها لتلك الأريكة كفراشٍ يجافيها به النوم إشتياقًا لعبق عطره الذي يسكرها، وصدره الآمن الذي تتوسده كل ليلة.


محاولات عديدة من "خالد" لإستجداء صُلحها ومسامحتها له ، إلا أن جميعها بائت بالفشل.


بينما إشتعلت علاقة "ثائر" و"همس"، رومانسية و بعض الجرأة الخجولة.


لتتوهج علاقة "هيا" و "حمزة" مسطرة أسطورة عشق متيم إنضم لأساطير عشاق "السيوفي".


أما "حاتم" فأهلك قواه الجسدية والذهنية بالعمل الهندسي الشاق والتنقل من موقع عمل إلى آخر ، أما ذلك الفؤاد الذي تكبر

وقسي بعدما رفضته "هايدي" رفضًا قاطعًا فأنهك صماماته غضبًا وقسوة، ليعبر بتلك المرحلة إلى بر اليأس والخذلان، أو هذا ما إعتقده.


فجميع رجال السيوفي يقومون بأعمال المجموعة بإحترافية ومهارة فائقة، فكل منهم لديه الدافع والحافز للإنجاز.


أما الفتيات فقد عادت لدراستهن بالجامعة، فالوقت قد قفز، والإمتحانات النهائية لم يتبقى لها سوي القليل، وقد أضاعن الكثير من الدروس والمحاضرات، وحان وقت الجدية والإلتزام.


******


"السيوفي جروب"


تحديداً غرفة الإجتماعات.


إجتماع شهري لمناقشة ماتم إنجازه من أعمال، وما لم يتم إنجازه، ومعاقبة المتخاذل ومكافأة الدؤب المجتهد. وكذلك رسم خطة عمل للأيام القادمة.


تلك الطاولة دائمًا ما يترأسها "ثائر السيوفي" وإلى يمينه "حمزة" وإلى يساره "خالد" ، أما البقية فمدراء الفروع و رؤساء الأقسام.


أما الحائط المواجه لـ"ثائر" والطاولة الإجتماعات فتتوسطه شاشة عرض سينمائي كبيرة، يُعرض عليها رسم بياني لإنجازات وإخفاقات المجموعة للفترة السابقة.


لينهض "خالد" من مقعده بكبرياء وشموخ متجهًا صوب تلك الشاشة بخطي رزينة وواثقة، ويبدأ بشرح الحالة الإقتصادية والمالية للمجموعة بإحترافية ومهارة فائقة.


ناقش مدراء الفروع في إخفاقاتهم وتخاذلهم، ليردف بجدية وصرامة وغضب موجهًا حديثه إلى مدير فرع "السيوفي جروب" بالإسكندرية :

- لو مش قد الكرسي اللي قاعد عليه، يبقى تسيبه لغيرك... ماهو لما تكون مستوي الأرباح بتقل كل شهر عن اللي قبله في آخر ٣ شهور من يوم ماحضرتك قعدت على الكرسي ده، يبقى الكرسي كبير عليك، ويبقى تسيبه للأكفأ.


إنتفض جسد مدير فرع الأسكندرية، لتسري رجفة قوية بيده، موجهًا أنظاره الزائغة نحو "ثائر"، الذي كانت نظراته بركان جحيمي خامد لم يحن وقت ثورانه بعد ، فأكثر ما يكرهه بالحياة التخاذل والإهمال.


لتشتعل نيران الغضب وتتأجج بمقلتي "خالد"، و يضرب بكفيه سطح الطاولة، صائحًا بصوت جهوري حانق :

- لما أكلمك تبصلي أنا، أنا اللي بكلمك مش "ثائر" بيه.... فاهم.


تحرك الرجل بمقعده بتوتر، محركًا رابطة عنقه بإرتباك، ومذدردًا ريقه بصعوبة، ليردف بتلعثم :

- حـ....ضـ...ر...تك.......


إستند "خالد" بكلتا يديه على طرف الطاولة، ومال بجذعه قليلًا للأمام، مردفًا بصرامة وحزم أكبر :

- لو حضرتك حاضر إجتماع لرئيس وأعضاء مجلس الإدراة ورؤساء ومدراء الفروع، ومش عارف تتكلم كلمتين على بعض.... يبقى إزاي بتقدر تدير فرع للمجموعة بحجم فرع الإسكندرية؟!!!!..... ويبقى وجودك وسطنا مالوش تلاتين لازمة، ولا مرحب بيه من الأساس.


أزال الرجل حبيبات العرق الباردة من جبينه بتلك المحرمة الورقية، وسط نظرات "ثائر" الثابتة ، بل المبهمة التي لايستطيع أحدهما فك شفراتها وطلاسمها، ليردف الرجل بثبات ظاهري :

- حضرتك ده ظروف السوق، وده عرض وطلب.


بينما مط "خالد" فمه بإستنكار، وإستقام بوقفته، ليخطو خطاه الرزينة متجههًا صوب ذلك الرجل، ويقترب منه مربتًا على كتفه برجولية وقوة، مرددًا بإستهزاء :

- ظروف السوق!!!

عندك حق والله.....


ولوح بيده في الهواء مردفًا بسخرية وتهكم :

- يعني إحنا كل فروعنا على مستوى الجمهورية هتبقى ماشية زي الساعة؟!!!! ... ودي تيجي!!!

لازم يبقى عندنا فرع يخسر، أهو حاجة كده نخزي بها العين على الأقل .


ورفع أنظاره نحو "حمزة" بنظرات غامضة ، ليغمض الآخر عيناه بتأيد، ويفتحها ونيران الغضب تتراقص بمقلتيه ، فيلتقط أحد الملفات الموضوع أمامه ، ويفتحه ليقلب ببعض الأوراق به، مردفًا بصرامة غاضبة :

- دي ميزانية الـ ٣ شهور اللي فاتت ، وموضح فيها المصروفات والإيرادات وصافي الأرباح...


ويُلقيها بطول يده أمام ذلك الرجل، مردفًا بحدة وصرامة أكبر :

- صح ولا أنا بغشك؟


إبتلع الرجل ريقه بتوتر، ليلتقطها بيد مرتجفةً، ويفض سطورها وأرقامها بعيون زائغة، إلا أنه تنهد ببعض الراحة حينما وجدها تلك الميزانية التي قدمها بنفسه، ليردف بثبات وعملية :

- فعلًا يا فندم... دي ميزانية آخر ٣ شهور للفرع عندنا.


إبتسامة جانبية متهكمة من "حمزة"، وهو يردد بمكر ودهاء :

- متأكد؟


أومأ الرجل برأسه بتأكيد قبل أن يردف :

- متأكد يا باشمهندس.... وحضرتك شايف المصروفات عندنا كانت أكبر من الإيرادات، وكمان حضرتك شايف الخسارة أد إيه كبيرة مش صغيرة لأن أغلب المشاريع اللي عملناها ماحققتش الربح المتوقع منها.


حرك "حمزة" رأسه بإستنكار، ليمط فمه بتهكم، مردفًا بسخرية :

- ما حققتش الربح المتوقع منها!!!!.... إمممممم


وإلتقط ملف آخر، وفض أورقه، ليلتقط إحداهم بطرف أنامله، ويوجهها مقابلة للرجل، مردفًا بسخرية أقوى :

- أومال إيه دي بقا؟!!... تكونش ميزانية الست الوالدة؟!!


جال الرجل بأنظاره الزائغة بين أرقام هذه الميزانية، لتتسارع دقاته رعبًا، وتنتشر حبيبات العرق بجبينه، وترتجف جميع أوصاله وأوردته، كلما تجول بين أرقامها،


نعم..... فهذه هي الميزانية الحقيقية، التي تُشير إلى أرباح محققة تجاوزت ٢٠٠٪ صافي أرباح ، ليبتلع الرجل ريقه الجاف كصحراء قاحلة بأقوى مواسم فصل الصيف وقت الظهيرة، و يردف بتلعثم :

- حـ.... ضـ.... ر... تـ.... ك....... حـ... ضـ.... ر.... تـ... ك.


نظرات ذاهلة من الجميع ما عدا "آل السيوفي"، الجميع تبادل نظرات الصدمة والإستنكار فيما بينهم، لتتوجه جميعها نحو ذلك اللص الخائن الذي سولت له نفسه بسرقة رجال يقظة ومنتبهةً لكل حبة رمال صنعوها بجهدهم وعرقهم. ليتجه "ثائر" بأنظاره الثابتة نحو باب الغرفة الذي إنفتح على مصرعيه ودلفت منه قوات الشرطة وسط نظرات الصدمة الأقوى من الجميع، ونظرات التوسل والهذيان من ذلك الوغد... ليربت "خالد" على كتفه بقوة، مردفًا بغضبٍ جليّ :

- غباءك بس هو اللي صورك إنك تقدر تضحك علينا وتسرق فلوسنا.


ومال نحوه هامسًا بفحيح :

- لسه ما إتخلقش اللي يضحك على عيلة "السيوفي" .


وإرتفع بأنظاره نحو رجال الشرطة، مردفًا بصرامة وجدية وغضب :

- خدوه من هنا.


ألقت قوات الشرطة القبض على ذلك اللص وسط صرخاته وتوسلاته بالمسامحة والغفران، ليكون عبرة وعظة لمن تسول له نفسه بفعل تلك الحماقة مع رجال "السيوفي".


بينما إعتدل "ثائر" بمقعده، مرددًا بجدية وصرامة :

-ممكن نبدأ الإجتماع.


جلس "خالد" إلى مقعده، وإلتقط أحد الملفات، بإبتسامة زهو، وإنتصار، فمنذ شكوكه بتلك الميزانيات ونسبة الخسارة الغير منطقية، وهو يعمل على ذلك الملف في الخفاء حتى تمكن من جمع خيوط اللعبة بيده، ليهتف بجدية وعملية :

-إتفضل حضرتك .


إعتدل الجميع بمقعده، فالكل بات يري قوة ودهاء رجال "السيوفي" الذي كان يسمع عنه فقط....

إذن.. فلا مجال للهو معهم.. لابد أن تكون الأمانة والشرف هي دستور من يرغب في العمل معهم. ليدأ كل منهم بعرض إنجازات الفرع الخاص به بكل شفافية ووضوح.


************


كلية الإعلام.. جامعة القاهرة.


مكتب عميد الكلية.


دقات رزينة تتعالي بباب المكتب، ليرفع عميد الكلية عيناه عن الأوراق التي يطالعها أمامه، ويردف بوقار وجدية :

- أدخل.


فتحت الباب ودلفت إلى الداخل سيدة (وقورة ببداية عقدها الرابع، تتسم ببشاشة الوجه وطيب المظهر ، ترتدي بنطال أسود وجاكيت أسود، وحجاب رصاصي اللون)، لتخطو نحو مكتب العميد مردفةً بجدية :

- باشمهندس "حاتم السيوفي" بره يافندم.


نزع العميد نظارته الطبية عنه، مردفا بجدية وحزم ووقار :

- خليه يتفضل.


إستدارت السكرتيرة مغادرة المكتب بخطي رزينة، وما كانت إلا لحظات حتى دلف "حاتم" إلى المكتب وكان في مقابلته العميد بعدما نهض من مقعده وهمّ إليه، ليمدد يده نحوه مصافحًا إياه بحفاوة وترحاب :

- نورت المكتب يا باشمهندس "حاتم".


بادله "حاتم" المصافحة، ورافقها بإبتسامة ودودة، مردفا بود ومحبة :

- منور بوجود حضرتك يا دكتور.. أتمنى أكون وصلت في ميعادي بالظبط.


لازالت يد "حاتم" والعميد متشابكة بالمصافحة، ليُشير الأخير بيده الأخرى نحو أحد المقاعد، مردفًا بإبتسامة :

- إتفضل حضرتك... وبالنسبة لمواعيدك ساعة الجامعة تتظبط عليها يا باشمهندس... إتفضل.


فتح "حاتم" أزرار حلته، وجلس إلى المقعد بإبتسامة، مردفًا بعملية :

-حضرتك عارف إن الدقيقة في شغلنا بتفرق كتير، وإلتزمنا بالوقت وتقدير أهميته من أسباب نجاحنا بالسوق .


بينما إستدار العميد حول مكتبه وإحتل مقعده، مردفًا بإبتسامة :

-طبعًا يا باشمهندس، عشان كده فرحت جدًا لما مناقصة المبنى الجديد للكلية بتاعتنا رسيت على شركتك.


وإلتقط هاتف المكتب ليضعه نحو أذنه، ضاغطًا زرًا محددًا، مردفًا بإبتسامة :

- تحب تشرب إيه يا باشمهندس "حاتم"؟ .


إبتسم "حاتم" بمجاملة، مردفًا:

-قهوة مظبوطة لو سمحت.


ألقي العميد تعليماته للسكرتيرة بإحضار فنجانين من القهوة، أحدهما مضبوطة، والأخرى سادة، ووضع الهاتف ، مردفًا بجدية وعملية :

-طبعًا إسم "السيوفي" غني عن التعريف، وأي مشروع يتحط عليه الإسم ده في حد ذاته فخر وشرف كبير.


إنفرجت إبتسامة "حاتم"، وأردف بثبات ومجاملة :

- ميرسي لحضرتك يا فندم... وإن شاء الله المبنى يكون جاهز قبل الميعاد المحدد ، وبكفاءة أعلى من المتوقع كمان.


بينما دلفت السكرتيرة بعدما طرقت الباب وأذن لها العميد بالدلوف، لتضع فنجاني القهوة وتغادر موصدةً الباب خلفها، ليردف العميد بسعادة ووقار :

-وده اللي متأكدين منه يا باشمهندس.


وفتح أحد الأدراج اليمينية لمكتبه ملتقطًا أحد الملفات، ليفتحها متناولًا العقود ، مردفًا بعملية :

-ودي العقود.... مجرد ماحضرتك توقعها تقدر تبعت المعدات والعمال ، عشان تبدأ بالشغل في المبني.


تناول "حاتم" العقد ليطوفه بنظرة سريعة للتأكد من أنها نفس النسخة التي أرسلت له بالبريد الإلكتروني. تناول قلمه وذيل كلتا العقدين بتوقيعه الرسمي، مردفًا بعملية وحزم :

-إن شاء الله الشغل في المبنى هيكون في بليل، وكمان في الأجازات الرسمية عشان مانعرضش حد من الطلبة للخطر... يعني على النهاردة بليل هتكون كل المون والمعدات موجودة في الأرض.


وتناول العميد العقود من "حاتم" ووقعها هو الآخر، مردفًا بإمتنان :

-شكرًا لتفهم حضرتك وإقتراحك الحل ده ، لأني فعلًا كنت شايل هم الشغل في وجود الطلبة، بس كده تمام جدًا، وإن شاء الله الدفعة الأولى من الفلوس، ساعة بالكتير وتكون دخلت حساب الشركة.


إستند "حاتم" بساعده أعلى سطح المكتب، ليردف بإمتنان وود:

-إن شاء الله يافندم، وبإذن الله على إتفاقنا.


أردف العميد بإبتسامة :

-بإذن الله.... ليُشير نحو قهوة "حاتم" مردفًا بإبتسامة أوسع :

إتفضل إشرب القهوة قبل ماتبرد.


تناول "حاتم" قهوته ويبدأ بإرتشافها بهدوء، وتخلل تلك الرشفات مناقشات جادية لتوقعات العميد و"حاتم" للشكل النهائي للمبنى الملحق بكلية الإعلام.


******


بنفس الوقت بكافتريا الجامعة.


جلست "هايدي" وعلامات الضيق والحنق تنهش معالم وجهها، لتلتقط جوالها فتهاتف "همس" صائحةً بغضب :

-كل ده تأخير يا ست هانم، إخلصي بقا لسه نص ساعة والمحاضرة التانية تبدأ.


وأنهت إتصالها، ملقية هاتفها أعلى الطاولة، لتسترخي بمقعدها، ملتقطةً أحد كتبها فتطالعه بضجر وسخط وضيق، لتجد ذلك الشاب يقترب منها بإبتسامة واسعة، وجلس إلى المقعد المقابل لها مردفًا بمزاح :

-الجميل قاعد لوحده ليه؟!


رفعت عيناها نحوه، ورمقته بنظراتها الضاجرة، مردفةَ بتذمر :

- مزاجي..... وبعدين إتأخرت ليه يا "هادي"؟!! .

("هادي" شاب بالفرقة الرابعة بكلية الإعلام، زميل "همس" و "هايدي" لكنه صديق مقرب الأخيرة، لكنها عشقه الصامت منذ العام الماضي، شاب طويل نوعًا ماضي، أسمر البشرة والشعر وبني العينان، جسده كباقي الشباب بعمره، يهتم قليلًا بالرياضة، دائمًا ما يترتب الأول على الدفعة، حلمه أن يكون مُعيد بالكلية، والحلم الأول له أن تشعر "هايدي" بعشقه الصامت كما ينعته. )


ضيق "هادي" عيناه، وذم شفتاه كالأطفال، مردفًا بنبرة قلّد بها "هايدي":

-مزاجي.... إتأخرت ليه يا "هادي"؟!!


ليعود إلى نبرته الحقيقية، مرددًا بإستنكار :

- مالك يا "ديدا" شايلة طاجن ستك كده ليه يا شابة؟!.... يكونش أكلك إتحرق وأنا ماعرفش.


أغلقت "هايدي" الكتاب بيدها، ووضعته بطرف الطاولة، زافرة زفرة قوية مردفةً بعدها بضيق وحنق :

-زهقانة وملانة وقرفانة، ومش طايق نفسي، ولا طايقاك إنت التاني... عايزة أتخانق مع حد أو أضرب حد .


أزال "هادي" نظارته الشمسية عن عينيه، ليستند بكلتا ساعديه أعلى الطاولة، مستقيمًا بظهره للأمام، ومردفًا بلهفة وعشق خفي :

- يا ستار يارب .... مالك بس فـ إيه؟!!!...... حد ضايقك في حاجة؟


شردت "هايدي" قليلًا، لتتنهد بأسي وأنين، مردفةً لذاتها بخفوت :

- ياريته كان ضايقني.... ده وجعني وكسرني في عز ماكنت محتاجة حضنه يضمني.


ضيق "هادي" عيناه بدهشة، ليردف بإستنكار :

- بتكلمي نفسك يا "ديدا" ولا إيه؟!


زفرت زفرة قوية أرفقت بها غضبها وحنقها من "حاتم"، لتحرك رأسها نافيةً قبل أن تردف بجدية و صرامة :

-مفيش حاجة يا "هادي".... جيبت المحاضرات اللي كانت فايتاني؟


ناولها "هادي" دفتر محاضراته، بإبتسامة عاشقة، وهو يردد بسعادة :

-طبعًا..... كل المحاضرات اللي فاتتك هتلاقيها هنا... وكمان فيه تلخيص لأهم النقاط اللي ممكن تيجي في الإمتحان.


تناولته منه بجمود، لتبدأ بالتقليب بين أوراقه، ومطالعة بعض النقاط الهامة بعينيها، لتتوقف عند نقطة ما، فتقرأها بصوت مرتفع نسبيًا، لتردف بعدما أكملتها :

- يعني إيه؟... مش فاهمة.


إلتقط "هادي" منها الدفتر، وأتي بصفحة بيضاء به وبدأ بإعادة كتابة الجملة وشرحها شرحًا تفصيليًا بعدما إنتقل إلى المقعد المجاور لها.


حركت "هايدي" رأسها بنفي مردفًا بتذمر :

- برضه مش فاهمة ولا كلمة من اللي بتقولها يا "هادي"... إشرح من الأول تاني.


شدد "هادي" على خصلات شعره، وأردف بتذمر مصطنع :

- ياربي.... أنا لو بشرح لبنت أختي كانت فهمت من الصبح.


رمقته "هايدى" بضيق، وهي تذم شفتاها بتذمر طفولي :

- قصدك إني مابفهمش يا "هادي"؟..... ، وإن بنت أختك بتفهم أكتر مني كمان .


إستند بساعده على الطاولة، ورمقها بنظرات عاشقة، مردفًا بهيام :

- وأنا أقدر ياقمر.....


ليجدا تلك الطاولة تطايرت بالهواء، وظهر من خلفها وحش كاسر كشر عن أنيابه ونيران الغضب تطايرت من حدقتيه لتُحرق العالم حوله، وصرخ بغضب جحيمي :

- قمر مين دي يا روح أمك؟!!!!


هبت "هايدي" من مقعدها وعلامات الصدمة والإستنكار تنهش ملامحها، فلما أتى "حاتم" إلى هنا؟!!...... وما هذا الشكل الوحشي الذي طل به؟!!!!......


ونهض "هادي" هو الآخر من مقعده بعدما حاول الإتزان والثبات به متفاديا السقوط أرضًا من قوة دفع الطاولة، ليصرخ ملوحًا بيده :

- روح أم مين؟!! يا روح أمك.


ليجد لكمة قوية إستقرت بفكه الأسفل، تلتها لكمة أقوى بمعدته، وتوالت اللكمات القوية، وسط صراخ وصيحات "هادي" والجميع.


أما "هايدي" فالصدمة ألجمت لسانها وجميع أطرافها.... فقط طوفت الجميع بنظرات ذاهلة، فتلك الحرب الغير متكافئة بين ذلك الوحش الكاسر وهذا الهادي البسيط، سرعان ماحُسمت وإنتهت بإطاحة "هادي" أرضًا غارقًا بدمائه.


ليستدير "حاتم" نحو تلك المغيبة، صارخًا بغضب جحيمي :

- إيه اللي بتهببيه ده؟!!!.. إحنا في جامعة ولا في كازينو؟!!!


تعالت دقاتها الغاضبة، وتعالي معها الأدرينالين بشرينها، لتشتعل عيناها نيرانًا، وتصرخ بقوة وغضب فاقدةً إحساسها بالزمان والمكان:

- إنت مالك إنت !!!!... في جامعة.... في كازينو.... في كبارية.... أعتقد حاجة ماتخصكش.


إستعرت نيران غضبه وتأججت بفوهة بركان أوشك على الإنفجار، لتتحول عيناه إلى جمرتين من النيران الحمراء، ليصرخ بغضب أقوى بكثير، غضب لم يعهده "حاتم" بنفسه حتى بأقوى مصائبه :

- إنتي إتجننتي ولا إيه؟!!! ..... إيه إنت مالك دي؟!!!..... ويعني إيه ماتخصنيش؟


صرخت بقوة وغضب وجنون :

-أيوه ما يخصكش.... هو بالعافية ولا إيه؟!!!..... عرضت عليًا إتفاق جواز، وأنا رفضت...... يعني مالكش حق تتكلم معايا ربع كلمة..... ولا ليك حق تبصلي بصة واحدة حتى.


إزداد إحمرار عيناه قساوة، ليخطو نحوها بخطي سريعة قابضًا على ذراعها بقبضته القوية، وهمس إلى جوارها بفحيح خافت :

- أه بالعافية..... عارفة ليه؟!!!.... لأنك ملكي....... ملك "حاتم السيوفي "....... و"حاتم السيوفي" مابيتنزلش عن ممتلكاته أبدًا.... فاهمة ولا لأ.


رمقته بغضبٍ وتحدٍ سافر، قابضة على قبضته بيدها، ونفضتها عنها بقوة، هامسةً بفحيح أقوى، و ضاغطةً على كل حرف تفوهت به :

- بتحلم يا "حاتم ياسيوفي".... أنا مش من أملاكك .... ولا عمري هكون ملكك في يوم من الأيام........ عارف ليه لأني بكرهك يا "حاتم"..... بكرهك.


إقترب منها أكثر، ليقبض بكلتا قبضتاه على ذراعيها ويقربها منه بقوة إلى أن تلتصق بصدره، وتقابلت الأعين بتحدٍ سافر، ليهمس بثبات وقوة :

- كدابة..... قوليها تاني وإنتي عينك في عيني كده ..... قوليها من غير مايتهزلك رمش ..... قوليها وإنتي بين إيديّا ..... قولي إنك بتكرهيني يا "هايدي".


إشتعلت نظراتها قوة وكبرياء، وهتفت بتحدٍ وثبات :

- بكرهك..... بكرهك..... أقولها تاني.... بكرهك..... يوم ماإتكسرت قدامك.... بكرهك.... يوم ماإعترفت بالأمان جنبك..... بكرهك.... يوم ماعملت من حبي صفقة...... بكرهك... عشان ضعفت في لحظة وحبيتك.


بينما هو يراقب حركة شفتيها المُعلنة عن كرهها له بأحرف كاذبة، تخيل إقترابه منها بقوة، وإنهياله عليهما بقبلة جامحة أودع بها عشقه الذي لازال ينكره وينفيه، ليستلذ صدق شفتاها المحملة بعشقه المتيم..... لحظات قطع أنفاسها وسط ذهولها وسخطها، لتدفعه بكلتا يديها بعيدًا عنها بقوة، وهي ترمقه بنيران غضب كادت أن تحرقه بأرضه ، وترفع يدها بالهواء، لتهم بصفعه، فتشتعل نيران غضبه التي أخرجته من خيالاته، ليصرخ بها بقوة غاضبة أفزعتها :

- أخرسي بقا.


تلألأت عيناها بدمعات خوف متحجرة، وأنفاسٍ لاهثة، ليدور بها الكون بقوة، وتسقط بين ذراعيه فاقدةً وعيها. إنخلع قلبه من موضعه خوفًا عليها، ليضمها إلى صدره بقوة وينحني قليلًا واضعًا يده الأخرى أسفل ركبتيها، ويحملها إلى صدره وسط نظرات السخرية والتهكم من الجميع، وكذلك همز ولمز الفتيات، وكذلك إلتفاف أمن الكلية الذي يعلم هوية "حاتم السيوفي" جيدًا ، وأيضًا هواتف الكثيرين التي سجلت كل ماحدث بدقة ومهارة، ليقابل كل هذا بجمود وثبات، فيشدد من ضمها إلى صدره، صائحًا بغضب جامح :

- إيه؟!!!.... أول مرة تشوفوا واحد بيتخانق مع مراته؟..... أيوه.... دي مدام "هايدي السيوفي" قسمًا بربي لو فيديو واحد نزل على النت لكون دافن اللي نزله حي .


إقتحمت تلك الكلمات مسامع "همس" لتشعل ذهولها ودهشتها، وترمق ذلك المشهد الغامض بالنسبة لها وسط حشود الطلبة والطالبات، لتقتحم تلك الحشود وتصل إليهم، هاتفةً بلهفة وقلق :

- فـ إيه يا "حاتم"؟!!.... مالها "ديدا" ؟!!


بينما خطى هو مغادرًا المكان ولازال يحتضنها بقوة، ليهتف بحزم وصرامة :

- هاتي حاجة "ديدا" يا "همس" وحصلينا بسرعة.


وصل إلى سيارته مهرولًا، وفتح بابها الخلفي بلهفة وتوتر، لينحني بجذعه ويضعها على الأريكة الخلفية للسيارة ، حتى وصلت إليه "همس" فصاح بها بقوة :

- بتعرفي تسوقي يا "همس"؟


أماءت له برأسها قبل أن تهتف بدهشة و تساؤل :

- أيوه بعرف، بس ليه؟!!


دلف بكامل جسده إلى الأريكة الخلفية للسيارة، وجلس بها ضامًا "هايدي" إلى صدره الذي يتعالي ويهبط بقوة من قوة خفقان قلبه الأهوج بعشقها، ليصيح بـ" "همس" هاتفًا :

- إركبي، وسوقي بسرعة على أقرب مستشفى..... بسرعة يا "همس".


رمقته بدهشة وإستنكار لفرط فزعه وتوتره، لتستقل السيارة، وتنطلق مسرعة إلى أقرب مشفى.


أما بالأريكة الخلفية للسيارة، فشدد" حاتم" من ضم" هايدي" إلى صدره الصارخ بإستجداء رحمتها وشفقتها لحالته المزرية، فلم يكن بأبعد خيالاته أن تكون تلك حالته لأجلها....... نعم.... فأنفاسه تقطعت ورفضت الإنصياع لقسوته..... دقاته تلاطمت وصرخت بأحرف إسمها، بل أنها توسلت لها بأنين ملتاع أن ترفق بها وتبث لها إشارة إطمئنان واحدة........ عيناه التي تحولت من نيران الغضب المستعرة إلى نظرات عشق متلهفة للغوص بأعماق عيناها المستسلمة للإنغلاق و فقدان الوعي........ حلقه جفّ ذعرًا وقلقًا لأجلها...... جميع حواسه تمردت عليه وإصطفت إلى جانبها بكل كبرياء وشموخ وقوة، لتنحي غطرسته وقسوته جانبًا، بل تدعسها بقوة عشق متيم.


أما "هايدي" فكانت تجذبها تلك العطور الآسرة إلى عالم غامض ومبهم لها، رغم ذلك لم تهابه أو ترتابه قط..... تلك المعزوفة العاشقة التي كانت لها كطبول إعلان عاشق لحرب جامحة من أجل الإنتصار والفوز بقلب معشوقة إخترقت حصون قلعته ودمرتها......... دقات قلب تتراقص لأجلها أوردتها المستسلمة بحفاوة وترحاب....... أما ذلك الدفء المشتعل الذي يحتويها بتملك عجيب فأخذ يأسرها بمملكة أساطير العشاق، ليترنم قلبها بأنشودة عشق متيم إستسلمت لأجله حصونها وقلاعها، وإنحني لأجله كبريائها وشموخها.


حالة من السعادة والنشوي الغامضة إستوطنت ذراتها وخلاياها، لتجذبها إلى ذلك العالم الذي كثيرًا ماتمنت الدلوف والإنماء إليه..


إبتسامة صغيرة تسللت إلى شفتاها، لتتملل بين أحضانه بسعادة وعشق، فتجد ذلك الجسم المتصلب يحاوطها بقوة وتملك، لتصل إشارة إلى عقلها بضرورة إستعادة وعيها وهبوطها لأرض الواقع.


بينما كانت "همس" تقود سيارة "حاتم" بسرعة متوسطة متجهةً إلى المشفى. أخذت تتطلع لهما بالمرآة الأمامية بين آنٍ وآخر، لتجد لهفة وترقب وصل لحد الفزع إستوطن ملامح "حاتم" ونهشها بقوة، لتدنو بعيناها إلى تلك المتوسدة لصدره، بل لموضع قلبه بتملك وإسترخاء، لتلمح طيف تلك الإبتسامة العاشقة تزين ملامحها، لتتسع إبتسامتها سعادة لتأكدها من إنضمام صديقتها لأساطير عشق رجال "السيوفي".


وجهت أنظارها صوب الطريق، لتخفف السرعة تدريجيًا، فحالة صديقتها لا تقدر أكبر مشافي العالم على مداواتها..... نعم.. فدائها ودوائها يتشبث بها بتملك عاشق متيم.


لتجد صرخات سخط قوية تدوي بالخلف، فترفع عيناها نحو المرآة الأمامية، لتجد "هايدي" تحاول الإفلات من ذراعي "حاتم" المتملكة لها بقوة، وتتملص بين ذراعيه بغضبٍ مستعر، صارخة بقوة :

- إيه اللي إنت عاملة ده؟!!..... إبعد عني..... سيبني يا "حاتم "..... إبعد عني .


شدد "حاتم" من إحتضانه لها، ليتنهد براحة وسعادة وعشق، سرعان ماتحول إلى سخط وتذمر، ليردف بحنق :

- إهدي بقا يا بت إنتي..... تعبتيني وتعبتي قلبي معاكي..... إسكتي بقا.


دفعته بقوتها المحدودة، لكنها كمن تدفع جبل ثابت بشموخ وكبرياء قرونٍ طويلة.... أيتزحزح من موضعه قيد أُنمله؟!!!


الإجابة كانت كلا..... فـ "حاتم" كجبلٍ يحفظ توازن الأرض وثباتها، فإن تزحزح قليلًا لهوت وتدمرت الأرض، فكانت تلك حالة "هايدي" إن تركها "حاتم " وإبتعدها عنها ولو إنشًا واحدًا لخسرها للأبد وبلا رجعة، ليجذب رأسها نحو مضخته الهوجاء بقوة، متحتضنها بأحد ذراعيه، ليقبل رأسها بشوق وهيام، مردفًا بصدق وعشق وله :

- بحبك يا "هايدي"..... والله العظيم بحبك، وأول مرة أحس الشعور ده وإنتي بين إيديّا...... كنت هتجنن والواد قاعد جانبك في الكافتيريا...... لما صرختي بإنك بتكرهيني حسيت إنك نفسي بيضيق وصدري بيطبق..... كنت زي الغرقان اللي محتاج قبلة الحياة عشان يقدر يعيش.


شدد من إحتضانها بقوة بعدما هدأت قواها وتراخت أطرافها المتيبسة بين يده، ليكمل بحنين وإشتياق :

- لما وقعي بين إيديا وأغمي عليكي حسيت بقلبي فقد نبضه، وروحي بتطلع لخالقها..... وإنتي بين حضني حسيت بأمان ودفا عمري ما حسيته ولا عرفته قبل كده...... أنا حاسس دلوقتي إنك حتة مني..... حتة بتكملني...... حتة عمري ماحسيت بغيابها ولا وجودها غير وإنتي بين إيديّا.


إنهمرت دمعاتها بفيضان نهر جارف، دمعات بمشاعر متخالطة مابين أسى وأنين مكتوم، وبين سعادة لإعتراف معشوقها بعشقها المتيم..... مشاعر مابين العتاب واللوم، وبين السعادة والراحة....... مابين التمرد والكبرياء، وبين الإشتياق والحنين..... لتغمض عيناها بقوة متمردةً على عقلها ومشاعرها القاسية، وتنصاع لنداء عشقها وإشتياقها الجارف لمن سكن الفؤاد ونقش إسمه بجدران عشقه.


أغمضت عينيها بقوة أكبر، لتوقف سيل عبراتها المنهمر، وتستكين بين ذراعيه معلنة رايات الإستسلام لحصونها وقلاعها. تحاوط خصره بكلتا ذراعيها وتشدد من إحتضانه هامسةً بعشق وشغف :

- بحبك يا "حاتم "..... بحبك...


سعادة غامرة حاوطت قلبه وتملكه، لتصل إلى حدقتيه ، فيشدد من إحتضانها بقوة، مقبلًا رأسها بعشق وغرام، هامسًا بجدية عاشقة :

- تتجوزيني؟ .


أومأت برأسها بين ذراعيه، لتتراقص دقات قلبه فرحًا، وتشتعل مسامعه حقدًا وغيرة، فإن كان قلبه أحس بإجابتها وعشقها الجارف، فمسامعتها لم تتسلل إليها كلمة واحدة تطفئ نيران شوقها وعشقها، ليهمس "حاتم" مجددًا بسعادة :

- تتجوزيني يا "ديدا".


أومأت ثانيةً بين ذراعيه بالموافقة، قبل أن تردف بسعادة وخجل :

- أه.....


أبعدها قليلًا عنه لتتلاقي الأعين مبرمةً عقود وعهود وإتفاقيات عشق أبدى، لتتسع إبتسامة "حاتم" العاشقة مرددًا بلا تصديق :

- أه؟..... موافقة تتجوزيني يا" ديدا"؟


أومأت برأسها مجددًا بأعين لامعة ببريق عشقٍ والهٍ، لتهمس بملامح مشتعلة خجلًا :

- موافقة.


صاح "حاتم" بسعادة وفرح :

- بحبك يا "ديدا"... والله بحبك، وشكلي عمري ماحبيبت قبل كده.


خفقات قلب متضاربة مابين عشق جارف وإشتياق، وبين ترقب وقلق من القادم.... أيعقل أن يطاردها طيف حبه لـ "منة" بحياتها القادمة معه؟!!!..... فهذا هو هاجسها الأكبر.....


نفضت تلك الأفكار من رأسها بتحريكه يمينًا ويسارًا بخفوت، لتستدير نحو الأمام فتجد السيارة لا يستقلها سواهما، فتضيق عيناها بدهشة، مردفةً بإستنكار :

- العربية من غير سواق؟!!!


إلتفت "حاتم" بأنظاره نحو مقعد القيادة، ليجده شاغرًا، فيضرب جبينه بتذكر، هامسًا بصوت تسلل إلى مسامع "هايدي" :

- "همس"!!!!..... العربية وقفت إمتى؟!!!.... و "همس" راحت فين؟!!!


إلتفتت نحوه "هايدي " عاقدةً جبينها بدهشة، هاتفةً بإستنكار :

- "همس"؟!!!..... طب هي فين دلوقتي؟!!... وسابتنا أمتي؟!!!.. وإزاي أنا ماحستش بوجودها أصلًا.


أخرج "حاتم" جواله من جيب سترته الداخلي، ليجري إتصالًا بها ويطمئن من وصولها إلى القصر بمرافقة السائق الذي لمحها تغادر سيارة "حاتم" أثناء السير خلفها للإطمئنان عليها وعلى سلامتها بناءًا على تعليمات "ثائر السيوفي ".


*************


بعد يوم عمل شاق وطويل على جميع أفراد "السيوفي جروب"، يعودون جميعًا إلى القصر كل منهم يحمل مشاعر إشتياق جارف إلى معشوقته المتيمة، ليجد "حمزة" من تركض نحوه وتتعلق بعنقه بإشتياق وعشق، هامسةً إلى جواره بلهفة ووله :

- وحشتني يا "ميزو".


حاوط "حمزة" خصرها بتملك، ورفعها قليلًا عن الأرض، مشددًا من إحتضانها، ودافنًا أنفه بين منحنيات عنقها، ليستنشق عطرها الذي تغلغل إلى ثنايا قلبه وعشقه، هامسًا بإشتياق :

- وإنتي كمان وحشتيني يا قلب "ميزو".


رمقهما "خالد" بملامح ساخطة، ودّ أن يدق عنق شقيقته على جرأتها تلك، ليزفر زفرة قوية، ويدلف إلى بهو القصر فيجوبه بعينيه المشتاقة لمعشوقة أطالت الخصام والهجران، ليجد" فريدة" تجلس إلى مقعدها تُطالع إحدى مجلات الموضة العالمية، ليخطو نحوها ويدنو منها بجذعه مقبلًا رأسها بحنان وعطف، مردفًا بهدوء يعاكس طبيعته المرحة :

- مساء الخير يا تيتة.


ربتت على يده، رافعةً أنظارها المحتضنة لمعالم وجهه بمحبة وود، ومرددة بإبتسامة حانية :

- مساء الخير يا حبيبي.... حمدالله على سلامتك.... أومال إخواتك فين؟!


تهاوي بكامل جسده على المقعد المقابل لها متنهدًا بإرهاق وتعب،و مشيرًا برأسه نحو باب القصر، ليردف بتهكم وسخرية :

- الست "سمر" و"مهند" بره عاملين مشهد من العشق الممنوع، و"ثائر" في الجنينة بيتكلم في التليفون ، أما "حاتم" كلمته وبيقول جاي في الطريق.


وطوف بعينيه القصر مرة أخرى، مردفًا بتساؤل وإشتياق :

- أومال "ضحي" فين يا تيتة؟


رفعت أنظارها نحو الطابق العلوي الذي يضم جناحه الخاص، المجاور لأخوته ، لتردف بحزن وعتاب :

- في أوضتها فوق، من يوم الجنان بتاعك وهي أغلب الوقت حابسة نفسها في الأوضة بحجة المذاكرة، يدوب تنزل تروح الجامعة وترجع تحبس نفسها في أوضتها تاني ، حتى الأكل بتاكل حاجة بسيطة ماتشبعش طفل صغير.


زفر "خالد" زفرة قوية محملة بالكتير من الأسى والندم والإشتياق، ليهب من مقعده مستقيمًا بوقفته، ليردف بمودة وعطف :

- طب أنا طالع لها.. عايزة حاجة يا ست الكل.


حركت رأسها نافيةً، قبل أن تردف ببشاشة :

-سلامتك يا حبيبي.... ياريت تنزلها معاك عشان نتعشا سوا، بقالها أسبوع ما أكلتش معانا.


أومأ "خالد" برأسه لها، وإستدار متجهًا إلى غرفته.


************


غرفة "خالد ".


إتضجعت "ضحي" بأريكتها التي أصبحت ملاذها وأنيسها طوال الأسبوع الماضي، تطالع ذلك الكتاب بيدها، بل ذات الصفحة التي لم تتغير طوال هذا الأسبوع، فهي تحمل بقلبها منه الكثير من العتاب واللوم، لقد تسبب في إحراجها أمام الجميع.


دائما ما تتلاشى الإجتماع بالعائلة وبالأخص "ثائر"، حتى وإن تفوهت وكذبت إدعاءات "خالد" وقتها، إلا أنها شديدة الحرج منهم، رغم أن الجميع يحاول تهوين المسألة، فحقًا كانت فرحة "خالد" و سعادته حقيقية وعفوية حتى وإن رآها البعض حماقة وغباء...... لتسيل تلك الدمعات المشتاقة له ولأنفاسه الحارة،


نعم فتلك الأريكة رغم وثارتها ودفء دثارها إلا أنها دائما ماتشعر بتلك البرودة التي تسري بأوردتها، فتتشبث بذلك الدثار بقوة، لكن دمائها لازالت كتلة من الجليد القاسي ، فمن يشعل نيران قلبها وأوردتها ترفض قربه وتدفعه عنها.


لكن إلا متى هذا البُعد؟!!..... إلا متى هذا الجفاء منها؟!!!..... رغم محاولاته المستمرة للإعتذار منها بشتى الطرق الممكنة، تنازل كثيرًا وإعتذر وطلب العفو والسماح، لكنها كانت دائمة الصد له والجفاء لمشاعره.....


نعم إنها تشتاق لذلك "الخالد" الذي يقتحم حياتها عنوة..... ذلك المشاكس القوي....... لا تحتاح لهذا المنهزم، الهادئ..... فحياتها كالبحر حتى وإن إنحسرت أمواجه وتلاشت، لابد أن تثور وتتمردد وتعلن إنتصارها.... فهي تعشق تلك الحالة المسماة بالمد والجزر..... ترفض الركود والهدوء... ترفض أن تكون حياتها كنهر هادئ..... إشتاقت لذلك المحيط العاتية أمواجه..... إشتاقت لأحضانه.... لأنفاسه.... للمسة يده المهلكة، لقبلة جامحة يعلن بها شغفه وإشتياقه لها .... للحظات مجنونة يسرقاها من يومهما.... لتتمرد تلك الدمعات المشتاقة له، وتشعل وجنتاها بنار العشق الهائم.


ليتسلل إلى مسامعها أصوات خطواته المقتربة إلى غرفتهما..... فتنزلق بأريكتها وتسحب الدثار لتواري رأسها أيضًا وتزيل دمعاتها الحارقة بأطراف أناملها الجليدية.


دلف إلى الغرفة، ليرمقها بهدوئها القاتل له، فهو أيضًا عشق جنونها، وتمردها.... فتلك الحالة الصامتة لم تعد تستهويه، وذلك الجفاء والهجران لم يعد يتحمله، ففراشه فقد دفء أنفاسها أيضًا، صدره إشتاق لمن كانت تتوسده كل ليلة بتملك، حتى وإن كانت مجرد مشاعر جامحة فقط، ليصفع باب الغرفة بقدمه بقوة جعلت جسدها ينتفض برجفة خفيفة.


زفر زفرات قوية أقسم بها أن ينهي ذلك الصمت والسكون، ليشرد قليلًا بتفكير عميق، إلى أن إتخذ قراره وأقدم على تنفيذه.


نزع عنه سترته ، وفك رابطة عنقه، وألقاها أرضًا ، كما أنه رفع أكمام قميصه الأبيض إلى منتصف ذراعه ، ودلف إلى حمام الغرفة، ليفتح صنبور المياه الباردة لآخره، وعاد إليها مجددًا منتزعًا عنها ذلك الدثار اللعين، لتتسع عيناه إشتياقًا وحنينًا لتلك التي ترتدي منامة ذهبية مثيرة، مهلكة له ولذرات عقله، فيجدها تتصنع النوم بمهارة فائقة، لكن الآن لم يعد هناك مجال لكل هذه الهراءات.


إنحني بجذعه نحوها ووضع أحد ذراعيه أسفل رأسها والآخر أسفل ركبيتها، وحملها بصرامة وحزم عاقدًا جبينه بتصنع وخبث، فإصطدمت بصدره الصلب الذي أشعل ذلك الدفء، الذي طال فقدانه لتتنهد بإشتياق وعشق، إلا سرعان مافتحت عيناها بتذمر وسخط، ملوحة بساقيها في الهواء صارخةً بقوة :

- عاااااا.... نزلني يا"خالد"..... نزلني... عاااااا.


بينما يخطو هو نحو هدفه بجدية وصرامة وحزم، صارخًا بغضب مصطنع :

- مش هنزلك يا "ضحي".... أم الصمت الرهيب اللي إحنا فيه ده مش هينتهي غير لما تاخدي شاور بارد يفوقك من اللي إنتي فيه.


لوحت بساقيها بقوة أكبر، صارخة بإتهام :

- إنت السبب... إنت اللي كسفتني قدام أهلك.... فيه واحدة تحمل وتتوحم من تاني يوم يا أهبل إنت ؟!!!


دلف إلى الحمام، صارخًا بجدية :

- يا متخلفة إحنا بقالنا أكتر من شهر متجوزين، وده اللي الكل يعرفه ، عشان كده فرحوا وباركولنا.... بس إنتي اللي كان على راسك باطحة، عشان كده إتكسفتي .... وبعدين أنا فعلًا قريت على النت إنك ممكن تتوحمي عادي بعد حدوث الحمل بساعة واحدة.... عادي يعني.


ودنى بجذعه كثيرًا، ليضعها أرضًا، إلا أنها كادت أن تنزلق قدمها من تلك المياه المتدفقة، لتتشبث بعنقه وتصطدم بصدره الصلب، فتهيم بعينيه العاشقة _عالمها الذي إشتاقته كثيرًا_ لتهمس بهذيان :

- بعد ساعة واحدة بس؟!!!.... ده بحث لدكتور "خالد السيوفي" بقا.


أومأ لها برأسه بهيام وهو ينتقل بنظراته العاشقة إلى شفتيها ، لينهال عليهما بوابل قبلاته بإشتياق وشغف. أما هي فتعلقت بعنقه بكلا ذراعيها بقوة ، وبادلته تلك القبلات المجنونة، ليستسلما لبركان أشواقهما المفرط.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة