-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الرابع والثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة رحاب إبراهيم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والثلاثون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الرابع والثلاثون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الرابع والثلاثون

 تفاجئت حميدة بظهور سمـا بمدخل المكتب....لا يبدو عليـها أي شيء...بل على النقيض يبدو وكأنهـا لا تعلم عن ما حدث بالأمس وكأنه كان حلم !!

حتى مظهرها يبدو أنها اعتنت بـه بدقة حتى تظهر بذلك الشكل المرتب المتناسق والجميل....

تطلع بهـا آسر بذهول...ابتلع ريقه ونظرته تمر على عينيها بلهفة وأشتيـاق..كان يظنـها ستبكِ على خداعـه...ولكنهـا ابتسمت شاكرة !!

تقدمت بخطوات تبدو محسوبة....متزنة ، وكأنها للتو وقفت معتدلة بعد الزحف....مضـت إليـه بابتسامة غير مناسبة للموقف تمامًا !! وهدوء يناقض ضوضاء اضطرابـه وصراخ ألمـه!!

كانت عفوية ، مرحة ، ما يخفي قلبها بعينيها شيء....ولكنه سجن بـها هذا الصخب..وتلك الابتسامة الطفولية على ثغرهـا...لتصبح وكأن مر على قلبـها الثلج بعد اللهيب الحارق....

تحمل بين يديها مغلف صغير يبدو أنه "هدية" وابتسامتها هادئة !! حتى طرفات عينيها هادئة وكأنها ودعت الألم قبل أن تأتي!!

وقفت أمامه ولكنها قبل أن تأت إلى هنـا....تعهدت للقلب قائلة

« دع الدموع لمن يستحق ايها القلب »

فأن تفتت قلب المرأة على ميل الخداع....فلا زال لكيدها قوة ستُجيب...

نظرت لما بيدها "الهدية" كأنها تخبرها شيء بسرية...ثم رفعت نظرتها لـه بنبرة ونظرة هادئة مع تداخل ابتسامة واثقة هدمت ثقته بنفسه وقالت :-

_ الف مبروك يا باشمهندس....أنـا مبسوطة أنك أخيرا لقيت شريكة حياتك اللي تستحق تكون جانبك...دي هدية بسيطة كده يارب تعجبك...وبتأسفلك لو اتأخرت ساعتين على الشغل بس تعبت على ما لقيت حاجة مناسبة اقدر اقدمهالك...ربنا يتمملك بخير..

اطبق الصمت المتجمد على كلًا من آسر وحميدة واعينهم ساهمة على سما التي تتحدث بابتسامة تبدو غريبة على ملامحهـا...وقفت حميدة ببطء بمحاولة أن تصدق أن من أمامهـا هي فتاة الأمس !!

بينما تجمد آسر مكانه وعينيه بها نظرة تتعمق بعينيها عله يستطع أن يسلب افكارها الحقيقية...ليعرف أن كانت سعيدة حقا أم اصبحت مثله تتقن التظاهر !! ليعرف أن كانت احبته يوما أم لا !!

قالت سما وقد شعرت بثقة أكبر واستطاعت التحكم حتى بنبرة صوتها وتابعت بثبات:-

_ مالك ياباشمهندس ؟! هزعل لو ما قبلتش هديتي هي يمكن بسيطة بس أن شاء الله تعجبك...

بالكاد استطاع أن يسحب نظرته من عينيها حتى الاسفل قليلا ونظر لما بيديها حتى مدت يدها كي يأخذ الهدية واستطاع بجهاد أن يرفع يديه ويأخذ منها العلبة المغلفة....ابتسامتها تبدو ساخرة واضافت :-

_ بعد أذنك بقى اروح أشوف شغلي ، انا جاية وكلي حماس وطاقة

تركته يقف مذهولًا وتابعت سيرها حتى مكتبه دون نظرة مكترثة لـه...راقبت حميدة تعابير وجه آسر بمزيج من التشفي والشفقة على حالـه...لا يبدو بحالة جيدة وقد شحب وجهه وتاهت نظرته كأنه يركض بالصحراء وحيداً...

نظر للعلبة بيده وكأنه يقبض على جمر.....وفجأة خرج جاسر وجميلة من المكتب ليرمقه جاسر بتساءل عندما شاهد ما بادي على وجهه وعيناه تحديدا ثم ما بيده...بينما رمقته جميلة بنظرة محتقرة سريعة ثم تطلعت لوجه حميدة المصدوم الذي لم يختلف عن آسر كثيرا...تساءل جاسر بقلق :-

__في إيه مالكوا ؟!

اخيرا انتبه آسر لمن حوله حتى قالت حميدة بصفعة الحديث اللاذع :-

_ والله ما عارفة ، سما جت واديتله هدية بمناسبة خطوبته ومن وقتها وهو كده!!

اتسعت عين جميلة بصدمة وهي تنظر لحميدة حتى غمزت حميدة بمغزى ان تصمت ولا تبدي أي دهشة أمامهم....

قالت جميلة بلهفة :- اكيد سما جابتلنا الغدا بتاعنا زي ما وصيناها يا حميدة انا هدخل أسالها...

اسرعت جميلة وتبعتها حميدة بذات اللهفة لمكتب آسر حتى دلفوا واغلقوا الباب خلفهم....

نظر جاسر بزفرة عصبية خرجت من فمه وقال :-

_ برافوا عليك....عرفت تخسرها بنجاح كبير جدًا...خليك عشر سنين كمان لحد ما تلاقي حب تاني وانسانة تستاهل تاني وده لو لقيتها أصلًا...وحتى لو لقتيها هضيعها تاني....

اشتعلت بعين آسر موجات الألم حتى انتفض جسدها بخطوات سريعة وخرج من المكان بالكامل...

**************

**بمكتب آسر**

ظلت جميلة تنظر لسما الجالسة بأنغماس في العمل تمامًا ولا يبدو عليها ادنى مظهر للضيق....تشاركت نظرة قلقة من حميدة لتقل سما دون أن تنظر لهنّ:-

_مش عايزة كلام تاني في الموضوع ده ، أنا قفلته للأبد

اقتربت حميدة وجلست بجانبها ثم ربتت على كتفها قائلة بألم وهي تعلم أن سما تخفي حزن هائل :-

_ أنا عارفة أن مجيتك هنا النهاردة كلفتك كتير من أعصابك بس اتمنى أن يكون فعلا الموضوع اتقفل ، مش قفلتي على نفسك معاه..

أضافت جميلة بلطف :-

_ اتصرفتي صح جدًا يا سمكة بس___

قاطعتهم سمـا بحدة :- أنا قلت قفلته للأبد...محدش يكلمني فيـه تاني لا من بعيد ولا من قريب...

نظرت حميدة لجميلة قائلة بيأس :- يلا بينا يا جميلة عشان ما نتأخرش عليهم..

خرجت جميلة وحميدة من مكتب آسر لتجد حميدة أن يوسف قد انتهى من مكالمته الهاتفية بأحد العملاء واتى مرة أخرى.....

يبدو أن جاسر قد أخبر بما حدث لظهور الضيق على وجهه ثم قال عندما أتت حميدة اليه :-

_ سمر لسه مكلماني دلوقتي تاني تأكد عليـا على فرحها بكرة ، ومأكدة على حضور حميدة وجميلة...

قالت جميلة بحيرة :- بس عمي سمعة مش هيرضى بسهولة كده !!

قال يوسف برجاء لحميدة :- حاولي تقنعيه يا حميدة سمر مصممة على وجودك انتي وجميلة ومش عايز اكسفها وازعلها....

قالت حميدة بتفكير :- هحاول اقنعه ، مش هيرضى نروح لوحدنا معاكم...

قال جاسر بخبث :- طب إيه رأيكم سما ورضوى يجوا معاكم ، اظن ممكن يوافق ؟!

رمقته جميلة بدهشة ولمحت بنظرته شيء آخر فقالت حميدة :-

_ ممكن يوافق طالما كلنا مع بعض ، هحاول اقنعه

انتهى الحديث بينهما ليذهب جاسر وجميلة لأحد مواقع العمل ثم جلس يوسف امام مكتب حميدة قائلا :-

_ كويس أن سما جت الشغل ، وفكرة كويسة انها تحضر فرح سمر معانا حتى ___

قاطعته حميدة بنظرة حاسمة :- سما مافيهاش حاجة يا يوسف انا مش عارفة انت محسسني أنها مريضة مثلا !!

قال يوسف بابتسامة :- مش مهم...المهم في ده كلـه أني هقعد معاكي شوية لوحدنا...

قالت حميدة جملتها لتغيظه :- لما أبويا يوافق الأول ابقى احلم

رفع يوسف يديه بوضع الدعاء وقال :- يـــارب ياعم سمعة توافق يـــارب..

**********

ترك آسر السيارة إلى حاسر حتى يذهب بها لموقع العمل فرمقه جاسر وهو يقف بالطريق أمام المبنى...وقال :- طب تعالى اوصلك ...أنت رايح فين ؟!

هز آسر رأسه بشرود ذات التيهة بعينيه لم تهجره وأجاب :-

_ ساعة وهرجع الشغل...خلي العربية معاك انا عايزة اتمشى شوية...

وافق جاسر وذهب بالسيارة ومعه جميلة التي لم تغفل عن تعابير الحزن التي تملأ عين آسر....

انتظر آسر حتى ذهب جاسر بالسيارة وتنهد بعمق....تنهيدة تنتحب من الألم والحزن الذي وقع بهما....لازالت العلبة بين يديه ، هديتها له !!

كأنها شيعت جنازته بمجيئها اليوم بهذه الابتسامة....

اكانت تحبه ؟! أم كان وهم مثلما اعتقد هو !!

اكان يختبرها ؟! أم أراد ابعادها عنه حتى لا تحزن !!

في النهاية النتيجة واحدة...يعشقها..

شعر ببعض الفضول كي يكشف عن هديتها...أو بالأصح عن ما تقصد خلفها...فربما وجد الإجابة...

بدأ يفك الشريط الذهبي عن العلبة...تفاجئ بوجود علبة صغيرة داخلها...وبجانب العلبة الصغيرة يوجد غلاف جلدي اسود مخصص للهواتف...ما كان سيلاحظ ما المغزى منه سوى عندما طالعه بدقة ليرى كلمة باللغة الانجليزية...The End (النهاية)

ضيق عينيه على هذه الكلمة بمرارة وبدأ يفهم المعنى...ثم فتح العلبة الصغيرة ليجد ساعة لمعصم اليد....لابد أنها دفعت مبلغ ليس قليل لتلك الهدية...رفع الساعة أمامـه ليتفاجئ أنها تحوي على خاصية التقويم....ولكن ما فاجئه هو ذلك التاريخ المثبت بها....

هذا التاريخ يعود لأكثر من شهرين...تحديدا أول يوم عمل...أول يوم التقت به...ربما قصدت أن تفعل ذلك عن قصد...لتخبره أنها تركت له البداية والنهاية معاً....تركت كل شيء...خسارة قلب فادحة...

امتلأ الشرر العاصف بعينيه وقرر أن يعود اليها...لربما صفعها ، ولربما صاح وصرخ بوجهها....ولربما عانقها....

********

حاولت أن تغض التفكير عن رد فعله....على يقين أنه سيفهم رسالتها....آخر ما يعنيها معه هي تلك النتيجة...

فتح باب المكتب بعصبية كبيرة والقى الهدية على الطاولة أمـامها بنظرة شرسة...رفعت نظرتها ببطء متعمد...كأنها لا تبالي...وهي جدًا تتألم سرا...ما أسخف من إخفاء الألم ، والدموع...التظاهر باللاشيء

وكأن القلب لا يصرخ!!

تشابكت نظرتها المتحدية بثقة عالية بنظرته العنيفة الغاضبة...تحدث بنبرة الهدوء ما قبل العاصفة :-

_ تقصدي إيه بالضبط بالهدية دي ؟!!

نظرة للعلبة التي يبدو أنه جعلها اشلاء والى الساعة والغلاف الجلدي للهاتف وابتسمت قائلة :- أهاديك !! هو عيب أني اجبلك هدية بمناسبة خطوبتك يا باشمهندس ؟! وأنا اللي افتكرت أنك جاي تقولي رأيك فيها ؟! زعلت !!

استفزه أكثر ابتسامتها وهدوئها وصاح :- تاريخ بداية شغلك ، والنهاية على كڤر الفون....ملعوبة...وصلتني رسالتك بس خليكي فاكرة أنك ماضية عقد...

انكمش حاجبيها وتصنعت عدم الفهم :- أنا مش فاهمة ايه اللي معصبك للدرجادي ؟! لو الهدية مش عجباك هغيرها رغم أنك قطعت العلبة بتاعتها ومش عارفه هرجعها أزاي دلوقتي ؟!! ده انا صرفت فيها كل اللي محوشاه بس مش خسارة في حضرتك ، انا بعتبرك أخويا الكبير...

ضيق عينيها بصدمة...ماذا قالت ؟!! لا...لا يعقل أنها تعني ما تقول !!

أشار لنفسه قائلا بذهول :- بتعتبريني أنا...أخوكي الكبير!!

أرضاها بشدة صدمته...شعرت أنها اصابت الهدف بقوة...هزت رأسها بتأكيد وقالت :-

_اكيد طبعا أخويا الكبير...اومال كنت بستحملك ليه الفترة اللي فاتت لو مش اعتبرتك كده !! عموما أنا هغير الهدية ولا تزعل نفسك وعايزة اعترفلك بقى أني وصيت على هدية لخطيبتك وأن شاء الله تكون جاهزة في الخطوبة.....

هز رأسه برفض واستنكار قائلا بصدمة:- مستحيل !! مستحيل تكوني أنتي سما اللي واقفة قدامي !!

نظرت للحاسوب أمامها وتابعت العمل وهي تجيب بلا مبالاة :-

_ اديني سبب واحد لدهشتك دي !! سيبني اكمل شغل بعد اذنك عشان اخلصه بسرعة...

تابعت العمل وتركته يقف بغليان الغضب ولم يحسب تصرفاته وهو يجذبها من يدها بعنف لتقف أمامه ثم قربها إليـه قائلا بألم رغم شدة غضبه :- كنت متوقع أنك تلوميني ، وتعاتبيني ، تصرخي حتى وتعملي أي حاجة غير أنك ترضي باللي بعمله !!

نظرت ليديه التي تسجنها بعنف ثم تمصلت من قبضته حتى تخلصت منه وابتعدت....نظرت له بشراسة لثوانٍ لتقع يدها على وجهه بصفعة عنيفة...أشارت له بنظرة كراهية:-

_ أنت لا ليك عندي لا لوم ولا عتاب وكلامك ده وهم عايش فيه لوحدك...واللي انت عملته دلوقتي ده نتيجته أني همشي من هنا بشكل نهائي ، والعقد اللي معاك بله وأشرب ميته...انا ما اقبلش اشتغل مع واحد قليل الادب وسافل ومش محترم زيك...

أخذت حقيبتها وخرجت من المكتب تحت نظراته المذهولة....ظل للحظات صامتا بجمود حتى بدأ يدفع كل ما تطاله يداه...

خرجت سما من المكتب ومرت بمكتب حميدة التي لاحظت غضبها بقلق وهتفت بها...ولكن سمـا وكأنها لم تنصت لأحد....

*************

بالطريقــ....

كانت تسير وكأنها غائبة عن الوعي...فقط تتحرك...كيف يستطيع المرء أن يشعر بالهزيمة والانتصار بذات اللحظة ؟!

أن يكن يتنفس ولكن به شيء لفظ أنفاسه الأخيرة ؟!

جلست بأتوبيس شعبي...كان خاليًا وحمدت ذلك...حتى اجهشت بالبكاء وظهر ضعفها والمها....لم يكن الفراق هو مصدر الألم بل طوق النجاة من رؤيته مع أخرى...ولكنها رغم ما قالته وما فعلته...تعترف بالهزيمة أمـام نفسها...ادركت أن دموعها هذه ستكن الأخيرة....ربما الالم يخطي خطوته الثانية وهي الصمت...جمود الروح بأنفاس تحيا...

ربما تستطيع نسيانه ذات يوم...ربمـــا !!

مال رأسها على زجاج النافذة المستطيلة...وجفت الدموع بالصمت...انتظرت دقائق حتى بدأ يأتي الركاب دفاعاً...تفاجئت بيد تربت على كتفها...كانت حميدة...قالت باستياء:-

_ انا مابقتش فاهمة حاجة....لا فهماكي ولا فهماه !! ده بيدور عليكي زي المجنون، مصمم ترجعي...العقد اللي مضيناه يلزمنا بسنة شغل...مش عارفة الأمور هتوصل لفين !!

اجابت سمـا وكأنه كبرت بالعمر فجأة...هجرها ذلك المرح بعينيها وقالت :-

_ مش راجعة...أنا مشيت بكرامتي...مشيت بعد ما رديتله القلم اللي ادهولي...كفاية اللي فات عليـه....مايستحق لحظة تفكير تاني في اللي جاي...

جلست حميدة بجانبها وقالت ببطء مؤلم :-

_ مش قادرة أقولك أنك غلط ، بس مش عايزاكي تفضلي في الحالة دي كتير ، ارجعي زي ما كنتي وكملي حياتك كأنك ما شوفتهوش...

هزت سما رأسها برفض :-

_ مش هعرف أنسى اللي حصلي....بس بصراحة انا كنت استاهل ، عايزة افضل فاكرة عشان ما ارجعش العبيطة بتاعت زمان...

حميدة بتساءل وقلق :- هتعملي إيه دلوقتي ؟

تنهدت سمـا بكل قوتها واجابت :- هدور على شغل تاني...بداية تانية ، مع ناس تانية....وسمـا تانية..

ادمعت عين حميدة برجاء:- بس أنا مش عايزة سمكة تتغير !!

سما بسخرية مريرة :- طب يرضيكي أن ده يحصلي تاني ؟! الناس مابترحمش الطيب...بيوجعوه كأنهم حالفين يخلوه شبههم ، بس الطيب لما بيتغير بيبقى زي العود اللي ولع في كوم أش....

حميدة بألم :- في يوم هتقابلي اللي يرجعلك روحك من تاني...

صمتت سمـا وعادت النظر إلى النافذة...لا تعرف ما ينتظرها ولكنها بكل الطرق لا تريد رؤيته حقاً...

**********

**بغرفة السطوح**

هتفت رضوى بغيظ لسقراط وقالت :-

_ أنا مش قلتلك خليك هنا على ما ارجع من السوق !! البت راحت فين ؟!

تطلع سقراط حوله بقلق ثم أجاب :-

_ كنت في الورشة بساعد أبويا في حاجة كده واتأخرت ، هروح اقلب الدنيا لحد ما الاقيها...

كاد سقراط أن يركض للأسفل حتى تفاجئ بعودة حميدة مع سمـا...دهشت رضوى قائلة بعدم فهم :- في ايه ؟!

قال سقراط بحدة :- كنتي فين ياهانم ؟!!

أشارت حميدة له بتحذير وقالت :-

_ روح أنت دلوقتي وقول لأبويا مايمشيش بعد الغدا عشان عايزاه...

مط سقراط شفتيه بغيظ ثم ذهب....

كررت رضوى سؤالها فجذبتهم حميدة للداخل.....

بعد مرور دقائق.....

هتفت رضوى قائلة :- بت راجل يابت....والله جدعة ، ده انا كنت هموت واعمل كده امبارح...بس يارب تكوني قويتي وانتي بتضربيه...

قالت سمـا بتيهه :- قويت...قويت لدرجة مخوفاني

ربتت حميدة على يدها وقالت بحنان :-

_ قومي خديلك دش كده وفوقي على ما نحضر الغدا يا سمكة ، انا اخدت اجازة النهاردة من يوسف لما شوفت خارجة...وحتى بكرة مافيش شغل عشان فرح قريبتهم...صحيح كنت هنسى...

يوسف وجاسر عايزينا انا وجميلة نروح معاهم الفرح والعروسة بنفسها عزمانا...بس أبويا مش هيرضى الا اذا قلتله اننا كلنا رايحين مع بعض...ساعتها هيطمن أكتر..

نظرت سما لحميدة بحدة فقالت حميدة بتوضيح :- اللي عرفته أن آسر مش رايح ، جاسر قال ليوسف كده...عشان خاطري وافقي يا سمكة حتى تغيري جو...

قالت سما وهي تنهض :- لو عم سمعه وافق هروح معاكم...بس مش هنتأخر

قالت حميدة سريعا :- كلها ساعة زمن مش اكتر...هنروح ونرجع تاني على طول...

**********


**بمكتب آسر**

وقف رعد ينظر لآسر بمزيج من الغضب والشفقة حتى انتهى يوسف من تطهير الجرح الذي لحق بيد آسر إثر دفعه لكل ما أمامه حتى جرحت يده بشظايا متكسرة لزهرية ورد زجاجية...

وقف يوسف قائلا بمحاولة ضبط عصبيته من تصرف آسر الثائر وقال :-

_ دي نتيجة تصرفك يا آسر ، ما تلومش حد على اللي حصل غير نفسك..

نظر آسر بنظرة تتمثل بالجمر اذا اشتعل وقال بعنف :-

_هترجع غصب عنها ، مش بمزاجها تمشي

هتف يوسف بعصبية :- كفاية بقى يا آسر لحد كده ، كفاية اللي عملته فيها !! أنا مابقتش فاهمك !! أنت عايز تبعد عنها ولا عايزها جانبك !! تصرفاتك كلها عكس بعض !!

أغمض آسر عينيه بألم ولم يجيب...فكيف يجيب وهو ذاته تائه ولم يجد قارب النجاة...

قال رعد بلطف وضيق لأجله :-

_ بس أنا فاهمك...أنت عايزها جانبك لحد ما تلاقي نفسك ، بتبعدها بس مش عايزها تبعد ،عايزها تتمسك بيك عشان تثبتلك أنها بتحبك بجد ومش هتسيبك...بس هي معذورة برضو...

نظر له آسر بمرارة وألم :-

_ معذورة!! اعترفتلي بنفسها أني زي أخوها الكبير طول الفترة اللي فات ولحد النهاردة وتقولي معذورة !! نفس الكدب والخداع كلهم كده ، كلهم كدابين ومعندهمش رحمة...لايمكن تكون حبت وتقول كده !!

رعد بضيق :- اللي انت عملته مش شوية ، ماتفكرش في رد الفعل ، فكر في الفعل نفسه اللي خلاها تعمل كده !!

قال يوسف بتفكير :- في فرصة تانية تتكلموا فيها...هي ممكن تحضر بكرة فرح سمر مع حميدة وجميلة وده اذا ابو حميدة وافق ، حاول تتكلم معاها...

هز آسر رأسه رافضا :- مكنتش ناوي احضر بعد ما اتكلمت مع شاهي امبارح بعد الخطوبة بس دلوقتي أنا هروح...وشاهي هتكون معايا ، هحسسها باللي حاسه مش هعديهالها بالساهل...هعرفها أزاي تمشي..


***********

بحلول المساء باليوم التالي....

**بقصر الزيان**

تخلصت للي أخيرا من قبضته وابتعدت ضاحكة وهي تضع احمر الشفاه من جديد أمام المرآة بعدما تهيأت لحضور زفاف سمر مع زوجها....قال بغيظ :- مش هنتأخر

كتمت ضحكتها وهي تعاين استواء الملمع على شفتيها وأجابت :- اوك ، زي ما تحب..

جذبها اليه وقال بمكر وابتسامة تتراقص على شفتيه :- أحب أوي

قالت بعتاب :- ماقولتش رأيك في الفستان !!

أجاب بتبتسامة واسعة :- كل مرة تستعجلي !! انتي بتخطفي عنيا عن أي فستان بتلبسيه مهما كان حلو....أنتي الأحلى دايمًا في كل حاجة....

أقترب مجددا بمكر فقالت وهي تبتعد عنه بضحكة :- يلا عشان هنتأخر...

اطلقت ضحكة عالية عندما اشتد غيظه حتى ابتسمت بالتدريج وهو يرى أشراقتها الخلابة....كأن الجمال المدمر تعاقد معها مجددًا...

خرجت ويدها بيده بابتسامات متبادلة بينهما...لم تغفل عن حلته السوداء الانيقة....التي تظهر عرض كتفيه مع ضيق الخصر....تبدو السعادة ظاهرة عليه بشدة....واحيانًا كثيرة تتعجب من رقم عمره...فهو يبدو أصغر من هذا الرقم....

خرجت معه من القصر ودخلت سيارته الخاصة....تعجبت قائلة:-

_ فين السواق ؟!!

جلس بمقعد القيادة قائلا بغمزة ماكرة :- أنا السواق ، مش حابب حد يبقى معانا في أي سهرة...حتى لو سواق...

قالت بمكر :- مكنتش أعرف انك غيور للدرجادي !!

اشتدت نظراته مكرا وأجاب :- مش عايز حد يشوفك غيري...ولا يشوف ضحكتك غيري ، ولا حتى نظرة عينك حد يشوفها...

ابتسمت بخجل شديد ثم نظرت له قائلة بعشق وبعض المشاكسة :- طب لعلمك بقى انا كمان غيورة...خلي بالك..

ابتسم بمحبة قائلا :- ده لو قدرت اصلا ابعد عنك خطوة واحدة...

تشاركا الابتسامات العاشقة ثم قاد سيارته بابتسامة لم تفارقه...

********


وقف الفتيات أمام المرايا لتقل رضوى شاكرة :-

_ لولا شنطة المكياج اللي اديتها للي لحميدة هدية امبارح وعلمتنا أزاي نستعملها كان زمنا محتاسين...

قالت حميدة وهي تنظر لرسمة عينيها بتمعن :-

_ والله للي دي مش عارفة اردلها جمايلها أزاي ، دي حتى بعتت بنت من الكوافير بتاعها جابلنا فساتين ، ده احنا لو بنأجر أو بنشتري كان اتخرب بيتنا...

عقدت جمياة ربطة حجابها جيدا وقالت :- لازم نشكرها النهاردة ونقدملها الهدية اللي محضرينها...كويس أن سما ورضوى جايين معانا ، الله يخليك ياعم سمعه أنك وافقت والا كان هيبقى شكلنا وحش قدام العروسة...

وقفت سما بردائها الفيروزي تنظر لوجهها المشرق بالمرآة وهي تعرف أن خلف هذه الحمرة نيران كالبركان تتقد بقلبها..

اتى سقراط بعجالة قائلا :-

_ يلا عشان يوسف مستنيكوا بالعربية تحت....هوصلكم وارجع تاني...

نزر لسما بنظرة ذات معنى وقال :-

_ وعلى فكرة آسر مش معاهم ، شكله مش رايح

دق قلبها براحة وتعجبت من شعورها بالنفور من رؤيته !!

استعجلت حميدة الفتيات حتى خرجوا جميعاً....

تفاجئت رضوى بأن رعد لن يذهب معهما بالسيارة فقال رعد بنظرة مبتسمة لرؤية رضوى بهذا المظهر الفاتن :-

_ سقراط هيوصلكم اسر هيسوق ،وانا ويوسف هنحصلكم..

اطمأنت رضوى بذلك وحاولت أن تخفي سعادتها وهي تندس بجانب الفتيات حتى ضاق المقعد الخلفي عليهن. الأربعة....رمقهنّ جاسر بضحكة وقال :- معلش نستحمل الزنقة لحد ما نوصل...

*********

أمام فيلا الزفاف....

وقفت سيارة جاسر أمامها وسط حشد من السيارات المصطفة...وخرج منها الجميع.....

قال سقراط :- طب هستناكم هنا في العربية ، انا ماليش في الجو ده

أعترض جاسر ولكن سقراط أصرّ فتركه جاسر بمشيئته....

وقفت سيارة أجرة بعد دقيقتان وخرج منها رعد ويوسف ولحق بيهما....

نظر الفتيات للفيلا الضخمة ليقل جاسر بابتسامة :-

_ ما تتخضوش ،القصر بتاعنا اكبر بأضعاف أضعاف الفيلا دي وأجمل كمان ، بكرة تشوفوه...

نظر الفتيات لبعضهن بقلق وكأن ما قاله أثار حفيظتهنّ وليس سعادتهنّ !!

استقبلهم أحد الأقارب للعروس وهو شاب منيف الطول وسيم الطلة لدرجة كبيرة......ابتسم لجاسر بترحاب قائلا :-

_ واحشني يا دنجوان عليتنا

نظرت جميلة لجاسر بنظرة غاضبة فرمقها جاسر بتوجس ثم عاد لقريبه "خالد" قائلا بغيظ :- ماخلاص بقى عقلنا وتوبنا من زمان ياعم أنت ، ابو غلاستك !!

قهقه خالد بشدة وقال :- الدونجوان عقل !!! ، طب الحمد لله خبر كويس ، مش هتعرفني !!

نظر جاسر للفتيات وبدأ التعارف وهو يشير لكل واحدة :-

_ جميلة...خطيبتي ، حميدة...خطيبة يوسف ، رضوى...

هتف رعد بعصبية :- سكرتيرتي....عايز حاجة دلوقتي ؟!

نظر له خالد نظرة ضيقة ماكرة وقال مبتسما :- خالص

تابع جاسر :- سما....سما....

تحيًر في تعريفها قليلًا لتقل الفتيات بنفس واحد :- اختنا

نظر خالد لسما التي كانت صامته بغموض أثار فضوله وقال :-

_ اهلا بيكم ، اتفضلوا..

قال يوسف بمزاح :- ياعم وسع ، ده انت غتت غتاته ياجدع !! انت بتعزمنا في بيتنا !!

أجاب خالد بضحكة :- لسانك بيطول لا إراديـًا معايا مش فاهم ليه!!

دلف الجميع وسط ضحكاتهم حتى لاحظ الفتيات أن العروس لم تظهر بعد....تساءلت حميدة بهمس :- هي العروسة لسه ماجاتش ؟!

اجابت رضوى :- شكلها كده....وشكلنا هنتأخر !!

كادت حميدة أن تجيب حتى أتى يوسف واستأذن من الفتيات ليتحدث مع حميدة قليلا فذهبت معه لخطوات مبتعدة فقط...

فعل جاسر ذات الأمر حتى ما تبقى سوى رضوى وسما....

اتى رعد وتظاهر بالجدية قائلا :-

_ على فكرة يا رضوى انتي غلطتي في الحسابات وكنت مستنيكي تيجي الشغل بس خدتي اجازة امبارح !! لو سمحتي تعالي نراجعها عشان عندنا مقابلة مع عميل بكرة الصبح...

تفاجئت رضوى بتوتر :- غلطت !! فين ده ؟!

أشار لها قائلا :- لو سمحتي تعالي نقعد في مكان هادي عن الدوشة ونراجعها ، في الجنينة مثلا

قالت رضوى بحدة :- هراجعها في ثواني ،انا صعب جدًا اغلط ،ده أنا براجع كتير أوي !!

أشار لها بنظرة آمرة وقال :- تعالي اتأكدي بنفسك يا استاذة !!

استأذنت رضوى قليلا من سمـا ثم ذهبت....

نظرت سما حولها ولاول مرة تشعر بالوحدة والفتيات معها...شعرت بوخزة ألم بقلبها حتى أتى أمامها خالد فجأة ومعه كوب آخر من العصير ووجهه اليها قائلًا بابتسامة :- اتفضلي العصير ، انتي ضيفتنا

رفضت بتهذيب حتى اعطى خالد الكوب لأحد الخادمات التي تمر بالمشروب.....قال متساءلا :- شوفتك واقفة لوحدك ، ماهونتيش عليـا...

لم يروق لها كلماته فقالت معتذرة :- بعد اذنك

همت بالابتعاد حتى أوقفها باعتذار :- أنا أسف مش أقصد....

صمت للحظات وهو يتفحص نظراتها الغامضة والتائهة قائلا :-

_ نتكلم في أي حاجة على ما العروسة تيجي..ٱنتي بتدرسي؟

هزت سما رأسها بالنفي فتابع :- بتشتغلي ؟

أطرفت عينيها بألم ويبدو أن حتى الغرباء سيذكرونها به فأجابت :-

_ كنت بشتغل ، بس سيبته

قال مستفسرا:- كنتي بتشتغلي إيـه؟

ضاقت سمـا من استجوابـه ولكنها اجابت باختصار:- سكرتيرة..

ابتسم خالد بمكر ثم اخفى ذلك سريعا وقال :-

_ طب إيه رٱيك في عرض فرصة....أنا لسه بادئ شغل في شركة عمي وجيه الزيان...بشتغل بقالي اسبوع تقريبًا ، محتاج سكرتيرة...إيه رأيك ؟

كادت أن تجيب حتى قطع حديثهما آسر بشراسة :-

_ العرض مرفوض يا خالد ، لأنها سكرتيرتي

استدارت سما خلفها بصدمة من وجوده حتى تقابلت نظرتها مع نظرته العاتبة بألم عاصف من وقوفها مع هذا الغريب عنها....تطلعت به للحظات ثم قالت فجأة دون لحظة تفكير :-

_ العرض مقبول يا استاذ خالد...هشتغل معاك في شركة الزيان

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والثلاثون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة