-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن والثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية رومانسية مصرية جديدة للكاتبة الشابة المنطلقة بقوة فاطمة علي محمد نقدمها علي موقعنا قصص 26  وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد.

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن والثلاثون

تابع أيضا: قصص رومانسية
رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد

رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثامن والثلاثون

 قصر السيوفي.

تحديدًا غرفة "حاتم".


تململت بفراشها بتكاسل لتجد نفسها مكبلة بقيودٍ بشرية تحاوط خصرها بتملك قوي، لتفتح عيناها بمجهود مضاعف فلازالت تحتاج إلى المزيد من الراحة والنعاس، لتلمح معالم وجهه البشوشة مصوبة إليها بعشق وهيام، عشق أطل من تلك الأعين المتوهجة بولهٍ صارخ، أعين تتأملها بسعادة غامرة، لتحمحم هي بخجل أشعل وجنتاها إحمرارًا:

- صباح الخير يا حبيبي.


لازالت أنظاره العاشقة مستقرة نحو ملامحها الخجلة بعشق وغرام، لتتسع إبتسامته قليلًا، هامسًا بنبرة أذابتها عشقًا :

- صباح الحب والعشق والجمال على عيونك يا أحلى "ديدا" بالكون..... صباحك زي ضحكتك اللي جننتي دي..... صباحك زي قلبك الطيب..... صباحك في حضني كل يوم ياقلبي... صباحية مباركة يا عروسة.


إشتعلت وجنتاها خجلًا متضاعف، لما أطربها به من وصلة غزل لم تعتد عليها بعد، فبالأمس كانت ليلتهم الأولى، كانت ليلة أبعد ماتكون عن خيالها المتوجس، فقد أغدقها "حاتم" بنهر عشقه الجارف، وأفاض عليها بفيضان أشواق متدفقة أقسمت أنها لم تهدر سوى لأجلها فقط، كأنه وُلد بتلك الليلة ليكون معشوقها المتيم، أقسم فؤاده أنها الأولى والأخيرة به، وما أحسه قديمًا لم يكن سوى تعود وتحدٍ لعائلة "السيوفي" التي كانت ترفض هذا الإرتباط، أو بالأحرى تحد لـ" فريدة" هانم "السيوفي".


مشاعر جياشة أشعلت قلب "حاتم" لتقسم له بالهلاك عشقًا ببحور هواها المهلكة.


أما "هايدي" فمشاعرها البكر نضجت وأزهرت بمحراب عشقه المتيم، لتتأكد أنها حقًا دكت حصون قلبه وإستوطنت قلاع عشقه الحصينة ، لتتوج ملكته الأولى والأخيرة.


سعادة غامرة إجتاحت أوصالها و إختلطت بخجل شديد، لتتلاطم دقاتها بإندفاع جامح، فتهمس بحمحمة :

- الله يبارك فيك.


لازالت نظراته تُربكها وتشعل توترها، لتحاول التملص من بين يديه، مردفةً بخفوت :

- هتفضل تبصلي كتير كده؟!!!


مال بجذعه نحو طاولة صغيرة بجوار الفراش، ليلتقط من أعلاها ملف ورقي، ويناولها إياه بجدية، مردفًا برفق :

- إتفضلي ده.


تناولته منه بدهشة مردفةً بتعجب :

- إيه ده يا حبيبي؟!!!


تنهد "حاتم" ببعض الراحة، مردفًا بإبتسامة خفيفة :

- ده عقد لأسهم تمتلكيها بقناة تلفزيونية شهيرة.


ضيقت "هايدي" عيناها بعدم فهم، هاتفة :

- مش فاهمة... أسهم إيه؟!! .....و قناة إيه؟!!!...


إلتقط يدها ليقبلها بعشق، مردفًا بإبتسامة حانية :

- دي هدية جوازك يا حبيبتي .... وبعدين مش إنتي خريجة إعلام برضه؟..... يعني تفهمي في الموضوع ده، وده شغلك.... بس خودي بالك، ماعنديش ستات تشتغل مذيعة، يعني أخرك شغل إداري فقط.


رمقته بنظرات عاشقة، هامسةً بسعادة :

- إنت عملت كل ده عشاني؟!!!... يعني بجد إنت بتحبني؟


نظرات متيمة، ولهة كانت جوابه، فالكلمات ذابت بين الشفاه حينما أقترب منها بشغف لينقض على شفتيها بإشتياق عاشق متيم، ويغوصا سويًا ببحر عشقهما الهائم.


************


غرفة الطعام.


إجتمع الجميع حول مائدة الطعام التي تترأسها "فريدة" من طرف، والطرف الآخر "ثائر" وإلى يمينه "همس" وإلى يساره عبد "العزيز " و "حنان" و "عمر"، أما إلى جوار "همس" فجلست "ضحي" وإلى جوارها "خالد". أما "هيا" و"حمزة" فإلي جوار "نجلاء" التي إحتلت مقعدها إلى يمين "فريدة"، أما مقاعد "حاتم" و "هايدي" فمتأهبةً لإستقبالهما بشغف إنضمام تلك الأميرة إلى طاولة طعام عائلة "السيوفي".


قطعت " فريدة" قطعة من الزبد ودهنتها بقطعة من الخبز المحمص لتأكلها بتلذذ مردفة بسعادة :

- ما شاء الله، كانت ليلة تحفة إمبارح، و كمان بابا "هايدي" راجل طيب ومحترم قوي .


لاكت "نجلاء" الطعام بفمها وإبتلعته بهدوء مردفةً بتأييد :

- عندك حق والله ياماما فعلا طيب وبشوش، حاسة إنه عشرة عمر مش أول مرة نشوفه ، وكمان ما شاء الله مع إن ليلتهم كانت عائلية، بس كانت حلوة قوي.


بينما وضع "عمر" قطعة الجبن بفمه، مردفًا بتهكم :

- والصراحة طنط طيبة قوي وماقدرتش تبعد عن عمو ، ماصدقت تجوز "ديدا" وعلي الفجر كانت مسافرة معاه.


رمقه "عبد العزيز " بنظرات عاتبة، وأردف بجدية :

- الست مالهاش إلا جوزها يا"عمر"، يعني المكان اللي جوزها موجود فيه، لازم تكون موجودة فيه، وده طبعًا إذا أمكن..... وبعدين والدة "هايدي" كانت قاعدة في مصر عشان "ديدا" وجامعتها، يعني أكيد آن الأوان إنها تكون جنب جوزها.


وإستندت "حنان" بساعديها أعلى سطح الطاولة، مرددة بتأييد :

- عندك حق يا "عبد العزيز "


لتلتفت نحو الفتيات بنظراتها الحانية، مكملةً :

- فعلًا، الست لازم تكون جنب جوزها فين ماكان مايكون، ولازم تكون جانبه في المُرة قبل الحلوة، وبنت الأصول اللي عمرها ماتحسس جوزها أنه مقصر معاها يوم، ولا عمرها في يوم تقصر في حقه.... و لا تيجي يوم تمن عليه بفضلها أبدًا ، أو إنها إتحمله في أوقاته الصعبة..... الست الأصيلة، اللي سر بيتها مايخطيش عتبته، ولايوم تنيم جوزها منها زعلان..... دايما تكون الضحكة اللي بتهون عليه شقا يومه، تكون ليه بر الأمان اللي بترسي عليه سفينته آخر النهار.


إلتفت كل زوجين بأنظارهما لبعضهما البعض، نظرات عاشقة متبادلة، نظرات إمتنان وشكر للمولي عزوجل بأن تكرم عليهم وأغدقهم بفائض فضله وكرمه، بأن رزقهما زوجًا وزوجة صالحة، ليميل "ثائر" نحو "همس" هامسًا بخفوت وعشق جارف :

- ربنا يخليكي ليا يا أجمل هدية جاتلي في حياتي.


مالت نحوه هي الأخري بدهشة مصطنعة، وضيقت عيناها بإستنكار مردفةً :

- أنا أغلى هدية؟!!!.... أومال البامبينو اللي كلها كام شهر وينور حياتنا ده يكون إيه؟!!!


إلتقط "ثائر" يدها، وإحتضنها بقبضته الحانية، مردفًا بسعادة :

- ده نعمة ربنا علينا، وأكيد مفيش حد في سعادتي إن ربنا كرمنا بالبيبي ده، بس سعادتي الأكبر إنه منك إنتي يا "همس".... ولو ربنا كرمنا بعشر أطفال حتى، هتكوني إنتي أغلى هدية فيهم، وتكوني إنتي دايما وأبدًا طفلتي وأميرتي المدللة.


إشتعلت وجنتاها خجلًا، وطوفت وجوه الجميع بنظراتها المرتبكة، لتجد كل منهم مشغول بطعامه، أو ربما يتصنعون التركيز بطعامهم، لتتملص بيدها من قبضته بهدوء وخجل، إلا أنها وجدت يدها ترتفع بين يده حتى إستقرت أعلى شفتاه، ليدمغ قبلته العاشقة، فسرت تلك الرجفة القوية بأوصالها، لتصاحبها خفقات قلبها الثائر.


حينما وضع "حمزة" يده بحنان يتلمس موضع جنينها بسعادة، همس إلى جوارها بعشق :

- عايز بنت، وتكون شبهك يا "يوكا"، وتكون واخدة منك كل حاجة حبيتها فيكي، حاجات لو قعدت أعد فيها للصبح مش هتخلص..... عارفة إنك الوحيدة في العالم اللي من دمي، وحتة مني، وده لحد الآن يعني، لحد ما" يوكا" الصغنونة تشرف حياتنا وتنورها.....


وتنهد بسعادة مكملًا :

- ربنا يخليكوا ليّا يا أحلى ما في حياتي.


وضعت "هيا" يدها أعلى يده بعشق وغرام، لتذوب ببحر عيناه التي أسرتها لسنوات وسنوات، وهمست بعشق متيم :

- ربنا يخليك لينا يا أغلى ما في حياتنا.... ربنا يخليك ليا ياحبيبي.


بينما مال "خالد" بجذعه نحو "ضحي" ، ليهمس إلى جوارها بعشق متيم، أطال بعده وجفائه :

- أجمل حاجة حصلتلي في حياتي، إنتي يا "دودي".... بحبك.


أتفوه بها ذلك الأبله؟!!!!..... فمنذ تلك الليلة المشؤمة وهو يتلاشى الحديث معي!!!!..... يتلاشى النظر إلى عيناي!!!!!..... يتلاشى الإقتراب إليْ!!!!!!....

مايقارب الشهر يتجاهل البوح بما يجول بصدره من حديث!!!!

رغم كل هذا، فهو دائمًا مايغدقني بحنانه الفياض، دائمًا مايجذبني إلى وطني الآمن، لأستقر بين ذراعيه فأغط بسباتٍ عميق.

أرى لهفته وشوقه بمقلتاه، إلا أنه يفضل الإبتعاد،و لايقوي على المواجهة....


أحيانًا أمقت هذا الفتور، وتلك اللامبالاة، لأجده يحاوطني بسيل عشقه الصامت، فطوال تلك الفترة وهو يزاولني بمشاعر متناقضة!!!!!.


سرى ذلك الإرتباك الطفيف بأوردتها، لتلتقط قطعة خبز وتلتهمها بتوتر، دون إبداء أية ردة فعل على ما أطربها به معشوقها. ليتنهد "خالد" بيأس، وقلة حيلة، مطوفًا "ضحي" بنظراته المستنكرة وأردف بدهشة :

- براحة يابنتي ، إنتي تخنتي!!! وكده من لطيف، هتخليني أغير رأيي.


إلتقطت "ضحي" بيضة لتقضم نصفها وتلوكه بلامبالاة، لتنفرج إبتسامة خفيفة على ثغر "خالد"، ويلتقط منها النصف الآخر، ويتناوله بتلذذ مردفًا بسعادة :

- طعمها حلو قوي يا "دودي".


بينما قطع حوارهما رنين هاتف "ثائر" الذي إلتقطه بحماسة وثبات ، ليجاوبه الطرف الآخر بما أسعد ملامحه، ليُنهي الإتصال مردفًا بثبات وسعادة :

- مبروك يا "عمر".... ٩٨ ٪، يعني نقدر نقول.. مبروك ياباشمهندس "عمر".


هب "عمر" من مقعده بسعادة ودهشة، مردفًا بإنكار :

- إنت بتهزر يا "ثائر"؟!!!..... النتيجة لسه هتظهر بكره..... طب إحلف .


نهض "ثائر" من مقعده، بعدما صدح هاتفه بإستلام رسالة، ليفض سطورها بعينيه، ويوجهها صوب "عمر" الذي إلتقط الهاتف بدهشة وذهول، فقد كانت تلك الرسالة بيان تفصيلي لدرجات "عمر" ليتأكد من صحة إدعاء "ثائر". تقافز بسعادة وفرحة، صارخًا بحماس :

- نجحت.... نجحت يابشر..... نجحت يا" زيزو"..... نجحت يا "نونا"..... نجحت ياقوووم.


نهض الجميع فرحين لنجاح ذلك المشاكس الذي سكن قلوبهم وإستعمرها بطيبته، ومشاكسته، وروحه المرحة، لتركض "همس" و "ضحي" و "هيا" صوبه، وتعالي غنائهن السعيد :

- الناجح يرفع إيده.... هى.... نغني في عيدنا وعيده... ونقول ونقول... ناجحين على طول........ ونجاحنا يطووول


بينما ركض "عمر" نحو والده، وإنحني إلى يده ليقبلها بإحترام وتقدير. أمسد "عبد العزيز " على رأسه، مردفًا بسعادة تتخطى حدود قلبه :

- مبروك يا حبيبي..... ألف مبروك ياباشمهندس.


إستقام "عمر" بوقفته، وأشار بسبابته إلى أعلى مردفًا بزهو وتفاخر :

- لا...... حضرة الظابط "عمر عبد العزيز ".


وركض نحو "ثائر" بسعادة، ليرتمي إلى أحضانه صائحًا بإمتنان :

- شكرًا يا وش الخير..... شكرًا يا "ثائر".


شدد "ثائر" من إحتضانه، مربتًا على ظهره برجولة وحماس، ومردفًا بفخر لذلك "العمر":

- إنت تستاهل كل خير يا "عمر"، طلعت قد المسئولية.


إبتعد عنه قليلًا وأخرج من جيب سترته مفتاحًا، ليحركه مقابلًا لوجه "عمر" مردفًا بسعادة :

- ودي هدية نجاحك مني ومن "همس".


لتتفاجأ "همس" بذلك الأمر، لكن سرعان ما تصنعت المعرفة، وطوف "عمر" ذلك المفتاح بدهشة ، ليستقر بأنظاره نحو "ثائر" مردفًا بدهشة :

- مفتاح إيه ده؟!!!


إلتقط "ثائر" يد "عمر" ووضع بها المفتاح، مردفًا بثبات :

- مفتاح عربية آخر موديل، هدية نجاحك.


إتسعت إبتسامة "عمر" الممتنة، ووضع المفتاح بيد "ثائر" مردفًا بسعادة :

- فرحتك ليّا أحسن هدية عندي يا "ثائر"، لكن سامحني مش هقدر أقبل هدية غالية زي دي، لأني مش هقدر أردها على الأقل حاليًا.


أعاد "ثائر" المفتاح إلى "عمر" مرددًا بمحبة وأخوة صادقة :

- أعتقد مفيش أخ بيستني أن أخوه يرد الهدية، ودي مني ومن "همس"، يعني من إخواتك.


إبتسم "عمر" إبتسامة ممتنة، وردد بمحبة :

- أكيد أنت أخويا ودي عيلتي، بس والله ماهقدر أقبل هدية بالشكل ده.


لتنفرج إبتسامة فخورة من الجميع بذلك الشاب العزيز النفس، أما "همس" فإتجهت نحوه وإحتضنته بفخر، وإمتنان لكبريائه.


إبتعد عنها قليلًا ليسيطر على تلك الدمعة التي أوشكت على التمرد. فحقًا... كم إشتاق إلى حنان وعطف شقيقته، ليردف بمزاح :

- كده بقا أقطع علاقتي بـ "بسنت" وأنا ضميري مرتاح.


لتتعالي ضحكات الجميع بسعادة عمت أرجاء المكان، حتى أردف "عبد العزيز " على إستحياء :

- نستأذن إحنا بقا، ومرة تانية ألف شكر على حسن الإستقبال، وإبقوا باركوا للعرسان بالنيابة عننا.


أجابته "فريدة" برجاء :

- خليكوا معانا شوية، مالحقناش نشبع منكم.


وإتسعت إبتسامة "حنان" الممتنة، مردفة :

- معلش والله يا ماما، لازم نرجع البيت، وكفاية إننا بيتنا هنا إمبارح.


بينما إقتربت منها "نجلاء"، وربتت على كتفها مردفةً بتذمر مصطنع :

- ماتقوليش كده تاني يا "نونا"، ده بيتك، وليكي فيه زينا بالظبط.


إنفرجت إبتسامة "حنان"، وربتت على يد "نجلاء" مردفةً بإمتنان :

- ربنا يديم المحبه والمعروف والأخوة بينا يارب..... بس إسمحولنا إحنا، وزي ما "أبو همس" قال :

- إبقوا باركوا لـ "حاتم" و "ديدا" لحد مانشوفهم.


ودعوا الجميع، متجهين نحو سيارة خصصها "ثائر" لهم، لتودع "همس" أسرتها حتى إنطلقت السيارة وغادرت القصر ، لتجد من يجذب يدها برفق إلى سيارته التي فتح بابها بإبتسامة عذبة، مردفًا بعشق :

- ممكن أميرتي الجميلة تركب العربية.


إلتفتت نحوه "همس" بدهشة، مردفةً بتعجب :

- هنروح فين؟!!


همس "ثائر" إلى جوارها بعشق :

- شوية وهتعرفي.


وإستقلا السيارة سويًا، وإنطلق "ثائر" إلى مقصده.


*************


مكان ما، ببناية ما.


صف "ثائر" سيارته أمام تلك البناية، وإلتقط تلك العصابة البيضاء، ليقترب بجذعه من معشوقته محاوطًا رأسها بكلتا يديه لتسكن أحضانه ووطنها الآمن مغمضةً عيناها بإستسلام، مستنشقةً عبق عطره الذي يُهلكها لآخر ذرات كيانها، لتتنهد بوله وشوق آسر لنبضات قلبه الصارخ بأحرفها المتيمة، أما ذلك الثائر فأخذ يعصب تلك العصابة حول عينيها برفقٍ و عشق؛ حتى إنتهى من إتمام عصبتها ، وسط سكونها بين ذراعيه، لتنفرج إبتسامته العاشقة لحال معشوقته، فدنى من وجنتها، ليدمغ قبلته المطمئنة بعشق ، وإبتعد عنها قليلًا مردفًا بسعادة وثبات :

- لحظة واحدة.


وغادر سيارته موصدًا بابها برفق، ليستدير حول السيارة إلى أن وصل إلى بابها وفتحه بهدوء، ملتقطًا يد معشوقته بحنان، ومحاوطًا كتفيها بذراعه الحانية، وغادرا السيارة ليستقيما بوقفتهما أمام تلك البناية، وهمست "همس" بتوتر وإرتباك :

- إحنا فين يا "ثائر"؟!!!..... وليه غطيت عيوني؟!!!


شدد "ثائر" من ضمها إلى صدره، وأردف بخفوت إلى جوارها :

- بتثقي فيّا؟


إلتفتت برأسها نحوه بحركة لا إرادية، ورمقته بعيونها المعصوبة، كأنها تغوص ببحر هواه الآسر، هامسًا بعشق جارف :

- أكتر ما بثق في نفسي.


لتنفرج إبتسامته العاشقة لعلمه المسبق بجوابها، وهذا ما يتيقن منه حقًا، وإقترب من جبينها دامغًا قبلته العاشقة مستنشقًا شذاها بولهٍ مغرم، ليخطو بها صاعدًا بضع درجات رخامية، تليها أخرى، حتى إستقلا مصعدًا للحظات ولا زالت تتشبث بوطنها الآمن، حتى توقف المصعد و غادراه سويًا ، ليخطوا بضع خطوات أخرى حتى توقفا تماما، فأزال "ثائر" العصابة عن عينيها، وحركت هي أهدابها المهلكة لعدة مرات حتى إعتادت على إضاءة المكان، لتستقر عيناها المندهشة نحو تلك اللافتة المزينة بحروف "Hams El Radio" ...

نعم..... كما جال بأذاهانكم!!!!

لقد أسس محطة إذاعية خاصة بها.


تسارعت دقاتها الفرحة، وتدلي فكها أرضًا، لتموت الحروف والكلمات بشفتيها، فلا تنصرها للبوح بمكنونات صدرها، فكان الناصر الأكبر لها أنها إستدارت نحوه وألقت ذاتها داخل أحضانه متشبثة بذراعيها بعنقه بقوة، لترفع ساقيها عن الأرض ويشدد هو من إحتضانها بحنان ورفق، متنهدًا بسعادة وراحة عاشق تمكن من إسعاد معشوقته، ولو بقدر قليل، لتصيح هي بعشق جارف :

- بحبك يا "ثائر"..... بحببببببك.


سعادة لا تضاهيها سعادة بالعالم، حتى لو فاز بمئات المناقصات بعمله، حتى لو حقق مليارات الدولارات كأرباحٍ يومية، فكل هذا لا يأتي نقطة ببحر سعادته لأجل تلك اللحظات، التي تسكن هي أحضانه، مُعلنةً عشقها وتملكها، ليهمس إلى جوارها بنبرة أشعلتها خجلًا :

- بعشقك "همسي".


تشبثت به بقوة وتملك أقوى، ولما لا وهي تستوطن قلب عاشق متيم؟!!!..... تستوطن قلب رجل تمنته نساء العالم!!!!.....

تستوطن قلب ثائر سكن لهمسها!!!!!..... تستوطن قلب "ثائر السيوفي "!!!!!.


وضعها أخيرًا أرضًا برفق، هامسًا بعشق ومزاح :

- طيب نعمل حساب لـ" همس" الصغيرة، وبلاش تهور كده يابنت الناس.


إستقامت بوقفتها، مربتةً بحنان موضع جنينها، مرددة بتذمر طفولي :

- لو سمحت.... ده "ثائر" الصغير، يعني اللي هيحبني ويدلعني هو وباباه.


قطب "ثائر" جبينه بغضب، رافعًا أحد حاحبيه بإستنكار، مردفًا بإعتراض :

- يدلع مين يا حلوة؟!!!!.....

لا... أنا كده أغير، إنتي مدللتي فقط.... يعني ولا ألف عيل يقدر يشاركني في دلالك أميرتي.


وجذب يدها دالفًا إلى الداخل، مردفًا بجدية :

- بلاش السيرة دي دلوقت لو سمحتي، خلينا في اللي إحنا فيه.


تعالت ضحكات "همس" المرحة، فتلك المرة الأولى التي تستشعر بها غيرة "ثائر" وتملكه.


وطوفت المكان بسعادة ودهشة خالطها الذهول، فالمكان حقًا مُعد ليكون أكبر محطة راديو بالشرق الأوسط، مجهز بأحدث الأجهزة، و الإستديوهات، والمكاتب، لتلمح بصدارة الإستديو ذلك المكتب المزين بلافتة ببابه تحمل حروف إسمها " أستاذة /همس عبد العزيز "، ليتراقص قلبها طربًا بين أضلعها ، فركضت نحوه متشبثةً بعنقه ثانيةً، ليحاوطها بسعادة وعشق، مردفًا بمزاح :

- لو كنت أعرف إن كل خطوة هتكون بين أحضاني، كنت عملته من أول يوم شوفتك فيه.


إبتعدت عنه قليلًا ولكمته لكمة خفيفة بصدره، مردفةً بخجل :

- بطل غلاسة بقا.


لتتعالي ضحكاته الرجولية التي دوت بأرجاء المكان فزلزلته طربًا، وزلزلتها عشقًا، ليردف بتقطع :

- غلاسة!!!!! ...... "ثائر السيوفي " يتقاله غلاسة!!!!!، طب لو حد سمعك من الناس اللي شغالة معايا، يقول عليّا إيه؟!!


هامت بضحكاته الآسرة، وملامحه المتوهجة، فهو دائمًا ما ينجح بأسر أنفاسها، لتتنهد بسعادة، مردفةً بتذمر طفولي :

- "ثائر السيوفي " على أي حد، مش على "همسه".


لتتوقف ضحكاته بشكل مفاجئ، ورمقها بسعادة عاشقة، ملتقطًا يدها ليدمغها بقبلته المتملكة، مردفًا بتأييد :

- أكيد.... مش على "همسه"..... بس ممكن أسألك سؤال يا "همس ".


ضيقت عيناها بدهشة، هاتفةً بتأكيد :

- مش محتاج تاخد رأيي.... إسأل وأنا هجاوب.


إلتفت قليلًا حتى أصبح مقابلًا لها بملامح أكثر جدية وثبات، وأردف بدهشة بعض الشئ:

- اللي عرفته إن يوم ما الصور وصلت على تليفوناتكوا، كل البنات ثارت وصدقت اللي شافوه، وإنتي الوحيدة اللي كذبتي عيونك، وكذبتي الصور دي، وحتى لما روحتي معاهم الشقة كان عشان ماتسبيهومش لوحدهم في موقف زي ده، وكمان عشان تثبتلهم صحة كلامك، مش شايفة ده موقف غريب شوية؟!!!


إلتمعت عيناها بدمعات متمردة، وتنهدت بقوة في محاولة ناجحة للسيطرة عليها، عاقدة ذراعيها أعلى صدرها، لتحتضن ذاتها وتبث بعض الآمان لروحها المطعونة ، هاتفةً بإستنكار من كلمته الأخيرة :

- غريب شوية؟!!!!!


وتنهدت ببعض العتاب، مردفةً بعشق :

- لأ مش غريب ولا حاجة، لو تعرف "ثائر السيوفي " زي ما أنا أعرفه، هتتأكد إنه عمره مايعمل حاجة خسيسة زي دي؛ حتى لو شفته بعنيك..... "ثائر" اللي إتجنن لما عرف إن ممكن يكون الحيوان إبن عمي لمسني، وفـ نفس الوقت خاف على أبويا من الصدمة.... "ثائر" اللي كنت قدامه ومعاه في أوضة واحدة وعمره مافكر يقرب مني غير برضايا....... " ثائر" اللي عنيه مليانه عشق وأمان ووعد إن عمره مايخون ثقتى فيه....... " ثائر" الوطن لكل عيلته وكل اللي في رقبته..... "ثائر" الأمان والحماية لأخته، و مامته، وجدته، ومراته....." ثائر" اللي طول ما كان عازب ومش في رقبته وقلبه بنت، عمره ما عمل اللي يغضب ربنا.... يبقى يوم ما تكون في حياته "همس " اللي بتثق فيه أكتر من روحها، هيخون الثقة دي؟! .


نظرات عاشقة إحتضنها، فكم هو محظوظ بتلك الزوجة الصالحة..، لتهمس "همس" برجفة صوت أدمت قلبه :

- بس عارف أكتر حاجة وجعتني إيه؟ ، حتى لو كانت غصب عنك!!!....

إن واحدة غيري حست حضنك ولمسته.


ليجذبها نحو أحضانه بقوة، فتشبثت بكلتا قبضتيها بسترته، وسالت دمعاتها العاتبة، مردفةً بنبرة متملكة :

- ده مكاني، وسكني يا "ثائر".


شدد من إحتضانها، مستنشقًا شذاها بعشق، وإحتبسه بين ثنايا قلبه للحظات، متنهدًا بأسي :

- أنا أسف يا كل عمري.... أسف.


***************


أحد أرقى المناطق بالقاهرة الجديدة.


صف "حمزة" سيارته جانبًا، وإلتفت نحو "هيا" بنظرات ولهه، هامسًا بعشق متيم :

- ممكن حبيبي ينزل معايا، بس بشويش وخودي بالك.


مالت بجذعها نحوه، مستندة بأحد ساعديها على الآخر، هامسةً بعشق جارف :

- وده عشاني ولا عشان بنتك أو إبنك؟!!!


تنهد "حمزة" بهدوء، هامسًا بعشق :

- تفتكري هخاف علي حد ماشوفتوش حتى لو من دمي، وأسيب اللي ماليا حياتي وقلبي وعيني؟ .


أغمضت عيناها بعشق، لتستعذب كلماته المهلكة، هامسةً بهيام :

- بحبك.


وإتسعت إبتسامتها عشقًا، لتلتفت برأسها إلى الخلف مطوفة المكان بنظراتها ، إستدارت نحوه ثانيةً هاتفةً بدهشة :

- إيه المكان ده يا "ميزو"؟!


ترجل عن السيارة، وإستدار نحوها ملتقطًا يدها بحنان بعدما فتح باب السيارة، مردفًا بجدية وعشق :

- تعالي معايا وإنتي تعرفي.


لتترجل هي الأخرى وتوازي خطاه دالفةً إلى ذلك المبنى، لتجدها فيلا أنيقة وعصرية، أذهلتها بجمالها وأناقتها، لتقابلها بعض الفتيات التي حملن بين ذراعيهن أطفال لم تتجاوز أعمارهم بضع شهور. ضيقت "هيا" عيناها بدهشة، مردفةً بتعجب :

- إيه ده؟!!!... أنا مش فاهمة حاجة.


جذبها "حمزة" برفق نحو حديقة الفيلا التي أُعدت وجهزت بكل الألعاب التي تلزم الأطفال بهذا السن، وحتى العشر سنوات، مردفًا بمكر ودهاء :

- لسه مش فاهمة؟!!!!


حركت رأسها نافية، قبل أن تجاوبه بحيرة :

- لأ... مش فاهمة حاجة!!!!... إيه ده؟!!!


أخذ بيدها نحو تلك الأرجوحة الخشبية، وأجلسها عليها، وجلس إلى جوارها، مردفًا بتفكير :

- كان نفسك تعملي مشروع إيه من فترة؟


إتسعت حدقتاها بلا تصديق، لتطوف المكان بنظراتها المتفحصة، التي إستقرت نحوه بمطافها الأخيرة، صائحة بسعادة :

- دار الأيتام!!!!!!.... بجد؟!!!!..... دي دار الأيتام اللي حكيتلك عنها!!!!


أومأ لها برأسه قبل أن يردف بعشق :

- أحلامك أوامر أميرتي المدللة... إنتي تشاوري و"ميزو" ينفذ الأمر.


إرتمت إلى أحضانه بسعادة مشددة بذراعيها بقوة، لتصيح بسعادة وعشق دون الإكتراث بما حولها من أناسٍ :

- بحببببك يا "ميزوو".... بحبك.


حاوطها "حمزة " بكلا ذراعيه، مطوفًا المكان بنظراته المترقبة، ليهمس بعشق :

- خلاص يا مجنونة، الناس بتتفرج علينا.


إبتعدت عنه قليلًا، هامسةً بعشق :

- ولو العالم كله بيتفرج علينا، هفضل أصرخ وأقول :

بحببببك.... بحببببك.


لتتسع إبتسامته العاشقة، هامسًا بهيام :

- بحبك يا مجنونة.... بحبك.


لتنهض من مقعدها، وتخطو مسرعة نحو الأطفال، وإجتمع الجميع حولها، لتبدأ بمداعبة الأطفال واللهو معهم بسعادة وفرح وسط نظرات عاشقها المتيم.


****************


مكان ما، بشاطئ البحر الأحمر.


تململت بفراشها بإرهاق شديد، فجميع خلاياها تستجدي بعض الراحة كمن كانت بماراثون للعدو، ضربت الفراش بساقيها ببطئ شديد ، لتنفض هذا التكاسل والإرهاق. تتسلل إلى أنفاسها رائحة شواء زكية، فتبعتها بإستنشاق ولا زالت مغمضة الأعين، لتهمس لذاتها بضجر:

- إيه النوم ده؟!!!.. حاسة إني كنت بحارب، مش كنت نايمة، وبعدين مين بيشوي دلوقتي؟!!!!... وإزاي الريحة دي توصل للأوضة؟!!!


وفتحت عيناها ببطئ، حتى إتسعت حدقتاها فزعًا، فهي بمكان يختلف تمامًا عن غرفتها، لتنهض من فراشها بإرتباك، مطوفةً تلك الغرفة الناصعة البياض بجدرانها ومفروشاتها، فإن كانت تعلمها جيدًا، لإستشعرت تلك الراحة والسكينة.... أما الواقع فهي بمكانٍ تجهله، فتخشي أن يكون هناك من إختطفها كالسابق.


نهضت من فراشها بحذر، لتجد ذاتها مرتدية ملابس رياضية مريحة للغاية، تتسم باللون الأبيض الناصع كذلك، لتهمس بخوف وذعر حقيقي :

- مين غيرلي هدومي؟!!!... وفين" خالد"؟!!!


تمردت دمعاتها مستجدية أمانه، هامسةً ببكاء :

- "خالد".... "خالد ".


لتستجمع شجاعتها وتقترب من باب الغرفة بحرص، قابضة على مقبضه لتديره بهدوء، فتجد الباب ينفتح معها بإنصياع لحركتها الحذرة بلا أدنى مقاومة . مطت عنقها خارج الغرفة لإستكشاف العالم الخارجي، لتجد ذلك الرواق الطويل، الذي لايختلف في ألوانه وأثاثه عن الغرفة التي تستوطنها، لكنه مكان لايدل علي سكنه بأحدهم.


تنهدت بحرصٍ شديد، وغادرت غرفتها بحذر، لتخطو إلى ذلك الرواق الذي قادها إلى مكان واسع على البحر، إلا أنه كان يصف على جانبيه تلك الغرف المشابهة لغرفتها.


وخطت خارج ذلك المكان لتجد حديقة غناء، يشدو عطرها بأرقي أنواع الزهور الممتزجة بنسيم ذلك البحر الهادئة أمواجه.


طافت المكان بأنظارها المشدوهة بجماله وروعته ، فذلك اللون الأبيض، المكسو بتلك الزهور والأشجار الملونة، ليعزف معزوفته الساحرة مع أمواج البحر الهادئة، تجذبك لعالم آسر، وساحر، فتذيب مايحمله قلبك من أوجاع وهموم.


لتجد من يقترب إليها من الخلف بهدوء وحذر شديد، ويحاوط خصرها بكلتا يديه، مستندًا برأسه أعلى كتفها، لينتفض جسدها بقوة بين يديه، ليهمس إلى جوارها بعشق :

- هششششش.... ما تخافيش، ده أنا.


تنهدت براحة وهدوء مغمضةً عيناها، لتهمس بصوت متقطع :

- حرام عليك، خضتني.


دمغ قبلة عاشقة أعلى وجنتها، هامسًا بغرام :

- سلامتك من الخضة ياقلبي.


لازالت مستكينة بين ذراعيه، إلا أنها أدارت رأسها نحوه قليلًا، مردفة بدهشة :

- إيه المكان ده؟!!!، وجينا هنا إزاي؟!!!


رمقها "خالد" بنظرات مرحة، وأردف غامزًا بإحدى عينيه :

- ده شغلي بقا.


تملصت بين يديه، وإستدارت بكامل جسدها، لتصبح مقابلةً له، محركة رأسها بإستفهام، مردفة :

- لا بجد يا "خالد" إيه المكان الروعة ده؟!!!..... ده جنة ربنا على الأرض!!!

وجينا هنا إزاي؟!!


جذبها "خالد" إلى جواره، وحاوط كلتا كتفيها بذراعه، ليشرد قليلًا بذلك البحر الساكن، متنهدًا براحة وسكون :

- جينا هنا بالطيارة.... هو قرص منوم في العصير، و إستنيت لما روحتي في النوم وأخدتك على الطيارة الخاصة بعيلة" السيوفي" وجينا على هنا.


رمقه "ضحي" بغضب، لتلكمه لكمة قوية بصدره، مردفةً بإستنكار :

- منوم؟!!!... بتحطلي منوم في العصير يا "خالد"؟!!!


سيطر على يدها بقبضته، لتتعالي ضحكاته الرجولية، صائحًا بمزاح :

- خلاص يا مجنونة.... بس المفاجأة كانت تستاهل.


ضيقت عيناها بدهشة، هاتفةً بإستنكار :

- مفاجأة!!!!.... مفاجأة إيه دي؟!!!


طوف "خالد" المكان حوله بنظراته الفرحة، مردفًا بسعادة :

- المكان ده.


رددت الكلمة بإستنكار، قاطبةً جبينها :

- المكان ده!!!... إيه المكان ده أصلًا؟!!!


إبتعد عنها "خالد"، وأمدد ذراعيه جانبًا، مستنشقًا الهواء بسعادة، هاتفًا بفخر :

- أكبر منتجع صحي في سينا،ده لو ماكانش في مصر كلها.


إزدادت دهشة "ضحي" وتضاعفت ، لترفع يديها نحو ذراعيه الممدودة، وتهبطهما لأسفل، مردفةً بتذمر :

- ممكن تفهمني الأول، وبعدين طير زي ما أنت عايز.


تعالت ضحكاته بالهواء، هاتفًا بسعادة بعدما هدأت ضحكاته :

- فاكرة الـ ٣٠٠٠ متر اللي عمي الله يرحمه سابهملك في شرم الشيخ.


هنا بدأت تتضح الرؤية تدريجيًا بأعين "ضحي"، لكنها لازالت تريد باقي التفاصيل، فأخذت تومأ برأسها، قبل أن تردف :

- مالهم بقا؟!!!


تحدث "خالد" بنبرة جدية أكثر :

- دي الأرض، بس بعد ما بنينا عليها المنتجع الصحي ده، وسبحان الله الأرض موجودة في أحسن موقع في شرم الشيخ، فوق سطح الهضبة دي ، أكتر مكان فيه نقاء، وصفاء في مصر كلها، وده كان أنسب مشروع نعمله في المكان ده.


وتنهد بسعادة، مكملًا :

- مبروك عليكي المنتجع ياحبيبتي.


سالت دمعاتها وإنهمرت بلا توقف، بعدما تسلل إلى مسامعها ذلك السيل من المفاجآت المدهشة، فأرض والدها أصبحت مشروعها الخاص، وذلك بمساعدة معشوقها المتيم، لتدعو لوالديها بالرحمة، راكضةً نحو معشوقها لتتشبث بعنقه، رافعةً قدماها لأعلى، ليحاوطها هو بذراعيه، ويدفن أنفاسه المشتاقة بين ثنايا عنقها، هامسًا بعشق :

- أسف.... وحشتيني يا "دودي"..... وحشتيني .


شددت من إحتضانه دون التفوه ببنت شفة، سوي دمعاتها المنهمرة التي إخترقت قميصه، لتحرق روحه المتيمة. ربت على ظهرها، ولازالت كطفلة صغيرة متشبثة بعنق والدها، وتنهد "خالد" بأسي لحالها هذا، فهو يعلم أنه قد أطال الجفاء والهروب، لكنه أقسم أن يخطب ودها بتلك الهدية، أن تكون تلك الأرض شاهدةً على توسله لصلحها، لكنها لازالت تبكي، فقد تعالت شهقاتها تدريجيًا، ليفكر "خالد" بأن يهون عنها هذا، ويخرجها منه ، فأردف بتذمر طفولي :

- هتفضلي متشعلقة في رقبتي كده كتير؟!!!

لا... خودي بالك إنتي تخنتي عن أول الجواز، وبالشكل ده هتجبيلي الغضروف.


تملصت من أحضانه بسخط، وإستياء ، لتستقر قدميها أرضًا، رافعةً أحد حاجبيها بتذمر وغضب :

- أنا تخنت؟!! ، ولا إبنك اللي كل شوية عايز ياكل!! .


إقتحمت تلك الكلمات مسامعه بقوة، لترقص قلبه طربًا عند ذكرها كلمة إبنك، وتمسك بكلا ذراعيها، مردفًا بترجي :

- إبن مين؟!!!.... بالله عليكي تقولي تاني.


نفضت كلتا يديه بقوة، وغادرت بذلك التذمر الطفولي، مردفةً بحنق :

- أيوة إبنك، شكله هيبقى غلس، ورخم، وأهبل زيك.


إستدار حولها، ليصبح مواجهًا لها، مردفًا بسعادة ولا تصديق :

- إنتي حامل يا "ضحي"؟


أومأت برأسها مردفةً بلا مبالاة :

- أيوة، وفـ شهرين كمان.


إتسعت حدقتاه صدمة، وهتف مستنكرًا :

- شهرين!!!!، وماتقوليش يا"ضحي"؟!!!


أومأت له برأسها قبل أن تردف :

- أيوه، شهرين وماقولش، ولا كنت هقولك كمان، عشان تبقى تعرف تخوني كويس.


رفع أحد حاجبيه بدهشة، وأردف متهكمًا :

- ولما بطنك تكبر، كنتي هتقوليلي إيه؟!!!... إنتفاخ!!!!


لوحت بيدها في الهواء بضجر، وصاحت حانقةً :

- معرفش بقا ، بس إنت ماتستهلش إنك تعرف أصلًا، عشان سايبني كل الفترة دي من غير ماتصالحني، ولا تعتذر مني، وياريتك كمان كنت مخاصمني عشان كنت أسيبلك البيت وأمشي، بالعكس كنت حنين عليّا، وكنت كل يوم بتاخدني في حضنك لحد ما أنام، بس برضه كنت دايمًا بتهرب بعيونك مني.


كلماتها إخترقت صمام قلبه، لتشعره بذنب عظيم، فهو حقًا كان دائم الهروب منها ،

فالآن تأكد أنه كم كان قاسي مع من ملكت ثنايا قلبه، ليجذبها إلي أحضانه بعشق وإشتياق، وتبادله هي ذلك الشوق الجارف ببكاء مرير، ليشدد من إحتضانها، هامسًا بأسف :

- والله أسف... سامحيني.


*************


بعد مرور سبعة شهور.


غرفة "ثائر".


غط بنوم عميق محتضنًا أميرته المدللة إلى صدره، ليستشعر حركتها المتألمة وأنينها المكتوم، فإنتفض جسده بقوة وتأهبت جميع حواسه نحو "همسه" المتألم، لينهض معتدلًا بفراشه، فيجد دمعاتها أنهارًا جارية بمقلتيها، لتتسع عيناه صدمة، هاتفًا بلهفة وذعر :

- مالك يا حبيبتي؟.... حاسة بإيه؟


إستندت "همس" على كفها، ومالت بجلستها قليلًا ممسكةً بجنينها، لتزداد شهقاتها المتألمة، هاتفة بأنين :

- مش قادرة يا "ثائر"، شكلي هولد المرة دي بجد.


هب من فراشه، وإلتقط فستانها ليساعدها في إرتدائه مردفًا بعتاب :

- ليه ماصحتنيش من بدري يا حبيبتي؟


إرتدت فستانها بألم بدأ يتضاعف، هاتفةً بجهد مبذول :

- محبتش أقلقك يا حبيبي، بقالك عشر أيام بتجري بيا كل يوم على المستشفى، والدكتورة تقول مفيش حاجة، وكل حاجة طببعية.


إلتقط حجابها، وحاوط به وجهها المتشرب بقطرات عرق خفيفة، مردفًا بلوم وعتاب :

- وأنا كنت إشتكيت لك يا "همس"، قومي يلا معايا هنر........


ليقطع جملته صراخها القوي، الذي إنتزع قلبه من موضعه، ومزقه أشلاءًا متناثرة، ليصيح بذعر وإرتباك :

- مالك ياحبيبي؟.... قومي معايا.


لكن صراخها القوي كان جوابه، ليحملها بين ذراعيه برفق راكضًا خارج غرفته بملابس نومه، وتدوي صرخاتها بأرجاء القصر، ليستيقظ الجميع فزعين.


ركضت نحوها "ضحي" و"خالد"، لتتعالي صرخات "ضحي" ما إن شاهدت حالة "همس"، لتصرخ بألم ممسكةً جنينها، متشبثةً بيد "خالد":

- عاااااااااا... إلحقني يا "خالد " شكلي بولد أنا كمان.


تشبث "خالد" بيدها بتوتر، وصاح بإرتباك :

- إيه!!!!.... يعني إيه بتولدي؟!!!!، مش لما "همس" تولد الأول، بعدين تبقى تولدي، وبعدين لسه "هيا" ماولدتش عشان إنتي تولدي.


لكمته بصدره بقبضتها صارخةً بألم :

- إلحقني يا متخلف، وبعدين إبقى حلل تواريخ ولادتنا على كيفك... عاااااااااا.


حملها "خالد" بإرتباك، تابعًا خطي "ثائر"، ليقابلوا "فريدة" و"نجلاء" ، فصرخ "خالد" بهن :

- إلحقينا يا تيتا البنات بتولد.


بينما تعالي صراخ "هيا" هي الأخرى، متشبثة بيد "حمزة" الذي إحتضنها بقوة، صائحًا بتوتر :

- مالك إنتي كمان يا "يوكا".


لكنها أجابته بصراخ و بكاء قوي :

- إلحقني يا "حمزة"، بطني بتوجعني قوي.... هموت من الألم... أأأأأه.


وتهاوت أرضًا ممسكة بجنينها، صارخة :

- هموت يا "حمزة".... آآآآه......


ليحملها "حمزة" هو الآخر، تابعًا خطى إخوته إلى المشفى.


بينما ركضت "هايدي" ببكاء خلفهما، ليستوقفها" " حاتم" بحنان، مردفًا بعشق :

- على مهلك يا حبيبتي، إنتي ناسية إنك حامل.


تعالت شهقاتها، مردفةً بتقطع :

- " همس"....." ضحي"....." هيا"..... بيتألموا يا" حاتم"، لازم أروح معاهم.


جذبها" حاتم" إلى أحضانه، وأزال دمعاتها بأنامله الحانية، دامغًا قبلته العاشقة بجبينها، مردفًا برجاء :

- ممكن تفضلي هنا، وأنا هروح معاهم.


حركت رأسها نافيةً، قبل أن تردف بإصرار :

- مش هسيبهم في حالة زي دي يا" حاتم" .


أردف "حاتم" بجدية :

- ياحبيبتي تيتة وطنط "نوجا" معاهم، وأنا كمان هروح لهم،و هتصل بيكي من هناك أطمنك عليهم.


زداد بكائها ونحيبها، مردفةً بتوسل :

- عشان خاطري يا "حاتم " تاخدني معاك، أنا حاسة إني ممكن أولد لو سبتني هنا لوحدي.


مسد "حاتم" على خصلاتها، مردفًا بحنو :

- يا حبيبتي إنتي في السابع دلوقتي، يعني لسه شهرين على ماتولدي.


إبتعدت عنه وتركته دالفةً إلى غرفتها كي تبدل ثيابها، مردفةً بإصرار :

- هروح معاك يا "حاتم"، مش هقدر أقعد هنا والبنات هناك لوحدهم.


بينما زفر "حاتم " بيأس و قلة حيلة، وتبعها إلى الغرفة كي يبدل ثيابه هو الآخر، ويلحق بإخوته وزوجاتهم إلى المشفى.


*************


إحدي المشافي الخاصة.


صرخات مدوية بأرجاء المشفى، ليركض طاقم من أكفأ الأطباء والتمريض، متجهين نحو رجال "السيوفي " الذين يحملون أميراتهم المتألمة بحنان وعشق، رافضين وضعهم بتلك الفراش المتنقلة. ليدلف كل منهم إلى غرفة عمليات خاصة بأميرته .


وضعها "ثائر" بالفراش، وسط صراخها وأنينها المتواصل، ليدنو منها بجذعه، مزيلًا حبيبات العرق التي زينت جبينها ببذخ، هامسًا لها بعشق :

- ما تخافيش يا "همس"، أنا جانبك ومش هسيبك يا حبيبتي.... والله ماهسيبك.


تشبثت بياقته بقوة، متحاملة على آلالامها بجهدٍ مضني، هامسةً بأنفاس لاهثة :

- لو جرالي حاجة يا"ثائر"، إبني أمانة في رقبتك.


إحتضن رأسها بين صدره بقوة، ودّ أن يجذبها داخله، ليتحمل آلامها بدلًا عنها، وهمس بعشق وتوسل :

- عشان خاطري ماتقوليش كده، أنا ماليش غيرك، وعمري ما أقدر أكمل حياتي وإنتي مش فيها.


وتنهد بهدوء كابتًا دمعته المتمردة، هامسًا :

- بإذن الله هتقومي بالسلامة عشان خاطري، وعشان خاطر إبننا، إحنا من غيرك ولا حاجة يا"همس".... والله ولا حاجة.


بينما دلفت إليهم الطبيبة ببشاشة وجهها المعتادة، مردفةً بود ومحبة :

- صباح الخير يا مدام "همس"، البيه الصغير مصمم إنه يصحينا من النوم كل يوم الساعة تلاتة الفجر؟! .


صاح بها "ثائر" بصرامة حانقة :

- لو سمحتي حضرتك، ده مش وقت الكلام، ممكن تساعديها الأول.


عدلت الطبيبة من وضع قفازاتها الطبية بتوتر، مردفة بجدية :

- حاضر.... بس ممكن حضرتك تخرج وتسيبنا نشوف شغلنا.


رمقها "ثائر" بنظرات جحيمية أخرستها، لتهم نحو "همس" التي تعالت صرخاتها المتألمة، فخلعت قلبه مع كل صرخة لها.


**********


عند "هيا".


وضعها "حمزة" على فراش العمليات، لتتشبث بياقته ببكاء وصراخ أحرق قلبه، وتصيح متألمة :

- أرجوك يا "حمزة"، خليهم يولدوني بسرعة، والله مش قادرة، عااااااااا... البيبي بتضرب جامد... عااااااااا.... طب خليهم يولدوني سيزرين، مش قادرة....... يا ماااااامي.


مسد "حمزة" على خصلاتها، وإرتفع بأنظاره نحو الطبيبة، صائحًا بغضب جامح :

- مش إنتي قايلة إنك هتولديها بدون ألم.... إتصرفي.


إبتلعت الطبيبة ريقها بتوتر، وإلتفتت نحو مساعدتها مردفة بجدية :

- جهزي الإبرة .


بينما دنى "حمزة" من "هيا" التي تعالت أنفاسها اللاهثة، لترمقه بنظرات متوسلة أن يخفف ألمها هذا، فأدمت قلبه تلك النظرات، وإقرب منها مقبلًا جبينها بحنان، هامسًا بأسي :

- ياريتني أقدر أشيل عنك وجعك ده يا حبيبتي.


لتتعالي صرخاتها المؤلمة لقلبه وروحه، فتشبث بيدها بقوة، إلا أن هدأت تدريجيًا بعدما سرى هذا العقار بأوردتها.


************


عند "ضحي".


وضعها "خالد" بفراشها، لتتمسك بياقته بكلتا قبضتيها صارخةً بوجهه :

- إنت السبب يا متخلف.... إنت اللي عملت فيا كده... بكرهك يا "خالد".... بكرهك.


وضع كلتا يده على أذنيه بقسمات ممتعضة ، هاتفًا بضجر :

- كفاية صرعتيني، يخربيت صوتك يا شيخة..... وبعدين ما كلهم بيولدوا عادي أهو وماحدش عمل زيك كده.


لكمته لكمة قوية بفكه، وصرخت به بغضب جامح :

- إطلع بره يا متخلف.... بره، مش عايزة أشوف وشك ده تاني.... بره يا "خالد".... بره.


جذب ياقته من قبضتها، وصاح متهكمًا :

- سيبي هدومي الأول عشان أخرج من هنا، بس لما تولدي خليهم يخرجولي البيبي عشان أشوفها.


لكنها جذبت يده نحو فمها، لتقضمها بقوة غاضبة، لتتعالي صرخاته المتألمة :

- آآآآه.... يابنت العضاضة، سيبي إيدي خليني أخرج من أم الصداع ده.


دفعته بيدها بقوة وسط صرخاتها المدوية، وصاحت بغضب جليّ :

- إمشي من وشي الساعة دي يا "خالد " بدل ما أرتكب فيك جناية... إمشششششششى.


بينما دنى منها "خالد" ودمغ قبلة حانية بجبينها، مردفًا بحنان :

- سلامتك يا "دودي".... أنا بره يا حبيبتي لو إحتاجتي حاجة.


وغادر "خالد" غرفة العمليات بعدما أشعل "ضحي" غضبًا ضاعف صراخها وآلامها، ليصطدم بتلك الطبيبة ، فتتسع حدقتاه دهشة لجمالها الآخاذ بتلك العيون الزرقاء كموج محيط متلاطم، وتلك الخصلات التي نافست أشعة الشمس الذهبية ببريقها، ليهمس مشدوهًا :

- يخرب جمال أمك ... إيه الجمال ده؟!!!.... إنتي مين يا شابة؟!!!


حمحمت الطبيبة بحنق، ودفعته جانبًا صائحةً بإستنكار :

- إبعد من طريق يا أستاذ، خاليني أشوفك اللي بتصوت جوه دي.


وإنضمت إليهم إحدى فتيات التمريض، صارخةً بفزع :

- أرجوكي تلحقينا يا دكتورة "دينا"، الحالة جوه بتضرب فينا كلنا.


إلتفت إليها "خالد" بصدمة وأسي مصطنع :

- يا حبيبتي يا "دودي "... أنا لازم أدخل لها.... مش هقدر أسيبها لوحدها في حالتها دي.


وإقتحم الغرفة هاتفًا بخوف مصطنع :

-"دودي"!! .... مالك يا حبيبتي؟! .


صرخت به "ضحي " بغضب :

- إبعد من وشي يا "خالد"... إنت اللي وصلتني للحالة دي.


بينما إتجه "خالد" نحو "دينا" بنظرات مشدوهة ، مردفًا برقة :

- ممكن تساعدينا يا دكتورة "دودي".


إتجهت الطبيبة نحو "ضحي" مردفةً بجدية حانقة :

- ممكن نهدى حضرتك، لأن الصوت العالي بيوترني.


صرخت بها "ضحي" بألم وغضب :

- أهدى مين يا متخلفة إنتي كمان ، أنا بولد، وبعدين إنتي مين أصلًا؟!!!


قطبت " دينا" جبينها بحنق، مردفةً بإستياء :

- أنا دكتورة "دينا" اللي جاية تولد حضرتك، لأن الدكتورة بتاعتك مسافرة برة مصر، ممكن نهدي بقا.


بينما رمقها "خالد" بنظرات بلهاء، مردفًا بإبتسامة :

- والله بقولها من الصبح تهدي، وهي اللي مصممة تصدعنا وتصدعك يا "دودي".


تعالت صرخات" ضحي" الغاضبة، وصرخت بألم فاق إحتمالها:

- إخرجوا بره يا متخلفين إنتوا... غوروا من وشي..... وإنتي شوفي حد غيرك يولدني.


إقتربت منها "دينا" بلامبالاة، مردفةً ببرودة أعصاب :

- ياريت حضرتك، بس للأسف كل اللي موجود في المستشفى دكاترة رجالة، والأستاذ اللي بره رفض، وبيقول إن لازم دكتورة ست هي اللي تولدك، ومفيش غيري هنا.


إتسعت إبتسامة "خالد" الفرحة، مغمغمًا بسعادة :

- الله يا "حتوم".... جدع إنك خليت الصاروخ دي هي اللي تدخل هنا، أهي حاجة حلوة تهون علينا الصداع اللي إحنا فيه ده.


لتتعالي صرخات "ضحي" المتألمة، التي تبعها صمتها التام.


*************

أمام غرف العمليات.


جلست "فريدة" إلى أحد المقاعد وبيدها كتاب الله تتلو به بعض الأيات القرآنية، بينما كانت "نجلاء" تأكل الأرض ذهابًا وإيابًا، لتدعو ربها بأن يحمي لها بناتها وأحفادها، ليجدوا "عبد العزيز " و"حنان" يركضان نحوهما بتوتر وإرتباك، لتصيح "حنان":

- إيه الأخبار يا "نوجا"؟.... محدش خرج يطمننا.


حركت "نجلاء" رأسها بنفي قبل أن تجاوبها :

- لسه يا "حنان".... لسه... وأنا خايفة على البنات قوي.


بينما حرك "عبد العزيز " حبيبات مسبحته الفيروزية بين أنامله، رافعًا أنظاره نحو ربه، مرددًا بتوسل :

- خليك معاهم يارب.... يارب نجيهم وقومهم بالسلامة يارب.


بينما كانت "هايدي" تستند بظهرها نحو ذلك الحائط الرخامي بألم خفيف، ليلاحظ "حاتم" ملامح وجهها المتألمة، فإقترب منها بلهفة، مردفًا :

- إنتي كويسة يا حبيبتي؟


أومأت له برأسها بضعف شديد، قبل أن تردف بتحامل :

- كويسة يا حبيبي، ماتقلقش عليّا .


حاوط "حاتم" كلتا كتفيها بذراعه، خاطيًا بها نحو المقعد، مردفًا بقلق وإرتباك :

- تعالي إقعدي جنب تيتة، حاولي ترتاحـ......


لم يستطع إكمال كلمته، حينما وجدها تتشبث بثيابه بقوة، وتنزلق أرضًا بصرخات مدوية. إنقبض قلب "حاتم" لأجلها، لينزلق إلى جوارها ويحتضنها إلى صدره بقوة ، ممسدًا على شعرها بحنو مردفًا بلهفة :

- مالك يا "ديدا"؟.... "ديدا"!!!!


تعالت صرخاتها، ليهرع إليها الجميع ويدنو منهما، وصاحت "حنان " بتوتر بعدما لاحظت ذلك السائل الأحمر يسيل إلى جوارها :

- دي بتولد يا إبني.


ليرمق "حاتم" موضع نظرات "حنان" وإتسعت حدقتاه ذعرًا، ليصرخ بألم وهو يضمها إلى صدره بلهفة وفزع :

- دكتوووووور.


بينما ركض "عبد العزيز " نحو حجرة الأطباء، ليستدعي طبيب، ويركضا نحو "حاتم" الذي لازال يفترش الأرض إلى جوار معشوقته التي يضمها إلى صدره بقوة بعدما فقدت وعيها، ليصيح الطبيب بصرامة :

- المدام بتولد، ولازم تدخل أوضة العمليات حالًا.


صرخ به "حاتم" بغضب :

- هاتلى دكتورة حالًا.


حرك الطبيب رأسه نافيًا، قبل أن يردف :

- حضرتك كل الدكاترة الستات موجودين في العمليات، ومفيش غيري هنا دكتور نسا، والمدام حالتها خطر، وأي تأخير أكيد مش هيكون في صالحها.


نظرات "حاتم" المرتعبة، حائرة مابين ذلك الطبيب، وبين معشوقته المهددة حياتها بالخطر بين يديه، لتصيح به "نجلاء" بصرامة :

- البنت دمها بيتصفي يا "حاتم" مش وقت التفكير ده.


نهض "حاتم" الذي تمردت دمعاته وسالت لأجلها، ليحملها بين ذراعيه متجههًا نحو غرفة العمليات راكضًا، وهو يصرخ بجنون :. - بسرعة..... إلحقها يا دكتور.


ركض الطبيب خلفه إلى غرفة العمليات، ليُجري لها عملية ولادة قيصرية عاجلة لإنقاذ "هايدي" والطفل، بعدما إستحالت عملية ولادتها طبيعيًا.


****************


بعد مرور بضع ساعات..


غرفة كبيرة مجهزة بأربعة أَسِرة لأميرات عائلة "السيوفي" وإلى جوارهن أربعة أسرة لأميرات وأمراء رجال "السيوفي".


إحتلت "همس" الفراش الأول المكسو بالفراش الزهرية، والبالونات البيضاء والزهرية، أما أعلاه فذلك الإسم المتلألأ بأحرف صنعت ملحمة لعشقهما الآسر "آسر ثائر السيوفي" الذي يحتضنه "ثائر" بمشاعر متضاربة مابين سعادة وفرحة وخوف لأجله، تصديق ولاتصديق، دقات قلبه تتسارع بخفقاتها المشتاقة لعبقه الآسر كإسمه، ليقترب من أذنه بحب وشوق للمساته الرقيقة، ليهمس إليه بالآذان، ويردد عليه إسمه، وربه، ونبيه، ويقترب من "عبد العزيز" فيناوله إياه بحرص شديد، مردفًا بإبتسامة :

- إتفضل حفيدك يا جدو.


تناوله منه "عبد العزيز " بسعادة غامرة، فتمردت دمعاته الفرحة لأجل حفيده الأول، وقبل جبينه هامسًا هو الآخر بالآذان وتلاوة بعض آيات الذكر الحكيم.

أما الفراش الآخر فإحتلته "ضحي" بإرهاق شديد لمقاومتها تلك الطبيبة الحمقاء كثيرًا، مزينةً بذلك اللون الوردي وإلى جوارها تلك البالونات البيضاء والوردية، 

أما حائطها فزين بأحرف إسم تلك الأميرة الجميلة "تمارا"، التي يحملها بين يديه ذلك المشاكس "خالد"  ويحاوطها بنظراته البلهاء، هامسًا  إليها بدهشة :

- الله..... إنتي إزاي جميلة كده؟!!!..... يعني إنتي بنتي بجد؟!!!

ورفع أنظاره نحو "ضحي" بنظرات عاشقة، ممتنة، حانية، هامسًا  بدمعات لامعة :

- دي بنتنا يا "دودي".... دي" تمارا خالد السيوفي". 

وإقترب بأنفاسه المتقطعة نحوها، وهمس مرددًا الآذان، وإسمها، وربها، ونبيها. 

أما الفراش الثالث، فإحتلته تلك الأميرة المدللة بثيابها الوردية اللون، وبالوناتها البيضاء، والوردية، وذلك الإسم المزين لذلك الحائط بأحرف من ورورد وردية "تالا" ليحملها "حمزة" بين يديه هامسًا بشغف :

- ماشاء الله، لاقوة إلا بالله العلي العظيم... "تالا حمزة السيوفي "، وردد هو الآخر الآذان إلى جوارها.


أما ذلك الركن البعيد، فشغله ذلك الفراش الزهري اللون، الذي إحتلته "هايدي" بإعياء شديد، وإلى جوارها "حاتم " الذي يحتضن كلتا يديها بيديه، ليدنو منهما دامغًا قبلاته العاشقة بهما، هامسًا بحنان ورفق :

- حمد الله على سلامتك يا حبيبتي، كنت هموت عشانك يا "ديدا".


حركت رأسها بحركة خفيفة، هامسةً بخفوت شديد :

- بعيد الشر عنك يا حبيبي، ماتقولش كده تاني.


وإبتلعت ريقها بإرهاق شديد، مردفةً بإرهاق :

- إبني فين يا "حاتم"؟!!


مسد خصلاتها بحنان، مردفًا بإبتسامة خفيفة :

- ماتقلقيش ياحبيبتي، الممرضة زمانها جايباه وجاية.


تنهدت ببعض الراحة، مردفةً بإبتسامة باهتة :

- إن شاء الله ياحبيبي... بس ممكن تروح تجبهولي، عايزة أشوفه وأخده في حضني.


دمغ "حاتم" قبلة حانية بجبينها، ونهض متجههًا للخارج لإحضار صغيره ، ليجد "نجلاء" دالفةً إليهم وبين ذراعيها ذلك الطفل الصغير، وهي تصيح بسعادة :

- رحبوا معايا بـ " شهاب حاتم السيوفي".


هرول نحوها "حاتم" بخطاه، وتناوله منها بعدما ذكر عليه إسم الله الرحمن الرحيم، دامغًا قبلته المتلهفة بجبينه، مغمضًا عيناه بإشتياق، ليحمد ربه على تلك النعمة العظيمة ، ويهمس إلى جواره مرددًا الآذان.


لتهتف "هايدي" بخفوت :

- هات "شهاب" يا "حاتم"... عايزة أطمن عليه.


بينما ركضت نحوه "فريدة" وتناولته منه بسعادة، مردفةً :

- أشوفه أنا الأول يا "ديدا"، وبعدين تتطمني عليه.


وخطت "حنان" نحو "خالد" ، متناولةً "تمارا"، ومردفةً بسعادة :

- ممكن أشوف حفيدتي يا "خالد".


بينما خطى "حمزة" نحو "نجلاء" حاملًا طفلته بسعادة، ليناولها إياها، مردفًا بفرحة عارمة :

- مش عايزة تشوفي حفيدتك إنتي كمان يا تيتة "نوجا".


حملت "نوجا" الطفلة "تالا" بسعادة، هامسةً بفرحة غامرة :

- قلب تيتة، وعمر تيتة..


وركض "خالد" نحو "عبد العزيز " هاتفًا بسعادة :

- ممكن أشوف الواد "أسورة" ياعمي.


دمغ "عبد العزيز " قبلة حانية بجبين حفيده، وناوله لـ "خالد" الذي بدأ يردد له بسعادة :

- واد يا" آسر"... إنت ياض... قوم كده عشان نلعب سوا، أنا وإنت والواد "شهاب".


بينما جلس" ثائر" إلى جوار معشوقته، محاوطًا كتفيها بذراعه، مقبلًا جبينها بعشق، وهو يردد بوله :

- ربنا يخليكوا ليا يا "همسي".


لتبادله نظراتها العاشقة، هامسةً بعشق جارف :

- ويخليك لينا يا حبيبي.


ليطوف وجوه الجميع بنظراته الشاكرة لربه على تلك السعادة التي منحها ربه لعائلته الجميلة، ليهمس لذاته بسعادة :

- عيلتي الجميلة، هي الحضن الدافي لكل واحد فينا... هي المرسى اللي لازم نرسي فيه آخر اليوم... هي الدفا، والحنان، والأمان،..... هي الدعوة الطيبة،و هي الضحكة الحلوة، هي الأخت والصديقة والزوجة.... هي الأخ والصديق ورفيق الدرب... هي الأم والجدة والأحفاد..... هي عمي "عبد العزيز " و "نونا".... هي إخوات بنات دخلت تنورها.... هي براعم صغيرة نبتت في شجرتها.... هي أحلى حاجة في الدنيا.


شوف عيلتك ودور عليها، لو بينكم خلاف دوس وعدي، إتدفوا في حضن بعض... إسألوا على بعض.... ودوا بعض.... دول سندك الحقيقي، ودول ضهر اللي هيحميك.... خاللي بالك منها، أيام العمر بتمر

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والثلاثون من رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة