-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والستون

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة رحاب إبراهيم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثانى والستون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والستون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والستون

حاولت رضوى أن تبتعد ولكن خوفها من الاقتراب من الموجة الغارقة اوقفها لتجد يد رعد تجذبها بقوة حتى احاط خصرها بذراعه...نظرت له بتوتر وارتباك ولم تستطع قول شيء....لم يترك تقل الكثير فسحبها للشاطئ بسرعة عالية ورشاقة يُحسد عليها !

لم تستطع الوقوف على قدميها فور خروجها من الماء فوقف رعد يلتقط أنفاسه وهو ينظر اليها ثم بعد لحظات وجدتها نفسها محمولة بين ذراعيه فجأة !

حملها حتى دلف للكوخ بخطا غير سريعة ثم وضعها على الفراش بنظرة تتعنق بوجهها وكأنه يحاول أن يصدق أنها بخير....قالت بارتباك وتلعثم :-

_ كنت...كنت

لم تتابع فقد ضمها اليه بقوة قائلا بعد تنهيدة طويلة :- كنتِ هتضيعي مني ! طالما مالكيش في العوم بتنزلي البحر ليه !

قالت بحرج :- بعرف بس مش اوي...ومكنتش ببعد عن الشط بس النهاردة كان في موجة شدتني وكنت هغرق...

نظر رعد لها للحظات وقال فجأة دون سابق انذار :-

_ أنا ما قولتهاش قبل كده لأي حد...ولا حتى ليكِ....بس يا رضوى أنا بحبك


وقفت نظرتها على عينيه للحظات بلمعة تخترق عالم آخر بأمل جديد...كانت الكلمة على مسامعها جميلة ،ودودة ومحببة بينما لا زالت مخاوفها من كل شيء تتخلل آمالها....ابتعدت عينيها عنه في بطء ونظرت للفراغ بشرود فتأمل لنظراتها التائهة للحظات وقال بقوة:-

_ أنا عايز أعرف ايه اللي مخوفك ؟ ليه كل ما أقربلك بتبعدي ؟! وليه مش عارفة تطمني مع كل محاولاتي ؟ الوضع ده ماينفعش يستمر !!

قاطعتها بدموع ارجفت جسدها وضمت قدميها واسندت رأسها عليهما في ألم وقالت :-

_ أنا بخاف من كل حاجة ، خوف مش طبيعي ، كل حاجة واي حاجة مابعرفش انساها ، بداية من صغري لما كان عندي ٤سنين ، اتنقلت من بيت لبيت واتضربت واتبهدلت كتير لحد ما خالتي بهية لقيتني وربيتني ، رغم أني كنت طفلة بس فاكرة حاجات كتير....وصاحبتي اللي حكايتها أشبه بحكايتي وطلع في الاخر عايز يوصلها بس !!

تخيل تحب حد وتوصل في حبك ليه أنك معندكش احتمال ولو بسيط أنه بيضحك عليك...يطلع في الاخر مكنش بيعمل حاجة اكتر من انه بيضحك عليك !!! صاحبتي ادمرت وجالها جلطة مش عارفة تفوق منها لحد دلوقتي وترجع زي الأول....أنا خايفة لتعمل معايا كده

نظرت له بقوة وانخرطت في موجة قوية من البكاء وهي تقل ذلك ثم تابعت بارتجاف شديد:-

_ كنت محتاجة لأهلي أوي ، يبقوا جانبي ، بس كبرت لقيتني لوحدي ماليش حد ويتيمة ، عارف يعني ايه تبقى طفل يتيم مالكش حتى حق تقول جعان وعايز تاكل ؟! مالكش حق تطلب أي شيء !!

اتعلمت أخاف ، اخاف من الناس ، وابعد عنهم ، لأن قليل اللي طبطب عليا ، لما قابلت حبيتك أوي بس خوفت حتى ابينلك تطلع بتضحك عليا...مش حمل أني اتكسر وأنا اصلا قلبي مكسور من صغري... تقدر تقول أني_____

هذه المرة كان مقاطعاً ولكن بجذبها وضمها بكل قوته وقبل رأسها كثيرا ...تنهد بقوة وهو يضع رأسها بصدره فكثر بكائها وهي تتمسك به...قال بحنان وهي بين ذراعيه :-

_ اقسم بالله أنا معرفت يعني حب غير لما عرفتك....حاجة فيكِ قالتلي أنك هتبقي حته مني ، هو تفتكري لو بس عايز اوصلك كنت هصبر عليكِ كده ؟! كنت هقبل بالوضع ده لمجرد احساس تافه ارضي بيه غروري؟!

يارضوى أنا بحبك ...عارفة يعني ايه ؟

يعني سندي ودنيتي وأم ولادي ، لما اسيب كل حاجة وما افكرش غير فيكِ أنتِ بس وتبقي شغلي الشاغل..

رفعت رأسها قائلة برجاء وعينيها غارقة بالدموع :-

_ يعني أنت بجد بتحبني ومش هتسيبني ؟ مش هلاقي نفسي لوحدي تاني ؟

قبّل جبينها ببطء ثم نظر اليها بابتسامة وقال بنفي :-

_ انا ماسك فيكِ بإيديا وقلبي ، لو بعدتي خطوة هخنقك قرب...بس قولي كلمة بحبك تاني ابوس ايدك...

ابتسمت وهي تمسح عينيها من الدموع وتعلقت برقبته بذراعيها وقالت بقوة :-

_ أنا بموت فيك مش بحبك بس...

ربت على ظهرها حامداً شاكراً...وردد كلمة أحبك مراراً وتكراراً بكل قوته...ابتعد قليلا ونظر اليها بمكر وقال بابتسامة :-

_ غيري هدومك المبلولة دي لحد ما احضرلك الفطار....

نهضت بابتسامة واسعة وهي تشعر أن الحياة اخيرا ابتسمت لها واخذت احد الملابس من الخزانة واسرعت للحمام لتبدل ملابسها....راقبها رعد بابتسامة ماكرة ثم نهض ليبدل ملابسه واستطاع ذلك قبل أن تخرج هي من الحمام.....

تزجه لزاوية المطبخ واعد طعام سريع فخرجت رضوى بوجه مشرق مبتسم وهي ترتدي رداء اشبه بالعباءة ولكنه قصير جعلها تبدو أقرب في مظهرها للأطفال...ضحك بخفة وجذبها من يدها لتتناولها طعامها....

شاكسها خلال الطعام وتبادلوا الضحكات ثم نهض ليضع الاطباق الفارغة في حوض المياه وشاركته في ذلك....بعد الانتهاء اتجهت لمقعد لتأخذ المنشفة تجفف يدها ثم استدارت لتصطدم به يقف ناظرا لها بثبات وابتسامة اربكتها....قال بهدوء ماكر :- رضوى...

ازدردت ريقها بتوتر وابتعدت بنظرها عنه في ارتباك وحياء....أضاف بنبرة تحمل حنان شديد وقال :- لسه خايفة ؟

هزت رأسها بابتسامة خجولة وهي تنظر للأسفل بإشارة النفي.....

كانت اجابة على سؤال خفي لم يريد قوله مباشرة...وأجاب عليها وكانت اجابته ترضي الله ولا تعصيه....

وجمع الله بينهما في حلاله بخير وألفة ومودة...

*************

انتهى يوسف من أجراء الأشعة وترك المستشفى بموعد المجيء غدًا مبكراً لإجراء بعض التحاليل الطبية.....

غادر المشفى متوجهاً لموعداً هاماً لـ "جون" في مشفى آخر بالمدينة....


.....بمنزل الفيوم

استعدت لِلي عقب حديثها للذهاب للقاهرة....كان في مغادرتها منول الفيوم شيء من الخوف الغامض والقلق ، وقف وجيه منتظرا عند سيارته بالخارج ويبدو عليه الشرود والضيق الشديد....انهت استعدادها للذهاب وخرجت ثم مضت اليه بنظرات تتفحص ملامحه بدقة..

وقفت أمامه متمعنة النظر فيه وقالت :-

_ بأذن الله هنرجع النهاردة ومرتاح بالنا

استدار وجيه ليفتح باب السيارة فأوقفته لينظر لها من جديد ثم ارتمت على صدره بقوة وقالت :- متخافش عليا ، هفضل جانبك مهما حصل ، محدش في الدنيا يقدر يبعدك عني ،كل اللي بعمله عشان يبقى كل شيء قانوني لكن...

قاطعها وهو يشدد بضمها قائلا :- لكن اللي هيقربلك همحيه من على وش الدنيا....هكون قريب منك طول الوقت...مش هسمح لمخلوق يقربلك..

نظرت له بابتسامة وقالت :-

_ وأنا مطمنة طول ما أنت قريب...شوف مراتك هتعمل ايه عشانك.

طافت نظرات حنان بعينيه ثم توجهوا بالسيارة حتى الهدف المنشود.....


ومرت ساعات أخرى كثيرة حتى وقفت سيارة وجيه على بُعد خطوات كثيرة من مكان المطعم....كانت الساعة لم تأتِ الخامسة مساءً بعد فقد انتهت ساعات الظهيرة بالطريق....

زفر بحدة وعلى وجهه العصبية وقال لرأفت الذي رافقهم منذ ساعة تقريبا :- أنت متأكد أن مراته بتراقبه دلوقتي ؟

اكد رأفت قائلا :- كل تحركاتها متراقبه ، هي خرجت اصلا بعد راشد على طول ولما وصل لهنا كانت وراه ، بس عربيتها واقفة قريب من المطعم في طريق جانبي ، نبدأ بقى الخطة....

قالت للي وهي تخرج من السيارة:- بأذن الله الموضوع ده هينتهي النهاردة للأبد....عندي أمل كبير...

لم يستطع وجيه النظر اليها عندما خرجت وشعر اذا وجدها خارج السبارة فسيقسم انها لن تبتعد خطوة واحدة....رمقته للي وابتعدت سريعا قبل أن يثور...بدت انفاسه سربعة غاضبة مع كل خطوة تبعدها عنه فكاد أن بخرج من السيارة حتى اوقفه رأفت وقال بتحذير :-

_ لأ يا وجيه استحمل شوية معلش....لو مرات راشد شافتك أو خست بحاجة هتعرف ان ده كله فخ وكده راشد هيطلع منها وصعب نقلل ثقتها فيه تاني...ارجوك استحمل شوية رجالتي هنا ماليين المكان...راشد مش هيعمل حاجة وماتنساش اننا في مكان عام...

اطرق وجيه على عجلة القيادة بعصبية وصاح بشراسة :-

_ مين اللي يقدر يتحمل ان تبقى مراته بتقابل واحد تاني ويقعد متكتف كده !! لو أنت هتتحمل ؟!


قال رأفت بصدق :- أنا مقدر موقفك وعارف أنه صعب لكن فكر لو خطتنا نجحت هيحصل ايه ، ولو اتهورت هيحصل إيه...مش طالب منك الصبر لأكثر من ساعة واحدة بس...

تنهد وجيه بحدة ونظرات عينيه تقل انه على وشك الانفجار....

*******

بالمطعم....

رحب راشد ب "للي" ونظراته تقتحم تفاصيل جسدها بجرأة ووقاحة....جلست للي وعي أقرب أن تلقي بكوب العصير الذي أمامه في وجهه وتهرب من هنا....قالت بابتسامة مزيفة :-

_ تعبت كتير على ما عرفت اجيلك هنا من غير ما احس أن وجيه مراقبني...الدنيا مقلوبة عليا من وقت ما مشيت من القصر...

ابتسم راشد بخبث قائلا :- عنده حق ، أنا لو مكانه كنت هعمل اكتر من كده ، أنتِ مش حاسة بقيمة نفسك !! بس مكنتش أعرف انك اتحجبتي !! شعرك كان يجنن !

صرت للي على اسنانها بقوة كي تحاول التحكم بغضبها الداخلي وقالت بذات الابتسامة المزيفة :-

_ لحد وقت قريب كنت متمسكة بيه ، لكن لقيت أن حياته كلها شغل في شغل ده غير ولاد اخواته ، انا على الهامش رغم تحكمه فيا !

اقترب راشد واعتدل بمقعده قائلا بهمس :- بس معايا الامر مختلف....كل وقتي هيبقى ليكِ ، أنا عيني عليكي من زمان ، لولا جين كان زمانك معايا ، حسام مكنش يشغلني اصلا وجوده...

قالت بمراوغة :- افرض عرفت في أي وقت علاقتك بيا وطلبت منك تسيبني ، هتختار مين ؟

ابتسم راشد بمكر يحوم بمقلتيه وقال بعد فترة صمت جعلت للي تتعجب :-

_ أنا اخترت جين كتير....اخترتها عشان أقوى فقط ، دلوقتي انا اقوى منها ومن عليتها ، محدش فيهم يقدر يقف قصادي دلوقتي...ولعلمك انا مستني اللحظة اللي هكشف فيها خبر مهم لعليتها....وهتكوني من ضمن الخبر ده...

ضيقت للي عينيها بتوجس وقالت :-

_ مش فاهمة تقصد ايه ؟ عايزة اطمن

طافت نظرت راشد على ملامحها الفاتنة وقال بثقة عالية :-

_ بعد ما تطلقي...هتجوزك رسمي...الاعلان ده هيكون معاه اعلان تاني يخص شركات" ثابت "

فغرت للي فاها بذهول بينما ضحك بسخرية على صدمتها......


بخارج الفندق......

جلست جين تستمع لما قاله راشد للتو بعدما وضعت شيء بملابسه يصلها بما يقوله بوضوح.....كان ماجد شقيقها يستمع للحديث بهدوء غريب وهو يجلس بجانبها في السيارة وقد عاد من سفره عقب وصول راشد ولكنه لم يخبره بذلك تخت طلب شقيقته جين....هتفت جين بشراسة وقالت :-

_ الحيوان اللي وقفت جانبه لحد ما خليته بني ادم....لازم اعرفه مين چين ثابت...

كادت أن تخرج من السيارة حتى جذبها ماجد من معصم يدها لتجلس مجددا :- تبقي غبية لو ظهرتي نفسك دلوقتي...انا هخلص عليه وبنفسي...راشد قضى غلى نفسه بنفسه وما سابليش حل غير أني انهيه....

قالت جين بدهشة :- هتموته !

نظر لها بعنف وقال :- ولو رفضتي هخلص عليكِ أنتِ كمان ، يا احنا يا هو ....اختاري وقرري وخليكي عارفة يا جين ، أني في كل الاحوال هخلص عليه...مستغرب انك لسه باقية عليه !!

ادمعت عينيها وقالت :- كنت حبيته ، خلاني احبه وضحك عليا ، لكن دلوقتي بكرهه لأنه عايز يذلني ، مش همنعك لأني مش بإيدي حلول...

أخرج ماجد سلاحه الخاص الذي اعده من قبل مجيئه لهنا وقال بثبات وثقة :-

_ فاضلك دقايق معدودة يا راشد ، كنت حاسس أن نهايتك هتكون على ايدي في الآخر...

وضع سلاحه بملابسه مرة أخرى وخرج من السيارة قائلا :-

_ زي ما اتفقنا ، راقبيه أنتِ هنا وانا هروح شقة التجمع ، رجالتي هناك مستنيني بس الحفلة دي مافيهاش معازيم غيري انا وهو بس...

ذهب مبتعدا عنها لتنزلق دموعها بقهر من خنجر الغدر والخيانة التي غرز بقلبها....


خرج راشد ومعه للي من المطعم بينما سيارة چين تراقبه من طريق جانبي وسيارة وجيه تقف مصفوفة خلف عدة سيارة ومختبئة عن الانظار.....قال رأفت بعدما استمع بسرية لما قاله راشد بواسطة جهاز التنصت ولم يخبر وجيه بالأمر تجنبا لأي رد فعل متهور بعدما يستمع لحديث راشد الذي متوقع انه لا يخلو من المغازلة الوقحة....

سارت سيارة وجيه خلف سيارة جين الذي أمامها سيارة راشد....كانت عينيه تقدح شرر شرس وهو يقود سيارته...

*********


وقفت سيارة راشد أخيرا أمام مبنى وترجل منها وتملأ عينيه الثقة والزهو !! خرجت للي من السيارة بأقدام تكاد تحملها...اختلست النظر حولها فلم تجد سيارة قريبة فقلقت بعض الشيء...بينما سيارة وجيه أخذت مكان بعيد تماما عن الأعين وتركت جين سيارتها على بعد امتار وسارت حتى المبنى ثم اختبأت حتى دخل زوجها مع للي بداخل المبنى....

نظرت للمفتاح بيدها الخاص بالشقة والذي أخذت منه نسخة سرا وانتظرت بضع دقائق حتى اقتربت من المبنى وولجت بداخله...


خرج رأفت من سيارة وجيه وهو يتحدث بالهاتف ثم انتهى الاتصال قائلا :-

_ ماجد في الشقة مع رجالته ، رجالتي أنا بقى مداريين مؤقتا...كده لازم اكون موجود فوق معاهم ، بس أزاي ؟

خرج وجيه من سيارته بغضب وعنف وقال :- انا هطلع واللي يحصل يحصل ،كده للي في اخطر اكبر مع المجرمين دول...

قال رأفت ليطمئنه :- بقولك رجالتي فوق ومعايا أمر بضبطهم بس لازم اسجلهم كلامهم الأول ، بعد المواجهة ، المشكلة مش مع مراتك بس يا وجيه دول مجرمين ولازم يتكشفوا....انا هتصرف وهدخل بأي

طريقة ، استناني هنا واوعدك اسلمك مراتك بخير....

ذهب رأفت من احد المداخل الأخرى للمبنى دون المدخل الاساسي وابتعد...وقف وجيه يزفر بضيق وغضب مكبوت ولم يستطع أن يظل مكتوف الإيدي هكذا....

*********


دلفت للي خلف راشد الى الشقة وقد جف ريقها من التوتر والخوف ، لم تستطع رؤية شيء بدقة فعقلها كانت تائها وعينيها لا تكسب دقة التفاصيل للرؤيا...

اغلق راشد باب الشقة عليهما ظنا انهما منفردين واقترب منها بنظرة جريئة...استدارت له وقالت بتلعثم وهي ترتجف من اقترابه المخيف :-

_ الشقة ....ما اتغيرتش...

حاولت أن تشغله بالحديث ولكنه اقترب منها ولم يكن بعينيه سوى هدف واحد....ابتعدت عنه سريعا وهي ترتجف وقالت :- حاسة اني عطشانة ، ممكن تجيبلي حاجة أشربها ؟

قال بضحكة ساخرة ولا زال يقترب لها:- واجيبلك ليه والشقة دلوقتي بقت تقريبا ملكك ؟!

اغمضت عينيها لتحاول الثبات ثم قالت بقوة :- مخدتش عليها لسه..

جذبها اليه فدفعته بكل قوتها صارخة بكراهية واحتقار رغم دموعها المسترسلة على خديها :- حقير ....لو قربت مني هقتلك

نظر اليها راشد بسخرية وقال :-

_ ما تفتكريش أني دخل عليا كلامك ، أنا عارف انك بتحبيه ، لكن دخلتي القفص برجلك ومش هتخرجي منه الا بمزاجي...ده لو خرجتي يعني....


توحد الوقت التي فتحت فيه چين باب الشقة مع ظهور ماجد من أحد الغرف وبيده سلاحه....أشهر ماجد سلاحه اتجاه راشد الذي نظر اليه مصدوما ...قال ماجد بسخرية :-

_ أنت اللي مش هتخرج من هنا حي يا راشد ، ولا حتى بمزاجي ، مهمة قتلك جت من كبير العيلة بنفسه...عاصم ثابت ...جدي ، مكنش ينفع أي حد يخلص عليك وينول الشرف ده غيري....

راشد بصدمة :- أنت بتقول ايه وجيت مصر امتى ؟!

اشتدت سخرية ماجد قائلا :-

_ وده هيفيدك يعني ولا بتكسب وقت ؟!

لوت جين شفتيها باحتقار وهي تقترب له وقالت :-

_ أنت اللي اخترت نهايتك....دلوقتي مرتاحة أني مخلفتش منك والا كان هيبقى عندي نسخ منك وللأسف مكنتش هقدر اتخلص منهم...انما أنت خلاص انتهيت..

ورغم ما يعبأ الأجواء من خوف ولكن اطمأنت للي بوجودهم لتنظر لها چين بكره وازدراء قائلة :-

_ احسن مني في ايه عشان تجري وراها وتسيب جين ثابت ؟ طول عمرك غبي وبرضو هتموت وأنت لسه غبي!

توجست للي من نظرات چين المتوعدة لها بينما قال راشد بغضب :-

_ عايزة تعرفي؟ هقولك ، بما أني كده ميت ميت فاسمعيني الأول....لما اتجوزتك حفيت وراكي ، كنت بحبك ، ومش هنكر ان عيني برضو كانت على ثروة عيلتك لكن أنتِ لو مكنتيش مغرورة وشايفة الناس كلها عبيد واولهم أنا يمكن كنت فضلت احبك وما بصيتش لغيرك!

عمري ما وثقت فيكي لأني عارف أي مشكلة بتجري لعيلتك تتحامي فيهم ، بتشوفي اهانتي قدامك من ابوكي وجدك وأخوكي وعمرك ما دافعتي عني ولو بكلمة ! أحبك ليه ؟! ابقى عليكي وعلى عيلتك ليه ؟ طب تعرفي أنا حبيت للي ليه وجريت وراها ؟

عشان في قمة كرهها لحسام دافعت عن نفسها وشرفها وصانته ! مكنتش بغلط فيه قدامها لأني عارف انها هدافع حتى لو بتكرهه...لو أنتِ زيها عمري ما كونت فكرت اخونك...

ماجد بعصبية :- أنت بتبرر خيانتك للعيلة وعايز تكسب تعاطف چين ، انما.....

قاطعه راشد بدفعه قوية جعلت ماجد يفقد اتزانه وسقط من يده المسدس بينما اخذه راشد سريعا وقبض على ذراعي چين يحتمي بها ووضع المسدس بعنقها بتهديد...ضحك بسخرية وهو يرى رجال ماجد يلتفون حوله ويأمرهم بالابتعاد.....قال راشد بتهديد :-

_ خطوة واحدة وأختك هتدفنها بإيدك....انا اصلا بكرهكم كلكم....

نظر ماجد له بعنف وامر رجاله بالابتعاد موقتا ثم نهض قائلا :-

_ لو فكرت تعملها حاجة تبقى قضيت على نفسك

ضحك راشد بسخرية :- بجد !! دلوقتي عامل نفسك خايف عليها ؟! ولا فاكرني غبي ومش عارف انك حاولت تقتلها قبل كده عشان مراثها ؟!

وعشان انا افضل منك وخدت اكتر من نص اسهم شركات ثابت !

هي غبية وفاكرة أن اللي بتعمله دلوقتي عشانها انما عشان حقدك وطمعك أنت... وهي اللي عليها الدور بعدي....لو هي بتفهم كانت عرفت أني كنت السبب انها لسه عايشة لحد دلوقتي....

اتسعت عين چين بصدمة ودموعها تسقط من عينيها بصدمة....نظرات شقيقها المرتبكة اخبرتها أن الحديث ليس كاذب....تفوهت بصدمة :-

_ أنت يا ماجد ؟! ده أنا أختك ؟! حاولت تقتلني معقول !

راشد وهو يشدد على قبضته عليها قال بسخرية :-

_ ما تتصدميش....انتوا عليتكوا كده يا حبيبتي...معندهمش غالي ولا عزيز...

هتف ماجد بغضب :- أنتِ لسه بتصدقيه ؟!


قال راشد بسخرية :- آه هتصدقني المرادي بالذات ، عارف ليه ؟ لأن معايا تسجيل صوتي ليك وأنت بتتفق عليها ، ماتستغربش أني مكشتفتكش لحد دلوقتي بيه كنت سايبه للأخر....وكمان التوكيل اللي خليتها لغيته ليك وبعدها سافرنا نقضي شهر العسل...محاولة ضربها بالنار وبعدها محاولة خطف فاشلة ، كل ده انا اللي انقذتها منها...وكل ده أنت اللي وراه !!


وقفت چين بجسد متيبس كالحجر وقلب تهشم لفتات...ونظرت لشقيقها بقهر...كانت الصدمات تتوالى عليها دفاعاً....نظرت لها للي ببعض الشفقة بينما نظرت لراشد بكره شديد....استطرد راشد قائلا :-

_ ابعد انت ورجالتك قبل ما افتت دماغها يا ماجد ومخليش فيه حته سليمة...

قال ماجد فجأة :- اقتلها

نظرت له چين بصدمة اكبر وقالت بتهتهة :- يقتلني !

هز راشد رأسه بعصبية وعنف :- كنت متوقع منك كده بس خلي بالك...

اشار ماجد لرجاله حتى يصوبوا عليه دون مراعاة حياة شقيقته ولكن هجم على الرجلين أثنان من رجال الشرطة خلفهم وقيدوهم في لحظات....نظر راشد لوجه الضابط رأفت الذي ظهر فجأة وقال وهو يشهر سلاحه بوجه راشد :-

_ سيبها وإلا مش هتطلع من هنا سليم يا راشد..

تفاجئ راشد برجال آخرين من قوة الشرطة بينما كان يتجه بظهره الى الباب ، نظرت للي لآنية زجاجية توضع فيها الزهور ،تسللت اصابعها اليها ثم حملتها سريعا ودفعتها بوجهه حتى تأوه راشد بألم من جبهته التي نزفت الدماء وارتخت قبضته على چين التي كانت كالجثة المتحركة بين يديه...وفي غمرة تيهته ركض اليه رأفت محاولا انقاذ چين من قبضته فالتقط من يده المسدس سريعا بلكمة قوية من يده ثم اسرعت للي لجين وجذبتها بعيدا عن هذا العراك.....

نهض راشد من اللكمات العنيفة الموجهة اليه من الضابط رأفت ليركض خارج واغلق الباب عليهم وظن أنه قيدهم بداخل الشقة حتى يتثنى له الهروب بينما ما كاد أن يستدير حتى تلقى لكمة قوية من يد وجيه قد وضع بها كامل غضبه لتنزف أنف راشد بعنف واسودت الرؤية أمام عينيه قليلا ليُكيل اليه وجيه ضربات متتالية بغضب.....استطاع الضابط رأفت فتح الباب وخرج سريعا ليجد راشد يفترش الأرض مغشيا عليه ودوائر الدماء حوله ووجيه يقف ناظرا له باحتقار.....اسرع رأفت اليه قائلا :-

_ كويس أنك لحقته قبل ما يهرب ومحدش يلحقه....


جذب رجال الشرطة رجال ماجد شقيق چين بينما خرج ماجد وهو ينظر لهم جميعا بنظرة قوية وفجأة سرق من أحد رجالة سلاح كان بحوزته واطلق اربع أعيرة نارية بصدر راشد بتصويب احترافي لتنفتح عين راشد دون انفاس باقية....ولقى مصرعه إثر ذلك....نظر له ماجد بسخرية وقال :-

_ كلب وراح...وكام يوم وهطلع

هتف الضابط رأفت بعصبية ولكمه بغضب :- كام يوم ! انا هعرفك الكام يوم دول هيبقوا كام سنة ويمكن أعدام..

نظرات ماجد كانت ساخرة وكأنه لا يعنيه الأمر حتى دفعوه رجال الشرطة لخارج المبنى.....

خرجت للي ومعها چين التي نظرت لراشد دون حركة من جفن عينيها...كأنها تتحرك دون روح....نظر وجيه لراشد الذي انتهى امره للأبد وقال :-

_ اللهم لا شماته....كده أفضل

خبأت للي وجهها بخوف حتى جذبها وجيه اليه بضمة وربته حنونة لتهدأ من روعها.....همس بأذنها بشيء جعلها تتمسك بملابسه تحتمي به


نظرت لهم چين وقالت بقهر :-

_ اللي افتكرت انهم بيحبوني كان عايزين يموتوني !! واللي عشت اكرهم كان من اسباب أني لسه عايشة !! كنت بكرهك يا ليان !! بس النهاردة عرفت اني انا اللي استحق اتكره...


قالت للي وهي بين ذراعي زوجها :- مافيش داعي للكلام دلوقتي يا چين....انا عمري ما كرهتك...انتِ ضحية ناس كتير حواليكي..


اتى رأفت قائلا بأمر لهما ومعه عدة رجال من الشرطة وامرهم بحمل الجثة....ثم قال لوجيه :- تعالى معايا يا وجيه أنت ومراتك عشان التحقيق...

تساءلت للي :- وچين ؟

أجاب رأفت :- هتيجي معانا وتشهد باللي حصل ، مافيش حاجة ضدها لحد دلوقتي...


*******


قد قارب قرص الشمس عن المغيب.....بينما سانتوريني تلك الجزيرة اليونانية كان الغروب لها ساحر كعادته....يحتضن السماء برفق...


كانت نائمة بين ذراعيه وظل ينظر لها للحظات...اليوم يُعد أول يوم بزواجهم رغم انهما تزوجا منذ أيام....

كانت تغمض عينيها بهدوء وسلام تام وكأنها تختبر الأمان لأول مرة بعمرها...ظل يبتسم لها بعشق وبين الحين والأخر يقبل جبينها برقة حتى لا تستفيق من غفوتها.....

كانت بريئة تماما...

خجولة جدًا ....

كل مرة ينظر لها بجرأة كأنها أول مرة تراه وتخجل !

للحظة قارنها بالفتيات المفترض فاتنات وعملن معه...أين تلك المقارنة بحبيبته ذات الحياء والرقة وبين تلك العاريات ؟!

مقارنة غير عادلة....ثمة شيء من الأنوثة التي تسلب العقل في نظرات الفتاة التي تستحي وتحب بآنٍ واحد....شيء لا يتقنه سوى الطاهرات العفيفات....أنوثة صارخة بالفتاة التي تدخر كل دلالها لزوجها فقط...


تمتمت بشيء وظهر أنها تحلم ربما...كتم ضحكته لذهابها بالنوم مجددا بقوة فضمها بقوة أكثر وأغمض عينيه مرة أخرى....هناك أيام رائعة ستأتي وزوجته حبيبته معه دون عثرات بينهما...وقد جمع الله بينهما في خير.

**********

بقسم الشرطة .....بالمساء...

أتى والد چين ثابت...ليجد ابنته تجلس ويديها تلتف حولها ويبدو عليها وكأنها محمومة....وتجلس على مقعد بعيد عن المارة بالمدخل....اسرع اليها واخذها بين ذراعيه وهي دون رد فعل.....قال :-

_ أنا عرفت كل حاجة واللي ماجد كان عايز يعمله...

نظرت چين لأبيها بحسرة وقالت :-

_ روحت تطمن عليه الأول ، مسألتش عني ، كالعادة

نظر اليها والدها وتحكم في عصبيته وقال :-

_ چين...أخوكي بيتحقق معاه في قضية قتل ! أنتِ متخيلة المصيبة اللي احنا فيها ؟! والمصيبة الأكبر انه عمل كده قدام ضابط شرطة وشهود ! انا مش عارف عقله كان فين !!

چين بسخرية ومرارة تملأ قلبها :-

_ ممكن اطلب منك طلب ومترفضش ؟

هز والدها رأسه بموافقة وقال :- اطلبي مع أن ده مش وقته خالص !!

ابتلعت چين ريقها بألم وقالت وهي ترتجف بقوة :-

_ ماجد مطمن انك هتطلعه !! لكن أنا مش عايزة أعيش معاكم ، انا متنازلة عن ورثي كله ، كل حاجة ، مش عايزة أي حاجة ، بس سيبوني أعرف أعيش..

والدها بغضب :- ايه التخاريف دي !!

جين بدموع حارقة :- يعني عارف أنه حاول يقتلني واخرهم النهاردة كان عايز راشد يقتلني ولسه بتقولي تخريف !! مش فارق معاك أنه كان عايز يموتني ؟! للدرجة مصلحة العيلة أهم مني ؟!

والدها بعنف :- أنتِ اللي صممتي عليه ، لو كنت أعرف أنه هيخليكي تلغي التوكيل من اخوكي مكنتش وافقت عليه ابداً....أنا مسلمك ورث والدتك لأن ده كان وصيتها وأخوالك صمموا لكن ده مش معناه أنك تسلميه لحد غريب !! ولما ادينا فرصة ليه عشان يبقى واحد مننا عض الايد اللي اتمديتله !!


چين بقهر....قالت :- هتنازل عن كل شيء ، مابقتش عايزة فلوسكم ، ولا عايزة ابقى منكم ، انا نفسي أعيش في امان اللي عمري ما حسيت بيه معاكم...

نظر لها والدها وقال بأمر :- من غير شوشرة تعالي معايا نرجع القصر ،وجودنا هنا مالوش داعي والمحامي معاه...كلمة زيادة يا چين أنتِ عارفة عصبيتي عاملة أزاي....

أخذها رغما عنها وهي تبكي بقوة كالطفلة المذنبة بينما وقف رأفت ينظر لهما من بعيد بضيق وقال :-

_ ايه العيلة الدموية دي !! الكتكوته دي أزاي عايشة وسطهم ؟!

قال وجيه مبتسما لكلمة رأفت :- كتكوته يا رأفت !! اخشن شوية يا حضرت الضابط !

رغم ما يعبأ الأجواء من هواء يكتم الانفاس من دخان السجائر ورائحة التبغ لبعض المجرمين ولكن اخفت للي ابتسامتها لحديث وجيه....قال رأفت بغيظ :-

_ يا وجيه صعبت عليا...انا انسان برضو


تمسك وجيه بيد زوجته وقال :- كده التحقيق معانا انتهى ، فش شيء تاني ؟

قال رأفت موضحا :- آه ، شوية اجراءات كده بس تقدر تمشي دلوقتي وهبعتلك تاني....

كاد وجيه ان يبتعد ومعه للي حتى تفاجئ رأفت بأحد العساكر الذي يحمل له مغلف يخص القضية.....تعجب رأفت من الأمر وأخذ المغلف ليرى محتواه حتى صدم بالأوراق التي كان يهدد بها حسام ، يبدو أن المجهول علم بما حدث وارسل هذه الأوراق ليزج ماجد شقيق چين بالسجن وذلك إذا تم التلاعب بقضية القتل المتعمد....ابتسم رأفت لوجيه وقال :-

_ اظن كده دوركم مع عيلة ثابت انتهى....حسام لعبها وحسبها صح لأنه عارفهم واحد واحد....وقعهم كلهم في شر اعمالهم....انتوا كده في الأمان..

تنفس وجيه براحة ثم ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه وخرج ومعه زوجته....


جلست للي بجانب زوجها بسيارته الخاصة وقالت بمشاكسة :-

_ هنرجع الفيوم بقى ، البيت هناك وحشني زي ما اكون سيباه بقالي سنين....الحمد لله ربنا انصفنا وخلصنا من الشر ده للأبد...راشد مات هو وحسام ، وعيلة چين اعتقد بعد الاوراق اللي وصلت دي مشكلتهم هتكون كارثية وهيتقبض عليهم كلهم...مشكلتهم دلوقتي مع القانون...

قال وجيه براحة :-

_ كنت عارف أن مع حبي ليكِ الطريق مش سهل ، لكن أنا مش هسيب ايدك مهما حصل ، اظن كده خلصتي من الماضي كله ومافيش داعي للخوف من أي حد تاني....

ارتمت بين ذراعيه بابتسامة آمنة وقالت :-

_ اكتر مرة حاسة فيها بالآمان ، الحمد لله اد الدنيا ، نشوف بقى حياتنا

كانت ابتسامتها واسعة مرحة فنظر اليها بمحبة خالصة وقال بغمزة :-

_ نرجع الفيوم....

اخفت ابتسامتها حتى قاد سيارته بالطريق....

***********

باليوم التالي.....

أتى يوسف للمشفى مبكرا مع صيام المدة المحددة لإجراء التحاليل....استقبلته الدكتورة عايدة ويسرت الاجراءات ورافقته حتى انتهى التحليل وقالت :-

_ استنى ٣ ساعات بالضبط وهجيبلك التحليل عشان ما تضطرش تجي تاني تاخده....

سحب يوسف كم قميصه واغلق زرار معصمه وقال بعفوية :-

_ هقعد مع نور لحد ما النتيجة تطلع واخدها وامشي...

اخذته عايدة بنظرات شاردة بعض الشيء حتى غرفة ابنتها التي خسرت من وزنها كثيرا واشتد شحوب وجهها وكأنها جثة هامدة.....دلف يوسف للغرفة بينما حركت نور رأسها ببطء واعياء لتتسع عينيها بابتسامة وكأن الحياة تعود اليها بكل خطوة من اقترابه..تمتمت :- يوسف !

جلس يوسف بمقعد قريب وقال مبتسما :-

_عاملة ايه يا نور ؟ الف سلامة عليكِ ، مكنتش أعرف أنك في المستشفى هنا والله غير بالصدفة.

ادمعت عين نور بألم وقالت بالكاد :- سبتني ليه ؟ أنت عارف أني طول عمري بحبك..

صحح يوسف بحنان وقال :- يا نور أنتِ حبتيني عشان وقفت جانبك لكن هيجي الوقت وهتعرفي أن الحب كان وهم...هتعرفي لما تقابلي الحب اللي بجد وساعتها هتعرفي أن كان عندي حق...

هزت نور رأسها بنفي وانكمشت ملامحها من البكاء وقالت :-

_ ما تقولش كده ، بس على العموم مش مهم اي حاجة ، المهم أنك هنا وعارفة انك جيت عشاني...عشان نور

صمت يوسف بحرج ولم يستطع التكذيب.....مر الوقت وانقضت الثلاث ساعات حتى أتت الدكتورة عايدة وهي تولج للغرفة وترتدي كمامة طبية وتشير ليوسف من بعيد أن يتبعها....نهض يوسف قائلا لنور :-

_ هجيلك تاني ...سلام مؤقتاً

خرج من الغرفة مع نظرات نور الدامعة بلهفة واتبع خطوات والدتها بالخارج حتى مرت عليدة بممر طويل بأحد الطوابق دون حديث فتعجب يوسف وتساءل :-

_ احنا رايحين فين ؟!

قالت بصوت مكتوم من الكمامة :- هتعرف دلوقتي يا يوسف وهفهمك...


بدأ القلق يدب بقلبه حتى دخلت عايدة لأحد الغرف البعيدة تماماً وأشارت له ليدخل....دخل يوسف وجلس على مقعد فقالت بقوة :-

_ لأ....نام

ضيق يوسف عينيه ولم يستطع الا أن يستفسر وقال :-

_ في اشعة تاني ؟! انا مش فاهم حاجة !!

جلست عايدة بعيدة عنه وقالت بعد فترة صمت دامت دقائق قليلة :-

_ عشان اكون صريحة معاك يا يوسف ، الاشعة والتحاليل بينت أنك حامل لفيروس بدأ ينتشر هنا من شهر تقريبـًا....أنا أسفة بس المستشفى امرت بعزلك والا هتحصل مشكلة لو خرجت وهيتصلوا بالشرطة والمشكلة هتكبر......

تجمد يوسف في مكانه والصدمة تحوم بمقلتيه...ثم تمتم بذهول :-

_ عزل وفيروس !! يعني أنا مريض ؟

قالت عايدة بنظرة اظهرت فيها الشفقة :-

_ مش عارفة أقولك ايه بس الفيروس ده خطير ، وكويس انك كشفت بصرحة واتكشف بسرعة ، نلحقه في الأول لأن لو اتمكن منك ممكن لقدر الله...

ضيق يوسف عينيه بخوف وليس فقط على حياته بينما لعائلته...لأحلامه مع حبيبته وزوجته...لجميع من تركهم ببلده فأضافت الدكتورة عايدة :-

_ لازم تسمع كلامي ، انا بشتغل هنا ولولا كده كنت هتلاقي صعوبة ، هتقعد هنا كام يوم وهتاخد الأدوية اللازمة لحد ما تتخلص من الفيروس ده نهائي وبعدها تقدر تخرج....

الجمت الصدمة صوته والتمعت عينيه بالألم والحزن لما وقع على رأسه فجأة بهذا الأمر....

رفعت عايدة إبرة طبية وملأتها بسائل اصفر اللون ثم نظرت ليوسف قائلة بغموض :- ده فيتامين سي ، عشان المناعة..واضح أن مناعتك ضعيفة

دست سن الإبرة بذراعه بينما كانت عينيه ضائعة بتيهه الفكر....

شعر بعدها يوسف بدوار شديد ورغما عنه تمدد على الفراش الطبي والرؤيا تهتز أمام عينيه....خرجت عايدة من الغرفة وتركته يغفو ثم وقفت قائلة ببعض الضيق :-

_ معنديش حل تاني ، لازم يفضل جنب نور لحد ما تقوم بالسلامة وتعمل عمليتها...هو سبب الحالة اللي هي فيها يشوف شوية من اللي هي فيه ليل نهار...

سارت بالطريق مع افكار كثيرة بعقلها.....

*********


مضى أسبوع.....بقصر الزيان

كانت عينيها منتفخة من البكاء ووجهها يبدو شاحبا والدوائر السوداء حول عينيها من قلة النوم.....لم تستطع الوصول لأي من عائلة الزيان حتى اتى اتصال فجأة على الهاتف الأرضي للقصر واخبرت احدى الخادمات حميدة بالأمر فركضت حميدة للطابق الأرضي سريعا.....

كادت ان تتعثر على درجات السلم وهي تركض حتى اقتربت لسماعة الهاتف واجابت بلهفة قاتلة :- ايوة يا يوسف أنت فين ؟!


تعجب آسر من الأمر وقال :- يوسف !! ماله يوسف ؟! أنت بحاول اتصل بيه لكن رقمه مغلق فاتصلت بالقصر يمكن اعرف اي شيء عنه ...

هتفت حميدة بصراخ وبكاء :-

_ يوسف سافر لندن يا آسر من ١٠أيام واتصل بيا مرة واحدة بس وبعدها معرفتش عنه حاجة.....روحت الشركة وحاولت أعرف حاجة معرفتش ، وتليفوناتكم كلكم مش معايا ، وتليفون جميلة وسما وللي مقفول مش عارفة اوصل لحد فيكم ، يوسف فين يا آسر ، يوسف فين ؟!


ركضت الدماء بعروق آسر في رجفة مرتعبة وقال بصدمة :-

_ طب بطلي عياط ، انا هرجع القصر النهاردة وأن شاء الله مافيش حاجة...

اغلق آسر الاتصال لتسأله سما بخوف :-

_ حميدة بتصرخ ليه يا آسر ؟!

التمعت عين آسر بالرعب واجرى اتصال سريع على هاتف جاسر فوجده مغلق...أجرى اتصال على رقم آخر يخصه فوجده الرقم متاح وتم الاتصال....اجاب جاسر ويبدو أنه كان يضحك :-

_ ايوة يا غتت ، يابني أنا

قاطعها آسر بصياح :- يوسف مختفي يا جاسر ، محدش عارف عنه حاجة ،انا راجع القصر النهاردة وهقلب الدنيا عليه لحد ما الاقيه...


ضيق جاسر عينيه بذهول وترك المنشفة من يده الذي كان يجفف رأسه بها ويضحك عاليا على جميلة التي تركض خوفا وخلفها قطة.....قال بتلعثم :-

_ يعني ايه مختفي ؟! انت بتقول ايه ؟!

صاح آسر بعينين تعتصر خوف وقال :-

_ يعني مختفي ومش موجود ، انا هتصل بالشركة وأشوفه سفره للندن كان سببه ايه !!

اغلق اسر الاتصال وقال بعصبية :- حضري الشنط بسرعة ، هنرجع القاهرة حالا....

ركضت سما وبدأت عينيها تدمع بخوف من المجهول وبدأت تعد الحقائب....

*******

وعند الفجر وجدت حميدة آسر وسما يركضون من مدخل القصر للداخل والسائق خلفهم يحمل الحقائب فركضت اليهما قائلة بانهيار وبكاء لم يتوقف منذ أيام :-

_ في رقم دولي اتصل بيا وقالي هيتصلوا بيا بعد ساعة كمان وحاةلت اعرف في ايه بس محدش قالي ....

اسر بقلق وخوف تملك من قلبه :-

_ انا عملت اتصالات كتير ، يوسف سافر لندن وقابل جون بالفعل بس جون ما شافوش بعدها ، انا لازم اسافر لندن في اسرع وقت والاقيه....


ربتت سما على ذراع حميدة وعينيها تتسرب منها الدموع لأجل حميدة الذي وكأنها تعاني من أمراض العالم أجمع بشحوب وجهها وهزال جسدها....


دق هاتف آسر فنظر آسر لهاتفه ووجد المتصل عمه وجيه الذي كان هاتفه مغلق لساعات ، أجاب سريعا :- ايوة يا عمي انا في كارثة


ترك وجيه باب سيارته الذي كان يغلقه بعدما اتى لمنزل الفيوم بعد قضاء وقت النهار بأكمله بالخارج يطفو بين الأسواق والمحلات في تنزه مع زوجته....ضيق عينيه بذهول وهتف :- كارثة ايه ؟!

قال آسر بألم :- يوسف ياعمي...بعد ما سافر لندن اختفى ومحدش عارف هو فين !!

هربت الدماء من وجه وجيه وكاد قلبه ان يتوقف من الصدمة....قالت للي وهي تقف بجانبه بقلق :- مالك يا وجيه ؟!

لم يستطع وجيه النطق لدقائق من الصدمة حتى دخل سيارته وامرها تفعله مثله دون نقاش وحرك سيارته سريعا والاتصال لا زال مفتوح ...هتف بعنف وتصميم :-

_ يوسف بخير ، انا متأكد ، انا هسافرله بنفسي ، يوسف بخير يا آسر ما تقلقش...

اغلق بعدها الاتصال ومرر يده على شعره بألم وكأن خناجر تغرز بقلبه .....

نظرت له للي وهي ترتجف من الخوف ولم تستطع حتى سؤاله وهو بهذه الحالة ....

*******

بقصر الزيان....مرت ساعة حتى اتى جاسر وجميلة مثلما أتى آسر وزوجته راكضين للداخل.....قال جاسر بشراسة دون مقدمات لهما وهما جالسين على مقاعد بالردهة وحميدة ترمي رأسها على صدر سما بدموع لم تتوقف :-

_ كلمت جون وانا جاي على هنا ، قال أن يوسف في أخر مرة كان بيعمل تحاليل وشكله تعبان !! يوسف قاله كده...

سمعت حميدة الأمر فاهتز جسدها بقوة من الارتعاش ثم اسودت الرؤية أمامها....

ركضت جميلة لها بهلع وحاولت وهي وسما افاقتها حتى بدأت تستعيد الوعي بعد دقائق....قال آسر والتمعت دمعة بعينه :-

_ أنا خايف ، حاسس أن روحي بتتسحب مني ، مش معقول يكون...

جذبه جاسر من ياقته بشراسة وصرخ بوجهه قائلا :-

_ يوسف هيرجع أنت فاهم ، لو نطقت وقلت كده تاني هضربك....

دفعه جاسر بقوة بينما تحكم بنفسه وتركهم واتجه اتجاه المسبح....


وقف تحت ضوء القمر ولأول مرة تسقط دموع عينيه خوف وتمتم باسمه برجاء ومحبة ....وضع آسر يده على كتفه قائلا بمواساة :-

_ هيكون بخير أن شاء الله...هيرجعلنا...

استدار جاسر والدموع تملأ عينيه وقال :-

_ مكنتش عارف انه غالي عندي كده ، مكنش ابن عمي وبس ، كان أخويا وصاحبي ، ساعات كمان كنت بحس أنه ابني

آسر بحزن :- وانا كمان ، عمي جاي في الطريق ،هو اتصل بسكرتيرته عشان ترتبله السفر للندن في أول طيارة....

نظر جاسر للسماء برجاء وعينيه تدمع الم وخوف.....


بعد عدة ساعات وقفت سيارة وجيه أمام القصر وخرج منها وتبعته للي....ولج للداخل حتى الصالون المجتمعين فيه ينتظرون أي شيء ونظر لهم بقوة قائلا بهتاف :-

_ مش عايز المنظر ده أشوفه ، يوسف بخير وهيرجع ، انا هسافر في اول طيارة وهرجع بيه....

قالت حميدة ببكاء شديد :- حتى اللي اتصلوا بالقصر ما اتصلوا تاني ،معرفش حصل ايه !

وجيه بتعجب :- مين اللي اتصلوا ؟!

توجهت للي لمكان حميدة واخذتها بضمة قوية تواسيها فأجابت حميدة وهي بين ذراعيها ببكاء :- معرفش...مابقتش عارفة حاجة ، رقم من برا اتصل وقالوا هيرجعوا يتصلوا تاني ! اكيد الاتصال ده يخص يوسف...


قبعت الحيرة والرجفة والخوف بعين وجيه وهو مكتوف الايدي عن فعل شيء وبينه وبين لندن اميال....

قال ليهدأ روعها :- أنا قلت هرجع بيه ...يعني اطمنوا

قالت للي برقة :- أن شاء الله خير ، وهيرجع بالسلامة...

هتف جاسر قائلا :- جون قالي أن يوسف كان تعبان ورايح يعمل تحاليل واشعة واعتذر عن تأخير معاده مع جون وقاله أنه قابل حد من قرايبنا في المستشفى بس مذكرش مين !

وجيه بتفكير :- قرايبنا ...لندن ، أنا هعرف مين قرايبنا اللي في لندن....

صاح آسر متذكرا :- يمكن سمر وجوزها !


اكد وجيه بقوة :- صح ، اللي أعرفه أن والدها ووالدتها سافروا أمريكا مش لندن....اكيد هما...

رفع وجيه هاتفه بأحد اقاربه وطلب رقم زوج سمر حتى املاه الطرف الأخر الرقم ببطء.....انتهى الاتصال ليجري وجيه اتصال دولي على رقم زوج سمر فأجابه " عمرو" وتقدم وجيه بالتعريف عن نفسه فرحب به عمر ثم قال وجيه مجددا :-

_ انت شوفت يوسف عندك يا عمرو ؟ قابلته في اي مكان ؟

قال عمرو بنفي :- لأ بصراحة ....استنى اسألك سمر

توجه الى زوجته بالشرفة الخاصة بغرفتهما وكانت تضع سماعات أذن وتستمع للموسيقى....اخفضت السماعة عندما أشار لها زوجها كي تجيب...فأجابت سمر بترحاب شديد :- ايوة يا عمي ازيك ، مبسوطة اوي أنك كلمتني....

وجيه بلهفة :- الحمد لله اتطمنت عليكي يا سمر بس كنت عايز أعرف منك أي شيء عن يوسف...شوفتيه ؟

صمتت سمر بمحاولة التذكر ثم قالت بصدق :-

_ بصراحة لأ ، اللي أعرفه أنه زار نور في المستشفى وعمل تحليل واشعة لأنه كان تعبان....ماما قالتلي انه كويس وبعدها معرفتش عنه حاجة ولا حاول يسأل عني انا زعلانة منه أوي !


ضيق وجيه عينيه بدهشة :- هي نور ووالدتك عندك !

اجابت سمر :- اه..ماما بتشتغل في المستشفى اللي موجودة فيها نور......الدنيا هنا واقفة من وقت الفيروس اللي انتشر من قريب فجأة ده ومابقتش بعرف اروح لنور المستشفى خالص...

دق قلب وجيه فجأة بخوف وانهى الاتصال مع سمر....بجميع الأحوال لا بد أن يكن بالعاصمة البريطانية بأقرب وقت.....


*********

بعد مضي ثلاث أيام أخرى.....دلفت الدكتورة عايدة للغرفة المعزولة لتجد يوسف الممدد على الفراش بوجه مائل للصفرة وتتحرك عينيه ببطء ....جلست على بُعد مترا وقالت بتظاهر الاسف :-

_ مع الاسف....الادوية مش جايبة نتيجة وحالتك بتسوء ، ومستحيل تقدر ترجع مصر وانت كده....

قال يوسف بالكاد والدموع تملأ عينيه :-

_ اللي معذبني ...أن محدش من أهلي معايا ، ولا ينفع يبقوا معايا ، هموت لوحدي وبعيد عنهم....

قالت عايدة قنبلتها الموقوتة :- يوسف ...ليا رجاء عندك ....مستعدة ابوس ايدك عشان توافق....

نظر لها والرؤية أمامه ضبابية وقال بالكاد :-

_ قولي

قالت عايدة بدموع حقيقية :- نور...هتعمل عملية بكرة ، حاجة واحدة ممكن تغير حالتها النفسية وترفعها للسما كمان ....

نظر لها يوسف وقال بتلعثم :- حاجة...ايه ؟

قالت عايدة ببكاء :- اتجوزها....نور بتحبك أوي ، لو اتجوزتها حالتها النفسية هتتحسن أوي وهيكون في أمل تتمسك بيه...اديك شوفت بنفسك رغم تحذيري ليها من القرب منك لكنها كل يوم بتجيلك وتفضل جانبك بالساعات ومش هاممها تتعدي...مافيش حد بيحب للدرجة دي !! ابوس ايدك وافق ،نفسي بنتي تعيش


ابتلع يوسف ريقه بقوة وقال :- اتجوز على حميدة !! مستحيل

نظرت له عايدة بعنف رغم دموع عينيها وقالت بقسوة :-

_ أنت اصلا تعتبر ميت ! كلها أيام وانا مش راضية أقولك كده وبديك أمل ! انا لو منك اخلي الحواز من نور حجة مقنعة قدام مراتك تخليها تقدر تعيش بعدك ويخف عنها الوجع....لما تعرف أنه خونتها...


هز يوسف رأسه برفض تام فتابعت عايدة بكلماتها القاسية التي لا تعرف من أين اتت بها...كل ما تراه أبنتها وتمسكها بيوسف.....قالت وهي تنهض :-

_ كان نفسي يبقى عندك ضمير وتنقذ حياة انسانة كل ذنبها أنها بتحبك ، عموما هسيبك تفكر براحتك....وانت وضميرك...

نهضت عايدة من مقعدها ليوقفها بوسف بدموع عينيه المجبورة وقال :-

_ اتصليلي برقم القصر ، او أي حد من ولاد عمامي....

تساءلت عايدة بقلق:- ليه ؟!

اغمض يوسف عينيه وهو يرتجف من الحزن :- هقولهم خبر جوازي..

ابتسمت عايدة بفرحة حتى اخرجت هاتفها واجرت الاتصال سريعاً.......


تلقى جاسر الاتصال ولم يستطع السفر مع عمه وجيه وآسر منذ الأمس مساءً لعائق ظهر بجواز سفره وسيحتاج وقت للتجديد :-

_ قال جاسر بلهفة :- الو ؟

تحدث يوسف بالكاد وكلمات متقطعة...وقد تعرف على صوت جاسر :-

_ جاسر....


انتفض جاسر من مقعده بالحديقة وابتسم والدموع بعينيه بفرح :-

_ يوسف أنت فين ؟ كده تقلقنا عليك !!

قاطعه يوسف بصوت بالكاد يخرج وقال :- اسمعني يا جاسر...أنا ....

ابتلع ريقه الجاف تقريبا وتابع :-

_ أنا مش راجع مصر....قول لحميدة كل شيء انتهى

فغر جاسر فاه من الصدمة....حتى قال يوسف بصوت ضعيف :-

_ خليها تنساني ....

قال جاسر بصدمة :- انت بتقول ايه ؟ اقولها تنساك أزاي ! في ايه بيحصل معاك يا يوسف وصوتك ماله كده ؟!


كافح يوسف ليبدو صوته طبيعيا وقال :- ده قراري ، مش راجع

اغلقت عايدة الاتصال وقالت بانتصار :-

_ كده كفاية عليهم يا يوسف....اروح اشوف بقى نور وافرحها بقرارك قبل ما تدخل العملية بكرة بدري....انا حاسة انها هتقوم تتنطط من الفرحة....

ركضت من الغرفة بسعادة بينما سقطت دموع يوسف بقهر وكان تفكيره مشتت بسبب العقاقير الغامضة التي تدسها بجسده الدكتورة عايدة....


*********

وقف جاسر مصدوم مما سمعه حتى استدار عندما شعر بأحدهم.....صدم بحميدة وهي تجف مرتجفة بقوة كالتي سكب عليها ماء باردة بطقس أشد برودة....قال بمحاولة اخفاء الأمر :-

_ ده اللي كان ...بيكلمني ...كان....

قالت حميدة بانهيار :- يوسف ، عايزني انساه ، بس اللي ما يعرفهوش أنه روحي وعمري ما هنساه....مش همشي من هنا فير لما يرجع ويوقف قدامي ويقولي كده بنفسه...ساعتها بس همشي.

صرخت ببكاء وظلت تصرخ حتى هرع الفتيات من الداخل ومعهم للي وحملوها للداخل.... مرر جاسر يده على رأسه بحيرة وضيق ثم قال :-

_ مستحيل اصدق أن ده يوسف ...في حاجة غلط بتحصل !


**************

خرجت عايدة من غرفة ابنتها لتزف اليها الخبر حتى كادت أن تقفز نور من فراشها من فرط السعادة......

لتصطدم بأخر شخص كانت تريد أن تراه بهذا الوقت....وجيه الزيان الذي وطأت قدميه أرض العاصمة البريطانية منذ ساعتين.....قال بنظرة ثاقبة :-

_ يوسف فين ؟ اللي عرفته أنه جه هنا ومطلعش !!

توقفت الكلمات بفم عايدة من الذهول ليأتي آسر لعمه سريعا وقال بقوة :-

_ انا عرفت مكان يوسف يا عمي بس في حارس على الباب وبيقولي مكان عزل !! منعني ادخل وطلبلي أمن المستشفى ....

أتى أثنين من رجال الأمن ذو البشرة البيضاء يتحدثون بلغتهم الأم حتى تحدث معهم آسر بلغة انجليزية سليمة ولكن تحدث بعصبية وغضب.....صاح وجيه بأمر :- قولي مكان يوسف يا آسر ولو ما شوفتهوش هقلب الدنيا على دماغكم....

قالت عايدة برعب من غضبه :- اسمعني بس....يوسف ماينفعش حد يدخله عشان عنده فيروس خطير ، معزول حاليا....

صدم وجيه وثبتت عينيه للحظات دون رد فعل....حتى قال والألم ينهش كيانه وروحه :- أنا عايز أشوف ابني...لو ما شوفتهوش دلوقتي هطلع على السفارة حالا...مش هيهمني قرابة ولا هيهمني حد....

بينما تجمد آسر من الصدمة وخرست الكلمات بحنجرته....

ارتعبت عايدة داخليا ولكنها جاهدت ان لا يظهر عليها ذلك فقالت :-

_ ارجوك ، محدش هنا يعرف بحالة يوسف غير قليل ولولا ان ليا مركزي هنا كان يوسف اتبهدل....هخليك تشوفه بس ارجوك اهدا....هجيبلك كمامه وتعقيم....

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى والستون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة