-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثانى عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى عشر

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثانى عشر

 خطوة

-نتأرجح دائمًا بين دربين ولا نعلم أيهما نسلُك، وتأتي الخطوة عونًا لما يُمليهِ العقل، فنسلُك دون الدرب دون رجوع، وعندما تكُن العواقب وخيمة نُلقي اللوم على الخطوة وكأنها هي من ألقت الأمر مُسبقًا..


بدأت الشمس في غزل رداء السماء الأبيض، فباتت كعروس تزفُ في هودج إلى بيت الحبيب، ولم يكُن بيت الحبيب سوي بُندقيتُها، التي استقبلت العروس في سعادة، ووجل ولما لا فالميثاق الغليظ قد عُقِدَ ليلة أمس، ودموع والدتها كانت خيرُ شاهدٍ على ما يجري، انهت "مريم" تصفير خُصلتين من شعرها، وتركت المُتبقي حُرًا للهواء، فقد لتُعطي مظهرًا أكبر لسنوات عُمرها الثمانيةُ عشر، و ارتدت قميصًا رجاليًا قد سرقتهُ في الأيام الخوالي، عندما كانت البسمة دربًا تسلكهُ كُل صباح ومساء، نفضت مُسرعة ذاك الخيطُ من الحزن، ورسمت بسمة قوية وعزمت بكُل ذرة بداخلها على المحافظة عليها، ألقت نظرة راضية على مظهرها قبل أن تخرُج في صياح لوالدتُها :

-"بداره" يا "ماما".

تركت "بدرية" العنان لأحبالُها الصوتية، فأجابت مُسرعة :

-أيوه يا "روما"، وحملت طبق السندوتشات بيد، والأخرى تحمل كوبًا دافئ من الحليب، وتحركت لصالة ولكن قبل أن تخطو خطوة كانت..

عندما سمعت صوت والدتها، علمت أنها بمكانها الدائم، وتحركت لها، لتجدُها تحمل طعام الإفطار، فتشقُ بسمة حانية وجهها، والدتها دائما تفعل أبسط الأشياء لأجل صحتهم، لترفع صوتها في مرح :

-ايه الريحة الحلو دي..

غزي الفخر وجهها، واجابت بسعادة :

-عملتلك فطار يستاهل بوقك، يلا بسرعة؛ قبل ما يبرد اللبن..

تحركت خطوة، وقبلت رأس والدتها بعُمق مُحبب، ووضعت بقُبلتها الكثير والكثير بداية من الحُب والامتنان، نهاية بالوعد الدائم أنها لن تخذلُها مِطلقًا، بل ستعمل الكثير لأجل الإثبات لوالدها أنها اختارت الصواب بالانفصال...

البسمة الحانية لا تُفارق وجه الأم مُطلقاً، ولكنها تتشرب من آن لأخر الهمسات المتوارية بين الحروف، و الوعود الصادقة من العين الخائفة، والتشبث الدائم بالذراع عند المُشاكسة، وكأن الأُم خُلِقت لحفظ كلمات الكون التي لا يعلمها البشر، شعرت "بدرية" بوجود خطب ما في قبلة ابنتها، فهي ليست انطباق لشفتان فوق شُعيراتها، ولكن ذراع قوي يحملُ روحها لأمد بعيد، لتنفرج شفتها بالدعاء الخالص لصغيرتها، قبل أن تقفز الكلِمات المُشاكسة من جوفها المرير :

-يلا يا "روما" "ياسين" هيرفدك، وأنتِ قاعدة تملي فراغك العاطفي..

احتل الذُعر عينها، وشهقة قوية تسربت من شفتيها، وركضت مُسرعة، ولسانها لا ينفك عن الكلِمات المُتلاحقة :

-يالهوي هو أنا استلمت الشغل لسه، ادعيلي يا "بدارة"... واغلقت الباب خلفها..

بدأت شفتيها بالدعاء وكأنه أمر مُسلم بهِ، وتحركت لتُعيد ما بيدها لثلاجة من جديد...

**

في الأعياد تنقلب الجُدران رأسًا على عقب، وكأن الزائر سيأتي ليرفع أسفل الأثاث ليُسلم عليهِ مُتأكدًا من نظافتهُ، وهكذا الحال في قدوم أي مُناسبة تتوجب فيها حضور غُرباء للبيت، ولكن من يأتي ليس غريب، بل ابنتها، فسارعت بكُل همه ونشاط لقلب البيت غير مُباليه بموافقة ابنها، وليضرب رأسهُ بالحائط، انحنت "سناء" لحمل سجادة الصالة ولكن جسدها لم يُعينها، فتحركت لغُرفة ابنتها، وبنداء قبل الدخول الغرفة :

-"رقية"..

انتهت "رقية" لتو من وضع كشكول المُحاضرات الخاص بها، قبل أن تتوقف عن جلب هاتفها، لتُجيب :

-ايوة يا ماما.

وقفت أمام باب الغُرفة، وجلبها المنزلي كُتلة من الغُبار، واردفت بالقول :

-تعالي يا "رقية" شيلي معايا السجادة.

تحالف حجبيها في عبوس، فذرات التُراب ستعلق بملابسها، فسارعت قائلة :

-طيب هغير هدومي وأجي اشيل معاكي.

لتفرج شفتها بامتعاض :

-لسه هستناكي.

شعرت أن والدتها ستبدأ بتقريعها، فقالت:

-خلاص مش هغير يلا نشيلها، وبعدين... لتبتلع المُتبقي من الحروف مع...

انفجرت في بكاء مرير، وبلهجة مُتقطعة من الدموع :

-ربنا ما يحوجني ليكم، وتحركت للخارج..

شعرت بالذنب يحتلها، فهرولت خلف والدتها، تسترضيها :

-أنا اسفة و الله يا ماما، معلش حقك عليا.....

تلحفت "سناء" بالصمت، ولم تُلقي بالًا لأسف ابنتها، لتعلوا شهقاتها مع خروج ابنها..

خرج "منصور" من غُرفته، ليجد والدتهُ تبكي، ورقية تعتذر، وبتساؤل :

-في أيه يا اما؟.

سارعت "رقية" بالجواب:

-والله معملتش حاجة، قولتها بس هغير هدومي واجي اشيل معاكي السجادة زعلت..

لم يقتنع بحديثها، والقى نظرة قاتله لها قبل أن يجثو على رُكبتيهِ بجوارها و يسألها :

-في أيه يا أم منصور.

ببكاء :

-مفيش، هقول أيه.

-ازاي مفيش وأنتِ بتعيطي!..

-اسمع بقا يابني انا تعبت وأن الأوان أرتاح، من بكرة هقعد لوحدي.

ذهول اصابهُ، وارتفع حجابهُ في تخمين لم ترمي إليهِ والدتهُ :

-يا اما مينفعش، وبعدين متزعليش من روكا.

-هزعل لما كُل واحد فيكم مبيسمعش كلامي وماشي بدماغوا.

-والي يرضيكي يا ست الكل.

شعرت أنها أصابت ما تُريد :

-فدوة تيجي هنا، يابني مينفعش نسيب اختك متلطمه مع جوزها كده، امبارح يا حبة عيني ضربها و... وتوقفت الكلِمات..

اشتعل غيظُه، وكاد أن يُفتك بأقرب شيء تصلهُ يداه، وبنبرة قاسية :

-يضربها ليه ملهاش راجل، خليها تيجي يا اما، وتحرك مُسرعًا يُحارب وحوشه، فبالنهاية ستظل "فدوة" اخته ولن يقبل مُطلقًا إلحاق أدنى أذى بها، وزوجها هذا سيقتلهُ لا مُحال..

ابتسمت "سناء" بسعادة، وهرولت تبحث عن الهاتف ؛ لتُبلغ ابنتها بالقدوم اليوم أن أمكن..

توسعت عينها من الصدمة، فوالدتها تُجيد استخدام الحيلة لتنفيذ ما تُريد، تُقسم أن "فدوة" بخير وزوجها الأحمق لم يفعل شيء، لتعود لغرفتها لتستعد للخروج...

**

صدع صوت المذياع بقوله المُعتاد "بريد الإسلام"، لتُنهي "فاطمة" صلاة الضُحى قبل أن تتوجه لإيقاظهم، طرقت باب غُرفة ابنها أولًا؛ لتُلقي على مسامعهُ العديد من النصائح لكي لا يُثير غضب "مريم"، فهي تعلم ابنها جيدًا بعبوسه الدائم، طرقت الباب برفقة قبل أن يأتيها أذن الدخول، وببشاشة :

-صباح الخير.

أغلق" ياسين" رنين المُنبه المُزعج، ليجد طرقات خافته على باب غُرفتها، فيرتفع صوتهُ في اذن الدخول، ليجد وجه والدتهُ البشوش، بتحية الصباح، فيبتسم من فوره :

-صباح النور والسرور.

قهقهت قبل أن تُكمل :

-جتك ايه يا "ياسين"، بص يا حبيبي...

تصنع القلق وبنبرة خافته :

-أنا قولت في أنّ في الموضوع..

بلهجة صارمة :

-لا أنَّ ول بتاع يا حبيب أمك، أنا بقولك أهو متجيش على "مريم" كفايا أبوه والي عملوا، وإذا قصرت في الشغل وحياتي عندك متزعقش ول تمشيها والمرتب بتاعها ابقى خدوا مني..

لمعت عيناهُ بفخر؛ لشعور والدتهُ الدائم بالحنين والإحسان للجميع، لينهض من فوره؛ ليلثم جبينها :

-حاضر.

رفعت يدها لتربت على شعره، واردفت :

-يحضرلك الخير يا حبيبي... ورحلت للخارج؛ لتوقظ البقية، ولكن قبل أن تصل قدمها لغرفة الفتيات..

خرجت "فريدة" من الغرفة، وهي تُنهي أغلاق حقيبتها، لتجد صوت..

بدأ الاستغراب جليًا على وجه "فاطمة"؛ من خروج "فريدة" بهذا الوقت، وبتساؤل:

-على فين يا "فري"

-عندي مشوار مهم، وهرجع على طول.

وباستفهام :

-مشوار ايه ياحبيبتي الساعة لسه سته ونص.

-هقولك لما أرجع، باي يا" طمطم"، واغلقت الباب خلفها، وهي تقصد ذاك العنوان، الذي وجدتُه أمس بالصندوق الكرتوني، لتُقرر الذهاب، ولن تعتمد على الصامت من جديد، فهي تشعر بنفورهُ منها، وهذا ما يزيد من غضبها، ويهدم ذاك الجسر الواهي من الثقة التي استطاعت بناءُه...ستُشغل خدمة معرفة الموقع بهاتفها، وتأخذ احدي وسائل النقل، لتشعُر بالحماسة تتزايد، فتلتهم قدمها الدرج....

**

توقفت "مريم" لالتقاط أنفاسها، وعينها تنظُر للعنوان من جديد، لتلعن غبائها؛ على عدم اتخاذها سيارة أجره خاصة بدلًا من وسائل المواصلات الأخرى، زفرت بتمهل، ونظرت لساعة بهاتفها لتجدُها الثامنة والنصف، لتتحرك بسرعة البرق؛ لتتسلق الدرج، فلم يعد أمامها سوى دقائق على إجراء تلك المُقابلة التي علمت عنها أمس، عندما قررت نيل قسطًا من الراحة، صدع هاتفها برنين رقم غير مُسجل، لتُجيب بقلق :

-ايوه.. وخلال ثوان معدودة، كان طنين أغلاق المُتصل يعلوا بعدما أخبرها بوجود معاد غدًا لها في الثامنة والنصف، لأجل اختبارها للوظيفة..... توقفت من شرودها أمام الشقة المنشودة، وتحركت بوجل شديد، وبصوت مرتفع بعض الشيء يشوبهُ الحياء :

-حد هنا..

وصل "أيمن" مكتبهُ باكرًا على غير المُعتاد؛ لأجل معرفة قُدرات تلك التي تلقى أومر من أمه الثانية بعملها، ليشعُر بحركة بالخارج بعدما أنهى إعداد كوب القهوة الخاص به، قبل البداء في عملة، ليُسارع بالخروج، فيجد فتاة يصل طولها لمتر ونصف تقريبًا، بقميص مقلم رجالي، ليرتفع صوتهُ بجمود :

-اتفضلي في مكتبي... ولم يتسنى لهو الإنتظار، فقد تحرك للجلوس بكُرسيه، لتقيم تلك، ولكن في البداية هي ليست كما ظن، ليجلس وعيناهُ تنظر لموضع وقوفها، بصمت مُهيب، ويداهُ ترفع كوب قهوته ليرتشف منهُ بهدوء...

توقف قلبها عن الخفقان لثواني، من رؤية ذاك الجدار البشري، بوجههُ الغاضب، لتُعلن راية الانهزام، فهو سيرفُض تعينها لا مُحال، ولكن.... لتتوقف لكن مع قوله..

بجمود :

-هتفضلي واقفة كتير؟..

تمتمت باعتذار :

-اسفه، بس...

رفع يدهُ بإنهاء الحوار، وأشار لها بالتقدم؛ من أجل الجلوس، وبنبرتهُ الجامدة :

-اسمك أيه؟..

تحركت بتخبط، وكأن قدمها قدم طفل يتعلم المشي للمرة الأولى، وبتعلثُم قبل أن تجلس :

-مريم فرج.

-خريجة أيه؟.

تنحنحت بإحراج، قبل أن يؤمن عقلها أنها سترحل دون عمل :

-لسه في ثانوية عامة.

نظر لها بتقيم شديد، وبدأ يُلقي الكثير من التساؤلات حول ما تملك من مهارات، لتمر النصف ساعة في سؤال وجواب، ليلتقط زوال توترها، وثباتها في الجواب، واصرارها القوي على إبراز ما لديها من مهارات، ليُنهي أخر رشفة من قهوته، ويقول :

-تمام يا "مريم" مبدئيًا الشغل هنا بسيط، تنسيق مواعيد وإرسال ايميلات.

حركة رأسها بسعادة، فقد علمت أنه وافق وبتساؤل :

-مواعيد الانصراف أمتي؟.

-خمسة بالظبط تقدري تمشي.

-شكرًا.

-العفو، وتحرك ليُريها موضع مكتبها، دون أدنى كلمة..

تحركت خلفُه، وهي تحمد الله كثيرًا، لتتوقف في منتصف الطريق، فقد أشار لمكتب متوسط الحجم بجواره ألة طباعة الأوراق، ليترُكها بعدما قال :

-أن حسن من سيتولى تدريبها.. لتُسرع بتنظيف مكتبها، وترك مساحة لها لتضع حقيبتها، فالمكتب مُتكدس بالأوراق، وذاك الحسن لم يأتي بعد... ولم تكد تمر العشر دقائق الا وتوقف أحدهم أمام مكتبها...

توجه "حسن" من فوره إلى مكتبها؛ فقد أبلغه "أيمن" قبل قليل عنها، ليتحرك بجمود أجاد رسمة، و تعابير مُتهجمة، وبنبرة صرامة :

-أنتِ بقى "مريم".

لم تمر ثوان الا ودب الذُعر في قلبها من ذاك الكائن الغاضب، وبنبرة يشوبها التوتر :

-أيوه.

-طيب، وانفجر في ضحكاتُه على خوفها، وبمرح :

-خوفتِ كده ليه أنا "حسن" الي هدربك، و تقريبًا الكائن الوحيد هنا الى بيضحك.

تخبطت مع بنات عقلها، وبعدم فهم لحالتهُ الغريبة، لتُحرك رأسها بإيماء سريع "بنعم".

ابتسم لها بمرح، وبجدية لا تظهر سوى بعمله :

-ارتاحي وأنا هشرحلك المطلوب، وبدأ في الاسترسال لشرح بعض المهام البسيطة لتعرفها في بداية الأمر، لتمر ساعة وكان قد أُنهك من الحديث المتواصل، فأردف :

-دا في البداية، وخطوة خطوة هشيلك كل شغل... عن إذنك ورحل إلى عمله..

زفرت في اثره بخفوت، وبدأت تُتمتم بالدعاء فذاك "الحسن" يبتسم كثيرًا، وذاك "الأيمن" مُتهجم دائما، وقبلهما جارهم الغاضب، ليصدع عقلها :

-دعي كُل هذا جانبًا وتمسكِ بتلك الفرصة التي لن تعود مُطلقًا... لتُسرع بتشغيل الحاسوب؛ لفهم بعض الأشياء التي دونها "حسن" مُسبقًا..

**

غزلت شمس الصباح ردائها الوهاج فأرسلت، خيوط الدفء للأجساد، لتبسم" فريدة" بفخر؛ فقد أنهت لتو عملها، و استطاعت الوصول لتلك الورشة دون مساعدة الغاضب، لتتسلل بسمة خافتة على شفتيها، فتُسارع بقتلها، وتعبُر الطريق لتتوقف مع يد تتشبث بذراعها، وهلع تام يحتلها، لتفقد القدرة على الاستغاثة..

انهي "منصور" تقطيع الأشكال في إحدى الورش المُخصصة للخراطة، ليلمح طيفيها، فتمر احدي الذبذبات بجسده، قبل أن يُسارع بالنداء ليجدُها اختفت بين المارة، ليُسارع بالِحاق بها، وبنداء لم تسمعهُ، قرر الإسراع أكثر ليجد صوت بوق احد السيارات يُنبه المار أن يبتعد، فيُسارع لجذب يدها، ليهوي قلبهُ في قدماهُ مع..

عجزت شفتها عن الاستغاثة، وتيبس جسدُها، ورفض عقلها الوعي، لتسقُط في بئر سحيق...

خفق قلبهُ بذعر شديد، وتجمهر الجميع حوله، ليُسارع بإفلات الصندوق، ويسندها بذراعيهِ، ليجعلها تستند على احدي المقاعد التي خُلِقت من العدم لها، وبدأ في محاولة إفاقتها، ولكن لا مُجيب، ليأخذ زجاجة عطر من أحدهم، فتنقبض تعابير وجهها، قبل أن يُرفرف جفنها في إرهاق...

التقطت حاسة الشم لديها رائحة نفاذة، فصفعت عقلها النائم في مهده، وحلقت عينها في سماء مُظلمة، وبهمس :

-أما فين؟.

حمد الله في سرُه، قبل أن يسئل بنبرتهُ الرجولية :

-"فريدة" أنتِ كويسه...

حركت رأسها "بنعم" وحاولت الوقوف سريعًا، ليختل توازنها، فتُسارع يداهُ بالتشبُث بها، وهو يشكُر المارة، وبنبرة قلقة انفرجت شفتاهُ :

-متأكدة أنك كويسه..

ابتسمت من فورها، وبامتنان :

-كويسه جدًا يا "منصور"، شكرًا.

كمضخة ضخمة رجت بأوتار قلبه، ففقد التنفُس لثواني، وانزلقت تُفاحة أدم من قوة التخبُط، ليهُلل عقلهُ الأحمق فرِحًا؛ من همس شفتها باسمُه، ليُسارع بقتل تلك الفرشات المُحلقة في معدته، وبنبرته :

-طب يلا نمشي... وانحني ليحمل الصندوقين، وهو يسئل :

-ليه جيتي لوحدك؟.

شعرت بتهور عقلها، وفداحة ما فعلتهُ، وبتعلثُم :

-أصل...

-يلا نتحرك، المعرض بتاعي قريب من هنا، تعالي ارتاحي... ليصدع عقلهُ باللعان على تصرفهُ هذا، فيتبرع القلب بقتله بتلك الرُصاصة الهادرة المُسماة ، خفقة تتخبط في غيوم الحُب.. مرت خمسة عشر دقيقة ليتوقف كلاهُما أمام باب المعرض، لتنفرج شفتاهُ بترحاب :

-اتفضلي..

تحركت "فريدة" خلفهُ بذهول؛ فالكائن الغاضب يبتسم من آن لآخر، ويتحدث بأريحية على غير المُعتاد، لتسع عينها بانبهار من تلك التصميمات الرائعة في الأثاث، لتقول :

-حلو أوي....

تخلي عن جموده، فأجاب :

-تشربي أيه؟..ليتوقف عن الاكمال مع...

ترك "سيد" هاتفه بغضب للمرة التي لا يعلم عددُها، وقبل أن يُجبر عيناهُ للعودة للعمل من جديد، رأي "منصور" يدخل المعرض برفقة "فريدة" لتتسع ابتسامتهُ في خُبث، ويتحرك بترحاب مُمتزج بالمُشاكسة :

-نورتي يا "فريدة"، و بتساؤل في غير موضوعة لصديقُه :

-غريبة جاي المعرض مع فريدة..

قابلتهُ "فريدة" ببسمة مُرحبة، وبتعجب من ترحابُه؛ فأخر مرة كان فظًا معها.....

سبه نائية خرجت من جوف "منصور"، تبعها بنظرة قاتله، ليُردف وهو يعضُ على أسنانه من الخنق :

-"سيد" روح شوف شغلك..

حرك "سيد" حجابهُ بمُشاكسة، وبعبث صريح؛ فقد رأي توهج عين صديقُه بما يسخر بهِ دائمًا :

-خلصت الشغل، ليتوجه بالحديث :

-عاملة ايه؟.

-بخير "سيد".

كتمت ضحكاتُه بجهد مُضني، وتمتم بالاعتذار، وهو يُصيح :

-عن اذنكم، جاي يا... ورحل في لمح البصر..

خلال الدقيقة تنقلب الدنيا رأسًا على عقب، ولكن لدية فقد هُدمت الدنيا بأكملها وأحل محلُها نيران مُستعمرة، نيران بنكهة الهوي، ليتحدث بغضبه المُعتاد وهو لا يفهم أو ربما يفهم ولكن قرر التجاهل التام :

-يلا نروح، وبعدين ايه اللبس الي أنتِ لبساه دا؟.

عُقِدَ حجبيها بعدم فهم، فهذا الغاضب مجنون لا مُحال، وقبل أن تتحدث، كان يحمل الصندوق ويهرب من أمامها، لتتحرك بنفاذ صبر، وخفقات قلبها تصدع مُرحبة بذاك التيار الجارف، وعقلها يُعد جيوش الرفض....

**

اسدل الليلُ ستائرهُ، وأظلم البحرُ الأزرق وكأن لا نور يمرُ بهِ؛ فالنجوم فقدت بريقُها، والقمر احتُجِزَ في منازلهُ، وكأنهُ سجين ومع هذا لا تتوقف الحياة بل تظلُ قائمة على عهدِها عند البعض، ومن ضمن البعض كانت الساعة الجدارية ببيت "فرج" تُلعن عن دقات الثامنة مساءً، ليفرِك "رامي" وجهه بضيق والم حاد ينخُر عِظام رأسه، ليظل يدور في غُرفته كأسد حبيس ينتظر أن يدعهُ صائدُه، ليهرول يبحث عن آخر نقود كان يمتلكُها في حافظة نقوده، ليجد الفراغ وصرير الهواء بها، ليلعن حظهُ العاثر، ليخرُج باحثًا عن والدهُ فالحوش بدأت تغزوا عقله؛ بفعل غياب سيجارتهُ المُفضلة، ليفتح باب غُرفتهُ ويصدُر احدي الهمهمات لمن بالخارج...

لم تربح "سماح" الاريكة منذُ غياب الشمس، وعقلها لا ينفكُ عن حياكة الخطط للحصول على "سيد"، لا تعرف كي تجذب "رامي" لمُساعدتها دون أن تُثير الريبة، لتجد العديد الخُطط الفارغة التي يصعُب تحقيقها عدا واحدة، ولكنها ستحتاج منها الكثير بداية من الجهد البدني وتحمُل هذا البغيضين، لترسم بسمة جذابة، وعينها تلمع بدهاء مع التقاط أُذنها تلك الهمهمات، لتُغلق جفنيها، وتُلقي رأسها للخلف تاركة جُزء من مُقدمة عبأتها لذرات الهواء تلهو بهِ كيفما تشاء...

توقف "رامي" عن السير، وبصوت مُرتفع بعض الشيء :

-"سماح" "سماح"..

اصدرت شفتها همهمات خافته، وبدأت بفتح نوافذ عينها بمكر ودهاء لا يصعُب على أُنثي، وبنوم :

-"رامي" محتاج حاجة؟.

ارتفعت يداهُ بتلقائية؛ لحك مؤخرة رأسهُ في حركة مُعتادة عندما يُصيبه التوتر:.

-لا، أمال الحج فين؟.

رسمت العبوس سريعًا، ولمحة من الحُزن تطفوا فوق وجهها الصبوح :

-راح الشغل وسيبني من صباحية ربنا أكلم نفسي..

حرك رأسهُ بتفهم، واستدار ليعود لغُرفته، ولكنهُ توقف مع...

بسرعة الرياح، دعتهُ للجلوس والحديث :

-اقعد شوية، وكلها ساعة والحج يجي ونتعشى سوى..

تحرك ليجلس على مضض، وعيناهُ تُبحر في الفرغ، وبسمة ساخرة تشق وجههُ، وعقلهُ يُقارن بين أمد ليس بالبعيد، عندما كان البيت ملكًا له وليس ضيف يتوجب عليهِ الحذر في التحرُك، لينتشلهُ من شروده صوتها..

بحفاوة :

-اعملك حاجه تشربها لحد ما الحج يجي؟..

حرك رأسه بنعم، واجاب:

-طيب..

نهضت من فورها، ولسانها يُخبرهُ عن إجادة صُنعها للقهوة :

-هعملك أحلى فنجان قهوة، ورحلت تتوارى بين ردهة المطبخ...

**

توقفت سيارة الأجرة من فئة التاكسي أمام بيت "منصور" لتترجل منهُ امرأة في منتصف العِقد الثاني، بجسد مُمتلئ بعض الشيء، وشعر حالك يستوطن ظهرها، وعين زرقاء تتوهج رغم ظلام الليل، لتنحني بهدوء وتحمل صغيرها ذو الخمسة أعوام، وبتأفف من نظرات السائق، سارعت بالقول :

-ما تخلصنا يا أخينا ونزل الشُنط..

تحرك السائق على مضض، فسيُحرم من ذاك الجمال الأخذ، لتمر دقائق ويضع الحقائب بجوارها، وبلهجة تحمل معنى أخر، يخجل القلم من البوح عنهُ :

-أي خدمة يا ست.

احتل الضيق وجهها، و بنظرة مُشمئزة :

-لا يا اخويا، ورينا عرض كتافك...لتتحرك تصعد درج البيت وخلال دقيقتان كانت تطرُق باب بيتهم، بتأفف واضح...

سارعت "سناء" بإغلاق الموقد، ورفعت صوتها بالجواب :

-جايه يالي بتخبط... لتبتهج ملامحُها، وتشقُ البسمة وجهها، و بسعادة :

-"فدوة"، وتحركت لتجذبها لذراعيها بحنان فطري.. لتمر نصف ساعة من العِناق، والترحاب بابنتها، لتقطع هذا بقولها :

-ادخلي نيمي "رحيم".

خرجت حروفها مُتعبة :

-والله ما قادرة اشيلوا، سيبه شوية وهيصحي هو بينام، دا مغلبني..

ابتسمت" سناء" في حنو، وتحركت لتجلب غطاء لصغير، وخلال ثوان كانت تضعهُ فوق جسدهُ الصغير، وتقبل رأسهُ، و بتساؤل :

-ربنا يشفيه يابنتي..

بامتعاض، ونفاذ صبر :

-أنتِ هتعملي زي ابوه، ما الدكاترة قالوا هيفضل كدة..

سارعت بالقول :

-تفي من بوقك، أن شاء الله ربنا يشفيه، و تخاويه..

احتل التهكُم وجهها، وبلامُباله :

-طيب..

شعرت بحدسها بجود خطب ما، ولكنها قررت التزام الصمت، لحين أن تستريح ابنتها ولها حديث مُطول فيما بعد...

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة