-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الحادى عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الحادى عشر من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الحادى عشر

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الحادى عشر

 أمام فيلا عزام

أنقذها من الغرق ببحر ذكرياتها الصادمة والتي لم تستوعبها بعد،ولم تعي خطورة ما أقدمت على فعله بالإجبار من قبل عائلتها ومراد،الذي أصبح بين ليلة وضحاها زوجًا لها، صوت بوق سيارته،وهو يعلن عن وصولهما إلى فيلته.

عندما سقطت نظراتها على جدران منزله ترددت كثيرًا هل تخوض تلك الحياة أم تهرب ؟ تعلم أنها ما إن تغادر السيارة ستبدأ حياة جديدة تمامًا، حياة ترفضها مختلفة عما حلمت بها منذ طفولتها، وستلقي على أكتافها حملًا يفوق قدرة تحملها،لذا عاتبت والدتها بداخلها وأقسمت أن تعاقب مراد على فعلته،لكنها لم تدرك أنهما قاما بحمايتها من براثن الشيطان بما فعلاه.

قام بفتح باب السيارة لها ثم دعاها للدخول إلى الفيلا، فتطلعت به بحنقٍ يعبر عن ما تكنه له بداخلها ، لقد تحايل عليها حتى يصل لمراده أشاحت بنظراتها بعيدًا عنه، رافضة تمامًا أية روابط تجمعهما سويًا،وأقسمت أنه لن يكون مرادها أبدًا، لكنها لم تعلم أن القدر جمعهما وانتهى الأمر.

ترجلت من السيارة متسلحة بكبريائها وشموخها،كما قررت لن تضعف ،لن ترضخ، وسيعود من تجربة زواجه منها خالي الوفاض ،خطت أولى خطواتها بالفيلا، فاستقبلتها مريم بترحاب وسعادة بالغة، وهي تحمل الصغيرة بين ذراعيها وبعد القبلات والعناق الصادق والسعادة الحقيقية قالت:

_ لا أصدق وأخيرًا تزوج أخي وستنير زوجته منزلنا.

_أشكرك يا مريم، بل السعادة والشرف لي بتعرفي عليكِ.

التفت يده حول خصرها وجذبها نحوه على حين غفلة منها ثم قال:

_ هيا أيتها الثرثارة اسمحي لنا لنمر إلى الداخل،مؤكد العروس جائعة،وأنا كذلك أين ماما؟

_ماما رأسها يؤلمها قليلًا وتعتذر من "يسر"،ستنام مبكرًا اليوم،أما بخصوص الطعام،لقد حضرنا مأدبة على شرف زوجتكَ جميلة الجميلات تلك ،سأطلب من الخادمة أن تجهز المائدة إلى أن تبدل عروسنا الجميل ثوبها.

تضرج وجه يسر بحمرة الخجل فهي لم تعتد على التواجد بمنزلهما بعد، وأمر تبديل ثيابها خلق تساؤلات كثيرة بعقلها،أين ستنام ،هل يكون لها غرفة خاصة بها أم سيتلاعب بها القدر؟ لكن يبدو أن مريم تفهم ما تمر به خاصة أن زيجتها من مراد لها طابع خاص،قالت وهي تدفعها نحو الدرج:

_ هيا إلى الأعلى،قام مراد بتجهيز الجناح الخاص بكما،منفصل تمامًا عن باقي المنزل، لكن أنا من أشرفت على تهيئته اليوم هيا يا عروس ،ليان ستفرح بقدومكِ كثيرًا.

**

أمام باب الجناح الذي قام مراد بتجهيزه من أجلهما،وقفت تنظر له بغضبٍ عارم،ففهم مخاوفها وأسباب قلقها، لكنه أراد أن يتلاعب بها قليلًا؛فقال وهو يدير مقبض الباب للأسفل:

_ أنرتِ منزلكِ يا عروس.

دفعته بغيظ وقالت:

_مراد،عن أي عروس تتحدث!أنا أسايركم للآن حتى لا أغضب أمي،أنا لست عروسك وزواجنا متفق على طبيعته،من فضلكَ لا تخل بهذا الاتفاق.

دفعها بحدة إلى الداخل فشهقت على إثر الصدمة و قاطعها قائلًا:

_هل جننتِ أم ماذا؟

أغلق الباب ثم تابع:

_ هنا بداخل هذه الغرفة زواجنا زواج مشروط سينتهي بالوقت المناسب،لكن خارج جدران تلك الغرفة العلاقة بيننا طبيعية كأي زوج وزوجة، سأفعل وأقول ما يحلو لي،ماما لا تعرف شيء عن اتفاقنا ومريم أيضًا،لا تضعيني بموقف محرج أمامهما.

هدرت بغضب:

_حسنًا جيد ما تقوله،والآن أخبرني كيف سنبقى معًا بغرفة واحدة؟

_هذه ليست غرفة واحدة،إنه جناح بمثابة شقة صغيرة،غرفة ومرحاض و أخرى للمعيشة،تستطيعين أخذ راحتكِ بالغرفة يكفيني تلك الأريكة الوثيرة الموجودة بالداخل.

مال نحوها ورمقها بنظرات ذات مغزى وتابع:

_لقد اخترتها خصيصًا بحجم كبير حتى تلائم طولي.

استفزتها طريقته بالتعامل، وكم هو بغيض على عكس شخصيته السابقة، ترددت بأمر نومه على الأريكة خوفًا من انكشاف أمرهما من قبل القاطنين معهما بالمنزل، لكنها فرحت وأخيرًا ستبدأ معاناته التي لن تنتهي،فقالت وهي تجلس على السرير:

_إذًا بعض من الخصوصية من فضلك،أريد تبديل ثيابي.

غمز لها بعينه و مد ذراعيه وهو ينحني بجذعه بطريقة استعراضية:وقال وهو يرمقها بنظرات عابثة:

_كل الحرية لكِ عزيزتي أنا وغرفتي رهن إشارتكِ.

زفرت بغيظ منه وأقسمت أن يتجرع من نفس الكأس،لكن لتتخلص من هذا الثوب الغير مريح بالمرة أولًا.

بعد انتهاء العشاء استأذنت من"مريم"لتصعد إلى غرفتها حتى تأخذ قسطًا من الراحة ،فعانقتها بحب وتمنت لهما حياة زوجية سعيدة وقالت جملة أصابت يسر بالارتباك{ ليملأ صوت أبنائك هذا المنزل بالضحكات يا عزيزتي}،رافقها "مراد" إلى الأعلى وهو يتظاهر بأنه يتودد إليها أمام شقيقته،تعجبت من عدم استقبال والدته لهما لكنه برر لها ذلك بسبب مرضها ،لم تقتنع لكنها أرجأت البحث عن إجابة لتساؤلاتها للغد فلم تكن تريد شيئًا سوى الاختلاء بروحها بعد نهار صعب للغاية، قضت ليلتها تتقلب بمضجعها الجديد وكأنها تستلقي على الأشواك،لا تعلم لما تملك منها الخوف والتوتر هل من ذلك الغريب الذي يفصلها عنه جدارًا صغيرًا،أم أنها لم تعتد المكان بعد، أم خوفها مما هي مقدمة عليها،بكت بشدة ولأول مرة منذ وفاة والدها تشعر أنها يتيمة، وحيدة و تحتاجه،أحزنها موقف أمها منها بالاضافة إلى كرم،لكنها احتارت في موقفهما لما يسلمانها لمراد هكذا دون الاكتراث لرأيها،لما سلبا منها إرادتها،لما تخلت والدتها عن حنانها وكرم عن مساندتها؟ مؤكد جد جديد وهناك شيء حدث كان السبب في التعجيل بعقد القران وتساهل أمها مع مطلب مراد،ومؤكد هذا السبب قوي للغاية،قوى لدرجة أن يخيف سمية الدالي المرأة التي وقفت شامخة بوجه الجميع؛لذا قررت الصمود حتى تنكشف الحقيقة.

**

بغرفة رهف،تحديدًا بالشرفة ،جلست على المقعد وهي تمسك بهاتفها المحمول تجري مكالمة هاتفية مع حمزة و تتجادل معه بغضبٍ عارم ،وهو يزفر بحنقٍ لأفعالها الطفولية فهي تصب جم غضبها من "أفين" به هو ،وما ذنبه إن كانت أفين غيرت من أسلوبها ونمطها في عرض خاطرتها المتبع منذ سنوات والتي اعتادت عليه رهف، ولم تتقبل تقليص الخاطرة إلى هذا الكم، ولم تستطع فهم مقصد أفين من كلماتها بالخاطرة ،حتى النقاش المعتاد في التعليقات لم تسمح لمتابعيها القيام به وأغلقت خاصية التعليق على المنشور الخاص بالخاطرة وكأن هذه رسالة مبهمة لجمهورها لم يستطع أحد فك شفرتها،حيث أطلت عليهم أفيندار بموسيقي تدمي القلوب لمقطوعة موسيقية بآلة الكمان تشعر وكأن اللحن يبكي بمرارة، مرفقة بفيديو يحتوى على كلمات لم تفهمها،لكنها تُعني الكثير،أعلاه قلب شطر لنصفين.


**أفيندار**

{وإن جار علينا الزمان، واحترقنا وقد كان، وتخلى عنا مصدر الأمان، وفعلنا ما لا يرضينا وسُرقت منا أمانينا، وسلبت من حريتنا،ولم تعد الحياة تستهوينا،ستبقى القلوب تنبض،وترتجي الحياة رغم المعاناة،عنادًا بقلوبٍ أرهقتنا بلا مبالاة }.

**

قالت بضجر:

_اللعنة هل انتظرت الخاطرة بلهفة منذ يوم الثلاثاء،وبالنهاية تطل علينا ببضع كلمات،هذا ظلم لا أتقبل الأمر افعل شيئًا يا حمزة.

قهقهة بصوتٍ مرتفع،وقال بنبرة أثارت جنونها:

_ رهف طفلتي البلهاء،وماذا أفعل هل أذهب وأمسك أفين من أذنها وأعنفها على ما كتبته،يكفيها ما كتبه المتابعين لها على صفحاتهم الشخصية الجميع يتعجب مما كتبته هذه الليلة،مؤكد هناك مغزى مما فعلته،ودعينا لا ننكر،كلماتها تحمل بطياتها الكثير،يبدو أن رسالة اليوم كانت قاسية لدرجة ألجمت قلمها ولم تستطع النصح.

_ همم بالطبع مست كلماتها قلبي،وكأن شيء ما يؤلم صاحبة الخاطرة.

قال حمزة:

_ هذا إن كانت خاطرة.

**

استيقظت رهف فزعة على إثر صوت صراخ دوى بأرجاء الفيلا فغادرت سريرها مسرعة، وركضت إلى الأسفل كانت تتعرقل وتتخبط بما يقابلها،فصوت الجلبة والصراخ بالأسفل أصابا عينيها بالعمى،استوقفها صراخ والدتها باسم "كرم" وأصابها بالتيه لبعض الوقت،و على إثر صدمتها تشنجت قدميها على أعلى درجات السلم ولم يعد باستطاعتها التحرك قيد أنمله من هول المفاجأة ،وراح قلبها ينبض وكأنه سيقفز من موضعه،نظرت إلى الأسفل فهدأت نبضاتها وزفرت فآخر من توقعت أنه سيزورهم هو كرم الدالي ابن عم أبيها،هبطت السلم وهي تدرك أن منار لم ولن تقبل الإهانة بينما كرم يتلذذ بإهانتها طوال الوقت،لذا المواجهة ستحتدم أكثر.

رفع سبابته محذرًا لوالديها فور رؤيته لها وقال بعد أن احتقن وجهه بالدماء:

_أمام ابنتكما أحذركما،إلى هنا وكفى يا عائلة نجيب الدالي لن أسمح باقتراب أي فرد منكم من شقيقتي وابنتها،يكفي ما حدث للآن ،لذا دعونا لا ننبش في الماضي وقتها أنتِ يا منار ستكونين الخاسرة الوحيدة،أنا لن أسكت وهناك اتفاق بيننا،تم اختراقه بصورة أو بأخرى لكن حمدًا لله يسر بمنزل زوجها الآن، وهو قادر على حمايتها من الجميع وأنا حائط متين بظهر أختي،لذا توخوا الحذر من سيقترب منا خطوة واحدة سنقطع له قدمه.

هدرت منار:

_من أنتَ لتتحدث معنا هكذا؟فتياتكم يلطخون أسمائكم بالوحل وأنتم تأتون لمنازل الشرفاء وتهددونهم،تبًا لكم،هيا أخرج من منزلي يا كرم،لم تعد تهديداتك تجدي نفعًا.

صرخ بها "نجيب":

_ منار يكفي إلى هذا الحد ،لن أسمح لكِ.

قاطعه كرم:

_أتركها يا ابن العم تفعل ما يحلوا لها، يبدو أن لحظة القصاص قد حانت.

قالت رهف وهي تكفكف دمعاتها بكفي يدها:

_أحاديثك وتهديداتك لن تسري علي،لسنوات لم يستطع أحد فعلها لم ابتعد عن ابنة عمي، هل ستفعلها أنتَ!

التفت ليغادر وقال دون بلا مبالاة :

أنا لا أستثني أحد والكلام موجه للجميع ، والحاضر يعلم الغائب .

التف نجيب وزوجته حول رهف التي اختل توازنها وسقطت على الأريكة،فقالت منار:

_متى ذهبت تلك الحرباء لمنزل عزام،هل البارحة عندما خرجتِ مع حمزة ،هل ذهبتِ إليها؟

نهضت بوجل تخشى أن يتم كشف حقيقة عقد القران المفاجئ ،وقالت وهي تركض للأعلى:

_لا أعلم متى حدث،كنت مع خطيبي ألا يحق لي هذا؟

فتابعت غير مكترثة لحالة الوهن التي أصابت ابنتها فحربها مع سمية بمثابة غشاوة على عينيها حجبت رؤيتها لحالة ابنتها.

_ ستتضح كذبتكما أجلًا أم عاجلًا،لنرى نهاية تقربكِ منها.

جذبها "نجيب" من ذراعها وقال:

_ماذا كان يقصد كرم عندما قال ستكونين أنتِ الخاسرة الوحيدة إذا ما نبش بالماضي؟

ارتبكت وأصبح الخوف جلي علي صفحة وجهها وراحت تحيد بنظراتها بعيدًا عنه وقالت:

_ طبعًا أنا الخاسرة الوحيدة، الجميع نار قلوبهم بردت وعلم مصير أحبائه لكن أنا قلبي يتأجج بنيران لم تنطفئ.

أصابت نقطة ضعفه بحديثها، ثم اتخذت الهروب ملاذًا لها هي الأخرى كما فعلت ابنتها حتى لا يكتشف زوجها مخاوفها الدفينة.

**


صوت تغريد الطيور، ومداعبة أشعة شمس

الشتاء الدافئة لعينيها، بالإضافة إلى ذلك الصوت المزعج الذي يصدره البغيض على حد قولها؛ كانوا بمثابة تحالف قوي عليها حتى تستيقظ من نومتها التي شبهها ذلك البغيض بنوم أهل الكهف،علمت أنه يقوم بارتداء ثيابه؛ عندما شعرت بحركته بالغرفة وسمعت الأصوات التي تصدر عن فتح الخزانة وغلقها وصوت الصفير المزعج الذي يقوم به، أما تلك الرائحة التي داهمت أنفها كانت تعلمها جيدًا، فقد كان يتعطر بها شقيقها ياسين ، وأصبحت سببًا لبداية يومها بذكرى سيئة للغاية ذكرى استنشاق رائحة عطره دون النظر بعينيه وإزالة شوقها له ،كانت ستنهض وتفرغ غضبها به وتواصل شن حملتها الهجومية عليه لكنها أدركت أن فتح عينيها بهذا الوقت تحديدًا سيكون مجازفة كبيرة، إما يخونها حظها ويكون ما زال في مرحلة ارتداء الثياب وستكون معضلة كبيرة بالنسبة لها ،أو انتهى بالفعل ويصدر تلك الأصوات المزعجة حتى يجعلها تستيقظ وهذه معضلة أكبر، فهي لم تكن في حالة تسمح لها بمواجهته أو مواجهة أي من أفراد عائلته،و تعلم أن الموافقة على الزواج منه والاستسلام لقرارهم المفاجئ بالعيش في منزله مقامرة خطيرة لم تحسب نتائجها، فعنفت نفسها قائلة "تسلحت بالقوة والهجوم البارحة لكن اليوم مختلف، كيف سأواجه هؤلاء؟"

اختفت الأصوات المزعجة وعم الهدوء فخُيل لها أنه غادر الغرفة،كادت أن تنهض لكن داهمتها رائحة عطره فجأة وشعرت بثقل ما على الفراش يوحي بأن أحدهم يشاركها به، فانعقد ما بين حاجبيها رغمًا عنها، وانكمش جسدها وكأن وحش ما سيلتهمها، شعرت بقرب أنفاسه ،وبحركة لا إرادية منها أطبقت على شفتيها، واستمرارًا لحملته الاستفزازية التي شنها عليها البارحة دنا منها أكثر واحتلت ثغره بسمة عابثة، قال ليزيد الأمر سوءً :

_ ابنة الدالي بفراشي يا مرحبا يا مرحبا.

انتفض جسدها بفزع، ثم نهضت بعد أن دفعته بحدة وشهقت قالت :

_ ابتعد إياك أن تقترب مني هكذا مجددًا.

تحولت بسمته لضحكة لم يستطع السيطرة عليها وقال:

_ صباحك سعيد زوجتي العزيزة، طالما مستيقظة لما تكبدتِ عناء التظاهر بأنكِ مستغرقة بالنوم! رغم أنكِ فشلتِ بهذا أيضًا.

ارتبكت قائلة:

_ عن أي تظاهر تتحدث؟ كنت غافية بالفعل.

أجابها بنبرة ساخرة:

_ بالطبع، بالطبع وهل قال أحد غير هذا.

قالت:

_ماذا تقصد؟

_ لا أقصد شيء، هيا تجهزي تأخرنا كثيرًا، مؤكد ينتظروننا على الإفطار.

بدت كمن تفكر بأمر ما، ثم امتلأت عينيها بالعبرات، ففهم أسباب مخاوفها،لذا قال بصوت رخيم يدل على قلبه الرحيم،وكم تأثره بمعاناتها:

_ "يسر" أعلم أن زواجنا لن يستمر لفترة طويلة، لكن أنتِ الآن زوجتي أمام الله وأمام الجميع،و لن اسمح لأحدٍ بإهانتك أو المساس بكِ، طالما أنتِ بمنزلي سنحملكِ تاج فوق رؤوسنا.

قاطعته:

_ لكن ..

_أعلم ما يخيفك، ماما أليس كذلك؟.

أومأت مرات متتالية برأسها باندفاع وكأنها كانت تنتظر تطرقه لهذا الأمر؛ فقال:

_ نحن بنظرها عاشقان تزوجنا لأن الصحافة علمت عن علاقتنا الجادة التي كنت أنوي تكليلها بالزواج قبل أن نعلن نحن عنها، لكن تلك الأخبار عجلت من الأمر، وسبب زواجي منكِ بهذا التوقيت تحديدًا هو أني لا أحتمل أن تكوني حزينة بعيدًا عني،و أردت أن أكون بجانبكِ في محنتكِ،لذا لنتعامل على هذا الأساس،زواجنا أمام ماما حقيقي،و في حضورها لا يوجد داعٍ لهجومكِ علي ،هي فقط تتحفظ على ظروف زواجنا .

حدقت به مشدوهة وقالت :

_ هل لهذا اقتنعت بزواجنا؟

_ نعم، والآن هيا تجهزي سأنتظركِ بالشرفة.

رحل بينما ظلت تتابعه إلى أن اختفى عن أنظارها غير مصدقة أنه مازال هناك رجال يحافظون على العهد كما يفعل هو منذ أن تعرفت عليه،لقد فعل من أجلها الكثير فقط وفاءً لعهده مع والدها، تذكرت قسمها أن تعاقبه على المؤامرة التي قام بها؛ فابتسمت وقررت الاستعداد للهجوم مرة أخرى، فمهاجمته شيء بات يسعدها كثيرًا،وبرود أعصابه يستفزها للغاية، لكنها تعلم كيف سترد له الصاع صاعين.

أما هو فما كان يشغل تفكيره أمور أخرى،أمور أكثر خطورة،فراح يفكر ماذا إن تيقنت والدته أنه لم يعد باستطاعته تنفيذ تهديده لها في ظل تواجد يسر، ماذا إن قررت معاقبة زوجته على القطيعة التي بينهما منذ رفضها الزواج منه، ماذا إن أحزنتها ببعض الكلمات، ماذا إن أسمعتها مر الكلام كما فعلت معه؟ دارت تلك التساؤلات بمخيلته ولم يجد لها سوى إجابة واحدة، لذا قرر قرارًا سيكون سبب في حماية يسر من لسان والدته السليط .

اعتمدت يسر على اطلالة بسيطة للغاية بنطال من الجينز مع كنزة باللون الأسود وأطلقت العنان لخصلات شعرها تنساب على ظهرها، تعمدت أن يخلو وجهها من مستحضرات التجميل،فبشرتها البضة ووجنتيها الورديتان لم يكونا بحاجة إلى أي شيء يزينهما فجمالها طبيعي أخاذ، ذهبت إلى الشرفة لتستدعيه، ابتسم لها بتودد كردة فعل طبيعية لتواجدهما بنفس المكان وحديثهما الأخير الذي التمس به طمأنينتها له، لكنها رمقته بانزعاج فزفر بضيق ودعا ربه أن تمر أيام تواجدهما معًا على خير قبل أن يقتلها على تعاليها عليه ، غادرا الغرفة وفور أن وصلا إلى السلم فمد يده يدعوها أن تُمسك بيده لكنها رمقته عدة نظرات محذرة وقالت :

_ أتريد أن تمسك بيدي؟ هل جننت!

سبقته الى السلم وهي تتمتم:

_ ليلًا اغفو على فراشه و نهارًا أمسك بيده، ماذا بعد؟!

قبض على مرفقها وهو يزفر بضيق ثم قال:

_ لست مولع بذلك، هل سترانا ماما بأول صباح بعد زواجنا وكل منا يسير يلوح بذراعيه وكان شاحنة ستمر بيننا؟.

فكرت بكلامه قليلًا، ثم رفعت سبابتها محذرة إياه وقالت:

_ فقط أمامهما إن تجرأت على فعل هذا ونحن بمفردنا سأقوم بكسر يديك،أخبرك من الآن حتى لا تندم لاحقًا.

قبض على يدها وقال وهو يسير بها إلى الأسفل :

_وكأني أموت علي الاقتراب منكِ .

تحلقوا جميعًا حول مائدة الطعام، مراد على رأس الطاولة، والدته على يمينه، يسر على يساره وجانبها مريم، بينما احتلت الصغيرة حجر يسر، شعرت الأخيرة أنها غير مرحب بها من قبل شروق التي لم تستطع إخفاء مشاعرها وبدا امتعاضها من تواجد زوجة ابنها ظاهر للجميع على صفحة وجهها، فلاحظ مراد ذلك ورأي عبرات يسر تتحجر بمقلتيها، تعجب ببداية الأمر وتساءل،أتلك القوية الشجاعة التي تقف بوجه الجميع وتدافع ببسالة عن آرائها لم تستطع السيطرة على أحزانها هكذا،أين ذهبت قوتها،ولسانها السليط ماذا عنه؟ ولما كل هذا الضعف!، ظل يتطلع بها لبعض الوقت واسترجع ما مرت به بالفترة الماضية؛فنغزه قلبه بمجرد أن حصر كم معاناتها، ليس كزوج فقط وإنما كإنسان، أي أحد منا ما إن يتخيل حجم معاناتها لبكى من أجلها،هذا ولم نطلع على كل ما مرت به بعد، من كان يراه حينها وهو يتطلع بها هكذا يفسر تلك النظرات بنظرات هيام من محبوب لمحبوبته وهذا ما حدث مع مريم التي هتفت قائلة:

_روميو ما بكَ تطلع بزوجتك بولع هكذا، القليل من التفهم يا رجل .

تضرج وجه يسر بحمرة الخجل وحاولت التخفي خلف الصغيرة بينما تمادى مراد بما كان يفعله وقال وهو يلتقط كف يدها ليطبع عليه قبلة،أراد من خلالها إثبات لوالدته أنها زوجته وسعيد بزواجه منها ولن يتخلى عنها،فحاولت جذب يدها من يده لكنها لاحظت نظرات شروق المتفحصة بها فابتسمت له بودِ مصطنع.

وعلى هذا المنوال دام الحال بينهما طوال اليوم، والدته تراقبهما وليان متمسكة بالعروس وهو يحاول إثبات للجميع أن زواجهما حقيقي، بينما لم تستطع هي إخفاء امتعاضها من الأمر برمته.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الحادى عشر من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة