-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الخامس عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الخامس عشر

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الخامس عشر

 صفعةُ المواجهة

-لم أعلم هل جرب أحدكُم من قبل أن يستيقظ على طامة، تلك الطامة التي تجعلُك تائه مفصولًا عن الواقع كُليًا رغم أن جسدك موجود، أنفاسُك تخرُج كلهيب مُشتعل، وعيناك لا ترى سوى الفجيعة، أن كان أحدكُم مر بهذا فقد نال صفعة المواجهة، وإن لم يمُر فقد نأى بنفسه، و عليهِ التفكير جيدًا فيما يُحيط به، فالأرحام تُغلق أبوابُها في باب الغاضب، و الرحمات تُغلق تأكيدًا لها، والقلوب تتجمد من القسوة، أو تنهارُ من التخبُط، و الأعين تُصبح زُجاج لرؤية الصباح والمساء دون حياة، فقد زُجاج يعكس نظرتُك، ولتحترق في نيرانك، نيران الهوي للتائهين والمنكوبين في الأحبة...

أكمل الليل إسدال المُتبقي من ظلامهُ، فكانت السماء خاويةٌ على عروشها من ساكنيها، فقط ظلام مُخيف يستقبل من يُفكر بالنظر، فيُزيد من تخبُط رأسهُ، كاد "ياسين" أن يضرب رأسهُ بالجدار، فذهنُه بالكامل شارد في "رُقيتُه"، تظهر كطيف ملون أمام عيناهُ، وتتلاشى سريعًا دون انتظار خفقان قلبهُ بالعشق، فيُصاب بالخذلان التام، وتظلُ على تلك الحالة منذُ ساعتين أو أكثر، فقد تركيزهُ بالكامل، واشتعلت روحه بالتهور الماجن لمن يُحب، لتبدأ شفتاهُ بالهمس بالحانق :

-ابتعدي، اللعنة علىّ... لكن حاشه لله أن يستجيب العقل، بل أعلن القلب التحالُف، وكون جيشهُ العظيم للمُحاربة، فقرر الهروب لبيته، هُناك سيستطيع ضبط أفكارُه، ويرى الحقيقة المُرة لخذلان والدهُ لهم، ربما ما كان بينهُ وبين أبيه أعمق من مشاعر ابن وأب، بل كانت مشاعر تفوقها بكثير، مشاعر حُب فطري، قدوة أراد أن يُصبح مثلها، عشق أراد أن يحصل على نصفة ممن يهواها القلب، ليفق على تلك الفجيعة برحيلهُ وجلب غريبة لهم، لم يُنكر أنهُ تقبل وجودها، وصار بينهم تألُف كبير، لكن الخذلان والصفعات المُبرحة تركت ندوب لا تُشفي، فتح باب غرفة مكتبُه كسجان قرر بكُل سفور، ترك المُجرمين ومخالفي قانون رأسهُ بالداخل، ليتعجب من الظلام النابض في المكتب والنور المُتسرب من غرفة "أيمن"، ليتحرك نحوه ربما بعض الشد والجذب والمُناقشات تُساعدهُ في حفظ توازنهُ المفقود...


لم يختلف حال "أيمن" كثيرًا عن صديقُه، ولكن صفعتهُ كانت بسبب خوارًا قلبهُ كثورٍ أخرق في مذابح العِشق، ظل عقلهُ يعصف بهِ من جديد، هل هذا عدلاً أن يظلم فتاة؟.. هل هذا عدلًا أن يقتات المُتبقي من عمرهُ على ذكرى امرأة قررت هُجرانُه؟... هل ابنتهُ سعيدة أم مثلهُ تائه؟... توقف عصف رأسه مع صوت...

تقدم "ياسين" ليكُن بجوار "أيمن" وكلاهُما ينظُر من النافذة الزُجاجية على شوارع العاصمة، وأصوات ضجيج المارة تصلهُم بخفوت أو استحياء لإثارة زوبعة أُخري بداخلهم، لتنفرج شفتاهُ كاسره هذا الصمت :

-وبعدين؟.. ولم يكُن سؤلًا لصديقُه فحسب، بل كان لنفسه في المقام الموازي...

ظهر التهكُم على وجهه، ووضع يداهُ في جيب البنطال قبل أن يُجيب بسخرية :

-بعدين لمين فينا يا "ياسين"، على الاقل أنا انكويت بنار الهوي، وأنت لسه زي ما أنت خايف، واجه نفسك يا "ياسين"، وتحرك للخارج تاركًا خلفهُ من يُعيد حساباتُه من جديد...

"حروف تتناثر من فم صديق، تجعلك ترى الواقع بعين الحياة، وليس بعين الموت.."

**

ركض، ونشيج بُكاءُها يعلوا من شفتها، مُعبرًا عن ألم حاد يستوطن قلبها الصغير، أكملت "مريم" صعود درجات باب الاستقبال الخاص بإحدى المُستشفيات، ولتهرول صوب موظف الاستقبال، وبحروف خائفة من فداحة الجواب، ومُمتزجه بلهفة الوصول :

-في مريضة هنا اسمها" بدرية إسماعيل"؟..

بسمة مُتصنعة من الموظف كانت بداية جوابهُ، قبل أن يبدأ بالعبث مع جهاز حاسوبه، ليُخبرها بكُل عملية :

-غرفة ***الدور الثاني..

حركت رأسها بتوجس، وبلهفة أكملت ركوضها صوب الدرج؛ لتصل إلى الطابق، ولكن قلبها يبتهل ويتضرع للرحيم أن يكُن ما سمعتهُ خطأ، لتشبث بإحدى الإطارات الحديدية المُثبتة في الجِدار لدعم المرضى وكبار السن، وهي ليست كبيرة سنًا، بل شاخ قلبها قبل أونُه مع رؤية...

قبل دقائق وقف "سيد" بترقُب بالغ أمام الغُرفة، وطنين قلبهُ الخائف يصمُ الاذان، وعقلهُ يرفُض بقساوة أن يُصدق فُقدان أخر يد حانية ربتت على قلبهُ صغيرًا، ولكن خرج الطبيب والقى ما في جوفه دُفعة واحده مع بسمه مُتكلفه بالتأثُر، ليرحل لإكمال عمله من جديد، ولكن عمل قلبهُ توقف عن الخفقان لوهلة من تلك الصدمة، وليشعر بقبضة فولاذية تعصر رقبته، فيدور كطير ذبيح يبحث عن أخر نفس قُدر لهُ، ليجدها تلهث، وعينها تبرُق كقط وجد كيس الحليب، ليُنزل رأسهُ للأرض البيضاء بعدم قدرة على الدعم...

تنفست الصعداء مع رؤية "سيد" ولكن كان هذا أخر ذرة أمل ستمر بقلبها، ليغلُق العقل أبواب الإدراك خوفًا، وتنسدل الجفون ترقُبًا، وتهوي قدمها....

لم ينتظر لجُزء من الثانية أن يرى ظلها يميل للانكسار، ليهرع صوبها، و يداهُ خير ملاذ لجسدها الهارب من الواقع...

"رحيل.

-أكثر الكلِمات كُرهًا ليّ، وصعوبة على القلوب، ولكن كلمةُ القدير للأجل لا تُرد، وعليك السكون وتحمل إعصار الروح، لحين استكانت البحر من جديد"

**

انهت "سماح" مشوارها سريعًا، وعادت بخطوات تقطرُ سعادة؛ فاليوم أخبرها الشيخ "ذكي" أن الأسياد قبلت الهدايا، وستبدأ بإمالة قلبه، والقريب سيكُن خير مُعين، توقفت لثواني قبل القهوة، وتبتسم بمكر ستنال دعم القريب جيدًا، لترسم بسمة مغرية وتتحرك إلى باب القهوة، وبدلال :

-ازيك يا معلم..

تعجب "فرج" لثواني من رؤيتها هُنا، وسُرعان ما فر تعجبهُ مع نبرتها المغوية، وببسمة رجل يحيا في جلباب المُراهقة من جديد، و يداهُ توضع في شق عبائتهُ العاجية، لتستقر فوق قلبهُ الخافق، وبنبرة فرِحة :

-والمعلم هيكون حالوا ازاي، وزينة الصبايا قداموا..

ضحكة رقيعة، ذهبت بعقله، وأكملت بدلال أنثوي :

-يوه جتك ايه يا معلم... المهم يا اخويا، أنا جيالك في طلب صغير أوي، والنبي ما تكسفني وتصغر بيا...

تأهب لها، وبنبرة تُريد إظهار ما في القلب والقُدرة على تنفيذ ما تُريد :

-طلب بس، دا أنتِ تؤمري أمر..

ربتت بيدها على صدرة، وأكملت :

-يخليك لا ويحرمني من طلتك، بص يا اخويا "رامي" طلب من أنك توافق تخطبلوا، والنبي ما تكسفني..

ظهر الامتعاض على وجهه :

-لكن يا "سماح".

-لكن ايه بس يا "معلم"، هو طالب حلال ربنا ولا هيبقى حلال ليك وحرام على الواد، وبعدين هو طالب نسب أي حد والسلام، دا بيقولي أنها من عيلة تحتكم على شيء وشويات واخوها اسمو" منصور"..

التمعت عيناهُ ببريق خافت، وبدأت الفكرة مُستساغة لهُ، ليتمتم بصوت عالي؛ لمُشاركة ما يجول بخاطرُه :

-تفتكري "منصور" يرضى!..

اصدرت شفتها صوت الامتعاض :

-وميرضاش ليه، هو ابن أي حد، دا ابن المعلم "فرج" واذا كان هو معلم، فأنت سيد المعلمين، وبعدين أنا أعرف اخليه ميقولش بم حتى، أصل أنا يا أخويا بعد أذنك هكلم أمو، و"رامي" قالي أنها تقدر تحكم عليه، وكمان البت ميالة "لرامي "..

-طب سبيني أفكر الأول..

-أنت لسه هتفكر، ياراجل بقولك البت رايداه، ومعدش في حد بيحكم في الجواز يا عنيا..

وباستسلام خر صريعًا بالقول :

-طيب..

**

دخل "منصور" ورشته بعد يوم طويل من الاتفاق على طلبية الأخشاب، ليجد عُمالهُ يتهامسون وصوت أحدهم يظهر مع مكينة قطع الخشب :

-البت دي بطل، لا وكل شوية تنزل تاخد حاجه شكل...

ليرتفع صوت أخر مع صوت شاكوش الطرق :

-بتلاغيك، أصلها من بلاد برة.. ليُقهقه الجميع بعبث، و الهمسات السافرة والنائبة تتراشق بينهم، ليبتلع الجميع لسانُه مع صوت "منصور" الهادر، وعيناهُ الغاضبة ببريق أحمر من الضيق :

-إلى يشتغل مع "منصور حلاوة" ميتكلمش في أعراض الحريم، وبلهجة لا تقبل الجدل أشار لاثنان بالمُغادرة، وبقوة :

-رزقكم اتقطع من عندي..

ليحاول أحدهم الجِدال، فيُصيب وترًا لرجُل لا يقبل المِساس بحُرمات صديقه قبل قلبه، لتكن قبضة "منصور" تُزين وجهه ولهاث أنفاسُه يصدع، وبصوت جمهوري يدبُ الرعب في القلوب :

-والي خلق الخلق لو لمحتك في الشارع لهشرب من دمك... ليتحرك يجلس على مكتبهُ، وصدرهُ يعلوا ويهبط بغير هدى، و الاشتعال الغاضب يقفز كحُمم بُركانية، وصوت القلب يصدع بتلك النبرة الذي أصر على تجاهُلها لحكم العقل، والتقاليد، ليكُن الهمس قوي بتلك الحروف المُمتزجة بالذهول والرفض "تُحبها يا منصور".. ليتوقف عن المزيد مع.. ..

وعلى الجانب الأخر قبل دقائق ، كانت "فريدة" تقطع الصالة ذِهابًا وإياباً بقلق؛ فهو لم يأتي لورشته اليوم، ولا يُجيب على هاتفُه، وحينما أتتها الجُراءة لسؤال عنهُ، نزلت لطلب مسمار من العُمال، لتتجمد الحروف بعدها من نظرات تمقتها، تحركت للمرة المائة إلى النافذة؛ لتراهُ للتوقف مع...

انهت "فاطمة" تجهيز طعام العشاء، وتحركت بتذمر طفولي، وبنداء :

-"فري"..

اجفلت "فريدة" لوهلة، قبل أن تهتف بتوتر :

-ايوه.

تحركت لتجلس بجوارها على الاريكة، وهي تُكمل :

-متزعليش منيّ، بس..

اكملت عبوسها الطفولي، وهي تُريد أن تعرف ما بها، فمنذ أمس وهي كالنار في المرجل، وبحنان فطري :

-مالك يا "فري"؟.

زفرت بتمهل، وكانت انفاسُها مُتخبطة رغم عزمها على امتلاك قلبه، وبهمس :

-مش عارفة يا "طمطم"، أو عارفة وخايفة أكون في طريق غلط...

تمتمت "بـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ويدها تربت على كتفها، دون ضغط لمعرفة المزيد :

-إن شاء الله خير..

أمنت على قولها بالدعاء، و امتنعت عن الاسترسال، مع التقاط اذنها نبرة تحفظها عن ظهر قلب، لتهب واقفة وتُتمتم بسرعة :

-هنزل أشتري حاجه، والقت الباب دون انتظار ردها، ستُخبرهُ عما في القلب، فابسط الطُرق المواجهة..

لم تكد تمُر دقيقة إلا وهي تقف بتوتر يُصيبها في حضرتهُ، وبهمس :

-"منصور"..

توقف قلبهُ عن القيام بدوره لدقائق، وطافت عيناهُ عليها سريعًا بلهفة لم يشعُر بها من قبل، وسُرعان ما يفق من شروده؛ بفعل نبرتها المُعاودة لسؤال مره أُخرى بالنداء، وبضيق لم يعلم متى احتلهُ هكذا، انفرجت شفتاهُ باقتضاب :

-عاوزه ايه؟.

أصابها الضيق من صوته، ونبرتهُ النافرة من وجودها، تخبطت قبل أن تطلب بهدوء امتزج بالرجاء :

-ممكن اتكلم معاك شوية؟...

زفر بحنق، وبصوت عالٍ بعض الشيء :

-اللهم ما اخزيك يا شيطان.. وحرك احد يداهُ من موضعها بجوار جسده؛ ليضعها فوق الأخرى في تعبير تام عن الضيق قبل أن يقول :

-خير..

بلعت غصة في حلقها، وبشجاعة أقرب للجُراءة في نظر من لا يفهم شعور أنثى تود قول ما يختلج بصدرها ، بدأت للعد من واحد إلى عشر وبهمس استطاع مُفارقة شفتها :

-"منصور" أنا.... لتتوقف الكلِمات مع ..

ارتفاع صوته بنبرة هادرة:

-"فريدة" لا... وكأنهُ علم ما كان يجول بخاطرها، فعينها تحولت في ثواني معدودة من السعادة والتوتر إلى خيبة الأمل، ليشعُر بمرارة الحنظل في فمه، ليبتلع ريقهُ المرير بصمت قاسٍ..

ترقق الدمع في عينها، وكذبت أُذنيها عن رفضهُ للاستماع، وكل نواقيس الهوى بداخلها تدفعها للبوح، ربما هذا يُغير من الأمر شيء، وقبل أن تستجمع شجاعتها، وتُخفي دمع والدتها المُتساقط عن الحب، كان صوته....

قتل تلك الفراشات المُحلقة في معدتهُ من رؤيتها، وأغلق أبواب قلبهُ بالمتاريس، وصدع صوت العقل في هيئتهُ الجامدة، بنبرة خالية من كُل بذور الرحمة :

-اسمعيني يا بنت الحلال لأخر مرة، أنا لا عشمتك، ول قولت كلمة وحده تاخد عقلك في مشوارك الي عاوزه تقولي عليه، مفهوم يا أخت صاحبي.... وأخر كلمة نطقها بقوة تختلف عن البقية في تأكيد لنفسه قبلها أنهُ لن يهواها قط، فهي من واد وهو من وادٍ أخر... ليُكمل عن أذنك، واستدار موليها ظهرهُ، وعيناهُ تُظلم من ذاك الجُهد النفسي؛ الذي فعلهُ قبل دقائق، لترتفع يداهُ تلقائيًا لضغط على قلبه، وكأنهُ يربت عليه..

باتت أنفاسُها لاهثة، وعينها غائمة، وكلماتُه تتردد في أُذنيها كلحن أصيل من همسات أُم تُريد تهدئة أطفالها لنوم، ولكن ليس بنوم الغفوة وحسب، بل نوم قلبها الأحمق بين أضلُعها، لتحاول التحرُك بصعوبة بالغة، وعينها مازالت غائمة، لتتلاشى الغيوم لثواني مع صوته في حث الرِجال على إكمال عملهم، لتُخرج تلك القطعة من جيبها وتُلقيها أرضًا، وتصعد بجمود تُحسد عليه...

مرت نصف ساعة وهو يُكمل تحركُه بين العمال ومكتبه، ليُلقي نظرة لا يعلم عددُها لموضع وقوفها، لتقع عيناهُ على شيء يُنير في التُراب، فيتحرك نحوه كالنائم، وينحني يلتقطهُ بتساؤل، لتقبض يداهُ بكُل قوه على تلك القطعة الهرمية، وكأنهُ يُد سحقها، ليهمس بصوتٍ مُرتفع :

-مكنش ينفع...

**

ارتفع صوت "رحيم" بالُبكاء، في رفض قوي لجلوسه أرضًا دون حمله، أو ملاعبته، ليُصيح بما يملُك من البُكاء طالبًا أن يهتم بهِ أحد... فاقت "فدوة" من خيالها الجامح على بُكاء ابنها، وبعصبية مُفرطة :

-اسكت..

أنهت "سناء" لتو تجهيز طبق طعام للصغير من البطاطس المسلوقة، لتزفر بضيق من عصبية ابنتها على وليدها واهمالهُ الدائم، فتحركت بغضب لتُعنفها، ولكن دموع "رحيم" فطرت قلبها فانحنت أرضًا لتحملهُ وبحنان بدأت في قراءة آيات الذكر الحكيم في أُذنة، وعينها تُرسل قذائف من الغضب لابنتها، لتمر عشر دقائق ويغفوا الصغير على كتفها دون طعام، لتبدأ بارحة جسدهُ الصغير على رجلها وجذبت البطانية الصغيرة وخلعت شالها لتُدثرهُ جيدًا، وبحنق :

-وبعدين يا بنت حلاوة؟..

زفرت "فدوة" بتأفُف قبل أن تُجيب :

-ول قبلين يا اما..

-لا في قبلين يا عين أُمك، وبدأت بطرح ما يُعيق قلبها ويُخيف روحها، جوزك متصلش ول مرة من وقت ما جيتي، ول أكن ليه ابن، وأنتِ مبتشليش ابنك تلات دقائق على بعض!..

-يوه يا اما، ما شالله عنوا ما اتصل، ومكنش كان يوم ارتحت فيهم من قرف "رحيم"..

اشتعلت عينها بالغضب من عدم تقدير ابنتها لنعمة الأمومة، ولا مبالاتها بزوجها :

-قرف مين يا عين أمك، احمدي ربنا غيرك مطايلش ضُفر عيل وأنتِ بتبغددي على نعمة ربنا..

بتأفُف وضجر :

-يوه، ما كان بلاها ضفرُ هو ناصح أوي دا اهبل...

لم تشعُر سوي بارتفاع يدها بغضب سحيق، وثواني وكانت يدها تحتل وجه ابنتها في صفعة مدوية :

-منك لله يا بنت بطني، لتتوقف الحروف بحلقها مع طرقات قوية على باب البيت، لتنفرج شفتها بحنق :

-فزي قومي قامت قيامتك..

لم تبالي لصفعة والدتها، بل زادت القوة بداخلها على تنفيذ رغبتها، وليذهب كُل شيء إلى الجحيم، وخلال أقل من دقيقة كانت تفتح الباب، و بتساؤل :

-ايوه..

ابتسمت "سماح" بسماجة، وبود زائف في تلك الحالات :

-سالخير يا حبيبتي، مش دا بيت المعلم "منصور"..

حركت رأسها بنعم، والفضول يطلُ من عينها :

-ايوه.

-طب يا حبيبتي أنا جايه اشرب عندكم شاي..

فهمت مطلبها وتحركت؛ كي تفسح المجال، وبصوت مُرحب :

-اتفضلي، وتحركت أمامها لموضوع والدتها...

كانت ملامح "سناء" حانقة؛ من الحوار المُميت مع ابنتها، وبتعجب من تلك الغريبة، ألقت نظرة فضول لابنتها...

شعرت "سماح" بالكثير من النظرات حولها، لترسم بسمة مُتكلفه، وبتفاخُر :

-أنا مرات المعلم "فرج"، وجايه اشرب عندكم شاي..

بسمة مُتخبطة رسمتها "سناء"؛ من تلك الغريبة، وهمست بسرها "راجل شايب وعايب بصحيح"، لترفع صوتها بترحاب :

-اتفضلي يا حبيبتي.. لتبدأ فقرة كاملة من الود والترحاب المُتكلف والغير مُستساغ في تلك الأجواء..

**

أعلنت ساعة المكتب الجدارية الواحدة بعد مُنتصف الليل، ليفق من شروده فقد قضى أكثر من خمس ساعات في حساب وتقريع لذات، والنهاية انتهت بالإذعان لقول صديقة، هو سيهرب من خوفه إليها، ليتحرك مُسرعًا نحو بيته، لتمر أقل من نصف ساعة قاد فيها سيارتهُ بالسرعة القصوى؛ ليكُن ببيته ليصعد سريعًا اكلًا درجات السلُم ليستقبلهُ سكون البيت، فتُحرك نحو غُرفته ليتسمر بقوة خفقات قلبه أمام غُرفة اخته، ويصلهُ تلك الهمسات..

قبل دقائق بغُرفة "ياسمين" كانت تُحاول جاهدة الحصول على سُلطان النوم، ولكنهُ قد هِربَ منها كالمُعتاد، ظلت تتقلب في سريرها الفارغ من "فريدة" تشعُر بالفراغ الداخلي وليس مُجرد مكان وحسب بل روح كانت تطمئن بوجودها، روح قررت الاعتزال اليوم لنوم بغُرفتها تاركها دون رحمة لوحوش رأسها ، زفرت بإرهاق وقبل أن تُتمتم بآيات الذكر من جديد كان رنين هاتفها يصدع مُجلجلًا في سكون الغُرفة، لتُجيب مُسرعة :

-ايوه يا "روكا".

خرجت شهقاتها مؤلمة، بالحد الذي لا حد لهُ، شهقات عاجزة، حاولت "رقية" جاهده إخراج حروفها، لتهمس بتعثُر :

-الحقني يا "ياسمين"..

عدة حروف كانت كفيله، بنهوضه مفزوعة من سريرها، لتدور حول نفسها بالغُرفة، و بتساؤل خائف، مُتلهف، قلق:

-في ايه؟..

-ماما يا "ياسمين" هتجوزني "رامي" "..

حاولت بث الطمأنينة في قلبها؛ لكسب هدوءها، وبنبرة هادئة :

-اهدي، و فهميني في ايه؟.. ومن غير دموع يا "روكا"، براحتك أنا معاكي..

-معرفش أنا رجعت من المحل لقيتها بتكلم" فدوة" وبيبلغوني تحصيل حاصل، وكأن رأي ملوش لازمة..

-كلمي" منصور"..

-خايفه، أخاف أكلموا يكون موافق، وقتها مش هقدر أرفض، "منصور" مش أخويا وبس، مقدرش أكسر أبويا يا "ياسمين".... وخرجت حروفها بنار حارقة كادت أن تقتلها...

-اهدي والله "منصور" أكيد هيسمعك، أنتِ بنتو يا "روكا" ومفيش أب بيئذي بنتو..

بهمس مُتلهف للاطمئنان :

-يارب يا "ياسمين"...

ولكن ذاك الاطمئنان لم ولن يعرف طريق لبالُه بالخارج، فبدى كرجال الكهف، بعين مُشتعلة، وملامح مُميته، و يداهُ تقبض على المقبض وكأنها عصا سيفتكُ بها للحصول على الغزالة الشاردة، ونهيك عن أنفاسُه اللاهثة كمن قطع أميال وأميال من الركض في شمس الصيف الحارقة، فجف حلقهُ، وزاد وجيب قلبُه، وتوهج خداهُ بالاحمرار المِفزع من الحُمى، ليهمس بُكل ذرة بداخلهُ لاعن غبائهُ :

-اللعنة....

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة