-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث

 عِتاب...

"بين نعم، ولا... خفقة تُداعب أجفانُنا، تُطالب بالصفح عن من سكنُ القلب، ولكن تبقى نعم ولا عالقة، ترى هل العِتاب يُفيد أم يُزيد نيران الهوي؟.."

انقضى اليومان سريعاً وكُلٌ في فلكهُ يسبح، وما بين شمسٌ وضُحها يتغير الكثير، ولكن لديهم لم يحدُث أدنى تغير سوي روتين يومي بحت، صباحاً للعمل، ومساءً لنوم لمن لم يُكوي بنيران العشق، أو فقد احبه في خضم الأمس...سقطت إشاعة الشمس بتوهج على تلك النافذة، ليتسلل الضوء الذهبي إلى أسفل الاغطية ليوقظ تلك المُدعية النوم، فقد صدع صوت الهاتف يُعلن عن السادسة صباحاً، تحركت يدها بإرهاق لتُغلق ذاك الصوت المُزعج، زفرت بتأفف فلديها اليوم الكثير، دقيقة وكانت تتعثر في خُفها المنزلي، وقفت أمام دولابها تلتقط أول ما وقعت عيناها عليه، وذهبت باتجاه الاريكة في غرفتها والقتهم عليها، لتلتقط المنشفة وتذهب لتُعيد نشاطها، فتحت باب الغُرفة لتستقبلها رائحة الطعام الشهي، فسأل لُعابها والدتها العزيزة وجدت مُتحالفة لها تعشق الطعام، لا بل تُساعدها بالنهم بشدة، وقبل أن تُغلق باب الغُرفة لتُكمل الردهة إلى الحمام، كادت أن تصدم باخيها المُتذمر :

-صباح الخير يا "ياسين".

بعين حمراء من فرط الغضب، واسنان تتطحن مع بعضها :

-صباح النور..

لم تتعجب كثيراً من رؤية أخيها بهذا الوضع، فمنذ عودته برفقة "فريدة" وهو دائم العبوس والغضب، لا بل صار كُتله موقوتة على وشك الانفجار بوجه أي أحد، وببراة :

-مالك يا "ياسين"؟.

بنفاذ صبر :

-روحي خبطي عليها، خلينا نخلص ورايا شغل.

استجابت بإذعان، وتحركت تجُر قدميها فهذا من ضمن واجبات الصباح "فريدة" تستغرق ساعتين أو أكثر في الحمام دون أن تُبالي بأحد، توقفت تضرب الباب برفق وبهدوء :

-"فريدة"... وقبل أن تطرُق الباب ثانية كانت قد خرجت بهدوء وكأنها لم تحرق ذاك الذي على وشك الانفجار.

بدأت تُجفف خُصلات الذهب خاصتها، وهي تبتسم برقة :

-صباح الخير.

شعرت" ياسمين" أن هُنالك رائحة احتراق ففرت هاربة إلى الداخل، وهي ترد برفق :

-صباح النور.

تحركت "فريدة "بجوار "ياسين" دون أن تُلقي تحية الصباح، فإن كلمتهُ يُلقي جمام غضبهُ عليها، وقبل أن تصل إلى الغرفة التي تتشاركها مع "ياسمين" ارتفع صوت..

أتت "فاطمة" من المطبخ وهي تحمل اطباق الفطور، ووجهها يُزينهُ بسمة ودوده :

-صباح الخير يا "ياسين"،.. وأكملت طريقها للمائدة وهي تتحدث، مالك مبوز على الصبح ليه.

كاد أن ينفجر من الغيظ، ليزفر بتأفف من ذاك الوضع :

-يعني مش عارفه يا بطة، وأشار بانفعال نحوها ... الهانم كُل يوم تأخرني على الشغل، وبالليل تدوشني بالموسيقى بتاعتها.

أكتفت بالصمت، والقت له نظرات يملأُها الضيق؛ بسبب نبرتهُ الهادرة، وعاودت للمطبخ من جديد، دون أن تنبث شفتيها بأدني حرف...

شعر "ياسين" بالضيق، فقد أحزن والدتُه ليُلقي نظرة من نار إلى "فريدة" ويتحرك إلى المطبخ مُقرراً مُرضاتها....

**

وعلى الجانب الأخر كان صوت "فرج" يُزلزل ارجاء البيت، وبنبرة مُميته :

-فاهمة.

امتلأت عين "مريم" بالدموع بعزيمة نهر يشقُ اليابس مُعلنً عن يومٍ من الفيضان، وبنبرة مرتعشة :

-حاضر، بس والله يا بابا أنا معملتش حاجه... لتغلبها شهقاتها وتبتلع المُتبقي من حديثها مع صفعة مدرية تسقُط على وجنتيها....

ارتفع صدرهُ سريعاً في صعود وهبوط، وكأن الهواء زاد عن حجمهُ برئتيهِ، وتحولت عيناهُ لبُركان على وشك الانفجار، وبنبرة قاتله :

-حسك عينك يا "مريم" تقربي من الحيوان الي تحت بأي شكل فاهمة... وأكمل الحديث مُشيراً لابنه :

-اعمل حسابك كُل يوم هتوديها وتجيبها من الدروس، وتحرك صافعاً الباب خلفه وتمتمة ساخطة تنبثق من شفتيهِ.. جتكم الهم...

مع صفعة الباب المُدوية كان هذا هو المؤشر لركوضها صوب ابنتها، وبعيون لا تنفكُ عن الإمطار :

-حقك عليا يا بنتي،... وسُرعان ما التقطت المُتبقي من أنفاسها التائه في خضم مشاعر الأمومة، ورفعت يدها لتربت بحنان على كتفيها مُحاولة جذبها لأحضانها :

-خلاص بقا يا "روما" ابوكِ عندوا حق يا حبيبتي من يومين الخناقة في الحارة، وإمبارح يشوفك واقفه معاه..

ببكاء لا ينقطع :

-والله يا ماما؛ شفتوا بالصدفة وأنا راجعة من الدرس وهو حتى مقاليش حاجه غير مساء الخير ومشي.

رسمت بسمه هادئة، مُحاولة بث الطمأنينة بقلب ابنتها، لتُكمل :

-حصل خير، يلا قومي اغسلي وشك وريحيلك شوية وأنا هعملك أحلى فطار... وانقطعت الكلِمات مع صوت ابنها ..

انفجر صوتهُ كبُركان خامل، وبنبرة هادرة :

-بدل ما تقطمي رقبتها بتحايليها، ما هي لو محترمة مكنش الزفت دا كلمها... ليرفع يداهُ في حركة تحذيرية مُكملًا...... والله يا "مريم" لو لمحتك بس واقفه معاه هشرب من دمك، مبقاش غير الشحاتين كمان، وخرج صافعاً الباب خلفه...

زفرت بيأس من تصرفات ابنها، وعاودت لمُراضاة ابنتها :

-يلا يا بنتي قومي، وأنا هبقى افهم أبوكِ لما يرجع ، يلا يا حبيبتي استهدي بالله وقومي...

استجابت بإذعان لما قالتهُ والدتُها، وتحركت إلى غرفتها، والدمع يعرف طريقهُ جيدًا لوجنتيها، لتُحاول إيقاف انهمار دموعها بشتى الطُرق، فلم يتبقى الكثير على موعود ذهابها لدرس...

**

خرجت "وداد" من منزلها وهي تحمل حقيبتها التي قاربت على الصُراخ، وبيدها الأُخرى تحمل دفتراً لتحضير الدروس، لتطرق باب "فرج" مُنتظرة الرد... وما هي الا ثوان وانفتح الباب ليطُل وجه "بدرية" ببشاشة :

-صباح الخير يا "وداد" على فين العزم بدري كدة.

ببشاشة مُماثلة، فتلك السيدة تحمل عبقً فريد يُشبه بلدتها :

-صباح الفل، هستلم شغلي النهاردة والسباك هيجي علي الظهر، و.. وظهر التعلثم قليلاً من الاحراج...

وضعت ما يعتلي قلبها جانبًا، وابتسمت بتفهُم :

-هاتي المفتاح، وأنا هقف معاه لما يخلص.

بنظرة امتنان :

-ربنا يخليكي يا خاله.

-ويسعد قلبك.... لتغلق الباب وتعود لما يُعيق صفو منزلهُم....

**

انهت "رقية" تناول الإفطار ، وهي تستمع إلى الكثير من التقريع من والدتها، لتبتلع آخر لقُمة :

-الحمد لله، عاوزه حاجه يا "ماما".

بامتعاض، وحنق :

-يعني ايه؟.

لترسم بسمة مرحة ، وبمُحايله :

-ماما.. "منصور" كبير كفايا يحدد امتي هيتجوز، و مينفعش كل فترة نجبروا يزور حد، هو.... وابتلعت المتبقي من كلامها مع...

ارتفع صوت "سناء" بمزيد من الغضب والأفعال، لتُكمل باستياء :

-بلاش كلام خايب، هو راجل ملوي هدموا، وشغل ربنا فاتحه عليه، ولو على الشقة فالشقة الي فوق فاضية يوضبها زي ما هو عاوز، لتحتل نبرة هادئة صوتها.... يا بنتي أنا مش هعيش ليكوا العمر كلوا..

لتُسارع بالدعاء :

-بعد الشر عليكِ، بس هو...

لتزُم شفتها بسخط، وتتحرك ذهاباً وإياباً بامتعاض، لتُكمل بصرامة :

-بقولك أيه لا هو ول نيله، بليل هنروح نشوف البنت.

زفرت باستسلام؛ فقد علمت أن لا مجال للحديث :

-روحوا أنتو، أنا عندي شغل في المحل.

لتُكمل باستياء :

-شغل ايه يا أم شغل! ، بليل هتكوني معانا فاهمه..

دخل "منصور" المطبخ وهو يُكمل ثني أكمام قميصهُ، وبتعجب من صمت "رقية " وعبوس والدته، و بتساؤل :

-في إيه على الصبح.

جمعت "رقية" كُتبها، وحاولت جاهده التزام الصمت، لتصدع شفتها بتمته مُتوترة :

-أنا هتاخر شوية بليل، ماشي.

بتساؤل وهو يضع كوب الشاي على المائدة :

-لية يا "روكا"؟.

-الافتتاح بكرة، وفي شوية حاجات هخلصها مع "ياسمين".

انفرجت شفتهُ بلهجه تحذيرية، لا تقبل النِقاش او التساهُل :

-الجامعة مفهوم.

ابتسمت بود، ورفعت يدها بجوار رأسها، في حركة مسرحية :

-تمام يا فندم، يلا بقا هتاخر...لتفر هاربة قبل أن ينشب الشِجار...

اصدرت شفتيها صوتً يدُل على عدم الرضا، وبنبرة لائمة :

-محدش هيبوظ اختك غير بنت حلمي، ودلعك فيها دا هيطمع الناس فينا.

تمتم بالاستغفار، وبنبرة محايدة :

-يا "اماه" بنت حلمي مؤدبة وأنتِ عارفة كده كويس، و"رقية" تربيتي عارفه الصح والغلط... وتحرك تاركاً المجال لولدتُه، فهو يعلم سر غيظهُ منها..

تحركت خلفهُ، وهي لا تنقطع عن الحديث:

-حلوة ول وحشة لأهلها، مش كفايا جوزها سابها قبل كتب الكتاب، وبعدين اختك...

بنبرة قاطعة :

-وحدي الله يا "اماه" دي اعراض ناس، واخوها بيشتغل معاه لحد دلوقتي كل شيء قسمة ونصيب.

لتُكمل بسخط:

-اخوها، بلا نيله لو كان راجل كان قطم رقبتها بدل ما هو سايبها كده.

بنبرة قاطعة تُنهي الجِدال :

-اتقي الله يا "اماه" عندك ولايا، والحارة كلها بتشكر فيها.. أنا نازل عاوزه حاجه.

لتُسارع بالقول :

-متنساش بليل معادنا عند الجماعة.

مسح وجهه بنفاذ صبر، وبنبرة مُرهقة؛ من كثرة الجدال :

-ول جماعة ول حاجه، أنا عندي طلبية... وتحرك مُعلقاً الباب خلفهُ قاطعاً الحديث.. ليترجل على الدرج وهو يتمتم بالاستغفار من تصرُفات والدتُه...

**

توسطت الشمس كبد السماء، وتناثرت خيوطها في كُل مكان، ومن بين تلك الخيوط، كان أحدهم ينعكس على سلاسلُها الذهبية، التي تستوطن يدي "فاطمة"...

صاحت "فريدة" بفرح مع انتهاء "فاطمة" من تضفير شعرها، لترتفع يدها وتمسك الضفيرة بحنان وكأنها زُجاج قابل للانكسار، لتترقق دمعة يتيمة بعينها، وبنبرة شبه مبحوحة :

-حلو أوي يا "طمطم".. لتومض عينها ببريق الشجن، وهي تهمس وكأن الغائبة تجلس أمامها :

-كانت بتعملهالي ديما، وكُل شوية... لتنقطع الكلِمات مع بسمة تحمل مرارة العلقم تحتل حلقْها...

رأت "فاطمة" تبدل معالمها من السعادة، إلي حُزن دفين، لتبتسم بحنان، وترفع يدها لتربت على كتفيها :

-ادعيلها ، دا تاني باب بينا وبين الي بنحبهم، الي سبقونا ديماً طيفهم محاوط قلوبنا، ادعيلها يا حبيبتي...

تخللت البسمة شفتيها، وسقطت دمعة يتيمة من حدقتيها ، لتزامن مع خروج تلك التنهيده من حنجرتيها، وبنبرة مرتعشة :

-أنتِ مش زعلانه مني؟... وباتت تنتظر بترقُب لِجوابها .

بسمة هادئة كانت الفيصل بين ترقُب "فريدة"، و والتنهيده المُنبثقة من شفتيها، قبل الجواب :

-وازعل منك ليه؟.. هتصدقيني لو قولتك أنا شيفاه في عينك ديماً، أنتِ ملكيش ذنب في الي فاتت.... لتنهض مُسرعة وهي تُتمتم، أنا محتاجه ارتاح...

لتُردف باستعطاف :

-ممكن أخرج، أنا حاسة بملل.

حركت رأسها بالرفض :

- إستني " ياسمين " او" ياسين ".

طفي التذمُر على وجهها، كطفل يُصر على حلواه :

-أنا مش صغيرة، وبعدين أنا هروح المحل، أرجوكي .

ظهر التفكير جلياً على وجهها.. ولكن قبل أن تُبدي رفضها.... كانت" فريدة " تبتسم لها تلك البسمة الخلابة، لتُعطي توهُجاً لأشجار الزيتون خاصتها... فلم تجد سوي الانصياع، لتزفُر باستسلام :

-طيب خلي بالك من نفسك، ومتقفليش تليفونك.

صفقت بسعادة، وركضت صوبها تحتضُنُها بشدة :

-حبيبتي يا طمطم.....

**

تعامدت الشمس على اللوح الزُجاجي، وبقت خيوط الغُبار تتحد مُعلنه عن وجودها، كانت تتحرك بسُرعة البرق بين الأدوات، وكأنها تنفث نيران غضبها بهم، حملت ذاك الصندوق وهي بالكاد تلتقط أنفاسُها، وقبل أن تتحرك قدماها، كانت محتويات الصندوق أرضً، لتنفجر شفتيها بصوت مُتألم، حينها هبطت حبات اللؤلؤ من عينها، وزادت وتيرة أنفاسُها في صعود وهبوط غير مُنتظم، لترتفع يدها بعُنف؛ لجمع خُصلات شعرها في عقال يمنعها من السقوط على جبينها مره أُخري، فتحركت لتبحث في إحدى أدراج مكتبها عنهُ، وهي بنفس حالة الغضب، بل تصبب جبينها عرقً من شدة الإرهاق البدني، لتجلس بتخاذُل على الكُرسي، وتشهق بعُنف، وقلبها يتألم، وعقلها بجلدها دومًا كعادتهُ في الآونة الأخيرة... عندما تخونها عينها كُل ليله في البحث عن طيفه بين جُدرانْ غُرفتها، عندما يرتفع صخب القابع بين أضلُعه شوقاً، وتتسلل يداها لذاك الصندوق أسفل سريرها، وتُخرج دُمية برائحة الماضي، تلك الدُمية التي رأتها ذات يوم قبل عقد قرانهم بأيام لتستيقظ صباحاً وتجدُها بجوارها... ابتسمت بمرارة وذاك الكرت المُرافق تُخرجهُ من خلف هاتفها، فتبدأ عينها بالتهام الحروف المنقوشة، فتنزل برداً وسلاماً لقلبها....

تألم، لا بل ذاك الشعور المُنبثق من داخلهُ يقتُلُه، هي تتألم مثلهُ، تشتاق إليهِ، ليصدع عقلهُ بالتأكيد الكارت، لم يشعُر بقدماهُ وهي تقودهُ لمكتبها، لم يفق سوي مع حروف اسمها المُغادرة من بين شفتاهُ :

-"ياسمين".

تتوهم... توسعت عيناها بذُعر، وزاد وجيب قلبُها، ولكن ثوان كانت كفيله لها، لاستعادة صرامتها وقتل تلك الدموع العالقة بأهدابها، وبنبرة خاوية :

-أزيك يا "حسن"... حاولت جاهده عدم النظر إليهِ فعيناها تعلم أنها ستخونها وتُفضي إليهِ عن شوقها، فبدت بالعبث بالأدراج..

حاول جاهداً مُحاربه وحوش شوقه وضمها، لترتفع يداهُ وتقبض على الكُرسي، وبنبرة ثابته بعض الشيء :

-الحمد لله، وأنتِ؟... ولكن لقلبه رأي آخر كان يصرُخ بهِ أن يُخبرها، عن مُجافة النوم لهُ، عن حلقتها الفضية التي تستوطن عُنقه، ولكن ما من مُجيب سوي الصمت..

حاولت جمع عدة أنفاس، لسيطرة على خفقاتها :

-الحمد لله، تشرب أيه؟..

-"حسن" :

ول حاجه، مبروك على المحل.

ببسمة مُرتعشة :

-الله يبارك فيك... وصمت مُهيب يرنو عليهم لا يقطعهُ سوي أنفاس كلاهُما المُنافي لجمود اصاحبها...

باتت عيناهُ تطوف بالمكان، ولكنها تسمرت على تلك الطارة المُعلقة فوق كُرسيها، ليطفوا شبح ابتسامة بشفتيهِ، ويُخبرُها بكل سفور مُتحدياً صمتها :

-دي الي أنا طلبتها.... ولم يكُن سؤلاً بقدر ما كان جوابً يتمنى أن يسمعهُ...

الصدمة شلت أطرافها، وتوسعت عينها، وبدأت بالعد حتى الرقم عشرة، لترتسم بسمة قاتله، خاليه من كُل معاني الحياة :

-لا...

ابتسم بتهكم ، بنبرة مُتحديه :

-فعلاً!... وراقب تعبيرها عن كثب، ينتظر أن تخونها عينها، فتُخبرهُ أن مكانهُ... وعندها صدمتهُ...

خرجت الحروف من بين شفتيها بصعوبة، كأنها تخشي التفوه بهم، لكن عقلها وضع الجواب أن هذا أمرًا حتميًا؛ لقطع هذا الحديث المؤلم لخلايا روحها، وبجمود :

-لو مش محتاج حاجه ممكن تمشي، أنا لسه بظبط المكان..

توسعت حدقتيهِ، حتى ظن أنه لن يتمكن من اغلاقهم بعد الأن، وبتعجب... تطردهُ، يُقسم أنهُ سيدقُ عُنقها.... تحرك مُسرعاً صافعاً باب المحل خلفهُ.... حينها سمحت لجسدها بالانهيار، فبكت كما لم تبكِ من قبل...

**

تفرُك جفنيها بإرهاق شديد، فقد قضت الساعات المُنصرمة ما بين تنقُلها في الحافلات، ومكوثها أمام مُديرة المدرسة البغيضة، زفرت بتمهُل وهي تشعُر بالعطش الشديد رغم اعتدال الجو، ومع مرورها أمام القهوة توقفت؛ بفعل صوت....

كان جالساً يستمع بصوت العزف من الارجيلة "الشيشة"، يستمع الي حديث الجالسين، ولكن عندما التقطت عيناهُ خيالها، بدأ يُعدل من وضع عبائتهُ ومسحها بيده وكأن ذرات الهواء تقبع فوق بيضها الناصع، وبنبرة مُرحبة، وهو يُغادر كُرسيه :

-ست "وداد".

زفرت بحنق، ورسمت بسمة مصطنعة :

-ازيك يا معلم.

بسماجه لن تليق سوي به :

-زي الفل.

عدلت وضع نظارتها، وبنفاذ صبر :

-خير يا معلم؟..

تنحنح بحرج؛ من حديثها البارد، وأخرج ورقه مطوية من جيب عبائته، واعطاها لها:

-العقد سجلتوا يا ست "وداد".

اخذت العقد، وبهدوء:

-طيب يا معلم، عن أذنك... وتحركت دون أن تنتظر ردُه.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
تابع من هنا: جميع فصول رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة