-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل السابع والعشرون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل السابع والعشرون بروايةعصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل السادس والعشرون"

روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل السابع والعشرون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل السابع والعشرون 

حتمًا هو يستحق ما حدث له!
ظلت تنظر إليه وهو ملقى على الأرض، فلقد وقع وهو يستدير للجانب الآخر على الفراش، ولم يدرك أن إستدار بما يكفي فوقع أرضًا!

-بتبصيلي كدة ليه ؟
سألها هو في ضيق، فردت عليه ممبتسمة ببرود :
-شمتانة فيك بصراحة يا براء، عشان متخلنيش أنام طرل الليل
قام من على الأرض متجهًا لها وهو يردف بسخط :
-أصلًا سريرك دة صغير ومش مريح!
رفعت حاجبها الأيسر قائلة بإستهجان :
-دة على أساس إني أرغمتك تنام في أوضتي!
وضع يده خلف رأسه وهو يتحدث :
-آه صحيح، طب قومي يلا اعملي فطار أنا جعان
قامت من على السرير قائلة :
-لأ إعمل إنت فطار وأنا هروح أطمن على بابا
-لأ إعملي وأنا هطمل عليه
ردت بصوت حاسم :
-قولتلك لأ مفيهاش حاجة لو عملته النهاردة
أجاب بغيظ :
-ماشي يا جوري أما نشوف أخرتها معاكي
رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبد الحميد "الفصل الخامس والعشرين"
-السلام عليكم
قالها والدها وهو يدلف من الباب، فاستداروا سويًا ناظرين له بشده ...
أردفت جويرية بقلق وهي تسرع إليه :
-بابا، إنت ليه قومت و..
قاطعها هو برفق :
-أنا الحمد لله يا جوري، وبعدين هتفضلي حبساني في الأوضة كتير !
أسندته وهي تسير به نحو أحد الأسِرَّة المتواجدة في الغرفة، حتى أجلسته عليه قائلة بهدوء :
-مش بحبسك بس عاوزاك تخف بس
إبسم لها وقبل ؟ن ينطق بحر وجد براء قد تدخل قائلًا :
-يا عمي هي مش بس بتحبسك لأ دة بتجبر الضيوف يعملوا فطار!
نظر له عبد القدوس ضاحكًا وسأله :
-وهو إنت ضيف برضوه يا براء ؟
لكنه لم يكن يدري أنه يدعمها بتلك الطريق، ثم قال فجأة :
-لأ لأ أقصد إن ...
قاطعته جويرية وهي تنظر لبراء بإنتصار وتقول :
-معاك حق يا بابا، يلا يا براء إعمل فطار!
نظروا لها سويًا، وغلفت نظراتهم الضيق، والمرح ..
فهي لا تترك أي فرصة تضيع منها ...
ومستسلمًا ذهب نحو المطبخ ليعد الفطور، وقبل أن يبتعد سمع صوتها الهادئ :
-وآه، متقلش الشاي، إنت عارف إني بحبه خفيف!
إستدار لينظر لها فوجدها تبتسم له، لما شعر أنها غاضبة من شيء ما وتريد إفراغ غضبها فيه!
الأمر لا يتعدى بضع ساعات أزعجها فيها ليلًا!

بعد أن أنهو فطورهم، كان الجو ساكنًا، وبهدوء بدأت جويرية تنتزع الأطباق وتضعها في المطبخ لتغسلها بعدها بصمت ..
وبرغم أن أحدًا لم يفهم ما يزعجها من بكرة الصبح، إلا أنهم ظلوا يحادثونها علها تبوح بما تخفيه ...
لكن كعادة جويرية، لم تتفوه بكلمة

أما هي فقد كانت تفكر في تلك المكالمة، وفقط بعد أن استيقظت بدأت تفكر في إحتمالية وجود توقيعها على ورقة بيضاء بالفعل!
فالبارحة كانت على درجة كبيرة من الشرود، ولربما ..
فجأة رفعت رأسها وهي تتذكر حينما حادثت فيروز!
وبعدما سمعت ما حدث لها انفعلت، وبدأت تتناسى العالم من حولها، حتمًا حصلت الورقة على توقيعها آن ذاك، فهي لا تركز كثيرًا حين تغضب ..
وعادتها منذ صغرها أن تكتب إسمها مرارًا على ورقة أمامها إن توافرت ..
-غبية
قالتها بغضب بعد أن وصلت لتلك النقطة ..
أخذت نفسًا عميقًا لتدرك بعدها أنها انتهت من عملها ولم يعد هناك أي أطباق لتغسلها ..
نفضت الماء عن يديها، وأنزلت أكمامها وسارت خارج المطبخ ..
لم تعلم ما الخطوة القادمة، لكنها شعرت بالغضب من نفسها، لأنها وصعتها في ذاك الموقف الحرج، وهي واثقة أن صهيب لن يضيع الفرصة أبدًا!

-مالك أبت ؟
فاجأها براء بسؤاله، فنظرت له أجابته بهدوء :
-مفيش
كاد أن يتابع مشككًا في قولها، إلا أنه سمع صوت جرس الباب، فنظر لها حينها وقال :
-إستني هفتح
ذهب بسرعة نحو الباب، وحين فتحه وجد طفلًا لم يتعدى العاشرة، سأله براء مبتسمًا :
-عاوز مين ؟
هز الطفل رأسه نافيًا وأردف بثبات :
-مش عاوز حد، عمو اللي تحت قالي أدي الآنسة جويرية الظرف دة
مد براء يده ليأخذ الظرف مستعجبًا، وسأله ثانية :
-عمو مين ؟
هز الولد كتفه أي لا يعلم، وتحدث :
-عمو كان في الشارع، وإداني فلوس عشان أوصلها الجواب دة، وقالي لازم هي تقرأه ..
هز براء رأسه موافقًا وقال :
-خلاص هديهولها و..
-فيه إيه يا براء ؟
سألته جويرية بهدوء ..
إستدار لينظر لها ويعطيها الظرف قائلًا :
-في حد بعتلك الجواب دة مع الـ ..
حين جاء لينظر للولد مرة أخرى كان قد إختفى، فعلم براء أنه ذهب وأغلق الباب متابعًا :
-الواد مشى، المهم افتحي الظرف دة اما نشوف فيه إيه ؟

لماذا بمجرد أن قرأت للـ "آنسة جويرية" .. خمنت صاحبه!
زفرت بضيق واضح، وفتحت الظرف برويّة لتجد بداخله ورقتين، الأولى كان بها بعض الكلمات ونصها ..
"كنت حاسس إنك محتاجة دليل ملموس، فاصورتلك الورقة دي، ملي عنيكي منها كويس"
إحتقنت عيناها، وتجهم وجهها فقد تيقنت من صاحبها ..
هناك بعض الناس نعرفهم صدفة لكي يعكروا صفو حياتنا غير الصافية!
هاك حدثها عقلها ..

نظرت للورقة الأخرى وإبتسمت ..
من التجهم للإبتسام، وإنفرجت شفتاها عن إبتسامة عريضة آبية إلا البقاء ..

نعم لقد نفذ تهديده بالفعل، وهذه نسخة من التهديد ..
-يا جويرية !
نظرت له وأعطته الورقة لكي يشبع فضوله وهي تردف بهدوء :
-خد يا براء شوف
نظر للورقتان ولم يكد يصدق، فهي قد إبتسمت وهي ترى ورقة تشبه تلك التي عكرت حياته لعام كامل!
نظر لها بغضب وقال :
-إنتي إزاي توقعي على ورقة زي دي ؟
زفرت بهدوء، ونظرت له بثبات لتردف يعدها :
-موقعتش على الورقة كدة ..
سألها بنفس الغضب :
-أومال ؟
-كانت فاضية
هز رأسه وهو يقول بنبرة هدأت قليلًا :
-طب هتتصرفي إزاي ؟
أجابته ببساطة :
-اللي أكدلي إنها مش مزورة، توقيعي، عشان محدش يقدر يزوره، وعادي بقى يشوف هو هيعمل إيه ويعمله!
قطب حاجباه في ضيق قائلًا :
-دة مش هيفكر مرتين قبل ما يدخلك السجن يا جويرية!
سارت من أمامه بهدوء وهي تقول :
-لو إنت مكانه، هتستفيد بحاجة لو دخلتني السجن، وخاصة إنك عارف إني مش هرجع في كلامي ؟!
لم تنتظر إجابته وهي تذهب لغرفتها وتتابع :
-أكيد لأ
لكنها إستدارت فجأة محدجة إياه بنظرات ثابتة، وإقتربت منه قائلة :
-عارف يا براء يعني إيه إنسان عايش مش عارف هو عاوز إيه، وفجأة لقى لعبة جديدة وعجبته أوي وحس أنه بجد عايزها، صدقني ساعتها هيعمل كل اللي يقدر عليه عشان ياخدها وتبقى ليه ...
صمتت قليلًا قبل أن تتابع :
-بس المشكلة لو اللعبة دي في علبتها، وعلبتها مش من بلاستيك!
علبتها من الصُلب ...!!

زفرت لتتابع بنبرة خافتة :
-أكيد لو نفسك في اللعبة دي هتبعد عن كل حاجة تإذيها من جوة عشان تضمن إنك هتطلعها سليمة!

سألها بهدوء :
-قصدك إيه ؟
أجابته ببساطة :
-دة مجرد تهديد يا براء عشان أرجع الشغل مش أكتر ..
-وهترجعي ؟
ردت بثقة :
-عيب ومن إمت أختك بترجع في كلامها ؟!

ظل صامتًا يراقبها وهي تدلف إلى الحجرة، ساكنة، هادئة، وكأن شيئًا لم يكن ..
إن كانت طيبة لا تخشى غدر الناس لحذرها، لكنها مُعلمة ممتاذة في تفادي أذى الناس، ما بها إذًا !
منذ متى تأمن غدر أحدهم بتلك الطريقة ؟!
بات يخشى عدم إكتراثها بما حولها حقًا، لربما كان ذلك مرضًا أو ما شابه يصاحب الإنسان بعد البرود الطويل ..!
هز رأسه ينفض عنها كل تلك الأفكار الغريبة، لابد وأنها .. وأنها حللته كما تحلل شخصيات البشر ..
يتذكر يومًا أنها قالت له .. "أنا بلاقي نفسي فاهمة اللي قدامي بعد يومين تعارف، سعات كتير بكون عارفة الخطوة الجاية اللي هيقوم بيها، ومعظم الوقت بكون عارفه كلامه اللي هيقوله من قبلها" ..
لما العجب الآن، فهي لم تحكم يومًا على بشري إلا وصح حكمها !

.....................

رحل هو بعد أن تأكد أن الرسالة قد وصلت لها، وأسرع بسيارته حين خلا الطريق أمامه ..
كم يتمنى لو رآى تعابير وجهها بعد أن إستلمت الظرف!
هل يا ترى غضبت أم إبسمت ببرود كعادتها ..
حسنًا، الأمر لم يعد يشكل فارقًا لأنه لم يرها !

فقط سيطر عليه في بداية هذا اليوم وإلى الآن رغبة عمياء برؤيتها ..
وهو لا يملك القدرة على ردعها، لكن ربما يمتلك القدرة على رؤيتها اليوم !
لقد كان متأملًا صباحًا رؤيتها، لكن للأسف بسبب خطأ بسيط لم يستطع ذلك ..
هل كان عليه حقًا أن يقف طويلًا تحت منزلها !
بل ما الداعي أن يسير خلفها وعنوانها مدونٌ لديه في ورقة!
لم ينتبه لنفسه إلا حين سمع صوت سيارة ما كادت أن تصتضم به، لولا إنحرافه عن المسار في الوقت المناسب ..
بعدها أسرع في الطريق المخالف وهو يقول :
-ما أنا مغلطش لما قولت إنها أخطر منهم!
بس مش مهم النهاردة هشوفها ولو عملت إيه ...

لقد أخذه تحدي، وحتى أنه ذاته لا يفهم لما يهتم برؤيتها كثيرًا ..
لن ينكر أنها .. أنها بالفعل تلفت الأنظار ببراعة وخاصة أنظاره، ولن يخفي على نفسه أنه لم يستطع تجاهلها مذ رآها أول مرة ..
لكنها تظل أنثى ... فلما النظر لها صار إدمانًا إذًا ..!!!
أمسك هاتفه ونظر له نظرات هادئة، ثم أردف فجأة :
-أما نشوف ردها ..
أوقف السيارة في ركن هادئ ليستطيع محداثتها ..

بعد أن طلب الرقم ظل بفارغ الصبر ينتظر الإجابة ..
هو لم يتصل على هاتفها الخاص، فهو لا يزال مغلقًا، و..
-السلام عليكم !
أتاه الصوت عبر الهاتف بهدوء، فأجاب بنبرة خافتة :
-وعليكم السلام ..
وصله صوت نفس عميق أخذته قبل أن تتحدث بنبرة حانقة :
-نعم !
إبتسم وهو ينظر للسماء فوقه من خلال نافذة السيارة، ثم يقول بنبرة طببعية :
-ها قولتي إيه ؟
أجابته درن تردد :
-مغيرتش رأيي
رد ببرود :
-يعني هاتدخلي السجن عادي ؟!
أجابته بروية :
-آه بسيطة
رفع حاجبه الأيمن، فقد أدرك أنها واثقة من أن ذاك مجرد تهديد ..
من المستحيل أن يقدم على ذلك فهو لا يتحمل لأغراضه التلف !
أغـراضه !!
لما يقول هذا ؟

-أنا سمعت إن والدك لسة طالع إمبارح من المستشفى، مش ممكن الخبر دة يتعبو برضوه ؟
سكنت لثوان، واتاه من خلالها صوت أنفاسها الهادئة قبل أن تردف بنبرة غامضة :
-كله يرجعلك وأنا مش هغير رأيي ...
حسنًا،لقد أفقدته صوابه فكيف يقنعها إذًا !
ما زال لا يصدق أن لديه دليلًا ضدها وها هو يتفاوض معها على الرجوع إلى العمل !
فتح باب السيارة وترجل منها ليتنفس بحرية أكثر، ثم سألها بشرود :
-ليه ؟
لم يسمع لها ردًا، لأنها وببساطة شعرت أنه بدأ يغير دفة الحديث فصمتت ...
لكنه لم يصمت طويلًا ليسمع ردها حتى يردف :
-أنا عاوز أسألك سؤال، إنتي مبتتأثريش يعني هتفضلي كدة كتير ..!!
صمت قليلًا ليأخذ نفسًا حادًا ويتاطع ينبرة أعلى بقليل :
-أنا عمري ما نصحت حد بس إنتي هتتعبي أوي لو فضلتي كدة ..
كاد يقسم حينها أنه شعر بإبتسامتها تخترق الهاتف، تلك إبتسامة تواجه الألم بصدر رحب ..
وبالفعل لم يخب حدثه فقد كانت مبتسمة متجهمة الوجه، ناظرة أمامها بشجن في الفراغ ..
تابع هو بنبرة أقل صخبًا :
-هتتعذبي، وكل يوم تطاردك لحظات بشعة من ماضي خلاقي تقاسي !
ها .. هاتحسي إنك لوحدك حتى لو وسط ناس كتير، وتبدأي تشككي في كل الناس حتى لو بيحبوكي، هتبدأي تفكري ليه ممكن يكونوا بيحبوكي ؟
ممكن دة إشفاق !

حين أدرك أنه انساق كثيرًا هدأ، لن تجيبه ولو بحرف، بل يكاد يحسد نفسه أنها لاتزال على الخط ...

وصله ردها الجاف في النهاية :
-أظن ردي وصلك يا أستاذ، سلام عليكم ..
قالتها وبم تنتظر رده، بل أغلقت الهاتف على الفور ..
نظر لهاتفه وزفر بشدة، ثم ركل حصى أمامه بعيدًا وهو يقول لنفسه بضيق :
-مالي، ليه إتكلمت كدة ؟ ، هو أنا ليه عاوز أشوفها ؟!
ما مش معقول كل مرة أحطه تحت مسمى الفضول، أنا من إمت أصلًا كنت بكدب على نفسي !
آه مش قادر أتجاهلها، ومش هكدب من يوم ما شوفتها حياتي إتغيرت وبقت أحسن من الأول ..
بقى ليها لون مختلف !
وعشان كدة أنا لازم أشوفها النهاردة ..

.........................

أنهت المحادثة معه وقد لمعت عيناها بالدموع، وكأنه ... وكأنه كان يقصد أن يلمس وترًا حساسًا في قلبها، يشعرها برغبة ملحة في البكاء !
مدت يدها إلى عينها وفركتها لتتأكد من عدم نزول أي دموع ..
وبالرغم من أن كل كلمة قالها كانت صحيحة تمامًا، إلا أنها سألت نفسها :
-ليه مابينصحش نفسه قبل ما ينصحني ؟!
وقفت حينها وتوجهت لغرفة والدها لتراه، لربما تنسى الحزن الذي سكن قلبها ..

...................

لقد قررت الخروج من عزلتها لترى الشارع حولها ..
منذ تلك الحادثة وهي تسكن البيت لا تغادره، لكن بعد أن شعرت بالإتناق من المنزل ومن كل شيء حولها فيه ... قررت الخروج، فهي غير معتادة على البقاء في المنزل أطول من هذا !
زفرت بهدوء وسارت بعيدًا ...
لقد خرجت بدون إخبار أخيها، لكنه لن يعود الآن من عمله وهذا جيد
كانت كلما سارت أكثر، يتجلى أمامها البحر أكثر ..
كم هو رائع !
سارت بعض الخطوات الأخرى التي تفصلها عنه، ثم وقفت أمامه حين وصلت له ..
جلست على الرمال الباردة، وضمت قدميها ناظرة له ..
إلتفتت حولها فوجدت البحر خالٍ إلا من بعض الأشخاص القلائل ..
وبرغم هذا شعرت بقليل من الأمان لوجودهم ..
أعادت النظر للبحر من جديد، وشردت فيه طويلًا ..
كان البحر ساكنًا تمامًا وكأنه ينتظر منها أن تتحدث، وبالفعل إختنق صوتها بين عبراتها حين بدأت تقول :
-أنا مخنوقة أوي، مخنوقة لدرجة إني نفسي أموت، ولو طايلة لكنت رميت نفسي جواك و ارتحت ..
كل يوم بيعدي عليا بيبقى أصعب من اللي قبليه ..
مش بتحمل نظرات الناس ليا والعيلة ليا كلهم بيفكروا إني مجرمة !
علا صوت بكائها وهي تردد :
-طيب ليه أتحاسب طول حياتي على حاجة معملتهاش ؟
ليه أتلام على اللي معملتوش والكل يقرف يبص في وشي ..
دة حتى صحابي محدش إتصل بيا، ولما قابلتهم إمبارح بالصدفة كتنوا بيبصولي وحش، كأن أنا عملت جريمة ..
أخذت نفسًا عميقًا وتابعت :
-ولما سألت ليه بتبصولي كدة قالولي إني بهدلت سمعتهم بسمعتي المتلطخة !
طب أنا مالي ... إيه ذنبي !
ليه محدش بيفهمني، ولا بيراعي مشاعري ؟!

مسحت عبراتها الساقطة، لتنهمر غيرها ببساطة، وظلت تنظر للبحر أمامها بثبات وهي تقول :
-هو أنا كل اللي عرفتهم في حياتي كانوا معرفة غلط ؟!
محدش يقف معايا في النهاية إلا ...
صمتت فجأة فقد شعرت بإختناق من حدة البكاء، لذا وضعت رأسها بين قدميها لفترة، أرادت من خلالها تهدأة نفسها ..
الأمر ليس كما يبدوا، الحديث ليس بالأمر الهين ..
لكنها في النهاية إستطاعت أن تهدأ قليلًا، ومسحت عبراتها المتساقطة مقررة الذهاب .. يكفي لقد تعبت حقًا ...

ولكن قبل أن تستدير ..
-فيروز !
ناداها بها أحدهم من خلفها فإستدارت ترنوه ..
وحين رأته سألته بهدوء :
-إنت مين ؟
إبتسم لها بود قبل أن يردف بنبرة طبيعية :
-إنتي مش فاكراني ؟!
نظرت له مليًا ثم قالت بفتور :
-بيتهيألي شوفتك قبل كدة
أومأ رأسه مرتين مردفًا :
-أيوة أنا معتصم وكيل النيابة اللي ..
صمت حينا ولم يتابع، فقد تغيرت ملامحه كليًا وبادلها النظرات الحزينة، بينما هي نظرت للأرض فجأة فلم تعد قادرة على النطق من حدة الإحراج والإنكسار ..
فاجأته بقولها المضطرب فجأة وهي تمر من أمامه :
-طيب، عن إذنك ..
ثم سارت بضع خطوات بعيدًا عنه، لكنه سار خلفها وأردف :
-لحظة بس
وقفت ولم تستدر، لكنه وجد فرصة للحديث حينها فتكلم بهدوء :
-أنا عارف إن كل اللي بيحصل دة قاسي عليكي، وعارف إنك ممكن تواجهي صعوبة في البداية إنك تلاقي حد يقف معاكي، بس لو بصيتي حواليكي هتلاقي كتير واقف معاكي ... وأنا أولهم ..
أنا معاكي ولو واجهتك أي صعوبة متتردديش للحظة تطلبيني ..
سألت بخفوت :
-مين عرفك مكاني ؟
نظر لها مدهوشًا من سؤالها الغريب، لكنه أجاب :
-كنت ماشي على البحر أنا كمان، وشوفتك ..
سألته ثانية بثبات :
-وسمعتني ؟
إرتبك فلم يدري ماذا يجيب، أيقول الصدق فيشعرها بالإحراج أكثر، أم يكذب ويريح نفسه من عناء الحقيقة ..
-آه سمعتك ..
أردف بها بهدوء ولم يكذب ..
أومأت رأسها ولم تقل شيئًا، بالطبع يكفيها الشعور المفعم بالإحراج !
لكنه تابع بروية :
-بس أنا مكنش قصدي والله، أنا جيت بس لما شوفتك عشان إستغربت من وجودك هنا ..!
أنا آسف
إستدارت لتواجهه باسمة رغم ما فيها وتقول :
-عادي محصلش حاجة، أنا ماشية الوقت ..
إبتسم لها بمودة وهو يردف :
-ماشي، بس إفتكري اللي أنا قولتهولك ..
إنتي مش لوحدك يا فيروز
اومأت رأسها وذهبت ..
بعض الناس يتحسن مزاجهم بالحديث مع من لا يجيب كالنفس والبحر والسماء ..
والبعض الآخر يتحسن إذا ما تحدثوا مع غيرهم من البشر ..
الإختلاف مطلوب ..

تابعها وهي ترحل بشجن، يجب أن يعترف هي أقوى كثيرًا مما يبدوا عليها، فقد تحملت ما لم تتحمله حبيبته السابقة
وكان من الواجب أن يشجعها ولو بكلمة ..
ألا يكفيه رؤية المشهد مرتين وكانت حبيبته الضحية الأولى ؟!

حين ذهبت ليحقق معها شعر أن الزمن يعيد نفسه، لكن على فتاة مختلفة ..
لكن أيًا كانت تلك الفتاة فقد حاول جهده ألا يتهاون في حقها، فقد تذكر حبيبته فيها ..
وحتى ولو أنه قد تحرى وعلم من قتل المجرم الذي إعتدى عليها، فلن يشهر بالتحقيق، فهو أدرى العالمين بقانون بلده الذي لا يعاقب من ينتهك حرمات الغير ..!
نعم لقد قتل بنفسه من إنتهك حرمة حبيبته، لكن بعد ماذا ؟!
بعد أن فقدها !
ربما أثرت فيه تلك القضية أكثر مما أثرت في أحدٍ آخر ..!!

كانت جالسة على مكتبها، تحاول أن تعمل ..
لكنها لم تفهم بعض الأشياء، ولن تعود لتسأله من جديد فقد سألته مرتين حتى الآن وهذا يكفي و..

-كاثرن ؟
أردف هو بها فجأة، فارفعت رأسها لتنظر له ليتابع هو بهدوء :
-فيه حاجة مش فاهماها ؟!
نظرت للورقة أمامها ثم نظرت له وقد شعرت بالحرج ..
أمسك هو الورقة ونظر فيها، ثم نظر لها قائلًا بمرح :
-عادي، أنا أول ما إشتغلت مع صهيب كرهته في عيشته، وكل دقيقة أروح أسأله، وبلاش أقولك صهيب عامل إزاي، أعوذ بالله بحس إنه هيقتلني، هيعلقني في النجفة اللي فوق، بس الحمدلله جت سليمة ..
ضحكت على كلامه بخفوت وهي تردف :
-للدرجادي !
ضحك الأخير قائلًا :
-أنا أصلًا أول ما صاحبته كنت بخاف منه، عمره ما ضحك والمرات اللي شوفته بيبتسم فيها تتعد على الإيد، بس أنا اليومين دول ملاحظ فرق غريب فيه، بقى بيسرح كتير ومعتش بيزعق زي الأول !
نظرت له بإهتمام وسألته :
-ليه ؟
هز كتفه وهو يقول :
-مش عارف والله، بس دة كويس يعني يلا نسيبنا منوا المهم كنا عاوزين إيه ..!!
نظر للورقة الممسك هو بها وأردفت بدون تردد :
-مش فاهمة اللي مكتوب في الورقة دي، وإيه علاقته أصلًا بـ mechanists (العمال المختصون بالآلات)
إبتسم لنفسه لأنه إستطاع نزع الإحراج عنها .. ثم نظر لها وأطاها الورقة مشيرًا على بعض الجداول وبدأ بالشرح ..
وما إن إنتهى حتى نظر لها سألها :
-بس كدة لسا فيه حاجة مش فاهماها ؟!
هزت رأسها بالنفي، ثم تحدثت :
-لأ كدة تمام، thanks
-كويس ..

....................

ظلت تدور في المنزل، تبحث عنه في كل مكان وتناديه لكن لا أثر له ..
-يابابا، بابا !
زفرت بضيق وهي تردف :
-طب إمت خرج ؟!
قررت الإتصال به، وأمسكت هاتفها لتفعل، لكنها سمعت صوت هاتفه في المنزل، فعلمت أنه لم يأخذه معه ..
ربما خمنت أين هو، لكنها قلقة جدًا عليه، ففقط البارحة قد خرج من المشفى !
قررت أن تتصل بأخيها عله يساعدها ..
وبالفعل ضغطت على الزر حتى تطلبه، ولكن قبل أن يرن وجدت أحدهم يتصل بها، ..
من هو .. ظهر أمامها اسمه "الكائن المزعج" بالفعل فهذا كان إسمه ...
أجابته لأنها تعلم أنه سيعيد الإتصال إن لم تجبه، ولو أغلقت الهاتف سيتصل على العمومي، والأروع أنها لا تملك الوقت لتغلقه !
كم هو مزعج !
-السلام عليكم ..
قالتها بهدوء مجيبة على المكالمة، فرد بنفس الهدوء :
-وعليكم السلام
صمتت فهو من يجب أن يبدأ .. وحينها قال هو :
-أبوكي عامل إيه ؟
عقدت حاجباها في توجس وهي تجيبه :
-قصدك إيه ؟
رد ببرود :
-أمممم، المفروض إنتي اللي تسأليني السؤال دة مش أنا، معلش إتلغبطت !
حينها أدركت أن له علاقة بإختفاء والده..
ولكن كيف ؟!
تابع هو ببساطة :
-كنت لسا هوريه الورقة اللي بعتهالك الصبح، وكنت عاوز أعرف الموضوع هيأثر عليه ولا لأ !
شعرت حقًا بالخوف الشديد، الأمر أنها لا تخشى على نفسها إن تعلق الأمر بها ..
لكن لا يصل بهم الأمر بأن يهددوها بوالدها !
-صهيب متوريلوش حاجة، وبلاش الأسلوب دة !
قالتها بإضطراب ظهر في صوتها، وإبتسم هو حقًا لنفسه فقد إستطاع إخافتها ..
سألها بنبرة سمجة :
-وإيه ميخلنيش أعمل كدة ؟
تجاهلت سؤاله وقالت :
-بابا فين ؟!
تجاهل سؤالها وأعاد سؤاله من جديد :
-إيه ميخلنيش أعمل كدة ؟!
زفرت بنفاذ صبر، وأردفت بنبرة غاضبة :
-بقولك بابا فين ؟!
أجابها بنبرة هادئة، باردة :
-معايا
-أيوة يعني، فين ؟
زفر ليغيظها أكثر ثم صمت لفترة لكي يذيقها بعضًا من برودها، قبل أن يجيبها :
-أنا في المحل بتاعكم !
أسرعت نحو غرفتها وأحضرت ثيابها من الخزانة وهي تتحدث...

هدأت نبرتها قليلًا وهي تتساءل :
-المحل !
أجابها مبتسمًا بثقة :
-الورقة معايا ومحيراني الصراحة، أوريهاله ؟!
هي تعلم جيدًا تلك الطريقة، يحاول إبتزازها، وهي لم تكره في حياتها أكثر من هذا الأمر ..
لذا وجدت نفسها تردف بتحدي :
-إعمل اللي إنت عاوزه ..
ثم أنهت المكالمة، وقد أنهت إرتداء ثيابها بالفعل ..
وأسرعت نحو باب المنزل وهي تقول لنفسها :
-لازم ألحقه قبل ما الغبي دة يوريله حاجة، بابا يادوبك لسة طالع من المستشفى إمبارح .............!!!

..............................................!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة