-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل التاسع والثلاثون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل التاسع والثلاثون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الثامن والثلاثون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل التاسع والثلاثون

تسير الأيام بهدوء، لا يحدث ما هو جديد، فهي غالبًا ما تتخذ غرفتها ملجأً تنزوي فيه حتى الشروق، ثم تخرج قليلاً للحديقة وتعود مرة أخرى للغرفة بعد ما يقرب من ساعة أو اثنتان.

يئس براء أن تعود كما كانت فقد أصبحت محبة للعزلة والإنطواء أكثر، وإضطر لتركها ليتابع عمله ثم يعود ليرها في المساء. أما هو فلم ييأس، فبالرغم من عزلتها وإبتعادها عنه أغلب الوقت كان يراها دائمًا، أو بمعنًا أصح يستمر بإزعاجها كل الوقت، فبمجرد أن تذهب للحديقة صباحًا، كان يراقبها حتى تعود،

 ثم يطرق الباب ويزعجها بالفطور أو أي شيءٍ آخر، كأن يجعلها تفتح الباب ثم يقول أنه نسي لما جاء من الأصل، ولا يغادر إلا بعد نصف ساعة يقضيها بإزعاجها. الغريب على الرغم من أنه بدأ يفهمها بشكل أوضح لكنه لم يصل لإجابة يومًا عما يفكر فيه. فلما تسمح له بالبقاء معها، ولما لم تفاتحه حتى الآن بالإنفصال؟

 لقد توقع منها أن تفاتحه فيه على الأقل، لكنها لم تفعل، كانت تتركه يتحدث معها وتجيبه على غير عادتها. هذا غير أنها تكون على علمٍ قبل أن تفتح الباب أنه لا يريد شيئًا محددًا!
واليوم قرر أن يكسر قاعدة أن تأكل وحدها، فهاهو يحضر الطعام إلى الحديقة، وهي لا تشعر به، أو تصطنع هذا.
كانت مغلقة العينين، مستندة على الشجرة التي اعتادت الجلوس تحتها. ووضع هو الصينية بهدوء قبل أن يخرجها منها ويضعها على الملاءة البيضاء التي وضعها.
اعتاد هو منها على ذلك، على تجاهل ما حولها، لكن اليوم هي لم تحزر.
-جويرية!
فتحت عينها حينها، ثم انتبهت لما وضُع أمامها، وضيقت عينيها متسائلة:
-إيه دة؟
أجاب بهدوء:
-عادي عاوز أفطر هنا، فيه مشكلة؟
أعادت إغماض عينها من جديد وهي ترد عليه ببرود:
-يبقى بلاش تندهلي تاني
-أكيد لو قولتلك تعالي كلي هتقوليلي شبعانة!
-أها
-طيب تعالي كلي
فتحت عينيها ناظرة له لثونٍ قبل أن تبتسم بدون قصد منها، ثم أجابته بهدوء:
-طب ما أنت عارف الإجابة!
إصطنع عدم الإكتراث وهو يتناول قطعة من التفاح:
-أمممم عادي يمكن تغيري رأيك!
لم تختفِ إبتسامتها وهي تجيبه:
-لأ، أنا عاوزة شاي بس
أحضر ابريق الشاي أمامها، ووضع السكر أمامها، فوضعت هي ملعقتين من السكر وهي شاردة الذهن، ثم صبت الشاي عليه، وقلبته. وكان هو ينظر لها بإهتمام، وبمجرد أن ارتشفت منه، أغمضت عينيها بعنف وتساءلت باشمئزاز:
-إيه دة؟
نظر هو للسكر وإبتسم، ثم اتسعت إبتسامته أكثر حينما قال متشفيًا:
-إيه دة يا جويرية حد يغلط ويحط ملح بدل السكر؟
نظرت له بغضب وتحدثت بهدوء قدر المستطاع:
-إنت اللي إدتهو..
حين رأت إبتسامته تذكرت كوب النعناع الشهي الذي أعدته له، فتحول الغضب فجأة إلى ذهول، ثم سألته:
-دة إنتقام مثلاً؟
بدى عليه الهدوء الشديد وهو يجيبها:
-مثلاً
أومأت رأسها بهدوء ولم تعقب، زفر بانزعاج من تلك الطريقة الجافة. فلأول مرة في حياته يعامله أحدٌ هكذا، ومع ذلك يصر على الحديث معها.
سألها مجددًا بضيق:
-بطلي تتعاملي معايا كدة إحنا داخلين على أكتر من عشرين يوم وإنتي بالحالة دي!
سألته ببساطة:
-حالة إيه؟
أجابها وهو ينظر في عينيها بعمق:
-تتجاهلي كل الناس، وكلامهم، تفضلي قاعدة لوحدك، ردود فعلك فيها فتور غير طبيعي!
فاجأته بردها الهادئ:
-جربت تبص لنفسك قبل ما تبصلي!

يا إلهي، إن استمرت على ذاك النحو، تخفي ضعفها بإظهار ضعف من حولها ستهلك!
لكنه لم يجد ما يجيبها به، ولكن هو واثق أن حاله أفضل منها بآلاف المرات، على الأقل هي تساعده بوجودها على نسيان كل ماضيه، أما هو فلا يعلم كيف ستنسى، ويجب أن تفرغ ذاك الحمل الثقيل بغيرها حتى ترتاح. لقد مل من نفسه فمنذ أن رآها انصب تفكيره عليها، أي جنون هذا!
-شوفت معرفتش ترد إزاي!
قطع شروده صوتها الساكن، فنظر لها مطولاً قبل أن يبتسم ويسألها:
-يعني إنتي بتعترفي إننا شبه بعض؟
أجابته ببساطة:
-لأ، أنا بقول إن احنا شبه بعض في النقطة دي بس.
ثم أمسكت برغيف الخبز وقطعته من المنتصف، ثم قطعته من منتصف المنتف، ثم من منتصف المنتصف المنتصف الأصلي، حتى أمسكت بقطعة صغيرة منه، ونظرت له قائلة بضجر:
-عارف، أنا جوعت، كل يلا
إبتسم وهز رأسه غير مقتنع بما تتشدق به، وغير مقتنع حتى برغبتها في تناول الطعام فجأة، هي تتهرب من الإجابات فقط.

كانت تأكل بهدوء وبين اللقمة والأخرى دقيقتان فاصلتان، تنظر فيهما إليه أحيانًا، ثم تعود لتنظر إلى طعامها بشجن، لقد باتت أسئلته تعجزها حتى وإن كانت تجيبه ببساطة، لكنها... لكنها غير مقتنعة بما تقول!
تركت الخبز فجأة ونهضت من مجلسها، ثم تركته وذهبت بعد أن أردفت:
-أنا شبعت الحمد لله
حُجبت عن عينيه، كقمر حَجبت ضياؤه غيمة بيضاء في الظلام الدامس.


-فيروز إنتي مروحة الوقت؟!
كانت تلك هي الكلمة التي نطقت بها تلك الشابة الواقفة أمامها، فأومأت رأسها مردفة بهدوء:
-أيوة يا دارين، يلا عاوزة حاجة؟
إبتسمت الأخرى بمودة وأجابتها:
-لأ يا حبيبتي عاوزة سلامتك
رفعت فيروز يدها لتودعها قائلة:
-يلا مع السلامة.
بالمثل فعلت الأخرى وودعتها بإتساع الإبتسامة، وبقولها:
-مع السلامة.

غادرتها فيروز، وسارت في الرواق المؤدي للمخرج، وهذا الرواق ذاته به العديد من الفصول، و قبل أن تذهب، وقعت أبصارها على تلك الفتاة حزينة الملامح، جالسة على مقعدها بهدوء وشاردة في البعيد، بينما معظم الأطفال يلعبون حولها، والباقي عاد أهلهم لأخذهم وغادروا.
ولجت فيروز إلى الفصل، واقتربت من معلمتهم التي تراقبهم حالما يأتي أهلهم، وسألتها بخفوت:
-أومال تالا مالها؟
هزت كتفاها، في عدم إكتراث، ثم أجابتها:
-والله ما أعرف، أنا من ساعة ما دخلت وهي كدة.
نظرت لها بضيق، ثم نظرت للفتاة من جديد، قبل أن تذهب إليها وتجلس بجانبها، لم تنتبه لها تالا في البداية، لكنها قالت تستدعي إنتباهها:
-تالا!
نظرت لها تالا، ثم ابتسمت حالما رأتها، وكأنها وجدت من تبحث عنها، وفي هذا الوقت استغلت المعلمة وجودها وخرجت من الغرفة.

سألتها فيروز بإهتمام وهي تبتسم لها بمودة
-مالك يا تالا؟
غلف العبوس وجهها مرة أخرى، ونظرت أسفلها بهدوء. ولمّا كان الصمت هو الحاجز بينهما، قررت هي أن تكسره، فوضعت يدها على كتفها عابسة الوجه هي الأخرى وتحدث بهدوء:
-تالا!
-بكرة فيه حفلة، وكل واحد هيجيب مامته معاه
أردفت بها تالا وهي ناسكة الرأس، منكسرة الصوت.
حينها سألتها مستفهمة:
-طب ما تقوللها تيجي، هي مش بتفضى تيجـ..
-ماما عند ربنا
بترت هي باقي جملتها بلك الكلمات، فصمتت للحظة وقد ظللت الصدمة تعابيرها، وجلى ذلك في عينيها، ثم سألتها بصوت مشدوه متقطع:
-عـ عند ربنا؟
نظرت لها تالة وقد بدأت في البكاء، وتابعت بإنكسار:
-آه، أنا عارفة إنها ماتت، بابا بيقولي عند ربنا عشان مزعلش بس أنا عارفة إني مش هشوفها خالص.
إقتربت منها فيروز وبدأت تمسح لها دموعها، ولم تدرِ أنها بدأت بالبكاء هي الأخرى، وأخذت تحادثها بحزن:
-هششش خلاص يا تالا أنا آسفة
إستمرت تالا بالبكاء، فوقفت فيروز وسحبتها معها، ثم أخرجتها من الفصل، حتى لا تشعر بالحرج من أقرانها. وبالفعل خرجت معها تالا مستسلمة ولا تزال الدموع تغطي عيناها السوداوتان.
روايات كاملة / رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبد الحميد "الفصل السابع والعشرين"
أوقفتها فيروز في نطاق بعيد عنهم جميعًا، وإنحنت لمستواها، ثم مسحت لها دموعها مرة أخرى وأردفت بهدوء:
-خلاص يا تالا عشان خطري، عارفة هي في مكان أحسن من هنا بكتير..
صمتت قليلاً لتتابع رد فعلها فوجدتها منتبهة إليها، فعادت تتابع:
-عند ربنا أحسن بكتير من هنا، وهي فرحانة هناك
بكت الفتاة مرة أخرى وردت عليه بصوتٍ متقطعٍ متشنج:
-كلهم بيقولوا كدة، بس أنا معديش ماما، إشمعنا كلهم، بكرة كلهم هيتيرقوا عليا عشان مش جبت ماما.
ثم هزت رأسها نافية وتابعت:
-أنا مش هروح الحفلة.
انهمرت عبرات فيروز هي الأخرى. كم تكره أن ترى طفلاً يبكي، وبالأخص تلك الفتاة التي تعلق قلبها بها مُذ رأتها أول مرة. لكنها أدركت سر تعلق الفتاة بها هي الأخرى، فهي تفتقر إلى الشعور بأن لديها أمًا حنونًا تحبها، وتعتني بها، وتقريبًا هذا ما كانت تفعله في تلك الفترة!
حين وصلت لتلك النقطة أردفت بإبتسامة باهتة:
-طب ما تيجي بكرة، وأنا أغيب وكأني مش مدرسة وهاجي كأني ماما، وهنغيظهم كلهم.
توقفت الفتاة عن البكاء للحظة وانتبهت لها، حتى إذا ما توقفت أجابتها بسعادة مفاجئة:
-بجد!
تهلل وجه فيروز حين أعجبتها الفكرة، فأجابتها باسمة:
-طبعًا بجد، يلا بقى بطلي تعيطي عشاني.
مسحت تالا دموعها، ثم قالت بضحك:
-وإنتي كمان بطلي تعيطي.
أجابتها بانتباه وهي تمسح بعض عبراتها:
-لأ أنا مش بعيط ولا حاجة أهو.
قربت الصغيرة يدها من وجهها ومسحت لها باقي دموعها بأناملها الصغيرة، فابتسمت لها فيروز وأمسكت يداها وقبلت باطنهما، ثم نظرت لها وتحدثت:
-خلاص قوليلي فين بيتك وأنا آجي أخذك بكرة، وممكن أنا أكلم بابا عشان أقوله.
ثم وقفت سريعًا، وأخرجت قلمًا، ودفترًا صغيرًا، خطت عليه بعض الأرقام، ومزقت منه تلك الورقة، قبل أن تعطيها لتالا مرةً أخرى قائلة:
-دة رقم سهيل أخويا، بصي قولي لبابا المس عاوزة تكلمك وإديله الرقم دة وقوليله يتصل عليه بعد الساعة ٨ ماشي؟
نظرت تالا للرقم باسمة لثوانٍ، ثم أومأت رأسها، وأجابتها:
-حاضر، وإنتي إللي هتاخديني؟
-أيوة أنا وسهيل هنيجي ناخدك.
وضعت إصبعها في فمها وسألتها:
-مين سهيل؟
أجابتها باسمة وهي تحملها:
-أخويا
سألتها من جديد:
-طب وهو هيجي معاكي ليه؟
ضحكت فيروز بخفوت وتحدثت:
-عشان أنا مش بعرف أسوق
-ليه؟
-عشان متعلمتش
-إمممم طب و..

-فيروز، إيه دة إنتي لسة هنا وتالا معاكي وأنا عمالة ألف عليها من الصبح!
قاطع تالا ذاك الصوت، فنظرتا للخلف، وأجابتها فيروز بهدوء:
-آه معلش، كنت عاوزاها شوية، فيه حاجة يا دارين؟
هزت دارين رأسها نافية وقالت:
-لأ، بس والدها اتصل وقال إنه هيكون هنا خلال ربع ساعة، وإتجعزت لما مريت على فصلها وملقتهاش ولا لقيت حتى المس إللي كانت في الكلاس!
أومأت رأسها بتفهم، وأجابتها:
-خلاص أول ما والدها يوصل قوليلي، وعامةً أصلاً سهيل لسة مجاش.
وافقتها، بإيماءة خفيفة، ثم رحلت بعد أن ودعتها.
حينها نظرت لها فيروز وتحدثت بمرح:
-أنا معايا شيبسي في الشنطة، تعالي ناكل عشان جوعت.
ضحكت تالا من طريقتها الطريفة، ثم أومأت رأسها قائلة:
-وأنا كمان، أنا عاوزة شوكولاتة كمان
أنزلتها فيروز، ووضعت يدها في خصرها مضيقة عيناها وهي تقول:
-آه لأ دا إنتي زودتيها خالص، قاعدة أنا على بنك فلوس!
ضحكت الفتاة من جديد، فلم تقاومها فيروز وضحكت، هناك سعادة رهيبة تغمرها حين تراها تضحك، وكأنها ترى العالم بأجمعه يضحك، يكفي أن تلك الفتاة أخرجتها من كل الألم الذي كانت تعيشه، لقد أنستها الهموم بمرحها الدائم، لذا أقل ما يمكنها فعله لأجلها هو إسعادها.
تفاجأت فيروز حين وجدتها تضمها فجأة، فتوقفت عن الضحك ونظرت لها وهي تلف ذراعيها حولها.
لم تمضِ ثوانٍ حتى تحدثت تالا:
-أنا بحبك أوي
حانت تعابير وجهها أكثر وأجابتها برفق:
-وأنا أكتر
صمتت الفتاة لثوانٍ، لتردف بعدها بخفوت وهي تنظر لوجهها أعلاها:
-هو أنا ينفع بكرة أناديكي ماما
سكتت لثانيتين، ثم تابعت سريعًا:
-بس بكرة.
ابتسمت لها الأخرى وقامت بحملها من جديد، لتنظر في وجهها وتعطيها الرد الحاني:
-طبعًا ينفع، ولو مش عاوزة تقوليلي مس خالص متقوليش، ناديني زي ما إنتي عاوزة.
نظرت لها تالا بسكون للحظة قبل أن تضمها بسعادة من جديد، فضحكت فيروز من فعلتها المباغتة تلك.

..................

تركيزها قد تشتت من جديد، وها هو قد حضر مجددًا إليها. زفرت بغضب أليس من العدل أن يتركها تستريح من وجهه ولو ليوم!
-طيب يا كاثرن قوليلي بس إنتي ليه مش عاوزانا نتكلم و..آآ
ضربت على مكتبها بقوة ثم وقفت وأجابته بغضب:
-مدام كاثرن، ثم إني مش عاوزة أكلمك، إيه المشكلة؟
أجابها بغضب:
-إنك حتى مش عاوزة تفهميني وجهة نظرك، ثم إن أنا مش عاوز أكتر من إننا نتعرف أكتر.
أغمضت عينيها بصبر وسألته:
-أكيد واضح إني حامل! 
أجابها ببساطة:
-أكيد
-وأكيد أي حامل بتبقى متجوزة!
-بس إنتي مش متجوزة
نظرت له وسألته بانفعال:
-مين قال كدة؟
استدا وخطى ثلاث خطوات بعيدًا عنها، ثم تحدث ببرود:
-عينك الشمال، لما بتكدبي بترمش كتير
قطبت حاجبها في اندهاش وسألته:
-إزاي يعني!
إستدار ليواجهها ثم زفر بغضب وتابع:
-أنا ببساطة أقدر أجيب كل المعلومات إللي عاوزها عنك، بس أنا عاوزك إنتي تجاوبيني..
أخذت نفسًا عميقًا، لا بل عميقًا جدًا لكي تستطيع السيطرة على نبرتها وهي تردف:
-أنا مش هديك أي معلومات عني يا أستاذ إياس، وياريت لو تسيبني في حالي.
إقترب منها حتى وقف أمام مكتبها ورد بغضب:
-ليه؟ وبعدين ليه بتفضلي تبصيلي بقرف طول الوقت، أنا كل البنات بيحسدوا إللي هتجوزني مستقبلاً، أما إنتي بتفضلي تبصيلي بقرف طول الوقت، بحس إن فيا حاجة مش مظبوطة!!!
نظرت له بنزق، وأجابته بحنق جلي في نبرتها:
-عشان أنا بقرف من كل الرجالة، إرتحت، ومش إنت لوحدك! 
-إشمعنى عقاب؟
أجابته بضجر:
-معرفش، بس يمكن عشان بعتبره زي أخويا! وهو متجوز وبيحب مراته، أو.. وبعدين دة ميخصكش!
صمت حينها، فجلست هي تتابع عملها قبل أن تتفاجأ به يردف بهدوء:
-بس أنا مش زي كل الرجالة على فكرة
وضعت يدها بين خصيلات شعرها بغضب، ثم وقفت مجددًا، وهدرت به:
-إنت عاوز مني إيه بالظبط؟
أجابها بغضبٍ مماثل:
-عاوزك تتكلمي معايا من غير ما تحسسيني إني حاجة شاذة!
-وهتستفاد إيه؟!!! ثم إنك عاوز تعرف عـ..

قاطعها هو بحزن:
-عشان أنا بحبك، فهمتي... أنا حبيتك من أول ما.. آآ
كانت تلك هي الكلمة الفاصلة، وكأنها ستتحمل سماعها من جديد!
لذلك قاطعته سريعًا:
-بسسسس خلاص، أنا مش من النوع دة معلش، أنا اكتفيت منكم، من كدبكم، خداعكم، أكاذيبكم، إكتفيت من كلامكم المعسول، المحلى قبل ما تدخلوا في علاقات صادقة! وأول ما تدخلوا يبدأ وشكم الحقيقي يظهر!
إبتعدت هي عن مكتبها حاملة حقيبتها وهي تتابع بغضب:
-إنتم كلكم عجينة واحدة وإللي يغلط مرة يبقى غبي لو غلط نفس الغلطة تاني. 
إقترب منها قليلاً ليحادثها فابتعدت عنه سريعًا وهي تقول بارتباك وهي تشير له بيدها:
-خليك مكانك
سكن واقفًا حين شعر بخوفها منه، هي تكون بحال جيدة إلا حين يقترب تخشاه بالفعل!
حينها ركضت خارج الغرفة وتركته مصدومًا من ردة فعلها التي لم يتوقعها. لا هو حقًا لا يكذب، لقد أحبها بالفعل، لكنها قاسية بطرقة غير مبررة، لكن العجيب كلما أبعدته عنها أكثر إقترب هو وازداد تمسكه بها أكثر، وهو لا يدري لهذا سببًا!

زفر محاولاً التنفيس عن غضبه وخرج من مكتبها. وحين خطى خطوتين بعيدًا عن مكتبها...
-قولتلك متحاولش، مش هتديك وش يا إياس!
تنهد هو حين أدرك أن الحنق تسلل إليه، ولم يعقب أو يستدر حتى ليراه. في حين تابع الآخر بهدوء:
-إبعد عنها عشان هي مش هتخليك تقرب منها أصلاً، بدل ما تتعلق بيها.
إستدار ليواجهه وأجابه بضيق:
-يا عقاب أنا أصلاً إتعلقت بيها خلاص.
جحظ عقاب عينيه بعجب وسأله مصدومًا:
-نعم!!
-آه والله صح الكام يوم دول فترة مش كبيرة، بس أنا بجد حبيتها وإتعلقا بيها كمان!
وضع يده على رأسه بخيبة أمل واضحة، فتابعه إياس بهدوء:
-أكيد إنت عاف هي مالها صح؟
إندفع عقاب يجيبه بغضب وهو ينزل يده من على جبهته:
-إنسى، أنا مش بقول أسرار صحابي لـ..
-يا عقاب أنا عاوز أفهم هي ليه مش متقبلاني، وليه كل ما آجي أقرب منها تخاف وتجري!
صمت الأخير وأشاح وجهه عنه للحظة، فتابع إياس بإصرار:
-إحنا صحاب برضوه يا عقاب.
إكفهر وجه الأخير من الضغط، ثم حل ساعديه وتقدم خطوتين للأمام قبل أن يأخذ نفسًا عميقًا ويجبه بحنق:
-لو كاثرن عرفت مش هتسامحني.
-بس أنا مش هعرفها إني عرفت والله.
-أنا مش هقولك إلا إللي يساعدك يمكن إنت تقدر تساعدها تطلع من إللي هي فيه هي كمان.
-وأنا موافق
.............

إسترخى هو على المقعد وزفر ليخرج نفسًا حارًا، فسأله الجالس أمامه بنبرة هادئة:
-كنت مختفي فين كل الفترة دي؟
أرجع الأخير شعره للخلف بيده وقد بدى على وجهه الإرهاق، لكنه أجاب بجدية:
-ما إنت عارف يا معتصم إن عمي عبد القدوس مات، وطبعًا كنت هنا مع جويرية.
قطب حاجباه متسائلاً بحيرة:
-إنت كنتم قاعدين في البلد صح، حسب ما قولتلي إن العزاء كان هناك؟
أجابه بهدوء:
-لأ روحت اليوم التالت بس، أما جويرية مراحتش خالص
إتسعت عبنا معتصم بصدمة وهو يسأله:
-إزاي يا براء، مهما كانت خلافتها مع قرايبها مينفعش ما تروحش العزاء!
أخذ براء نفسًا هادئ ثم أجاب:
-إنت مش فاهم، جويرية أصلاً هي إللي دفنته وصلت عليه، كمان هو مدفون هنا فهي تروح هناك ليه، هتتعب أكتر أصلاً
-طب والعيلة مش متضايقين؟
-دة حصل هناك مشاكل كبيرة عشان كدة أنا إضطريت أروح، وطبعًا عمالين يغلطوها وإزاي تعمل كدة من غير ما تقولنا ومش إزاي وحاجة تقرف، كأنهم أوي مهتمين!
يابني إنت تدخل العزا تحس فرح، العيال عمالين يتنططوا على الكراسي، وكل اتنين قاعدين في جنب يتكلموا ويضحكوا وبعدها يعملوا نفسهم زعلانين!
أخذ معتصم ينظر إليه بهدوء لفترة فقد فهم، فعائلاتهم لم تتوافق يومًا، كل شخص فيها يبحث عن مصلحته من خلف ظهر الآخر.
تابع براء بحنق:
-أنا روحت أسأل جويرية ليه مقالتش لحد، قالتلي أنا بابا كان بيدعي دايمًا كل إللي يشيعه ويصلي عليه يكون بيدعيله من قلبه بجد، فليه أقولهم وهما حتى مش هيزعلوا عليه، وهي لما راحت المسجد ناس كتير جدا صلت عليه، دة كفاية إنه مات الجمعة والناس كلها صلت عليه!
سأله معتصم فجأة بلا وعي:
-ولا فيروز حتى؟
أجابه براء بنبرة جادة:
-لأ طبعًا فيروز مش كدة، بالرغم إني ممكن أقولك ماما من ضمن العيلة دي لكن جويرية مقالتش لفيروز لأنها مفكرتش فيها ساعتها، وبعدين هي قالتلي أبلغها إن جويرية مسافرة البلد ومقولهاش إنها هنا، ثم إني كنت يومها للأسف قافل موبايلي ومعرفتش إلا بعد فترة، طبعًا إنت عارف إننا كنا يومها بنقبض على إللي حاول يقتلني، و..
-لحظة بس، ليه تقولها إنها مسافرة؟
-عشان فيروز على خلاف مع عيلتها إللي هناك ومش هتروح لما تعرف.
-مقصدش أختك ليه مش عاوزاها تروح العزا.
أغمض عينيه وكأنه يستفيق مما قال، فقد أوقع نفسه في الحفرة ويجب الآن أن يجيب عليه و.. 
-براء، فيه إيه؟
أردف بها معتصم بقلق، فأجابه براء بضيق:
-عشان جويرية مش عاوزاها تشوف جوزها، عشان هيفكرها ياللي..
قاطعه معتصم بعدم فهم:
-جوز مين؟!!
نظر له براء لثوانٍ قبل أن يبدأ من جديد بهدوء:
-أنا هتكلم بس متقاطعنيش خالص!
-ماشي اتكلم
-قبل كام يوم من وفاة عمي جويرية مكناش لاقينها لو تفتكر!
-أيوة
أردف براء بترقب:
-ساعتها أختي كانت مخطوفة
اتسعت عيناه وأجاب بصدمة:
-نعم!!!!
-إحنا قولنا متقاطعنيش
أعاد معتصم رأسه للخلف وزفر بحنق ليستمع إلى الباقي فتابع براء:
-المهم إن إللي خطفها دة هددها با بيا لو متجوزتهوش، وأكيد هي رفضت وموافقتش وهو سابها بعدها وهي لما جت مقالتليش عشان مكانتش عاوزة تعمل مشاكل، وبعدها يوم ما عمي مات هو اتصل بيها وقالها تاني فهي وافقت عشان خافت تخسرني أنا كمان، وفي نفس اليوم إتجوزا، باقي بقى أقولك مين جوزها دة.
سأله بعتصم بصبر:
-مين قول؟
-تفتكر راجل إسمه صهيب!
إتسعت عيناه على إثر الصدمة وهو يتخيل الشخص المقصود، وسرعان ما حرك رأسه نافيًا تلك الأوهام، فشعر براء أنه قد تعرف عليه وقال به ببساطة:
-أيوة يا معتصم، هو الشخص إللي في دماغك
رفع معتصم رأسه وسأله بغضب:
-إللي كان بيدافع عن..
-أيوة هو
تلون وجهه بلون الدماء وإحتقنت نبرته وهو يردف:
-مستحيل، إزاي أختك توافق على المهزلة دي!!
أجابه براء بهدوء:
-أنا لو كنت مكانها كنت هوافق، مقدرش ألومها هي عملت كل دة عشاني. 
-أيوة بس..
قاطعه براء بضيق:
-أول ما تعدي الفترة دي هخليها تطلق منه متقلقش. أنا بس مش فاهم هو عاوز منها إيه؟
أردف الآخر بغضب:
-يعني الأشكال دي بتكون عاوزة إيه غير حاجة **** زيها!
إعترض براء عليه بجديه:
-لأ، صدقني إنت لو تشوفه أصلاً بيعاملها إزاي هتتصدم، يا ابني دة بيهتم بيها أحسن مني!
كاد معتصم أن يتحدث لكن براء تابع بثقة:
-ومتقولش بيعمل كدة قدامي بس عشان هو أصلاً مش بيخاف من حد، ومفيش حاجة هتجبره على كدة أصلاً.
-يعني إنت معاه؟
-لأ أكيد، بس أنا مستنيها تعدي من الفترة القاسية دي عشان هي نفسيتها تعبانة جدًا، وبعدها هبدأ أبعده عن طريقها. أنا مش فاهم بجد إيه كل المصايب دي، أستغفر الله!
أخذ معتصم نفسًا طويلاً ليسيطر على إنفعالاته، وصمت وهو مغتاظ من كل ما يحدث، فكيف يحدث كل هذا وهو بعيد كل البعد عن النطاق!
وضع براء يده على كتفه وقال بنبرة منهكة:
-والله يا معتصم بجد كل حاجة حصلت فجأة والأيام دي مكنتش مركز خالص، أحل مشاكل هنا وهنا وهنا، دة غير ماما وبابا إللي عاوزين يطلقوا وبجد دماغي هتنفجر.
نظر له معتصم باهتمام ونطق:
-يطلقوا!!

.................

كان رحيل يجمع أغراضه في الحقيبة الصغيرة، باقي الحقائب قد حضرتها المدبرة، فمنذ عدة أيام وصهيب يخبره أن ينتقل لديهم، وفي كل مرةٍ كان يخبره أن يستقرا أولاً ثم يعود ليعيش معهما.

لكنه للحق قد إختنق الآن من الجلوس وحده، لذلك قرر الذهاب إليهما. العجيب أن ولده لم يخطِ الشركة من بعد زواجهما، وكان عقاب يضطر لفعل كل هذا وحده، فترك المصنع وانتقل هو وطاقمه للعمل في الشركة. لربما هذا أفضل له بالفعل لأنه يحتاج إلى إجازة من كل شيء. إلى راحة واسترخاء فقد تعب حقًا في حياته.

زفر من كل تلك الأفكار، وتابع تجميع الأشياء وهو يقول لنفسه:
-يلا بقى أمشي أنا، عشان مليت من الحيطان دي.....!!! 

...................................!!!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة