-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد - الفصل الأول

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والحكايات الخلابة في موقعنا قصص 26 مع الفصل الأول من حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد، في هذه الحكاية العديد من الأحداث حيث جمعت بين الامل والموت فكان الامل اسمها والموت  قاتله ،زهقت روحها على يد أقرب المقربين  اليها وخسرت اغلي ما تملك ،بكت ظلما فقررت الانتقام علي الرغم من صغر سنها وفعلت وعاشت بعدها ذليلة .
.
تابعونا لقراءة جميع أجزاء حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد.

تابع من هنا: تجميعة روايات رومانسية عربية

حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد
حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد

حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد - الفصل الأول

كنت ما زلت أقف أمام النافذة ،لمحت بعيني انعكاس صورتي في زجاجها ،كانت صورة باهتة ومعالمها ليست واضحة، لا أعلم هل هذا بفعل الإضاءة أم لأنه لوح زجاجي وليس مرآه ،أم أصبحت هكذا وماتت ملامحي كما ماتت روحي ،إن نظرنا لجسدي إنه متناسب كثيرا مع عمري أنا متوسطة الطول إن قارناه بطول يحي سأصبح قزمة بجانبه فهو ذو قامة طويلة لكن جسده هزيل واضح فقد الكثير من الوزن الفترة الماضية ، لكنه بعد ذلك اكتسب كل ما فقده و انا ايضا ،وزني لم يتعدى الخمسون كيلو جرام، شعري اسود ناعم جدا وكثيف و طويل إن أردت ستر ظهري من الممكن أن أسدله عليه ، لم أهتم به طوال الفترة الماضية لكنه تمسك بحيويته ،ولا أعلم كيف فعل هذا في ظل الظروف التي كنت أعيشها .
هل رأيتم عين الريم من قبل ومدي جمالها ،هل وقعتم بسحرها إن كانت باللون العسلي؟
عيني هكذا واسعة وساحرة كعين الريم ،رموشي وحاجبي لهم نفس صفات شعري كثيفة وطويلة و مرسومة بعناية من قبل خالقي ،بشرتي بيضاء وزاد بياضها في الفترة الأخيرة بسبب عدم خروجي من غرفتي ،وجهي مستدير وأنفي صغير يناسبه ،وشفتي ممتلئة قليلا ،أعلاها شامة صغيرة أعتز بها وأعشقها فهي إرث لي من أمي ،كما حال وجهي وشعري وحظي العسر.
هناك ندبة ما بعنقي لا أريد رؤيتها أو التحدث عنها ،او تذكر ليلة حدوثها،أخفيها دائما بوشاحي لذلك دعونا نتخطى هذا الأمر، لا اهتم كثيرا بأمر الملابس ،تكفيني منامة قطنية ووشاحي فأنا لا أخرج من هنا ،الساعة الآن تخطت التاسعة والنصف لا صاحبة الشعر المجعد أتت ،ولا الممرضة أحضرت طعامي الذي لا يفرق معي إن تناولته أم لا، فقط أنتظر تلك الحبة التي تعطيها لي بعد تناوله، أحتاجها بشدة الآن إنها تقضي علي الآلام التي تجتاح رأسي ،وتجعلني أتوقف عن التفكير بكل شيء ،كم أتمني الآن أن يعطوني حبة النسيان ،او حبة للموت ؛لأتخلص من ذكرياتي السيئة التي تراودني اليوم كثيرا .
**
في الاسفل
تعجب يحي من الكلمات المكتوبة علي اللافتة ،أراد الاستفسار عن ما تقصده من هذه الكلمات، فقال وهو ما زال يقف أمامها وينظر إليها بذهول، تعجبه كان واضح الي وأنا اقف اراقبهم من نافذتي :
_دكتورة عالية هو حضرتك إلي كاتبة الكلام ده؟
كانت تقف بجانبه وتنظر نحو اللافتة هي الأخرى من أسفل نظارتها ،دعونا لا ننسي نحن نتحدث عن معالجة نفسية قضت نصف عمرها في هذا المجال، وأجرت العديد من الدراسات وحصلت علي العديد من الجوائز؛ فلم يكن صعب عليها أنت تفهم سبب سؤال يحي عن تلك الكلمات ،من نبرة صوته المرتجفة دون أن تنظر له ،فهو لم يجذبه من الجملة بأكملها سوي آخر جزئية"نحن نتمسك بكل زوارنا ونكتشف بهم ما لا يعلموه عن أنفسهم بعد "هذه الجملة أقلقت يحي كثيرا ،هو اتخذ قرار التعافي فقط وليس النبش في ما يخفيه داخل قلبه، لكنه لا يعلم ما لم يتخلص من أسباب المرض لن يتعافى منه ،وان أراد الإقلاع عن الإدمان لابد أن يتخلص من أسباب ضعفه تجاهه ، وهذا لن يحدث إلا بعد أن يبوح بما يخفيه داخل صدره، يحي دائما يظهر بمظهر الشخصية الهادئة اللامبالية بكل ما يدور حولها ،والده يملك الكثير من الاموال وهو يملك مهارة تبذيرها ببذخ ،حياته فقط تقتصر علي جدته خديجة وصديقه علي أبو النجا "نوجا " كما يطلق عليه وكلبه الوفي "كوبر"هم عالمه الخاص، لكن في الحقيقة هناك حرب دائرة دوما بداخل عقله، وبركان مندلع لم تنطفئ نيرانه بعد بصدره ،دارت بوجهها ناحيته وقالت وهي تنظر له بابتسامة صافية ؛جعلته يشعر نوعا ما بالطمأنينة :
ـ أيوة ده كلامي بوجهه لكل حالة بتيجي هنا ،وعاوزة أقولك حاجة أنا مش حساعدك تتعافي من الإدمان بس ،لا أنا حخليك تتخلص من الحرب الي دايرة جوه قلبك ، عشان لما تخرج متضعفش وتنتكس وترجعلي تاني زي كل مرة
حدق بها دون أن يفه بحرف ،وعندما تلاقت نظراتهم من خلف نظارتها الطبية ،ارتجفت يده وأصبح غير قادر علي السيطرة عليها ،وهرب بأنظاره بعيدا عنها خوفا من قراءة ما يجول بعقله ، فقالت وهي تضع يدها علي كتفه:
ـ يلا يا يحي نطلع علي اوضتك
.
أومأ لها برأسه للأسفل دون أن يتحدث وذهبوا باتجاه غرفته بالطابق الثاني ،ومن خلفهم العامل الذي آخذ الحقيبة من السائق وتولي هو مهمة حملها للأعلى إلى غرفته .
وصلوا الي غرفة يحي بالطابق الثاني التي تطل علي شاطئ البحر، والحديقة التي تمتلئ بالكثير من الورود والأشجار التي تفوح رائحتها ليلا ،وتزورني في غرفتي وغالبا ستفعل نفس الشيء معه ،هل فهمتم ماذا أقصد ؟حسنا سأوضح لكم إن لم تفهموا مقصدي بعد،المصحة هنا تتكون من مبنيين ملتصقان احدهما افقي والآخر رأسي ،علي شكل حرف"L"في كل طابق يوجد باب يصل بين المبنيين ولا يسمح بعبوره سوي للعاملين او الاطباء ،غرفتي انا بآخر ممر قسم الامراض النفسية،اما غرفة يحي هي اول غرفة في ممر قسم علاج الادمان، لكني استطيع رؤية نافذته من نافذة غرفتي .
رحبوا معي بجاري الجديد الذي اتخذ الغرفة المجاورة لي ملاذ له هو الأخر ،وغالبا سنعاني الكثير معا.
أخبرني يحي ذات مرة عن اول مرة دخل بها الي غرفته وعن مشاعره وحديثه معها ،ومخاوفه وما اكثرها وقتها.
دلف يحي إلى الغرفة بخطوات بطيئة متثاقلة ،وهو يجوب بأنظاره في كل شيء متواجد بها ،عندما سقطت أنظاره علي الفراش الذي يعلم جيدا أن ما هي إلا أيام قليلة وسيكون طريح له ،شعر بالضيق وجف حلقه ،وتعالت نبضات قلبه، و تباطأت أنفاسه ،و ابتلع ريقه بصورة بالغة ، فهذه هي الأعراض التي سيشعر بها عندما يبدأ هذا اللعين من الانسحاب من جسده ،لاحظت د.عالية سوء حالته فوجهت حديثها إلى العامل وقالت :
ـ ممكن تحطها هنا وتتفضل إنته .
د.عالية اختارت طاقم العمل بالمركز بعناية فائقة من عامل النظافة حتى مساعدها وذراعها الايمن باسل ود.بيرهان ،
لذلك تحدث العامل بكل تهذيب وتقدير، وقال بوجه بشوش مبتسم وكانت هذه أهم و أول تعليماتها لهم عند بداية عملهم معها عند تأسيس المركز الابتسام في وجه الحالات امر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه :
ـ تحت أمرك يا دكتورة،وأي حاجة يحتاجها أستاذ يحي يأمرني بس.
كان من المفترض أن يشكره يحي عن إيصال حقيبته ،وحديثه الأخير لكنه لم يفعل، لقد كان مشغول باسترجاع ذكرياته المريرة التي مر بها في كل مرة قرر التعافي من ذلك اللعين، فقامت د.عالية بشكر العامل وتوجه بعدها إلي خارج الغرفة، صمت يحي وما زال ينظر الي الفراش تارة والى النافذة تارة أخري، راقبته قليلا فهي خبيرة بلغة الجسد، وتستطيع قراءة ما يدور بداخل عقل مرضاها دون أن يتحدثوا ،و عندما اخبرني يحي بهذا قلت له هذا ما تحاول فعله معي دائما ،ألصقت كفي يدها ببعضهم البعض وحركتهم بحماس وقالت وهي تبتسم :
ـ نورت أوضتك وعالمك الجديد المؤقت ،ها المؤقت يايحي سامعني الوضع ده مؤقت فترة وحتنتهي من حياتك ،وحتبقي بعدها مختلف تماما، وصدقني حعمل كل الي في وسعي عشان مترجعش هنا تاني، وعاوزاك انته كمان توعدني انك مش حتمل ولا حتضعف وتكمل للنهاية معايا .
رفع وجهه الى الأعلي ونظر اليها بعينيه الممتلئة بالعبرات ،والمحاطة بهالة من السواد بعد أن شعر بشيء ما في حديثها وقال:
ـ إنتي ليه نظراتك حنينة قوي كده ،ليه في دفي في صوتك؟
ابتسمت له وقالت :
ـ دي صفات الام لما بتكلم إبنها ،كل واحد بيدخل من البوابة الي تحت دي هو ابني، وانا بكلمك كأنك إبني .
مسح بطرف إصبعه دمعة هبطت من عينه؛ فأحرقت روحه قبل وجهه حزنا علي حاله، إنها امرأة تعرفت عليه لتوها واتخذته ابنا لها، و من هي والدته حقا تخلت عنه في سبيل أن تتزوج رجل آخر ،وتنجب أطفال غيره وتغدقهم بالكثير من العطف والحنان ،بينما هو عاش محروما منه قال بصوت مرتجف حزين :
ـ أنا معرفش الام بتكلم إبنها إزاي ،بس أوعدك حكمل معاكي ،ومش حضعف لسبب واحد بس .
حثته علي التحدث فقالت:
ـ أيه هو ؟
تابع بنفس الصوت الحزين المرتجف :
ـ عاقبتهم كتير قوي و في الآخر أنا الي بتذل و أتألم وأتمرمط لوحدي ،وابقي في نظر الكل شمام ،وهما ولا هما هنا ،أنا اكتشفت إني بعاقب نفسي مش بعاقبهم،تعبت ومعدش قادر أكمل دي نهاية الطريق ياأعيش يا أموت لكن أفضل كده لا مش قادر .
حزنت كثيرا بعد كلماته، لكنها تعلم أنها قادرة علي مساعدته علي تخطي كل هذا ،كانت تحمد ربها دوما أنها لم تعاني مع يحي كما يحدث معي، فقد فتح قلبه إليها بكل سهولة ومن أول يوم ،بينما أنا أرفض حتى النظر إليها منذ شهر كامل وقالت:
ـ أنا مش حسألك دلوقت عاقبتهم ليه و إزاي ،بس هعمل ده في وقت تاني ، انا مبسوطة قوي انك وفرت عليا وعلي نفسك مشوار طويل لو رفضت تفتح قلبك ،يلا إرتاح وحبعت حد يساعدك في ترتيب حاجتك.
أومأ لها برأسه وقد رسم ابتسامة زائفة أعلي ثغرة مجاملة لها ،دارت بجسدها وكادت أن تغادر الغرفة لكنها تذكرت شيء لاحظته به ،أرادت معاتبته عليه فعاودت النظر له مرة أخري وقالت بكلمات تمتاز بالصلابة و الحدة :
ـ أخر جرعة خدتها إمته يا يحي؟
هل تعلموا الطفل عندما يقوم بفعل ما خاطئ ،أو يكسر شيء ما في منزله ،عندما توبخه والدته علي فعلته دائمة يصوب أنظاره نحو ما قام بكسره لا إراديا منه ، هل سمعتم بالمثل الذي يقول دائما ما يعود المجرم إلي مسرح الجريمة
؟ وهذا ما حدث مع يحي عندما ذكرت أمر الجرعة ؛توجهت يده لا إراديا منه نحو وجهه، و وضع سبابته وإبهامه حول أنفه وصدر منه هذا الصوت الذي نقوم به عند استنشاق رائحة ما، لكنه يصدر من يحي فى العادة عندا يحصل علي جرعته المعتادة من مادة الهروين، عن طريق استنشاقها بواسطة آله يستخدمها المدمنين ويطلق عليها "الشدادة "في الغالب يحي كان يستخدم ورقة مالية جديدة ،حتى لا تلتصق بودرة الهروين بها ، شعرت بالظلم ذات مرة عندما اخبرني بأمر تلك "الشدادة اللعينة" بينما هناك أطفال تموت جوعا بسبب نقص المال ،كان يحي يستخدمه في استنشاق الهروين و كان هذا طريق يؤدي الى الموت أيضا.
أجابها وهو يشعر بالحرج الشديد وينظر للأسفل وقال:
ـ النهاردة الصبح قبل ما أنزل من البيت .
حركت رأسها يمينا ويسارا بأسي ؛فأراد الدفاع عن نفسه وتبرير فعلته التي تدل علي عدم اتخاذه قرار الإقلاع بعد، علي الرغم من وجوده بالمصحة وقال:
ـ في سبب علي فكرة لده أنا عارف أول ليلة بتكون صعبة و المكان جديد عليا ،وعارف إني هعاني كتير فيه محبتش اقضي اول ليلة و انا حتجنن من الصداع و الالم الي بيقطع فيا، لكن وعد دي آخر مرة هدخل الملعون ده لجسمي .
هذا كان مبرر يحي لما قام به ،هو كان يكذب علي ذاته بتلك الكلمات،ويرفض الاعتراف بضعفه أمام حاجته للمخدر .
ربتت علي كتفه بحنو وقالت وهي تبتسم له:
ـ تمام أسيبك بقي و أروح للي حتجنني بسكوتها الفظيع .
قال يحي بعدم فهم :
ـ مين دي ؟
زادت ابتسامتها ونظرت نحو الحائط الملاصق إلى جائط غرفتي وقالت :
ـ اوموت .
قال مسرعا دون تفكير بشيء :
ـ أم شعر طويل؟
مازحته قائلة : .
ـ شعر طويل مممممم شكلي كده حنزلك في الدور الأرضي .
رفع كفي يده الى الأعلي علامة علي استسلامه وقال:
ـ لا خلاص مش حنطق خليني هنا قدام البحر
كنت أجلس علي طرف فراشي أنتظر قدوم أي أحد ،فقط أدعي ربي أن أحصل علي دوائي؛ لكي أكمل نومي الشيء الوحيد الذي أجيده ،أثناء شرودي سمعت عدة طرقات علي الباب؛ فأمرت الطارق بالدخول ،وكانت الصفراء ذات الشعر المجعد ،مرت إلي داخل الغرفة ومعها دفترها الوردي وقلمها التي لا تتخلى عنهم أبدا ابتسمت لي وقالت :
ـ صباح الخير يا اوموت .
رفعت رأسي و حدقت بها بغيظ ،وأرسلت إليها العديد من النظرات الغاضبة ،هي تعلم جيدا أن هذه الكلمة تغضبني، لكنها دائما تحدثني بهذا الاسم ،مدت يدها للأعلى وابتسمت لي وقالت:
ـ خلاص متزعليش يا أمل ده حتى إسمك جميل .
عاودت النظر إلي ما وراء النافذة ،فتحدثت بعد أن جذبت مقعد كان موضوع بجانب المنضدة الصغيرة ، التفت بجسدي لاكتشف انها جلست بالقرب مني وأسندت ظهرها براحة علي المقعد ،ووضعت قدم فوق الأخرى :
ـ طبعا مستغربة ليه لحد دلوقت فطارك مجاش ،ولا أخدتي علاجك.
لم أعير حديثها أي اهتمام ونظرت الي النافذة مرة اخري فتابعت :
ـ أنا إلي قولتلهم يعملوا كده.
هنا التفت بوجهي ونظرت اليها ببلاهة ،وأنا أتساءل وماذا بعد هل ستعاقبني وتمنع عني الطعام والشراب؟ حسنا لا يوجد مشكلة في هذا ،علي الأقل أموت بسببها هي ولا أكون منتحرة وأخسر حياتي وديني ايضا لكنها تابعت:
ـ حتكلم معاكي شوية وبعدين افطري وخدي الدوا .
والآن فهمت تريدني واعية بالكامل ولست تحت تأثير دوائي ،أنا أمر أحيانا بنوبات ذعر ،سابقا كانت تأتيني بكثرة عندما أتواجد بجانبهم كانت تسوء حالتي ،كنت أشعر بضيق في التنفس، والعرق يتصبب من جسدي بكثرة ،وكنت اشعر بالغثيان غالبا بسبب تقززي منهم ومن أفعالهم الحيوانية الهمجية معي ،هل رأيتم شخص تعرض لصاعقة كهربائية من قبل بحيث تصيب الرعشة جسده و يهتز بسرعة ،أنا عندما أتواجد بالقرب منهم يحدث لي كل هذا ،هنا يحدث هذا لكن ليس كالسابق لقد منعت د.عالية قربهم مني أو دخولهم غرفتي ،فقط عندما انظر من نافذتي وتلتقي نظراتي بأعينهم أشعر أن قلبي سيتوقف من شدة الخوف ،وكأنهم سيقومون بذبحي بنظراتهم ؛لذلك يسيطروا علي نوباتي بتلك الأدوية التي تجعلني مخدرة بنصف وعي، تحركت باتجاه السرير وجلست عليه و انا كلي اذان صاغية الي حديثها.
تابعت الحديث وقالت وقد عقدت العزم اليوم هو آخر يوم في عنادي ،ولن يكون أي شيء بعده كما كان :
ـ لحد إمته يا أمل حترفضي تكلميني، أنا عاوزة أساعدك أنا خلاص فهمتك ،إنتي مش جاية هنا تتعالجي وترجعي لطبيعتك قوية مش إنهزامية، إنتي وافقتي تيجي هنا عشان تستخبي ،مفكرة نفسك كده في أمان ،أنا لو منعت أي راجل يدخل اوضتك او يقرب منك ، الوضع مش حيستمر طول عمرك حتيجى في يوم وتخرجي قوليلى بقي حتعملي أيه ،حتواجهيهم إزاي ، كمان مش حفضل أسيطر علي أفعالك بالمهدئات، أنا خايفة أعالجك بيها لفترات طويلة بدون أي تقدم ؛وأكتشف بعد كده إنك مدمنة بروزولام ،ودي حتبقي كارثة .
هنا ضممت يدي الى صدري وعانقت جسدي بهم،وقدمي عرفت طريقها و ارتفعت للأعلى ، ركبتاي كانت قريبة جدا من ذقني وصدري ،تقوقعت علي ذاتي لأحمي نفسي منها ومنهم ومن حديثها ،وعلمت أني علي وشك المرور بنوبة جديدة
لم تتوقف عن الحديث وتابعت كأنها تتعمد إخافتي :
ـ إنتي بتشوفي نفسك وانتي في حالتك الطبيعية هادية وساكتة ورافضة الكلام ،لكن وقت ما بتمري بالنوبة بتعيطي وتصرخي واحيانا بتقولي كام كلمة كده ،يعني إنتي مش فاقدة النطق إنتي فاقدة الثقة ، وأنا دوري أرجع ثقتك في نفسك وفي إلي حواليكي وفي الرجالة كمان.
عندما نطقت هذه الكلمة رفعت وجهي لأنظر لها بعيني المليئة بالدموع ، ما هذا الهراء، هل تريد مني الثقة بهؤلاء الحيوانات التي انتزعت الرحمة من قلوبهم ؟هؤلاء القتلة لن أقترب منهم ابدا ،ولن أثق بهم وإن تمنيت شيء يوما سيكون أن تتم إبادة جماعية لكل رجال العالم ،ونتخلص منهم ،وتعيش كل فتاة مع والدتها ،ولا تقتل أي أم أمام طفلتها ،ولا تجبر أي أم أن تقتل طفلها بيدها ،لا تتعجبون من حديثي نعم الرجال سبب كل هذا، وإن رحلوا عن عالمنا سنعيش بسعادة وأمان.
قالت د.عالية وقد بات صبرها نافذا من لا مبالاتي بحديثها :
ـ أمل المركز ده للعلاج مش فندق تستخبي فيه من الرجالة، إنتي قوية علي الرغم من إلي عشتيه كملتي ل19 سنة لوحدك بعد وفاة ماما ،ليه تستسلمي مش كل بنت مامتها ماتت حتبقي انطوائية كده، ولا كل بنت ربنا رزقها بأب عنيف وكان بيضربها هي ومامتها حتكره الرجالة .
نفذت قوتي وأصبحت غير قادرة علي تحمل حديثها ،ضعفت كثيرا و جفوني بدأت تنقبض بسرعة شديدة ،ورموشي أصبحت تعلو وتهبط لدرجة كادت أن تسحق ببعضها البعض من شدة توتري، فقدت السيطرة أيضا علي يدي أصبحت ترتجف بشدة ، واستسلمت بالأخير لها وصرخت بصوت مرتفع ،وأنا أضع يدي علي آذني ؛ كي لا أسمع دفاعها عن هذا القاتل :
ـ ككفاية ككفاية أسسككتي إنتي مشش عارفة ححاجة، أسككتي بقي هو ممضرببهاش ،هو ققتلها رفع السسككينة للفوق، وهي ححطت إيدها علي ققلبها ووقعت علي الأرض،أنا ششفته ككنت عند الباب مش ضضربها والله هو ققتلها ،وهو دددبحني ، وأنا ققتلته، ككنت للوحدي وخخايفة و ببصرخ وممحدش سسمعني أناأنا ،خخايفة متتخرجنيش خببيني منهم ، ححيقتلوني وييدبحوني .
قلت كل هذا دفعة واحدة ،بصوت مرتجف ،والدموع تهبط من عيني بكثرة ،كما حال السوائل التي تخرج من انفي وفمي ولا استطيع السيطرة عليها ،بينما هي وقفت واحتارت ماذا تفعل لي ،إلي أن أهداها قلبها الحنون الى أن تقترب مني وتجلس بجانبي وتعانقني بشدة وتقول وقد تأثرت بي كثيرا وبكت :
ـ متخافيش متخافيش أنا معاكي يا أمل ،محدش حيقربلك متخافيش .
ما هذا ما الذي أشعر به ؟إنها تعانقني و لا أخشاها أو أشعر أنها ستقتلني ،أشعر برغبة شديدة في التمسك بها بشدة والصراخ والبكاء بين ذراعيها، وأشكو لها ما فعلوه بى وفعلته أنا به ، ارتخت قبضة يدي من حول كتفي وانتقلت إلي ظهرها وعانقتها وتمسكت بها كطفلة صغيرة اخذوا منها دميتها وضربوها ضرب مبرح ؛ فركضت تشكوهم الى والدتها وقلت وأنا أخبئ وجهي بصدرها :
ـ أنا خخايفة ممتتخرجنيش ، ححيقتلوني ححيدبحني تاني
لم تفهم أي مما هذيت به فقط تعجبت لضعفي ،طوال الشهر الماضي كنت اصمت وأتظاهر بالقوة، لكني انا الآن أضعف مما تخيلت أن أكون، و الآن كل شيء تغير لم أعد فاقدة للنطق بنظرها ،ومؤكد ستجعلني أتحدث معها وأكشف كل الذل والقهر الذي عشته طوال حياتي ،بالتأكيد سأفعل لكن لأقول لكم من الآن مهما تحدثت وكشفت أشياء ستصدمكم وستبكيكم وتجعلكم تكرهوا أنتم ايضا جنس الرجال ،اعلموا أن هناك الكثير ما زلت أخفيه في جعبتي وسأفاجئكم طوال رحلتي معكم بالكثير ايضا ؛لذلك لا تنظروا لكلماتي وكأنكم انتصرتم عليها واكتشفتم كل شيء حاولت إخفائه عنكم ،لن تعلموا إلا ما أريدكم أن تعلموه فقط .
*********************
إلي هنا ينتهى الفصل الأول من حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد


تابع من هنا جميع فصول: حكاية أمل أو موت بقلم صفية محمد.
تابع من هنا: جميع حلقات رواية عشق ووجع بقلم شيماء رضوان
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة