-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الثالث والعشرون

أصدقائي الأعزاء متابعي موقع قصص 26 يسعدني أن أقدم لكم الفصل الثالث والعشرون من رواية فى قلبى أنثى عبرية بقلم دكتورة خولة حمدى وهي رواية واقعية إجتماعية ممزوجة بالحب وأيضا  تتسم بالكثير من الأحداث والمواقف المتشابكة التي ستنال اعجابك بالتأكيد فتابع معنا.

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الثالث والعشرون

حمل تطبيق قصص وروايات عربية من جوجل بلاي
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى

رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الثالث والعشرون

لا يا أحمد، لم ارتد ولم أتراجع.
لكنني اغتنمت جهلها بالإسلام حتى أتحايل عليها.
هي لا تعلم أن المرأة لا تصوم ولا تصلي لبضعة ايام حين تأتيها الدورة الشهرية...
ليتك رأيتها اليوم، كانت في غاية السعادة!
في الحديقة، نستمتع بدفء الشمس التي تحلل علينا في حياء من وراء السحب.
ثم أعددنا فطورا فاخرا يليق بأكبر الولائم...
احتفالا بتخليها عن الحمية القاسية التي فرضتها على نفسها!
جلست تطعمنِّي بيديها كأنني طفلة رضيعة.
كأنها تطمئن إلى ان اللقيمات تنزل في جوفي وتملأ بطني ولا تتبخر في الهواء
لكنني أعلم أن هذا الهدوء لن يستمر طويلا... هدنة قصيرة لبضعة ايام، ثم تعود لتتعكر من جديد... حين أعود إلى الصوم.
يا ربي رحمتك!))
إني اختنق.
أموت في إليوم مئة مرة.
أريد أن أتنفس... أريد أن أخرج من السجن الذي أنا فيه.
لم أعد استطيع التحمُّل.
بقيت خطوة واحدة.
على أية حال، لن تكون الحال أسوأ مما هي عليه الآن، توكلت على الله...))

اخي في الله أحمد،
الحمد لله ، انا اليوم بخير.
أنت لا تعلم بما حصل معي في الأيام الماضية.
قلت في رسالتي السابقة إن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر.
لكنني اخطأت في تقديري، لعلي استهنت بما في جراب والدتي من حيَل وأسلحة مدمرة فتاكة
إعتقدت أنها استفرغت سبل الضغط بإضرابها عن الأكل. لكن ما خفي كان أعظم!
تعال أحدثك بما حصل بالتفصيل.
كانت هناك خطوة واحدة متبقية، حتى يكتمل إسلامي وأكون مسلمة حقا.
أن ألبس الحجاب الإسلامي
كنت أضع صورة ريما أمام عيني.
أريد أن أكون مثلها، اردت ان البس جلبابا واسعا مثلها... وأضع على رأسي وشاحها الذي أخفيته حتى لا يأخذه وصيُّها.
لكن كل ما كنت أتمناه، كان هو بعينه كل ما يغيظ أمي ويثير حنقها علي.
تعلم انني لم أكن يوما سافرة، بل أضع غطاء ساترا اكثر من غطاء أية يهودية أخرى ،
لكن ارتداءه على الطريقة الإسلامية، مع تَنُّورة طويلة تغطي الكعبين، كان ما أوقد النار في قلب أمي
ما زال البكاء ينتابُنَيّ، كل ما مر أمام عيني ذلك المشهد...
حين خرجت في زيي الجديد، رأيت نظرة غريبة لم أرها في عينيها من قبل.
لعلها اختزال لحقد دفين على الإسلام وأهله، تحول إلى وحشية في تلك اللحظة.
رأيتها تنقَض علي وتنتزع الحجاب بقوة.
ألقته على الأرض وأخذت تمزقه بقدميها ، ثم دفعتني لأسقط أرضا، وانهالت علي ركلا ورفسا
ليس الألم هو كل ما أحسست به حينها، فكل آلام العالم شيء ، وفظاعة ما عشته شيء آخر.
مهلا، ليس ذلك كل شيء.
حين رأتني جامدة على البلاط لا أرد على هجومها بكلمة أو حركة، جرتني من شعري بكلتا يديها وألقت بي في الشارع!
نعم، أمي فعلت بي كل هذا، أمي التي اعتقدت أنها تحبني. أكثر من أي احد على هذه الأرض،
طردتني من البيت.
لم يكن هناك أحد ليدافع عني أو يرد اذاها عن جسدي.
وجدت نفسي في الشارع بلا مأوى.
ملابسي ممزقة متهلهلة، مثل الشحاذين، وجسدي قد امتلأ كدمات وجروحا.
لم يكن هناك مكان آخر أذهب إليه عدا منزل ميشال، لم أكن أعلم إن كان سيستقبلني ام يطردني هو الآخر، لكن أملي كان كبيرا، والحمد لله ، لم يخب ظني.
انا أقيم في منزل ميشال منذ أسبوع.
ماري قامت بتمريضي واهتمت بي خير اهتمام، رغم معارضتها لاختياري.
ميشال وبابا جورج حاولا في هذه الأثناء الحديث إلى أمي، وإقناعها بأن طردي ليس الحل، وأنني سأبقى ابنتها رغم كل شيء...
لكنها لم تتزحزح عن موقفها قيد أنْمُلَة.
قالت إنها لن تسمح لي بالعودة حتى أعبر عن ندمي الشديد، وأطلب عفوها على ركبتي.
بعد ان أكون قد عدت إلى اليهودية بالطبع!
لم أرها منذ ذلك اليوم. وأظن أنني لن اراها لبعض الوقت. ويؤسفني أن أقول إنني لم أعد أريد رؤيتها...
فذكراها مرتبطة لدي بالمرارة والألم.
تعالت طرقات على باب الغرفة.
لم تحاول إخفاء دفترها وراء الوسادة كما تفعل حين تدخل عليها سونيا، فهي في منزل ميشال الآن، أكثر من يمكنها الوثوق به والاعتماد عليه.
كما أن ذراعها اليسرى لا تزال مربوطة إلى عنقها، بعد أن كسرت حال سقوطها ذلك اليوم.
تفضل...
دخل ميشال مبتسما وجلس على طرف السرير:
استيقظت باكرا اليوم، وتكتبين أيضا، هذا رائع,,, فلنقل إنك تعافيت إذن!
ابتسمت بدورها وهي تقول:
الحمد لله,,, لست ادري كيف أشكرك انت وماري على كل ما فعلتماه معي!
هز رأسه في صمت وابتسم مطمئنا.
ثم لبث مطرقا لبضع ثوان.
رنت إليه ندى في اهتمام وتساؤل.
رفع ميشال عينيه إليها، ثم قال بلهجة جادة:
ندى... يجب أن نتحدث.
اعتدلت في جلستها، وهزت رأسها في انتباه, تعلم ان هذه اللحظة قادمة لا محالة.
ميشال دافع عنها وآواها واهتم بها.
لكنه لم يقتنع يوما بصحة اختيارها.
بادرها على الفور، كأنه قد أعد خطابه جيدا :
- ما سأقوله الآن لن يؤثر على علاقتنا.
أنت في حمايتي ومن أهلي، ولن أتخلى عنك. لكن...
تمهل للحظات قبل ان يستطرد بلهجة اكثر قوة : -
ما الذي وجدتيه عند المسلمين ولم تجديه عند أهلك اليهود؟، ألا ترين ما هم عليه من التخلف والتأخر عن بقية الأمم؟
لو كانوا على دين حق، لكان الله وفقهم وسخر لهم الإمكانيات المادية. لكن دينهم لم يساعدهم إلا على التقهقر والانغلاق!
انظري إلى الشوارع المتسخة، وإلى الإدارات العامة التي سودها الفوضى والفساد.
انظري إلى الأخلاق والمعاملات في الشوارع، في وسائل النقل، وفي الأماكن العامة...
ومع ذلك فلبنان خير حالا من بلدان كثيرة.
لماذا برأيك؟، لأن هنالك فئة من المسيحيين تمتلك القسم الأكبر من الثروات وتديرها لمصلحة البلاد، لأن السلطة بأيدينا!
تذكرت ندى على الفور زيارتها للمسجد في باريس.
تذكرت تعليق أنابيلا على النظام في الصلاة.
تذكرت كل ذلك، وتذكرت ما قالته في نفسها بعد ذلك...
لو كانت أنا بيلا عرفت المسلمين قبل الإسلام، لكانت ردة فعلها مختلفة جدا!
هتفت في وجه ميشال في حماس:
ميشال، لا تحكم على الإسلام هكذا
لا تنظر إلى ما يفعله المسلمين، بل انظر إلى ما تنحى عليه تعاليم الإسلام!
أنت تعلم اكثر مني ان الإسلام يقوم على الأخلاق الحميدة... على النظام والأمانة وإتقان العمل والنظافة.
الإسلام بريء من كل هؤلاء: من الكاذب والمرتشي والمحتال والظالم والمبذر!
أنا اخترت الإسلام لأني وجدت فيه ذاتي، ولم أتساءل: ماذا عن بقية المسلمين!
احتد ميشال الذي سيطر على غضبه حتى ذلك الحين:
وماذا عن وضعية المرأة في الإسلام؟
هل بعد كل دراستك وأصلك السامي تريدين أن تصبحي شيئا لا قيمة له، يوضع وراء الأحجبة والأقمشة، يوارى عن العين ولا يقول رأيه؟
وكيف يقول رأيه وصوته لا يجب أن يسمع... لأنه عورة؟!
ابعد كل سنين تعليمك وسفرك إلى اأوروبا, وكل ما قدمته إليك عائلتك لتنالي اعلى المراتب، تنزلين إلى هذا المستوى؟!
ترثين نصف ما يرثه الرجل، وشهادتك نصف شهادة؟، هل أصبحت نصف بشر؟
نظرت إليه في دهشة وامتلأت عيناها بالدموع.
لماذا كل هذا التحامل؟، يعلم أنها حديثة عهد بالإسلام، ولا تملك الإجابات على كل أسئلته.
سكتت وابتلعت مرارتها في صمت.
لا تزال في بداية المشوار...
لديها الكثير لتتعلمه.

اخي في الله أحمد،
رغم كل ما تعلمته عن الإسلام وكل ما قرأته، فاءنني أبقى بعيدة عن الإلمام بكل التفاصيل.
أجدني في أحيان كثيرة عاجزة عن الرد على كل الأسئلة والاستفسارات التي تواجهني في محيطي.
هناك أشياء أستشعرها بقلبي،، لكن لا يمكنني أن أوصلها إلى من حولي
ميشال صار يسائلني كثيرا ، ويحاورني أكثر عن الإسلام والقرآن.
تعلم أن ميشال مطلع جدا على الأديان بحكم عمله كراهب كنيسة.
لكن ما لا تعلمه هو ان لديه رسالة دكتوراه عن المسيح عيسى بن مريم في القرآن.
يعني أنه قرء القرآن عشرات، بل ربما مئات المرات!
كل ما أحدثه عنه يعلمه، وله رؤيته الخاصة عن الإسلام وتأويله الشخصي للقرآن.
أجدني أعجز كثيرا حين يواجهني بأشياء أجهلها أو لا أفهمها في القرآن.
صعحيح أنني أجيد العربية، لكن الكثير من التعابير يتعذر عليا استيعابها
ليتك كنت معي.., كنت على الأقل أرشدتني وساعدتني في البحث عن الإجابات المقنعة!))
جلست ندى قرب النافذة تضع كتاب السيرة النبوية الذي أهداها إياه احمد على بكبتيها.
تعيد القراءة فيه دون كلل.
كان نبي الرحمة ملهمها منذ البداية، وقد أيقنت أنها أصبحت تملك الجواب الآن عن السؤال الذي ألجمها منذ أكثر من سنة:
من قدوتك؟
في تلك السهرة، كانت تحاول أن تركز في قراءتها ، لكن نظراتها كانت تتجه كل هنيهة إلى ما وراء النافذة
كان النعاس قد بدا يتسلل إلى جفونها ، لكنها تحاول المقاومة مسلية نفسها بالمطالعة.
دعكت عينيها ، ومسحت وجهها بكفيها في ملل، ثم نظرت إلى الساعة للمرة المائة في تلك السهرة.
تأخروا...
كان ميشال وعائلته قد خرجوا لزيارة عائلة ماري ظهر ذلك اليوم، وها هي الساعة قد اقتربت من منتصف الليل ولم يعودوا بعد.
ربما عليها محاولة الاتصال بميشال للاطمئنان عليهم.
عائلة ماري تقيم في مدينة قريبة، تبعد مسافة ساعة واحدة بالسيارة عن قانا.
ربما يقضون الليلة هناك؟، كان عليهم إعلامها على أية حال.
أمسكت بهاتفها ودغطت على رقم ميشال.
انتظرت لثوان طويلة وهي تسمع رنين الهاتف على الطرف الآخر من الخط دون رد.
زمت شفتيها في قلق، وطلعت مجددا من النافذة.
سمعت أزيز سيارة تقترب.
انتبهت كل حواسها في ترقب.
لكن الصوت ابتعد ببطء, لا أحد, تنهدت وهي تستلقي في مقعدها.
فجأة، فتحت عينيها في فزع.
كان النعاس قد غلبها، وغفت لبعض الوقت.
صوت ما اخرجها من غفوتها.
أجالت بصرها في الغرفة...
لم يكن هناك احد غيرها ، والسكون قد خيم على المكان.
مرت لحظات قبل أن يعود الصوت من جديد.
رنين الهاتف
تناولته في لهفة:
دانا تتصل، القت نظرة على الساعة في استغراب...
الواحدة إلا ربع.
ما بال دانا تتصل الآن؟
ضغطت زر الإجابة في توجس، فجاءها صوت دانا وقد اختلط بالنحيب:
ندى... بابا جورج، ميشال وماري والأطفال تعرضوا لحادث!
هتفت ندى في رعب:
هل هم بخير؟
لست أدري بعد.
أنا في طريقي إلى المستشفى...
سآتي معك
لاكن دانا كانت قد أغلقت الخط قبل أن تسمع صرختها
ارتمت ندى على المقعد وقد اخذت أطرافها في الارتجاف. وضعت كفها على صدرها كأنها تمنع قلبها من الانفجار.
يا إلهي... انقذهم يا رب، يا إلهي، ارحمهم وارأف بهم.
لا تقبضهم وهم على غير الإسلام!
أخذت تذرع الغرفة جيئة وذهابا كالمجنونة.
ما الذي يمكنها فعله؟، لا يمكنها الخروج في مثل هذه الساعة.
ستنتظر اتصال دانا...
مرت الدقائق تلو الدقائق، ودموعها لا تتوقف عن الانهمار.
تارة يغلبها الخوف، وتارة يعلو الرجاء والأمل.
حين تسللت خيوط النهار الأولى، جمعت شتاتها وخرجت لا تلوي على شيء.
ركبت الحافلة العمومية، ثم ركضت إلى المستشفى.
لم تتوقف عن الدعاء والابتهال طوال الطريق.
حين وصلت إلى قسم الطوارء، رأت دانا وسونيا قد انهارتا على المقاعد، وقد بدا عليهما الاستسلام.
هل هم بخير؟
رفعتا إليها عيونا متعبة، تغشاها نظرات باهتة. أمسكت بكفي سونيا تسألها في رجاء:
سينجون، أليس كذلك؟
لكنها لم تجد ردا إلا الصمت والدموع.
اندفعت نحو الباب المغلق، فأوقفتها الممرضة.
هتفت في اختناق:
يجب أن أراهم... يجب أن أراهم! بابا جورج، ميشال!
وقلبها يصرخ دون صوت... يجب ان القنهم الشهادة. يجب ان احدثهم عن الإسلام.
لن ترحلوإ هكذا
لكنها ما لبثت أن انهارت هي الأخرى على مقعد منعزل في يأس واستسلام...
فقد فات الأوان.

اخي في الله أحمد،
رحل ميشال. رحل بابا جورج. رحلت ماري. ورحل الملاكان كريستينا وجابريال
رحلوا جميعا مرة واحدة في حادث سيارة اليم.
رحلوا قبل أن أعلمهم الإسلام.
رحلو! وهم على ضلال.
رحلو! مخلفين في صدري الما وحسرة كبيرين.
هل تراني أفكر بأنانية حين أقول إنهم تخلوأ عني بعد أن كانوأ هم كل سندي في الحياة؟
بعد رحيلهم دفعة واحدة أجدني وحيدة في هذا العالم.
بابا جورج كان الوحيد الذي أيدني وساندني حين أسلمت.,.
وميشال كان الذي استمع إلي وأواني حين طردتني أمي وأقرب الناس إلي!
مصاب مضاعف هو!
لست ادري ما الذي سأفعله دونهم، وكيف ستكون أيامي بعد فقدهم.
كنت قد ظننت أنني مررت بأقسى التجارب حين فقدت ريما . ثم فقدتك
لكن احداث حياتي الأخيرة أثبتت لي أنه لا حدود لقسى الحياة وتجاربها!
أحمد الله على كل حال، ولا اأعترض على قضائه.
لكنني ضعيفة... ضائعة، دونهم... ودونك!
يا رب، أعلم أن هذا امتحانك لصبري وثباتي، لكنني أسألك ألا تطفئ كل الشموع في وجهي!
يا الله اترك لي بصيص أمل أعيش به باقي أيامي... فاءنني قد وهنت...))
توقفت عن الكتابة وأجهشت بالبكاء من جديد.
تحس بمرارة في حلقها وألم في ضلوعها.
عيناها تورمتا من البكاء المتواصل، ووجهها لم يزدد إلا شحوبا وجسدها قد تمكن منه الضعف والنحول.
هل كتب عليها أن تعيش حدادا متواصل؟، كل ما استفرغت حزنها على حبيب فقدت غيره.
دفن الأحبة جميعا
لكنها صلت عليهم بمفردها حسب الشريعة الإسلامية، ودعت الله أن يتقبل صلاتها حتى إن ماتوا على غير الإسلام.
عادت لتقيم في غرفتها في منزل العائلة طيلة أيام الحداد.
دانا لا تزال هنا أيضا.
ثلاث نساء وحيدات... يتقاسمن جرعات الحزن في صمت طوال النهار.
هل ترى قلب سونيا يلين وقد اجتمعن بالمصاب؟
هي لا تملك أي ملجأ آخر بعد وفاة ميشال وعائلته.
إن طردتها سونيا مجددا، فهل تستقبلها دانا؟، لم تكونا يوما على وفاق،
لكنها شقيقتها الوحيدة على أية حال!
قاطع أفكارها صوت عنيف أحدثته دفة الباب وهي ترتطم بالجدار.
التفتت في فزع إلى مصدر الصوت
كانت سونيا تطالعها بنظرات باردة مخيفة.
ارتجفت أناملها وهي تشد على رسالتها التي لم تملك الوقت الكافي لإخفائها.
لكن يبدو أن سونيا لم تكن تملك الكثير من الوقت للحديث عن خواطرها ومدوناتها، بل صرخت في وجهها بصوت هادر:
- ما ذلتي هنا ؟
ازدردت ندى ريقها بصعوبة، وهي تتطلع إليها في رعب.
فصرخت من جديد
- أيام الحداد انقضت، لذا لا أريد أن أراك مرة أخرى في بيتي!

تفرست الخالة سعاد للحظات في الفتاة التي جلست أمامها مطرقة الرأس في أسف وحسرة.
ثم قربت إليها كأس الشاي وهمست في عطف:
تفضلي يا ابنتي... اشربي قليلا لتدفئي نفسك.
رفعت إليها ندى عينين نديتين، وجاهدت لترسم على شفتيها ابتسامة منكسرة علامة شكرها.
ثم مدت كفين مرتجفين لترفع كأس الشاي إلى فمها.
وما إن بلل السائل الدافئ شفتيها حتى أبعدته لتعيده إلى المائدة.
لكن مذاقه الحلو سرى في خلاياها ، ليتسلل الارتياح إلى سحنتها المجهدة.
همست في حياء:
آسفة يا خالتي لأنني أزعجتك في مثل هذا الوغت...
احست بالعبرات تخنقها من جديد، وهي تواصل بصوت متحشرج:
لكنني لا أعرف أحدا غيركم يمكنني أن ألجأ إليه...
قاطعتها سعاد في عتاب:
لا تقولي هذا
أنت ابنتي. الثانية، وستبقين كذلك...
أرادت أن تكمل: رغم غياب أحمد عنا...
لكن الكلمات بقيت معلقة في الهواء ، ترن في أذني كلتيهما دون صوت.
استطردت وهي تقوم من مكانها:
اتصلت بسماح، ستصل بعد قليل، سأحضر لك بعض ملابسها لتغيري ثيابك.
ثم أضافت حين وصلت إلى عتبة الباب دون أن تنظر إليها:
-يمكنك البقاء في غرفة احمد.
تبعتها ندى بنظرات ممتنة، ثم عادت لتدفئ كفيها بكأس الشاي.
كم هي بحاجة إلى بعض الدفء...
الدفء العائلي والوجداني.
وهي التي طالما غبطت احمد على دفء عائلته، ومتانة الروابط بين أفرادها.
لم تكن قد تجرعت سوى جرعة صغيرة من الشاي حين سمعت صوت الباب الخارجي يفتح في ضجة، يتبعه وقع خطوات مرتبكة، وما لبث أن ظهر وجه سماح أمامها
تعانقت الفتاتان في حرارة وشوق، ثم جلستا جنبا إلى جنب، وكفاهم] في عناق متصل.
-ما الذي ستفعلينه الآن؟
هزت ندى رأسها في استسلام ولم تجب.
ربتت سماح ظهرها في ود وهي تقول في ثقة:
لا تخافي... سنجد حلا!
شكرتها ندى بإيماءة من رأسها، وهي تقاوم البكاء الذي أوشك ان يكون نشاطها الوحيد منذ يوم الفاجعة.
تركتها سماح لدقائق قليلة، ثم عادت وهي تقول:
أيهم وحسان في الخارج... يستأذنان في الدخول لتعزيتك.
هزت ندى رأسها موافقة، ومسحت وجهها بكفيها محاولة إخفاء علامات البكاء التي تركت أثرا عميقة في ملامحها .
دخل أيهم وحسان مطرقين في حياء
كانت قد رأت كليهما في بضع مناسبات، بعد أن انضمت إلى المقاومة المسلحة
لم تجمعهم عمليات مشتركة، لكنهما كانا على اتصال دائم بأحمد، فتتقاطع طرقاتهم من حين لآخر.
لم تكن قد حضرت زفاف سماح وأيهم، وهو على أية حال لم يكن سوى اجتماع عائلي بسيط خالي من علامات الفرح، انتقلت بعده سماح لتعيش مع زوجها .
فحزن العائلة على فقيدها لم يكن قد فتر... ولعله لن يفتر أبدا
بادر حسان في حرج:
لست أدري هل أبدأ بتهنئتك أم بتعزيتك.,, ثم اضاف بعد صمت قصير:
لكنني أود ان اقول,,, مهما كانت مصيبتك بفقد أهلك عظيمة، فغنيمتك بالإسلام أعظم.
فليس هناك ما هو أعظم من مصيبة الدين.
لذلك، فإنني أود ان اهنئك اليوم.
إن كنت فقدت أحبة، فقد عوضك الله بأحبة آخرين، ستجدينهم حولك في كل مكان، ولن يتخلوا عنك في وحدتك.
كوني على ثقة بأننا أهلك منذ اليوم!
رفعت رأسها في دهشة وارتباك.
هزتها كلماته بشدة، فتركت العبرات تسيل على وجنتيها دون مقاومة.
لأول مرة منذ أسابيع طويلة، بكت من الفرحة.
كانت بحاجة إلى تلك الكلمات القليلة لتعيد إليها القوة والعزيمة.
كان جهادها الفردي قد استهلك كل طاقتها ، حتى نفدت بطارياتها تماما ، وأوشكت على الاستسلام.
لكنها اليوم وهي تسمع عبارات التشجيع والتثبيت، تحس برغبة في الاستمرار...
ومن بين دموعها، رسمت على شفتيها ابتسامة ممتنة.
ابتسامة حقيقية، تعد بغدٍ أفضل.

غاص سالم في مقعده، وهو يلف معطفه القديم على جسده النحيل، وتناول مبسم الشيشه» ليستنشق سمومها في استمتاع ولذة.
سرحت نظراته إلى الشارع الغارق في الظلمة، وبدا كأنه يراقب المارة من خلف واجهة المقهى الزجاجية.
مد يده ليمسح البخار الذي نفثه للتو عن الزجاج، لتتضح الرؤية اكثر.
كان يفضل الجلسة على قارعة الطريق، لكن برودة الطقس في الخارج جعلته يفضل الاحتماء داخل الفناء.
فجأة هب من مكانه واقفا حين ميز الوجه الذي كان في انتظاره.
صرخ في النادل:
لا تلمس نارجيلتي، سأعود إليها بعد قليل!
ثم هرول ليتعقب خطوات الرجل الذي تجاوز المقهى بخطوات سريعة,
جاكوب... جاكوب!
توقف جاكوب حين سمع النداء باسمه، والتفت في استغراب.
لحق به سالم بسرعة وهو يلهث.
بادره جاكوب بصبر نافد وهو يتطلع إلى ساعته:
-ما الذي تريده في مثل هذا الوقت؟، يجب أن أعود إلى البيت سريعا!
ضحك سالم في حرج وهو يهتف:
ألم تكن أنت من تأخر في المعمل؟، انا في انتظارك منذ اكثر من ساعتين!
اشاح جاكوب بوجهه في تأفف وقال متعجلا:
ماذا هناك؟ أفصح، فالبرد شديد، ولم أعد أحتمل الوقوف هكذا...
تنحنح سالم في ارتباك وقال متلعثما :
في الحقيقة، أنا في مأزق. وفكرت بأن جاكوب هو الوحيد الذي قد يملك حلا لمشكلتي!
زوى جاكوب ما بين حاجبيه، وهو يهز رأسه يحثه على المواصلة.
أردف سالم موضحا:
تعلم أن لدي بنتين تعيشان مع سونيا في لبنان... وهما قد عاشتا طوال الوقت هناك، ولم أرهما منذ زمن طويل.
والآن، سونيا تريد إرسال الصغرى إلى تونس لبعض الوقت.
لست أدري ما الذي طرء حتى ترسلها إلي هكذا ، وأنا غير مستعد لاستقبالها !
حدجه جاكوب بنظرة ساخرة، كأنه يذكره بأحاديث الشوق التي طالما أعادها على مسامعه مستعطفا رؤية ابنتيه في صورة لا أكثر!
فسارع سالم يقول مستدركا:
- لا أقول إنني لا أشتاق إليها، فأنت تعلم مكانة البنتين عندي! لكن... كما تعلم... زوجتي لا ترحب كثيرا بقدومها!
فهي تعتبرها دخيلة علينا، بل هددت بطلب الطلاق إن أنا أتيت ببناتي من زوجتي السابقة للعيش معنا!
أحس جاكوب بألم في صدره.
تانيا فعلت نفس الشيء في السابق بخصوص ريما.
بنات سالم يهوديَّات كوالدتهن.
لا شك ان زوجته تخشى على أبنائها من تأثيرها هي الأخرى، لذلك تفضل إبعادها... كما ابعدت تانيا ريما.
ريما التي نفاها إلى لبنان فماتت بعيدا عنه.
انتبه على صوت سالم الذي تابع:
لذلك، فاءنني فكرت في استئجار غرفة لها...
تقيم فيها بعض الوقت حتى تتضح الأمور.
وأعلم أنك تمتلك بعض الشقق الصغيرة للإيجار.
لذلك فإنني اطمع في معاملة خاصة منك، ونحن أهل!
هز جاكوب رأسه في تفكير.
يعلم أن سالم يفكر في خداعه وعدم دفع الإيجار، فهو معروف بالمماطلة والتلاعب.
لكن خاطرا غريبا راوده.
ريما كانت قد أقامت عند زوجة سالم السابقة في أيامها الأخيرة.
كان قد التقى إحدى ابنتيها حين سافر ليسترجع حاجياتها.
يظنها الصغرى.
لم تكن تكبر ريما سوى بسنوات قليلة.
لا شك أنهما كانتا قريبتين من بعضهما البعض في تلك الفترة.
قد تكون تقاسمت معها ذكريات كثيرة، فالفتيات في مثل تلك السن يكثرن من الثرثرة.
وهي بدت متأثرة لرحيلها.
فجأة، أحس بالرغبة في لقائها والحديث إليها.
قد تكون لديها حكايات عن ريما
حين سافر إلى لبنان، شغله الحزن عن السؤال عن حياتها هناك.
كان الحزن قد أعماه عن كل شيء عداه حينها.
كان سالم يتفرس في وجهه في انتظار إجابته، وعلى وجهه ابتسامة متملقة.
حسنا, فلتأت للإقامة في بيتي، غرفة ريما لا تزال خالية...
ونحن أهل كما قلت
ثم ابتسم وهو يبتعد ملوحا، مخلفا سالم وراءه وقد تملكته الدهشة.
لا يدري كيف واتته الشجا عة حتى يتخذ مثل هذا القرار دون استشارة تانيا.
لكن رغبته في لقاء صديقة ريما كان كل ما يشغله في تلك اللحظة.

إنها في غرفة احمد الآن.
تبتسم في ارتياح وهي تطالع الشارع من نافذته.
تتأمل مشاهد الحياة اليومية، من نفس الزاوية التي كان يلمحها منها.
منذ سنتين خلتا
انها تبتسم. تصورت أن تجهش بالبكاء ما إن تطأ قدماها أرض الحجرة التي لم تدخلها أبدا من قبل.
لكنها للمرة الأولى لم تستشعر مرارة أو حزنا او ألما لذكراه, ارتياح عميق يملأ صدرها، يمسح الأدران التي علقت بثناياه بعد كل موجات الشقاء التي ضربت أركانه المتصدعة.
لعله الامتنان الذي طغى.
ممتنة له لأنه لم يرحل عنها إلا وقد سلمها كل المفاتيح.
المفاتيح التي أخذت تفتح بها الأبواب الواحد تلو الآخر.
بعد أن ذاقت حلاوة الإيمان، ولذة قراءة القرآن، فتحت باب الأخوة في الله الذي لم تحسب له حسابا في مخيلتها.
هاؤلاء الناس الذين تعدهم غرباء عنها، أحاطوها بكل أشكال الرعاية والاهتمام.
احمد لم يتخل عنها إلا ليترك من يحرسها في غيابه.
لذلك لم تبك وهي تدخل غرفته.
لم تبك وهي تقلب أوراقه القديمة ودفاتره التي علاها الغبار.
لم تبك وهي تمرر أصابعها على كل ما لمسته يداه في السابق.
لم تبك حتى وهي تنام على سريره وتتأمل السقف الذي عانقته عيناه في ليالي السهاد الطويلة
لم تبك طيلة الأيام السابقة التي قضتها في فضائه الخاص.
حاولت أن تستمد القوة من كل ذلك.
لا يمكنها ان تستسلم وتترك كل جهوده من أجلها تضيع
ستجعله يفخر بها حيثما كان.
هكذا قررت.
فيم سرحت؟
التفتت حين وصلها صوت سماح التي اقتربت وهي تحمل طبق الشاي.
طرقت الباب، لكنك لم تجيبي.
ما الذي أخذك عن هذا العالم؟
اخذت عنها ندى الطبق مبتسمة، وقالت مداعبة:
رويدك يا حامل... هات الطبق عنك قبل أن يرا ني ايهم، فيتهمنِّي بتحميل زوجته الأشغال الشاقة!
ضحكتا في مرح، قبل أن تضيف سماح وهي تمسح على بطنها:
ما زلت في الشهر الرابع، وما زلت في كامل لياقتي البدنية!
جلست ندى وسألتها في اهتمام:
-ولد أم بنت؟
هزت سماح كتفيها في لا مبالاة، وهي تأخذ رشفة من كأسها:
كل ما يرزقنا به الله طيب... ثم استطردت في حماس:
إن كانت بنتا فسأسميها ريما، قاطعتها ندى في احتجاج:
لن أسمح لك! ريما سيكون اسم ابنتي أنا!
مدت سماح لسانها ساخرة وقالت لتغيظها :
يجب أن تتزوجي أولا قبل أن تفكري في الأطفال!
أتزوج؟
غاص قلب ندى في صدرها، وأحست بوخزات مؤلمة.
لا تريد ان تفكر في الموضوع أصلا.
سامحك الله يا سماح.
ابتسمت في فتور وقالت مغيرة الموضوع:
-وماذا لو كان ولدا؟
انتبهت إلى محاولتها الفاشلة لتغيير مجرى الحديث حين أجابت سماح بابتسامة عريضة:
سيكون احمد الصغير .,. نسخة من خاله إن شاء الله!
تماسكت ندى وهي تتناول كأسها في محاولة يائسة للفرار مجددا:
هات الشاي قبل ان يبرد...
اخذت جرعة كبيرة من المشروب، كأنها تبتلع غصتها معه، ثم اضافت متضاحكة تداري المرارة التي عادت لتملأ حلقها:
ما سر الشاي الذي تصنعه خالتي سعاد ؟، إن له حلاوة غير عادية!
خيم الصمت عليهما للحظات، قبل ان تقول سماح في هدوء وتأن:
ندى، حبيبتي, أعلم أنك ترفضين موضوع الزواج، لكن عليك التفكير في وضعك الآن بروية وحكمة.
لا يمكنك انتظار أحمد إلى الأبد.
قاطعتها ندى بلهجة حازمة:
-أحمد على قيد الحياة!
سيعود يوما بالتأكيد!
اومأت سماح براسها موافقة، وهي تجاريها:
لا أحد يمكنه القطع بشأن وفاته. لكنا بحثنا عنه في كل مكان طوال السنتين الماضيتين.
أبي وأيهم وحسان وكل رفاقه لم يدخروا جهدا في البحث عنه!
في السجون والمستشفيات وسجلات الوفيات.
في كل مكان تطا له ايديهم. لكن دون جدوى! لا أثر له في أي مكان، ولا دليل قد يساعد على إيجاده!
لا يمكنك أن تقولي هذا يا سماح!
شدت سماح على ذراعها في إلحاح:
أحمد شقيقي الوحيد يا ندى، ولا تعلمين مقدار حبي له.
لا يمكنني أن أنساه يوما أو افقد الأمل بعودته...
قاطعتها ندى بصوت متهدج:
إذن كيف تطلبين مني أنا ذلك؟!
تنهدت سماح، ثم قالت بعد صمت قصير:
تعلمين كم يؤلمني أن أقول هذا فقد تمنيت كثيرا أن أراك عروسا لأخي...
لكن الأمر مختلف الآن يا ندى...
أنت الآن بحاجة إلى عائلة تحميك.
لا أقول إنك اثقلت علينا... حاشا وكلا!
بل أنت عزيزة علينا وواحدة منا.
لكن إن أرادت والدتك مطاردتك بألوان التنكيل والعذاب، فلا يمكننا منعها من الوصول إليك.
فهي تبقى والدتك والقانون في صفها، لذلك فأنت بحاجة إلى رجل يرعاك.
إلى وصي قانوني يمكنه حفظك والدفاع عنك.، وزواجك من رجل مسلم يبقى خير الحلول .
اطرقت ندى وهي لا تجرؤ على مجرد التفكير في اقتراح سماح.
لا يمكنها ان تفكر في رجل آخر غير أحمد!
لطالما تخيلت نفسها تستقبله حين عودته وتبشره بإسلامها.
تتخيل فرحته التي ستكون أكبر من فرحة اي كان بالخبر.
ماذا لو تزوجت غيره...
كيف ستستقبله حين عودته؟
كيف ستبرر نفاد صبرها وتسرعها بالزواج؟
لا يمكنها ذلك، رفعت رأسها بعد لحظات، وابتسمت مهونة:
' دعينا من هذا الموضوع الآن... هل ترين الخاطبين أفواجا أمام الباب!
تمهلت سماح للحظات، قبل ان تهمس في اذنها:
- حسان خطبك منا!
حدقت فيها ندى وعلامات الصدمة جلية على وجهها.
حسان!، كيف يجرؤ؟، كيف يخطب خطيبة أعز رفاقه وخير أصحابه؟، إنها خيانة!
هزت رأسها تنفض عن أذنيها ما سمعته للتو.
إنها تتوهم بالتأكيد.
لكن سماح استطردت في هدوء:
طوال الفترة الماضية عاملتك على أنك خطيبة اخي الغائب ووجدت من الطبيعي أن تنتظريه كما ننتظره.
لكنني كنت أفكر بأنانية.
لم أفكر فيما تعيشينه من عذاب طوال هذا الانتظار.
فنحن جميعا في هذا المنزل قد استأنفنا حياتنا !
أنا تزوجت وقريبا أرزق بطفل إن شاء الله.,.
أبي يواصل رحلاته التجارية من مكان إلى آخر، ويغتنم الفرصة ليبحث عن احمد بالمناسبة.
حتى أمي لم تغير نمط حياتها, تشغل نفسها بالتطريز والحياكة
لكنك الوحيدة التي توقفت حياتها وفقدت نسقها برحيل أحمد عنا !
قاطعتها ندى معترضة:
لكنني لا أتذمر من ذلك، هذا اختياري!
واصلت سماح بنفس اللهجة الهادئة:
لو كان أحمد قد سجن وحكم عليه بقضاء بضع سنين محبوسا، لكنت على الأقل اتخذت قرارك عن دراية، كنت خططت لحياتك وأنت تعلمين كم يلزمك من الانتظار.
لكن هذا الانتظار المفتوح ظالم لك يا ندى!
كم يمكنك التحمل وأنت دون عائل او كفيل؟، وماذا لولم يعد أحمد أبدا؟
حاولت ندى أن تعترض من جديد، لكن سماح هتفت بقوة:
هذا احتمال وارد، بل وارد جدا في ظل المعطيات الراهنة.
قد يكون استشهد في أرض المواجهة، أو فقدت جثته تحت أنقاض المباني المهدمة.
عليك أن تفكري في ذلك بواقعية!
أخذت نفسا عميقا لتستعيد هدوءها ثم أضافت:
-كلنا كنا أنانيين معك...
لكن حسان فكر فيما فيه مصلحتك.
فكر فيما أنت في حاجة إليه الآن.
لم يكن قد فكر في الزواج منذ عودته من الأسر، مع أن جل رفاقه قد تزوجوا واستقروا.
لكن حين رآك عندنا منذ أيام بدأ يفكر في الموضوع، والبارحة طلب أن يتحدث مع والدي في هذا الشأن.
لم يرد أن يتجاوزنا ويخطبك مباشرة, بل حرص على توضيح ما يفكر فيه أمامنا.
مثلك، دهشت في البداية واستنكرت.
لكن تيقنت بعد إمعان من أن حسان ليس أقل حبا لأحمد منا، وليس أقل حرصا على مصلحتك منا.
بل العكس هو الصحيح!
لبثت ندى تطالعها مبهورة، حتى خالتي سعاد وافقت؟،
احتضنتها سماح بحب وود وقالت وهي تربت ظهرها :
- حسان شاب ممتاز، من أعز إخوان أخي وزوجي...
فكري جيدا في الأمر ولا تتسرعي بالرفض...
ثم قامت لتتركها في حيرة وارتباك، لم تعرفهما من قبل.
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث والعشرون من رواية فى قلبى انثي عبرية بقلم خولة حمدى
تابع من هنا : جميع فصول رواية فى قلبى أنثى عبرية 
تابع من هنا: جميع فصول رواية حكاية بقلم إيمان الصياد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة