-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت - الفصل السابع والأربعون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية وصعيدية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع والأربعون من رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت

رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت - الفصل السابع والأربعون

اقرأ أيضا : حدوتة قبل النوم

رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت
رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت

 رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت - الفصل السابع والأربعون

تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة

دلف من الغرفة بحالة ثائرة، وقف مستندًا على درابزين الطابق العلوي يصرخ باسمها هاتفًا:
-قسمــــــت!
أحدث صوته صدى مقلق للمسامع، ثم بجسد ينتفض من شدة غضبه هبط الدرج بحثًا عنها، علها تمازحه أو ما شــابه، وقف السفرجي عند مقدمة الدرج ينتظره فقست نظرات منتصر عليه، سأله بعصبية:
-قسمت فين؟!
رد بعملية عليه رغم ارتباكه منه:
-أمرت الخدم يجهزوا شُنطها وسافرت يا بيه!
ذاب الأمل الأوحد بداخله في اعتقاده أن تكون هنا في مكان ما، عاود سؤاله بأنفاس متهدجة:
-سـ سافرت فين؟
نظر له بجهل وهو يهز رأسه، حيث أعربت هيئته أنه لا يعرف، احتدت نظرات منتصر أكثر ثم بتشتت تحرك هنا وهناك في البهو الفسيح ينادي بسأم:
-قسمت...... قسمت!!
خفّت لهثاته وجفت دموعه من تحركه الذي أخمد قوى جسده، وقف منتصر متكئًا على المقعد بحالة يرثى لها، ما جعل الابتئاس يسبح بداخله هو فشله في جعلها تحبه كما أحبها هو، أراد البكاء وأحس بالضعف والإنكسار، لكن ملأته رغبة أخرى وهو الثأر لكرامته ومعاقبتها على ذلك، شحذ قواه ثم انتوى الذهاب لقصر عمه، لربما لجأت لوالدها، لكنه استراب في ذلك فهي تخشاه وتفضل البُعد عنه، حين تحرك نحو الخارج توقف فجأة مضطربًا، قال مراد بسخرية وهو يخطو للداخل:
-أيه يا عمي، شوفت عفريت؟!
تسارعت أنفاس منتصر المشدودة، قال بجأشٍ مزيف:
-خير يا مراد، أول مرة تيجي تزورني؟!
ابتسم مراد في تهازُؤ، ردد:
-أزورك!
تقطّب منتصر من نبرته فاستطرد مراد كابحًا سخطه:
-من وقت ما وعيت على الدنيا دي وعارف بتكرهني قد أيه، عارف إنك ورا كل مصيبة بتحصلي، بس علشان عمي كنت باسكت وبطنش
ابتلع منتصر ريقه ولم يتفهم سبب قوله لذلك، تابع مراد بخيبة أمل:
-باقول يمكن مع الزمن يعقل ويفهم إني ابن أخوه، ينسى، لكن لأ، اللي فيك متغيّرش، كُرهك ليا بيزيد، عاوز تخلص مني زي بابا، وللأسف مش لواحدك!!
قال منتصر بوجه بدأ يبهت:
-أ.. أنا عملتلك أيه، وجبت التخاريف دي منين؟!
أراد مراد الضحك سُخرةً من سؤاله، صفق بكفيه بخفة ليمدح دهائة قائلاً:
-بس برافو عليك، بتعرف تمثل كويس!
نفذ تصبّر منتصر فليكفي ما هو فيه، هتف باكفهرار:
-أنا فيا اللي مكفيني ومش ناقص كلامك ده!
طريقته دفعت مراد لتعنيفه، هدر به باستهجان:
-اللعبة اللي عملتها علشان تاخد ورق البضاعة اتكشفت يا عمي، والمرة دي معايا دليل كلامي، اللي هخليك متسواش حاجة بيه
احتقن من طريقة غير المهذبة معه، هتف:
-إزاي تكلمني كده، أنا عمك، مش بلعب معاك!
لم يهتم مراد ورد عليه بصوت جهوري:
-لما تعمل كده في اللي من دمك تبقى فعلاً متسواش حاجة ولا حتى إحتــرام!
رفع يده ليصفعه لكن امسكها مراد وضغط عليها بنظرات مستشاطة، حدق به منتصر بعدائية شديدة، صاح بغضب:
-اللي إنت فيه ده من حقي، مش عيل زيك ياخد كل حاجة وكلمته تمشي عليا!
ثم سحب يده من قبضته متابعًا بضغينة:
-حقي منك هاخده يا مراد، لو هموت قصاد كده مش هيهمني!
انصدم مراد من اعترافاته التي لم يسمعها من قبل، يدرك مؤامراته ضده، لكن لم يخيل له أن يسمعها منه مباشرةً، رغم كل ذلك تمن مراد الصلح، ولم يكن البغض بتاتًا، وقف بشموخ أمامه وقبل تحديه له، قال بثقة أغاظته:
-كده اللعب بقى على المكشوف، عاوز أشوف يا عمي هتعمل أيه، لأن هرد عليك بطريقة هتندمك عُمرك كله على أفعالك.......!!
_________________________________

أشعلت الموقد ثم وضعت على الشعلة الطنجرة الفارغة، باشرت غزل بصنع الطعام بنفسها من بدايته، وضعت السمن أولاً ومكوناتها التي تعرفها وأبدعت وكأنها طاهية بارعة..
جلست السيدة هدى على الطاولة منتصف المطبخ برفقة شريف وحسام، ثم أخذوا في مشاهدة ما تفعله غزل بانجذاب، تساءل شريف بشغف:
-بتعرفي تطبخي يا غزل؟!
وهي تتابع عملها ردت عليه مبتسمة:
-إنت شايف أيه؟!
قال موضحًا جهوليته:
-أول مرة أشوفك بتطبخي، وكمان لما شكلك اتغيّر محدش يصدق تقفي في المطبخ!
ظلت تبتسم ثم بعدما أفرغت من الطبخة خاصتها وضعت الغطاء على الطنجرة وتركتها تستوي، التفتت لهم وقالت:
-باعمل كل حاجة، واشتغلت حاجات كتير صعبة، لو راجل هيتعب منها، بس كنت استحملت واتعودت
كلامها أثر في السيدة كثيرًا، حيث نظرت لها بتعطف، تابعت غزل ببسمة شبه حزينة:
-تعبت قوي، وأيام مكنتش بلاقي أكل، كنت باطلع زي الحرامية بليل نجيب فاكهة من الجناين أو خضار من الأراضي و...

استمرت غزل تسرد لهما ما كانت تفعله لتشد انتباههم، لسانها يحكي وعقلها يتذكر الفرحة التي كانت تمتلكها من أبسط الأشياء، عادت بفكرها الملهوف للوراء حين أكملت الثالثة عشر..

في إحدى الليالي تسللت لتسرق بعض الخضروات من أرض أحدهم وحصلت على مبتغاها، صياح صاحب الأرض حثها على المغادرة، رنّم صوت ضحكاتها في المكان وهي تركض هربًا منه، أوعز إليها يوسف الذي يركض معها قائلاً:
-غزل اسكتي، هيعرفوا مكانا!
اخفضت صوت ضحكاتها قليلاً، قالت بتهلل:
-مبسوطة جوي، خدني إمعاك تاني!
ابتسم لها وهو يركض، دنا ليأخذ ما معها ليحمله عنها ثم أمسك يدها، قال:
-طيب يلا بسرعة علشان محدش يشوفنا ويمسكونا
أسرعت معه في الركض وقد أحبت المغامرة، ابتعدا مسافة لا بأس بها ثم توقفت غزل تنهج، قالت بأنفاس متقطعة:
-تـ تعبت!
توقف هو الآخر معها ثم قال بلهث:
-ارتاحي شوية!
أخذت تلتقط أنفاسها وهو يتأملها بمحبة، بدأت أقدامها تؤلمها فقالت بتذمر:
-رجليا وجعتني، مجدراش أكمل، وحاسة عضمي مكسر
نظر يوسف للطريق ليلمح أي أحد يركض خلفهما، لم يجد فالتفت لها وقد قرر شيء ما، دنا منها ثم ولاها ظهره، قال:
-هاتي إيديكِ!
فورًا تفهمت أنه يريد حملها، تهللت داخليًا وأحبت ذلك، طوقت عنقه من الخلف ثم رفعها على ظهره، وبالطبع التفت قدماها حول خصره، سار بها ولم تخفي فرحتها حين ضحكت، لكن أدركت بعفويتها ربما تجهده، هتفت:
-تتعب إكده، شايل كل حاجة!
رد وكأن هذا الأمر المحي لقلبه:
-لو أطول أحطك في عنيا هاعملها!
مالت عليه ثم قبلت خده ممتنة لحبه لها، توتر يوسف ودق قلبه، ابتسم وهو يسألها:
-بتحبيني يا غزل؟!
احتجت على سؤاله الأبله قائلة:
-دا سؤال برضك، دا آني ليل ونهار أجول يوسف أغلى حاجة عندي، ومهحبش غيره!
ثم كشرت متضايقة منه، أحس بها وقال:
-خلاص متزعليش!
-زعلانة!
رفع حاجبه وقرر الترفيه عنها، أخذ نفسًا عميقًا ثم تهيأ للركض، شهقت غزل بعدم تصديق حين ركض وهو يحملها، صرخت:
-إكده هتوقعني!
لم يبالي بها، بل أمرها بجدية:
-امسكي فيا كويس.....

وجدت غزل نفسها تبتسم باتساع وهي تتذكر، استغربت السيدة فسألتها:
-افتكرتي أيه يا غزل؟!
انتبهت لها غزل ثم أخفت توترها، قالت:
-مافيش، أصلها كانت أيام حلوة رغم إني كنت محرومة من حاجات كتير!
ثم تنهدت لتعود لما كانت تفعله، توجهت لتتفحص طبختها وعقلها ما زال يختلس بعض الذكريات التي لا تنسى.
ولج مراد المطبخ عليهم فوجدهم هكذا، تقدم منهم فانتبهوا له ما عدا غزل، والتي تحدثت بتودد وهي تقلب الطعام:
-هتاكلوا حاجة مكلتوهاش قبل كده، كنت متعودة اعملها لأبويا
تلعثم لسانها بعد نطقها الكلمة الأخيرة، قالت مصححة:
-أقصد اللي رباني!
حدق بها مراد وسألها ساخرًا كونها كانت خادمته:
-ويا ترى أيه السبب علشان تطبخي بنفسك، حنيتي للماضي؟!
استدارت غزل بجسدها له متفاجئة من دخوله هنا، أخفت ضيقها من سؤاله الأحمق، قالت متصنعة الابتسام:
-كويس إنك جيت، بالمرة تجرب أكلي، بما إني مطبختلكش زمان، بس بعوضهالك أهو!
اغتاظ منها فقط تعمد استفزازها ولم يحدث، تدخلت السيدة قائلة بتلطف:
-اقعد يا مراد ناكل سوا، أصل غزل مبسوطة النهار ده وقررت تطبخلنا!
التفتت غزل لتقليب الطعام مجددًا، وبداخلها تتكهن رده، هل سيقبل أم لا؟، قال بضجر:
-ماليش نفس، هاطلع أنام شوية!
ثم تحرك للخارج فهو حقًا يضمر الكثير ونفسيته متعبة، انزعجت غزل ولم تعلن ذلك، تجاهلته قصدًا ثم قالت:
-خلونا ناكل إحنــــا............!!
________________________________

وقف متكئًا على عصاه منتصف البهو بجوار يزيد بعدما أمر بإحضار ماهر عنده، انتظره السيد رشدي متجهمًا التعابير، لم يتحمل ما يفعلوه مع مراد، وطفح الكيل.
هبط ماهر الدرج ومن خلفه سميحة، التي قتلها فضولها لمعرفة ما يريده والدها من زوجها، بينما وقفت هدير بالأعلى تتابع، سار ماهر ناحية عمه، خاطبه باحترام:
-عاوزني في أيه يا عمي؟!
بدون مبررات أو إعطاء أسباب، رد عليه بحزم:
-تلم كل حاجة ليك إنت ومراتك وتسيب القصر دلوقتي!
لم تصدق هدير أمر جدها ولم تتفهم سببه، بينما وقفت سُمية على مقربة منها متشفية، كون أن المكان ستكون هي الآمرة الناهية فيه، في حين حدقت سميحة به بصدمة، هتفت:
-أيه الكلام ده يا بابا، ليه كده، مش تفهمنا؟!
وجه حديثه الحانق لـ ماهر هادرًا:
-هو عارف عمل أيه مع أخوه!
ارتبك ماهر وبداخله تساءل، هل علم بشيء؟، نظرت له سميحة وسألته عابسة:
-عملت أيه يا ماهر؟!
التفت لها وقال متلجلجًا:
-معملتش حا....
-إخرص، ليك عين تكدب كمان!
صرخ به السيد وفقد السيطرة على عصبيته، تزعزعت أوصال ماهر فتابع السيد ببغض:
-لحد هنا وكفاية، طالما مش هتتغيروا يبقى تفارقونا، تبعدوا عننا علشان وسـ*** خلت المكان ريحته وحشة بكُرهكم اللي لسه في دمكم!
توالت على سميحة الصدمات وكذلك هدير، التي هبطت لتتفهم السبب بنفسها، فوالديها يهانوا أمامها، خاطبت سميحة والدها بجهل:
-حصل أيه يا بابا؟، ما إحنا مع حضرتك منقدرش نزعلك، إنت على راسنا كلنا!
رد عليها بحنق:
-اللي يزعل مراد كأنه زعلني بالظبط
استوقف هدير منتصف الدرج رد السيد، فورًا تفهمت الموضوع ثم تنهدت بضيق، أيضًا استشف ماهر علم بما فعله منتصر، تابع السيد أمره بتصميم قوي:
-يلا من غير صوت، خد مراتك وامشي...... لواحدكم!
تنبهت هدير لكلمته فقد نطقها السيد وهو ينظر لها، أكمل:
-هدير هتفضل هنا معايا، هي وأكرم!
ابتسم يزيد في نفسه فرحًا بقرار جده، لكن وقفت سُمية مستشاطة، ولن تستطع ردع السيد، نظرت سميحة مطولاً لـ ماهر تلومه، ابتلع ريقه وانحرج، سألت والدها بانكسار:
-هنروح فين يا بابا؟!
-في أي داهية، لو الشارع ميهمنيش!
حزنت هدير من سوء معاملة والديها أمامها، أكملت هبوط الدرج ثم توسلت لجدها قائلة:
-لو سمحت يا جدي بلاش تعامل بابا وماما كده!
رفض السيد تدخلها فأمرها بقساوة:
-على أوضتك فوق ملكيش دعوة!
ارتعبت هدير من انفعاله عليها لأول مرة، نظر لها يزيد كي تطيع جدهما خوفًا عليها، تلك النظرة زادت من احتراق قلب سُمية وغِيرتها، نفّذت هدير أمر جدها بهدوء حين صعدت لغرفتها، وجلت سميحة من القادم ثم توجهت للأعلى هي الأخرى لتجمع متعلقاتها، بينما وقف ماهر أمام السيد يبادله النظرات، قال:
-إنت السبب في كل اللي بيحصل دلوقت، لما خليت عيل مكملش عشر سنين تكتبله كل حاجة، تفرضه كبير علينا والكلمة كلمته، وإحنا ولا حاجة!
استنكر السيد أن يفعل ذلك، هو يدرك الدين جيدًا، قال:
-طماعين كلكم، اللي خدوا مراد تعبي أنا، عاوز حق خده من أبوك اللي ضيعه على النسوان، وبيضحك عليكوا ويقول أنا سرقته!
كل ذلك لم يُغير فكر ماهر، قال حانقًا:
-جيت مصر علشان تعمل فلوس، إنما خدعت أبويا يفضل في الصعيد متكتف، عايش وخلاص، وإحنا خدامين عيل نخلفه!
تعب السيد من تفكيرهم الأرعن، قال بنفاذ صبر:
-إنتوا حُرين تفهموا اللي على مزاجكم، بس على نياتكم ترزقون..............!!
_________________________________

ناولها قرص مسكن ليخفف من تعبها المباغت، ابتلعت قسمت القرص وقد بدا عليها خمول عجيب، قال أسعد بتعجب:
-حاسة بأيه يا قسمت، مرة واحدة تعبتي؟!
حقًا كانت باهتة منذ رأت هذه المرأة، وجعلها ذلك تتذكر حقارتها وقسوة قلبها، فقد مر عليها وقتها أفعال مشينة، بدأت بتحجر القلوب وانتهت بقطع الأعناق، تنهدت بوهن وقالت:
-أنا بطني بتوجعني من قبل ما آجي، أكيد السبب منها!
سألها بلهف:
-فيه ست شاطرة هنا، أجبها تكشف عليكِ؟!
زيفت أنها بخير فلا داع من كل ذلك، قالت:
-يمكن لو ارتاحت شوية هكون كويسة، ولو تعبت تاني هنجبها
ارادها بحالة جيدة، قال بألفة:
-ارتاحي يا قسمت، علشان نعمل سهرات حلوة زي زمان، وحشني الجو اللي بتعمليه لما بتعزمي اللي حوالينا!
قالت مبتسمة بود:
-أنا جاية علشان كده، باحس بالراحة لما أكون بعيدة عن الناس اللي اعرفهم، خصوصًا تحكمات بابا فيا!
قال موافقًا إياه الرأي:
-أنا كمان، اختارت أكون هنا علشان أعيش على مزاجي، أصل ماليش في الشغل ووجع القلب، متعودتش على كده
هتفت مازحة وهي تتجول بنظراتها على السراية:
-وصراحة إنت هنا مش حارم نفسك من حاجة، السراية تجنن
تابعت متذكرة تعسُّف والدها:
-بابا شديد قوي، مكنتش باحبه يتدخل في حياتي، وكنت أتمنى إنك تكون بابا مش هو، إنت اللي بتفهمني!
مسد على رأسها وقال بمحبة:
-وإنتِ بنتي يا قسمت، وباحبك علشان حبك الصادق ليـــا........!!
________________________________

انطلق كالثور الهائج لكن مفزوعًا حين وصله الخبر المؤلم هذا، وصل ضرغام لهذا المكان الصحراوي والذي يخلو من البشر في عضون دقائق قليلة، عند وصوله وجد تجمعات من الأمن وبعض المارة، جف حلقه ارتعابًا وهو يتقدم منهم، عند وصوله وجد جثة مسجية أرضًا ومغطاة الوجه بثياب أحدهم، انتبه للضابط يخاطبها بروتينية:
-سيادتك ضرعام؟!
اومأ له بتوهان فتابع الضابط بجدية:
-طيب اتفضل علشان نتأكد من الجثة
دق قلب ضرغام وأحد أفراد الأمن ينحني ليكشف عن وجهه، حينما أزال الغطاء عنه شهق بصوت مسموع مصدومًا، خاطبه الضابط بترقب:
-دا أحمد أخو مدام حضرتك!
زاغ ضرغام في هيئة هذا الفتى الذي ضاعت حياته هباء، والذي لم يكمل عقده الثاني بعد، سأل الضابط بابتئاس:
-حصله أييه؟!
-واخد جرعة بودرة زيادة، بس الغريب وجوده هنا لوحده، أكيد كان في مكان تاني ولما مات حد رماه في الصحرا علشان يتخلص منه!
رغم ما حدث وما فعله هذا الفتى أوجم قلبه وتألم من أجله، لم يعي المكر حتى وقع ضحية اطماع الآخرين وجفاء قلوبهم، وعي للضابط يقول:
-هنتحفظ على الجثة لما تنتهي التحقيقات ونشوف مين ورا اللي حصله
قبل الشروع في حل لغز مقتله كان ضرغام متيقنًا من وراء هذا، بالطبع منتصر، لربما أراد التخلص منه، قال متحسرًا عليه:
-حسبي الله ونعم الوكيل، لما يروح شاب كيف الورد إكده........!!
_________________________________

بقيت في هذا المكان محبوسة ومحرومة من الحرية، أودى بها تهورها لتصل إلى هنا، ظنت أنها امتلكت العالم لكنه دعسها ولم تتحمل قساوته المترسخة في قلوب البشر، في ظل نكبتها تلك عادت أمل تحقد على غزل، تناست ما بها واغتاظت منها، غمغمت بغل:
-بت الحرام اللي لجيناها طلع عنديها أهل، لا ومش أي أهل، وعايشة كيف الملكة!
تابعت بتحسر مؤسف:
-وآني اتحرمت من كل حاجة، ومش لاقية حد يسترني، بعت نفسي بالرخيص جوي!
انكبت على نفسها تلومها، جزعت أيضًا من إنهاء حياتها بطريقة غير محببة، خاصة وجود أخيها ما زال، هو الآن يبحث عنها، وحتمًا سينهي حياتها، ابتلعت ريقها متخوفة أن يفعلها..
اختلج جسدها فجأة وهي جالسة على الأرضية حين انتبهت لأحدهم يدخل الشقة، حدقت في باب الغرفة مترقبة ولوج القادم، ظنت غزل أبلغت يوسف عنها وجاء ليقتلها، امتقع وجهها وأجفلت عينيها، عند فتح الباب ارتجفت أكثر، ظهرت هوية غزل فحدقت الأخيرة بها برهبة، سألتها بشغف قاتل:
-جاية لواحدك؟!
تفهمت غزل سبب خوفها هذا، تقدمت منها قائلة:
-متخافيش أنا لوحدي!
هبط خوف أمل قليلاِ، سألتها بغلظة:
-جاية ليه؟!
حركت غزل رأسها بمعنى لا فائدة منها، قالت:
-عارفة إنك بتكرهيني وبتغيري مني، بس أعمل أيه، مضطرة اعمل بأصلي وأقف معاكي!
كانت نظرات أمل نحوها أغلبها نافرة، لم تبالي غزل فقد جاءت من أجلها، قالت بجدية:
-أنا جاية علشان أخليكِ ترجعي البلد تاني، خليكِ هناك بعيد عن يوسف، علشان هو بيدور عليكِ ولو عرف مكانك هيقتلك
هتف باستشاطة وهي تلومها:
-إنتِ اللي جولتي على مكاني، محدش غيرك شافني ويعرفني
تأففت غزل من بلاهة هذه الفتاة، قالت:
-العربية تحت هتوصلك المحطة، يلا قومي
اضطرت أمل لتفعل ذلك، نهضت من مكانها ثم قالت بتردد:
-عاوزة فلوس، اللي كان معايا خدته الست إياها، جلبتني بت المركوب!
قالت بمفهوم:
-هديكِ اللي يكفيكِ، ولو على يوسف هاعرف اتصرف معاه، وهخليه ميعرفش مكانك...........!!
_________________________________

عاد المجهول يتصل به حتى في مكتبه ليهدده، هذا يعني أن ذلك متعمد من أحدهم، جلس موسى بمكتبه يفكر، من يفعل ذلك معه؟، تحيره كان بالطبيعي، فأعدائه أكثر من عدد شعر رأسه، انغمس في تفكيره واستنبط أن هذا الشخص قريب منه، فهو يعرف ما ينتويه، يعرف خطوته التالية وأين هو الآن، سأل نفسه بحيرة:
-مين ده، دا عُمرها ما حصلت؟!
ولج يوسف المكتب ليقطع تفكيره فقط لا قلقه، نظر له موسى وباندفاع أخبره قائلاً:
-شوفت اللي حصل يا يوسف
جلس يوسف قبالته فتابع متوترًا:
-حد بيتصل بيا من امبارح، عارف عني كل حاجة، حتى أسرار شغلنا، خايف كمان يعرف هنسلم بضاعتنا إمتى!
زيف يوسف الدهشة المصاحبة للاستنكار، قال:
-مين ده، تلاقي حد بيهزر معاك!
اعترض موسى ونفى ذلك قائلاً:
-بيهددني، وطالب مني فلوس كمان
ثم رن التليفون مجددًا، سريعًا التقط موسى السماعة ليجيب، قال المتصل المطلوب فهتف موسى بامتعاض:
-إنت مين، لو راجل قول وأنا ادفنك مكانك
تابع يوسف الحديث بصدمة مرسومة ببراعة، بينما استرسل موسى الحديث مع المتصل ثم رفض طلبه هاتفًا:
-مش دافع حاجة، وقول للي باعتك مش موسى القاضي اللي حد يهدده
ثم أغلق السماعة في وجهه، تنفس بغضب وأحب يوسف رؤيته هكذا، مثّل التحير الشديد أمامه، قال:
-يا ترى مين؟!
نظر له موسى بعدم معرفة جلية، ثم سكت يوسف للحظات وقال بمكر دفين:
-طيب غيّر مواعيد التسليم وكل حاجة، ونشوف وقتها بيعرف منين المعلومات دي!
مدح موسى فكرته مرددًا:
-صح هو ده اللي هاعمله، وكمان محدش هيعرف بالتسليم غيرنا
لمعت عينا يوسف وهو يلمح خوفه، احتفظ في ظل تشفيه بالضيق مما حدث، أراح نفسه حين خاطبه بتودد مزيف:
-سيبلي الموضوع ده وأنا هاعرفلك مين وراه، بس أنا متأكد من حد كده!
ركز نظراته عليه وسأله:
-حد مين؟، قول!
قال يوسف بدون تفكير كأنه اختاره وانتهى الأمر:
-مـراد الخياط!
قطب بين حاجبيه غير مقتنع بتخمينه، قال:
-مراد، ما أظنش!
قال ليخلق الشك بداخله:
-علشان مش عاوزك تتجوز طليقته، لأنها بنت عمه وهو وإنت على خلاف من زمان!
طاش موسى بمخيلته لبعيد، ورغم أنه في قائمة كارهيه، أحس أن شخص آخر وراء كل ذلك، انزعج يوسف من صمته حين لم يعلن اقتناعه، صدمه موسى حين قال بارتياب:
-أنا بأقول جاســم...................!!
___________________________________

رتبت خطواتها حتى تنهي فيها الجدل وتحسم الأمر، وقفت غزل عند شاطئ النيل تنتظره في مكان هادئ إلى حدٍ ما، ستكون هذه المقابلة الأخيرة بينهما، فاستمرار ما يفعله سيفسد حياتها بالطبع، لذا اعتزمت مقابلته في مكانٍ مفتوح؛ كي لا يستغلها أو يعيد خطفه لهـا..
وهي تقف جامدة هكذا انتبهت لوقع أقدام من خلفها، دق قلبها وتيقنت حضوره، استدارت له فوجدته يقف أمامها، هتفت باستياء:
-عاوزة أعرف أخرة اللي بتعمله ده أيه؟!
رد ببرود أغاظها:
-أخرته هنتجوز وهتكوني ليا
هتفت رافضة باستشاطة:
-مش هيحصل، إفهم بقى أنا مش عاوزاك جوزي، بأحب مراد وبس، هو جوزي وكل حاجة، سيبني أعيش حياتي!
بهتت تعابيره من نفورها منه، قال:
-هتجوزك حتى لو مش عاوزاني، أنا بأحبك ومعنديش استعداد أوجع قلبي وأسيب حاجة عاوزها، كفاية اللي راحوا!
ظنت أنها ستؤثر عليه، لكن تماسكه بما ينتويه أهرق تفكيرها، هتفت باقتراح:
-هنبقى حلوين مع بعض، بس إخوات، إفهم يا يوسف، أنا عارفة عملت أيه علشاني، أنا كمان باحبك ومش عاوزة أخسرك
أخرج ما بداخله وهو يعلن مقدار عشقه لها قائلاً:
-اتربيتي على إيدي، شوفت الذُل علشان تاكلي وتشربي ومتحتاجيش حاجة، خوفت يوم أقصر معاكي أهلي يبعدوكي عني، كبرتي قدامي وكل يوم حُبي ليكِ بيزيد، اشتغلت ليل نهار علشان تتعلمي، وتبقي زي دلوقت، وجاية دلوقتي عاوزاني أبعد، وبتحبي واحد تاني، مستحيل!
وجدت غزل في نبرته عذاب وبؤس لا مثيل له، تجمعت الدموع في عينيها وقالت:
-وأنا باحبك، ومش ناسية فضلك عليا وحُبك ليا، بس أنا مقدرش يا يوسف، مقدرش!
التمع الحزن في عينه هو الآخر، ردد بتبرم:
-أنانية، واحدة غيرك كانت مصدقت حد يحبها كده، ولا علشان مبقتش قد المقام، نسيتي كلامك معايا، لو إنت مش أخويا كنت اتجوزتك، طيب أنا أهو مش أخوكي!!
وقفت غزل أمامه مقيدة من كل الأنحاء، لعقت شفتيها وتذكرت كم تمنت مثله زوجا لها، وجدت نفسها تقول بنزق:
-أنا باحبك ومش ناسية كل كلامي معاك، بس مراد مش هيسكت لو اتجوزتني، وأنا خايفة عليك، هموت لو حصلك حاجة!
قالها بصدق جعلها تندهش من كل هذا التتيم:
-عاوز أموت وأنا معاكِ، تعالي معايا يا غزل، أنا في المكان ده علشانك، مستني ترجعي معايا زي زمان
ابتسمت عفوية فهذه الحياة معه لم يعرف الحزن طريق لها، خاصة وهو يبعد عنها ما يزعجها، تهلل يوسف متيقنًا أنها تحننت للماضي، لامس صدغها بلطف فاغمضت عينيها متناسبة أين هي؟، تجرأ وضمها لصدره ولم تعترض، حتى زاد الحنين بينهما وضمته بحرارة شديدة، تعالت ضربات قلبه وود الطير بها لبعيد..

كل ما يحدث تحت عدسات كاميرا تصوير فوتوغرافية، حملها أحدهم بداخل سيارة ملاكي، وانتقى الأوضاع الحميمية بينهما ليخرج صورًا كما المطلوب، لم يكن المصوّر بمفرده بل أحضره جاسم الذي يراقبهما حين علم بحضورهما هنا، ابتسم بلؤم وقال:
-والله وانتهيتي يا غزل، يا ترى جوزك هيعمل أيه لما يشوف الصور دي...................!!
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السابع والأربعون من رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا: جميع فصول رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات عربية
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
اقرأ أيضا: رواية احببتها في انتقامي بقلم عليا حمدى
يمكنك تحميل تطبيق قصص وروايات عربية من متجر جوجل بلاي للإستمتاع بكل قصصنا
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة