-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت - الفصل الخمسون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية وصعيدية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخمسون من رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت

رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت - الفصل الخمسون

اقرأ أيضا : حدوتة قبل النوم

رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت
رواية أثواب حريرية - إلهام رفعت

 رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت - الفصل الخمسون

تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة

استغلت ركل هانم له في ساقه وانحنت لتمسك بهذه الحجارة الصلبة، فهي نجدتها الآن، رفعتها غزل مجتهدة في حملها ثم بتشدد ألقتها عليه، ارتطمت به فاختل توازنه وسقطت السكين من يده، أسرعت لتلتقف السكين وترفعها في مواجهته وتحذره من الإقتراب، اقشعر بدن الرجل فقد انقلبت الأمور وذهل من شجاعتها، صرخت غزل بتهديد:
-امشي من هنــا، هقتلك!
تراجع الرجل عدة خطوات خائفًا ومزعوجًا في ذات الوقت، فقد فشلت مهمته، تردد في الرحيل وقد رغب في إكمال مهمته، تقدم خطوة لربما تخاف منه لكنه وجدها شرسة وهي تمسك السكين، صاحت:
-إمشــي!!
سلم أمره ثم رمقها بضيق لاعنًا مجيئها لإفساد مهمته، فر راكضًا من المكان فتتبعته نظرات غزل المحتدة حتى ابتعد، التفتت ناظرة للأرض ناحية هانم فلم تجدها، شهقت بصدمة فأين هي؟!، بحثت بنظراتها حولها مدهوشة مع رحيلها هكذا، رددت بتحير:
-هانم روحتي فين، خلاص مشي متخافيش!
لم تجد أي رد عليها فتيقنت خوفها وهروبها، وبختها غزل بضيق:
-فعلاً هبلة، مش تستنى نمشي سوا، إفرض رجع تاني وأذاها....!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ركضت هانم كالهوجاوات هربًا، لأول مرة تنفزع هكذا، مرت سنوات جفت دموعها فيها من شدة حزنها، واليوم ذرفت العبرات وانهمرت على وجهها، رددت بشيء من الوعي:
-مش هموت... قبل ما ألاجي بتي!
أكملت ركضها حتى تقطعت أنفاسها وأرادت الراحة، لمحت سراية السيد أسعد، فتذكرت مكوثها لفترة في حظيرة المواشي، إلى أن زجرها الخفير وطردها من المكان، كانت تشعر بالأمان بداخلها، لذا لم تتوانى في التوجه نحوها وامتصاص الحماية منها..
تسللت بحذر نحو السور ثم تسلقته بسهولة لقصره، قفزت في الداخل ثم تحركت نحو الحظيرة متوترة، سكون المكان في هذا الوقت عاونها على عدم شعور أحد، ولجت الحظيرة وهي تمرر نظراتها على المواشي، تعمقت للداخل ثم في أحد الأركان المليئة بـ (القش) جلست، واتخذت المكان مسكنها ومخبئهــا........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سارت غزل نحو منزل والديها بقلبٍ مقبوض، وقفت متيبسة مكانها فجأة لتجد نفسها تبكي بوجع؛ على فراقهما وتشتت شملهم، تحسّرت وزاد نحيبها الحارق، متيقنة أنها السبب، ليتها ما جاءت لهذه الحياة، رفعت بصرها للسماء متساءلة، لماذا يا الله؟، تحركت مجددًا بتخاذل نحو المنزل وأحداث الماضي بحلوها ومرها تأتي في عقلها، كفكفت عبراتها ولعقت شفتيها، جاءت لتفتح الباب وفشلت، عاودت فتحه حتى أحدثت ضجيج مقلق لـ أمل بالداخل، والتي تيقظت من نومها مذعورة، وقت خلف الباب واستفهمت بخوف:
-إنت مين؟
انتبهت غزل لها، فلقد تناست أمر رجوعها، ردت سريعًا:
-أنا غزل يا أمل إفتحي!
اندهشت أمل من عودتها، سألتها بترقب:
-لواحدك ولا معاكِ حد؟!
-لواحدي!
فتحت لها أمل بتردد، حين رأتها أمامها بهيئة غير مرتبة ذُهلت، مرقت غزل على الفور فلا داعي لوقوفها في الخارج كثيرًا، قالت وهي تتدرج للداخل:
-اقفلي الباب بسرعة!
فعلت أمل ذلك، سارت خلفها متسائلة:
-أيه اللي جابك؟!
استدارت لها غزل، قالت متهكمة:
-يعني مش شايفة شكلي، عاوزة ارتاح وبعدين أسألتك دي!
ثم نظرت حولها ولم تجد شيء تجلس عليه، ردت أمل لاوية شفتيها:
-تعالي اجعدي على السرير جوه، مافيش غيره!
تحركت أمل نحو غرفة والديها وغزل من خلفها مشدوهة، عندما خطت العتبة بقدمها رجف قلبها، فالغرفة خاوية، وقفت أمل ضاممة ذراعيها حول صدرها، بينما جلست غزل على طرف التخت زائغة، رددت ببؤس:
-الله يرحمهم، مش مصدقة لحد دلوقت، الدنيا وحشة قوي
انعدم الإحساس في أمل التي ردت بعدم اهتمام:
-ارتاحوا من الفجر!
لم تعلق غزل عليها بل طلبت منها بإطراق حزين:
-هاتي حاجة نضيفة من عندك ألبسها، هدومي متوسخة!
تأففت في نفسها وهي تتجه نحو لفة ثيابها، قالت وهي تبحث عن شيء يليق بها:
-مجاسنا مش زي بعض، بس هشوف حاجة تليج بالهانم!
تيقنت غزل أنها لن تتغير، ستظل تحقد عليها وتبغضها، تنهدت متجاهلة ثرثرتها، ألقت أمل عليها ثوب من اللون الأبيض المزخرف، قالت:
-خدي!
انزعجت غزل من وقاحتها، وتمنت لو قتلها يوسف، هي تستحق أن تتأدب على ما فعلته، نهضت لتبدل ثيابها والأسئلة تدور في عقل أمل من حضورها هنا، سألتها بفضول:
-جولي بجى إنتِ هنا ليه؟!
ردت غزل عليها بتأفف لتخفف فضولها:
-كنت مخطوفة، الزفت جعفر كان خاطفني
صُدمت أمل فتحركت غزل للخارج قاصدة المرحاض استمعن لدقات عنيفة على الباب، ارتعبن وأخذت أمل تتشبث بذراعها، ابتلعت غزل ريقها متخوفة من عثور جعفر عليها؛ لكن سألتها أمل بتعنيف:
-تلاجيه يوسف، منك لله خلتيه يعرف مكاني!
استنكرت غزل ذلك ونظرت لها محتجة على اتهامها، انفتح الباب بغتةً عليهن بعد ركلة عنيفة صرخن بذعر مجنون على إثرهـــا وهن يتشبثن ببعضهن البعــض...............!!
________________________________

استلقت على تختها، وعلى رفعة الإضاءة الخافتة انغمست في بحر ذكرياتها الأليمة، والتي أوجدت بداخلها مآسي جافة، لم تستوعب لهذه اللحظة أنها تحمل في أحشائها ما جحدت حدوثه ولو في أحلامها المتأملة، رجفت يد قسمت وهي تضعها لتلامس بطنها وتستشعر أي حركة من هذا الجنين التي أخبرتها السيدة أنه تكوّن في رحمها، لاحت بسمة حالمة على محياها فكيف هذا؟، زال النوم من عينيها وظلت هكذا تتخيله، انبلجت مشاعر جديدة في قلبها، لم تتوقع أن يكون هناك ما تخشى عليه، حاوطت بطنها بذراعيها لتحميه، قالت باضطراب:
-محدش هيأذيه طول ما أنا عايشة!، دا ابني!
تخوفت قسمت من ضياعه كاخوته من قبل، رفضت ذلك فهذه المرة مختلفة، لم تتراجع عن تجبرها وأكملت:
-هغيظهم كلهم، مش هخليهم يقلوا مني تاني، أنا بخلف مش عقيمة!
ثم ضحكت بخفوت متهللة، ستصبح أمًا عن قريب، اخرجها من خمود نفسها صوت فتح باب الغرفة، ركزت حواسها عليه وإذ به عمها، استغربت حضوره في هذه الساعة المتأخرة، اعتدلت قليلاً حين تقدم منها مبتسمًا، خاطبها بمحبة:
-حسيت إنك صاحية، قولت آجي اتكلم معاكِ!
ابتسمت له بود فجلس بجانبها، تابع بعدم تصديق:
-معقول بعد العُمر ده كله تحبلي!
هي الأخرى استنكرت أن تنجب مجددًا، قالت:
-وأنا لحد دلوقت متفاجئة، أنا حامل!، كلمة بقالي سنين بحلم أقولها!
ربت بلطف على كتفها فتابعت بثقة:
-ربنا رحم بحالتي، حس إني مظلومة، وهخلص من معايرة الكل ليا
هتف بنبرة متعقلة:
-يبقى منتصر لازم يعرف، وكمان ترجعيله، خلاص يا قسمت بقى مكتوب عليكِ، وهيبقى أبو اللي في بطنك!
لم يأتي منتصر على ذهنها بتاتًا، قالت باستسلام:
-هرجعله، علشان بس ابننا!!
تابعت بتكليف:
-بس متقولوش دلوقتي، خليها لما أرجع!
امتثل لرغبتها وقال بألفة:
-مع إن هزعل لما تمشي بس كله علشان سعادتك يا قسمت.....!!
__________________________________

رؤيتها له أمامها جعلها تركض دون تفكير ناحيته، ركض هو الآخر ناحيتها حتى حاوطها بذراعيه ضاممًا إياها لصدره، استمدت غزل من دفء أحضانه راحة لا مثيل لها، رددت باشتياق:
-مـــراد!!
ظلوا هكذا متعانقين لفترة ليست بقليلة، مسد مراد على ظهرها ليبث الطمأنينة بداخلها، سألته بتيه ورأسها على كتفه:
-عرفت مكاني إزاي؟!
رد بثقة اعجبتها للغاية:
-مبقاش مراد لو مكنتش أعرف كل حاجة!
ابتعدت لتنظر إليه، لم تنتبه لنظرات من حولها وهي تخاطبه:
-وحشتيني قوي، كنت خايفة مشوفكش تاني!
طبع قبلة صغيرة على جبهتها، قال:
-حلفت ما أنام غير لما الاقيكِ، وحصل!
احتضنته ثانيةً فضمها مبتسمًا، انحرج ضرغام الواقف خلفه، قال بتردد:
-مش وجته يا مراد بيه، بينا نعاود الأول.
وعي مراد لخطورة الأمر، أبعدها قائلاً بجدية:
-يلا من هنا ونتكلم في الطريق، أنا جاي بعربيتي وهنوصل بسرعة..
ثم انتبه لفتاة تقف بالخلف باهتة الملامح وواجمة، حين رأته غزل ينظر لـ أمل التفتت لها، قالت:
-دي أمل، أختي اللي اتربيت معاها!
اكتفى مراد ببسمة صغيرة ترحيب بها، ولم يستشعر أحد كم الحقد بداخل أمل وهي ترى هذا الشاب الثري الوسيم يهتاف عليها هكذا، كان امتقاع وجهها نتيجة غِيرتها التي لم تنتقص، بل تتزايد كل يوم عن الآخر، حالمة أن تكون مكانها، ظنتها غزل ما زالت خائفة، خاطبتها بنبرة مريحة:
-دا مراد جوزي، متخافيش!
أمسك مراد بيدها قائلاً:
-يلا نمشي!
لوًحت لـ أمل بوداع ثم تحركت مع مراد نحو الخارج، تاركة أمل متصلبة مكانها، حزينة على ما هي عليه، رفضت ذاك الوضع الأليم وجحدت معطيات الله، تهدجت أنفاسها بحزنٍ سافر، قالت بعدم رضى:
-ليه مبجاش زيها، ليه يا رب تخليها إكده وآني له......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ركبت السيارة معه، أسندت رأسها على كتفه وضمت ذراعه لها وهو يقود، سألها مراد منتبهًا:
-غزل الراجل ده عملك حاجة؟!
هزت رأسها بـ لا، قالت:
-دا راجل طماع يا مراد، أنا خايفة على عزيزة معاه
رد متفهمًا:
-أنا سايب رجالة هنا، وهيخطفوها من عنده، بعد ما ينفذوا حاجة طلبتها منهم!
قبلت كتفه كونها كانت مصيبة في إختياره، تذكرت ما قاله جعفر عنه فقلقت، قالت:
-خلي بالك من نفسك، جعفر قالي إن أعمامك عاوزين يخلصوا منك!
التمعت عيناه بثقة عجيبة، رد ساخرًا:
-عمامي أصلاً بيتحاموا فيا، وعارفين إن اللي بيعملوه معايا أخره ولا حاجة!
تبهجت من رده ثم ضمت ذراعه أكثر بحب، انتبه مراد لكم العشق البادي عليها تجاهه، قارنه بالصور وهي بصحبة الأخير، سألها مترددًا:
-يا ترى بتحبيني أنا وبس ولا قلبك فيه حد تاني؟!
رفعت رأسها لتنظر إليه باندهاش، قالت مستنكرة:
-عندك شك، ليه بتسأل يا مراد؟!
حاذر في عدم الاندفاع الآن، قال:
-لما نرجع هنتكلم، أنا سايق والطريق طويل!
اومأت بتفهم ثم غصّت وهي تتذكر رحيل والدها، حدثته بكمد:
-صحيح بابا مات؟!
نظر لها مطولاً لا يريد إغمامها، رد مضطرًا:
-البقاء لله..................!!
_________________________________

انجلى النهار فأفاقت من نومها باكرًا، أو بالأحرى لم تنعم بنوم مريح، ارتدت هدير ملابسها ثم وقفت في شرفة غرفتها، كانت ملامحها شاجنة وكلام والدتها يتردد في أذنها، بأنها مجبرة على الزواج بهذا الحقير، خشية أن يتأذى جدها..
نفخت بسأم فلما هي من تعاني، وجدت نفسها في موضعٍ يصعب عليها أن تتحمله، اغمضت عينيها بألم، همست لنفسها:
-مش عاوزة اتجوزوه، كرهته!
كانت هيئتها تعرب أنها ليست بخير وتعاني من أمرٍ ما، هذا ما لاحظه يزيد وهو يتابعها من شرفة غرفته، لم يستطع أن يقف هكذا مكتوف الأيدي ويتركها، دلف لغرفته فورًا ومنها للخارج قاصدًا الذهاب عندهــا..

طرق الباب مرة واحدة وتجرأ ودخل، وجدها كما هي بالشرفة فتحرك بتردد نحوها، يعرف أن ما يفعله مستقبح ولكنه استغل صلة القرابة بينهما؛ كونه ابن عمها، ناداها بحرج:
-هديـر!
انتبهت مضطربة لصوته المألوف، استدارت بجسدها فوجدته عند باب الشرفة يقف، توترت من مجيئه لـ غرفتها، تنحنحت فصوتها مبحوح، ردت:
-خير يا يزيد، أول مرة تيجي أوضتي!
تقدم قليلاً منها، سألها بتلجلج:
-شفتك من البلكونة زعلانة، فجيت اطمن عليكِ، مالك يا هدير؟!
ابتسمت له فكم هو لطيفًا!، قالت بطلعة باهتة:
-زعلانة على حظي، أنا مافيش حد بيحبني يا يزيد!
ثم بكت فحزنها أجبرها على ذلك، وفشلت في التماسك أمامه، اغتم لرؤيتها هكذا ثم رفع يديه قليلاً وأراد ضمها والتهوين عليها، تراجع عن ذلك فلا يجوز، خاطبها بدماثة:
-كلنا بنحبك، إنتِ مش عارفة مكانتك في قلوبنا ولا أيه؟!
ردت محاولة الكف عن البكاء:
-أنا مش عاوزة اتجوز موسى.
تهللت قسمات يزيد، قال مادحًا إياها:
-برافو عليكِ، دا بني آدم كل شغله حرام
مسحت دموعها ثم نظرت له بقلة حيلة، قالت:
-بابا وماما مصممين اتجوزوه، ومش عارفة أعمل أيه؟
غلى الدم في عروق يزيد، هتف بجهامة:
-مش بالعافية، محدش هيغصبك، أنا وجدي هنقف معاكِ!
ردت هازة رأسها باستنكار:
-بابا وماما مش هيسمحوا بكده
تجرأ أكثر حين قرّب المسافة بينهما، وذاك ما أربكها، قال باندفاع:
-هدير باحبك من زمان وعاوز أتجوزك................!!
_________________________________

على المقعد بالشرفة جلست تحدق بالفراغ، كثرة التفكير تكاد أن تقضي عليها، تريد النسيان ولكن لا مفر، هذا الجنين في رحمها جعلها تتذكر عدد الأرواح التي أُزهقت بأمرٍ منها، ما جعل قلبها ينتفض هو تسليم الفتاة لهم لذبحها، ابتلعت قسمت ريقها في خوفٍ ورهبة واضحة، وخشيت أن يكون مصير صغيرها كمصير هذه الفتاة التي دفعها القدر لتقع في طريقها، ليلة خطفها لها شريط أسود يسرد مدى وقاحتها وتحجر قلبها، ورغمًا عنها رجعت للوراء تتذكر ما حدث تحت أعينها...

صرت أسنانها بقوة حين وجد هذا الرجل السقا وابنه الصغيرة، قبيل وصولها إليها أخذاها معهما، تريثت قسمت فعدم التهور وقالت:
-خليها معاهم، بالمرة هتبقى هنا وبعيد عن القاهرة
وجدتها فرصة ستخفف عن عاتقها تحمل تربية فتاة، وبالتأكيد ستراقبهما بأعين متربصة مترقبة..
تحركت من المكان خلف نادية لتراقب ما يحدث، على مقربة منها لاحظت وقوفها أمام والدها ويمسك بها رجلان، توارت خلف شجرة كبيرة وأخذت تتابع، لم يستمر وقوفها سوى ثوانٍ قليلة حتى قطع الأخير عنقها بلا رحمة، شهقت قسمت وقد تصلبت مكانها، عفويًا وضعت يدها على عنقها وابتلعت ريقها فالمشهد قاسٍ، فاقت على صوت جعفر يقول:
-في أي مجبرة ارموها فيها، ومعايزش واصل حد ياخد خبر، والبت اللي كانت معاها اجلبوا البلد لحد ما تعرفوا ودتها فين علشان تحصّلها
جاءت الفتاة على ذهنها فهي لا تريد موتها، اعتزمت قسمت البحث عن بديل آخر غيرها، تنفست بصعوبة ثم أسرعت بمغادرة المكان..

وهي في طريقها لسراية عمها استمعت لصوت طفل صغير يبكي، استوقفها الأمر وعادت خطتها الشيطانية تراودها، اقتربت من الصوت رويدًا رويدًا، لمحت الطفل موضوع على الأرض عند مقدمة أرض زراعية ومن حوله أغراض ما، دنت قسمت منه بحذر ثم توقفت فجأة مضطربة حين قالت الأم بحنوٍ:
-جيالك يا حبيبة أمك أهه!
لم تضيع قسمت هذه الفرصة من يدها فهي فتاة وذاك المطلوب، ثم انحنت لتحملها سريعًا، تعالى صوت بكائها فوضعت يدها على فمها لتكتم هذا الصراخ المفضوح، تحركت بها وهي تسير بسرعة هربًا من المكان قبل أن تأتي الأم، لحظات وخرجت الأم من بين الذرة المزروعة، صكت صدرها بصدمة حينما وجدت مكان صغيرتها فارغًا، ألقت الذرة من يدها وصرخت بهيستيرية:
-بنتي.... حنان!
تحركت هانم نحو المجرى المائي (الترعة) وأخذت تبحث، لربما تدحرجت، وبخت نفسها فهي صغيرة ما زالت، تابعت بعويلٍ مؤلم:
-يا حنـــان، إنتِ فين يا ضنايا!
ثم ركضت هنا وهناك تبحث وقل شُل عقلها، لتبدأ رحلة بحثها غير المجدي، والذي كلفها سنوات شقية نقيرة تخبطت فيها إلى ذهب عقلها.....!!
فاقت قسمت من ذكرياتها وجسدها يرتعش بقوة، متخيلة منظر الفتاة بعدما فصلوا رأسها عنها، تمتمت بتقطع:
-عـ عملتي.. كتير يا قسمت!
شحب وجهها وهي تضع يديها على بطنها، تابعت بعزيمة مريبة:
-لازم أحمي ابني من أي حد، مش هيحصله حاجة من اللي عملتها
ثم نظرت لبطنها متابعة حديثها للجنين كأنه يسمعها:
-متخافش يا حبيبي، أو حبيبتي، أنا قسمت أمكم، يعني مش هتخافوا وأنا معاكوا، محدش يقدر عليا!
طمانت نفسها بتلك الكلمات رغم توجسها، انتبهت لصوت ضجيج من شرفتها فنظرت للمارة، فوجدت عددًا من الفلاحين يسير حاملاً عصيان (شوم)، قطبت جبينها متعجبة إلى أين يذهبون؟!، تحيرت في أمرهم ثم أخذت تنادي للخفير، خاطبته بأمر:
-أجرى بسرعة شوف الناس دي رايحة فين؟!.............!!
__________________________________

وجودها زاد من الود بينهم، بالردهة جلسوا معها بعدما اغتسلت وبدلت ثيابها، خاطبتها السيدة بتحنن:
-كنتِ نامي يا غزل وريحي شوية، تلاقيكِ تعبانة!
ردت مبتسمة:
-نمت في العربية!
هتف مراد بضيق مزيف:
-أيوة هي نامت وأنا طول الطريق صاحي ومش قادر
قالت السيدة بفرحة:
-مبسوطة إنكم اتصالحتم، يا رب ما يجيب مشاكل!
ما تعرضت له جعلها تتناسى إذلاله لها، نظرت له غزل وقالت بجدية قوية:
-مراد لو رجعت اتكلمت تاني في نسبي مش هيحصل كويس، لأن مش هسمحلك، أنيس بابا وكل حاجة بتقول كده
نظر مراد للسيدة نظرة جعلتها تشك بأن هناك سر غامض مخفي عنها، سألتهما بعبوس:
-فيه أيه؟!
رد عليها مراد بظلمة:
-طيب لو قولتلك إنه مش أبوكِ يا غزل، هتعملي أيه؟!
توترت غزل أن تظهر هوية جديدة لها؛ أو تضحى لقيطة بلا نسب، قالت بتذبذب:
-لأ، أبويا، إنت عاوز مليش أهل علشان تفرض كلامك عليا وتذلني، واستغليت إنه مات علشان تلعب بيا براحتك
تعالى صوتها عليه فنهرها بغلظة:
-وطي صوتك، لسه ليا كلام تاني معاكِ مع اللي عملتيه مع اللي اسمه أخوكِ
جهلت ما يرمي إليه بخصوص يوسف، تابع مراد باحتدام:
-لو عايز أكسرك وأحطك تحت رجلي محدش هيمنعني، ومستحمل عمايلك علشان ماما وبس!
حدجته غزل بضيق فهو لن يتغيّر وعادت تتخوف من أفعاله نحوها، وجهت بصرها للسيدة لتتدخل، بالفعل قالت السيدة بعقلانية:
-مراد كلامه صح يا غزل، ولازم تسمعيه، أنيس مش أبوكِ ولا كان
جلست غزل مشدوهة بينهما، هتفت بعدم تصديق:
-وأيه دليلك، بابا نفسه لقى الحلق بتاعي مع أختي اللي اتربت معايا!، واللي لبسهولي وأنا صغيرة.
تنهدت السيدة تريد تهدئة ثورة انفعالها، قالت بجدية حملت الثقة:
-نعمة قبل ما تموت أكدتلي يا غزل، أنيس مش أبوكِ، وكانت كذبة عملتها هالة أختي عليه بسبب اللي عمله معاها!
أحس مراد أنها ليست بخير فرعشة جسدها مقلقة، سألها باهتمام:
-غزل إنتِ كويسة؟!
تاهت في الفراغ أمامها، تساقطت بعض العبرات وقالت:
-يعني أنا بقيت أيه يعني، طلعت مين ولا مليش أهل؟!
كان صوتها ثائر، نهضت غزل غير منتظرة إجابة من أحد، صاحت باهتياج مجنون:
-الكل بيلعب بيا، محدش عنده ضمير خلاص!
نهض مراد وكذلك السيدة، خاطبتها بعطف:
-لا يا حبيبتي أ.....
قاطعتها لا تريد سماع المزيد، هتف:
-بس بقى فيه أيه تاني حرام عليكم
ثم ركضت نحو الأعلى تبكي، خاطبت السيدة مراد بحزن:
-واقف ليه، اطلع اتكلم معاها وفهمها كل حاجة!!
أسرع مراد ليلحق بها، فجلست السيدة مكتربة مكانها، ولم تلاحظ الخادمة التي تجمع الأكواب وتتنصت على هذا الحديث الدارج بينهم، بعدما حملت الأكواب على الصينية تحركت ناحية المطبخ، وضعت الصينية على الطاولة بداخله ثم أمسكت بتليفون المطبخ لتهاتف سيدها وتخبره بما استمعت لـــه........!!
__________________________________

عند عتبة باب شقته وقف يتهامس معه، لاحظ يوسف أثناء حديثه مع الرجل بتجسس ياسمين، نظر لها من الخارج فتوترت ثم ولجت الغرفة محرجة، سأله يوسف بامتعاض:
-أيه اللي رجعهم تاني، مش قولتلهم إحنا مش في مصر أصلاً
رد جبس موضحًا:
-الراجل اللئيم ده كان سايب جواسيس في الحارة، وطلع مش سهل والناس قالوله عليك وإنك كنت متجوز الست نوال، وهو مش هيرتاح إلا إذا خد حفيده
قلق يوسف من تشدد هذا الرجل، خاطبه بانفعال:
-تلاقيه شك فيك وزمانه مشى وراك وعرف عنواني هنا
رد جبس باستنكار:
-لا يا ريس، دا أنا واخد احتياطاتي، وقبل ما آجي هنا باركب أكتر من أتوبيس!
اكفهر يوسف لا يريد أن يتركه خالد، أهله أحق به لكن تعلق به وأحبه، خاطبه باقتطاب:
-طيب روح إنت، واعرف أخباره وتعالى قولي
-أمرك يا ريس
ذهب جبس وبقى يوسف موضعه لبعض الوقت يفكر، تحير كثيرًا ثم ولج موصدًا الباب خلفه، سار ناحية (الصالون) ثم جلس على المقعد زائغًا، تحاوطه المشكلات من جميع النواحي، مسح وجهه بكفيه ليتناسى فعلى عاتقه أمور شتى، رتب ما ينتويه جيدًا ثم أمسك التليفون ليهاتف شخص ما..
حدثه بنبرة آمرة:
-الليلة تكلم منتصر الخياط، وتهدده بالورق اللي قولتلك عليه، لو سألك مين بيتكلم، قوله حد قريبك ومن دمك!، بس كده
امتثل له الرجل بفعله المطلوب، أخبره بعودة غزل قائلاً:
-الست غزل رجعت الصبح مع مراد بيه
تبدلت قسمات يوسف للغضب، قال:
-رجعت فين، عنده؟!
قصد مراد فأكد الرجل له، قال:
-أيوة معاه في القصر
اغتاظ يوسف وشرع في تبكيت الأخيرة، أخبره الرجل بسر الخادمة المفاجئ، تابع بمغزى:
-بس الخدامة بتاعتنا اللي هناك قالت إنها سمعتهم بيقولوا إن غزل مش بنت أنيس، وكانوا متأكدين
انتصب يوسف في جلسته متفاجئًا، هتف:
-متأكد من الكلام ده؟!
-أكدتلي يا يوسف بيه، سمعتهم والوضع في القصر كله مشاكل ومشحون على الآخر!
اتسعت بسمة يوسف السوداء، أسند ظهره على المقعد بثقة منتويًا لهذا المراد، أمره بحزم:
-الكلام ده تقوله لـ جاسم، لازم يعرف إن غزل مش بنت خاله، وإن مراد الخياط اللي لعب عليه علشان يكتب كل حاجة لـ غزل فهمت هتقول أيــه
أطاعه الرجل ثم أنهى يوسف معه الحديث، ابتسم بخبث والأمور بوجهها لـ مراد، ردد متشفيًا:
-قريب هخلص منك يا مراد.............!!
___________________________________

وقف عند الباب الداخلي لسرايته مصطربًا، ورغم حالة خوفه تلك كان يصيح بحزم في رجاله، هتف:
-اجفلوا البوابة ومتخلوش حد يعدي!
دفع الفلاحين البوابة بكل قوتهم والخفراء من خلفها يمنعون دخولهم، لكثرة عدد الفلاحين أُنهكت قوة الخفراء، تزعزعت أوصال جعفر ودُهش من هذا الإنقلاب ضده، ما سببه؟، ولج للداخل يتخبط، توجه للتليفون ثم شرع في الاتصال بـ أسعد، حين رد بعد فترة مقلقة، قال مستنجدًا:
-ابعتلي يا أسعد غفرك، الفلاحين اللي شاغلين في الأراضي بتاعتي جدام السراية عاوزين يدخلوا، ومعرفش عاوزين أيه!
هتف أسعد باندهاش:
-هما كانوا رايحين عندك؟!
-إنت شوفتهم؟، أيوة!
قال أسعد بامتثال:
-هبعتلك الغفر بتوعي كلهم، إزاي الفلاحين دول يتجرأوا على أسيادهم!
ثم أغلق معه الاتصال، التفت جعفر ناحية الباب مرة أخرى ليرى ما يحدث، انصدم وقوى الخفراء تتراجع حد أن البوابة ستفتح الآن، جحظ عينيه والفلاحين يمرون للداخل دفعة واحدة، أسرع الخفراء بالوقوف أمام جعفر لحمايته والذي اتخذ منهم ساترًا، صاح فيهم بحزم متزعزع:
-فيه أيه يا*** منك ليه، عاوزين أيه؟!
من بينهم ظهرت أم زينب ومع زوجها وأخيه، فقد حضروا مستغلين هذا الجمع المريب، رمقهم جعفر بنفورٍ جم، خاطبهم باحتقار:
-إنتوا يا خدامين اللي عاملين الهلمة دي كلياتها؟!
هتف أحد الفلاحين باكفهرار:
-عاوزين حجوجنا يا راجل يا كافر، بجالنا شهر بنشتغل عنديك ومخدناش حاجة، وباعت تقول محدش هياخد حاجة
وجد جعفر أن الأمر مفتعل للإيقاع بينه وبينهم، هتف معترضًا:
-محصولش، آني مجولتش إكده
لم يبالي أحد بما يقول فصاحوا بغضب:
-عاوزين فلوسنا دلوق!
تشفت أم زينب فيه ثم نظرت لزوجها بمغزى، جاءت الفرصة للمطالبة بحقوقهم هما الآخرين، معلنة أنها صاحبة حق، هتفت بصوتٍ عالّ:
-وكمان الناجص ده بيتجوز بناتنا الصغيرين، ولما يزهج منيهم يروح يجتلهم
احتدت نظرات الفلاحين نحوه فهم على علم ببذائته، جف حلق جعفر من فرط خوفه، هتف محذرًا:
-اللي هيجرب مني ها......
لم يكمل جملته حيث صوّبت عليه جميلة من الخلف طلقة نارية، اختل توازن جعفر وسقط أرضًا يتألم، نظر الخفراء لها بصدمة فرفعت السلاح في وجوههم، لم تستطع إطلاق طلقة أخرى فالسلاح صلب ويفوق طاقتها، أسرعت أم زينب ناحيتها لتأخذه منها، أطلقت الرصاص عليه بغلول حتى تلوى مكانه وانتفض لتخرج روحه، وهي تردد:
-مـــوت بجى!
افرغت الخزنة كاملةً عليه ثم ضحكت بخبل، لم يعي الفلاحين ما فعلته، لكن راحة سيطرة عليهم حين انتهى حاكمهم الظالم، لمع الطمع في أعينهم، وقسوة ما تعرضوا له دفعتهم للنيل منه، هرعوا جميعهم للداخل ثم استلبوا ما تطاله أيديهم، من تحف وفرش وغيره، والعجيب فعل الخفراء المثل..

وقف جاسم عند البوابة يتابع بصدمة ما حدث، تراجع للخلف نافضًا فكرة الدخول حتى والبحث عن الأخيرة، المكان غريب عليه ولم يعرف يتصرف، لكنه توجه لسيارته برفقة رجاله؛ كي يركبها ويرحل من هنا، لكن لحقت به أمل ووقفت عند نافذة السيارة، انحنت لتخاطبه بجدية:
-لو بتدور على غزل فهي رجعت مع جوزها
انتبه لها جاسم بأعين تتطاير منها الشر، تابعت أمل بتوسل:
-خدني مصر معاك يا بيه، عندي كلام كتير هجولك عليه وهينفعك
مرر نظراته عليها غير مقتنع بما تقوله؛ لكنه مضطرًا لذلك، رد عليها بموافقة:
-إركبــي.....................................................!!
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخمسون من رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا: جميع فصول رواية أثواب حريرية بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات عربية
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
اقرأ أيضا: رواية احببتها في انتقامي بقلم عليا حمدى
يمكنك تحميل تطبيق قصص وروايات عربية من متجر جوجل بلاي للإستمتاع بكل قصصنا
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة