-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والستون (الأخير)

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة رحاب إبراهيم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس والستون (الأخير) من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والستون (الأخير)

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والستون (الأخير)

**بالحي الشعبي**

أصوات حد السكين الذي يتطاير منه الشرر تحت آلة كهربائية للسن تبدو مزعجة لمارة الطريق وتعبأ الهواء بالأدخنة السامة....وأصوات مرح ولهو الأطفال بالطريق قريب للقلب وبه شيء غامض من الحنين ..

وقفت السيارة السوداء بالقرب من منزل عائلة حميدة والذي يقابله المنزل القديم الذي قطنوا به الفتيات الأربعة قبل زواجهن...

خرجت جميلة من السيارة بأقدام ثقيلة كأنها أصبحت عجوز بطرفة عين!

وقفت مستندة بيدها على باب السيارة وهي تنظر حولها بدموع نازفة....

هنا كانت تبتسم ، وتضحك ، وتغفو ، وتستيقظ بهناء البال....

وأحيانـًا ما يأتي مع الحب سوى الدموع والآلام..

قالت للسائق بصوت بالكاد خرج من ضيق الدموع المكبوته :-

_ ارجع أنت للقصر يا عم احمد ...ما تستنانيش

رمقها السائق بنظرة شفقة لعلمه بما حدثه بالمشفى وأطاع الأمر بهدوء وسرعة وغادر من الحارة الشعبية مع زحام الأطفال حول السيارة فرحين بها ....


تمنت بهذه اللحظة أن لا يراها أحد لأنها أبغض شيء تراه الآن هو الحديث....دلفت ببطء إلى المنزل القديم لعائلة حميدة وصعدت خطوة خطوة حتى سطوح المنزل....


بآخر الخطوات كانت تركت لدموعها العنان والحرية...لم تستطع لجم ثورة دموعها أكثر من ذلك..

فتحت باب الغرفة التي تركتها منذ أشهر قليلة لتجدها مثلما تركتها...اغلقت الباب جيدًا ثم اقتربت من الغرفة الداخلية الصغيرة وارتمت على الفراش باكية بجسد متعب ومتهالك....

**************

**بالمشفى**

انتهى جاسر من عقد القران بداخل غرفة "تقى" بعدما أتى بالمأذون الشرعي وشاهدين من الرجال ليُنهي هذا الأمر ويُستخرج عقد زواجهم ليتم الطلاق بعد ولادة الطفلة...

خرج المأذون والشاهدين من الغرفة لتسعل تقى بشدة وحكمت رباط رأسها الذي اعتادت عليه بعدما ارتدت الحجاب....غابت عين جاسر للبعيد بألم وحزن شديد فرمقته تقى بحسرة وقالت ببطء :-

_ أنا عارفة أنك بتحبها ومش هاين عليك زعلها...وعارفة أنك وافقت تكتب كتابك عليا عشان هي قالت كده ، مكنتش اتخيل يا جاسر أن في واحدة في الدنيا ممكن تعمل فيك كده...بس أنت محظوظ أكتر مني...

أنا مالقتش حد يحبني ولا يمدلي ايده وينقذني من اللي أنا فيه...أنت ممكن مراتك تسامحك في أي وقت ، لكن أنا مهما عملت وتوبت محدش هيقبل توبتي غير ربنا سبحانه وتعالى....لكن الناس ....محدش هينسى أنا كنت إيه !!

نظرت له ببكاء والم وتابعت :-

_ ربنا قال الزاني والزانية...هيحاسبهم زي بعض وهيحكم بالعدل ، لكن الناس مش بتبص غير للي زيي وبس ، بس يكفيني رضا ربنا وانه يتقبل توبتي برحمته...يمكن اللي أنا فيه رحمة مش واخدة بالي منها...


ابتلع جاسر ريقه بمرارة والتمعت عينيه بقوة ثم أجاب بصوت مخنوق :-

_ الناس مابتنساش أي حاجة يا تقى ، واللي بيتوب مش بيهمه الناس...كل همه رب الناس ، أنتِ شيفاني محظوظ !! غريبة !!

أنا في أسوأ لحظات حياتي ، وأوجعها ...عارفة ليه ؟

زمان كنت بعمل اللي بعمله ولما بتحصل مشكلة كنت بحس أني استحقها ، دلوقتي أنا توبت بجد....نفسي االي فات يسيبني في حالي ،حاولت ابعد كل حاجة ممكن تهدم حياتي لكن اللي كل ذنوبي اللي عملتها كأنها شيطان بيجري ورايا وحالف ما يسبنيش ، لو الزمن يرجعها بيا كنت بعدت من زمان ، مكنتش هسمح لنفسي ادخل المتاهة دي...

قالت تقى ببكاء :-

_ ده جحيم مش متاهة بس....صدقني محدش بيدخله ويخرج منه سليم ، ارجع لمراتك وصالحها ، شكلها بنت حلال وبتحبك ،هي بس موجوعة وانا مقدرة اللي هي فيه...

سخر جاسر بألم وقال :-

_ بتحبني ! من كتر حبها طالبة الطلاق !! لأول مرة ما ابقاش عايزة اتكلم معاها....رغم أني برضو عاذرها

اخذت تقى نفسا عميقا قبل ان تتحدث ببطء :-

_ هي مش زينا ياجاسر ، احنا استصغرنا الذنوب كتير ، لكن هي باين عليها انسانة محترمة وبنت ناس ومتربية ، مش سهل انك تفرض عليها وضع بالنسبالها كارثة ومصيبة كبيرة هي مالهاش ذنب فيها....روحلها وصالحها..


صمت جاسر لبعض الوقت ثم استدار وخرج من الغرفة مغادرا مبنى المستشفى.....

**********

**بقصر الزيان**

رفعت للي هاتفها بعدما اعلن اتصال من رقم زوجها وأجابت سريعا :-

_ ايوة يا وجيه ....السواق رجع القصر وقالي اللي حصل في المستشفى وجميلة راحت الحارة ....أنا خايفة أوي

ظهر القلق بعين للي جليا فتطلع بها الفتيات بحزن وخوف منبعث من أعينهن....أجاب وجيه بعجالة :-

_ طب أنا جاي في الطريق يا للي ، جاسر حسابه كبير أوي معايا....

صمتت للي بقلق حتى انتهى الاتصال بعد قليل.....

قالت حميدة بدموع :- أنا لازم اروح لجميلة ، أنا عارفة انها دلوقتي زمانها مموته نفسها من العياط ،ماينفعش اسيبها لوحدها...

وافقها الفتيات لتقل للي بتوتر :-

_ أنا كان لازم أقول لوجيه اللي حصل لأن دي كارثة ولازم يعرفها ، ماينفعش نتحرك من القصر غير لما وجيه واجوازكم يرجعوا....ربنا يستر...

قالت سما بعصبية وغضب :-

_ جميلة عمرها ما عرفت واحد غير جاسر ، عمرها حتى ما حبت حد قبله ، مش بسهولة حتتقبل اللي بيحصل ده !!

رضوى بزفرة حارة وضيق :-

_ بس هو برضو تاب !! ده كله حصل قبل ما يعرفها !! وهي سامحته ووافقت تتجوزه ليه بقى جاية تحاسبه دلوقتي !

نظرت لها للي بضيق وقالت :-

_ لا يارضوى....جميلة لما وافقت في حاجة جواها مش راضية عن قرارها...كان المفروض تاخد وقت تفكر وتقرر ، لكن الوقت كان ضيق للأسف وكان لازم تحسم قرارها في أسرع وقت...وافقت تحت ضغوط كتير وأولهم ضغط نفسها عليها لأنها حبته بجد رغم كل عيوبه...

واحدة بشخصية جميلة الجادة دي صعب تمشي في طريق مش مقتنعة بيه ، ولو حصل هتفضل دايمًا خايفة وعايزة تبعد عشان تطمن لنفسها من تاني....


وافقتها حميدة وهي تزيل دموع عينيها بأصبعها :-

_ هي حبته واتحملت شيء ضد مبادئها عشانه ، بس ما قدرتش تكمل مواجهة اخطاء جاسر اللي ما بتنتهيش !! أنا خايفة لتعند وتصر على الطلاق ....دي تعتبر لسه عروسة !

قالت للي بقوة :-

_ القرار قرارها يا حميدة....بصراحة أنا مش عارفة حتى لو اتكلمت معاها هقولها ايه لأن اللي هي فيه صعب جدًا ومش أي يتحمله ، وبصراحة اكتر أنا لو مكانها مش هقدر اتحمل خصوصا لو بحب جوزي كمان ، الموضوع ده محتاج طاقة تحمل عالية أوي...

سما بعصبية :- والاكتر من كده وجود طفل هيفضل قصاد عنيها العمر كله انتوا متخيلين المصيبة !! دي لو حاولت تنسى مش هتعرف !

قالت رضوى بضيق :-

_ ولو رجعت وربت الطفل ده هتكسب فيه ثواب....كل اللي يهمني أن جاسر ما غلطش الغلطة دي بعد ما اتجوزها....كل ده من اللي فات...

*****************

انتبهت جميلة في شد بكائها إلى صوت طرق على باب الغرفة ، اعتدلت بالفراش وابتلعت ريقها وهي تمسح عينيها سريعا.....نهضت وتوجهت للباب لتفتحه حنة وجدت "الأسطى سمعه " أمامها.....

تطلع بها الرجل لدقيقة وقال بتعجب :-

_ عيال الشارع قالولي أنك جيتي .....جاية غضبانة !!

انزلقت دموع عينيها من جديد وقالت بحزن :-

_ اكتر من كده...أنا طالبة الطلاق

حملق الرجل بها في ذهول للحظات ثم قال مشيرا لمقعدين بخارج الغرفة في الهواء الطلق وقال :-

_ بطلي عياط عشان تقدري تحكيلي اللي حصل ، أنتِ بالذات مش هتقولي كده غير لحاجة كبيرة....تعالي يابنتي...

اتجه الرجل للمقاعد وتبعته وهي تكتم دموعها حتى جلسوا متقابلين على مقاعد بلاستيكية بيضاء قديمة....ليقل الرجل بمحاولة أن يجعلها تهدأ :-

_ كل شيء وليه حل بأذن الله....قوليلي حصل ايه يمكن أقدر افيدك....بس احكيلي كل حاجة بأمانة وصدق متخبيش شيء ....

هزت جميلة رأسها بالايجاب والموافقة وبدأت تروي له كل شيء منذ البداية حتى هذه اللحظة.......


صمت الرجل تمامـًا وهي تتحدث ببكاء وألم واضح بعينيها ثم قال بعدما انتهت من الحديث وبدأت البكاء بقوة :-

_ أنتِ وافقتي عليه رغم أن كل حاجة فيه أنتِ رفضاها ، يمكن أنا صحيح قولتلك فكري وكلام الناس وكده لكن ماتنكريش أنك لو رفضتي واصريتي على الرفض مكنتش همنعك !! اتحملتي فوق طاقتك عشان بتحبيه وده غلط....


قالت جميلة بكل صدق وهي تبكِ :-

_ مش هنكر يا عم سمعة أني كان ممكن اوقف الجوازة دي من البداية ،ومش هنكر أني خدت كلامك حجة عشان ابرر لنفسي الموافقة ، بس حتى لما وافقت من جوايا مكنتش مقتنعة باللي بعمله ، دايمًا كنت ببعض الاحتمال واللي ممكن يحصل عشان فعلا حبيته ، ضعفت ودي أول مرة اضعف بالشكل ده قدام نفسي واختار غلط ...

قال الاسطى سمعة بعبوس ملامحه :-

_ بس هو تاب يابنتي ، اللي بيشوفه دلوقتي توابع ذنوبه ونتيجتها...

قالت جميلة بألم :-

_ عارفة....بس انا كنت عارفة من البداية أني مش هقدر اتحمل نتيجة اخطائه كلها ومع ذلك كملت !! أنا ندمانة أوي ، مكسورة أوي من جوايا وحاسة أني اضعف انسانة على وش الأرض....يمكن جاسر تاب ....بس ذنوبه لسه بتجري وراها وبتعاقبه ، وافقت ليه وانا عارفة أني مش هقدر اتحمل !!

الاسطى سمعة في يأس :- ايه المطلوب مني دلوقتي ؟...اللي أنتِ عايزاه هعمله...

ظهر الألم بشدة بعينيها وقالت وهي تبك :-

_ كفاية أوي كده يا عمي سمعه ، نصيبنا وقف لحد هنا مع بعض ، كل واحد يروح لحاله احسنله واحسنلي...وجع ساعة ولا كل ساعة ، هزعل يوم ،يومين ،شهر حتى ،بس هقدر اقف على رجلي تاني ، لكن لو رجعتله هموت في اللحظة الف مرة وأنا شايفة نتيجة اللي عمله قدامي كل لحظة....

الرجل بضيق :- ده أنتِ لسه عروسة ٣شهور ونص...و

قاطعته جميلة بعصبية ودموع :- مش هبص لكلام الناس تاني ! كفاية بقى !! فضلت اقول كلام الناس وهيقولوا لحد ما وصلت للي وصلتله....مش هبص بعد كده غير للقرار اللي يريحني وبس...

قال الرجل بدقة على كل كلمة يتفوه بها :-

_ والطلاق اللي هيريحك ؟

هربت نظرتها بكسرة وقالت بألم :-

_ افضل الحلول بالنسبالي.....حتى لو هيوجعني


نهض الرجل قائلا :- أنا هروح لعمه دلوقتي ، هروح القصر بتاعهم واستناه ، هتكلم معاه وابلغه قرارك...

**********


بقصر الزيان .....

دخل وجيه من مدخل القصر في خطوات واسعة وتبدو ملامحه على أشدها من العصبية ، كان جاسر للتو اتى وصعد عدة خطوات للأعلى حتى نظر له وجيه وهدر صوته بقوة قائلا :-

_ جاسر....تعالى ورايا المكتب


نظرت للي للفتيات وهما جالسين على مقاعدهن بنظرات حادة لجاسر وبينما قال وجيه ذلك نهضت وهرعت له سريعا تدقق النظر له في قلق :-

_ اهدأ يا وجيه ارجوك....لازم تمسك أعصابك وانت بتتكلم معاه أنت مش شايف شكله عامل أزاي !!

زفر وجيه بغضب وقال :-

_ سكتله كتير ، ونصحته اكتر ، مقصرتش في وقوفي جانبه عشان يطلع بالاستهتار والضياع ده !! أنتِ متخيلة أن في طفل هيكون موجود في العيلة ابن حرام ! دي فضيحة !!

نظر وجيه لجاسر الذي يقف على درجات السلم مواليا ظهره في صمت ثم توجه لمكتبه قائلا لزوجته :-

_ متخليش اي يدخل علينا


ولج لمكتبه في عصبية ووقف بنصف الغرفة حتى دلف جاسر بخطوات بطيئة واغلق باب المكتب خلفه في ترقب.....استدار ليواجه عمه حتى صفعه وجيه على وجهه بقوة وعنف قائلا :-

_ ما تخيلتش أن ممكن توصل مصايبك للدرجة الحقيرة دي !! أنت زي ابوك مافيش اختلاف ، كنت دايما بتجيب الذنب عليه وتقول عشان هو كان بيعمل كده مع أن ده مش مبرر!!

وضع جاسر يده على موضع الصفعة بصمت تام وكأنه توقعها مسبقا....ليستطرد وجيه بغضب :-

_ دمرت حياتك بإيدك ، تقدر تقولي أي مبرر هتقوله المرادي وهتدافع عن نفسك بإيه ؟! البنت اللي اتجوزتها مش هتعرف تعوضها وضيعتها للأسف .... المرادي أنا مش هقدر أقف جانبك..

نظر جاسر لعمه بنظرة منكسرة وقال بصوت يحمل الكثير من الألم :-

_ لأول مرة هعترف قدامك أني مكنتش بغلط بس عشان شوفت أبويا بيعمل كده....هعترف أن كتن جوابا حافز أني اجرب لحد ما غرقت في المستنقع ده...وهعترف برضو أني حاولت اطلع منه حتى قبل ما اقابل جميلة....معرفتش..

كرهت نفسي ، مابقتش قابل اسمع أي نصيحة تسمعني اد ايه انا قذر ! حطيت مبرر لكل اللي بعمله ولومت أبويا مع انه مش لوحده اللي وصلني لكده....كان ممكن اكون احسن من كده بكتير....بس أنا توبت ،توبت وندمت على كل حاجة بمنتهى الصدق....بس محدش مصدق توبتي منكم !!

بس ربنا وحده اللي عالم ،وهو اللي قادر يخرجني من اللي انا فيه...شكرًا يا عمي على القلم اللي حقيقي استحقه...

استدار جاسر مغادرا المكتب....تنهد وجيه بألم ولأنه لأول مرة يرفع يده على أحد صغاره....


جلس أمام مكتبه بنظرة شاردة محاولًا ترتيب افكاره لحل تلك الأزمة حتى أتت للي مسرعة واشتد القلق على ملامحها قائلة :-

_ والد حميدة برا وعايز يقابلك ، اكيد عرف

اغمض وجيه عينيه بضيق شديد فلم يسعفه الوقت للتفكير بروية ولكن قال :- دخليه يا للي ، وخلي عم نعيم يعملنا أي حاجة نشربها ...

نفذت للي الأمر حتى دخل "الأسطى سمعه " للمكتب واستقبله وجيه بترحيب وحسن ضيافة حتى جلس امامه على مقعدين متقابلين بجانب المكتب ...

بدأ الرجل بالحديث قائلا :-

_ يمكن عندك فكرة باللي حصل وتقصر عليا المسافات في الشرح

هز وجيه رأسه بالايجاب وقال بصدق :- عرفت

قال الرجل دون مقدمات :-

_ وهي طالبة الطلاق ، ده قرارها....وحقها

تنفس وجيه بضيق وقال بجدية مخفيا عصبيته:-

_ اظن قرار زي ده لازم تفكر فيه كويس قبل ما تطلبه ، ماينفعش تقرر في لحظة غضب !!

قال الرجل بحزن :- انا ضغطت عليها كتير بسبب الجوازة دي ،وبصراحة حاسس بالذنب ،يمكن ما قولتلهاش كده لكن مش عايز اضغط عليها تاني وهعمل اللي تطلبه.

قال وجيه بثبات :-

_ بص يا اسطى سمعه ، احنا الكبار ودورنا اننا ننصحهم ونفهمهم ، ما نبهمش لقرارات ممكن يندموا عليها بعدين....جاسر ما خنهاش ، ده كله حصل قبل ما يعرفها اصلا ، اما عرفها بس كويس وبعد عن كل حاجة ،اظن دي حاجة تشفعله عندك.....كل اللي بطلبه منك تسيبلي الموضوع ده وأن شاء الله خير....

أجاب الرجل :- اللي تشوفه....أنا واثق في عقلك وتفكيرك وأنك مش هتظلمها ....

اكد وجيه قائلا :- ربنا يبعدنا عن الظلم يا راجل يا طيب....دوري هيقتصر بس أني هتكلم معاها واوجههم ببعض ، بعد كده أي قرار هتاخده هي هنفذه على طول من غير كلام...نسيبها يومين تريح أعصابها في هدوء

تساءل الاسطى سمعه :- وبعد اليومين ؟

أجاب وجيه بهدوء :- بعد اليومين هعمل زي ما قولتلك....هواجههم ببعض واتكلم معاهم....بعدها القرار ليهم


بعدما عاد الاسطى سمعة للحي الشعبي توجه إلى غرفة السطوح وأخبر جميلة بما حدث بمقابلته مع وجيه الزيان.....قالت جميلة بعصبية :-

_ قراري مش هيتغير لا بعد يومين ولا اكتر !!


أجابها الرحل بتريث :- دي الأصول وما يتزعلش منها ، وبصراحة الراجل اتكلم عنك وكأنك بنته ، اهدي واستخيري ربنا ولو عايزة اكتر من يومين مافيش مشكلة....بس أنا عارف انك مش هتستحملي اكتر من يومين وأنتِ عصبية كده !

قالت جميلة بسخرية مريرة :-

_ عمي وجيه عارف أن طول المدة زي قصرها مش هيغير من قراري حاجة ، ياريت جاسر طلع زيه !

اتى سقراط فجأة واقترب مبتسما اليهما :-

_ ازيك يا ولية عاملة ايه ؟ هتولدي امتى ؟

نظرت له جميلة بدهشة ليقل مصححاً :-

_ ما أنتِ اكيد جاية تقوليلنا انك حامل وكده وتفرحينا...كل الافلام بتقول كده !! ماتجبيش عيال شبهك ولا شبه تايسون جوزك...هاتيهم شبه للي...

زفرت جميلة بحنق ولم يكن وقته الآن فهتف والده به قائلا :-

_ لم لسانك يا سقراط مش وقتك !!

قالت جميلة بمرارة :-

_ ولا هيبقوا شبهي ولا حتى شبه للي...

قال سقراط بضحكة :- اومال شبهي !! ما تحلميش أنا من الفلزات

ادمعت جميلة فتعجب سقراط من الأمر وسأل والده عن سبب دموعها حتى اخبره الاسطى سمعه الحقيقة.....اتسعت عين سقراط مرددا في خفوت :- يابن ال......يا جاسر !


ثم هتف بجميلة قائلا :- طلاق ايه يا خيبة أنتِ ، الناس هتاكل وشنا بعيش الفرن المحروق ! بقى في ولية لسه متجوزة مابقالهاش اربع شهور تقول طلاق !! اقول لعيال الحارة ايه !!

صرخت جميلة في وجهه بعصبية ثم دخلت لغرفتها باكية....توجس سقراط من نظرة والده الغاضبه منه فقال بقلق :-

_ والله كنت بحاول اضحكها بس....

أشار له والده بأمر :- يلا قدامي يا غتت عشان تجيبلها أي حاجة تاكلها

غادروا بعد ذلك....


***********

بعد مرور اليومين .....

كان الوقت تخطى ساعات الظهيرة حتى انتبهت جميلة لطرق على باب غرفة السطوح....تأكدت من حجابها سريعا وقد كانت ترتدي أحدى ملابسها القديمة التي تركتهم بالغرفة دون الحاجة اليها....وكانت عباءة بيتيه نظيفة من اللون الأصفر الهادئ منقوشة برقة بزهور زرقاء صغيرة....وحجاب ازرق قطني طويل....

تسارعت دقات قلبها مع ضيقها بعينيها المنتفخة من البكاء والواضحة للعيان من أول رمقة....فتحت الباب بيد ترتجف من ترقب رؤيته ربما....صدق حدسها وكان جاسر يقف خلف عمه ومعهم الاسطى سمعه....قال الاسطى سمعه :-

_ اتفضلوا ادخلوا ...

صوب جاسر نظره على عينيها في عتاب عميق وحزن كبير يغلف نظراته حتى انسحبت نظرة جميلة لجهة اخرى وسمحت لهم بالدخول وتظاهرت بالقوة والثبات أمامهم وداخلها لا سبيلا حتى لتقف دقيقة ....

قال الاسطى سمعه مستأذنا :-

_ طب هروح اخلي الحجة أمي تحضر غدوة كده سريعة وتبعتلكم حاجة تشربوها....ربنا ييسر الأمور أن شاء الله...بعد اذنكم

انصرف الرجل كي لا يجعلها وجوده تشعر بالحرج وقد شعر بعينيها بذلك.....

جلس وجيه على آريكة قديمة وظل جاسر واقفا بجانبه يتطلع بوجهها في ثباتٍ وصمتٍ تام كأنه يحسب عدد طرفات عينيها دون كلل !!

نظر وجيه لهما في لحظات صمت ونظرات عاتبة من جاسر ونظرات قاسية وحادة من جميلة.....بدأ وجيه الحديث :-

_ ممكن تقعدوا عشان نعرف نتكلم براحتنا !

جلست جميلة بصمت ثم بعد لحظات جلس جاسر بالقرب منها وهذا جعلها تشتعل غضب وعصبية وهي تعرف ما يكنّه ويخفيه لولا وجود عمه....

قال وجيه بثبات وهو ينتقل بنظراته لكلاهما :-

_ أنا مش جاي للطلاق يا جميلة ، أنا جايبه معايا للصلح مش للطلاق لأنه باقي عليكي وشاركي ...حتى منعته يجيلك اليومين اللي فاتوا عشان تعرفي تهدي وما تتعصبيش ....أنا مقدر احساسك

قالت جميلة بملامح جامدة لا تعبر عما بداخلها :-

_ وأنا عايزة اتطلق ، مابقتش شرياه أو باقية عليه ..أنا قولتلك قراري...ايه هو قرار حضرتك ؟

هز جاسر رأسه بسخرية ومرارة والم ملأ عينيه ولكنه لم يتحدث ....لجم غضبه حتى لا يزيد الأمر سوءً....

تنهد وجيه بحدة ثم رفع نظرته لها وقال :-

_ قراري....موافق على أي قرار تاخديه....اظن ده كان وعدي ليكِ من البداية...بس قبل ما القرار ده يتنفذ لازم انتوا الاتنين تسمعوني....زي ما هسمع كل واحد فيكم دلوقتي ومشكلته الحقيقية مع التاني....


تحدث جاسر بألم وقال :- سيبلي أنا البداية يا عمي....هقولك كل حاجة....مش هنكر أني كنت في اول معرفتي بيها بتسلى....وهي عارفة...بس حبيتها أوي ، حبيتها اكتر من أي حاجة في حياتي ولا زلت ، كانت طاقة النور اللي ربنا بعتهالي ونورلي طريقي ....كنت عايز اتوب وكنت بحاول وبفشل ، بس لما عرفتها نجحت وبعدت....

توبتي ربنا شاهد عليها....كل مرة كانت مشكلة بتحصل معانا كان سببها كل اللي عملته قبل ما أعرفها....عذرتها في خوفها وقلت هتتأكد مع الأيام ، هتتأكد أني فعلا توبت من كل قلبي وبمنتهى الصدق ، بس هي دايما كانت بتحسسني انها احسن وانضف مني !! دايما محسساني اني مهما عملت وندمت على اللي فات هفضل مش لايق عليها ولا استحقها !!

مع أن يمكن بعد توبتي مكانتي عند ربنا تبقى احسن من مكانتها مين عارف !!

كدبت عليها ايوة....بس كدبت وخبيت عليها موضوع تقى لأني عارف انها هتختار تبعد...وانا بحبها ومش عايزها تسيبني

رقت عينيه وهو يعترف بذلك وينظر لها في لهفة وشوق.....قابلت نظرته بدموع فقالت :-

_ يمكن بعترف أني غلطت في أني دايمًا محسساه أني احسن منه ، مش بنكر ، بس ده لأنه مخلنيش اثق انه فعلا تاب !! كل مرة كنت بصدقه بكتشف بعدها كدبة جديدة !! شيء ما اعرفهوش !

ولما اجي الومه يقولي كنت خايف لتسبيني !! زي ما بيقول دلوقتي بالضبط !! مع أنه لو صارحني بكل شيء وسابلي الاختيار يمكن كنت اخترته واتحملت معاه كل نتايج اخطائه...

مشكلتي أنه ما سابليش فرصة اثق فيه ، حياتي معاه عبارة عن خوف دايمًا من اللي جاي ليكون مخبي عليا شيء تاني يوجعني !!

لما بنفقد الثقة في حد مابنعرفش نتعامل معاه تاني...ما بالك دي حياتي مع انسان المفروض انه بالنسبالي كل حاجة...

حبي ليه عماني وخلاني أوافق اتحمل حاجات مكنتش عارفة انها تقيلة أوي كده ! الحمل ده تقيل أوي على حد زيي...انسانة كل حلمها الحب والأمان وبيت صغير ...بس هو وفرلي الحب والبيت...بس مالقيتش الامان !! ومافيش حب بيستمر من غير احساس الأمان...وده اللي حصلنا بالضبط...


تنهد وجيه بعمق ثم قال بعدما صمتت جميلة :-

_ انتوا الاتنين غلطوا يا جميلة....والغريبة ان غلطكم كان بمحاولة أنكم تفضلوا مع بعض !! هو كدب عشان ما تسبيهوش وأنتِ وافقتي تتجوزيه من البداية عشان حبتيه ومفكرتيش هتقدري تواجهي معاه ماضيه ولا لأ...وفي نفس الوقت مش قادر الومك أو الومه....

الحب بالذات مش بخلينا نفكر بعقل تام ، كل تفكيرنا اننا نبقى جنب اللي بنحبهم ، مابنفكرش في بكرة كتير ، ولا عواقب قراراتنا وافعالنا ....بس أنتِ عارفة أنا جيتلك وجبته معايا عشان نصالحك ليه ؟

نظرت له دون أن تسأل ولكن عينيها تلهفت للإجابة فقال :-

_ لأن اللي بيحصل ده نتيجة اللي فات ، مش بوجودك ...تعرفي لو الطفل اللي هيجي ده بعد ما عرفك جاسر مكنتش هسعى للصلح صدقيني...ده غير شيء مهم جدًا لازم تفكري فيه....كام سؤال كده لازم تسأليهم لنفسك ....

هل أنتِ لو اطلقتي واتقدملك شخص زي ما بتتمني بالضبط هتنسي جاسر ؟ هتعرفي تبدأي مع شخص من اول وجديد ؟

محدش خالي من العيوب والأصعب لما ترتبطي بانسان وتبدأي تكتشفي عيوبه ويا عالم هيحاول يتغير عشانك أو لأ...أنتِ عارفة أن جاسر تاب وعارفة أنه كدب عشان زعلك أنتِ ورغم أني مش موافقه على كدبه ده ولكن غلطك أن كلمة الطلاق ما بتفارقش كلامك ! دي مش حياة بتتبني !

هتف جاسر بشراسة اتقدت بعينيه :-

_ عمرها ما هتنساني لحظة ، انا عارف بقول ايه


أشار وجيه له ليصمت فقالت جميلة ببكاء :-

_ يعني أنا اللي بقيت غلطانة دلوقتي في كل حاجة !!

هز وجيه رأيه بنظرة رقيقة وقال :-

_ لأ طبعا انا مقولتش كده ، انا قلت أن غلطكم أنتوا الاتنين بدافع انكم ما تسيبوش بعض ، بس ده كان غلط منكم انتوا الاتنين برضو....الصدق دايمًا هو الحل في كل شيء...أنا شايف انكم محتاجين آخر فرصة...انتوا الاتنين تستحقوها...والظلم انكم تسيبوا بعض..


أصرت جميلة برفض :- مش هقدر اكمل...مش هقدر ...

كاد وجيه أن يتحدث حتى قاطعه جاسر بقوة :-

_ كفاية يا عمي كده....هي فعلا عندها حق ، كل مرة كنت بتمسك بيها بس كفاية كده....انا كتبت كتابي على تقى بعد ما سابتني في المستشفى معاها...تقى ولدت امبارح بليل ووصتني قبل ما تدخل اوضة العمليات أنك تروحيلها...بالنسبة لبنتي انا هاخدها وهنعيش بعيد عن الكل ، مش عايز حد معايا ، انا هعيش لبنتي ودلوقتي بقى عندي دافع اكبر بكتير اني ما اغلطش تاني ولا ارجع للي كنت فيه...طفلة صغيرة بس هتكون ارحم عليا من كل البشر .....مش هخليها تشوف اللي شوفته ولا تكبر وهي تايهة زي أبوها ، يمكن كنت محتاجلك تبقي معايا لكن طالما قررتي تبعدي ومصممة مش همنعك ولا اذل نفسي اكتر من كده...


نهض وجيه بعصبية وهتف به :-

_ تبعد عن الكل يعني ايه أنت اتجننت ؟!!

اجاب جاسر بدمعة فرت من عينيه رغما عنه وبصوت عنيف :-

_ هبعد عشان محدش يجرح بنتي حتى بنظرة ، محدش فيكم هيتقبلها ولا هيحبها ، إذاكان من دلوقتي وولادي عمامي خدوا مني موقف وبعدوا عني وزعلانين، كلكم هتبصولها على انها بنت حرام وهي مذنبهاش حاجة ، كل ما افتكر أني انا ابوها هكون سبب عذابها في الدنيا ببقى هاين عليا اموت نفسي ، مافهمتش قذارة اللي عملته غير لما شيلتها امبارح بين ايديا ، فرق كبير أوي أنها تكون بنت حلال أو بنت حرام...لكن بالنسبالي هخليها كل دنيتي وهعيشلها ، ومش هسمح لحد يجرحها ....مش ذنبها أني ابوها ...


خرج جاسر من الغرفة وهو يكتم دموعه....وقف وجيه مدهوشا للحظات ثم خرج خلفه دون إبداء حديث لن يُفيد بعد ما كل ما قيل.....

انهمرت دموع جميلة وقد المها كثيرًا دموعه وكرهت أن قلبها رق اليه من جديد.....

تذكرت قوله بخصوص تقى ....بدلت ملابسها بملابس من الخزانة القديمة وخرجت من غرفة السطوح متوجهة للمشفى..


****************

بالمشفى.....


توجهت جميلة للغرفة التي كانت بها تقى ولكن اخبرتها الممرضة بأنها انتقلت بعد إجراء العملية القيصرية.....واخبرتها برقم الغرفة...

اسرعت جميلة للغرفة المقصودة لتجد كاريمان تخرج من الغرفة وترمقها بنظرة عابسة كارهة....تجاهلتها جميلة وولجت بداخل الغرفة .....

تطلعت به تقى بوجه شاحب وابتسمت قليلا وهي تشير لها لتقترب....لم تستطع التحدث كثيرا.....

اقتربت جميلة ببطء حتى قالت تقى بالكاد :-

_ كنت مستنياكي....معرفتش ...اكلمك المرة اللي فاتت

قالت جميلة وقد شعرت بالشفقة اتجاهها وقالت :-

_ انا سمعاكي ....

قالت تقى بدمعة متوسلة :-

_ ما تسبيش بنتي...هسيبها معاكي أمانة ، حلفتك بالله ما تقسيش عليها ، ربيها وخليها زيك ....نفسي تبقى زيك

ادمعت عين جميلة من حديثها فقالت بلطف :-

_ قومي بالسلامة وهنربيها سوا ،ما تقلقيش

هزت تقى رأسها وقالت وعينيها تتيه كل لحظة :-

_ كان نفسي...بس أنا حاسة أني خلاص...يمكن بنتي حظها حلو أنك أنتِ اللي هتربيها ، احترام الناس ليها هيكون من احترامهم ليكِ....لكن أنا....


قالت ذلك وانهمرت دموعها بندم شديد لتقل جميلة بعطف :-

_ أنتِ توبتي وربنا بيقبل التوبة ....

تردد الجملة بداخل جميلة وهي تلوم نفسها على شيء .....

نظرت لها تقى بإعياء وقالت :-

_ سامحي جاسر بالله عليكِ....ماتخلنيش امشي وانا حاسة بالذنب أني فرقت ما بينكم ....جاسر عمره ما حبني ولا حب أي واحدة عرفها قبلي....عمري ما تخيلت أني أشوفه خايف من بعاد واحدة عنه وهو اللي كان بيبعد بمزاجه وبيعرف كل يوم واحدة.....انا اعرف ماضيه اكتر منك ، انا شوفته زمان وشوفته دلوقتي ....لو سبتيه هتخسري واحد ساب كل حاجة عشانك ....جاسر بيحبك بجد ...


صمتت جميلة وبعدت عينيها الدامعتين حتى لفظت تقى أنفاسها الأخيرة فجأة .....اتسعت عين جميلة بصدمة وركضت تهتف على الممرضات والأطباء واتوا راكضين بينما ابتعدت جميلة وهي تبكِ بقوة....ليخرج الطبيب اليها معزياً.....سقطت مغشيا عليها


الحياة لن تقف على آثم أو صالح ، لن تبقى لمخلوق....ولكل كتاب اجله فلنحسن سطور كتبنا ونجعل الخاتمة ...تمت بحمد الله...

***********


مر أسبوع....بقصر الزيان....

رفع يوسف سماعة الهاتف الذي كان صوته يصدح بمكتبه بالشركة ليهتف آسر :-

_ جاسر مختفي يا يوسف ، خد بنته من الحضانة في المستشفى ومحدش عارف هو فين !

نهض يوسف بانزعاج وقال :-

_ يبقى نفذ اللي قاله لعمي وجيه ! خدت البنت وبعد عننا....أزاي يفكر أننا هنقسى على بنته ! دي طفلة مالهاش ذنب

قال آسر بألم :-

_ هو موجوع بسبب قرار جميلة وهي مافيش خبر عنها بقالها أسبوع !

تحدث يوسف قائلا :-

_ هروح شقته يمكن فيها

نفى آسر :- لأ مش فيها ، رعد راحها ومافيش حد هناك والباب مقفول اصلا .....

يوسف بتصميم :- لازم نلاقيه ونبقى جانبه ،هو آه غلطان بس ماينفعش يفضل لوحده في الظروف دي....

انهى يوسف الاتصال وخرج من مكتبه سريعا.....

********

بأحد العيادات النسائية ......

فحصت الطبيبة تقرير بيدها لتقل لجميلة بابتسامة تهنئة :-

_ مبروك...أنتِ حامل ...الاختبار العادي مش اكيد بس التحليل اكد انك حامل....

وقفت جميلة بين الابتسامة والشرود ، بين القفز فرحا والجمود ،بين كل شيء ونقيضه....نهضت بنظراته تائهة وقالت دون تركيز :-

_ الله يبارك فيكِ

تعجبت الطبيبة من ردة فعلها ومغادرتها بهذه الحالة الضائعة من الحزن .....


سارت جميلة بالطريق تضم يديها حولها كأنها تضم جنينها....قالت وهي تسير تحت المطر ببكاء :-

_ ليه دايمًا لما بحاول ابعد كل حاجة بتقربني تاني !! كنت محتارة في البنت اللي معاك واللي بقت وصيتي....دلوقتي بقوا اتنين !

ارتفع صوت هاتفها فجأة لتجد حميدة تهاتفها ...أجابت جميلة :- الو

قالت حميدة بضيق :-

_ جاسر نفذ كلامه ومشي يا جميلة....خد بنته من المستشفى ومشي ومحدش عارف مكانه .....

شعر جميلة بخوف مجهول على الطفلة ! كيف سيراعيها وهو يحتاج من يراعيه...وخوف عليه وقلق ...خوف عليهما كلاهما.....اغلقت الاتصال لتجري اتصال على هاتفه وقاومت كبريائها .....وجدته غير متاح فأجرت اتصال على الرقم الأرضي لشقته عله يكون بها ولا يريد رؤية احد.....

**********

بشقة جاسر.....

ظل ينظر للطفلة الجميلة ذات العيون الواسعة البندقية بشكل ملحوظ....كان يبتسم لها بحنان تارة وبدموع تارة أخرى ....نظراته تحمل اعتذار وكأنه بأيامها القليلة ستفهم مقصده !

قال بألم وعبرات تنزف من عينيه وهو. يضمها اليه :-

_ مش هسمح لحد يجرحك بحرف واحد حتى....أنتِ دلوقتي حياتي بحالها يا عمري....

بقلم رحاب إبراهيم

انتبه لصوت الهاتف الأرضي مجددا فوضع الطفلة على الفراش وقرر نزع حرارة الهاتف ...توجه اليه وقبل أن ينزع الحرارة تفاجئ برقمها يملأ مساحة اظهار الرقم....خطف سماعة الهاتف بلهفة واجاب :-

_ جميلة .

قالت وقد تحكمت بلهفتها :- أنت خدت البنت من المستشفى ليه ؟! مش هتعرف تراعيها ولا هتعرف تتعامل معاها ....أنت...أنت كويس ؟

قال بصوت ضعيف ظهر به رجفته :-

_ وحشتيني

صمتت بدموع عينيها وقالت :- انا حامل يا جاسر ، لسه عارفة دلوقتي...ومن حقك تعرف

ابتسم ببعض الدهشة وقال :- ومن حقنا اننا نرجع انا مش عارف أعيش وحاسس أني تايه ....انا محتاجلك اكتر من أي وقت فات..

بكت بقوة ثم قالت :-

_ مافيش مرة قررت ابعد غير لما بلاقي سبب قوي يرجعني...مش عارفة ليه !

قال مبتسما بعتاب :- يمكن ربنا قبل توبتي وبيديني فرصة ....انا جيلك لحد عندك عشان اخدك

*************

مرت ساعة......بغرفة السطوح.....

اطرق بابها مرتين....اسرعت لتفتح الباب مع حمرة خديها....كان يحمل طفلته ويقف مبتسما مشرق الوجه ....ملابسه مرتبه كأنه على موعد هام لا يبدو عليه أي اهمال بمظهره....

تطلعت به دون تعابير تقريبا حتى دخل الغرفة ووضع الطفلة على الفراش برقة وغمز لها بمشاكسة .....

ثم استدار لجميلة وجذبها اليه بقوة ...بضمة عنيفة تثأر من فراق الأيام الماضية وكان بكائها عتاب ....تعلقت ذراعيها برقبته وظل يعتذر لها كثيرا ويربت على رأسها بحنان..ثم نظر لعينيها الدامعتين بابتسامة وقال :-

_ تحبي نرجع القصر ولا نرجع شقتنا ؟

ابتسمت له وهي تمسح عينيها وقالت :-

_ نرجع القصر..انا اتحرمت من العيلة كل سنين عمري اللي فاتت...مش هحرم نفسي منها تاني ....وممكن كل فترة نقضي كام يوم في الشقة كتغيير...

قبل رأسها وقال بسعادة :-

_ كل اللي فات مافيهوش أي شيء انتِ ما تعرفيهوش ، كل اللي جاي ليكِ أنتِ واطفالنا ....أنا سميت بنتي جميلة على اسمك ...

نظرت جميلة للطفلة بحنان وقالت :-

_ امها وصيتني عليها وسابتهالي أمانة ، وأنا اد الأمانة

قبل يديها ورأسها قائلا بعشق :-

_ أنتِ في عنيا احلى مافي الدنيا كلها....


******************


بعد عدة أيام.....في حفل صغير ضم الأهل والأصدقاء.....

وقف وجيه وبجانبه للي يستقبلون الضيوف.....همس وجيه بتعجب لزوجته قائلا :-

_ أنا مش شايف حد من الشباب ليه ! كانوا هنا من ربع ساعة !!

تعجب للي وأجابته :- ولا البنات !

اتى احد الضيوف من الأصدقاء فرحب به وجيه كثيرا ثم انتبه لرنين هاتفه وكان من رقم جاسر !! ...


غمز جاسر بنظرة ماكرة لزوجته جميلة وهما يجلسون بالسيارة ومعهما الطفلة وقال غبر الهاتف بضحكة مكتومة :-

_ معلش يعني يا عمي انا قررت أخد اجازتي بتاعت شهر العسل ...اللي اختصرتها في أيام دي ...


ابتسم وجيه قائلا بموافقة :- اوك يا مشاغب العيلة....اسبوعين والاقيك قدامي

انتهى الاتصال بابتسامة ليأتيه اتصال آخر من هاتف رعد الذي ابتعد بالفعل مع زوجته رضوى بالطريق الى احد الفنادق المحجوز بها جناح مسبقا وقال بضحكة :-

_ يا عمي يا عمي.....انت عارف أني بحبك صح ؟

كتم وجيه ضحكته وقال :- وبعدين ؟

تابع رعد بمرح وضحكة عالية :- أنا في طريقي للساحل يا عمي ...هدعيلك هناك

ارفق جملته بضحكة وشاركها وجيه ضحكته رغما.....

بقلم رحاب إبراهيم

رحب وجيه ببعض الحضور حتى اعلن هاتفه رقم آسر الذي بطريقه لقضاء عطلة أيضا تحت طلب سما بذلك وقال بنبرة ماكرة :-

_ بصراحة يا عمي كده أنا كنت مخنوق قلت اما اطلع أشم شوية هوا جنب الغردقة بشارعين كده....البحر هيفرح بيا أوي أوي ....

رفع وجيه حاجبيه بصمت وتعجب وقال :-

_ طب حاسب للتوه يا حبيبي ...

ما كاد أن ينتظر دقيقة من انتهاء مكالمة آسر حتى اتصل بيه يوسف فأجاب وجيه بقوة :- طالع تتفسح ...اقفل يا يوسف

اطاع يوسف الأمر سريعا :- حاضر يا عمي

اغلق يوسف الاتصال ونظر لحميدة زوجته بجانبه في السيارة وقال بثقة :- انا مسيطر برضو...

انتهى الاتصال لينظر وجيه لهاتفه وتنخرط للي من الضحك بدرجة هستيرية..ثم قالت بالكاد :-

_ شكلهم اتفقوا عليك !!

تمتم وجيه بضحكة :- يا ولاد الـ....

***********

انتهى الحفل الذي ظلت فيه للي كلما نظرت لزوجه تدخل بنوبة من الضحك بشكل لا إرادي حتى وقف وجيه بخارج القصر يودع آخر ضيوفه بلطف....

انتبه لصوتها خلفه وهي تقول :- وجيه

ذات الدرجة من نعومة صوتها يذكره بأول لقائهما...استدار بابتسامة ماكرة وقال وهو يتفحص وجهها الفاتن الذي زاده الحمل إشراقة وجمالا اكثر بكثير من ذي قبل وأجاب وهو يقترب لها :- نعم

قالت بدلال وابتسامة ماكرة :- فاكرني ؟!

حتى كلماتها ذاتها باللقاء الأول !! فأجاب مقترباً لها أكثر وضمها بين ذراعيه بعشق :-

_ ومن يوم ما شوفتك ما غبتيش عن بالي لحظة...يا ذات الرداء الأحمر

************

تمت بحمد الله....

*********************
إلي هنا تنتهي رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة