-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثانى عشر من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

 ضاقت عيناها نحوه بشكلٍ غريب حائر، استاءت من نظراته المليئة بالغضب، وتحفزت بشكلٍ ما ضدها؛ وكأنها ارتكبت جُرمًا في حقه. تجهمت تعبيراتها قليلاً، فإن كانت تلك وسيلته لإرهابها، حتى تعترف له بأنها من كانت معه في الحريق المشؤوم، فلن يحدث أبدًا! ليست "فيروزة" من ذاك النوع الخائف المرتعد، استقامت في وقفتها، لم يرف جفناها، وبادلته نظرة متغطرسة تنم عن شخصيتها القوية قبل أن تتراجع لتختفي بالداخل؛ لكن بقيت دقات قلبها تنبض في عنفٍ، لم تفهم سبب توترها، وأرغمت نفسها على تجاوز لقائه العابر. عادت لتبتسم بتكلفٍ وهي ترى زوجة خالها تحملق فيها بفضولٍ، ركزت عينيها عليها، ثم سألتها بأسلوبها الجاف:

-خير يا مرات خالي؟

أجابتها متسائلة بسخافةٍ:

-أومال فين الشبكة؟ ولا العروسة مش هتلبسها النهاردة كمان؟

ضغطت " فيروزة" على شفتيها بقوةٍ مانعة نفسها من التفوه بحماقةٍ، حتى لا تفسد الأجواء المبهجة، بينما تابعت "حمدية" بنوعٍ من العجرفة:

-ده كل العيلة هنا النهاردة، عاوزين نتمنظر قصادهم، ولا رأيك إيه يا "آمنة"؟

التفتت والدتها نحوها تسألها في حيرة:

-رأيي في إيه؟

أجابت "حمدية" موضحة بعبوسٍ مزعوج:

-الشبكة يا أم العروسة، هتخلي رقبة بنتك وإيديها فاضيين، عاوزة الناس تاكل وشنا؟

تداركت "آمنة" خطئها، وقالت على الفور:

-معاكي حق، راح من بالي خالص.

ثم اقتربت من "فيروزة" تقول لها بجدية:

-علبة الشبكة يا "فيرو" في الدولاب، إنتي عارفة مكانها، هاتيها

ردت عليها بتبرمٍ قبل أن تتحرك نحو الخارج:

-ماشي

سددت "فيروزة" في طريقها نظرة سريعة حادة نحو "حمدية" التي بدت أكثر استمتاعًا بسيطرتها على والدتها الطيبة، ومنحتها الأخيرة نظرات مغترة وهي تربت على كتفها تستحثها:

-ماتتأخريش يا أخت العروسة.

كزت "فيروزة" على أسنانها تنعتها بهمهمة خافتة:

-حِشرية!

ارتفع الصخب من جديد في أرجاء المنزل الذي عَج بالكثير من الأقارب، خاصة السيدات والفتيات والأطفال الصغار، ولولا بعض المساعدات العائلية من نساء عائلتها لما تمكنت "فيروزة" أو والدتها من التعامل مع الحشد المتواجد في الصالة والردهة المؤدية لغرفة نومهما. دنت إحدى السيدات –ذات الوجه البشوش- من "فيروزة" ما إن لمحتها تمر بجوارها، ونادت عليها بنبرتها الحنون:

-بنت الغالي.

التفتت برأسها نحوها، تحولت ملامحها للين والابتهاج حين رأت زوجة عمها السمحة؛ "سعاد"، أو كما تحب أن يدعوها الجميع "أم فضل" نسبة لابنها البكري. أقبلت عليها مرحبة بها، فقد وصلت للتو:

-مرات عمي، إزيك؟ وحشاني أوي؟

بادلتها الترحاب الحار، واحتضنتها بشدة، ثم قالت:

-حبيبة قلبي من جوا.

تراجعت عنها "فيروزة" لتسألها باهتمامٍ:

-حمدلله على السلامة، وصلتي امتى؟ وفين بنات عمي؟

أجابتها بتنهيدة بطيئة نسبيًا:

-الله يسلمك.. الدور ده أنا جاية بس مع عمك، لكن تتعوض إن شاءالله ليلة فرحك نكون عملنا حسابنا من بدري.

ردت بنفس ابتسامتها المسرورة:

-إن شاءالله.. ده ماما هتفرح أوي لما تشوفك.

علقت عليها بابتهاجٍ:

-وأنا والله، هو في زي "آمنة" وحلاوتها، أومال بناتها طالعين قمرات لمين؟!

ابتسمت في سعادة لكلماتها المادحة، وشكرتها بلطفٍ:

-ربنا يخليكي لينا يا مرات عمي، وأخبار "فضل" إيه؟

جاوبت بحماسٍ انعكس في نظراتها أيضًا:

-الحمدلله، أجزته قربت، هينزل كمان شهرين.

عادت لتسألها عن أحواله مبدية اهتمامها بتبادل الحديث معها:

-ربنا يجيبه بالسلامة، ومراته وعياله كويسين؟

ردت وهي تبتسم:

-في أحسن حال.. لو كان عندي ولد تاني مكونتش سيبتك يا غالية.

لم تكن لتفعل شيئًا في تلك المسألة، أولاً لكون ابن عمها يفوقها عمرًا، وكانت لا تزال صغيرة حين حضرت عرسه، ثانيًا زوجة عمها لم تنجب بعده سوى ثلاثة بنات، وأربعتهم يعدوا في منزلة إخوتها، وثالثًا بالنسبة لعمرها الحالي فقد يعتبرها البعض –من عائلتها- بأنها تخطت سن الزواج بكثير، وبالتالي فرص ارتباطها وتأسيس أسرة محدودة للغاية. انحنت "فيروزة" على جبينها لتقبلها منه، وقالت بتفهمٍ:

-كل واحد بياخد نصيبه، وأنا الحمدلله راضية بحالي.

غيرت "سعاد" مجرى الحوار لتسألها بنبرة ذات مغزى:

-الكلام خدنا ومشوفتش "حمدية"، هي فين؟ وزي ما هي كده ولا اتغيرت؟

ضحكت قبل أن تجيبها متسائلة:

-تفتكري إيه؟

لوحت بيدها متصنعة العبوس وهي تعقب عليها:

-يبقى زي ما هي، ربنا يهديلها حالها.

...........................................

أفسحت لزوجة عمها المجال وأرشدتها عبر الردهة لتلج للداخل، ثم تركتها لتعود لإتمام مهمتها السريعة المكلفة بها من قبل والدتها؛ كانت أول من أبصرها "حمدية"، امتعضت ملامحها، وظهرت تكشيرة كبيرة على وجهها، زفرت على مهلٍ، ودنت منها متسائلة، دون أن تكلف نفسها عناء ترحيبها:

-"سعاد" وصلتي امتى؟

لم تنكر أن علامات الكراهية بائنة عليها، لأسبابٍ شخصية، ولما لا؟ فقد وقع الاختيار عليها لتتزوج أحد أعيان بلدتهم بدلاً منها حين تم التفضيل بينهما! وبوجه هادئ رددت "سعاد":

-شكلك مش مبسوط يا "حمدية" لما شوفتيني؟

ردت بترفعٍ وهي ترمقها بنظرة حاقدة لم تخفها:

-لأ ياختي، متقوليش كده، نورتي البيت.

تجاهلت سماجتها المعلنة لتسألها:

-فين أم العروسة؟

أشــارت بيدها قائلة على مضضٍ:

-هناك.

تحركت أنظار "سعاد" نحو الركن الداخلي للغرفة، حيث تقف "آمنة" خلف ابنتها التي انتهت لتوها من زينتها، استدارت نحوها الأولى، وتلك الابتسامة العريضة تختلج تعبيراتها، هتفت مهللة لاستقبالها:

-حاجة "أم فضل"، تعالي يا حبيبتي.

أقبلت عليها تحتضنها بذراعيها وهي تردد:

-الغالية مرات الغالي الله يرحمه.

بادلتها نفس الأحضان المشتاقة قبل أن تنطق وهي تستدير سائرة في اتجاهها:

-يا مليون حمدلله على السلامة.

توقفت كلتاهما عن الحركة، بينما عاتبتها "سعاد" دون أن تفتر ابتسامتها:

-بقى كده تاخدونا في توكة وماتقولوش من بدري؟ كنا عملنا الواجب وزيادة يا "آمنة".

اعتذرت منها بشدة:

-معلش، كل حاجة جت بسرعة، والعريس مستعجل

ربتت على جانب ذراعها قائلة بتفهمٍ:

-خلاص.. ملحوئة في "فيروزة"...

هزت رأسها في استحسان، لكن تبدلت تعبيراتها للقلق قليلاً حين أكملت:

-الحاج "اسماعيل" كان حلفان ما يجي.

جزعت متسائلة:

-طب ليه بس؟

أجابتها موضحة:

-إنتي عارفة مسائل الجواز وغيره لازم الكبارات يعرفوا بيها الأول، مش يبقوا زي الغريب

نكست رأسها في حرجٍ، فهناك بعد التقاليد الواجب اتباعها عند القيام ببعض المسائل العائلية المصيرية، والتي يتحتم فيها تدخل ذوي الشأن لإبداء الرأي الأخير؛ أما الغفلة عنها فتولد بعض المشاكل الجسيمة التي ربما تؤدي للقطيعة ونكران صلة القرابة، زمت شفتيها وغمغمت:

-معاكي حق.

لكن عادت "سعاد" لتؤكد عليها انتهاء المشكلة، وأضافت:

-بس عشان مايكسرش بخاطر "همسة"، ما هو بردك عمها الكبير، ولازم تتبهوا بيه قصاد نسايبكم.

تنفست الصعداء، وهتفت تشكرها:

-معاكي حق، الغلط مننا، وإن شاءالله مايحصلش.

ظلت "سعاد" محتفظة بابتسامتها المشرقة، ورددت في اهتمام وهي تواصل التقدم نحو العروس:

-سيبك من ده، وخليني أطل على عروستنا .. اللهم صلي على النبي، بدر البدور.

همَّت "همسة" بالنهوض لتحييتها قائلة:

-مرات عمي.

لوحت لها بذراعيها لتظل جالسة وهي ترد:

-ماتقوميش يا قمر العيلة، أنا هاجيلك لحد عندك.

بادلتها العروس ابتسامة رقيقة تناسبت مع جمالها الفاتن، ولم ترغب زوجة عمها في إفســاد زينتها بالتقبيل الزائد عن الحد، لذا اكتفت بالتطلع إليها بنظراتها المليئة بالفرحة والسعادة للغاية.

.............................................................

-العريس جه برا يا بنات.. وسعوا السكة.

ترددت تلك الكلمات العالية لتصل إلى آذان الجميع، بما فيهم العروس التي تلبكت واضطربت، وأحست بتقلصاتٍ خفيفة تصيب معدتها من توترها الطبيعي، ناهيك عن تخضب بشرتها بحمرة زائدة عن الحد. رفعت عينيها لتنظر إلى "فيروزة" التي أمسكت بزجاجة العطر، وأغرقت به ثوبها لتبدو رائحتها جذابة ومثيرة. تنحت للجانب حين رأت "هيثم" يدخل، وقبل أن ينطق بكلمةٍ اشرأبت "همسة" بعنقها لتهمس لتوأمتها:

-ما تسبنيش

ردت عليها "فيروزة" بصوتها الخافت:

-حاضر.. أنا معاكي.

للحظة ظن أن القمر قد ترك محله بالسماء، وهبط على الأرض لينير حياته الكئيبة بحضورها. بسمة غير عادية زينت وجه "هيثم"، كانت خطيبته جميلة الملامح؛ لكنها ازدادت جمالاً بعد ارتدائها لثوب العرس، أحس بالإثارة تجتاح جسده، كان لرؤيتها الأثر الحسي والإيجابي عليه، تذكر الأيام التي سبقت خطبته، حين فُرضت عليه بشكلٍ متعمد، وامتعاضه في البداية منها، ومع ذلك كانت لحظة التحول الجيدة في حياته العابثة. أفاق من سرحانه السريع على تعبيراتها الناعمة، تأمل اهتزازة شفتيها اللاتين بدتا كقطعتين من الفراولة، كم تتوق لتذوقهما! ركز كامل عينيه عليها ليؤكد لنفسه أنها باتت أخيرًا خاصته، لم يبصر سواها حوله، خرجت أنفاسه حارة حين قال لها:

-مبروك.

لعقت "همسة" شفتيها، وقالت بخجلٍ متحاشية النظر إلى عينيه المسلطتين عليها:

-الله يبارك فيك.

حانت منها نظرة جانبية لتوأمتها تؤكد عليها بهمهمة خفيضة:

-هتركبي معايا يا "فيروزة"، أنا خايفة .. ماتسبنيش.

تفهمت حالة الارتباك الجلية، المصحوبة بالحياء الشديد، بسبب خصوصية تلك الليلة، تلمست جانب ذراعها، وردت وهي تومئ برأسها:

-أنا معاكي.

هتفت إحدى السيدات من الخلف تمدح عروس العائلة:

-صلي على النبي يا عريس، مش كل يوم هتلاقي حلاوة بالشكل ده.

رد، وعيناه تحدقان في وجه "همسة"، وبهما رغبة وشوق:

-عليه الصلاة والسلام.

......................................................

لا يمكن أن يُسمى ما حدث الفترة الماضية سوى بأنها فترة الهدوء التي تسبق العاصفة، رضخ إلى ذي الشيبة الحكيم الذي يعرف مفاتيحه جيدًا، ليتبع توصياته الجادة كما أملاها عليه حتى يصل لمبتغاه؛ وإن كان في ذلك استنزاف صبره المستهلك مسبقًا، خاصة مع بعض الأمور الغامضة المليئة بالألم، والتي عايشها قبيل فترة مراهقته. عــاد "تميم" بذاكرته لليوم الفارق في حياته مع زوجته غير الأمينة على سره، حيث انساق وراء جده، لينزوي معه بالغرفة قبل أن تصل "خلود" لمنزله. العائلة وما يرتبط بها من قيم نبيلة لا تتفق مع حبائل الشيطان الخبيثة، مثاليته الزائدة فيما يخص شئون أسرته ربما لن يرضى عنها الجميع، واحدٌ غيره لأقام الدنيا ولم يقعدها لإهانة رمز رجولته.

خرج من شروده المحير على إشارة جده له بعد أن جلس الأخير على طرف الفراش، ودعاه للجلوس في مقعده المفضل آمرًا إياه:

-اقعد يا "تميم"، واحكيلي حصل إيه.

رفض ذلك، وصاح به بكل ما يعتري صدره من غضب وغل:

-سيبني يا جدي أروح أخد حقي.

تقبل عصبيته قائلا:

-هاسيبك...

ثم منحه للحظة ليلتقط أنفاسه قبل أن يقول بهدوئه المكتسب عن خبرة طويلة بالحياة:

-بس لما أسمع الأول وأعرف كل حاجة حصلت، من طأطأ لسلامو عليكم.

رد "تميم" على مضضٍ عله يأخذ بمشورته:

-ماشي

وبالفعل بدأ في ســرد ما تعرض له من مؤامرة دنيئة، عرف عنها بمحض الصدفة، نالت من رجولته، واستهانت بقدراته البدنية، وما تلاها من بعض الأحداث المدعاة للانتقام والثأر. لم يقاطعه "سلطان"، تركه يصول، ويجول، وينفعل، ويفرج عن مكنونات صدره، إلى أن خبتت الشحنة المتأججة بداخله. وبوجه بارد، لا يحتله سوى تجاعيد الزمن وآثاره أردف متسائلاً:

-عاوز الخلاصة بعد اللي قولته؟

رد "تميم" بنفاذ صبر:

-أيوه.

ظهر الاسترخاء على تعابيره وهو يستطرد:

-الكلام اللي اتقال ده كله ولا يسوى مليم واحد!!!!

تفاجأ من عدم مبالاته، وهتف بصدر مختنق:

-نعم؟

علل "سلطان" أسبابه موضحًا:

-ده هري حريم أعدين على الشلت، يومين وهيطلعوا يلكوا في حكاية تانية، الحتة ما بتبطلش حكايات ولت وعجن.

صاح في استنكارٍ مغتاظ:

-ده الناس كلها عرفت اللي حاصل بيني وبين مراتي.

صمت جده للحظة قبل أن يتابع مسهبًا بلا تردد أو ندم؛ وكأنه يكشف له عن حقيقة ونوعية البشر الذين يعاشرهم:

-أنا عارف إنك عملت ده عشان توريها إنها متجوزة راجل من ضهر راجل، مش عيل (...)، بس هي غلطانة، ومحقوقالك في ده، مكانش يصح تقول لأمها كتلة الشر دي على أي حاجة، لأنها على طول بؤها في ودن الناس، هتحور، وتجود من عندها، ويا داهية دُقي..

كان محقًا في وصفها ببساطة، لم يعقب عليه، بدا فقط متجهمًا، حانق النظرات. أضــاف جده بتروٍ:

-بس اسأل نفسك هو إنت عملت حاجة حرام؟ نمت مع واحدة وقفشوك؟

على الفور قال نافيًا:

-لأ يا جدي .. أعوذو بالله، دي مراتي!

لاح على ثغره بسمة هادئة وواثقة وهو يتابع نصائحه الثمينة:

-خلاص اللي يفتح بؤه الرد جاهز، مراتك غلطت، وخرجت عن طوعك، وعصيتك من غير ما تعلم حاجة، وإنت كنت بتأدبها، ومحدش ليه عندك حاجة!

صمت وصدره ينهج في قوة كتعبيرٍ عن غضبه المكبوت، بينما استأنف "سلطان" حديثه بأسلوبه المتروي؛ وكأنه يكشف له حلول الأحجية التائهة عنه:

-أما الحكاية التانية، فدماغ أبالسة اللي تفكر فيها، القادرة تحطلك برشام؟!!

زم شفتيه مغمغمًا بعد زفيرٍ منزعج:

-لأ ومش عاجبها يا جدي

ثم تنفس بعمق ليدمدم بسخطٍ:

-وده اللي عرفته.. الله أعلم مستخبي إيه تاني!

رد عليه جده بهدوءٍ:

-ولو إنك تزعل مني.. بس البت دي من زمان أنا مابتسريحلهاش!

انعقد حاجباه، وسأله بنظرات تتفرس تعابيره الهادئة:

-ليه يا جدي بتقول كده؟

أجابه مستفيضًا بتلقائيةٍ:

-كانت داخلة على أمك بالحنجل والمنجل، طول النهار زن في دماغها، ويا خالتي ويا عينيا، وكلام ملزق مايتبلعش، ملاوعة وكُهنها باين، مايدخلش عليا بتعريفة، والمثل بيقول اقلب القدرة على فمها.. تطلع البت لأمها، ودي تربية "بثينة"، مهما كانت قدامك عاملة فيها غلبانة، ومكسورة الجناح..

قاطعه حفيده متسائلاً دون تفكير:

-زي أخوها يعني؟

نفى مبررًا أسبابه:

-لأ.. دي بلوة، والفرق بينها وبين أخوها إن الواد "هيثم" دغوف، مابيفكرش، لما بتهب في دماغه حاجة بيعملها، إن شاءالله تكون هتوديه في داهية، متسربع .. بس مافيش منه قلق، يعني ورقه مكشوف، لو شايل منك هايقول، وساعة الحق بينطق مابيخافش..

بسمة ساخرة استحوذت على شفتي "تميم"، بينما واصل "سلطان" القول بنبرة تحولت للقتامة:

-الدور والباقي على الحرباية اللي في وشها ليل نهار، هتخططلها صح، وتقولها تعمل إيه.. كرشها واسع وماتشبعش.

همهم "تميم" بحنقٍ:

-خالتي "بثينة".

-بالظبط.

تساءل حفيده بندمٍ بدا ظاهرًا عليه:

-تفتكر كنت غلطان لما كملت الجوازة دي يا جدي؟

لم يجبه على الفور، وانتظر للحظات قبل أن ينطق بحكمةٍ أراحت صدره:

-إنت عملت الأصول يا "تميم"، لميت عرضك، وعاشرت مراتك بما يرضي الله .. يعني رديت المعروف.. بس في غير أهله!

وكأنه يقاتل في معركة خاسرة، لا أمل للفوز أبدًا فيها، انتفض "تميم" يثور من جديد:

-أنا معنتش طايقها، قرفان منها، ولولا اللي في بطنها كان هيبقالي تصرف تاني، أنا هاين عليا أولع فيها وأخد تأبيدة.. إن شاء الله يعلقوني على حبل المشنقة.

عقب عليه الجد مشددًا بنبرة ذات دلالة قوية:

-اللي في بطنها من دمنا، ومن صلبك.. واحنا مابنفرطش في عيالنا.

ظهر الإحباط على قسماته، وسأله بصوتٍ عبر عن حزنٍ عميق:

-وإيه العمل؟ هاعدي اللي حصل كده؟

غامت عيناه قبل أن يجاوبه بنبرة غامضة، لكنها متزنة:

-لأ.. احنا هنقطع راس التعبان وديله.

قطب "تميم" جبينه في حيرة، وسأله:

-مش فاهم يا جدي.

أشـــار له بيده ليجلس على المقعد الذي لم يلمسه إلى الآن، وقال بمكرٍ:

-هاقولك تعمل إيه..

.........................................................

كانت تحتفظ ببعض قطع الثياب في منزل خالتها، علها تحتاج إليها في يوم ما، إن قرر زوجها المبيت هناك، وبالتالي لم تجد أي صعوبة في تبديل ملابسها المليئة بالكورسين بأخرى نظيفة، مرتبة. انتظرت "خلود" زوجها بالجلوس في منتصف الفراش، تضم ركبتيها إلى صدرها، وتعقد ذراعيها حولهما. أخفت تلك البسمة اللئيمة التي تقاتل للظهور على محياها بعد تمثليتها الهزلية، تنفست الصعداء لكونها انطلت عليهم، وإلا لاضطرت لحرق جزءٍ من جسدها وتشويهه، وحينها لن يرغب حبيبها في التطلع إليها. اعتقدت أنه سيكون غبيًا ليفرط في جنينه المنتظر مهما كان يمقتها، وأمام والديه، ليبدو مذنبًا في أنظار الجميع إن تركها تتصرف برعونة. جفلت بقوة حين فُتح الباب فجــأة، أرجأت أفكارها الشيطانية لوقت لاحق، وارتدت قناع الخوف. نظرت بترقب لزوجها الذي أطل منه، تشجعت تناديه بصوتٍ أقرب للهمس:

-"تميم"!

احتقرها بنظراته القاسية؛ وكأنها قمامة، لا ترتقي حتى للحديث معها، شعرت بازدرائه المهين لها دون أن ينبس بكلمة، أغلق الباب من خلفه، واستقام واقفًا يرمقها بتلك النظرات المليئة بالبغض والحقد .. ورغم هذا جاهدت لتستدعي دموع غير موجودة لتعتذر منه:

-أنا أسفة...

تجمد في مكانه ينظر لها مليًا بغموضٍ لم تسترح له، نظرات التوق والتلهف كانت أبعد ما يكون عنه، بل بدا النفور والاشمئزاز الأقرب للوصف. تحركت من على الفراش لتهبط عنه، وتمهلٍ حذر تقدمت نحوه. لم تتجرأ على لمسه، رغم حاجتها إلى الشعور بامتلاكها له، اكتفت بالنظر في عينيه، وتابعت بانكسارٍ:

-اللي حصل ده كله مش هايتكرر تاني..

ثم أخفضت يدها لتتلمس بطنها بحركة دائرية، وألحت عليه راجية:

-وحياة ابنك تسامحني، أنا مقدرش استغنى عنك...

كان صامتًا للحد الذي منحها المزيد من الثقة، لن يجرؤ على المساس بها في منزل أهله، ليس على تلك الدرجة من الحماقة. تشجعت لتقلص المسافات بينهما بعد أن رأت جموده، واعتقدت أنه سيرتضي بالأمر الواقع، ولن يتخذ موقفًا عدائيًا نحوها. أسبلت عينيها نحوه، ثم هتفت تعبر له عن حبها المتيم الذي يحرقها:

-إنت حبيبي وبس.. أنا ماحبتش في حياتي إلا إنت، وكنت مستعدية أستناك العمر كله.. ماتبعدش عني يا "تميم"، ارضى عني يا حبيبي.

سألها بوجه جامد غير مقروء التعبيرات:

-تفتكري بعد اللي عملتيه ده أنا أتصرف إزاي؟

تخلت كليًا عن رهبتها الزائفة أمام سلبيته الواضحة، ربما سلاح إغرائه كان ناجحًا ليجبره على نسيان ما اقترفته. مدت يدها لتمسك بذراعه، ولم يعترض أو ينبذها. ظلت عيناها ترتكز على عينيه الصارمتين، وردت بأنفاس شبه لاهثة:

-أعمل فيا أي حاجة إلا إنك تسيبني..

منحها بسكوته الضوء الأخضر لتتمادى معه، لذا شبت على قدميها، واشرأبت بعنقها نحو وجهه لتقترب من شفتيه، ثم همست له بحرارة تأكدت أن تلهبه، وتؤجج الرغبة به:

-ولو عاوزني أقاطع أمي أنا موافقة، المهم عندي إنت وبس.

نظر لها شزرًا، لم يبدو مقتنعًا بأي حرف تتفوه به؛ وإن كانت صادقة، فحتى أسرار الزوجين -والمتمثلة في نظرة كالمقدسات- انتهكتها بوقاحة، دون ندمٍ أو خوف، واليوم لا مانع لديها في قطع صلة الرحم مع الأقرب إليها، فقط لكسب ودّه، واستعادته إلى أحضانه بشكل لا تقبله أي زوجة تمتلك كرامة بعد ما ارتكب في حقها. تلك الطريقة الرخيصة المبتذلة التي تعرض بها نفسها عليه لم يستسغها. أزاح يدها بعيدًا عنه، ورفضها بشكلٍ مشمئز انعكس على تعبيرات وجهها المصدومة، ليقول بعدها بجمودٍ، وتلك النظرة الجليدية تعلو وجهه:

-أمك ماتخصنيش، العيب من الأول عليكي إنتي.

ورغم النظرات المهينة التي يرمقها بها إلا أنها قالت متسولة مشاعره من جديد:

-أنا غلطانة، وصدقني مش هايحصل تاني.

حاولت التودد إليه بشكلٍ حميمي، لعبت بجراءة على مشاعره الذكورية، وحاولت تحفيز الرغبات الغرائزية به بملاطفات خبيرة تشعل العاطفة بالجسد؛ لكنه لم يتأثر مطلقًا مما أقلقها، وقبل أن تواصل ما تفعله، نبذها بالابتعاد عنها .. تطلعت إليه بغرابةٍ، كانت دومًا تنجح في جره لشباك أنوثتها، ومع ذلك بدا كالصنم، لا يبالي بما تمنحه له. بلعت ريقها، وسألته بقلقٍ واضح عليها:

-"تميم" رد عليا، إنت ناوي على إيه؟ خلاص سامحتني؟ قولي، ماتفضلش ساكت كده.

اتجه نحو باب الغرفة ليقول لها بغموضٍ أربكها:

-كل وقت وليه أدان.

ضاقت عيناها متسائلة في توترٍ:

-قصدك إيه؟

تجاهلها مبتسمًا ابتسامة جابنية أثارت حفيظتها، تبعته متسائلة في جزعٍ:

-رد عليا يا "تميم".

بإشارة صارمة من سبابته أوقفها آمرًا بما يشبه التهديد:

-مكانك، ماتطلعيش برا الأوضة دي.. ده لو مش عايزة تخسريني!

هزت رأسها في انصياعٍ، ودون إعادة التفكير قالت، والقلق يعتريها:

-حاضر .................!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى عشر من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من رواية غرام
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة