-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثامن عشر

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن عشر من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثامن عشر

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثامن عشر

 ما زالت تحتفظ بتلك الخصــال المخادعة، في اكتساب تعاطف الآخرين معها، خاصة من لا يعرف حقيقتها المؤسفة، ذرفت العبرات الحارقة وهي تحاول تكوين جملة واضحة من خلال لعثمتها المصطنعة، لتبدو أكثر إقناعًا لها، أفرغت ما يزيد عن نصف علبة المناديل الورقية الموضوعة بحقيبتها، لتمسح دموعها الغزيرة التي أغرقت وجهها، وذلك المخاط المتسرب من فتحتي أنفها. نظرت لها خالتها بإشفاقٍ، وأعدت لها مشروب الليمون البارد لترطب به صدرها المحترق؛ لكن ما الذي يشفي جراح القلوب؟ تناولته منها "خلود"، وارتشفت القليل منه، قبل أن تستنده على الطاولة أمامها، تطلعت إلى "ونيسة" مجددًا بعينيها المنتفختين، وأردفت قائلة بنهنهة متقطعة:

-يرضي مين أفضل كده؟ أنا صبرت.. وماتكلمتش، بس اللي بيعمله فيا حرام.

أطرقت خالتها رأسها في حرجٍ، وقالت بنبرة آسفة:

-أنا مش عارفة أقولك إيه يا بنتي.. وشي منك في الأرض.

اختفى التلعثم من صوتها، وجفت العبرات تقريبًا من مقلتيها حين مالت عليها لتهمس لها بإلحاحٍ:

-يا خالتي كلميه تاني وتالت وعاشر، قولي لعمي "بدير"، ما هو في مقام أبويا.

رفعت "ونيسة" أنظارها نحوها تطالعها بحيرة، بماذا تخبرها وقد بذلت ما في وسعها لإثناء ابنها عن رأيه، والأخير مُصر على رأيه؟ رفت عيناها، وعلقت وهي تلعق شفتيها:

-أنا عملت ده كله، وتقريبًا مقاطعة "تميم"، بس هو راكب دماغه، ربنا يهديه.

امتدت ذراع "خلود" نحو كف خالتها، احتضنت أصابعها، أو بالأحرى أن يُقال اعتصرتهم نسبيًا وهي ترجوها، بنظراتٍ كادت تبرز من عينيها المحتدتين:

-طب قولي لجدي "سلطان"، أنا عارفة إن ليه تأثير عليه.

بصعوبة استعادت يدها من قبضتها، وردت بتوجسٍ خفيف:

-ولو إنه مابيحبش كده، بس أنا هاتكلم معاه.

عاد الحزن ليغلف صوت "خلود" عندما تابعت ببؤسٍ، أرادت أن ينعكس في ملامحها أيضًا:

-يا خالتي أنا لسه قدامي كتير في العدة، وده من رحمة ربنا بيا، يعني لو كلنا اتعاونا مع بعض، وكمان شوية زن عليه، هيعرف إنه غلطان، وساعتها هنرجع لبعض...

كانت محاصرة بين توسلاتها المُلحة، وعاطفتها المشفقة على حالها. تنهدت "ونيسة" قائلة بإيماءة من رأسها:

-لله الأمر من قبل ومن بعد.. هاشوف يا بنتي.

ادعت اختناق صوتها وهي تشكو لها التعاسة الأبدية التي فرضت عليها:

-وبعدين أنا مش عايزة اللي في بطني يطلع ما يلاقيش أبوه جمبه، هو أنا غلطت في إيه يعني؟ جوزي وبحابي عليه، بس الظاهر أنا مش مكفية طلباته.. وده مش عيب لما أقول كده..

انتابتها نوبة أخرى من البكاء، اختلطت بصوتها، عندما أكملت:

-وهو لو عاوز يتجوز تاني وتالت، أنا مش ممانعة، هاحط لساني في بؤي وأخرس، طالما ده هيريحه، وأديني ببص لمصلحة العيل اللي جاي، المهم أكون جمبه.

كان الشقاء والحزن ظاهران عليها بشكلٍ يجبرك على التعاطف معها، ولهذا انخدعت مشاعرها مع ما تبثه لها من هموم. وضع "ونيسة" يدها على كتف ابنة أختها، وقالت بنوعٍ من الدعم لها:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، اهدي يا بنتي، هو في لسه بنات أصول كده زيك؟ وربنا أنا زعلانة على اللي حصلك، هي عين وحشة صابتكم.

مسحت "خلود" بمنديل ورقي آخر دموعها، وعقبت عليها بحسرةٍ:

-منهم لله اللي كانوا السبب.

اتجهت أنظار كلتاهما فجأة نحو الصوت المنادي بزمجرة مزعوجة:

-"ونيسة"!

كان الجد "سلطان" يقف عند الردهة المتسعة، ممسكًا بعكازه، ونظراته غير المريحة مرتكزة على وجه "خلود"، لم يضف المزيد، ولم يرحب بها؛ وكأنه يتجاهل وجودها. كانت أمارات الاستنكار والتأفف تنطق على محياه، لم تتحرك رأسه حين سألته "ونيسة":

-أيوه يا حاج.. أؤمرني؟

أبعد عينيه القاسيتين عن نظراتها المراوغة ليتطلع إلى زوجة ابنه، وطلب منها بلهجته الآمرة:

-اعمليلي قهوة مظبوط.

هزت رأسها في امتثالٍ وهي ترد:

-حاضر.

ادعت "خلود" الإرهــاق وهي تنهض من مكانها لتتجه إليه، أقبلت عليه منحنية قليلاً لتمسك بكفه، وتقبله، مُلقية التحية عليه بتهذيبٍ عجيب:

-إزيك يا جدي؟ أخبار صحتك إيه؟

سحب يده قبل أن تطالها للخلف، ورد بما يشبه الازدراء:

-أهلاً بخلفة "بثينة"..

اتسعت عيناها من إيحائه الساخط، ومع هذا تجاوزت عنه، لتشكو إليه، باستجدائها المتسول لمشاعره، مستخدمة منديلها الورقي، في مسح دموعٍ أوشكت على الجفاف:

-أنا ماليش غيرك يا جدي من بعد ربنا، يرضيك خراب البيوت و..؟

قاطعها بصوت جاف خالٍ من أي نوعٍ من التعاطف:

-شوفي يا بنت "بثينة"، بلاش الشويتين دول معايا...

غامت نظراتها نحوه، حتى عبراتها التي تطيعها وقتما تشاء لتبكي بتأثرٍ لم تقوَ على استدعائها أمام خشونته البحتة. رمقها "سلطان" بنظرة قاتمة نفذت إليها على الفور؛ وكأنها تجردها من أقنعتها الزائفة، وأضاف بصوته المليء بالجفاء:

-المحن وشغل التلات ورقات ده عفا عليه الزمن، أنا مش خالتك "ونيسة" هتضحكي عليا بدمعتين، وابن ابني راجل.. عمل الصح..

تخلت عن ضعفها المستكين لتسأله بوجهها الحقيقي:

-يعني إنت موافق إنه يطلقني؟

ببساطة أجابها، ودون أن يستغرق وقتًا في التفكير:

-ده اختياره، ماليش إني أدخل.

نظرت له بعينين تتقاذف فيهما شرارات الغضب، وردت بصوتٍ أقرب للصياح:

-بس إنت جده، وكلامك سيف على رقبته، خليه يرجعني، احنا لسه في العِدة.

سألها بنوعٍ من التهكم:

-وهو أنا اللي هاعيش معاكي؟ طالما مش عايزك، خلاص...

ثم عِمد إلى مواجهتها بقساوةٍ، ودون أن يأبه بمشاعرها:

-إنتي بالنسباله باب اتقفل في حياته.

تصاعد الدم في وجهها غيظًا من صراحته الفجة، وسألته بوقاحة:

-ده كده كويس يا جدي؟ يطلقني وأنا حامل؟ وإنت عارف كلام ربنا كويس!

علق بهدوءٍ، ليفسد عليها محاولتها الشنيعة لاستفزازه:

-ربنا بيقول فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ .. و"تميم" عمل اللي ربنا أمر بيه، لما الحياة تبقى مستحيلة بإن اتنين.

كزت على أسنانها في غيظٍ أكبر، وأضافت متسائلة:

-يعني يرمي لحمه في الشارع؟

أجابها ساخرًا بابتسامة باهتة:

-شارع إيه؟ ما هو سايبلك بيت أد كده ترمحي فيه إنتي وأمك، وكافة طلباتك بتوصلك أول بأول، عايزة إيه تاني؟

لم تتردد حين جاوبت على المقطع الأخير من جملته، وعيناها تتسعان بتملكٍ وسطوة:

-أنا عايزاه هو..

بدا جليًا من نظراتها نحوه، وتلك العلامات التي تحيط بوجهها من إصرارٍ مُعاند، أنها لن تتخلى عن فكرة ملاحقته، لذا أراد أن يكون صريحًا وواضحًا معها وهو ينطق بكلماته اللاذعة مشددًا على كل عبارة يتفوه بها:

-ولو إنك هتضايقي من اللي هاقوله، بس أنا مش بتاع نفاق، والصراحة كده "تميم" مش عايزك، من الآخر معدتش طايقك، إن جيتي للحق، ده مصدق خلص من الجوازة دي كلها.

انخلع قلبها وتمزق من حدة جمله، وهتفت مرددة في عدم تصديق:

-إيه؟ يعني إيه الكلام ده؟ هو .. قالك كده؟

أشــاح بوجهه عن قسماتها المحتقنة بدمائها الغاضبة، وقال بنبرة باردة:

-روحي جمب خالتك خليها تعملك ينسون ولا نعناع، وشك أصفر، وده مش حلو للي في بطنك.

زاد احمرار وجهها من أسلوبه المليء بالقسوة، وتابع بصياحٍ وهو يسير في اتجاه غرفته:

-يا "ونيسة"، سكي على القهوة، أنا داخل أنام.

ظلت عينا "خلود" الناريتين مثبتتين على أثره طيفه، حين اختفى من أمامها، اعتصرت قبضة يدها هامسة لنفسها بعزمٍ أشد:

-"تميم" هيرجعلي!

............................................................

عــاد إلى داخل المنزل بعد توديع الزوج المستقبلي لابنة أخته، وهو يدعو الله في نفسه ألا تفسد محاولاته المضنية للحصول على تلك التأشيرة؛ حيث ستعود عليه بالنفع المادي، ناهيك عن أمور أخرى يسعى لتأسيسها بعيدًا عن أعين زوجته المتطفلة. رفع "خليل" رأسه للأعلى، في اتجاه "اسماعيل"، الذي على ما يبدو كان ينتظره، وهو يسأله بوجهٍ متجهم:

-أومال فين العريس؟

أجابه الأول مستخدمًا يده في الإشارة:

-مشى، وراه شغل مستعجل، فاستأذني يرجع تاني، هو في حاجة يعني؟

أومأ برأسه بهزة خفيفة، وضرب بعكازه الأرضية من تحته، ليقول بغموض مثير للاهتمام:

-كويس .. لأني عايزك في كلمتين مهمين.

دارت عيناه بشكٍ، وسأله:

-خير يا حاج؟

لم ينطق الحاج "اسماعيل" بكلمة، وانطلق موليًا إياه ظهره نحو إحدى الغرف الداخلية البعيدة عن الضيوف أو الخدم؛ حيث تعتاد العائلة على الجلوس بأريحية. ضاقت حدقتا "خليل" بانزعاجٍ ملموس، واِربد وجهه بالغضب، وقد سأله الأول مباشرةً، دون أدنى استهلال لحديثه:

-قولي، هو احنا من امتى بنجوز بنات عليتنا غصب؟!

رد متسائلاً بنظرةٍ حيرى:

-مش فاهمك يا حاج؟

أعاد صياغة السؤال على مسامعه –بشكل أوضح- قائلاً:

-يعني بنت أخويا موافقة على الجوازة دي؟

أكد له على الفور:

-أيوه .. كله برضاها

هنا نطقت "فيروزة" من خلفه، مبدية رفضها الشديد:

-لأ يا خالي.

استدار برأسه للخلف ليواجهها، وقد بدا مصدومًا لرؤيتها غير محتجزة، استشاطت نظراته، وهمَّ بالاتجاه نحوها ليعنفها بقساوةٍ:

-مين خرجك من الأوضة التانية؟!

ظهرت من ورائها "سعاد"، وتقدمت للأمام لتعترض طريقه بجسدها المكتنز، حجبت عنه "فيروزة"، ورمقته بنظرة استنكارٍ قبل أن تجيبه:

-أنا!

ثم سحبتها نحو عمها لتجلسها على الأريكة العريضة إلى جواره، لتظهر له عن عمدٍ حمايته لها، وعدم قدرته على إيذائها في حضوره. قست نظرات "اسماعيل"، وتقلصت عضلات وجهه، وهو يسأله بصوته الغاضب:

-بتحبس بنت أخويا ليه؟ لأ وكمان بتمد إيدك عليها؟!!

لوح بذراعه مهددًا عندما أجابه:

-بأدبها طالما غلطت.

ظهرت "حمدية" عند أعتاب الباب، وإلى جوارها الغائبة الحاضرة؛ "آمنة"، وتدخلت في الحوار قائلة بسخطٍ، لتدعم زوجها في شراسته نحوها:

-مش بدل ما تطلع تفضحنا قصاد الغريب والقريب.

حدجها "اسماعيل" بنظرة محذرة قبل أن يحرجها بوقاحةٍ جمة:

-أنا بأتكلم مع الرجالة، مش مع الحريم.

تلون وجه "حمدية" بحمرة مزعوجة لإحراجه لها بهذا الشكل السافر؛ وكأن رأيها نكرة لا يُعتد به، تصاعدت الدماء إلى رأسها لتزيد من حقدها نحوه؛ ولكن جاء رد "خليل" مؤيدًا لموقفها:

-لا مؤاخذة يا حاج "اسماعيل"! بس مراتي مقالتش حاجة غلط .. ده اللي كانت "فيروزة" ناوية تعمله.

أشعرها ذلك بنوع من الفخر لرد اعتبارها سريعًا، وقررت ألا تدع الليلة تمر دون أن تقلب الطاولة على رأس "فيروزة"، وتفسد ما بينها وبين عائلتها؛ ربما للأبد. تجاهل "اسماعيل" تحيز "خليل" لزوجته، وسأله من جديد بصوته المنفعل، ونظراته لا تبشر بخير:

-حبست بنت "علي" ليه جوا بيتي؟ مش عايزها تقول رأيها ليه؟

أجابه الأخير بعصبيةٍ، ونظراته تحمل الاتهام نحو "فيروزة":

-ما هو مش بعد ما اتفق مع الراجل، تيجي هي تغير كلامها، لأ وكمان تكسفني قصاد رجالة البلد، عايز شكلي يكون عامل إزاي؟

أضافت "سعاد" موضحة بنبرة شبه عالية:

-معلش! كل شيء بالخناق، إلا الجواز بالاتفاق.. وبنتنا مش عايزاه

أحرجتها "حمدية" بوقاحةٍ:

-مش الحاج قال الرجالة هما بس اللي يتكلموا؟ ولا كلمتي بس اللي بتقف في الزور؟

التفتت نظرات "سعاد" نحوها لتجدها تبتسم لها بازدراءٍ، ورغم هذا لم تناطحها احترامًا لهيبة زوجها، وقالت بهدوءٍ، وتلك الابتسامة الباردة تتدلى من على جانب شفتيها:

-معاكي حق .. نسكت ونخلي الرجالة يصلحوا غلط الحريم.

اعترضت "فيروزة " على كلمة زوجة عمها الأخيرة، وقالت بتحفظٍ:

-أنا مغلطتش يا مرات عمي، خالي اللي عمل كل حاجة من دماغه، وحتى مخدش رأيي

توحشت عينا "خليل" من جراءتها، وهتف يلومها بتشنجٍ، وعروقه تنتفض من شدة انفعاله:

-أيوه مخدتش رأيك لأنك جايباه لحد عندي في فرح أختك، تفتكري واحد بيقولي عاوز بنت أختك، واتقدملك، وجاي من طرفك، هأقوله إيه؟ خليته يتصرف بالأصول، ده على اعتبار إنك موافقة من الأساس، وإلا مكانش جه كلمني عليكي.

ثم توجهت نظراته نحو "اسماعيل" وهو يتابع:

-يعني أنا عملت الصح، وقولتله تيجي يا ابني البلد تطلبها من أهلها، واحنا هنسأل عليك، وعملت اللي عليا، وبعت ناس تتطأس عنه، والشاب طلع محترم وكويس، وقادر يفتح بيت كامل من مجاميعه، وأظن كده عداني العيب.. فين بقى غلطي؟

بدا حديثه منطقيًا، لا يشوبه شيء، واعتراض "فيروزة" مريبًا لحدٍ ما، وعند تلك الجزئية أتى دور "حمدية" لتظهر براعتها في قدرتها على حياكة المؤامرات الدنيئة؛ ولكن بشكلٍ مثير، غرضها في الأخير كسر الهامات، قسم الظهور، وإحناء الرؤوس في مذلة وعار، لذا استأنفت قائلة بخسةٍ، وبكلمات موحية بانتهاكاتٍ غير أخلاقية:

-إلا إذا كان الموضوع فيه إن.. وعشان كده خايفة الجوازة تكمل، ده لأنه دخل في الجد.

سألتها "آمنة" بقلبٍ واجف:

-معناه إيه الكلام ده يا "حمدية"؟ قصدك إيه؟ فسريه؟

التفتت برأسها نحوها لتجيبها بتهمٍ مُلفقة، وبنظراتٍ احتقارية:

-إنها عاملة حاجة غلط، وبتداري على فضيحتها، يعني شرفها اتمرغ في الوحل.

شهقت مصعوقة انطلقت من جوف "آمنة" قبل أن تسده بكلتا يديها، ونظراتها تحولت على الفور نحو ابنتها، بينما هدرت بها "سعاد" مستنكرة بشاعة التلميح:

-عيب عليكي الكلام ده!

كما انتفض "اسماعيل" واقفًا لينهرها بغلظةٍ شديدة:

-لِم مراتك يا "خليل"! اللي بتقوله ده فيه قطع رقاب!!

على الرغم من صدمته مما تلفظت به زوجته، إلا أن ذلك أشعره بمدى دهائها المقلق في التعامل مع الأزمات؛ وإن كانت الأمور قد اتخذت منحنًا خطيرًا، لم يعنفها، ولم ينطق بشيء، فقط نظراته المدهوشة ارتكزت عليها؛ وكأن تفكيره مع كامل حواسه قد أصابهم العطب. وعلى عكسهم صرخت "فيروزة" في إنكارٍ متعاظم:

-أنا ماسمحلكيش، كله إلا سمعتي!

لوحت "حمدية" بذراعها بحركات مهينة أمام وجهها، وهتفت تهاجمها بعدائية وغل:

-مين إنتي أصلاً عشان تسمحيلي؟ حتة بت لا راحت ولا جت عايزة تمشي رجالة بشنبات على مزاجها!

ثم دنت منها أكثر، وواصلت قذفها بتهمها، بصدرٍ يملأوه الحقد:

-قولي خايفة توافقي عليه ليه؟ راجل مافيهوش غلطة، وإنتي خاوتة دماغنا مش عايزاه، واللي في سنك جابوا بدل العيل تلاتة وأربعة.

كانت "فيروزة" على وشك الهجوم عليها، وربما ضربها، غير مبالية بمكانتها؛ لكن فرد "اسماعيل" عكازه أمامها ليمنعها من الاقتراب منها، وهتف آمرًا بوجهٍ مقلوب، ونظراته تبدلت للإظلام:

-خدي بنتك يا "آمنة" السعادي من هنا.

شعرت "فيروزة" بالشكوك تحوم فوق رأسه، فصاحت مدافعة عن نفسها، وقد باتت في نظرات الموجودين –إلى حد كبير- مذنبة، العار يُدينها:

-يا عمي متصدقش كلامها، أنا أشرف من الشرف، اقسم بالله ما عملت حاجة غلط ولا حرام، أنا زي ما أنا..

تجاهل ما سمعه منها ليقول بقساوةٍ غلفت نبرته:

-اسمعي الكلام يا "آمنة"، خدي بنتك من هنا...

احتضنت "آمنة" ابنتها بذراعها، وألقت الأخيرة نظرة آسفة على عمها، والذي على ما يبدو اتخذ موقفًا مغايرًا لذاك الذي كان عليه قبل قليل، وقبل أن تخرج كلتاهما من الغرفة أتى صوته من الخلف يأمرهما:

-وماتخرجوش برا بيتي!

تجمدت قدما "فيروزة" في مكانها، التفتت برأسها نحو عمها، لم يكن ناظرًا ناحيتها، كان واجمًا بشكلٍ مستريب، اتجهت بنظراتها نحو "حمدية" التي بادلتها ابتسامة انتصارٍ خبيثة، وبصعوبة أجبرتها والدتها على التحرك من مكانها لتنأى بها –مؤقتًا- عن شرٍ جديد بات يحيق بها.

..............................................................

تمكن منها الإعياء، فتسللت إلى غرفته بعد استئذان خالتها، حيث لاقت من الأخيرة ترحيبًا بفعل ذلك، ولما لا؟ فربما تتيح لهما الفرصة للتقارب مجددًا، وإنهاء ما اعتبرته خلافًا زوجيًا. تأملت "خلود" بعينين مشتاقتين متعلقاته الشخصية، جابت على كل ما ضمته غرفته بنظراتٍ متأنية؛ وكأنها تسترجع ملكيتها لما كان لها في الماضي. اقتربت من ثيابه المعلقة على المشجب، أمسكت بأطرافها، وقربتها من أنفها لتشتم عطره العالق بها، تضاعفت اللوعة بقلبها، ورغبت بشدة في استعادة ما فقدته معه، همست لنفسها بتنيدة بطيئة تنم عن حاجتها الملحة إليه:

-وحشتني أوي..

سحبت قطعة من ثيابه، واحتضنتها وهي مغمضة العينين، متخيلة أنه يحويها بين ذراعيه القويتين، وشفتاه تنهلان من على شفتيها مذاق الحب الجارف. انتبهت لصوته القادم من الخارج، فتأهبت حواسها، وقفز قلبها في تلهفٍ راغبٍ إليه. وبخطواتٍ شبه سريعة اتجهت إلى الفراش لتستلقي عليه، ووضعت ثيابه إلى جوارها، وأراحت ذراعها عليهم، لتدعي استغراقها في النوم، خلال تأملها الوله لما يخصه.

فتح "تميم" باب غرفته ليتفاجأ بوجود طليقته بها، ألقى عليها نظرة ناقمة منزعجة، خاصة حينما لمح ثيابه بجوارها، كان ذلك حقًا ما ينقص يومه البائس لتكتمل تعاسته وبؤسه، تنفس بعمقٍ، ثم طرد الهواء خارج صدره بصوتٍ مسموع، والتفت متحركًا في اتجاه الباب مناديًا والدته بصوتٍ شبه حاد:

-يامـــه!

جاءته الأخيرة مهرولة، وتساءلت بنبرة أقرب للهاث، ونظراتها المتوترة تفضح تواطئها:

-خير يا ابني في إيه؟

وقف في الردهة الضيقة خارج غرفته، وأجابها بعبوسٍ غطى كل قسماته:

-بنت خالتي بتعمل إيه جوا في أوضتي يامه؟

ردت عليه بكذبٍ شبه مكشوف:

-كانت تعبانة، وأنا قولتلها تنام جوا، مافيهاش حاجة يعني

علق بتنمرٍ وقح، وبصوتٍ أراد أن يصلها:

-يا سلام؟ طب ما عندها أوضة "هاجر".. فاضية ونضيفة، ما تقعد فيها، ولا هو رمي جتت والسلام؟

تقلبت "خلود" على الفراش من الداخل، ونظراتها قد التهبت من جفائه الموحش، اضطرمت نيران غضبها في قلبها مع هجرانه القاسي؛ وكأن ما منحته يومًا له لم يشفع لها، اعتدلت في رقدتها، وأرهفت السمع لما يقال بالخارج. تدلى فك "ونيسة" في بلاهةٍ، فأدرك "تميم" أنها كانت تساعد ابنة أختها في مسعاها للولوج إلى حياته مجددًا، بإقحامها باستمرارٍ في طريقه، حتى لا يجد المهرب منها، لهذا قال لها بوضوحٍ قاطعًا أي أمل معقود على عودته إليها:

-شوفي يامه احنا بقينا أغراب عن بعض، تنام في أوضتي، تنام في الحمام، إن شاءالله تنام تحت الأرض، أنا مش راجعلها.

هتفت فيه والدته تلومه ببكاءٍ زائف:

-حرام عليك اللي بتعمله فيها ده! اتقي ربنا، وارجع لعقلك، مهما كان في بينكم عيل جاي وآ....

رمقها بنظرةٍ قصد أن تكون خالية من أي مشاعر حين قاطعها حاسمًا المسألة عليها:

-قولتلك أنا ظالم ومفتري .. والعيل اللي ماشافش النور ده مش هيجبرني أرجعلها، حتى لو كانت آخر واحدة على الأرض ............................................. !!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن عشر من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من رواية غرام
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة