-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل الحادي والأربعون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الثاني والعشرون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الواحد والعشرون"

روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الحادي والأربعون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل الحادي والأربعون

رفع رأسه عن الوسادة بعد أن يئس أن يأتيه النوم. نظر لساعة الحائط وزفر بضيق، ثم اعتدل جليسًا وأرجع رأسه للخلف.
منذ المساء وهو يحاول النوم لكن بدون فائدة والآن الساعة التاسعة صباحًا ولم يغمض له جفن، فجميع أفكاره تدور حول المضوع ذاته.. وتتركز الأفكار عليها كما لم تتركز على شيء من قبل.

ذكرى البارحة تتردد في عقله كل دقيقة، أحيانًا يخرج منها مبتسمًا وأخرى شاردًا فيها، ومرةً جديدة يحزن لأجلها. ما يوقنه الآن بعد كل ذلك الوقت أنه.. أنه.. حسنًا هو لا يدري ولا يستطيع تفسير الأمر حتى، فهو لم يمر بذاك الشعور يومًا ولم يخضه في حياته، فلم يجد كلمة تتناسب مع ما يشعر به تجاهها.

لوح بيده في الهواء وهو يوبخ نفسه بضيق قائلاً:
-لأ ما انت مينفعش تفضل على الحال دة كتير، صح أنا بقيت حتى مش عارف أنا مين من ساعة ما شوفتها، بس..
صمت قليلاً وهو ينظر ليديه باسمًا، ثم يتابع بنبرة تحمل السكينة:
-بس أنا مرتاح كدة، أنا صح بفقد السيطرة على نفسي تمامًا لما بكون معاها، بس بحس إني كدة بتعامل بطبيعتي، بسجيتي.
أخذ نفسًا عميقًا كعمق البحر إذا ثارت أمواجه العاتية، ثم نزل من على السرير، وسار حتى نهاية الغرفة، تاركًا إياها بعد أن توثق أنه لن يرتاح أبدًا.


سار في الرواق بخطى هادئة، حينها وجد رحيل يخرج من غرفته وقد أبصره، فاتجه نحوه ‘ما ان وقف أمامه ظل لثوانٍ يرمقه بنظرات حانقة.
حينها لم ينتبه له رحيل وقال باسمًا:
-صباح الخير!
حسنًا بالرغم أنه سعيد لسماحها له بمشاركتها حزنها، لكنه حزين أيضًا، حزينٌ وقد تألم حين رأى عينها تذرف الدموع، حزينٌ لجعلها تفعل ما تكره وتضعف أمامه، حزينٌ لأن نبرة صوتها كانت تحمل المعاناة، وكل هذا بسببه. وعلى الرغم من هذا جاهد للإحتفاظ بهدوئه وعدم إظهار ما يخفي.همن حنقٍ تجاهه.
وبهدوء النبرات أردف:
-نمت حلو؟!
أومأ رحيل رأسه وأجابه بحفاوة:
-طبعًا، وبعدين أنا بحب البيت دة وإنت عارف إني..آآ
-قولي يا رحيل عرفت إيه تاني عن مراتي؟!
قاطعه صهيب مبتسمًا بتلك الطريقة الغريبة، فأجابه الأخير بهدوءٍ مماثل:
-متقدرش تلومني أنا كنت قلقان وإنك تتجوز كدة فجأة من غير لا حس ولا خبر مقدرتش أفضل قاعد في مكاني من غير ما أعرف إيه أصلها.
ببساطة أدهشته جاراه صهيب بقوله:
-ووصلت لإيه؟
أجابه مستعجبًا من هدوئه العجيب هذا:
-عادي، بنت عادية من حي فقير وأبوها مات يوم جوازكم!
صمت هو، فأومأ صهيب رأسه متفهمًا، ثم قال له ببساطة:
-تخيل لما أنا أموت وحد ييجي يفضل يفكرك بيا، إيه شعورك وقتها!
اتسعت عينا رحيل وقد بدأ يفهمه، لكن الأمر كان أكثر من مجرد فهم، الأمر يتعدى ذلك، صهيب لا يدافع عن أحدهم أبدًا ولا يُبدي أي مشاعر في العادة تجاه أي أحد، وتلقائيًا سأله:
-إنت عارف إني مقصدش صح؟
أجابه بحدة:
-لأ أنا عارف كويس إنك جرحتها يا رحيل، بس مش معنى إنك خايف عليا تفضل تفكرها باللي بيجرحها ويوجعها!
رد عليه الأخير مبررًا بضيق:
-بس هي مابانش عليها إنها اتدايقت، أنا فكرتها اصلاً مش متأثرة!
نظر له صهيب غير مصدقٍ لما يقول، كيف له ألا يرى كم الألم في عيناها بعدما قاله، أم هو فقط من يملك القدرة على فعل ذلك!
هدأ قليلاً ثم أجابه بحنق:
-جويرية يا رحيل مش زي أي بنت تانية، جويرية لما بتتجرح بتتجرح من جوة، مش من برا، مش عاوزة حد يقولها متزعليش ويشوف ضعفها، ولو كنت فضلت تسألها أكتر من كدة أرجح إنها كانت هتفضل تجاوبك حتى لو هتموت.

نظر له رحيل بصدمة وكأنه يراه لأول مرة في حياته، البارحة فقط رأى تلك النظرات الوالهة في عينيه لها، وظن أنه يتوهم، وها هو اليوم يرى ويسمع أن صهيب، صهيب الذي لم يكُ ينظر في وجه امرأة إلا بازدراء واشمئزاز، صهيب الذي لم يفكر يومًا بالزواج، والذي كان يرى الكره جلي في عينيه لأي امرأة تحاول الإقتراب منه، يراه اليوم يقف أمامه يدافع عن زوجته!
سأله رحيل بدهشة فجأة بعد فترة من الصمت:
-إنت بتحبها؟!

نظر له صهيب مطولاً ولم يجبه، في الحقيقة هو لا يدري ماذا يجيبه، فهو حتى لم يفكر في ذاك الإحتمال من قبل، ثم سأله بتريث:
-إيه الحب من وجهة نظرك؟
أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظر له مندهشًا، لكن على الرغم من هذا أجابه بهدوء مماثل:
-الحب ملوش تعريف واضح كل واحد بيشوف الحب بطريقته، إنت بنفسك تقدر تقيس الإحساس بتاعك على مقياس الحب وتعرف إذا كنت بتحب ولا لأ
تنهد وهو يخرج نفسًا حارًا ويستشعر الألم الذي يأتي مع كل كلمة، فكل كلمة ينطقها تفتح ذكرى جديدة له، ذكرى لم يكن الزمن كفيلاً بجعله ينساها.. ذكراها.
تابع بصوت أخفض:
-بس دايمًا الحب بيبقى فيه حاجات مشتركة مهما كان، أول حاجة بيتملكك إحساس غريب، رغبة بإمتلاك الشخص دة، مش تخنقه إنت عاوز تحطه تحت عنيك عشان تشبع منه، ومش هتشبع! مش هتشبع لأنه في الحقيقة بيزود اشتياقك ليه كل ما بتشوفه أكتر.
نظر له صهيب باهتمام، فقد بدأ يدرك الأمر، واستمع له وهو يتابع:
-عارف كمان، لما بتحب حد بتتمنى تشوفه فرحان على طول، وكل ما بيتوجع إنت بتحس بنفس الوجع، الحب غريب يا صهيب، غريب زي المتاهة ومش كل إللي بيدخله بيعرف يخرج تاني.
حين صمت لم يعقب صهيب، فقط خطى أمامه عدة خطوات وقبل أن يبتعد أكثر، توقف للحظة وأردف بهدوء:
-رحيل، مش هوصيك، متسألهاش على حاجة تاني، ماشي؟
أجابه الأخير وهو يرنوه عند ابتعاده:
-ماشي يا صهيب، إللي يريحك.
لن ينكر أنه قد تغير بشكل ملحوظ، فتحكمه في غضبه وأعصابه هذا الحد له مبرر ما، ولكن مع هذا لا يصدق أنه قد وقع أسيرًا لقلب تلك الفتاة، فحين تزوجا ظنه يحاول الإنتقام منها وتعليمها درسًا على إهانته أمامهم يومًا، لكن على العكس تمامًا لقد أُسر، وصار يكن لها المشاعر، بل ويدافع عنها أيضًا! والآن هل يجب عليه أن يفرح أم أن يحزن من أجله؟!
أقدره شبيهٌ بأبيه؟ أم أن الدنيا قد تحنوا؟

تقدروا تشوفوا احداث الفصل الأول من هنا ⏪ حب لا يجوز شرعاً "الفصل الأول"

خرج إلى الحديقة فلم يجدها، فعجب في العادة تستيقظ قبل هذا وتخرج، لماذا لم تأتِ اليوم!
سأل نفسه فجأةً، هل هي بخير الآن، أم أن ما حدث أمس ما يزال يؤلمها؟
ثم عاد يسأل نفسه من جديد.. هل يحبها فعلاً!
أيعني شعوره بالألم إذا ما تألمت والتفكير المطول بها أنه يحبها؟ هل يعني رغبته برؤيتها وانشغاله بها حبًا، هل الحب أن..
أخذ نفسًا عميقًا ليتوقف عن التفكير، فماذا سيفيده الآن، وخلال ثوانٍ عاد إلى الداخل قاصدًا غرفتها ليراها.

حين وقف أمام غرفتها طرق الباب بهدوء، لكنه لم يسمع ردًا، فقرر فتح الباب وبالفعل قام بفتحه ليلج للداخل بعدها.
انتابته الحيرة عندما وجدها ما تزال نائمة، فاقترب منها وجلس على الفراش بجانبها، وظل يرنوها بشرود.
فجأة وجدها بدأت تفتح عينيها، فظل ثابتًا ناظرًا إليها، وبمجرد أن رأته هي بدأت أحداث البارحة تعود إلى ذاكرتها مرة أخرى. هي دومًا ما تعاتب نفسها كثيرًا لكن تلك المرة يجب أن تقتل نفسها فما فعلته ليس بالهين، لقد.. لقد كانت ضعيفة جدًا، بطريقة لا تحتمل، لقد تركته يواسيها، يا إلهي، ثم أنها قد بكت أمامه و..

-أوحش حاجة ممكن يعملها الإنسان أول ما يقوم من النوم، يفكر في إللي فات!
قاطع هو شرودها بتلك الكلمات، فنظرت إليه، بينما انتصب هو واقفًا وتابع بهدوء:
-كل يوم بيبقى شايل من الهموم إللي على أده ومفيش مكان لليوم إللي احنا فيه لهموم اليوم إللي قبليه.
جلست هي معتدلةً بعد أن ابتسمت ناظرة إليه، وأرجعت شعرها الأسود للخلف بروية وما لبث أن تحدثت بإتزان النبرات:
-تقريبًا كدة إنت بتحاول تاخد دوري والله أعلم!
رفع حاجباه ساخرًا فتابعت ببساطة وهي تنزل من على الفراش:
-لكن مهما حاولت مش هتعرف، تحليل الشخصيات دي لعبتي، ومجرد إنك تعرف بفكر في إيه مرة مش معناه إنك هتعرف كل مرة!
سألها ببرود:
-واثقة؟
أجابته بثقة، وهي توليه ظهرها متجهة للحمام:
-أنا ممكن أكون فهماك كويس جدًا، لكن إنت مش هتعرف تعمل كدة كتير.
عقد هو يديه وحرر حاجبيه ليجيبها بثبات بعد ذلك:
-ثقتك الزايدة دي..
دلفت هي للحمام وبدأت تغسل يديها ووجهها وتتوضأ، وهو يتابع بنفس السكون:
-مش هتفيدك بحاجة
صمت قليلاً وانتظرها بعد الوقت إلى أن خرجت وهي تجفف وجهها، وتبحث بعينيها عن شيءٍ ما، بدى وكأنها تحاول تجنبه قدر المستطاع، ولم يكن الأمر صعبًا ليفهمه، حينها اقترب من فراشها والتقط حجابها الذي نزعه عنها ليلة أمس، ثم اقترب منها ومد يده لها به، لكن قبل أن تلتقطه أبعد يديه قائلاً بخفوت:
-على فكرة مش صعب أفهمك خالص
ابتسمت ساخرة وهي تنظر لوجهه، ثم تبعتها بقولها بدهاء:
-يعني إنت عاوز تقول عشان فهمت بدور على إيه يبقى هـ..
أمسك هو يدها ووضع لها حجابها بها، ثم قاطعها بنفس الخفوت:
-شكلك إنتي إللي من كتر ما بقيتي بتفهمي الناس معدتيش بتفهمي نفسك، أو بمعنى أصح نسيتي نفسك، وحتى لدرجة إنك بتلوميها على كل حاجة عشان متجاهلاها، أو مش قادرة تفهميها. 
نظرت له مستعجبة، فإلى حدٍ كبير هو يقول الصدق، ولكن لم تتغير تعابير وجهها كثيرًا وظلت ابتسامتها كما هي.
تابع هو بثقة:
-وعلى فكرة أنا مش بحاول آخد دورك، أنا بحاول أرجعك لنفسك
تر يدها الممسكة بطرحتها، ثم سار عدة خطواتٍ بعيدًا عنه وهي ترنوه بهدوء، إلى أن اقترب من الباب، حينا التف إليها وأضاف بروية:
-نص ساعة أقصاكي وبعدها تنزلي عشان تفطري معانا.

ثم فتح الباب وذهب، أما هي فكانت مندهشة من طريقته، ثم من أخبره أنها ستنزل، من أكد له أنها ستفعل، هذا يرجع إليها وحدها دونًا عن غيرها. زفرت بحنق ونسيت فيما كانت تفكر عندما استيقظت، ففردت حجابها ولفته حول شعرها بهدوء، فترة قليلة من التفكير.. ثم اتخذت القبلة وبدأت تصلي.


خرج من غرفتها وقد ارتسمت ابتسامة سمجة على محياه، وبثقة حدث نفسه:
-أنا واثق الوقت انها مش هتفكر في حاجة تاني، ولو فكرت هبقى فيا، وهتنزل تاكل معانا كمان، مبقاش صهيب قصي لو هي منزلتش.

كانت الخادمة بالفعل قد أعدت الفطور وكانت تنتظرهم لتتابع إحضار باقي الأطباق الساخنة لكي لا تبرد، في حين جاء صهيب وجلس على المائدة. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى حضر رحيل وجاوره المقعد أيسره، ولم ينطق أحدهما بكلمة، فكلاً منهما شارد في عالمٍ مختلف، وعلى عقلهما طُرحت العديد من الأسئلة.
كان أكثر ما يشغل صهيب حينها، هل ستأتي أم لا؟!
وما شغله أكثر، هل هو قادر على إثبات تشابههما، وأنه يستطيع أن يفهمها في كل لحظة، ما يقلقه أغلب الوقت أنه لم يرَ لها رد فعل قوي، لم تطلب الإنفصال أو الطلاق، ربما هو لا يدري ماذا سيفعل عندما تطلب أمرًا كهذا!
فأن يريدها شيء وأن يجبرها على المكوث كل حياتها معه شيءٌ آخر. وهو لن يفرط في سعادتها يومًا، لكنه سيستمر في فعل كل ما يستطيع حتى...

-السلام عليكم..!
هتفت بها لينتبها إلى تواجدها، وبالفعل فقد استدعت إنتباههما ونظروا ناحيتها بسرعة. نظر لها رحيل بفتور، ومن ثم حول انتباهه للأمام من جديد.
أما صهيب فنظر لها بعمق، ونسي أن يرد التحية حتى، فقد كان سعيدًا للغياية لحضورها، وتلقائيًا امتلأ وجهه بابتسامة هادئة، وعم الصمت الأرجاء للحظات. سحبت هي مقعدًا وجلست عليه ناظرة لهما، ثم قالت بهدوء:
-ربنا عز وجل قال "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن السلام إسمٌ مِن أسماء الله تعالىَ وضعهُ في الأرض، فأفشواْ السلامَ بينكم".
نظر الإثنان لها في تعجب، فهذا هو الكهل الذي أمضى حياةً كاملة يستمع إلى فواحش القول من الموبقات والآفات مثل الموسيقى والسباب، الآن يستمع إلى ذاك الكلام النقي، الذي لم يستمع إليه من قبل!
بينما تجاوز الأخير دهشته بسرعة وظل باسمًا، ثم رد عليها:
-وعليكم السلام.
ابتسمت مبادلة إياه الإبتسامة، حينها نظر لها رحيل وسألها باهتمام:
-مين علمك الكلام دة؟!
أخذت نفسًا عميقًا ثم أجابت:
-كنت وأنا صغيرة بحب أحفظ الأحاديث، والقرآن أنا وسوفانا وماما كانت بتشجعنا وبابا كمان.
بدى على وجه صهيب الحيرة وسألها:
-سوفانا!
أجابته بابسامة تحمل الكثير من الألم والحزن:
-أختي.. أختي التوأم.
تذكر هو أن لها أختًا قد توفيت، وتلك الإبتسامة تخبره جيدًا أنها هي نفسها.
نظر لها رحيل باهتمام، فقد أعجبه ما قالته حقًا، ربما لاحقًا يعذر ولده على الوقوع ضحية لها.

أحضرت الخادمة باقي الأطباق الساخنة والشاي، وبدأ الجميع بتناول الطعام في صمت. أقصد قد بدأ الجميع بالتظاهر بتناولهم الطعام.
فقد كان رحيل شارد الذهن كأنه يفكر في معضلةٍ ما، وكانت جويرية تمسك الخبز وتقطعه أجزاءً صغيرة وهي تنظر في الفراغ بوجوم، وكان هناك من هو شاردٌ فيها.

بعد ما يقرب من الربع ساعة وقفت جويرية فجأةً وهي تردف بفتور:
-أنا الحمد لله شبعت، أستأذن أنا.
ثم قامت من على مقعدها وخرجت من الغرفة متوجهةً للحديقة، وما لبث أن ذهب صهيب خلفها بدون أن ينطق بكلمة.

كانت واقفةً أمام وردة بيضاء تنظر لها بلا تعابير واضحة، حينها وقف بجانبها ونظر إلى ما تنظر إليه، ثم سألها بهدوء:
-مالك؟
أجابته بهدوء مماثل:
-تفتكر الوردة دي بتحس بإيه؟
أجابها ببساطة:
-أكيد فرحانة، كل يوم بتاخد إللي هي عاوزاه من الماية، ونور الشمس، وبتكبر، وريحتها حلوة كل الناس بتحبها.
أمسكت هي بتلك الوردة وأطبقت عليها بيدها، ثم عادت تسأله بترقب:
-طب دلوقت وأنا هاقطفها
إقترب منها قليلاً ثم همس في أذنها بثقة:
-لسة فرحانة
سألته بهدوء:
-ليه؟
أجاب ببساطة:
-عشان إنتي مش هتقطفيها.
تركتها حينها، ثم استدارت ترنوه متسائلة بصوتٍ منخفض:
-مين أكدلك؟!
بنفس البساطة والثقة أجابها باسمًا:
-دي أكتر وردة بتحبيها في الجنينة دي كلها، وكل يوم بتفضلي تقفي عندها تبصيلها شوية وتمشي، يو ما هتقطفي مش هتختاري دي!
صمت قليلاً يراقب أنظارها المتوجهة نحوه بهدوء، ثم تابع:
-ثم إن إللي بيحب حاجة مش بيدمرها، وإنتي بتحبي الورد مستحيل تقطفيه.
صمتت لفترة ترقبه فيها بتأني، قبل أن تقول بخفوت:
-عارف الوردة دي يا صهيب، خافت لما شافتني ماسكاها كدة، الوردة متعرفش إني استحالة هقطفها زيك كدة.
نظر صهيب للوردة باشمئزاز ثم حرك رأسه نافيًا وهو يردف بأسف:
-حتى الورد بقى مفتري!
لم تقاوم طريقته أكثر من ذلك فضحكت من كل قلبها لدرجة أنها قد سعلت من شدة الضحك، فقد كان يتصنع الجدية بنظراته ونبراته بطريقة مضحكة حقًا. وحتى أنها لم تدرِ بالفعل ما سبب ضحكها بهذا الشكل.
نظر مصدومًا وهو يراها تضحك، فهو لم يظن أنها ستفعل، نعم كان يمزح لكن..
حسنًا، سيطرت عليه رغبة بالضحك هو الآخر، فشاركها الضحك. لم يرها تضحك من قبل، وقد كان سعيدًا لدرجة أنه ضحك كما لم يضحك يومًا.
ثم نظر كلاهما إلى بعضهما بعد أن صمتا، ثم لتلك الوردة الظالمة وهما لا يدريان ماذا يجب أن يقال الآن.
إلى أن بدأ هو بنبرة بدت سعيدة بعض الشيء:
-أول مرة أعرف إنك بتضحكي زي خلق الله!
رفعت هي رأسها لأعلى، وأجابته ببساطة:
-لأ بضحك، بس أنا من شهر ونص مضحكتش، أو ممكن أكتر.
إقترب منها حتى صار أمامها مباشرةً، ثم وضع إبهامًا من كل يدٍ على وجهها وهو يرسم إبتسامة عليه، فانزعجت هي مما فعل وبدون تفكير ركلته في قدمه وابتعدت عنه خمس خطوات قائلة بنزق:
-أنا بني آدمة يابني!
اقترب هو منها خطوتين وهو يرد عليها بغضب:
-إنتي جايبنك منين، ردك جاهز كدة على طول يا إما تتكلمي وتحبسي دم إللي قدامك أو تضربيه؟!
ردت ببرود:
-آه
حاول هو السيطرة على غضبه واقترب منها إلى أن صار بمحاذاتها، وما أثار انفعاله حقًا أنها ما تزال ثابتة لم تتحرك قيد انملة، تخبره بكل جرأة أنها لا تخشاه أبدًا، وبدون تفكير هو الآخر قام بحملها متجهم الوجه، حينها سيطرت هي على حنقها الناتج عن حملها المفاجئ بتلك الطريقة، ونظرت له بهدوء ثم قالت:
-متخافش يا صهيب رجلي موجعتنيش لما ضربتك!
نظر لها وأردف بنفاذ صبر:
-إيه إحساسك لو رميتك على الأرض الوقت؟!
هزت كتفها غير آبهة وهي تجيبه ببرود:
-على الأرجح مش هحس بحاجة، أنا هيغمى عليا على طول.
يئس هو منها فقام بإنزالها من جديد فعقدت هي ساعديها أمامه بتحدي، وبالرغم من كل ما تفعله إلا أنه كان سعيدًا جدًا، سعيدًا لأنه خفف عنها ولو قليلاً وأنساها آلامها ولو مؤقتًا، سعيدًا لأنه رآها تضحك لأول مرة، ولأنه لم يشعر بتلك السعادة يومًا، حقَ عليه أن يشعر بها بطريقة مختلفة. ولأول مرة يهنأ كليهما ببعض الراحة.

لم يعلما أن هناك من يقف من بعيد، يراقبهما، باسمًا، بهدوء، وسكينة، وكأنه وجد سلواه في مرقبتهما وهما ستصرفان على سجيتهما.......!!!

.......................................!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة