-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن ( الفصل السادس عشر والأخير )

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والحكايات الخلابة في موقعنا قصص 26 مع الفصل السادس عشر والأخير من  رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن، هذه الرواية مليئة بالعديد من الأحداث الرومانسية والطريفة والعاطفية.
تابعونا لقراءة جميع أجزاء رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن.

اقرأ أيضا 

رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن


الفصل الخامس عشر من رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن
رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن ( الفصل السادس عشر والأخير )
رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن ( الفصل السادس عشر والأخير )


رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن ( الفصل السادس عشر والأخير )

إنتهت مراسم الزواج وابتدى عطر النسمات يلفحهما ويعصف بهما بعيدا مبحراً على متن الشوق الهادر بين أمواج عاتية تداعب شذرات ماءها الباردة وجهيهما مشاكسة ولكن هيهات أن يلتفتا لها مهما زادت برودتها ومهما كثرت مشاغبتها حتى خاب أملها فإنحصرت وهدأت وإنسحبت بهدوء مفسحة المجال لخيوط الشمس التى أوشكت على الانسدال بلمعتها الذهبية الحارة تتكفل هى بمداعبة جفنيهما لتعيد سفينة حبهما المبحرة رغما إلى شاطىء النهار اللامع الذى جاء خصيصا لينير طريق تلك الخيول الضارية التى تشق الغابة شقا فى طريقها إلى بلادها ومملكتها معلنة إنتهاء وقت الخضوع والهرب والتراجع ..

وعلى غير المعتاد كان جواد "جاسر " هو آخر تلك الخيول فلقد عمد إلى أن يجعل جواده فى النهاية حتى يستطيع أن ينعم بقرب حبيبته وزوجته "ياسمينا" دون أن تراقبهما أى من العيون .. أحاطها بذراعه وأحكم قبضته على لجام جوادة بيده الأخرى وهو يقول برضا :
- هذا أفضل بكثير
إلتفتت براسها إليها تسأله بخجل:
- لماذ أرغمتنى على ترك "عنان" بصحبة "مودة" فى المقدمة أنا لا أكاد  أراهما بوضوح
ابتسم وهو يحث "جسور" على السير البطىء :
- أريد أن أنعم بقربك قليلاً يا حبيبتى
إعترتها موجة مفاجئة من القلق والإضطراب وتخللت قلبها الذى كان يخشى العودة مما جعلها تقول بشرود:
- لماذا نحن عائدون يا "جاسر" لماذا لا نبقى بعيدا
شعر برجفتها فأراد أن يطمئنها قائلا:
- قلت لكِ من قبل لا تخشى شيئا يا حبيبتى لن يكون هناك قتال والجميع هناك يستعدون إلى الخروج لملاقاتنا .. لو خرج الشعب الثائر فى غضبة واحده فلن يستطيع أحد الوقوف أمامه ولا حتى جند "سيسيان" ومن معهم ولن تنفعهم أسلحتهم حين ذاك

لم تجبه ولم تستطع أن تروض خوفها كل ما فعلته فقط أن إستكانت ملقية رأسها على صدره والنسمات تداعب شعرها الذى يثور و يلوح بكبرياء أمام وجهه فيضمها أكثر وهو يحاول أن يخفى ما تسرب إليه من قلق ..
ليس خوفا من المواجهة ولكن خوفا من الناس التى من الممكن أن تخذله وتظل قابعة مكانها فمن تربى على الذل من الصعب أن يتفهم معنى الكرامة ويثور لأجلها

مرت الخيول بمن عليها عبر باب حديقة "جاسر" القابعة حول بيته وبستانه بهدوء وهنا بدأ التحرك بترقب وحذر ولكن بثقة و"صارم" يتقدمهم جميعاً بجسارة وما أن بدأت الخيول عبور بوابة الحديقة الرئسية إلى المدينة تفاجأ الحراس الذين كانوا يحرسون البوابة بأعداد الخيول المقتحمة ووجوه قد غابت عنهم لسنين مما أدخل الرعب فى قلوبهم ومنهم من ظن أنهم اشباح عادت للإنتقام ففروا جميعاً هاربين مما أتاح للعائدين العبور بسلام والتوجه مباشرة إلى الميدان الكبير المواجه للقصر الملكى وفى الطريق كانوا يمرون بالطرق والأسواق عامدين إلى ذلك ليشعلوا الهمة بنفوس العامة ويشعلوا الحماس فى قلوب اللذين مازالوا يتثاقلون خوفا من المواجهة خائفين من قول كلمة لا
وهم من تعودوا على الخضوع دائما وأبدا . هم من ارتضوا أن يعيشوا ساكنين هادئين يأكلون ويشربون ويتزوجون فقط دون أي تطلع أو رغبة في تغيير حياتهم للأفضل
 إرتضوا حياة المخلوقات الأخرى الاقل دونيه بلا هدف ولا طريق
كانت مجموعة الشباب التى كانت تعمل بالمدينة قد أتمت مهمتها وجمعوا من وافقهم من الشعب وقد كانوا الأغلبية الساحقة وساروا فى إتجاه الميدان الكبير ليتقابلون مع "جاسر" كما هو الموعد المتفق عليه هناك
كان حشدا مهولا هادرا من الناس ولحق بهم عددأً كبيراً من المقهورين والمظلومين و النساء والفتيات من كل حدب وصوب ومن بينهم المرأة والفتاة التى أخذوا عائلهما الوحيد أمام أعينهما ولم يروه من يومها ولم يسمعوا له همسا ...
وبدأت الجموع تتلاقى وكل منهم تشع عينيه أملا وتفاؤلا وثباتاً وصبراً والحناجر تهدر وتزار فى مواجهة الطغاة .. وإمتلىء الميدان وفر الحراس رعباً وهلعاً وسُدت بوابات القصر فلم يستطع أن يخرج أو يدخل منه أو إليه أما فى الداخل فلقد كان هناك من يصرخ غاضباً فيمن حوله :
- أين قائد الجيوش أين قائد الحرس كيف يحدث هذا فى مملكتى

وقف أمامه أحد الحراس وقد شحب وجهه بشدة وقال باضطراب :
- لم نجد لهما أثراً يا مولاى لقد فر الجميع أمام تلك الحشود الكبيرة من الناس
صرخ "سيسيان" وصدره يشتعل ناراً:
- اقتلوهم جميعا اعتلوا الأسوار واقتلوهم الان
حرك الحارس رأسه بيأس قائلا:
- لو كانوا قلة لفعلنا ولكن ما الفائدة الآن من قتل عشرة أو مائة أو حتى ألف النتيجة واحدة يا مولاى .. الهلاك
أمافى الخارج فلقد وقف "جاسر" مجاوراً لـ"صارم الحكيم " وقال وهو يشير بإتجاه القصر:
- إنها اللحظة الحاسمة يا "صارم" ولكنى أخشى على الملك "الصالح" بالداخل ..إنه فى سجنهم وبين أيديهم ومن الممكن أن ينتقموا منه ويقتلوه هل نقتحم القصر أم ماذا ترى؟
 عبث"صارم " بلحيته وهو يحركها بتفكير عميق ثم قال ببطء وهو ينظر إلى "جاسر" نظرة يفهمها:
- لم يبقى سوى الحراس بالداخل شاهرين أسلحتهم فلو اقتحمنا لحدثت مقتلة عظيمة ولقد اتفقنا على عدم حمل السلاح .. الأمر لا يحتاج سوى رجل يعرف جيدا الطريق إلى السجن أسفل القصر فقط
فهم "جاسر" ما يرمى إليه "صارم " ويقصده فإستدار على الفور بفرسه الأدهم وهو يقول موجهاً حديثه لـ"صارم" :
- إعتنى بـزوجتى إن حدث لى مكروه
قال كلمته وإنطلق على الفور نحو البوابات الخلفية للقصر والتى استطاعت "مودة" من قبل خلال رسائلها أن تنقل إليه كل شىء تعلمه عن مكان تلك السجون القابعة أسفل القصر والتى يحتجز بها الملك " الصالح "
تسلق "جاسر" بخفة وسرعة الفهد أحد الأسوار التى إنتقاها بعناية فهى بعيدة عن الأعين وأقل ارتفاعاً يحفها أوراق الشجر المتناثر على أرجائها بغير تناسق .. وهو يتمتم بإنتصار بعد أن عبر داخل البستان الخلفى :
- لو لم أتدرب كل تلك السنين إلا من أجل هذا لكان كافيا
أما فى الداخل فلقد كان "سيسيان "قد حسم أمره بعد أن علم بهروب قائدى االجيش والحرس وأيقن أنه اصبح وحيدا الا من بعض الحرس فى الخارج واستل سيفه وهو يتجه إلى القبو والذى اصبح خاليا بعد أن تركه الحراس وإتجهوا جميعا إلى الأعلى نحو البوابات الرئيسية لحمايتها من الاقتحام
هبط درجات القبو كالمجنون شاهراً سيفه وقد عزم الأمر على قتل "الصالح" فإن لم يصبح هو الحاكم فلن يترك "الصالح" على قيد الحياة ليعود حاكما منتصرا من جديد
توقف أمام الباب الحديدى وفتح مزلاجة بقوة فأصدر صريراً مزعجاً .. دفعه واقترب من الباب الداخلى وأخرج المفتاح الحديدى بعنف وفتح الباب وهو يدفعه للداخل بغيظ شديد ودلف للداخل ووقف ينظر إلى الملك "الصالح" الذى ما أن رآه حتى وقف أمامه بشموخ ونظر إلى سيفه المشهر نظرة ثبات ساخرة ثم عاد بعينيه إلى "سيسيان" لتتلاقى أعينهما من جديد وهنا صرخ "سيسيان" غاضباً :
- سأقتلك قبل أن تخرج منتصراً
قال كلمته وهو يقترب من "الصالح " الذى نظر له بثبات وهو يعقد ذراعيه أمام صدره قائلا:
- مسكين يا "سيسيان" أنك لم تتعلم بعد .. تظن أنك بقتلى ستنتصر وأنت لا تعلم أن دمى سيشعل مدفئة الحرية فى نفوس الأحرار
إندفعت شرارات اللهب من وجه "سيسيان" حقدا وبغضا وقبل أن يتقدم أتاه صوت والده من الخلف وهو يقول بقسوة :
- وأنا ايها العاق ماذا ستفعل بى هل ستقتلنى أنا أيضا
إلتفت إليه "سيسيان" وقال مستهزءاً :
- موتك من حياتك لا يمثل أى شىء فلقد أنتهى دورك منذ زمن
هز "المنصور" رأسه بأسى وهو يقول:
- معك حق .. فأنا من صعنت من نفسى أضحوكة تلوكها الأفواه
نظر له "سيسيان" بإزدراء وعاد بعينيه إلى "الصالح" وهم بالتقدم نحوه لقتله فى الحال ولكنه توقف عندما استمع إلى الصوت القادم من خلفه يتوعده ويحذره :
- إخفض سيفك أمام الحاكم يا "سيسيان" وإلا قتلتك
استدار "سيسيان" وتعلقت الأبصار بهذا القادم من العدم وإنعدمت لغة الحروف وتحكمت لغة السيوف  ..
اصطك النصلان بصليل مزعج قاتل يبعث الرهبة فى النفوس تفوح منه رائحة الدم الخانقة ..
لقد كان "جاسر" أكثر مهارة وقوة ولكن "سيسيان" كان أكثر غضباً وبغضاً..

تجمع الناس فى الخارج فى مجموعات ملتفة حول بعضها البعض ودارت بينهم محادثات جانبية فمنهم من ينتظر خوفا ويريد أن يرحل ومنهم من هو ثابت تلمع عينيه بالأمل والنصر ومنهم من هو مثبط للعزائم هزيل الكلمات يدعو للتراجع أينما كان وهى الفئة التى تأتى دائما للمشاهدة ومتابعة ما يحدث عن قرب فقط .. وقف أحد هؤلاء يتحدث إلى الناس قائلا :
- يبدو أن وقفتنا هذه لا طائل من ورائها هيا بنا نرحل قبل أن يقتلونا

إنقض "سيسيان" على "جاسر" بضربة قوية حانقة أجبرت "جاسر" على التراجع للخلف خطوة واحدة  ليستعيد توازنه من جديد وهو يصد تلك الضربة العاصفة

هتف رجل آخر يبدو عليه أنه من هؤلاء الثابتون :
- أبعد كل هذا وبعد ما وصلنا إليه نرحل ؟! لا والله لا يكون أبدا
استعاد "جاسر" توازنه سريعاً وبادر "سيسيان" بضربات متتالية كل ضربة أقوى من أختها كادت أن تطيح بسيف "سيسيان" من سرعتها وقوتها

  ضم أحد الرجال إبنته إلى صدره وهو يقول خوفا :
- إذا قبضوا علينا فلمن سنترك بناتنا وزوجاتنا
تناول آخر يد زوجته وهو يقول متابعاً:
- يكفى ما حدث حتى الان يبدو أنه لا أمل من البقاء

قفز "سيسيان" عاليا ليتفادى بنجاح ضربة قاصمة كادت أن تفصل قدماه عن جسده وظهرت ابتسامة مقززة حول ثغره وهو يحكم قبضته حول مقبض سيفه وينهال على سيف "جاسر" مهاجماً ببراعة أجبرت "جاسر" على التحرك بسرعة يمينا قبل أن يلتصق ظهره بباب الزنزانة فيكون بين المطرقة والسندان

كاد  أن يتحرك البعض للعودة ولكن أمرأة يظهر على ثيابها الفقر والحاجة وقفت تهتف بهم :
- أفى اللحظة الحاسمة تتركونا وتتركون قضيتكم التى جئتم من أجلها ما هذا الثبات المترنح يا رجال لقد أوشك الليل أن ينصرم وبات القليل على بزوغ الفجر فلا تتخاذلوا وتخذلوا أخوانكم

إنقض "جاسر" مرة أخرى بعزيمة أكبر وهو يهتف:
- لا أريد أن اقتلك يا "سيسيان" استسلم أفضل لك
نزع "سيسيان" وشاحه بعد أن دفع سيف "جاسر" وقفز ليتخطى أحد المقاعد الخشبية حتى لا يتعثر بها وهنا أشار "جاسر" إلى الملك "الصالح " أن يبتعد نحو الباب حتى لا يصاب وقد اقتربوا منه بقوة دار كل منهما حول الآخر ببطء قاتل وقد عزم كل منهم على الفتك بخصمه وكل منهما يرقب تحركات غريمه بعينين كالصقر واستعداداً للإنقضاضة الأخيرة .. إنقضاضة الموت

أندس بين الناس بعض الجواسيس ووقفوا يهتفون فى الناس وهم يشيرون إلى الأسوار صارخين:
- إأنظروا حولكم لقد أحيط بنا وسوف يقتلونا .. لقد طال الإنتظار ويبدو أنهم قتلوا الملك "الصالح" هيا فليعد الجميع إلى منازله
كاد أن يحدث تصدع بين صفوف العامة لولا خروج الفتيان والشباب فى صفوف متشابكة أيديهم وخلفهم صفوف أخرى من الفتيات والنساء ووقفوا بالقرب من الأسوار هاتفين فى الجمع الغفير:
- من أراد منكم الرحيل فليرحل أما نحن فصامدون
صمود الفتيان والفتيات كان هو الوتد الحقيقى وثبت الجميع أقدامه عازمين على الإستمرار وعدم العودة مهما كلفهم ذلك من خسائر قريبة

وهنا إنقض "جاسر" كالصقر بمهارة وخفة وقوة لا قبل لـ"سيسيان" بها وأطاح بسيفه ليرتطم بالجدار ووجد "سيسيان " نصل سيف "جاسر" مثبتاً بالقرب من عنقه وصوته الهادر
 يقول :
- استسلم يا "سيسيان" لا أريد قتلك وأنت أعزل
شعر "جاسر" بيد توضع على كتفه من الخلف وصوت الملك" الصالح" قائلا:
- لا تقتله يا ولدى فليس من شيم الفرسان قتل العُزل

ولكن من شيم اللئام التمرد والخيانة أيها الملك "الصالح" فأخلاق الفرسان لا تصلح مع اللئام .. أخرج "سيسيان " خنجرا وغرزة بذراع "جاسر" الممسكة بالسيف ودفعة بقوة وفر هارباً
نزع "جاسر" الخنجر بقوة متألما وقبض على جرحه يمنعه من النزيف وهويقول بألم :
- هيا يا مولاى الملك فلتخرج إلى الناس فلقد طال إنتظارهمً
أتسعت أعين الحراس فوق أبراج القصر وهم يرون "سيسيان" يخرج من القصر مهرولاً بدون سلاحه ووشاحه متجهاً إلى أحد الأسوار ليتسلقها إلى الخارج فأدرك الجميع أنهم مُغرقون فتركوا أسلحتهم وابراجهم بحركات متخبطة لاحظها الناس خارج الاسوار وهتف "صارم" بصوت عالى منبهاً:
- لابد أن "سيسيان" يهرب الان وهم يحاولون اللحاق به
إلتف الناس حول القصر على الفور فى محاولة للحاق بـ"سيسيان" قبل أن يهرب ولكنه كان قد باغت أحد المارة وضربه حتى افقده الوعى ثم أتشح بردائه وسار بين الناس متخفيا حتى لا يلحظه أحد .. وفجأة هتف صبى صغير مر به "سيسيان" وهو لا يدرك أن هذا الطفل أحد ضحاياه .. قد تيتم وفقد عائلته جميعا على يديه الباطشة ويحفظ وجهه عن ظهر قلب وسمع الصغير يصرخ فى الناس:
- هذا هو "سيسيان" قاتل ابى وأمى وأخى

حاول الهرب ولكنه أُحيط به من كل صوب .. حاول تلامذة "صارم" تخليصه لمحاكمته ولكن الناس لم يمهلوهم الوقت الكافى فلقد كان لكل منهم دم مسفوحا قد أُريق على يديه أما ابا أو أما أوأخاً أو أختاً أو صديق حتى الأطفال لم ينجو من بطشه وجبروته .. لك يكن يتصور الأمير "سيسيان" أنه فى يوم من الايام بعد أن كان يحلم بالملك والعظمة أن تأتى نهاية بالضرب بالأحذية كأى لص خسيس ..

تعالت الهتافات وابتسمت الثغور لترسم لوحة النصر بريشة الصمود عندما خرج الملك "الصالح" فاتحا ذراعي عن آخرهما بين الناس وكأنه يحتضنهم جميعاً وينظر إليهم بأحترام وتقدير فهذا هو الجيل الذى لم يتخلى عن الحرية ولم يستسلم كما استسلم من قبله وعانق "صارم" بقوة ثم نظر إليه بابتسامة ودودة وهو يقول :
- كم كنت حكيماً ايها "الحكيم"
أبتسم "صارم" وهو يبادله العناق قائلا برضا :
- كم كنت ثابتاً ايها "الصالح"

أمسكت "ياسمينا" بذراع "جاسر" بهلع وهى ترى الدم يتدفق منه وقالت بلوعة:
- ماذا اصابك يا "جاسر"
ابتسم مشاكساً ليبعث الامان إلى نفسها قائلا:
- لا تقلقى يا حبيبتى أنها طعنة خنجر صغيرة ولقد نزف الخنجر على اثرها كثيرا
ابتسمت من دعابته من بين دمع خوفها وجزعها وهى تربط جرح بجزء من ثيابها مزقته لأجله

وقف الملك "الصالح" يهتف بين الناس ليصل صوته للجميع وهو يحيهم على صمودهم وثباتهم
 ثم قال معتذرا:
- أعتذر منكم جميعا فلكل منا أخطاء ولقد كان خطأى كبيرا لقد ظننت أن إكرام اللئيم سيعيده إلى صوابه وسيجعله يتشارك معنا فى بناء بلادنا ولكنى كنت مخطئا لقد زاده الإكرام خسةً وندالة وطمعاً .. أعتذر منكم لأنى رايت خيوط المؤامرات من حولى منذ اليوم الأول لى فى الحكم ولكنى لم أطلعكم عليها ولم اشرككم فيها لتعيننونى بقوة
ولتضربوا معى على ايدى الفساد المستشرى فى بلادنا .. قررت أن أحل تلك المشاكل وحدى ولكن الزمن اثبت لى أننى قد جانبى الصواب ..
لقد مرت بلادنا بالكثير فى السنوات الدامية الماضيه ولابد أن نضع جميعا ايدينا جنبا إلى جنب بل وتتشابك لنصنع منها طوقا نُخرج به بلادنا مما ألم بها من خراب وفساد ودمار على يد هؤلاء السفاحين سنطهر بلادنا بايدينا سنعيد بنائها من جديد فهى تستحق ذلك فأعينونى بقوة .

ألتفت "جاسر" إلى "ياسمينا" مبتسماً بسعادة ثم همسً بخفوت:
- هيا بنا
أومأت براسها موافقة وخرجت بصحبة وهو يلف كتفها بذراعه الصحيحة وهو يبحث بعينيه عن "جسور" و"عنان" حتى وجدها فاطلق صفيرة المميز مما جعل "جسور" يأتى إليه على الفور يتهادى ببطء بين الناس المتفرقة حوله حتى اقترب منه بينما وقفت "عنان" بجوار أميرتها الجميلة ..أشار لها "جاسر" أن تمتطى مهرتها وما أن استدارت وهى تهم بأعتلاء صهوة جوادها حتى رأت سهماً يشق الهواء بأتجاه "جاسر" سهماً مصوباً بأحكام يعرف طريقه تماماً فصرخت لتنبهه بفزع وهلع صرخة عظيمة باسمه :
- "جااااسر "

ألتف الأطباء بردائهم الأبيض حول سريرها داخل حجرتها الخاصة بالمشفى  وهم يوقعون الكشف الطبى عليها ويحقنونها بمادة مهدئة لتهدأ وتكف عن الصراخ بهلع ووالدتها تقف فى الخارج ترفع أكف الضراعة إلى الله تدعو لابنتها بالعافية ودموعها تذرف أنهارا فوق وجنتيها ..
إقترب منها ببطء وهو يلف ضمادة حول ذراعه وكتفه يتسائل بلهفة :
- "ياسمين" فاقت ؟.. هى دى اللى كانت بتصرخ ؟

نظرت إليه والدتها لا تكاد تراه من كثرة دمعها وهى تومىء بالموافقة قائلة:
- ايوا يابنى فاقت الحمد لله بس عماله تصرخ جامد والدكاتره إضطروا يدوها حقنه مهدئه
أستند بذراعه الأخرى على حافة باب حجرتها وألقى براسها فوقها وهو يغمض عينيه بألم ولسانه يلهج بالدعاء لها بالشفاء وضعت كفها على ظهره وهى تقول مواسية اياه :
- بالراحه على نفسك يا "جاسر" يابنى أنت شكلك مرهق وتعبان أوى روح انت ارتاح وأنا جانبها
رفع راسه إليها وقال بألم :
- أنا مصدقت أنها فاقت من الغيبوبه مش هينفع أمشى من غير ما اشوفها
فى تلك اللحظه خرج الطبيب المعالج لها من الحجرة ووقف أمامهما وهو يشعر بالأسف الشديد قائلا:
- الحمد لله يا جماعه أنها فاقت من الغيبوبه بس مع الأسف
تابعته الأعين فى لهفه تحثه على أستكمال الحديث فقال معتذرا :
- أحيانا الواحد لما بيتعرض لصدمه بيفقد القدره على الكلام  بس دى حالة نفسيه يعنى مع الوقت هتتحسن وترجع زى الاول

تراجع والدتها للخلف خطوات وهى تضع يدها على فمها غير مصدقه أن ابنتها فقدت النطق بهذا الشكل بينما هتف "جاسر" غير مستوعب للأمر:
- أزاى يعنى مبقتش قادره تتكلم ازاى وليه
أجابه الطبيب متفهما :
- دى حاله عارضه هتزول مع الوقت .. لما تفوق من الحقنه اللى أدنهالها أدخلها على طول يمكن لما تشوفك قدامها كويس ومحصلكش حاجه  تتحسن
مسح وجهه بقوة وهو يقول بانفعال :
- يعنى انا السبب فى اللى حصلها ده

اقتربت والدتها منهما وهى تستمع لما يدور بينهما ولم تتوقف دموعها لحظة عن الهطول وهى تقول بصوت باكى:
- "ياسمين" مش بتعتبرك جوزها وبس يا "جاسر" يابنى .. ده من ساعة ما ابوها راح قدام عينيها فى رابعه وهى بتعتبرك كل دنيتها

ألتقت الطبيب طرف حديث والدتها وهو يقول شارحاً:
- يبقى علشان كده لما شافتك بتضرب بالنار وانت جنبها فى أحداث رمسيس مقدرتش تستحمل مرارة أنها تفقدك أنت كمان فوقعت فى غيبوبه وفقدت قدرتها على الكلام

حرك "جاسر" راسه باضطراب وهو يشعر بالقلق على الشديد على زوجته طريحة الفراش بالداخل .. يريد ان يقتحم عقلها وقلبها ليطمئنها عليه لتنهض وتعود كالفراشة تملىء حياته بالورود والرياحين كما كانت ..
سمح لهما الطبيب بالجلوس فى حجرتها حتى أنتصف النهار وبدأت عينيها ترتعش وتتحرك وهى تستعيد وعيها ببطء وترى أمامها صور باطنيه تدور فى عقلها تباعاً واحدة تلو الاخرى
 " جاسر" "مودة" "عنان" "صارم" "سيسيان" السهم ينطلق يشق طريقة بأتجاه زوجها الحبيب يكاد يصيبه صرخت مرة أخرى وهى تنتفض من فراشها

 نهض "جاسر" وهو يكاد يقفو من مقعده بأتجاهها وهى تنظر إليه بعينين دامعتين نظرة غريبة وكأنها تراه لأول مرة تتفحص ملابسه وهيئته وماهى إلا ثوانى واستعادت عقلها وبدأت تستوعب الامر وهى تتحسس ذراعه المربوط بلوعة وهو يلف ذراعه الأخرى حول كتفها يضمها إلى صدره ووالدتها تقف أمامها ملتعاة بعيني متورمتين من اثر البكاء واستمعت إليها وهى تقول بحب:
- حمد لله على سلامتك يا بنتى

واخترق اذنها صوته الحنون وهو يقول بقلق :
- "ياسمين" انا بخير يا حبيبتى أطمنى أنا كويس الرصاصه جات فى كتفى بس
حاولت أن تتكلم ولكنها لم تستطع شعرت بلسانها ثقيل جدا وكأنه مغطى بالرمال الكثيفه من كل جانب وهنا مسح "جاسر" على شعرها بحنان وهو يقول مطمئناً:
- الدكتور قالنا ان الحاله دى نتيجه صدمة وهتتحسن مع الوقت متقلقيش يا حبيبتى

زاغت عينيها وهى تمتلىء بالدموع عن آخرها حتى فاضت بما بها من عبرات ساخنه سالت على وجنتيها بصمت واضطراب لم تستطع والدتها التحمل أكثر من هذا استدارت فى الاتجاه الاخر وجلست بجوارها وأخذتها بداخل صدرها تضمها بقوة وهى تقبل شعرها وجبهتها قائلة:
- متخافيش يا حبيبتى هتبقى كويسه ان شاء الله مع الوقت
طرق الطبيب باب الحجرة ودخل وعلى وجهه ابتسامة كبيرة قائلا بمرح:
- لا ده أحنا أتحسنا أوى أهو  يالا قومى بقى بلاش دلع

وفى نهاية اليوم كانت "ياسمين" تدلف إلى شقتها مستندة إلى ذراع زوجها الحبيب ودلفت والدتها خلفهما مباشرة وأغلقت الباب خلفها وهى تقول مستبشرة:
- الحمد لله يابنتى  نورتى بيتك من تانى
ابتسمت "ياسمين" بهدوء لوالدتها وهى تجلس على الاريكة ببطء و"جاسر" يجلس بجوارها مبتسماً ثم قال:
- أتحسنى بقى بسرعه يا "ياسمين" عاوز أخدك ونسافر أى حتة نغير جو
ألتفتت إليه بعينين متسائلتين فقال على الفور:
- أى حته بره مصر
قطبت جبينها وهى تنظر له فتبادل النظرات مع والدتها ثم قال بحيرة:
- "ياسمين" عاوزه حاجه فى حاجه مضايقاكى؟
اشارت له بكلتا يديها أنها تريد قلما وأوراق فحرك راسه موافقة وهو ينهض ويتجه لحجرة مكتبة الخاصة وبعد قليل عاد وهو يحمل دفترا كبيرا من الاوراق وقلما وأعطاه اياها
فأخذته على الفور وكتبت فى أول أوراقه :
- مش هنمشى ونسيب بلدنا يا "جاسر"

ورفعت الدفتر بيديها بحركة عصبية امام وجهه فقال باضطراب :
- أنا كنت بقول زيك كده يا "ياسمين" لكن زهقت وتعبت واضح أن مفيش أمل خلاص
دمعت عيناها وهى تكتب بحركات مضطربه:
- مش هنبيع دم اللى راحوا قدام عنينا  .. مش هنسيبها للسفاحين .. ولادنا والأجيال اللى جايه عمرهم ما هيسامحونا .. فى أمل طول ما أحنا صامدين
قرأ "جاسر" ما كتبت ودمعت عيناه على اثر كلماتها وأطرق براسه يفكر فى كلماتها
 وما هى إلا لحظات قليلة حتى رفع راسه بابتسامة براقة وهو يحرك راسه لها بالموافقة وهو يتناول كفها بين يديه ويقبلها
سحبت يدها بهدوء من بين يديه وهى تبتسم بأمل وتناولت الدفتر من جديد وفتحت صفحة منه جديده
وكتبت بخط كبير كلمة واحدة ربما تنقشها بداخل صدرها وصدره وهى تخط بها ورقتها وربما تكتبها بمداد صمودها وثباتها وإيمانها كما تكتبها بمداد الحبر بداخل القلم ثم رفعت الورقة بكلتا يديها أمام وجهيهما وربما ارادت أن ترفعها فى ذلك الحين فى وجه كل من خارت عزيمته وفكر فى العوده والتراجع ..
أما هو فلقد أشتعل الحماس بقلبه من جديد وهو يمرر عينيه على صفحة دفترها بين يديها ويقرأ  كلمتها بصوت مسموع ... مـــكـمــليـن


*********************
تمت بحمد الله
*********************
إلي هنا تنتهى رواية ولا فى الأحلام لدعاء عبدالرحمن
تابع من هنا: جميع حلقات رواية عشق ووجع بقلم شيماء رضوان
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة