-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الأول

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة رحاب إبراهيم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الأول من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الأول

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الأول

تابع من هنا: روايات زوجية جريئة

 خطوة يتبعها أخرى حتى دلفت فتاة تدعى"حميدة" إلى مكتب كبير بأكبر الشركات للاستيراد والتصدير..عملت منذ عام تقريبًا وبذلك الوقت وقعت بغرام "يوسف الزيان" وهو أحد ملاك هذه الأمبراطورية..إمبراطورية عائلة الزيان التي اكتسبت الثراء والارستقراطية منذ عهود ولِت..ولجت بداخل المكتب لرئيس الشركة والمسؤول الأول عن جميع الأفرع التابعة لمقر الفرع الرئيسي بالقاهرة..تنحنحت حميدة بإرتباك وهي تعدل نظاراتها الطبية على عيناها ، بينما لم يضعها مظهرها البائس الذي يشبه مظهر الرجال الا موضع التوتر وانعدام الثقة بالنفس ، ليلتفت رجل اقترب على الخمسين من عمره ولكنه لا زال يحتفظ ببهائه وطلته الساحرة..وما العجب في ذلك فعائلة الزيان يعرف عن رجالها الوسامة الفائقة..هو "وجيه الزيان" أشهر رجال الأعمال العزاب..كأن المرأة لم تشغر حيذ بتفكيره ولو انشاً!! استدار اليها بعدما كان يقف شارداً أمام النافذة وتساءل:

_ آنسة حميدة..وصلني أنك عملتي مشكلة مع عميلة عندنا بسبب يوسف أبن أخويا مراد الله يرحمه..ممكن أعرف اللي حصل؟

ازدردت حميدة ريقها بخوف وايقنت أنها على وشك الطرد أو ربما تم القرار بالفعل وينتظر فقط المناقشة..قالت بتلعثم :

_ بصراحة..بصراحة..هي اتفقت معاه على غداء عمل في مطعم عشان تتكلم معاه وتفهم منه كذا نقطة..مستر يوسف مش بيروح يقابل عميل غير لما اكون موجودة معاه..هي مرحبتش بيا نهائي وعاملتني بطريقة بشعة لمجرد أني حضرت وكأن دي مش مقابلة شغل !!

تفحص الرجل مظهرها عن كسب وتعجب لماذا اختارها يوسف عن غيرها لتكن مساعدته الشخصية بينما لا شيء بها يشجع على الحماس أو العمل فقال:

_ وبعدين؟ أنا عايز أعرف رد فعلك أنتِ كان إيه؟

أجابت حميدة بأقتضاب:

_ زعلت طبعاً..المفروض أن دي مقابلة شغل مش.....

حسها وجيه كي تتابع فهو على علم مسبق بما قالته وعندما رأى حيرتها أجاب عنها بعصبية :

_ مش اتنين ضاربين ورقة عرفي وبيتقابلوا من ورا الناس..مش ده اللي قولتيه؟!

احتدت نبرة حميدة بإنفعال وقالت:

_ هي اللي حسستني بكده يا فندم..ده أنا لسه بكلمها عن الشغل لقيتها شدت يوسف كده..اااقصد مستر يوسف..واترمت في حضنه البجحة وعايزة ترقص..لو حضرتك مكاني هتسيبها؟

هز وجيه رأسه وهو يخفي ابتسامته وأجاب:- والله كنت سيبتها..

صرت حميدة على أسنانها بغيظ وهتفت:

_ لو حضرتك عايزني اعتذرلها فأنا آسفة مش هقدر...استقيل ولا أني اعتذر لواحدة زي دي!!

صمت وجيه وهو يرمقها بعمق وتعابير وجهه لا توضح شيء..تحرك ليجلس أمام مكتبه وهي تئز قلق وخوف من احتمال طردها من العمل..وأكثر ما يؤلمها بذلك ليس الراتب بل الابتعاد عن حبيبها..قال وجيه ببطء:

_ ارجعي لشغلك على ما اقرر هعمل معاكي إيه..كل الاحتمالات موجودة..

ادمعت عين حميدة بيأس ولكن النظارة الطبية كان حائل بينها وبين رؤية ضعفها للعيان..

كادت أن تخرج من المكتب حتى دلف يوسف سريعاً وهو يقضم ساندوتشه وقال بعصبية:

_صباح الخير يا عمي..حميدو ما عملش حاجة!

ضمت حميدة شفتيها بغيظ منه فهو لم ينفك منادتها وكأنها صديق رجل له..لم يعتبرها مرة واحدة أنثى ولم يلتفت اليها كأمرأة ولو بنظرة..راقبها وجيه بنظرة ضاحكة وخفية ليشير لها بالخروج..نظر يوسف لحميدة بتوجس من عصبيتها وعاد جملته بعدما خرجت:

_ حميدو معملش حاجة يا عمي..البت الملزقة اللي اسمها كارين هي اللي شبطت فيا..واتحمرشت

اتسعت عين العم وجيه بتعجب وتساءل: اتحمرشت؟ يعني ايه؟!

أجاب يوسف وهو يأكل من ساندوتشه بنهم وقال موضحاً:

_ يعني اترمت عليا وأنا مش بتاع بنات..أنا بتاع ساندوتشات..

قال العم "وجيه" بيأس : أنت لا نافع في شغل ولا نافع في ارتباط ومش بشوف وشك غير وأنت بتاكل !! تصدق أن فعلًا حميدة لايقة عليك..متخلفين شبه بعض!!

أشار يوسف بتحذير: حميدو ياعمي..مابحبش حد يقول حميدة !!

ابتلع العم سيل الشتائم بفمه ثم قال: ولاد عمك فين؟ مش موجودين صح؟! اخواتي خلفوا عاهات وسابهوالي !

ابتلع يوسف الطعام بفمه بتكشيرة كالطفل وقال: الله يرحمهم بقى يا عمي بتفكرني بالحادثة دي ليه!! بتحب تنكد عليا ليه!! اكيد أنت قاصد تسد نفسي ؟!

اطرق العم على مكتبه بغضب وهتف: دور عليهم وبلغهم أن في اجتماع ليهم بكرة الصبح..تكونوا عندي هنا الساعة ٨ بالضبط..

أومأ يوسف بالايجاب ثم خرج من المكتب..

**بطرقة طويلة بها عدة مكاتب متراصة بصفوف منتظمة**

توجه يوسف لمكتب حميدة مباشرة..اخفض رأسه وقال بخفوت: ما تزعلش يا صاحبي..جبتلك حقك

رفعت حميدة رأسها الذي كان بين يديها وضربت المكتب بقبضتها وقالت: ياااا اخي أنت إيه؟! هي البسطرمة سدت نفوخك ؟! وعمت عنيك!! انا حميدة مش حميدو..أنا بنت مش ولد..سكرتيرتك مش صاحبك!!

ضيق يوسف عيناه كالطفل المعاقب..وقال: أنا ماليش صحاب واعتبرتك صاحبي..أنا مرتاح كده..عموماً أنا خارج كام ساعة كده..معاكي ساندوتشات؟

رفعت حاجبيها بعصبية ليقل مصححاً: خلاص مش جعان!

فتحت حقيبتها وأخرجت علبة صغيرة ودفعتها بين يداه فهي احياناً تشعر وكأنها أمه..قالت: معايا..خد اهيه

ابتسم وهي يتفحص الطعام وقال: الله..كبدة وسجق..ربنا ما يحرمني منك يا حميدو قلبي..

فرحته كانت طفولية فابتسمت رغماً عنها..ذهب من أمامها فهاجرتها الابتسامة مرة أخرى..إلى متى سيظل هكذا لا يشعر بها؟ لا يرى فيها سوى صديق!! ليته يراها حتى كصديقة!

*****

أسفل عدسات الكاميرا..بأحد الاستديوهات..وقف رعد يتفحص كاميرته حتى اتت إليه فتاة تعمل عارضة أزياء..ولكنها الآن تصور إعلان لمنتج خاص بالبشرة بماركة شهيرة..تغنجت بخطواتها وتنورتها القصيرة وهي تتوجه إليه..وضعت يدها على كتفه وهزت رأسها بدلال قائلة: وحشتني يا بيبي..كنت فين بقالك فترة؟!!

ابتسم رعد بسخرية وقال دون أن ينظر لها فما من معشوقة أكثر من تلك الكاميرا بيده..منذ صغره وهو مفتون بالتصوير وعدسات الكاميرات ولكن العم وجيه يرى أن ذلك العمل" تافه" ولا يصلح لأحد أبناء عائلة الزيان..أجاب رعد: كنت مشغول شوية..

اقتربت الفتاة من خده هامسة: بقولك وحشتني !!

تحركت عيناه من الكاميرا اليها ثم قال بسخرية: ده قبل سهراتك بتاعت بليل ولا بعد؟! شيليني من دماغك يا تيما..دماغي مش فيكي..

لوت شفتيها بحدة وعصبية وقالت: اومال دماغك فين! في حتت الحديدة دي؟!

أشار لها بتحذير: خلي بالك تغلطي مش هسمحلك!! وبعدين انا دماغي لسه فاضية..ومافيش واحدة قدرت تدخلها..

مطت تيما شفتيها بتعجب وتساءلت : ومواصفاتها ايه بقى؟ فتاة احلامك.

رفع رعد حاجبيه بدهشة وأجاب : تصدقي عمري ما سألت نفسي السؤال ده؟!! مش بفكر أصلا ارتبط..بس اكيد يعني هتكون بنت مالهاش زي..

كادت أن تتحدث لتتفاجئ بوجود شاب انيق يشبه بعض الشيء ذلك الذي سيقودها للجنون..ومثلها مثل غيرها لن تستطيع أن تلفت نظره ولو قليلاً..وقف يوسف ينظر لرعد لبرهة ثم قال:

_ أنت امتى هتفتح تليفونك؟ مافيش مرة بتصل بيك بلاقيك متاح!

علق رعد حامل الكاميرا على رقبته وأجاب:

_بشتغل يا يوسف ومش فاضي لتليفونات!! اكيد في حاجة حصلت بخصوص عمك!! لخص وانجز ورايا تصوير

تنهد يوسف بعمق وقال: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا قلقان..لازم نتكلم النهاردة كلنا قبل اجتماع بكرة..

قال رعد بموافقة: ماشي..أنا هرجع بدري ومش هتأخر..هكون في القصر على الساعة عاشرة كده..

اندهش يوسف : هو ده بدري!!

رعد بعصبية: هي دي مواعيدي..لو مش عايز تستناني أنت حر!!

قال يوسف مرغماً: هستناك..اوعى تتأخر

لوح له رعد وقد عاد لعمله بتركيز مع جلسة تصوير مع عارضة أخرى..

*****

بمبنى فخم بأحد الأحياء الراقية بالقاهرة..دق جرس أحد الشقق بعمارة سكنية..توجه بطوله الفارع وصدره العاري ليفتح الباب حتى ارتمت على صدره فتاة بملابس شبه عارية..ابتسم لها بلهفة وقال:

_ مستنيكي بقالي كتير...

قال ذلك وهو يغلق الباب بقوة ، تمايلت الفتاة التي تدعى"توتو" بمياعة وقالت وهي تلف يدها حول رقبته العارية وتتفحصه بشوقه :

_ وحشتني يا جاسر...أنت تعرف أني مابقتش اقابل حد من يوم ما عرفتك؟ كل صحابي مستغربين بس أنا عارفة السبب

جذبها أكثر الى صدره برغبة فلم يغضبه حديثها فبالنهاية هي فتاة ليل مثل غيرها ولكنه يروقه مدحها به فقال بمكر : ايه السبب ؟

نظرت له وهي تتأمله ببطء وبإعجاب شديد وقالت: كل اللي عرفتهم حاجة..وأنت حاجة تانية خااالص..اللي تعرفك مستحيل تعرف غيرك

ابتسم بثقة فليست أول إمرأة تقل عنه هذا..جميعهنّ قالن ذلك..بعد لحظات قد انتهى الحديث الى غرفة النوم..مثلما كان دائماً..ومثلما أصبح منذ سنوات..شاب لا يعرف بالحياة سوى المجون وفتيات الليل..هذه الشقة قد شاهدت الكثير منهنّ..

بعد مرور بعض الوقت كان يقف أسفل المياه بالحمام الخاص بغرفة النوم..يشعر بشيء يضيق عليه الصدر...يتلهف للخطأ برغبة جامحة ثم يعود نادماً..جرت المياه على ملامحه الشديدة الوسامة..وجسده الفارع الرياضي المفتول العضلات..خرج وهو يجفف شعره وحول خصره منشفة أخرى بيضاء..تأملته الفتاة بابتسامة راضية وقالت وهي ترتدي ثوب نوم قصير :

_ اجلت السفر عشان اجيلك النهاردة..

القى المنشفة على مد ذراعه وقال دون ادنى نظرة لها : طيب

ضيقت الفتاة عيناها بتعجب واقتربت له متساءلة : مالك يا جاسر ؟! أنت بقالك فترة متغير!! أول ما بتشوفني بحس أن مافيش حد فرحان اكتر منك وبعد ما بنقضي وقت مع بعض بتبقى بعيد..بعيد أوي!!

كاد أن يجيبها حتى دق جرس الباب..وقف لبرهة متعجباً فهو لا ينتظر أي ضيف بهذا الوقت..التفت للفتاة وقال بشيء من العصبية: البسي هدومك

مطت "توتو" شفتيها بغيظ فكانت تأمل أن تقضي معه حتى الغد ولكن يبدو أنه غير مرحب بذلك..

لم يعير جاسر لمظهر الكثير من الانتباه وذهب ليرى من الطارق حتى تفاجئ بوقوف أبن العم "يوسف" تطلع اليه يوسف من رأسه حتى اخمص قدميه ثم زفر بأشمئزاز وقال: معاك واحدة صح ؟!

لوى جاسر شفتيه بنفاذ صبر : عايز ايه يا يوسف؟ مش بعادة تجيلي هنا؟!

دلف يوسف للداخل بعدة خطوات وترك جاسر يقف عند الباب يتأمله بضيق ، هتف جاسر بعصبية: ما تقول يابني في ايه؟!

استدار يوسف بحدة وأجاب: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا مش عارف اتلم على واحد فيكوا !! ضروري نفكر في السبب اللي جمعنا عشانه عشان نرتب كلامنا معاه..

اغلق جاسر الباب بحدة ثم جلس على أحد المقاعد "بالريسيبشن" واضعاً ساق على ساق وهو يشعل أحد سجائرة وقال: هيكون عايز ايه يعني !! اكيد محاضرة هابطة من محاضراته وبعدها كل واحد يرجع لحاله تاني..

تعصب يوسف من هدوء جاسر وقال: أنت هتفضل كده لحد أمتى؟!

تعجب جاسر وقال بسخرية:

_ ده على أساس أنك احسن مني؟! ما الحال من بعضه يابن عمي !! لا انت بتحب شغل الشركة ولا انا ولا حد فينا احنا الاربعة بيحب يشتغل مع عمك في مكان واحد...عمك عايز يدفنا بالحياة زي ما دفن نفسه في الشغل..عايزنا نسخة مكررة منه بس أنا عن نفسي مش مستعد..

قال يوسف بغيظ: بس مستعد تبقى كل يوم مع واحدة!! مستعدة تفضل في القذارة دي!! محدش قالك ابقى زيه بس ماتبقاش أسوء منه وتاخد مبرر لنفسك أنك تفضل في المستنقع ده!!

نهض جاسر والقى سيجارته بعصبية بالمطفأة وهتف :

مستنقع!! انا كبرت لقيت ابويا كده ، كنت بشوفه بعيني وهو بيجيب كل يوم واحدة في البيت وامي مريضة مش حاسة بحاجة!! ولما عرفت سابته وسافرت..والعيلة كلها سافرت وراها عشان تقنعها ترجع بس القدر كان اسبق من الجميع والطيارة انفجرت بيهم كلهم وهما راجعين..مالحقش يصلح شكله في عنيا..

اقترب منه يوسف وربت على كتفه بمحبة: انت بتعاقب نفسك يا جاسر عشان انت اللي قلت لوالدتك وانت السبب في سفرها..بس ده قدر...ما تحملش نفسك ذنب ماعملتهوش!

تنهد جاسر بضيق شديد وهز رأسه كأنه ينفض هذه الذكريات عن رأسه وقال: بقولك ايه انا مرتاح كده..انت عايز ايه دلوقتي؟

تنفس يوسف بيأس وقال: تعالى معايا القصر..رعد هيجي بدري انا اتفقت معاه..وآسر هدور عليه لحد ما الاقيه..

خرجت "توتو" من الحجرة بعدما ارتدت ملابسها مرة أخرى وقالت لجاسر: لما اوصل هتصل بيك يا حبيبي..هتوحشني أوي

رمته بقبلة بالهواء ثم خرجت من الشقة دون أن تلتفت ليوسف أو يلتفت لها..صمت يوسف حتى خرجت فقال بتعجب: أنت بتعجبك الأشكال دي أزاي؟! أنا بشوفها بقرف!

تعجب جاسر وقال بسخرية: أنت آخرك ابن حميدو اللي مش بتفارقه

قال يوسف بحدة: مالكش دعوة بيها يا جاسر..حميدو صاحبي أنا وبس

رمقه جاسر بسخرية وقال متوجها لغرفة النوم:

_ خليك هنا على ما اغير هدومي..

*****

بالقصر..

يقف على أعلى قممه..يشعل كومة من الخشب لتلتهب النيران بالسنة ادخنة مشتعلة..ويتذئكر ذلك الصوت الحزين لآخر شيء قاله والده قبل أن يسافر تلك السفرية اللعينة :

_ عملت المستحيل عشان اخلي أمك تحبني ومعرفتش يا آسر ، ياريتني ما حبيتها كل الحب ده..اوعى تحب يابني عشان ماتبقاش زي أبوك..اتجوز اللي تجري وراك وبتحبك بس ما تحبهاش أنت عشان ما تحسش بالعذاب اللي انا حاسه..أو ما تحبش خالص احسن..

تفاجئ آسر وهو ينظر للنيران المتقدة بأيادي على كتفه فاستدار بدهشة ليجد يوسف وجاسر ينظران له بقوة...ارتبك آسر واخفى دموع عيناه سريعاً فقال يوسف بألم:

_ احنا هنفضل كده لحد امتى؟ كل واحد مش عارف يخلص من عقدته ولا عارف يعيش حياته!! بقينا عاملين زي الوحش الغني المسجون في قصره ، لا حاسس بغنا ولا بحرية والكل بيحسده !!

قال جاسر مغيراً دفة الحديث:

_ بلاش كأبة بقى !! تعالوا نشرب فنجانين قهوة على ما رعد يجي..بقالنا كتير ما اتكلمناش يا شباب..قعدتوا منيلة بس بحبكم ياكلاب..

ابتسم يوسف وقال:

_ عمي وجيه اكيد محضرلنا مفاجأة في اجتماع بكرة

تعجب آسر من الأمر وردد باستغراب: اجتماع لينا!!

أومأ يوسف بالإيجاب وقال:

_ بالضبط..واكيد ده عشان اهمالنا في الشغل وبصراحة عنده حق ، احنا اقل واحد فينا عنده ٢٩ سنة ولحد دلوقتي مافيش واحد مننا قادر يعتمد على نفسه!! عشان كده جمعتكم النهاردة ونشوف هنقوله ايه بكرة..على ما يوصل القصر هنكون اتفقنا..

******


بأحد الأحياء الشعبية التي يركض الصغار خلف بعضهم بلهو مرح ويمررون الكرة بين اقدامهم الصغيرة..عادت حميدة لمنزلها البسيط ليهتف أحد الصغار ليغيظها:

_ أبرة طايرة في السمااا وحميدة ام كحلة هتتعمى

تعالت ضحكات الصغار عليها مرددين..استدارت حميدة بغيظ وصاحت به: لم نفسك يابو قردان أنت احسن اسرحلك شعرك بالشبشب..ولا اجيبلك سقراط أخويا يلمك؟

نظر الصغير لها بخوف على ذكر ذلك البلطجي الصغير المسمى" بسقراط" وهو طفل لم يتعدى الثالثة عشر عاماً ولكنه يفرض سيطرته على جميع صغار المنطقة..عادت وهي تتمتم بالشتائم فما كان ينقصها سوى هؤلاء الصغار أيضاً...

دلفت لمنزلها وكأنها تركض لتجد جدتها تقبض على "هون" معدني من النحاس وتصحن بمطرقة حديدية وجالسة على الأرض على "كليم" أزرق..هتفت حميدة بعصبية: بطلي بقى يا ستي صحن الكحل وتفرقيه على ستات الحته ! العيال الصغيرة بقت بتعايرني اكمن اسمي على اسمك !

رفعت الجدة حميدة رأسها الملثم بقماشة سوداء سميكة وقالت: مالك يابت داخلة ونافشة ريشك علينا ليه!! ولا عشان ما بقيتي تشتغلي شوفتي نفسك علينا!! الله يرحم المرحوم!!

ضمت حميدة شفتيها بغيظ حتى دلف أبيها "عم سمعه الميكانيكي" وهتف: صوتك طالع ليه يا حميدة..اوعي بتكوني بتزعقي لأمي يابت؟!

تماسكت حميدة وقالت : يابا هو مكنش في أي اسم قدامك غير حميدة !!

قال "سمعه" وهو يبتسم لأمه وجلس أمامها على الأرض:

_ وماله حميدة!! دي ستك دي ست الكل وحته عليها..عاملالنا ايه ياما النهاردة..

ضحكت الجدة حميدة لتغيظ حميدة الصغيرة وقالت: بصااااارة

سقف سمعه بيديه مهللا وقال ضحكة خشنة : اوعى البتنجان المحدق..أنتِ حنينة يا ام سمعة..ربنا يخليكي للمنطقة بحالها..

كظمت حميدة الصغيرة غيظها وقالت بعصبية:

_ مش عايزة اطفح ، هروح البيت التاني

لوت الجدة شفتيها وقالت لأبنها بهمس: اما يا سمعه عندي ليك حتت عروسة انما اااايه..بغاشة يا ولا

رفع اسماعيل يده بإعتراض وقال ونظرة الحزن ملأت عيناه: ولا تملئ عيني ست بعد أم حميدة الله يرحمها يأما..انسي الموضوع أنا مش عايز اتجوز..هجوز نفسي ولا هجوز عيالي !!

توقفت امه عن الصحن وقالت بضيق:

_ حقا والله يابني عندك حق..دي وداد الله يرحمها ماكنش ليها زي وكنت بحبها اكتر من بنتي وربي شاهد..انا مش هغصب عليك..لو نويت قولي وهجوزك في ظرف اسبوع..

التقطت يد أمه بمحبة وقبلها ثم رفع رأسه مبتسما وقال:

_ ربنا ما يحرمني منك ياما..

*****


وقفت سما تمشط شعرها برقة أمام المرآة بغرفتها حتى دلفت رضوى بغيظ وهتفت: ٣ساعات بتستحمي يا جربااانة !!

لم تكترث لها سما وتابعت تمشيط شعرها قائلة بهدوء:

_ ورانا ايه يعني! لا شغلة ولا مشغلة..

هتفت رضوى وهي ترفع يديها للسماء : نص برود أعصابها ياااارب البت دي هتجيبلي شلل!!

اتت جميلة إثر صوتهم العالِ ونظرت لسما بسخرية وقالت: أنتِ بتقعدي بالسعات ليه قدام المراية يا سمبوسة ؟! هتتلبسي يابت !!

أجابت سما بذات الهدوء والانتعاش:

_ بسرح شعري بهدااااااااوة ، أنتِ بقى هتفضلي مسترجلة كده كتير ؟ يابت ده أنتِ قمر وما اعرفش ايه اللي مدهولك كده !

جلست جميلة على الفراش ومددت قدميها قائلة: ماهو عشان أنا قمر ماينفعش أبين كده ، هيطمع فينا يا غبية واحنا مالناش حد يحمينا من ولاد الحرام...

قالت رضوى: لينا ربنا احسن من الكل

أخذت منشفة قطنية ثم توقفت فجأة.. وهي تتشممها: أنتِ بتسرحي شعرك بإيه يابت ياسمبوسة ؟!

ابتسمت سما بثقة: صابونة صن لايت اللي بتغسلي بيها وشك

هز رضوى رأسها بتفهم وقالت: وأنا بقول الريحة المعفنة دي جاية منين!

استدارت سما بغيظ وهتفت: ريحة شعري معفنة يا كدااابة !!

تمايلت وهي تهز شعرها الطويل يمينا وشمالا بغنج ثم قالت بثقة وفخر: ده البت نانا بتاعت الكوافير هتموت وتعرف بحط عليه ايه عشان يبقى ناعم وطويل كده..

فردت رضوى شعرها الذي ماثل شعر سما في طوله ونعومته وقالت: مش لوحدك ياختي..بلاش آلاطة وحياة والدك..

ركضت سما خلف رضوى لتمسكها فهرعت رضوى ضاحكة الى الحمام ثم توقفت سما عن الضحك أيضا وتركتها..جلست على الفراش ولاحظت أن جميلة تبدو شاردة فقالت بتساؤل:

_ مالك يابت تيهة كده ليه؟! حد زعلك في الشغل!

تنهدت جميلة بعمق وأجابت: مشيت من المصنع

حملقت سما بها بصدمة وقالت: ليييييه؟!

احتدت نظرة جميلة وصاحت بغيظ: مرات صاحب المصنع حطاني في دماغها ،تشوفني كأنها شافت عفريت ، فضلت تقرفني في الشغل لحد ما طفشت من نفسي..

قالت سما بكره: البت المعصعصة دي! حقها تغير منك بصراحة ، ده أنتِ بتلبسي لبس زي الرجالة ومع ذلك قمر وهي بتنام بالروچ ومالهاش منظر .

ضحكت جميلة رغما عنها من انفعال سما الذي يشبه صياح الأطفال وقالت: ضحكتيني وانا زعلانة

ضحكت سما وقالت: اضحكي اضحكي محدش واخد منها حاجة بكرة تلاقي شغل احسن منه وهفكرك..

اتت حميدة وعلى ملامحها الضيق لتتساءل سما بتعجب: مالك أنتِ كمان ؟!

قضمت حميدة اظافرها بغيظ وتمتمت وكأنها تحدث نفسها: آآآآآه بنت ال ....لو طولتها ، كنت هخرطها بسناني

قالت جميلة بدهشة: مين يا حميدة ؟!

قالت حميدة بغضب: واحدة وشها مالوش ملامح اصلا وعاملة نفسها الأميرة سوسن!!

عقدت سما حاجبيها وتساءلت: مين الأميرة سوسن دي؟!

نظرت حميدة لها بغيظ وهتفت بصريخ: وانا ايش عرفني !!

صمتت سما بتوجس من صياحها لتعيد جميلة السؤال: يابنتي قوليلنا ماااالك؟!

روت لهم حميدة ما حدث حتى قالت سما بهيام: بتحبيه بقى!!

دفعت حميدة الوسادة بوجهها وقالت: مش عندي مرارة ليكي يا زفته ومش فيقالك..انا متغااااظة

قالت جميلة بعدوتفكير: وتتغاظي ليه يا عبيطة ماهو سابها ورجع قعد جانبك وجابلك حقك كمان ، هو اكل وبحلقة!!

قالت حميدة بضيق: تقصدي يوسف!! لا خيالك ما يروحش لبعيد..ده بيعتبرني راجل زيي زيه بالضبط..ده عمره ما قالي يا حميدة ودايماً يقولي يا حميدو لدرجة أن زمايلي بقوا يقلولي زيه!!

اخفت سما ضحكتها حتى دفعتها حميدة واوقعتها على الأرض بغيظ لترتفع ضحكت سما أكثر وقالت: بقى كده يا حميدو !!

جاهدت جميلة أن لا تضحك وحاولت أن تمنع حميدة من اللحاق بسما المنفجرة بالضحك على الأرض وقالت: خلينا في المهم دلوقتي..

جلست حميدة بزفرة حارة وقالت: طريقة عمه معايا ما تطمنش ، ممكن جدًا الاقي نفسي برا الشركة في لحظة..

ربتت جميلة على كتفها وقالت: سبيها على ربنا وماتفكريش فيها ، اللي حصل حصل وخلاص!!

هزت حميبدة رأسها وقالت: عندك حق..تفكيري لا هيقدم ولا هيأخر..بقولكم ااايه تعالوا نشرب عصير قصب ونشم شوية هوا انا مخنوقة..

قفزت سما بحماس وقالت: هروح البس حاااالًا

ابتسمت جميلة وشاركتها حميدة فسما دائماً تتصرف كالأطفال..

*********

وقف سقراط وسيط مجموعة من سائقين"التوكتوك" يخبرهم بأحد مغامرته وقال: وبعد ما ضربت ٣من العصابة هوووب لقيت خمسة

قال أحد الرجال بفضول وحماس: هااااا حصل ايه يا وحش؟

أشار سقراط بيده وكأنه يستعد للقتال ثم قال: خلعت الساعة وحطيتها في جيبي..

من حوله بنفس واحد وبإندماج: وبعدين!

تابع سقراط: قلعت الشبشب..اومال هتعارك بيه! يتقطع

اضاف وهو يوسع عيناه وكأنه يرى غول: يقوم الخمسة يهجموا عليا مرة واحدة وانا طاااااخ طااااخ طرااااخ وقعتوهم كلهم على الأرض بإيد واحدة..

قال أحد الشاب بذهول: خمسة بإيد واحدة؟!

هز سقرتط رأسه مجيباً: ومن غير ما اتحرك..اصلهم خافوا مني وانصدموا لما شافوا جسمي

نظر الشاب لجسد سقراط الضئيل ليتلع نظرتهم بقلق وصحح: لأ ما انا بخلع القميص وبسقع عضلاتي بتتنفخ...

قال أحدهم بسخرية: المفروض يتعملك تمثال في الحتة دي..

وأشار تحت قدم سقراط..

كاد سقراط أن يجيبه حتى انتبه لصوت شقيقته الكبرى : يااامنيل

اشار لها لتصمت ولا تناشده بهذا الاسم ولكن حميدة لم تكترث...وقف أمامها قائلاً بحدة: عايزة ايه؟!

قرصته من أذنه بغيظ وقالت: مش قولنا بلاش واقفة مع دوووول وتروح المدرسة ؟! أنت حرررر هتطلع بصمجي وعرة

دفع يديها بعصبية وقال: أنا عايز أصرف على نفسي مالكيش دعوة يا بومة

كتم الفتيات ضحكاتهنّ لتوكزه حميدة بغيظ وركض من أمامها...تابعوا السير بالطريق حتى انتبهت رضوى لأحد الأبنية الفخمة التي كانت سوبر ماركت قديم بالماضِ وقالت : ده هيتقلب صالون تجميل!

نظرت حميدة للوحة خشبية مستندة على الحائط وقالت بعدما قرأت ما منقوش عليها : معقول!! ليليان يوسف هتفتح صالون تجميل في حارتنا الزبالة دي!! دي اكيد اتجننت!!

قالت سما بحماس: بالعكس دي زكية جدًا ، مكان مش غالي وهتشتغل فيه شغل عالي هيكسبها دهب ، دي أشهر ميكب ارتيست في مصر!!

تدخلت جميلة بالحديث وقالت ساخرة: طب يلا ياختي منك ليها ، مش عارفة بتتكلموا على ايه انتوا اساساً مش هتعرفوا تعدوا من هنا تاني مش تروحولها!!

قالت حميدة: والله عندك حق ، قال يعني هتشتغل للناس الغلابة اللي في الحارة دي اقل حاجة عندها بيدفع فيها الافات..

تركوا الفتيات المكان وهم يتشاركون أطراف الحديث..

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الأول من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة