-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس

 بعد أن سمع "حمزة" من"رهف"مر الكلام،ما يجرح كرامته كرجل،ما يكسر بخاطرة كعاشق،ما يمزق قلبه كمحب،أحب فتاة من خلال كلماتها التي تشارك بها على مدونة الكترونية، وظل يبحث عنها إلى أن وجدها،حتى ماضيها المشين،وسمعة عائلتها التي تجعل أي رجل يتخوف من التقرب منهم، لم يؤثرون به،بل على العكس،لقد سعى لأشهر أن تتقبل عائلته أمر زواجه منها، بعد أن قوبل طلبه للزواج منها بالرفض من جميع أفراد عائلته المكونة من والده رجل الأعمال وشقيقه ،حاول جاهدًا،أن يكون دواء لجراحها،أن يكسب ودها وقلبها دون أن يجبرها على ذلك،وبعد كل هذا أعلنت على مرئى ومسمع منه أن رجلُ غيره،هو حبيبها ورفيق طفولتها ولن تنساه أبدًا؛لذلك ما كان منه سوى الرحيل،فبعد أن قال ما قاله، أولاها ظهره وخطى عدة خطوات ليرحل متخذًا قرار عدم العودة إلى هذا المنزل مرة أخرى،وإن كان قلبه يريدها فتبًا لهذا القلب.

كانت "رهف" تتابعه وهو يرحل بصدمة ، غير مصدقة ما حدث،شعرت بالبرودة تسري بجسدها وكأنها أصبحت كلوح ثلج،فبعد أن جربت دفء قربه منها، وانجرفت بمشاعرها نحوه ،وهذا شيء كانت تخشاه وترفضه تمامًا،راودها إحساس الخوف من الفقدان مرة أخرى ،هذا الاحساس،الذي مزق قلبها لسنوات قبل تعرفها عليه،تسارعت أنفاسها،شعرت أن أحدهم يحاول خنقها،وكأن "حمزة"سلب منها روحها عندما قرر الرحيل،ذرفت دمعاتها بصمت واستسلمت لقدرها،ثم ما لبث أن يختفي عن أنظارها ،حتى استفاقت،وأيقنت أنها ستعيش مرارة الفقد مرة أخرى،فصاحت به قائلة:

_ جميعكم هكذا، راحلون، ترحلون ما إن يتعلق قلبي بكم،ما إن أشعر وكأني أنتمي إليكم وحياتي تصبح أجمل بوجودكم، ترحلون، عندما أتخلص من هذا الشعور اللعين ، البرودة ا لتي تجتاح جسدي ، وكأن هناك لوح ثلج يعانقني، ترحلون، ارحل يا "حمزة"لكن لا تعد مرة أخرى، إن عدت لن تجدني.

كان واقع كلماتها على قلبه مؤلم جدًا،خاصة أنه يكن لها مشاعر حقيقية، فلم يطاوعه قلبه، وقرر أن يلتفت إليها ، فصوتها كان يوحي بمدى تألمها، بمجرد أن دار بجسده نحوها،قالت بصوت باكي مرتجف:

_ لا ترحل.

بدت وكأنها ترجوه بدمعاتها،لكن كلمة لا ترحل لم تكن كافية لتطيب الجرح الذي أحدثته في قلبه،فقال:

_لن أبقى بقرب من تتخذ آخر حبيبًا لها،بينما أعشقها حد الجنون،وتعلن عشقها له في حضرتي.

ود أن تعترف له بحبها ،أن تنكر ما تفوهت به منذ قليل،

أن تقول له لا ترحل أنا بحاجتك، قلبي ينبض باسمك، لا أن تكتفي بطلبها بعدم رحيله،ود أن يرى بعينها ما رآه عندما كانت تتحدث عن "ياسين"لكن لم يرى سوى دموع فتاة مكسورة ،حزينة لم يرى سوى الخوف، الخوف وكفى.

فقرر الرحيل مرة أخرى،نادمًا على تسرعه في خطبتها،وقبل أن يخطو خطوة واحدة كانت "رهف" تفترش الأرض، فاقدة للوعي،فاقدة للأمان،فاقدة للأمل به وبقربه منها مرة أخرى، ركض نحوها متلهفًا ، حملها ووضعها على الأريكة وبدأ يربت على وجنتيها برفق، لعلها تستفيق فلم تستجب له، كانت كجثة هامدة بين يديه،عندما تحسس وجنتيها وكفيها وجدهما كلوح ثلج كما قالت، شاهدت والدتها ما يحدث فركضت مهرولة نحوهما، وبعد أن التف الجميع حولها لم يتمكن أحد من افاقتها،فحملها "حمزة"إلى الأعلى، إلى غرفتها ودثرها بفراشها جيدًا.

كان والدها يرتجف خوفًا عليها فهو يعلم مدى خطورة ما تمر به ،بينما كانت "منار" تعمل جاهدة أن لا يعرف "حمزة"حقيقة ما تمر به "رهف"، وعللت فقدانها للوعي بسبب عدم تناولها للطعام،وطلبت منه أن يتركها لترتاح لبعض الوقت،لكنه لاحظ ارتباكها فقال:

_ لن أرحل سأستدعي الطبيب،ليس للطعام علاقة بما حدث لها.

أيده والدها بينما تمسكت برفض الفكرة، تجادلا قليلًا واستطاع حمزة اقناعهما، فتوجه بها إلى مشفى قريب من المنزل.

وبعد معاينتها لبعض الوقت من قبل الأطباء ،كان التشخيص أنها تمر بحالة انهيار عصبي شديدة وتوجب عليهم تركها لترتاح لبعض الوقت،وجه الطبيب حديثه إلى والدها وقال:

_ هل مرت بهذه الحالة من قبل؟

حاولت "منار" التدخل بالحديث،رافضة التحدث بالأمر أمام "حمزة"لكن "نجيب أشار إليها لتصمت واستطرد قائلًا:

_ نعم منذ ثلاث سنوات،توفي أحد أفراد عائلتنا،و ظلت ترفض ذلك لأشهر،ومرت بحالة نفسية سيئة،حتى أنها تعاطت الأدوية المهدئة للأعصاب لما يقارب العامين،بالكاد تحسنت حالتها النفسية منذ فترة وجيزة.

زفرت "منار" بضيق ها هو سر ابنتها قد كٌشف،بينما حدق بهما "حمزة"فاغرًا فاه،لما علمه؛ فقال:

_ لم أكن أعلم بهذا الأمر ،لو علمت ما ضغطت عليها هكذا،لقد تجادلنا بأمور تخص "ياسين".

طلب منه الطبيب أن يعلم سبب انهيارها إلى هذا الحد،وقص عليه ما حدث بينهما فقال:

_في تلك الحالة ،حديثكما عن فقيدها هو السبب الذي أوصلها إلى هذا الحال،من فضلكم بعض التفهم من أجل أن لا تسوء حالتها مرة أخرى،يجب أن نراعي ما مرت به سابقًا، يبدو أنها لم تتخلص من مخاوفها للآن،هي لا ترفض وجودكَ سيد "حمزة "وإنما تخشى الفراق.

قضى "نجيب "وزوجته الليلة بالمشفى رفقة "حمزة"في انتظار تحسن حالتها واستيقاظها،وفي الصباح،خرجت الممرضة لتبلغ "حمزة"أنها استيقظت،وبدأت تردد اسمه مصحوبًا ببعض الكلمات الغير مفهومة،فاستأذن والدها ودلف إلى داخل الغرفة،وقد عزم أن لا يجرحها مطلقًا مهما بدر منها،اقترب من الفراش ليرى دمعاتها تنساب على وجهها وهي تردد،لا ترحل أرجوك، لم يقتلها أنا أثق به،هو برئ،لا ترحل.

أصيب حمزة بخيبة أمل،بعد ما قالته، لكن عادت الحياة تدب بروحه مرة أخرى عندما قالت:

_"حمزة"،لا ترحل،كنت أعلم أنك ستتركني،لا تفعلها.

كفكف عبراتها بأنامله وقال بصوت رخيم:

_لا تبكي حبيبتي لن أفعلها،مجنون أنا لأترك هذا القلب الطيب، لن أيأس سيأتي يوم وقلبك ينبض باسمي.

في الجريدة ،جلست "يسر" خلف مكتبها تباشر سير أعمالها عبر الحاسوب ،وهي تفكر في سبب انشغال "رهف"عنها كل هذا الوقت ،قررت مهاتفتها بعد أن تنتهي من أعمالها،طلب رئيس التحرير أن تذهب إليه على وجه السرعة.

وقفت "يسر"تنتظر ما سيمليه عليها بقلق فهي تعلم أنه دومًا ما يوكل إليها الأعمال الصعبة، فقال وهو ينظر نحوها متشفيًا ،وكأنه بتكليفها بتلك المهمة يعاقبها عن ما بدر منها عندما طلب منها لقاء مديري الشركة من قبل:

_ ستقام عدة اتفاقيات بشركة" "mmh للبرمجة، مع العديد من الشركات، قررت تكليفكِ بتغطية الاجتماعات الخاصة بتلك الاتفاقيات، ستقام الاجتماعات على مدار عدة أيام بالشركة، أتمنى أن لا تتقاعسي عن أداء واجبكِ .

حدجت به بغضب وقالت:

_أتقاعس عن أداء عملي! ومتى فعلت هذا؟

_الله وحده يعلم هذا، هيا إلى عملكِ،أول لقاء بعد ساعتين.

هدرت به مندفعة:

_ساعتين! وتخبرني الآن.

ارتفعت نبرة صوته وهو يعاتبها قائلًا:

_"يسر" تماديتِ كثيرًا في مجادلتي هذه الفترة ما بكِ،أتعتمدين على اسم عائلة "الدالي"؟

اغرورقت عينيها بالعبرات،وقالت:

_لم ولن أفعلها يومًا.

توجهت "يسر"إلى شركة"MMH" وهي تلعن رئيس التحرير بداخلها وتكيل له السبات ،على طريقته في التعامل معها،وتعمده،اعتماد الأعمال المجهدة إليها،وصلت إلى مكتب السكرتارية الخاصة بمديري الشركة، استقبلتها السكرتيرة بترحاب وود ،ثم طلبت منها التوجه إلى غرفة الاجتماعات للبدء بتجهيزات ما قبل الاجتماع، جلستا الاثنتان تتناقشان في المواضيع التي ستتم طرحها، وما يود "مراد" الإعلان عنه بالجريدة ، توقعت أن الغرفة خالية إلا منهما لكنها فوجئت بباب جانبي بالغرفة يفتح يصل بينها وبين غرفة مديري الشركة ، دلف "مراد" بهدوء إلى الغرفة،وابتسامة هادئة تزين محياه،اتجه صوب "يسر" وقال وهو يمد يده ليسلم عليها:

_ مرحبًا.

اومأت برأسها بتوتر بالغ وقالت:

_مرحبًا سيد "مراد".

طلب منها الجلوس لمتابعة التحضيرات والتحدث فيما يخص الحملة الإعلانية،وبعد وقت بدأ الاجتماع وحضر مدراء الشركة المنعقد معها الاجتماع،كانت "يسر"تتابع العمل وتدون الملاحظات وتلتقط الصور،لاحظ "مراد"متابعة أحد رجال الأعمال لها عن كثب؛فراقبها ورأى التوتر البادي في عينيها،طلب منها أن تنهض لتلتقط عدة صور من على بعد حتى يظهر الحاضرين جميعًا بالصورة،وهكذا خلصها من مواجهة زوج من الأعين تتابعها بإعجاب واضح.

فور انتهاء الاجتماع توجهت "يسر" نحوه وقالت وهي تمد يدها له:

_أشكرك سيد"مراد"،العمل معك كان جيد للغاية.

_ بل أنتِ تستحقين الشكر على أدائكِ الرائع.

_هذا واجبي،كما أود شكرك على تفهمك.

_لا عليكِ،نحن نعد أقرباء أنسيتِ .

ابتسمت فور تذكرها ابنة عمها وقالت:

_ بالطبع، من فضلك اسمح لي بالذهاب.

رمقها بتوجس ثم صمت لبعض الوقت وكأنه يفكر بشيءٍ ما،ويتردد في الافصاح عنه،وعندما لاحظ توترها من تطلعه بها هكذا تحلى بالشجاعة وقال:

_ كيف حال "رهف" الآن، لم أتواصل مع "حمزة" منذ الصباح؟

لم تكن "يسر" على دراية بما صار لابنة عمها، فلم تفهم مغذى حديثه في بادئ الأمر ،لكنها ربطت بين اختفائها وما قاله ؛فشهقت بفزع وقالت:

_"رهف" ! ما بها،هل حدث لها مكروه؟

أشار بيده وعلم أنها ليست على علم بما حدث فقال:

_لا عليكِ لما كل هذا الفزع ،لقد أصبحت بأفضل حال.

هو لم يكن يعلم إن كانت تحسنت حالة "رهف"أم لا لكنه قال هذا حتى يهدئ من روعها، قال وقد بدأت دمعاتها تعلم مجراها:

_لا أعلم تفاصيل ، لكن ساءت حالتها البارحة رفقة "حمزة" وفقدت وعيها،فاضطر أن يذهب بها إلى المشفى.

وضعت يدها على فمها لتكبح شهقاتها وقالت:

_ مؤكد تعرضت لأزمة كالسابق،لابد وأن أكون بجانبها.

لم يفهم ماذا تقصد بالتحديد من كلمة كالسابق كان سيسألها لكنها همت بالرحيل،وركضت لتغادر الغرفة، ذهب من خلفها فقد فهم من حالتها أن "رهف"لديها مرضٍ جاد،ولابد أن يكون جانب صديقه في محنة كهذه.

لحق بها ووصل إليها وهي تستقل المصعد وبابه على وشك الانغلاق،وقف بالقرب منها وهو يتابعها لا يعي سبب بكائها إلى هذا الحد فقال:

_أرجوكِ ،كفي عن البكاء ،ستصبح بخير.

فور أن انتبهت لوجوده قالت:

_ أنتَ لا تعلم شيء،عادت "رهف" من الموت عدة مرات،مؤكد ضايقها أحدهم،ترى من أحزن قلبكِ يا ابنة العم؟

_ حسنًا اهدئي ،لا تستبقي الأحداث،لنذهب ونطمئن عليها.

رفعت وجهها تطلع به بريبة وقالت:

_ ولما ستذهب أنتَ؟

_إن كانت حالتها جدية كما تقولين ،كيف لي أن أتركك صديقي .

مررت يدها على وجهها بنفاذِ صبرٍ وقالت:

_ حسنًا افعل ما تشاء.

بالأسفل، بعد أن اختفى "مراد"عن أنظارها،وقفت تنتظر مرور عربة أجرة تستقلها،فحالتها المادية لا تسمح لها بامتلاك سيارة خاصة بها،فوجئت به يقود سيارته ويتجه نحوها، وقف بالقرب منها ثم ترجل وهو يدعو ربه أن تمتثل إلى طلبه وقال:

_ أعلم أنكِ سترفضين الذهاب معي والتواجد بسيارتي بمفردنا،وأن هذا منافي لأخلاقكِ ومعتقداتكِ، لكن بهذا الوقت بالتحديد من الصعب أن تمر سيارة أجرة،لقد شارفت الشمس على المغيب.

_اذهب من فضلك ، سآتي من بعدك.

_ إما أن نذهب معًا أو انتظر هنا حتى تمر من هنا سيارة أجرة،على الأغلب لن أترككِ تقفين هكذا،ونحن سنذهب إلى نفس المكان!

زفرت بضيق ،فلم تكن تملك طاقة للجدال في ظل ما علمته عن "رهف" فقالت:

_حسنًا، هيا بنا حتى لا نتأخر .

توجهت نحو الجهة الأخرى من السيارة واتخذت الاريكة الخلفية للسيارة مقعدًا لها،وكأنها تظهر له أنها لن تتخلى مطلقًا عن قيمها أو مبادئها.

أخفض جسده ووضع يده على باب السيارة ثم تطلع بها من النافذة وقال:

_ بربكِ، هل ستجلسين بالخلف وأنا أقود السيارة كسائقٍ لكِ!

_ أنتَ أردت هذا،لن أجلس بجانبك أمام أعين المارة هكذا.

حرك رأسه يمينًا ويسارًا بيأس وغيظ شديد ثم همهم:

_ على الرحب والسعة سيدتي المغرورة.

طوال الطريق كانت "يسر" تنظر عبر النافذة شاردة للغاية،بينما يتابعها باهتمام بالغ،أصابه الفضول لمعرفة ما يدور بعقلها،فما علمه عنها كان كفيل أن تظهر بموضع الضعف في مواجهة الأزمات،على عكس ما يراه بأعينها،لاحظ تلك العبرات التي تنساب من أسفل نظارتها الشمسية فقال:

_لم أرى بنات عم مرتبطين ببعضهما البعض، مثلكما!

التفتت نحوه وقالت:

_لكنكَ لم ترانا معًا من قبل.

تابع القيادة وقال مبتسمًا:

_لقد قمت بمتابعتكما أثناء الحفل؛فعلمت،وتلك الدموع الصادقة أكدت ما علمته ليلتها.

في غرفة "رهف" بالمشفى في الواقع لم تكن غرفة وإنما جناح يليق بابنة"نجيب الدالي" بغرفة استقبال الضيوف كان يجلس "حمزة رفقة والديها،وهي تستريح بغرفة مخصصة للمرضى،بعد أن رفضت مبادلتهم الحديث، كانت أعين "حمزة"تتساءل عن ما صار لها بعد وفاة "ياسين" لكنه فضل أن لا يتحدث بتلك الأمور بظرفٍ كهذا، ركضت"يسر" غير مبالية بمن كان بصحبتها وسألت عن مكان غرفة ابنة عمها،وحينما وصلت إلى الطابق المتواجدة به الغرفة،جمعت الهواء بداخل صدرها،ثم مشت بتروي صوب الغرفة،وكأنها تقدم قدم وتؤخر الأخرى،لاحظ "مراد"هذا فعلم السبب ،بفضل معرفته لماضيها و مكانتها لدى زوجة عمها فرجح حالتها تلك خوفًا من مواجهتها،اقترب منها وقال:

_ لما القلق أنا معكِ.

ابتسمت إليه بود وقالت:

_ شكرًا لكَ.

طرق عدة طرقات على الباب فقام "حمزة"بفتحه واستقبلهم بترحاب قائلًا:

_مرحبًا بكما ،هل جئتما معًا أم التقيتما بالخارج؟

مازحه "مراد"قائلًا:

_ ما شأنك المهم أننا جئنا.

مرت "يسر" بجوارهما بصمت ثم جالت بأعينها بالغرفة حتى تلاقت أعينها الباكية بأعين عمها فقال:

_ تعالي يا ابنتي كنت سأتصل بكِ، مؤكد "رهف"تحتاجكِ،لن يحسن من حالتها أحدٍ سواكِ.

تمتمت "منار"بغيظ بصوتٍ مسموعٍ وقالت:

_ كل ما يحدث معنا بسببهم،ليلعنهم ربي.

زفرت "يسر" بغضب ثم مرت بجانبها كأنها سراب لا وجود له،سقطت نظراتها على صديقة طفولتها،وهي تغفو بثباتٍ على الفراش ودموعها تغرق وجهها ،جلست بالقرب منها وربتت على شعرها بحنو بالغ ثم راحت تهمس إليها بصمتٍ بالكثير من الكلمات المطمئنة، فهي تعلم تمامًا ما تمر به،بعد حوالي الربع ساعة بدأت "رهف"تعي بمن حولها وفتحت أعينها فوجدت "يسر"تجلس تعانق يديها بحب واهتمام فقالت والدموع تنهال على وجنتيها:

_"يسر"أرأيتِ سيذهب هو الآخر.

فهمت ما ترنو له فابتسمت إليها قائلة:

_ من ،أتقصدين "حمزة"؟

_أجل، لمجرد أني تحدثت عن ياسين وبكيت بعد خاطرة أفيندار قرر الرحيل، لم يتحمل الحديث عن "ياسين"وكأنه ذنبي أن ابن عمي وصديق طفولتي ،ومن أخفيت مشاعري عنه لسنوات مات منتحرًا، بعد أن علم بحقيقة مشاعري تجاهه.

كان واقع كلماتها مؤلمًا فمن تتحدث عنه هو شقيقها الأكبر،لكنها تعلم جيدًا ضعف شخصية "رهف" وعدم قدرتها على المواجهة فقالت:

_من قال هذا؟انظري منذ البارحة ينتظركِ، مؤكد حزن من اظهار مشاعركِ أمامه ،هو رجل لا تنسي ذلك،كما أنه لما الحزن، إنه بالخارج، اعتقد ينتظر استيقاظكِ ليخبركِ مدى اهميتكِ بحياته.

_ هل قال لكِ هذا؟

_ ليس ضروري ،عيناه قالت أكثر من هذا.

ذرفت دمعاتها بغزارة وقالت:

_لما كُتب علينا أن نعشق من هم ليسو لنا ،انظري أحببت "ياسين" وسرقه الموت مني،ومن ثم "حمزة"قرر الرحيل دون أن يعلم سبب خوفي وبكائي، حتى أنتِ كان بينكِ وبين حب عمركِ أيام لتجتمعين به تحت سقف واحد،لكن تلك الحادثة كانت سببًا في حرماننا من سعادتنا.

انقبض قلب" يسر" فهي دومًا ما ترفض التحدث عن تلك الحكاية،خاصة بهذا المكان تحديدًا،وفي وجود من بالخارج ،فقالت:
_هذه أمور مرت عليها سنوات،من مات لن يعد،ومن رحل حتى وإن عاد لن نلتفت له،لنفكر بالحاضر والمستقبل، وأنتِ حاضركِ ومستقبلكِ ينتظركِ بالخارج، لا تضيعي فرصة السعادة مع من يستحقها.
عاودت البكاء مرة أخرى وقالت:
_ كان سيرحل.
_ لكنه بقى.
ارتفعت نبرة صوتها وقالت بانهيار تام:
_ هذا عندما سقطتُ أمام عينيه ،يبقى شفقة لا أكثر.
انفرجت شفتي "يسر"وكادت تتحدث ،لكن دخل "حمزة"مندفعًا واتضح أن من بالخارج استمعوا لما قالته" رهف" ، فابتلعت ما كانت ستقوله وتولى هو مهمة مجادلة "رهف" عندما قال:
_ عندما تقدمت لخطبتكِ لم تكن شفقة،عندما صارحتكِ بحبي لم تكن شفقة،عندما التفت إليكِ أبحث عن الحب بعينيكِ لم تكن شفقة،أنتِ التي لم تشفق علي وأعلنتِ حبكِ لغيري في حضرتي، وترقدين هكذا بضعف حزنًا عليه،ليس لقراري بالرحيل.
نهضت "يسر" وهي تحدق به وكأنها تنهره على اندفاعه ،بينما قالت "رهف":
_ أنتَ لا تعرف شيئًا،اصمت من فضلك،أو ارحل.
خطى نحوها خطوات أشبه للركض وقال بغضبٍ عارم:
_ ما هو الشيء الذي لا أعرفه.
أدارت وجهها للجهة الأخرى وقالت:
_لا شيء ،أنتَ لا تستحق أن أخبرك ارحل من هنا،كما كنت ستفعل.
التف الجميع نحوهما فحمزة يفعل ما حذره الطبيب منه ألا وهو مجادلتها، فقالت "يسر":
_ من فضلك يا "حمزة" حالتها النفسية لا تسمح بهذا الجدال.
_لن أتحرك من هنا قبل أن أفهم كل شيء.
كان "نجيب "سيتحدث ويطلب منه الرحيل حفاظًا على سلامة ابنته،لكن بخت"منار"سمها في وجه الجميع و"يسر"خاصة،عندما قالت:
_ إن كنت تريد معرفة ما نخفيه عنكَ حسنًا،ما لا تعرفه أن تلك الحرباء التي تقف أمامك، قضت على سعادة أسرتنا هي وإخوتها، بسببهم أعيش محرومة من ابني،وأشاهد ابنتي من وقت لآخر في حالة انهيار هكذا،هيا ارحلي،لا نريدكِ لما تتمسكين بنا على الرغم من رفضنا لكِ.
دوى صوت"نجيب" بالغرفة وهو يهدر:
_"منار" يكفي إلى هذا الحد لا أسمح لكِ بإهانتها.
عاتبت"يسر" عمها قائلة:
_لقد سمحت بأكثر من الإهانة منذ سنوات يا عماه،لكن الحق علي أنا من تخليت عن كرامتي من أجل أمانة أخي،لكن يكفي إلى هذا الحد عن إذنكم.
كادت أن ترحل لكن صاحت "رهف":
_"يسر"لا تذهبي،أحلفكِ بغلاوتهما ،أن تبقي ،ماما من سترحل من هنا وحالًا.
التفت نحوها"منار"تطالعها بصدمة فقالت:
_بسرعة ، وإلا سيحدث ما يحزنكِ حقًا،هناك من لن يعجبهم ما يحدث مع "يسر".
تعلم "منار"اندفاع ابنتها وما يمكن أن تفعله؛ وعواقب ما تهدد بتنفيذه؛ فقامت بالتقاط حقيبتها ومغادرة الغرفة وهي تتوعد إلى "يسر"، ورحل زوجها من خلفها.
أما "مراد" استأذن ليرحل هو اللآخر،لكن "حمزة" منعه قائلًا:
_انتظر لأفهم ما يحدث ونذهب سويًا ،هيا يا "رهف" أخبريني ما هو الشيء الذي تخفيه عني، "مراد"ليس بغريب،لننهي هذه المسألة هنا.
همت "يسر" بالرحيل،لكن منعها "حمزة"عندما قال بنبرة غاضبة للغاية:
_ ليخبرني أحدكم ،ماذا حدث أكثر مما أعلمه،ما سبب كل هذه العداء والخوف.
انسابت دمعات"رهف"بيأس بينما تطلعت بها "يسر"وكأنها تأخذ منها الإذن لتفصح عن ما سيريحه،وبعد حديث بالأعين دام للحظات قالت "يسر":
_ "ياسين" أخي الأكبر،كان يسير بحياته على المنهج السلفي منذ صغره، لم يتحدث مع "رهف"إلا في حدود الأحاديث العائلية على مرئى ومسمع من الجميع، جميعنا كنا نعلم ما يكنه بقلبه تجاهها ، لكنه تعمد أن لا يفصح عن شيء كهذا إلا عندما يتقدم لخطبتها، وعندما اتخذ هذا القرار،وفاتح عمي "نجيب" بالأمر وحددا موعدًا للخطبة،حدثت تلك الفاجعة،واتشحت حياتنا جميعًا بالسواد،"حمزة"لا يوجد ما يقلقك،"رهف"لم تكن حبيبته أو خطيبته،فقط هناك مشاعر تحركت نحوه عندما تقدم لخطبتها، من فقدناهم بتلك الحادثة،والهجوم علينا من المجتمع والصحف،وما فعلته والدتها كان سببًا في خوفها من الفقدان،أتمنى أن لا تذيقها أنت تلك المرارة مرة أخرى.
حاولت تمالك نفسها،وتحكمت بدمعاتها لأكثر من مرة حتى لا تضعف أمامهم خاصة في وجود"مراد"المتابع للموقف بصمت،وخجل شديد ،لكنها فشلت فركضت إلى الخارج وهو من خلفها.
توجه "حمزة"نحو فراش "رهف" غير مبالٍ بمغادرة "يسر"وقال:
_لما لم تخبريني من قبل،تخيلته حبيب لكِ،أو عشق طفولتكِ ،اتضح أن ما بينكما لم يبدأ بالأساس،إذًا لما قلتي أنه حبيب طفولتكِ؟
_ لأنه أول من دق باب قلبي،بالفعل كنت أكن له المشاعر،لا تفسر أحاديث "يسر" على أنه لم يكن له وجود بحياتي، على الأقل هو ابن عمي وفقدناه بجرح كبير، لكن كل هذا كان في الماضي، أنت جئت واتخذت جزءً كبيرًا بداخلي مستعمرة لكَ ،دون سابق إنذار وأنا سعيدة بهذا،أما سبب بكائي البارحة هو خوفي من رحيلكَ تخيلتكَ سترحل مثلهما.
جلس بجانبها وقال:
_ بالطبع لن أفعل،لن أذيقك مرارة الفقدان مرة أخرى.
أسفل المشفى جلست "يسر"على السلم تذرف دمعاتها بغزارة،تنهر نفسها عن وضعها دائمًا بموضع تُهاجم به من قبل "منار" ألم يكف ما خسارته، ألم يكف كم الأرواح القريبة منها التي سلبها القدر،ألم يكفيها ما فعلته بها "منار"وبعائلتها،كانت قد أقسمت أن لا تبكي فأوجاعها لا يطيبها البكاء ولو ذرفت دموعًا ملء البحار والمحيطات،وإن كانت "منار"خسرت ابن وروح واحدة فهي خسرت الكثير.
شعرت بيدي أحدهم تربت على كتفها فانتفضت من مكانها ورفعت وجهها ففوجئت بـ"مراد" يقف قبالتها كفكفت دمعاتها مسرعة ،فلاحظ ارتباكها وقال:
_ليس لكِ ذنب بما مضى،إياكِ أن تحملي نفسكِ ما لا يطيقه بشر.
غلبها البكاء فقالت:
_ دومًا ما تحملني ذنب ما صار من قبل،حسنًا جميعهم خسروا لكن أنا اكثرهم وأفدحهم خسارة، ماما، بابا، العم نجيب، رهف، حتى هي ذات القلب المتحجر خسرت ، لن أنكر هذا، لكن أنا خسارتي مختلفة،شاركت كل منهم بخسارته فأصبح مقدار خسارتي يساوي مقدار خسارة الجميع، لا يفترض بها أن تعاملني بجفاءٍ هكذا.
ابتسم إليها وقد بدى عليه التأثر بحديثها ودمعاتها وقال:
_ حسنًا، أنتِ على حق لكن لا يفترض بكِ البكاء هكذا أمام المارة.
_وماذا أفعل في ظل كل هذا الظلم والوجع.
جلس بجانبها متخليًا عن وقاره وقال:
_ ابتسمي بوجه الحياة،ابقي قوية كما أنتِ دومًا، البكاء هكذا بضعف أمام المارة لا يليق بكِ،انظري أعرفكِ منذ فترة وجيزة ،لكنكِ أقوى امرأة رأيتها بحياتي.
_تلك القوة جاءت من كثرة الوجع،من مرارة الفقد، من الحسرة على الراقدين تحت التراب،من ألم الشعور بالخذلان،مِن منَ يفترض به أن يكون رفيق الدرب،باختصار على قدر وجعي تظاهرت بالقوة لكني لست كذلك.
تحدث هذه المرة بجديه ضاغطًا على كل حرف ينطق به وقال:
_ فيما يخص الخذلان أعلم جيدًا أن ربكِ سيعوضكِ سيبدلكِ أفضل منه، فقد ابتسمي بوجه الحياة،أما الموت هو مقدر يا "يسر".
استفاقت من حزنها وانهيارها لتكتشف أنها تجلس رفقته أمام المارة فنهضت بارتباك تخشى أن تلتقطها أعين دومًا ما تراقبها،فقالت:
_ حسنًا يكفي دراما إلى هذا الحد، لقد تأخرت كثيرًا.
_مؤكد والدكِ يقلق عليكِ الآن.
حركت رأسها نافية وقالت:
_ لا لقد أرسلت له رسالة هاتفية أخبرته أني سأقوم بزيارة رهف.
ابتسم بإعجاب واضح بأخلاقها ثم قال:
_حسنًا هيا نبحث عن سيارة أجرة تقلكِ إلى المنزل،لو طبت منكِ أن أقوم بتوصيلكِ ستقيمي علي الحد.
ابتسمت رغم حزنها،وتعجبت من ارتياحها بالتعامل معه إلى هذا الحد ،وهذا على عكس طبيعتها فهي طوال عمرها لم تتعامل بأريحية هكذا إلا مع معذب قلبها ومن أذاقها مرارة الخذلان.
على مدار يومان،تحسنت حالة "رهف" وغادرت المشفى،طلب منها "حمزة" أن تتحدث معه بما يثقل روحها وما يؤلمها وبعد سماعها عاهدها أن يبقى بجانبها ولن يتخلى عنها مطلقًا،جاءت أسرته لزيارتها وارتاحت كثيرًا للسيدة "صفاء"واستشعرت حنانها الذي حرمت أن تراه بوالدتها.
أما عن "يسر" فقد توالت لقاءاتها اليومية مع "مراد" بسبب تغطيتها للاجتماعات التي يقوم بها،لاحظت تقاربه من"حمزة"وأعجبت كثيرًا بالترابط يبنهما وكم هما يكملان بعضهما البعض، وعن طريق الصدفة سمعت والدتها حديثها مع "رهف"فعلمت أن "منار"عادت تهاجمها مرة أخرى،لذلك فما كان منها سوى المدافعة عن ابنتها،وردع"منار"وتلقينها الدرس فيبدو أنها تحتاج لمن يذكرها باتفاقهما السابق.
طلبت"سمية" من "يسر"أن تبقى بالمنزل حتى تعتني بوالدها لتذهب لتبتاع عدة أشياء تنقصها ،امتثلت"يسر" لطلبها وجلست تتبادل الأحاديث مع والدها حول العمل،وحملتها الاعلانية مع شركة "مراد"وحمزة".
**
في فيلا "نجيب الدالي"
هبطت "منار" الدرج وهي تشرئب بعنقها حتى تلمح "سمية" التي تجلس بغرفة استقبال الضيوف،تطلعت بها بحقٍ ثم أكملت السير حتى وصلت إليها ،لم تلقي عليها التحية ،أو سلمت عليها ،بل اكتفت أن تتطلع بها بتعالي جلست قبالتها وهي تضع قدم فوق الأخرى وقالت بنبرة بها شيء من الكبر:
_ما سبب تشريفكِ العظيم يا "سمية".
سمية ذات شخصية قوية لا تأبى أحد ولا تخطئ فلا تسمح لأحد بإهانتها، أو كسرها،ومن يحاول ذلك، لا يجد منها سوى الرد الرادع، ابتسمت إليها وقالت وهي تضع قدم فوق الأخرى هي ايضًا:
_ لو تجمعت آلاف الأسباب، ليست كافية حتى تنالين شرف الجلوس معي،الشكر إلى ابنتي هي السبب في هذا اللقاء العظيم.
تمتمت "منار"
_المشئومة.
التقطت آذان "سمية ما قالته؛ فأرادت تعنيفها عن إساءتها المستمرة تجاه "يسر" فقالت:
_متى ستكفي عن كسر قلب ابنتي؟
_عندما تكف عن ملاحقة ابنتي.
_أنا وأنتِ نعلم جيدًا أن "رهف" لن تستطيع العيش بدونها.
أرادت "منار"إيلامها فقالت:
_من قال هذا ؟خطيبها موجود ليحميه ربي لها،وعما قريب ستتزوج لا حاجة لها بابنتكِ.
فهمت "سمية"ما تنوي فعله فقالت:
_ اللهم أمين "حمزة"شاب على خلق ،ورهف"تستحق الافضل من كل شيء، لكن بيننا اتفاق التزمي به ،لقد تنازلت لكِ عن الكثير مقابل أن لا تكوني سببًا في حزنها،لكنكِ كعادتكِ تتلذذين بإيلامها.
_ أنا! على العكس تمامًا لم أفعل ،أنا لا أسعى للقائها،هي من تأتي إلي في كل مرة .
_وما سبب آخر جدال بينكما؟
_"رهف"كانت مريضة،جاءت "يسر"رفقة رجل لم تعجبني هيئته،أو طريقة تحدثه معها،فقمت بتحذيرها ،كما تعلمين يا سمية"سمعتكم لا تحتمل فضيحة أخرى.
نهضت"سمية"وبدى عليها الوجوم،فقد أرادت "منار"تذكيرها بما مضى، فقالت محذرة:
_هذا آخر تحذير لكِ يا "منار"بعدها سأُعلم كرم بكل ما يجري، ليتولى هو أمر التحدث معكِ،وسأضعه بالصورة، لقد كان طرفًا في اتفاقنا،أنا لا أهددِك وإنما أخبركِ بما سيحدث إن تكررت مضايقاتك لابنتي.
رحلت"سمية"تاركة "منار"تتخبط وتلعن عائلة الدالي بأكملها خوفًا من تهديدها الصريح،وقررت أن تكرس جم تفكيرها في إتمام زواج "رهف"قبل أن تتعقد الأمور أكثر،وعقدت النية على معاودة الهجوم القذر على "يسر" وسمعتها كما فعلت من قبل،متخذة زيارتها هي ومراد للمشفى فتيل لإشعال الحرب،وهذا ما بدأت به بالفعل عندما ذكرت أمر قدومهما معًا لوالدتها.
**
كان لـ"سمية" تحفظ على تحركات ابنتها،فقد حذرتها كثيرًا من "منار" ومما تنتوي فعله بها،حتى لا تتكرر مأساتها مرة أخرى،فعادت إلى المنزل وهي اتخذت على عاتقها توبيخ ابنتها على فعلتها الهوجاء،الغير مدروسة.
**
بغرفة "يسر"كانت تجلس أمام الحاسوب تنتظر اطلالة أفيندار،بعد أن غفى والدها في ثبات، دخلت "سمية" الغرفة ووجها متجهم وملامحها مقتضبة،جلست بالقرب منها على الفراش دون أن تنبس ببنت شفة ،وتطلعت بها بعتاب ،فاحتارت "يسر"في سبب انزعاجها إلى هذا الحد وقالت:
_ماما ماذا هناك،أحدث ما يزعجكِ؟
_لا حدث ما أحزنني.
انتفضت من مكانها واقتربت منها ،عانقت كفي يدها بيديها وقالت وهي تربت عليهما بحنو:
_ أي حزن يا أمي حفظكِ الله، أخبريني ماذا حدث؟
_ هل ذهبتِ لزيارة "رهف "في المشفى رفقة أحدهم؟
_نعم،وأبي يعلم هذا طلبت إذنه وهو صرح لي في رسالة هاتفية،علمت بمرضها وأنا بشركة السيد"مراد"شريك "حمزة"كان الوقت متأخرًا ولم أتحصل على سيارة أجرة لتقلني،فذهبت رفقته،هل حدث شيء؟
_أنتِ تعلمين يا صغيرتي وضعنا، قلت لكِ دومًا سمعتنا على المحك،ولابد أن تحسني تصرفاتكِ.
_ ماما أخبريني ماذا حدث،من أخبركِ بذهابي معه إلى هناك.
رمقتها والدتها بنظرات ذات مغذى فقالت:
_تلك العجوز الشمطاء ،اللعنة عليها استغلت الأمر لتزعجكِ.
عانقت "سمية"وجهها بكفي يدها وقالت وهي تذرف دمعاتها:
_ ليس مهم من قال،المهم أني أحذركِ الآن،لن أحتمل كلمة واحدة عنكِ يكفي ما حدث، من فضلكِ حبيبتي أحسني التصرف إلى أن ترحلي من هنا كعروس بفستانكِ الأبيض.
ابتسمت "يسر"بسخرية وقالت:
_حسنًا يا أمي لن أفعل ما يحزنكِ بعد الآن، أو أُعطي لتلك الشمطاء فرصة لهدم ما بنيناه سويًا،وبخصوص الأبيض ،بالفعل لن أرحل من هنا إلا بداخله لا تقلقي، والآن أفيندار أطلت علينا، هل تودي مشاركتي قراءة ما خطته؟
ربتت علة كتفها بحنان بالغ ثم قبلت رأسها وقالت:
_لا يا حبيبتي ، رأسي يؤلمني بشدة سأذهب لأخذ دوائي ومن ثم أضع رأسي على الوسادة كي أهنأ بنومٍ هادئ بعد هذا اليوم المزعج.
رحلت تاركة ابنتها تستعيد ماضيها المؤلم،والذي انتشلها منه كلمات أفيندار عندما بدأت تقرأ ما خطته،بصمت غير مصدقة أن هناك فتيات تعاني ما عانته بطلة أفيندار.
**
أفيندار
احيانا نرى أوجاع لا يمكن لحروفنا أن تصفها، ولا لكلماتنا أن تداويها ،ببساطة أوجاع أحمد ربي أني كنت سببًا في أن يتحدث بها أصحابها لعلهم يلقون بأثقالها من فوق أكتافهم،لا لا بل من فوق قلوبهم،فمؤكد آلامك عزيزتي كانت ثقل يقبع فوق قلبك فيضيق صدرك،ليوفقني الله وأكون دواء لجرحكِ.
بطلة الليلة،تعتبر أهم عضو بأسرة أفيندار،لم تخلو لقاءاتي بكم من حضورها الدائم،حقًا صدمت بما أرسلته لي وتمنيت لو أنتشلها من أحزانها، لقد تعرفت عليها من صيغة حديثها ،اعتذر عزيزتي لقد أرسلتِ لي معاناتكِ في مئات الأسطر لا يسعني كتابتها،لكني سأختصرها في بعض منها.
باختصار أنا فتاة من أسرة مفككة للغاية،ابنة لأب تزوج مرة أخرى بعد مرض أمي مرض يستغرق شفائه على الأكثر شهرًا،ابتليت أمي بزوج لا يحسن معاملتها ووفاة أطفالها،وكنت أنا الناجية الوحيدة وصاحبة الحظ السيئ من بينهم، أنا أكون ابنته،انفصلت أمي عنه على مدار ست سنوات لم يراني لم يحضر لي الألعاب أو الحلوى لما أعرفه أبي ،كلمة بابا كانت من نصيب خالي،وذات يوم قررت أمي العودة له،حرمني من نداء خالي بكلمة بابا،ليس هذا وحسب وإنما حرمني من حنانه وماله والعيش تحت كنفه،تكفلت أمي بالأمور المادية ، وإن رفضت مساعدته ماديًا كان يعاقبها بالبعد،وعندما كبرت لم أتم تعليمي حتى أساعدها ، لقد خجلت أن أكمل مسيرتي التعليمية وأحملها فوق طاقتها،فقمت بالعمل في العديد من الوظائف ،لم يكتفي القدر إلى هذا الحد وإنما ذقت مرارة فقدان الأم،فذات يوم عند عودتي من العمل سمعت صراخهما ورأيته يركض مهرولًا إلى خارج المنزل، بحثت عن أمي لأجدها جثة هامدة،نعم توفت ماما بسببه،نتيجة لجدالهما ارتفع ضغط دمها وتوفت في الحال، وكما خسرت طفولتي وتعليمي والعلاقة الجميلة بين الأب وابنته خسرت قلبي، هذا القلب الذي لا يطاوعني الآن لأخبركِ حقيقته ،وما كان يحاول فعله بي لذلك سأكتفي بالصمت الحمد لله أني نجوت من بين يده، بعد وفاة أمي تمت خطبتي على ابن خالي ولسبب ما رفض أبي مساعدتي ماديًا في اتمام الزيجة،فتكفل خالي وابنه بالمصاريف المادية، وعلى الرغم أني الآن أم لطفلين،وتخلصت منه ومما كان يفعله بي،لكني لم أتخلص مما أحدثه بداخلي، هذا الجرح لم يتعافى إلى الآن،أصبحت أخشى التفاعل مع من حولي،اخوتي من الأب دومًا ما يحاولون التقرب مني لكني أقابلهم بالرفض،حتى زوجي يعاني من سوء وتقلب مزاجي المستمر،انصحيني يا أفيندار حقًا أحتاج نصيحتك.
في الواقع عزيزتي كنت أتمنى أن لا يحدث لكِ كل هذا وأن لا تعاني فتاة ما عانيتيه أنتِ، لكن ماذا نفعل حدث وانتهي الأمر،ولابد أن تنهضين من أسفل حطامكِ،من أجلكِ،من أجل صغيريكِ،من أجل هذا الشهم الذي لم يتخلى عنكِ،ومن أجل اخوتكِ الذين يحاولون التقرب منكِ على الرغم من صدكِ لهم، ابتسمي يكفي أن لا تتخلي عن ابتسامتكِ، زوجكِ وأطفالكِ هم دواء جرحكِ،أما عن والدتك ليرحمها الله،من الواضح أنها أساءت الاختيار،ودفعت الثمن .
أما بخصوص ما كان يحاول فعله معكِ،قصتكِ هذه ذكرتني بقصة بطلة من بطلات مجتمعنا،اسمها ظل يتردد على ألسنة الجميع لفترة،صحيح أنتِ الحمد لله لم يصيبكِ أذى جسدي كما حدث معها ،لكنكِ تشبهينها بالأذى النفسي كثيرًا تكاد تكون حكايتكما متشابهة،"أوموت" أمل حسن فايد، الفتاة التي ماتت أمها بفعل الخوف عندما حاول زوجها قتلها،والتي استمر لسنوات يتحرش بها،ومن ثم قام ابن خالها باغتصابها لينتج عن هذا الاغتصاب حمل،قامت بالتخلص من جنينها،ومن ثم حاولت قتله وعندما فشلت، مرت بحالة نفسية سيئة،وقضت أكثر من عامٍ بمشفى للأمراض النفسية، غادرته متعافية تمامًا، بعد أن تخلصت من مخاوفها وما أحدثته أفعال والدها بروحها، وكان لزوجها فضل بتعافيها، عزيزتي اتخذي "اوموت" قدوة لكِ هيا قفي على قدميكِ واجهي من حولكِ، ابتسمي بوجه الحياة،أحبي زوجكِ هو يستحق كل الحب لما فعله من أجلكِ،النسيان هو الدواء الفعال لجراحكِ، وأخيرًا أهديكِ كلماتي لعلها تكون سببًا لشفاء جرحكِ.
"من أسفل حطامكِ
انهضي ابتسمي
احلمي اسعي لتحقيق أحلامكِ
من أسفل الحطام
ابحثي عن أجمل ما فيكِ
أضيئي شموع الحب بلياليكِ
من أسفل حطامكِ
قفي شامخة بوجه من سرق طفولتكِ
سرق أمك.. أثر على أمومتكِ
حرمكِ دفء القرب من إخوتكِ
عاندي لحياة
اصرخي بقوة
احصلي من الحظ ولو مرة
على النتيجة المرجوة
اصرخي
قائلة
جئت من أسفل الحطام
نهضت فتاة ستعاند الظلم والأيام
ستسعى جاهدة لتسير إلى الأمام
لتقول كفانا أنا والسعادة خصام
لتنسى بكائها لأيام
ستنسى قهر الزمان وافتقارها للحنان
ولفقدانها لمن كانت مصدر الأمان
أعدكم سأكون للقوة والأمل خير برهان
عانقي تلك الأيدي الحنونة
التي مُدت لكِ بأكثر أوقاتكِ ضعفًا واحتياجًا
ابتسمي بوجهه ليصبح وجهكِ بالحب وهاجًا
شاركي من هم يشبهونكِ أوجاعًا
من أسفل حطامكِ
انهضي واجهي من سرق طفولتكِ شبابكِ وسعادتكِ
خاصمي حظكِ وابدئي من جديد
كوني كيانًا محب سعيد.
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة