-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الخامس

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والروايات الرومانسية في موقعنا قصص 26 مع رواية جديدة من روايات الكاتب علي اليوسفي ووالذى سبق أن قدمنا له رواية أشلاء واليوم سنقدم لكم الفصل الخامس من رواية وصية والد بقلم على اليوسفى هذه القصة مليئة بالعديد من الأحداث والمواقف المليئة بالكثير من الرومانسية والعشق.

رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الخامس

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية وصية والد بقلم على اليوسفى

رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الخامس

 خرجت نور من محاضرتها وهي تحمل هاتفها، أرادت أن تهاتف مجد الذي تغيب عن الحضور لليوم فشعرت بالقلق عليه ،ثوانٍ حتى أتاها ردّه : صباح الخير حبيبتي.


تنفست براحة ماإن سمعت صوته ،ثم عقدت حاجبيها لتهاجمه: أين أنت مجد؟؟ لمَ لمْ تحضر إلى الجامعه اليوم؟؟


تبسم مجد على الطرف الآخر مُجيباً: حبيبتي، هل قلقتي عليّ؟؟

ازداد غيظها من بروده فصاحت به غير عابئةٍ بوجود الطلاب : مؤكد أنني شعرت بالقلق أيها الأحمق.


لاحظت الهمسات حولها فتلفتت لتجد الجميع يحدق فيها باستغراب، شعرت بالحرج الشديد فازدردت ريقها بتوتر وهي تمشي ناحية المقعد الخشبي، ثم همست له بغيظ: لعنكَ الله مجد، لقد أضحيتُ أضحوكة الجامعة بسببك!!


قهقه مجد على الطرف الآخر : وماذنبي انا حبيبتي؟؟ لقد أخبرتك الف مرة ألا ترفعي صوتك لكنك لا تسمعين الكلام.


نفخت بضجر بينما ترمي كتبها إلى جانبها ثم سألته: المهم الآن أخبرني، لمَ لمْ تأتي إلى الجامعة؟؟

_ وهل أجرؤ على عدم المجيء؟؟


كان هذا صوت مجد وقد أضحى أمامها مباشرةً، رفعت أنظارها إليه باستغراب ثم أغلقت الهاتف لتتحدث: مجد !!


أغلق الهاتف بينما جلس بقربها هاتفاً بسخرية: لأ، نسخة عنه!!

زمّت فمها بضيق فيما أردف بمشاغبة : حبيبتي لا تحزني ، وهل سيطيب لي اليوم دون أن أرى البدر؟؟؟


ابتسمت بخفة وقد عرف كيف يراضيها، لكنها سألته مجددا بجدية: أخبرني مجد، لمَ تأخرت؟؟


رفع يده ليضعها عل ظهر المقعد ثم اجاب: لقد كان لديّ بعض الأعمال في المصنع حبيبتي، وكنت اساعد أخي قليلاً .


..............................................


جلست وحدها على كرسي الانتظار أمام الغرفة التي أدخلوه فيها بعد أن أسعفه الأطباء من نوبة ربو حادة كادت تودي بحياته، أفكارها تجرفها بلا هوادة وضميرها يؤنبها بلا رحمة .


استوعبت لتوها أن مافعلته مع الطبيب ضياء لا يجوز، كيف لها أن تكون قاسيةً عليه إلى هذه الدرجة؟؟


لكن ليس بيدها حيلة، فهي لم تعد تتقبل فكرةَ أن تفتح قلبها وتحب من جديد ،لا تريد أن تشعر بذلك الإحساس بالذل والهوان عندما تُخدع مجدداً ، وأيضاً لا تريد أن تظلم أحدا معها، قلبها قد مات فلم ترغب أن تُعطي أملاً زائفاً للطبيب ضياء وهي تعلم أنها لن تستطيع مبادلته بشيء.


لم يكن في نيتها أن تؤذِه أو تكسر قلبه أو أن توصله إلى هذه الحال ، ليس كالطبيب ضياء من يستحق الأذية منها، لكنها لم تكن في وعيها، كانت مُغيبةً وعقلها قد توقف عن التفكير السليم.


كانت مُدركةً للمشاعر التي يختصها بها وحدها منذ زمن، مشاعر حبّ واهتمام لم تعد تتقبلها من رجل سوى والدها، أغمضت عينيها بقوة وهي تفكر كيف ستواجهه بعد ما حدث.


تشعر برأسها يكاد ينفجر ، لم تنم منذ أكثر من أربعٍ وعشرين ساعة، ولم تتناول طعاماً منذ غدائها أمس، وضعت رأسها بين يديها وهي تضغط عليه بشدة، تتوسل للحظة أن يتوقف عقلها عن التفكير.


..................................


أوصلت هدى طفليها الى الحضانة، تاركةً زوجها نائماً وحيداً في المنزل، توجهت إلى المشفى وماتزال غير مصدّقة لمَ فعلته أمس.


أيعقل أن تفعل هذا بزوجها وصديقة عمرها؟؟ ابتسمت بخفة كلّما تذكرت ردّة فعلها أمس، كانت هادئة بشكلٍ مريب وهي تتوقع الآن أن تنفجر فيها.


وصلت إلى المستشفى حيث كانت تعمل مديرةً للمختبر، أخبرتها إحدى الممرضات بأن الطبيب ضياء قد تمّ نقله إلى إحدى غرف المشفى بعد نوبة ربو حادة، ، وكان الجميع يتحدث أن أماليا هي من سببت له تلك النوبة.


توجهت إلى الطابق الثالث حيث وجدت أماليا تجلس وحيدةً هناك، تقدمت نحوها بخطىً مترددة، لكنها رسمت ابتسامة فاترة على مُحياها وهي تتمتم بمزاح علّها تخفف عنها : غير معقولٍ أماليا !! ماهذه المصائب التي افتعلتها ؟؟


رفعت أماليا رأسها نحو صديقتها المجنونة، استقامت من مكانها لتواجهها بينما تحدثت بهدوء مخيف، الهدوء الذي يسبق العاصفة : من باعتقادك التي تفتعلُ المصائب؟؟


عادت هدى خطوة للخلف وقد اهتزت ابتسامتها عندما بدأت صديقتها بالتقدم نحوها مُضيفة: من المجنونة التي تهاتف أصدقائها الساعة الخامسة فجراً لأجل حلم سخيف مثلها؟؟


ازدردت ريقها بهلع وقد لمحت أعاصير غضب اهوج في مقلتي رفيقتها، رغبت في تلطيف الجو بينهما فهتفت بارتجافة واضحة: كنت بحاجة لأن أتكلم مع أحدهم بعد ذلك الكابوس ،ولم اجد سواكِ أمامي، فأنتِ صديقتي الوحيدة و....


بترت كلماتها مع انتفاضة أماليا في وجهها لتبدأ بالصراخ: يكفي، اخرسي أيتها الغبية المجنونة، لا أريد أن أسمع صوتك.


جحظت عيناها من حالة الغضب التي سيطرت على صديقتها، فيما أضافت الأخرى: ألم يكن يكفيني عودة ذاك الأحمق إلى حياتي؟؟ ألم يكن يكفيني عُقدي وجنوني؟؟؟ ألا يكفي أنني منفية في قوقعتي؟؟ لتأتي أنتِ وتزيدي من شقائي؟؟؟


قطبت جبينها بعدم فهم من مقالها، ولم تفهم من قصدت بذاك الأحمق، لكنها استمعت إلى باقي حديثها عندما تحول صوتها إلى الهمس فجأةً وقد حررت عبراتها أخيراً: بسبب حماقتك أتيت إلى المشفى اليوم وأنا في هذه الحال ، لولا هذا لما كان الطبيب ضياء موجوداً في هذه الغرفة بسببي.


ألقت آخر كلماتها وهي تشير إلى غرفة الطبيب ضياء حيث رقد ، كانت هدى مصدومةً كلياً من حديث صديقتها، ولم تستفق من دهشتها حتى أجهشت أماليا بالبكاء، فاقتربت منها بحذر لتضمها ،لم تعاندها أماليا ثم مشت معها لتجلس مجدداً على المقعد، وهي تهمس لها بكلمات مُهدّئة.


...........................................................................


استلقى مجد على عشب الحديقة الملحقة بالجامعة، فيما أسند رأسه على قدم نور الجالسة بجانبه، كان يحدثها عن عمله في المصنع والمكتب، وكيف عرض أيمن عليه أن يشاركه في مكتبه الجديد ليتدرب لديه فور تخرجه.


لاحظت نور سواراً جلدياً يُحاوط معصم مجد، فأشارت له سائلةً مُقطبة جبينها : ممن هذا السوار مجد؟؟


تطلع إلى سواره مبتسماً وهو يعبث بالسوار هامساً: إنه هدية من ريما زوجة أخي أدهم.

مسّدت نور عليه بإعجاب ثم أردفت: هل لي أن أراه؟؟


بدى الاستغراب واضحاً على مُحيا مجد ،طالعه ببعض التردد لكنه خلع السوار ليعطيها إياه، ثم اعتدل ليجلس بمواجهتها بوجهٍ واجم لم تلحظه نور، لانشغالها بتفحص السوار الذي كان يحوي رسوماً جميلة وفي نهايتي السوار رُسمت حروف اسم مجد بالإنكليزية.


تسارعت أنفاسه باضطراب غير مبرر وهو يراها تُقلب السوار بين يديها، ثم ابتسمت بمكر وهي تضعه حول معصمها هامسةً: لقد أعجبني هذا السوار، وسأعتبره هديةً منك.


رمشت عيناه بسرعةٍ غيرطبيعيه وهو يحدثها بهدوء غريب: نور، اعطني السوار.

اتسعت ابتسامتها الماكرة وهي تشير له بالنفي ،ولم تلحظ بعد ذلك الغضب الدفين في عينيه ،فهمس مجدداً وقد بدى على وشك الانفجار: أعطني سواري نور.


رفعت حاجبها باختصار وهي تعتقد أنها تُمازحه هاتفةً: لا مجد، لقد أحببته وقررت أن احتفظ به.


،شدَّ يدها بعنف كبير وهو يخلع السوار من يدها بقسوة هادراً بغضبٍ حارق: لقد أخبرتك أن تعطيني السوار.


مزيجٌ من الخوف والاستغراب أصابها وهي تعاين غضب خطيبها الغير مبرر لها، كانت لمساته عليها قاسية غير ما اعتادت عليها منه ، حرر يدها اخيراً بعد أن خلع السوار منها، فركت معصمها بخفة وماتزال تشعر بالغرابة، لاحظت أنه قد جرحها بأظفاره، رفعت أنظارها الدامعة نحوه لتراه وهو يرتدي السوار مجدداً وقد كان جسده يرتجف بشدة، لم تفهم سبب تلك الحالة التي سيطرت عليه لكنها شعرت بالقلق منه وعليه على حدّ سواء.


هدأ ارتعاش جسده تدريجياً بعد أن لبس سواره، تنفس بعمق ثم رفع عيناه إلى خطيبته التي سيطر عليها خوفها ، ازدرد ريقه بصعوبة ثم حاول أن يتحدث لكنها لم تمهله الفرصة ، استقامت من مكانها فوراً لتحمل حقيبتها وكتبها ثم هرولت من أمامه فوراً.


كوّر يده بغضبٍ من نفسه، أغمض عينيه لوهلة قبل أن يفتحها، استقام بدوره مسرعاً ليلحق بنور قبل أن تخرج من الجامعة


..........................................................................


مرّ بعض الوقت حتى هدأت أماليا، اعتدلت في جلستها وهي شاردةٌ في نقطةٍ في الفراغ وقد رحلت هدى إلى المختبر حيث تعمل ،كانت تحاول أن تستجمع أفكارها و تُعدّ نفسها للقاء الطبيب ضياء، بعد أن استفاق وفحصه الطبيب.


قاطع تفكيرها صوت سيدة تنادي اسمها،رفعت أنظارها لتقابل تلك السيدة المُتأنقة ،والتي ماتزال تحافظ على جمالها رغم سنوات عمرها الخمسين، قطبت جبينها باستغراب وهي تتفحص تلك الزمرديتان، تقسم أنها رأتهما من قبل ،افاقت من شرودها عندما تحدثت السيدة: عذراً ياابنتي، هل أنتِ الطبيبة أماليا؟؟


وقفت قبالتها وقد ثنت حاحبيها مجيبةً: نعم هي انا، من حضرتك؟؟

ابتسمت تلك السيدة حتى بانت نواجذها بينما مدّت يدها لتصافحها متحدثةً: أنا جميلة، والدة الطبيب ضياء.


شحب وجهها بقلق ثم انتبهت ليد السيدة المرفوعة أمامها ،فصافحتها بتردد وهي ترسم ابتسامة متوترة قائلة بهمس: تشرفتُ بمعرفتكِ .


لم تغب ابتسامة السيدة جميلة وهي تسألها: هل بإمكاني أن أتحدث معك قليلاً؟؟

اهتزت ابتسامتها وهي تومئ لها بالإيجاب، وقد أعدت نفسها لسماع وابلٍ من الدعوات واللوم،وربما حتى الشتائم ، لربما عرفت جميلة أنها من تسبب بالنوبة لضياء، ازدردت ريقها الجاف وهي تتمتم بكلماتٍ سريعة وانفاس متلاحقة : سيدة جميلة أريد أولاً أن تعلمي بأنني آسفةٌ لما آل إليه حال الطبيب ضياء، لكنني أقسم لك بأني لم أكن أعلم بمرضه، و.....


قطعت حديثها عندما رفعت جميلة كفها قبالتها قائلة: دكتورة أماليا،أولاً انا لم آتِ لأعاتبك بسبب ماجرى لولدي، فهو مريض ربوٍ منذ زمن طويل، ومثل تلك النوبة تحصل معه كلّما غضب أو توتر.


تنفست بارتياح طفيف كون السيدة لم تحملها ذنب ولدها، لكن زادت دهشتها وهي تسمع حديث جميلة التالي: ثانياً انا أعلم أن ابني معجبٌ بك ويحبك ، كذلك علمتُ بما كان سيقدم عليه اليوم ، لذا أعددت نفسي لسماع خبر تعرضه لإحدى نوباته المعتادة عندما يطلب منك الزواج وترفضيه.


رمشت عيناها وهي تسألها بصدمة: عفواً سيدة جميلة، ولكن كيف علمتي أنني سأرفض عرضه للزواج؟؟


ربتت جميلة على قدمها وهي تجيبها ببساطة: لأنني أعلم أنكِ لم تبادليه حبه.

لم تستوعب حديث تلك السيدة بهذه الأريحية، بينما أضافت جميلة بهدوء: يابنتي انا وضياء صديقان اكثر من علاقتنا كأم وابنها، لقد أخبرني سابقا عن حبه لك،وأيضا أخبرني أنه يشعر أنك لم تعيريه اهتماماً يوماً ،وبالمناسبة ضياء كان يعلم رفضك مسبقا، لكنه أصرّ على هذه الخطوة .


اتسعت عيناها بصدمة وهي تسألها بجدية: إن كان يعلم رفضي إذاً لمَ أصرّ أن يفعلها؟؟ ولمِ لمْ تمنعيه أنتِ؟؟


تنهدت جميلة بتعب تخبرها: ليقطع الأمل منكِ نهائياً كان يجب أن يسمع جوابك بأذنه.

أصابها الخرس فلم تعرف ماذا يجب أن تقول وهي تشيح بوجهها بخجل، فيما أضافت جميلة: يجب أن تعلمي بأنني طلبتُ أن أتحدث معك لأشكرك.


أعادت رأسها مجددا نحوها وهي تعقد حاجبيها بدهشة، بينما سمعت بقية حديث السيدة: طبعاً يجب أن أشكرك، على الأقل كنتِ صريحةً مع ولدي إلى أبعد الحدود فلم تلعبي بمشاعره أو تخدعيه ، وهذا الأمر بحدِّ ذاته يجعلني احترمك اكثر.


طأطأت رأسها بحرج وهي تتمتم: حقيقة لا أعلم كيف سأقابل الطبيب ضياء مرة ثانية.

امتدت يد جميلة لترفع رأسها هامسةً بلطف: كوني متأكدة بأنك لم تفعلي شيئاً يجعلك تخجلين ،ابقِ رأسكِ مرفوعاً دائماً.


ابتسمت باقتضاب ثم عادت تتسائل بوجل: مالذي سيحدث الآن؟؟

رفعت كتفيها لتجيب ببساطة: أعتقد بأنه سيقبل العرض.

قطبت جبينها بعدم فهم: عرض؟؟؟

أشارت لها برأسها وهي تتمتم: نعم ، عرض عملٍ في مستشفىً يديره زوج ابنتي .


تنهدت بتعب ثم أضافت: أنا يابنتي قد تقاعدت من عملي منذ عام تقريباً،أصبحتُ أقضي معظم وقتي وحيدة في منزلي، خاصة بعدما سافرت ابنتي الوحيدة وأولادها لتلتحق بزوجها في ألمانيا، زوجها طبيب أيضا وهو يدير أحد المشافي هناك،وقد عرض على ضياء بأن يأتي هو الآخر ليعمل معه لكن ضياءً رفض.


سألتها أماليا باهتمام: لماذا رفض؟؟

ابتسمت بخفة مجيبةً: كان يأمل أن تشعري بحبه وتبادليه، لكن بما أنك قد رفضته فأعتقد بأنه سيفكر مجدداً وسيوافق.


أخفضت رأسها لثانية ثم عادت لترفعه وهي تردف بصدق: كوني متأكدة بأن الطبيب ضياء لم يخسر شيئاً، بل الحقيقة أنا التي خسرته، خسرتُ إنساناً كان يحبني بصدق دون أن ينتظر مقابلاً مني،والأهم أنني خسرتُ فرصة صداقة سيدة مثلك.


ربتت جميلة على كتفها وهي تتحدث بابتسامة: صدقيني كنت لأكون سعيدة لو أنك وافقتِ على الزواج من ضياء، لكن كل شيء قسمة ونصيب، تشرفت بمعرفتك أيتها الطبيبة.


- قاطعتها أماليا مبتسمةً: أرجوك، نادني يابنتي.


...........................................................................


هرول مجد ليلحق بنور التي عدت بخطوات سريعة، نادى باسمها أكثر من مرة لكنها رفضت التوقف فأمسكها من معصمها ليوقفها إجباراً صائحاً بلهاث: انتظري نور، لقد قطعتي أنفاسي!!


مسحت نور عبراتها وهي تحاول سحب يدها منه قائلة بضعف: اترك يدي لو سمحت.

طالعها بندم ثم ازدرد ريقه وهو يغمغم باعتذار: أنا آسف نور، لم أقصد أن أُبكيك.


رفعت يدها الأخرى أمام وجهه ليرى جراحها وهي تهتف به بغيظ: أنت آذيتني مجد، انظر.


ارتجف جسده عندما لمح تلك الخدوش التي أصابها بها، ارتعشت شفتاه وقد زاغت عيناه بصدمة، استدار للخلف وهو يدفن وجهه بين يديه يضغط عليه بقسوة، حاول السيطرة على ارتجافة جسده وهو يهمس لنفسه بكلماتٍ لم تتبينها نور ،شعرت بالقلق عليه فامتدت يدها بتردد تضعها على كتفه هامسةً: مابك مجد؟؟ حدّثني أرجوك.


هدأت أنفاسه المتلاحقة قليلاً ،أغمض عينيه لثانية ثم عاد وفتحها استدار نحو نور التي تراجعت للخلف بخوفٍ طبيعي، تطلع إليها بنظراتٍ لم تفهمها لكنها قرأت الألم واضحاً فيها .


رمشت عيناها وهي تسأله بخفوت: هل أنت بخير مجد؟؟

تصنع الابتسام وهو يشير لها بضعف، لكنها لم تصدق فسألته مجدداً: هل أنتَ متأكد؟؟؟ لأني أشعر بأنك تخفي عني أمراًما؟؟؟


ازدرد ريقه مُحافظاً على ابتسامته المُصطنعة، لا يريدها أن تضغط عليه فتعرف ماضيه، قد تتركه لو علمت بمرضه، حاول ضبط إيقاع نبرته وهو يجيبها بشيءٍ من التوتر: أنا بخير نور صدقيني، انا فقط أكره منظر الدماء.


رآى نظراتها إليه تنمّ عن عدم تصديق فأضاف: من ثم هذا السوار هو هدية غالية من ريما ،وهي بمقام والدتي لذا كانت ردّة فعلي عنيفة بعض الشيء،أعتذر إليك مرة أخرى.


شعرت بأسفه الصادق فابتسمت باقتضاب : لا تعتذر، لم يحصل شيء.

ابتسم بسعادة وقد تبدلت ملامحه وهو يهتف : وبمناسبة أول عراكٍ بيننا فأنا أدعوكِ لتناول الغداء ،مارأيك؟؟؟

أشارت له موافقة، رفع يدها إلى فمه يقبلها ثم اتجها خارج الجامعة إلى أحد المطاعم.


.................................. ........................................


خرجت إحدى الممرضات من غرفة ضياء لتخبر أماليا بأنه يطلب رؤيتها، تطلعت إلى ٠جميلة بتردد لكنها تبسمت لها باطمئنان وهي تشير لها بتشجيع ، استجمعت قواها ثم قررت الدخول إليه.


طرقت الباب لتدخل، رفع ضياء رأسه لتقابل وجهه المُتعب، شعر بترددها واضطرابها فابتسم متحدثاً: تفضلي دكتورة أماليا.


جرّت قدميها نحوه جبراً حتى وصلت بقربه،ازدردت ريقها بحرج وكادت أن تتحدث قبل أن يقاطعها بابتسامة صافية : أولا دكتورة أماليا، يجب أن تعلمي أنك لم تفعلي شيئاً يجعلك متوترةً وخائفة بهذا الشكل.


تطلعت إليه بتردد فيما أضاف وقد استجمع شجاعته : ثانياً حضرة الطبيبة، يجب أن تعلمي بأنني أحبك منذ زمن طويل، ربما منذ أول مرة رأيتك بها في المشفى، لكن لم يكن لديّ الجرأة لأن أعترف لك، بقيتُ أحتضن مشاعري في قلبي ولم أبثها لأحد، كنتُ أعيش على أمل أن تشعري بي يوماً وتبادليني، لكن بعد الآن أعتقد أنني يجب أن أُلغي هذا الأمل من حياتي.


كلماته أوجعتها لشدة صدقها، تأملته بنظرات مختلفة هذه المرة ،نظرات نادمة.


أردف متابعاً حديثه: سأكذب لو قلت بأنني سأنساكِ، لكن تأكدي بأنه ستبقى لكِ ذكرى جميلة في قلبي، وسأوري حكايتي لأولادي، سأخبرهم عن شابٍ طموح أحبّ زميلته لكنها لم تبادله ثم افترقا، قد تبدو القصة بسيطة لكن لن يعلم أحدٌ تفاصيلها وألمها وحلاوتها غيري.


ضغطت على شفتيها بقوة وهي تقاوم عبراتٍ تكونت على طرف عينها ولا تعرف ماهيتها، نظرت إلى عينيه الصادقة ليضيف دون أن يقطع اتصال نظراتهما: ومن يدري، لعلّ طرقنا تتقابل يوماً، لربما نلتقي في حياةٍ أخرى وظروف مختلفة، حينها أعدك أنني لن أتنازل عنك بسهولة.


هل يوجد فعلاً من يُفكر بهذه الطريقة؟؟

كانت أماليا مصدومة حرفياً بحديثه الصادق والهادئ في آن ، لم تتوقع منه هذه المعاملة الراقية ،لم يصرخ بها أو يعاتبها، لم يتوعدها بالندم الشديد رغم أنها جرحته وأهانت كبرياءه، لقد كان هادئاً لدرجة يُحسدُ عليها.


تنهدت بتعب وهي تتحدث: دكتور ضياء صدقاً لا اعرف ماعليّ قوله، أعتقد لو أنني كنتُ في ظروفٍ أفضل لوافقت على عرضك دون تفكيرٍ حتى، صدقني العيب ليس فيك بل العيب فيَّ انا، قلبي أغلقته منذ زمن بعيد ولم يعد يصلح لك ولا لغيرك، وفي النهايةكل شيء قسمة ونصيب.


ابتسم بخفة مُعقباً على حديثها: وانا أشكرك لإنك لم تُزيفي مشاعرك وتخدعيني بها، وأشكرك على صراحتك.


رفعت يدها لتصافحه قائلةً: تشرفتُ بمعرفتكَ أيها الطبيب، وأتمنى لك التوفيق والسعادة في حياتك،صدقاً.


صافحها بدوره ببسمته الصافية: وانا تشرفتُ بمعرفتك حضرة الطبيبة ،واطمئني لا ضغائن بيننا.


أماءت له بامتنان ثم خرجت من الغرفة، تلاقت مع جميلة خارجاً، فوقفت أمامها لتخبرها بنبرةٍ ملؤها الإعجاب: لقد كنتُ اسمع دائماً بالمثل القائل: وراء كل رجلٍ عظيم امرأة عظيمة، والآن فقط علمتُ معناه.


رفعت يدها لتصافح جميلة مُضيفةً: أهنئك من كلِ قلبي فعلاً على حسنِ تربيتك للطبيب ضياء ،لقد ربيتي وأحسنتي التربية، إنه رجلٌ بمعنى الكلمة ، سعيدةٌ لإنني قابلتكما وستكونان ذكرى سعيدة في حياتي، فرصة سعيدة مدام جميلة.


بادلتها جميلة ببسمةٍ نقية شابهت ابتسامة ولدها لتضمها إلى صدرها مرددة: فرصه سعيده يابنتي، أتمنى لكِ السعادة والنجاح في حياتك.


أماءت لها بالإيجاب ثم حثّت خطاها لتخرج من المشفى بأكملها، لتدرك للمرة الأولى في حياتها، المعنى الحقيقي للخسارة.

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس من رواية وصية والد بقلم على اليوسفى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة