-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثامن

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن من رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت

رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثامن

تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة 

رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت

رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثامن

 لم يصدق أذنيه حين هاتفته، فقد ظنها ستتجاهل حديثهما، وكانت أقصى أمانيه حين رآها، هي أن تتذكره فقط قادمًا، ولذلك لم يتوانى في قبول دعوتها للذهاب هو إليها ومقابلتها بشأن العمل معـًا.

وحين وصل للمقهى الذي دعته إليه، تفاجأ بها جالسة برفقة أحدهم، تعجب قليلاً، وربما لم يحبذ ذلك؛ لكن استمر في التقدم منها؛ مهتمًا بتلك المقابلة، لمحته لين فابتسمت له، بادلها سيف الابتسام وهو يدنو من طاولتهما، وحين اقترب قالت:

-اتفضل يا سيف، دا بابا مش غريب!

أشارت له بالجلوس على المقعد الشاغر، جلس بأدب فتأمله حسام بدقة، متفرسًا ملامحه وهيئته، لذا ارتبك سيف وتحير في سبب حضوره، وبدون مقدمات تحدث حسام جديًا في الأمر، قال:

-أهلاً يا استاذ سيف، الحقيقة لين كلمتني عنك وعن شغلك، فقولتلها حابب أقابله طالما نويتي تشتغلي معاه!

ارتخت قسمات سيف المشدودة وبدا هادئًا، قال:

-دا يشرفني طبعًا!

ابتسمت لين بامتنان له، بينما أحب حسام لباقته واحترامه، قال:

-هي قالت إن مكان شغلك موقعه ممتاز، والحقيقة أنا شايف كده فعلاً، وطالما إنتم نفس المجال، فكويس لما تبدأ مع حد عنده خبره ويكون فيه تعاون

قال سيف بترحيب:

-وأنا معنديش مانع، دا اقتراحي ليها وسعيد إنها قبلته

خجلت لين من طريقة كلامه أو نظراته التي يوجهها لها، أردف موضحًا:

-وحضرتك متقلقش، أنا أختي معايا، ولين هتتعامل معاها

فكر حسام سريعًا في ذلك، وغيّر بعض القرارات، قال بعملية:

-يبقى كل حاجة هتكون مقسومة على تلاتة، يعني اللي هتقدمه إنت وأختك، لين هتقدم زيه، والاتفاق هيكون معايا

لم يعترض سيف مطلقًا ليوافق على الفور، قال:

-اللي تشوفه حضرتك!

رد حسام بمفهوم:

-كلامك هيبقى معايا بخصوص أي حاجة في الورق بينكم؛ لكن الشغل نفسه فأنتم حُرين

-تحت أمرك!

تغابى سيف عن الاعتراض؛ كي يتمكن من إتمام المشاركة بينه وبينها؛ متقبلاً شروط والدها، فنطقت لين أخيرًا وقالت:

-من وقت عرضك ليا إننا نشتغل سوا، والموضوع بافكر فيه، وكلمت بابي ووافق

-وإن شاء الله مش هتندمي

قالها سيف وهو يصلب نظراته عليها بطريقة وترتها، فتنحنحت قائلة:

-تمام يبقى اتفقنا!

أخرجهما حسام من سفح هذه الذبذبات المتبادلة وهو يقول بحسم:

-يبقى نجهز عقود وورق يضمن لكل واحد حقه........!!

_____________________________________


التردد النابع من داخلها وترها حد أنها تراجعت عن فعل أكاذيبها، وخشيت ألا يقتنع؛ أو يرتاب في الأمر ويكشف خداعها له، ثم جلست ترتب كلامها، مترقبة خروجه من المرحاض بين فينةٍ وأخرى، ابتلعت سمر ريقها واستجمعت رباطة جأشها؛ كي تبدو أمامه هادئة، فرحة، بالطبع شحذت قواها لتفعل ما أمرتها والدتها بـه..

خرج زين المرحاض بعدما اغتسل؛ مرتديًا منامته؛ ومستعدًا للنوم، فنهضت سمر من مكانها راسمة لبسمة متسعة جعلته يتعجب، اقتربت منه ثم طوقت عنقه بمسرّة مدهشة، قالت:

-عندي ليك خبر متأكدة هيبسطك!

نظر لها زين مترقبًا، فأردفت بابتهاج مزيف:

-بقالي يومين مش طبيعية، وحاسة إني تعبانة، ماما قالتلي يمكن يكون أنا حامل

تضاربت بداخله عدة مشاعر وهي تخبره، منها أنها أحب تحقيق أمنيته، ومنها عدم رغبته في أن تكون هي أم أولاده، نكزه ضيقه ليتأزم، واستشعر تناقض يسري بداخله، وظاهريًا ضمها ليعرب عن فرحته بذلك، بعكس ما تهجم عليه من أفكار ضايقته، وخاطب نفسه بانكسار:

-زعلان ليه، مش ده اللي كنت عاوزه؟!

مثّل زين ببراعة تهلله من إعلانها ذلك، وهذا ما جعل سمر تغتبط حين صدقها، ابتعد زين عنها فقالت:

-ماما قالت استني اسبوع كده وهتاخدني أكشف علشان اتأكد

ابتسم بزيف وقال:

-مبروك يا حبيبتي!

ثم قبّل جبهتها مردفًا:

-خلي بالك من نفسك!

رسمت سمر طباعًا مخاتلة، وفي نفسها حين لمحت فرحته، زادت من غشها له، قالت:

-شوفت علشان بتعاملني حلو ربنا كرمنا إزاي

قال متوددًا:

-هاعاملك حلو دايمًا، كفاية هتجيبيلي الولاد اللي باحلم بيهم

وضعت رأسها على صدره واغمضت عينيها، قالت:

-هجبلك يا حبيبي، المهم متفكرش غير فيا، ومتحبش غيري

حاوطها بذراعيه وقد تقطب وجهه، ولم يعي لتلك اللحظة لما هو مكترب هكذا، ولما لم يبتهج كأي شخص في موقفه ذاك؟، ووبخ نفسه على تفكيره الأهوج في الأخيرة حين مرت على فكره وهو يتذكرها، فقد سلبته أفضل أوقاته، وحرمته من تأسيس حياة طبيعية؛ لتأتي له بنوائب متلاحقة، أضعفته حتى في تقبلها؛ أم مسامحته لها؛ حقًا لن يفعلها، وبعد وقت من تناقض مشاعره، اختار التأقلم مع حياته الجديدة، وبناء مستقبل فشل في تحقيقه سابقًا؛ مجبرًا نفسه الهائمة على تناسي الأخيرة، ويكتفي فقط بصب غضبه ولعنته عليها.......!!

______________________________________


ألقى معطفه على التخت باهمال وهو ينفخ بضيق وضجر، ثم جلس على المقعد مزعوجًا، ابتسمت رسيل ثم جلست على فخذه وذراعها على كتفه، قالت:

-خوفت عليا؟!

رمقها بنظرة حادة وهو يستنكر:

-عاوزة يوصلني إنك مش بخير وأفضل في مكاني يعني!

عضت على شفتيها السفلية مستاءة، قالت:

-مش فاهمة راندا ليه كبرت الموضوع، كل الحكاية وأنا بكلمها في المعمل حصل انفجار تافه من واحد كان بيهرج باين، والتليفون وقع من إيدي

ظل أيهم عابسًا، فتأسفت رسيل بتوسل:

-أنا أسفة!، علشان خاطري متتضايقش، كل اللي حصل مش بسببي خالص، حاولت اتصل بيك لما عرفت بسفرك، بس قالولي خلاص ركب الطيارة.

تنهد بقوة ثم نظر لها بتمعن؛ متأملاً وجهها عن قرب، قال:

-المهم إنك بخير، أنا كنت خايف قوي يكون حد من هنا قاصد يأذيكِ.

ابتسمت وهي تطبع قبلة ودية على خده؛ ممتنة لمحبته الشديدة لها، قالت:

-حبيبي يا أيهم، مش عاوزاك تقلق عليا، والجماعة هنا كويسين، وبصراحة ممتازين جدًا، مشوفتش منهم غير كل إحترام

مرر يده على رأسها متفهمًا؛ ومبتهجًا حين اطمأن عليها، قال:

-باقي يوم من الاسبوع، مش خلصتي شغلك هنا ولازم ترجعي؟

ردت بجدية:

-أيوة، عملت بحث أولي وهنا ساعدوني، في مصر أكمل معاهم، بس...

ثم صمتت رسيل مترددة في التكملة، فزاد فضول أيهم وبات مهتمًا ببقية الحديث، لعقت شفتيها في توتر وقالت:

-بس ممكن بعدين أفكر آجي هنا!

عقد جبينه دليل رفضه وتأزقه، فأردفت موضحة سريعًا:

-ممكن الإمكانيات في مصر متساعدنيش، ومقدرش أعطل حاجة بدأت فيها وتحمست كمان أكملها.

لمح في عينيها إصرار وافر، وتلك اللمعة المنجلية فيهما، أوحت بأنها على محك بداية جديدة، لربما ستخلق معها حلم رغبت داخليًا في تحقيقه، تركها أيهم محبةً فيها أن تفعل ما تريد، قال:

-مش هقف في طريقك يا رسيل طالما شايفة إن ده صح!

أسندت جبهتها على جبهته مبتسمة، تحب سماحته وهي يمنحها ما تبغاه، قالت:

-أكيد مش هخيب ظنك فيا، أنا متعلمتش سنين علشان أحلم بحاجة وبافكر فيها ومحققهاش، متأكدة جوايا هاعمل حاجة كويسة تنفع ناس كتير.

تمنى أيهم ذلك، فكم رغب أن تكون شريكة حياته ناجحة هكذا، قال:

-ربنا يوفقك في اللي بتعمليه، لأن وقتها هاعملك احتفالات يوميًا

تذكرت رسيل أن بوادر ما أنجزته، يحتاج بالطبع لتمويل لتنفيذه، لذا تبدلت قسماتها للإنطفاء المباغت، فسألها أيهم بغرابة:

-مالك؟!

بدت قليلة الحيلة وهي تخبره عما بها، قالت:

-امبارح بدأنا نبلغ الحكومة هنا تساعدنا في تمويل المشروع، بس باين كده الموضوع هياخد وقت، والله أعلم هيوافقوا أو لأ!

انتبه أيهم لتلك النقطة وقال:

-فعلاً، كان لازم تفكروا في كده من الأول، حاجة زي دي محتاج تمويل، واهتمام كمان!

كانت رسيل متفقة معه في ذلك؛ لكن الأمر خرج عن الحد، قالت:

-مدام نور مسؤولة عن حاجات معينة هتعملها، وأكيد معندهاش استعداد ترمي فلوسها في حاجة مش هتضمنها، وأنا مقدرش لوحدي!

اغتمت رسيل وذلك ما ضايق أيهم بشأنها؛ ورغم أنه غير متفهم؛ أو واعي بقدرٍ كافٍ لما تفعله، حثته محبته لها بتقديم يد العون، قال:

-طيب أنا ممكن أساعدك!

صدمها باقتراحه ذاك، ونظرت له غير مصدقة، وبداخلها فرحت، هتفت:

-صحيح يا أيهم!

رؤية إشراقة وجهها جعلته يؤكد صدق قوله هاتفًا:

-صحيح يا رسيل، أنا هساعدك........!!

___________________________________


باغتها بطلبه غير المتوقع، وذلك آخر ما خطر ببالها؛ لكن جاء ردها في نفسها بأن ذلك لا يجوز، لعدم التوافق في أمور شتى، ثم جلست برفقته داخل ساحة الفندق مترددة في إعلان قبولها؛ أو رفضها، فقط تستمع له؛ حتى انتهى وهو يسألها:

-ما رأيك سيدة نور، هل توافقين على طلبي؟!

خرجت نور من حالة الاندهاش ثم تنحنحت بحرج، قالت:

-أنا مقدرش أقول رأيي في حاجة زي دي مستر زاك، الرأي الأول لـ زين والدها، وبعدين رأيها أكيد!

سألها بترقب مقلق:

-هل هذا يعني أنه لربما يرفض؟

ردت نافية بتلجلج:

-مش عارفة، قصدي أقولك إن الموضوع مش بإيدي، حتى رأيي مش كفاية

هتف زاك باغتمام:

-منذ رأيت السيدة ماريان وأنا معجبٌ بها، وكانت نواياي جيدة، وهي أنني أريد الزواج بها، وليس شيء آخر!

ظلت نور متفاجئة بكم ما كان يضمره، فقد تضايقت من استباحته في التطلع لابنتها، والآن ظهرت نواياه السليمة تجاه فعلته تلك، مر زواج الأخيرة على بالها، ولم تدرك أن نيتها في تزويج ابنتها سيتحقق بتلك السرعة، ولهذا حاذرت وتأنت في عدم الاستعجال، ابتسمت وقالت:

-أوعدك هفكر كويس قبل ما أرد عليك، ومش هلاقي لبنتي حد كويس زيك

أعطته نور جرعة أمل بعدم رفضها من البداية، وجهلت لما وعدته بالتفكير، لربما أحبت عرض الزواج ذاك، وأعطت نفسها فرصة للتفكير المتأنٍ، خاصة أن زوج ابنتها ينوي الزواج، ولحفظ كرامة الأخيرة، ستزوجها بالطبع، انتقامًا من غدر من وثقت بــه......!!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

بعدها صعدت نور للجناح حيث ابنتها، وأخذت قرار بعدم فتح الموضوع سوى بمصر، وحين ولجت غرفتها وجدتها جالسة على تختها ساكنة، فقط تحدق بالفراغ أمامها، وقفت نور عند مقدمة الباب تتأملها، متفهمة سبب حالة الشرود تلك، شفقت عليها وهي تعاتب من أفسد حياتها هكذا، ثم دنت منها بهدوء؛ ورغم ذلك انتبهت لها ماريان، فزيفت نور بسمة سريعة، جلست بجانبها قائلة:

-جوز رسيل هنا، شوفتي لما وصله إنها مش كويسة عمل أيه! ، في نفس اليوم كان مقرر يجلها

ردت ماريان بصوتٍ أبح:

-يا بختها!

حدقت نور بابنتها مبتئسة، لم تتخيل أن تكون خابية الموقف هكذا ومستسلمة، قالت:

-ماريان مش اتفقنا ننسى كل حاجة، مالك فيه أيه؟

تيقنت نور أنها ستعاني بالفعل في حال انفصالها، لذا وجب عليها تشجيعها على النسيان، بينما لم تتحمل ماريان ما تمر به حتى أجهشت بالبكاء، انصدمت نور ثم سحبتها لتقبع بين أحضانها، هتفت بحزن:

-كفاية يا ماريان، ليه كده؟!

شهقت ببكاء مرير مقهورة، رددت:

-ريان اتجوز!

اعتلت نور صدمة فورية، جعلت عقلها لا يفكر، ولسانها معقود لفترة وجيزة؛ حتى استعادت كامل وعيها وثباتها، هتفت بغلٍ:

-ندل، الولد ده أنا كرهته!

لم تكف ماريان عن البكاء بل ازداد ألمًا ومرارة، فهتفت نور بضيق:

-كفاية بقى اللى بتعمليه ده!

نهرتها نور عن الرضوخ هكذا، وانزعجت من ضعفها ذاك، فردت ماريان بألم:

-بحبه يا ماما، مش عارفة أنساه، مش هقدر!

مسدت عليها نور وودت أن تقتل زوجها النذل والمخادع، ليس ذلك فقط، فقد انتوت تخريب حياته، وعمله، وكل ما يهمه، في سبيل نصرة ابنتها فقد اغتاظت حد الإجرامية في التعامل، ومن ثمَ الثأر لها، قالت:

-هندمه بطريقتي، بس برضوه مش هترجعيله حتى لو مش هتحبي غيره.........!!

___________________________________


جلست أمام مكينة الخياطة منهمكة في العمل، تاركة طفلها يلعب بالقرب منها، لذا لم تنتبه له يلج الشقة، سوى بصوت زفيره المتضايق، هنا حدقت به لمى مدهوشة، فقد بات يأتيها بأوقات غريبة، نظر زين لها بعينين مظلمتين، جعلتها تفشل في استشفاف ماذا يحضر لها اليوم؟، وأثناء تعمقه للداخل وقعت عيناه على الصغير، رمقه بنفور ثم توجه ليجلس على الأريكة؛ ليريح جسده.

نظرت لمى لما تقوم به ثم تابعت عملها، لتنتهي منه سريعًا، وذلك التجاهل ما ضايق زين، مرر نظراته الحادة عليها لبعض الوقت مزعوجًا، غير مرحب بتفضيل عملها عليه، وفي ظل متابعته لها، كان مستنكرًا كم التغير الذي طرأ عليها، باتت مجتهدة وواعية عن السابق، خاصة قبولها معاشرته؛ رغم احتقاره الذي يغدقها به بعكس السابق؛ لكنها كانت متقبلة ذلك، أراد فرض سطوته عليها كالعادة حين خاطبها بغلظة:

-عاوز أشرب!

أراد بذلك أن تترك ما بيدها وتتفرغ له؛ لكنها فاجأته بردها حين خاطبت الصغير بتلقائية:

-حبيبي اعطي عمك كوب الماء الذي على الطاولة

-My love ,give your uncle the cup of water on the table

حجظ زين عينيه باندهاش وهي تطلب من الولد أن يناوله الماء، والعجيب الذي جعله يتيبس موضعه، أن الطفل اطاعها، حين حمل الكوب بين يديه بحذر ثم توجه به له، فصلب زين نظراته المبهمة عليه، وما أيقنه في تلك اللحظة دون سواها، هو بغضه للصغير، فذاك ابن غريمه، ثم بغضب منه دفع الكوب من يد الصغير بقوة جعلته يطير مسافة ويسقط متهشمًا للأجزاء، فاضطربت لمى وتركت ما بيدها، وفي لحظات تفهمت ما فعلته، ثم نهضت مبتلعة ريقها في قلق، وبخفة تحركت ناحيته، ليس لتنفذ ما أراده، بل لتبعد الصغير من أمامه، حين سحبته بعيدًا وخبأته بجسدها، فنهض زين متأزمًا حانقًا، هتف:

-قصدك أيه باللي عملتيه ده؟!

كما هي لم تناقشه، ردت متأسفة وهي تعلل:

-أسفة، أنا بس مشغولة وعندي طلبية صغيرة لازم أسلمها لمايا كمان نص ساعة

أحد إليها النظر وقال:

-متنسيش نفسك وإنتِ معايا، لهخلي كل اللي حواليكِ ده في الأرض

-أسفة يا زين، مش هكررها!

أحجمته بردودها المطيعة وأضحى لا يجد ثغرة لينهرها بها، فكز على أسنانه بقوة وقال:

-عمومًا أنا كنت جاي ومش هطول، بس حبيت إنك تباركيلي

قالها مبتسمًا بمكر لم تفهمه، بل أنصتت له باهتمام، أردف:

-مراتي حامل، قريب هيكون عندي طفل!

رغم عدم تأكده من ذلك قتله شغفه ليخبرها، ويرى معالم حزنها وغِيرتها، وهذا ما كان وقد تفهمه من ملامحها الباهتة، وابتسم متشفيًا، قالت:

-مبروك!

خرجت الكلمة بصعوبة من بين شفتيها، وهذا ما أبهج روحه، قال متهكمًا:

-باين قوي إنها مش من قلبك، بس هصدقها!

سوء فهمه جعلها تطمس بعض الأقاويل بداخلها، منها لومه على زواجه؛ لكن لم تفعلها، كونه يراها خائنة ماجنة، وبحذر أرادت معرفة رأيه في انجابها هي، فقالت:

-طيب لو أنا كمان حامل، هتعمل أيه؟!

كان سؤالها بمثابة الصدمة له، ورجع بعقله للوراء يعيد إحياء أمنياته بأن يكونا معًا، وغضبه بسبب فعلتها جعله يرد بقساوة:

-طبعًا مش عاوزوه، عاوزاني أخلف من واحدة زيك، اتجننت أنا!

نظرت له بأعين دامعة ملأها الأسى، قالت:

-بس مش من حقك لواحدك!

استغرب ردها وقال:

-عاوزة تفهميني إنك هتموتي وتخلفي مني، ومعندكيش مانع

سخريته المقترنة بغرابته جعلتها لا تتزحزح عن أي كلمة تفوهت بها، هتفت:

-مش هأذي نفسي علشان سيادتك، أنا ممكن يحصلي حاجة

ضحك زين بشدة كأنه يستهزئ بها، قال:

-محسساني إنك حامل ورايحة تنزليه

لم تنكر لمى أنها تمنت ذلك، وهي منحه أولاد أكثر، عل ذلك يدفعها لإخباره بالحقيقة، ويفضلها ويختارها هي؛ لكن متابعة زين للحديث أكمدتها، قال:

-متخافيش مش هيحصل، لأن مش هخلف غير من اللي باحبها وعاوز تجبلي عيال!

تقبلت لمى ذلك بنفس منكسرة، قالت:

-اللي تشوفه يا زين

جلس مرة أخرى بوضع أكثر راحة وهي يرمقها باستهجان، والبسمة الماكرة المتشفية لم تفارق وجهه، فتحركت لمى لتتابع عملها بضيق لاح معظمه على هيئتها الخارجية؛ رغم إظهارها لشخصيتها المتماسكة، وقبل جلوسها أمام مكينة الحياكة مجددًا، رن هاتفها، وجدتها مايا فردت وكأنها تعدها بالمقابلة، قالت:

-شوية وهجيلك!

صوتها المبحوح وهي تتحدث أظهر مدى شجنها، ثم وجهت بصرها له، قالت:

-هخرج ربع ساعة ومش هتأخر........!!

_____________________________________


أخذت الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تنفخ بغيظ، فمنذ مجيء هذه الفتاة للعمل بالشركة وهي كل لحظة تختلسها لتذهب لمكتب زوجها، ثم وقفت موضعها مغلولة، قالت:

-خلصنا من لين ورزالتها، دخلنا في الزفتة دي، هما عاوزين أيه؟!

حمُقت زينة دواعي عملها هنا بالأخص، والتودد المثير للحنق الذي تقوم به مع زوجها، ساورتها الشكوك فأخذت قرارها بالتوجه لمكتبه، ولا داعي من وقوفها هكذا، فتحركت بعصبية متجهة لغرفة مكتبه. وحين وصلت ولجت دون استئذان وبطريقة فظة، انصدمت بالجميع يجلس على طاولة جانبية ويبدو انشغالهم الجاد في العمل فانحرجت، بينما حدقوا بها بعدم فهم، خاصة آيان الذي نهض من مكانه متفاجئًا من حضورها بهذا الشكل غير المقبول، سألها:

-فيه حاجة يا زينة؟

انحرجت وابتلعت ريقها في توتر، فقد ظنت هذه الفتاة تتدلل عليه أو ما شابه؛ لكن كان العكس تمامًا، فهي تجلس باحترام وتشارك في العمل، قالت:

-كنت عاوزاك في حاجة مهمة!

تضايق آيان من أسلوبها في عرض موضوعها، هتف:

-بعدين يا زينة، عندي شغل دلوقتي

تكشّرت حين رفض أمامهم تلبية طلبها منه، قالت بتصميم:

-لا دلوقتي!

بدت رعناء وهي تتحدث، فقد أرادت إثبات أنه لا يرفض لها كلمة، ولم تدرك أنها استفزته وسط الحضور، الذي نظر لهما وقال:

-هستأذن خمس دقايق!

ثم تحرك نحوها ودلف للخارج وهو يسحبها من يدها بطريقة بدت مزعوجة، وقف بها أمام مكتبه وقال:

-زينة اللي عملتيه من شوية ده مينفعش، فاكرك نفسك فين علشان تدخلي بالشكل ده!

استاءت من وضع حدود بينهما وقالت:

-إنت جوزي، وحبيت آجي أشوفك!

هو يكشفها جيدًا، ومدرك لسبب حضورها المباغت ذاك؛ لكن لم يعلنه، سألها باقتطاب:

-طيب قولي عاوزاني في أيه، ولا بس جاية تطمني عليا!

ردت بتذبذب:

-كنت بسألك إنك قولتلي إن أي حد جديد بيتعلم، ليه بقى جنى دي بتشتغل معاك ومعملتش معاها زيي

رد بامتعاض:

-وإنت بتفهمي في أيه؟، جنى ما شاء الله جاية مش محتاجة تتعلم، بالعكس دي فاهمة حاجات هتنفعنا في شغلنا

أحست زينة أنه يقلل منها وغضبت، قالت:

-تقصد أيه، أنا واحدة غبية، ولا علشان قعدت أجبلك في عيال وخدوا وقتي وجهدي، ما أنا لو عملت زي اللي قدي كنت هبقى غير دلوقتي

انفعلت زينة وهي تتحدث فتراجع عن لومها قائلاً:

-مقصدش، أنا بوضحلك ليه هي جوه معايا دلوقتي، وكمان إنتِ بتتعلمي، وبكرة تفهمي نظامنا

حدجته بغيظ وقالت:

-خليها تنفعك إنت وشركتك، أنا سيبهالك

ثم تحركت زينة لتغادر المكان، بل الشركة بأكملها، نفخ آيان بضيق من اندفاعها في التعامل، تركها حاليًا تفعل ما تريد، ثم ولج ثانيةً ليتابع عمله، وحين يعود سيمتص غضبها بطريقتـه.....!!

_______________________________________


تجولت بأنظارها على محتويات المكان، ثم شاهدت باعجاب مدى الهمة التي يقومون بها وابتسمت برضا، نظرت له وقالت:

-المكان يجنن، وقريب من البحر!

ارتاح سيف من قبولها للمكان بكل ما فيه، هتف:

-إحنا بدأنا شغل، وإن شاء الله وإنتِ معانا هنحقق حاجات أفضل

ابتسمت بخجل ثم تحركت لتقف قبالة مانيكان يرتدي ثوب جميل، تأملته وقالت:

-أنا أعرف ناس كتير برة واتعاونت معاهم، وهيساعدونا يشتروا الحاجات دي ومش هيكسفوني

وجد سيف أن اختياره لها في محله، فبالفعل هي العون له في مشروعه، فقد تخوف من تلك النقطة؛ لكنها أزالت قلقه بكلامها، وقف خلفها وقال:

-كويس قوي، واضح إننا هنتفق وهنكمل بعض!

انضمت نيفين لهما حين عادت من الخارج وقد جهلت من هذه الفتاة التي بصحبة أخيها، ثم تحركت صوبهما وهي تتمعن النظر في لين، التي ابتسمت لها برقة، قال سيف:

-دي لين يا نيفين اللي كلمتك عنها!، ماضينا عقود الشراكة من شوية!

ابتسمت لها نيفين بتصنع، وبداخلها لم تحبذ وجود شريك في العمل، فسوف تندثر حقوق البعض هكذا، ومنها لمى، قالت:

-سيف فهمك الشغل هنا هيبقى إزاي؟

ردت لين بمفهوم:

-أيوة، وطبعًا هاشتغل معاكم، متخافيش أنا ممتازة وشغلي هيعجبك

أعجب سيف بحماسها، أيضًا نبرتها الواثقة وهي تتحدث، فردت نيفين بتودد:

-تمام، من بكرة عندنا شغل كتير، وهنسيبك النهار ده ترتاحي

ضحكت لين بنعومة وقالت:

-طيب همشي دلوقتي لأن عندي موعد مهم مع بنت خالتي

هتف سيف بنخوة:

-تعالي هوصلك لحد تحت

تحركت لين معه للخارج وسط تعقب نيفين لهما، فقد تعجبت من طريقة أخيها في التقرّب منها، وبات الأمر بالنسبة لها، ليس مجرد عمل، فهو معجب بشدة بوجودها، ومتحمس للغاية؛ لكنها لم تعلق وتركته يفعل ما يريـد.


أثناء خروجهما من المصعد، كانت مايا قد وصلت حاملة لبعض الطلبات التي جلبتها من لمى، ثم رأت سيف وابتسمت، حل مكان ابتسامتها عبوس كبير حين وجدته يتحدث للفتاة ومتجاهلاً إياها حين مرق من جانبها، وهذا ما جذبها لتتأمل الفتاة التي معه، شخصت أبصارها غير مستوعبة سبب وجودها هنا، وذهلت من وجودها مع سيف بالأخص، قالت بتردد:

-أيوة هي لين، معقول هنساها!

ثم ولجت المصعد وضغطت على الزر وهي ما زالت مشدوهة من رؤيتها هنا بالأخص، وظلت هكذا حتى وصلت للطابق المنشود، قابلتها نيفين لتعاونها على حمل ما بيدها، وبفضول سألتها مايا:

-مين البنت اللي مع سيف دي؟!

ردت وهي تضع الأغراض على المكتب:

-لين، الشريكة الجديدة!

صدق حدث مايا ومدحت ذكائها في معرفة هويتها، واعترضت على وجودها هنا قائلة:

-إزاي توافقوا على كده، إنتوا مش عارفين مين دي!

اندهشت نيفين من رأيها في لين، والتحدث عنها بهذه الطريقة، ثم اهتمت تعرف المزيد، فتابعت مايا بحنق:

-لين دي تبقى أخت زين جوز لمى.........!!

______________________________________


توجهت لتعطي الطلبية لـ مايا وبذات قصارى جهدها في ألا تتأخر، فابنها مع زين بمفردهما، وتوجست من تطاوله عليه؛ أو ضربه بدون سبب، ودار سيناريو في رأسها لتوالي معاقبته الصغير، لذا بسرعة كبيرة وصلت للشقة، ثم فتحتها بلهف واضح وقلبها ينبض بشدة، وعند ولوجها نادت بعفوية:

-يــونس!!

كعادتها حين تناديه يرد؛ لكن لم يفعلها، فتعمقت لمى للداخل وهي تردد اسمه بقلق:

-يـونس.... يـونس!!

ولجت غرفته وهي تبحث هنا وهنا ولم تعثر عليه، فتأجج خوفها، ثم توجهت لغرفتها ولم تجده أيضًا، تزعزعت أوصالها ووجدت نفسها تنادي بهلع:

-زين... إنت فين؟!

أيضًا لم يكن بالشقة، فقد بحثت في المطبخ والمرحاض ولم تترك إنشًا؛ حتى الشرفة!، أصابها حالة من عدم الوعي من اختفاء ابنها، وفورًا استنبطت أنه أخذ الطفل، أجفلت عينيها وهي تتخيل أذيته له، أو ربما أخذه ليلقيه بالشوارع؛ كي يتخلص منه، تنفست لمى بصعوبة وتملكت منها هيستيرية عجيبة، زلزلت كامل هيئتها، ووجدت نفسها تبكي، صرخت:

-يـــونس!

من فرط جزعها لم تقف طويلاً دون جدوى، بل ركضت ناحية الباب لتبحث عنهما، وحين هبطت للطابق الأرضي لمحت حارس المبنى، توجهت إليه وسألته بشغف:

-مشوفتش زين بيه؟!

نهض الحارس ورد بمفهوم:

-لا يا ست هانم يمكن خرج ومشوفتوش، بعيد عنك بتي تعبانة جوه وكل شوية اطمن عليها

انتحبت لمى وتركت العنان لمشاعر القهر تستفيض علنًا، تحركت لخارج المبنى ترجف، ومن شدة ألمها اعتزمت إخباره؛ لتجعله يعاني مثلها، ويندم حتمًا، هتفت ببكاء حارق:

-أنا قلبي مش هيتحرق لوحدي، إنت معايــا............!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن من رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا : جميع فصول رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات عربية
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة