-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس والعشرون

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الخامس والعشرون

 لم تستطع مريم استعادة جأشها، واستسلمت لحالة التيه التي كانت قد تلبستها بالفترة الماضية خاصة بعد انفصالها رسميًا عن أمجد بإجبارٍ من مراد الذي قام بتهديده برفع قضية طلاق ستكون عواقبها وخيمة، ولأن أمجد لا يفرق معه وجود مريم من عدمه لم تكن سوى امرأة تزوجها ليرضي عائلته؛ فرط بها بسهولةٍ على مضضٍ، والاتفاق كان أن تحت أي ظرف من الظروف الحياتية ومتى يتخلص من تلك القضية المخلة بالشرف، لن يمنعه أحد من رؤية ابنته، وافق مراد بشرطٍ ألا يتعرض لمريم والتعامل سيكون معه شخصيًا، اجراءات الطلاق انتهت بكلمةٍ واحدةٍ من أمجد وأصبحت مريم عصفور طليق، تخلص من قفص مدنس بالخيانة وملوث بدمائها التي نزفتها على مدار سنوات، كان ليسر دور هام بتلك الفترة لقد اعتنت بمريم دون أن تكل أو تمل، تقضي النهار بصحبتها، والليل تعانق ابنتها التي كانت تفتقد حنان أمها، بينما يعكف مراد على مراقبتهما ليلًا، وما فعلته يسر كان له مقابل، صحيح لم تفعل ذلك حتى يصفقون لها ويقولون أبليتِ حسنًا سنحبكِ من بعد الآن، لكن شروق بدأت بالتعرف على يسر الإنسانة القوية، النقية، زوجة الابن التي تُضحك ابنها بنظرةٍ واحدةٍ منها، تسلب لبه بعفويتها، وتعتني بابنتها وحفيدتها.

دلف مراد إلى الغرفة وهو يدعو ربه ألا تكون متطفلته الصغيرة تحتل المكان كعادتها منذ أسبوع مضى، ويستطع أن ينفرد بمحبوبته حتى وإن كان لدقائقٍ معدودةٍ، بحث بعينيه عنها وهو يُقسم أنه سيستغل فرصته الاستغلال الأمثل حتى تقع فريسته تحت سيطرته، عثر عليها تجلس بالشرفة، تفترش الأرض كعادتها تستند بظهرها على الحائط، وتضع الحاسوب المحمول على ركبتيها ويبدو أنها تصب جم تركيزها فيما تفعل، فلم تلحظ حضوره ظل يتابعها مبتسمًا، كانت تبتسم بمكرٍ، كما تفعل دومًا عندما تقم بتنفيذِ أمرٍ ما رغمًا عن رغبة الشخص المقابل لها أو الشخص الذي تتعامل معه؛ علم أنها أصابت أحدهم بالغيظ بفعلةٍ ما لذا تنتشي بسعادةٍ هكذا، قال وهو يجلس بالقربِ منها:

"ماذا تفعل شريرتي الصغيرة"

التفتت إليه وقالت:

"شريرتكَ!"

قال:

" نعم"

تحدته قائلة:

"لست شريرة أحد"

لكزها بمرفقها وقال بمشاكسةٍ:

" لكنكِ شريرة"

"مع من يسيء معاملتي، أو يجرؤ على أن ينال مني أو من أحد أحبائي"

قرر استغلال تقاربهما وقال قاصدًا إنهاء المهمة التي وكلها له صديقه:

" كما تفعلين مع رهف ؟"

امتعض وجهها وقالت:

" تسأل عن رهف زوجة صديقكَ المستقبلية، أم رهف ابنة عمي؟"

"وهل هناك فرق؟"

" رغم أنكَ أجبت على السؤال بسؤال، لكن سأجيبكَ، بالطبع هناك فرق، إن كنت تسأل عن زوجة صديقك العلاقة بيننا سطحية للغاية، لن تتعدى السلام والترحاب أو المباركة على الزواج، أما إن كنت تسأل عن ابنة عمي، أنا شريرة للغاية معها، شريرة لدرجة محوها من دفتر حياتي، ولا يحق لكَ مجادلتي، إن كنت جئت للتحدث عنها"

أدرك أن أمر الإصلاح بينهما لن يكن سهلًا لكنه لن يتراجع خاصة أنه يعلم مدى احتياجهما لبعضهما البعض فقال:

" لكن أنتِ هكذا تتخذين قوتكِ وضعفها أسلحةً تعاقبينها بها"

" ليس للأمر علاقة بالقوة أو بالضعف، وضعتها بمحلِ ثقةٍ لم تكن أهل لها، لذا أعاقب نفسي قبلها على تهوري، أسامح بكل شيء سوى ما يتعلق بتلك المسألة"

سألها:

" أي مسألة؟"

تطلعت به بنظراتٍ ذات مغذى، فبادلها بأخرى معاتبة وقال وهو ينهض:

"فهمت، أنتِ تتساهلين بكل المسائل إلا مسألة عشقكِ الأسطوري"

لم تصدق ما قاله، أغضبتها جرأته، وصلت الدماء بجسدها حد الغليان، من ذكره لأمر عشقها، لقد تحدث بتلقائية وبساطة مستصغر أمر التحدث عن عشقها لآخرٍ، أرادت محاربته بنفسِ أسلوبه فقالت:

" هذه حقيقي، ولأن رهف تدخلت بيني أنا وكر............."

وقبل أن تنهي جملتها كان يشير لها بسبابته محذرًا وعينيه هددتها بأقوى التهديدات، قبل لسانه، ثم هدر بها:

" انظري إليّ، نلعب كالقط والفأر، تراوغين، تستغلين نقاط ضعفي، لكن تذكرين اسمه على لسانكِ، أقتلكِ، أُلقي بكِ من هنا، ولأتخلص من لسانكِ السليط أيتها المغرورة"

مدت قدميها وقالت وهي تحركهما بدلالٍ وتعقد ذراعيها أمام صدرها:

" وتصبح قاتلًا؟"

" على يدكِ إن شاء الله"

نهضت وقالت وهي تعانق حاسوبها المحمول متوجهة إلى الداخل:

" لا تقلق ستصبح قاتلًا على يدي هذا شيء مؤكد، هيا سأتجهز لدينا عقد قران بعد بضع ساعات"

جذبها من ذراعها وقال بحدةٍ:

" هل ستذهبين إلى منزل عمكِ!"

" بالطبع، هل ستذهب إلى عقد قران صديقكَ بدون عائلتكَ، أنا ومريم ووالدتكَ سنذهب لنبارك للعروسين"

تطاير الشرر من عينيه وقال:

" يسر لا تصيبيني بالجنون هل ستذهبين إلى منزل ذلك الحقير"

قالت بنبرةٍ أكثر حدةٍ متطلعة به بثقةٍ لم يرها بها من قبل:

" مراد سنذهب سويًا يدًا بيد، كزوجين في أسعد أيامهما، لن نفتعل المشاكل فقط سنبارك القران، ونشعل النيران بقلوبهم ونعود"

قال معاتبًا:

" هل ستستخدمينني آداه تحرقين بها قلب هذا الحقير"

تبدلت نبراتها ونظراتها واكتست عينيها بالدموع وقالت بضعفٍ رق قلبه على إثره:

" بالطبع لن أفعل فقط سأسترد كرامتي التي بُعثرت على أيديهم لقد قالوا عني ما ليس بي، وجودكَ معي يُثبت كذب أحاديثهم، أعلم أنكَ ستفعل ما بوسعكَ لتكذب افتراءات منار عني طوال السنوات، وما يتفوه به هذا الحقير، أعتقد أنك خير من يدافع عني بهذا الأمر تحديدًا"

قبض على ذراعها وقال وقد عانقتها نظراته معتذرة لها آلاف المرات عما بدر منه ومن كل المحيطين بها:

" إن تجرأ أحدهم على لفظ اسمك على لسانه سأقتله، سأذهب بكِ إلى هناك ليس من أجل أن نثبت لهم مدى سعادتنا المزيفة، ولكن لأن مكانكِ الطبيعي معي، مع زوجكِ الذي سيفعل ما بوسعه لتتبدل تلك النظرة القاتلة التي بعينيكِ."

**

" لأسمح لكَ كي تستعد، نتحدث منذ البارحة يا رجل ألم تمل، وأنا أيضًا عروس ولابد أن أتجهز"

قالت رهف وهي تُحدث حمزة عبر الهاتف المحمول، فأجابها بصوتٍ رخيمٍ عذبٍ:

"وماذا هناك لو كان الأمر بيدي لوضعتكِ أمامي وشاهدت جمالكِ لسنوات، لقد تبقى القليل يا قلبي تحمل، بعد عقد القران سنذهب لنحتفل بمفردنا ليكن لديكِ علم بذلك "

صرخت به:

" لا، الليلة مستحيل إنها اطلالة أفيندار"

شهق غير مصدقًا، هل ترفض دعوة على العشاء احتفالًا مع زوجها بعقد قرانهما، من أجل أفيندار فقال:

" تبًا لكِ يا رهف، هل تتخلى عني من أجل أفين!"

" ومن قال لكَ تحدد موعد العشاء مزامنة مع اطلالة أفين، تعلم مدى عشقي لكلماتها"

" لأفيندار مكانة خاصة لدى كلينا، لذا لنحتفل ونقرأ كلمات أفين معًا ما رأيكِ؟ كما أنني قررت إخباركِ كيف تعرفت عليكِ"

همست له:

"طالمًا ستخبرني بهذا السر الكبير لنحتفل، لنقرأ كلمات أفين معًا"

"هل وافقتِ من أجل معرفة السر فقط!"

"عنصر الرفض غير مطروح من البداية، معكَ بكل وقت زوجي العزيز"

**

التحضيرات بتلك الأثناء كانت تسير على قدم وساق، يسر تتجهز لتبدو بأجمل وأقوى إطلالة لها، بعد أن تأكدت من ذهاب مريم ووالدتها معهما بعد رحلة اقناع دامت لأيام من قبل يسر، فمريم لم تكن تخطت أوجاع طلاقها بعد، أما عن سمية وشقيقها كانا يفعلان ما بوسعهما لكي لا يذهبان ليقدما التهنئة

بأيديٍ فارغة، فبعد دعوة نجيب لهما قررت سمية أن تُهدي منار هدية لن تنساها طوال حياة "هدية باللون الأسود كقلبها"، وفي منزل نجيب الدالي كانت الأعمال تسير بتوترٍ بالغٍ، صراخ منار كان كالصاعقة الكهربائية التي تصيب كل من يتقاعس عن أداء عمله، هذه التوتر طال ابنتها عندما أنهت مكالمتها مع حمزة وغادرت غرفتها تطمئن على سريان التجهيزات، التقت بأخيها بالرواق المؤدي إلى غرفة والدها، العلاقة بينهما تكاد تكون منقطعة منذ مواجهتها مع يسر، نعم شقيقها، وتحبه، وتمنت له أن يسترد قلب يسر مرة أخرى، لكن ولنضع ألف خط تحت تلك الكلمة لديها ما يثير شكوكها خاصة بعد معرفتها بالفعل المشين الذي أقدم عليه تجاه ابنة عمه، ولولا مراد لحدث ما لا يحمد عقباه، قال وهو يتطلع بها بحيرةٍ فلم يفهم لما تتهرب من الحديث معه منذ وقتٍ:

"فوفي هل نحن متخاصمان؟"

قالت وهي تشيح بنظراتها بعيدًا عنه:

" من قال هذا"

"أفعالكِ"

"لا يوجد أمرٍ كهذا فقط منشغلة بالتجهيزات للزفاف، اسمح لي مصفف الشعر على وشك الوصول"

مرت من جانبه فأوقفها عندما أمسك بذراعها وقال بصوتٍ خفيض خوفًا من التقاط الأذان لكلماته:

"هل ستحضر ابنة عمنا عقد القران؟"

قالت مستفهمة:

"من"

أجابها بسخريةٍ:

" وهل لنا سواها"

قالت ونظراتها الثاقبة تقول ما لم يقله لسانها:

" بالطبع بعد أن قُتلت ياسمين، لم يتبق لنا سوى يسر، لأطمئنكَ أخبرني حمزة رفضها للمجيء، وهل تنتظر مجيئها إلى منزلنا بعد كل ما حدث!"

تبدلت نظراته لم تستطع تفسيرها هل هي نظرات غضب أم حزن وخيبة أمل، قال وهو يوليها ظهره:

" سأذهب لأتفقد الأعمال"

**

فيلا مراد عزام

وقف مراد ببهو المنزل مرتديًا حُلة كلاسيكية سوداء، زادت من وسامته وجاذبيته، وهو يمسك بليان، منتظرًا قدوم أميرته، قالت مريم بانزعاجٍ وعدم ارتياح:

"لو لا أذهب معكم، ليس لدى مزاج لأحضر هذا النوع من الاحتفالات"

امتعض وجه مراد بينما تمزق قلب والدتها من أجلها، كانت ستشجعها ببعضٍ من الكلمات المحفزة، لكن سبقتها يسر عندما قالت وهي تقف بأعلى الدرج، متحلية ببسمة كفيلة أن يسقط قلب مراد صريع على إثرها:

_ خطأ جميلتي هذه الاحتفالات خُلقت لنحضرها.

لفتت الأنظار إليها بنعومة صوتها وهي تطل عليهم كالأميرات، بفستانها الأزرق الزاهي وملامحها الملائكية، هبطت السلم وأربعة أزواج من الأعين تتابعها، أعين تتابع بامتنان لوقوفها بجانبها، وأعين تتابعها بإعجاب لما فعلته مع ابنتها، وأعين بريئة تتابعها بينما تصفق بطفولةٍ، وأخيرًا أعين عاشقة، تعانقها بنظراتٍ يقسم من يراها أن صاحبها غارق ببحور العشق ولا أمل من نجاته، لم تستطع ابعاد نظراتها عنه وكأن هناك مغناطيس يجبر عينيها على مبادلته للنظرات، نظرات مبهمة لم تستطع تمييزها، لكنه تعرف عليها، لقد أصابته سهام العشق المنبثقة من عينيها، تيقن أن به استجاب لدعواته أفاقت من شرودها على لمسة يده التي تمسك بيدها بتملكٍ وسعادةٍ لم يشعر بها من قبل،مال نحوها وهمس بشغفٍ قائلٍ:

"سنسير معًا يدًا بيد برغبتكِ للمرة الأولى"

اجتاحتها رجفة مربكة، إنها تُقدم على خطوة في غاية الخطورة، ستذهب لمنزل عمها أي منزل منار وابنها، ممسكة بيد زوجها، ستشعل النيران بقلوبهم، ستعطي الصحافة لقمة سائغة لأيام، ستعطي مراد أمل كاذب من وجهة نظرها، لكن ماذا يتوجب عليها أن تفعل سوى أن تقابل المكر بالخداع، لاحظ توترها؛ فابتسم لها مطمئنًا وقال:

" البند الأول في اتفاقية السلام بيننا، القوة بمواجهة كل شيء وأي شخص سوانا، لنكن بأضعف حالاتنا ونحن سويًا ونطلق العنان للضعف الكامن بداخلنا أن يتحد ونصبح قوة لا يستهان بها،وأقوى بمواجهة أعدائنا، لذا تخلي عن رجفة جسدكِ يا زوجة عزام"

أجفلت على إثر ثقته بتقبلها قربه، ونبرة صوته الرخيمة المفعمة بالمشاعر، وكلمته التي أنهى بها حديثه، فأومأت برأسها دون أن تنبس ببنت شفة، ابتسمت له ممتنة من وقوفه بظهرها بمواجهة الريح،وكأنه دعوة مستجابة من أجلها.

قال وهو يشدد من قبضته على يدها:

"والآن هل يعانق القمر النجمة؟"

مدت يدها له بتوجسٍ لقد صدق فيما قال، تلك هي المرة الأولى التي تُعطيه يدها بإرادتها، سار بها ومن خلفه عائلته،وبالسيارة ابتسم وقال بمزاحٍ وهو ينظر لها بالمرآه أثناء جلوسها بالمقعد الخلفي:

"رجل وأربعة زهرات كل زهرة أجمل من الأخرى"

قالت يسر:

" أجملنا قطتكَ المدللة بالطبع"

تابعت شروق حديثهما وقد بدأ قلبها بالميل إلى يسر والتعرف على شخصيتها عن قربٍ، نظرت إلى ابنتها الشاردة بعالمها الخاص ودعت ربها أن تتخلص سريعًا من أحزانها، أما عن مراد فقد تعمد القيادة على مهلٍ متخوفٍ من اندلاع النيران بين عائلة الدالي بسبب حضور يسر مما يكن سببًا في تأجيل القران، وقرر أن يصل متأخرًا كي يتفادى افتعال المشكلات.

**

تملك منها الخوف والتوتر فور وصولهم إلى فيلا عمها، ها هي ستلتقي به مرة أخرى بعد مواجهتهما الأخيرة، ها هو سيراها مع زوجها، هاهو سيرى النجمة تعانق القمر بيدٍ غير يده، ها هو سيرى سعادتها المصطنعة بعينيها، لكن السؤال هنا هل تلك السعادة مصطنعة حقًّا أم أنها من تتوهم بذلك؟ قال مراد وقد أدرك مخاوفها:

"إن أردتِ لنعد، إن نظرنا لحالة المنزل سنعلم أن عقد القران قد فاتنا"

تنهدت وهي تنظر له عبر انعكاس صورته بالمرآه:

" يكفي أن أستمد القوة منكم، أنتم عائلتي الجديدة"

كانت كلماتها تأشيرة لمشاعره أن تتحرك برعونةٍ غير مسبوقةٍ، فترجل من السيارة وسار ممسك بيدها ليشعلون فتيل الغيرة بقلوب الكثيرين، صدق فيما قال لقد انتهى عقد القران بالفعل قبل وصولهم، تهللت أسارير رهف فور رؤيتها لهم، وقالت بصوت مرتفع:

" جاءت يسر، لم تتركني وحيدة"

توجهت الأنظار الغير مصدقة نحوهم، نظرات حانقة مشتعلة بالغيرة كنظرات منار وابنها ونظرات ممتنة كنجيب وابنته لاستجابة يسر لدعوتهما، ونظرات متباهية فخورة بمراد وما يفعله من أجل يسر كنظرات سمية، مال نحوها وقال:

" تلك هي اللحظة المهمة، ابتسمي يا يسر كما لم تبتسمي من قبل"

لم تعير وجود كرم اهتمام حاله كحال والدته، وراحت تبارك للمتواجدين من عائلتها بالحفل وفي نهاية المطاف وصلت إلى رهف، تملك منها حبها وصدق مشاعرها وتخلت عن قرار معاقبتها مؤقتًا، فبكت وهي تعانقها، كما الحال مع والدتها التي كانت تتخيل ولدها"ياسين" طوال الوقت يجلس ويُعقد قرانه على محبوبته بدلًا من حمزة، لكنها اودعت حقها عند الخالق الذي لا تضيع ودائعه، قالت يسر وهي تعانقها:

" مبارك عليكِ"

"هل تصالحنا"

وكأنها ذكرتها بالموقف الذي اتخذته منها؛ فابتعدت عنها وقالت:

"لم نتخاصم لنتصالح، ليرزقكما ربي السعادة والهناء"

عادت أدراجها إلى الخلف لتقف بالقرب من شروق ومريم، وكأنها تقول ها أنا وسط عائلتي الجديدة، قال حمزة معاتبًا:

"أين كنت يا صديق، لقد شهد على عقد قراني رجلًا غيركَ هل هذا اتفاقنا!"

تعمد مراد رفع نبرة صوته وقال:

" ماذا أفعل؟ لكَ أن تتخيل حالتي أعيش مع أربعة من أجمل نساء الأرض، إن تجهزت تلك ستتأخر الأخرى، غير انشغالي بجمالهم طوال الطريق"

قبض كرم نجيب على يده وحاول التماسك كي لا تحدث جريمة قتل بعقد قران شقيقته، بينما قال نجيب متداركًا الموقف:

" ليشهد التاريخ أن وثيقة زواج ابنتي الشاهدان عليها هما كرم الدالي"

قهقهة الجميع، وأدركت يسر أن خالها وابن عمها هما الشاهدان، فنظرت يسر إلى خالها الذي قال:

" وإن لم يشأ ربي أن أُنجب، أنتما ابنتاي، إن لم أشهد على زواجكما من سيفعل"

فور انتهاء حديثه غادر المجلس متوجهًا إلى الحديقة فقد كانت ومازالت مسألة عدم انجابه غصة يختنق بها منذ سنوات، تتبعته النظرات الحزينة، وقد اتضح سبب خسارته للنجمة والقمر، استمر الحفل لبعض الوقت، حاولت يسر بشتى الطرق أن تبدو قوية سعيدة، ولم يتوانى مراد لحظة واحدة عن احتواءها، بينما جلست سمية واضعة قدم فوق الأخرى بتفاخرٍ تتابع كرم الذي فقد السيطرة على نفسه وراح يلهث بسرعةٍ وكأنه ركض لأميالٍ وهو يشهد على انسجام يسر مع عائلة عزام من أصغر فرد لأكبرهم.

وبعد وقتٍ استأذن حمزة من نجيب أن يصطحب رهف للاحتفال بأحد المطاعم، وافق نجيب على مضضٍ، بعد أن وعده أن يعودا قبل تأخر الوقت، أراد مراد الذهاب لكن حدقت به سمية محذرة، وطلبت منه الانتظار لبعض الوقت وسيذهبون جميعًا، فقط يمهلها الوقت لتتحدث مع نجيب ببعض الأمور.

**

على ضفاف النيل بأحد المطاعم الراقية الهادئة، حول طاولة تم حجزها خصيصًا من أجلهما جلست رهف رفقة حمزة، الذي كان يتطلع بها بعشقٍ لم يستطع اخفائه، مرر أنامله على يدها، وقال:

" مبارك عليكِ أنا زوجتي العزيزة"

" مبارك عليكَ أنا زوجي الحبيب"

قالت رهف، فتابع حمزة:

" ألا يمكن أن نوفر على عائلتينا تكاليف الزفاف، ونذهب لمنزلنا الآن؟"

" وتسرق من السيدة منار فقرة التباهي بزفاف ابنتها الأسطوري؟"

تنهد محاولًا تغيير مجرى الحديث وقال:

"لن نتحدث عن أحدٍ الليلة، الليلة ستتحدث قلوبنا وأعيننا فقط، بأحاديث لم يتحدث بها سوا العشاق"

قالت بنبرة فضولية:

"لتخبرني كيف تعرفت عليّ رغم دخولي على مواقع التواصل الاجتماعي باسم وهمي أولًا، وبعدها افعل ما يحلو لكَ"

ابتسم لبراءتها وقال:

" تستغلين الموقف يا زوجتي الغالية لكن سأخبركِ"

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:

"كلي أذان صاغية"

ابتسم لها وقال:

" تعليقاتكِ وآرائك عما تعرضه أفين جذبتني وأثارت اعجابي، رأيت بكِ نقاء وبراءة الأطفال، خشيت عليكِ من البشر، وددت أن أعانقكِ في كل مرة تتحدثين بها عن الظلم، عن الفراق، وجدتني أنتظر أفين فقط لأقرأ آرائكِ وكأنني على موعد معكِ، الحزن القابع بين حروفكِ رغم أنه قاتل إلا أنه أحيى بداخلي مشاعر لم أستطع تفسيرها، وفي ليلةٍ كتبتِ جملة كفيلة لقتل أي عاشق، مازلت أتذكرها لقد كتبتِ{ وهناك قلوب كُتب عليها أن تبكي كل ليلة بصمتِ دون أن يراها أحد، دون أن يسمع آهاتها أحد، دون أن يطيب جراحها أحد، كُتب عليها أن تموت أن يتركها من حولها، هذا إن كان بحولها أحدٍ من الأساس، هذه القلوب ميتة على قيد الحياة، لذا لا تحاولون إيلامها، لقد فقدت الشعور بالألم منذ وقت،وكل ما تشعر به ليس سوى موت بطيء، متكرر} حينها تحديدًا أقسمت أن أبحث عنكِ وأجدكِ، سأعانقكِ، سأعوضكِ، سأزيل تلك الدمعات وأفقأ أعين من يتسبب بها، سأحيي هذا القلب مرة أخرى، وبالفعل استخدمت خبرتي في مجال البرمجة وتتبعت حسابكِ الشخصي وتوصلت إلى رقم هاتفكِ ومن بعدها هويتكِ وعنوانكِ وتقدمت لخطبتكِ ووافقتِ وأنتِ الآن زوجتي ما رأيكِ؟"

لم تستطع الإجابة عليه لكن دموعها فعلت، وانسابت على وجنتاها، كفكف دمعاتها وقال:

"حُذفت كلمة دموع من صحيفتكِ، لن أسمح لكِ بالبكاء مرة أخرى حتى لو كان بفعل الفرح"

قالت وهي تجاهد ألا تنهض وتلقي بجسدها بين ذراعيه، على مرأى من المحيطين بهما:

"أحبك، وكأنني خلقت الليلة، خُلقت من أجلكَ أنتَ"

قال هائمًا بعينيها:

" أُحبكِ كما لم يحبكِ أحدٍ من قبل، أحبكِ حب خُلق من أجلكِ أنتِ"

**

فيلا نجيب الدالي

شعرت منار بالريبة من حضور سمية للحفل إنه لشيءٍ غريب، مثير للشكوكِ، والأغرب هو حضور يسر والسعادة التي تحاول إظهارها بشتى الطرق، وإصرارهما على المكوث لهذا الوقت المتأخر رغم احتقان الوضع بين كل من كرم نجيب ومراد وكرم الذي اندفع نحو مشاعره وراح يراقب تحركات مريم طوال الوقت، وعلى حين غفلة من مراد اقترب كرم من ابنة عمه الجالسة بجانب مريم تداعب الصغيرة، أثناء انشغال مراد بالحديث مع خالها، لقد قرر ممارسة ضغوطاته وتهديداته عليها فقال:

"أرى أنكما تداركتما الأزمة التي كانت بينكما بسرعةٍ"

أجفلت وكأن أحدهم قبض على عنقها يحاول خنقها، ارتجف جسدها، مازال يمتلك تأثير طاغٍ عليها، تذكرت كلمات مراد المحفزة والمحذرة لها من ضعفها إن حاول كرم استفزازها، فقالت دون أن تنظر له:

" عفوًا عن أي أزمة تتحدث"

رفعت عينيها تُحدق به لأول مرة منذ وصولها، صدمتها تلك العبرات التي تتجمع بمقلتيه المتورمتان المحتقنتان، وكأنه كان يبكي، تلك العبرات لم تُخفي العتاب الواضح بعينيه، تذكرت ما فعله منذ سنوات، وما تجرأ عليه من استغلال لضعفها بآخر لقاء لهما؛ فأطلقت العنان لمشاعرها وأصبح المشهد نظرات عتاب مقابل نظرات عتاب وكره بعد عشق كبير، قطع سيل تلك المشاعر الحقيقية، صوت مراد وهو يقول بعد أنا أحاط خصرها بيده،وضمها إليه:

" هل جاء ابن عمكِ يهنئنا على زواجنا"

لاحظت سمية احتقان الموقف فتابعت سير الأحداث وهي تدعو ربها أن تتم الأمور كما خطت لها، قال شقيقها محذرًا: "لو يتماسك مراد قليلًا، ولا نضطر على الذهاب قبل أن تنفجر القنبلة"

ابتسمت بثقةٍ وقالت وهي تشير إلى الباب الرئيسي للمنزل:

" ستنفجر القنبلة بحضورنا لا تقلق، بل نحن من فجرناها يا عزيزي، هيا استعد لنتأهب كي نشاهد أشلاء منار وهي تتناثر هنا وهناك"

التفتت أنظاره نحو هؤلاء الرجال القادمون نحوهما كما حدث مع جميع المدعوين، خاصة بعد التعرف على هوية الزائرون، وهم رجال الشرطة، اتجه نجيب صوب ذلك الرجل الذي يتقدم الحضور وقال:

" عفوًا من أنتم، وماذا تريدون؟"

قال الضابط:

" من نحن؟ نحن فريق من رجال الشرطة المصرية، وماذا نريد؟ نريد حضور السيد كرم نجيب الدالي إلى مقر الشرطة لأجراء تحقيق سريع معه، أين هو؟"

انهار جسد منار على المقعد بعد أن تنبأت بما سيحدث لاحقًا، قال كرم وهو يتقدم نحوهم:

"عن ماذا تهذي يا هذا؟ بماذا سأتحدث معكم؟"

حذره الضابط وهو يرفع سبابته محذرًا:

" ستأتي معنا دون أي تجاوز"

هدر نجيب:

" هل هناك تهمة تتهمونه بها؟"

قال الشرطي وهو ينظر نحو سمية الدالي التي ابتسمت له بامتنانٍ:

" لدينا أمر من النيابة بالقبض عليه بتهمة القتل العمد للراحلة ياسمين طاهر الدالي"

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة