-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع

 بالكاد تحامل على نفسه ليتجنب النظر إليها طوال الدقائق التالية، لم يرغب في افتعال المشاجرات معها؛ لكنها استثارت عصبيته بشكوكه غير الصحيحة، ربما لم يكن منذ البداية يسير على خطٍ مستقيم، ومع هذا سعى جاهدًا لئلا يعود إلى ما كان عليه سابقًا من الاستهتار والرعونة. اتجهت أنظار "هيثم" نحو "آمنة" التي هتفت تشكره بامتنانٍ واضح:

-دايمًا عامر يا حبيبي.

أومأ برأسه معقبًا:

-تسلمي يا حماتي.

جمعت الكؤوس الفارغة في الصينية، وأوشكت على الخروج من الغرفة لوضعهم في أماكنهم بالمطبخ بعد تنظيفهم؛ لكن اعترضت "فيروزة" طريقها قائلة بإصرارٍ:

-هاتيهم يا ماما، أنا هوديهم المطبخ

شعور الكره والنفور كان متبادلاً مع زوج شقيقتها، لم تحبذ البقاء معه في نفس المكان، وهي تكن له قدرًا لا بأس به من الضيق، اعتمادًا على خبرتها السابقة معه، وإن كانت تسعى للنظر إليه من منظور مختلف.

...................................................

سحبت نفسًا عميقًا، وأدت مهمة تنظيف الكؤوس على وجه السرعة، ثم أعادت ترتيب الفوضى الحادثة في المطبخ، قبل أن تلتفت لتجده واقفًا عند أعتابه يرمقه بتلك النظرة الحادة. أبعدت "فيروزة" عينيها عنه، وبدت إلى حد ما عصبية في حركتها، تقدم "هيثم" منها متسائلاً بحنقٍ رغم انخفاض نبرته وهو يغلق باب المطبخ خلفه قاصدًا الانفراد بها:

-إنتي عايزة مني إيه؟

قطبت جبينها مرددة في جديةٍ شبه حائرة، وقد تعلقت أنظارها بالباب المغلق:

-أفندم.

سألها مباشرة، ووجهه يعكس استيائه العظيم منها:

-بتلعبي في دماغ مراتي ليه؟

تفقه ذهنها إلى سبب طرحه هذا السؤال تحديدًا، على الأغلب تلصص عليهما، وسمع حوارها مع توأمتها. بشجاعةٍ لحظية رفعت رأسها إليه، نظرت له بتحدٍ وهي ترد:

-والله أنا من حقي أطمن على أختي، وأتأكد إنها كويسة.

بدا وكأن وجهه يفح نارًا من غضبه، فهتف بنبرة مالت للارتفاعِ قليلاً:

-إنتي خايفة عليها مني؟

أجابته بنزقٍ دون أن تهتز منها شعرة:

-طبيعي أخاف وأقلق من واحد زيك معروف هو كان إيه، وعمل إيه زمان .. ده لو كنت ناسي.

لم يكن "هيثم" من ذوي القدرة على ضبط انفعالاتهم، خاصة حينما يتم استدراجه نحو منطقة الغضب، زادت وتيرة التوتر بينهما، وصاح بها بغلظةٍ:

-أنا مقولتش إني ملاك، بس مراعي ربنا في مراتي، فماتجيش إنتي وتخربيها.

رددت في تهكمٍ، وهي تنظر إليه في عدم تصديقٍ:

-أخربها؟ إنت عارف كويس إنت اتجوزتها إزاي.

بادلها نظرة بغيضة قبل أن يدمدم قائلاً:

-مظبوط، بس حبيتها، ومستعد أعمل أي حاجة عشان تبقى مبسوطة معايا، وهي ماشتكتش.

هزت كتفيها قائلة بنصف ابتسامة، كأنما تسخر منه:

-أتمنى تفضل كده.

بلغ غضبه مبلغه، فهدر بها في تشنجٍ، وقد اشتعلت نظراته نحوها:

-في إيه؟ إنتي بتتعاملي معايا كده ليه؟

توترت من عصبيته الزائدة، خاصة أنها نشطت ذاكرتها بمشاهدٍ حملت نفس الأوجه القميئة الغاضبة التي ألحقت بها الأذى وبشدة. عفويًا تراجعت خطوتين للخلف لتنأى بنفسها منه، بينما استمر "هيثم" في الصياح بحدةٍ وهو يلوح بذراعه أمام وجهها:

-عمري ما جيت جمبك، ولا أذيتك، وعارف إنك مش طيقاني، ولا أنا بقبلك كمان ...

تفاجأت من اعترافه الفظ هكذا علنًا، وحملقت فيه بصدمةٍ لجرأته على الإفصاح عن ذلك بسهولة، كأنما كان يتحين الفرصة للنطق بهذا دون ندمٍ أو خجل، استمرت في الابتعاد عن محيطه، في حين أنه واصل هديره بها مهددًا:

-بس متقلبيش عليا مراتي وتخليها تكرهني، عشان مش هسكت!

لم تظهر إحساسها بالخوف في تلك الحظة، فنفس التعابير الحانقة جعلت بدنها يقشعر، وهتفت في شجاعة غير حقيقية:

-أنا بحذرك!

انتفض يلوح بذراعه بعدائيةٍ أمام وجهها وهو يكز على أسنانه:

-وأنا قولتلك مليون مرة أنا بحبها، ليه مش مصدقة؟

ثم التقط بيده أحد الأطباق الصغيرة، وقذفه أرضًا ليتحطم في عنفٍ جعلها تنتفض خوفًا، وهو مستمر في صياحه الذي ارتفع على الأخير:

-عاوزاني أعملك إيه عشان أثبت إن نيتي صادقة؟

اتسعت عيناها رهبة منه، وتراجعت بظهرها للخلف حتى التصقت بحافة الحوض وهي ترتجف كليًا من طريقته، رغمًا عنها استحضرت في عقلها وجه "آسر" وتصرفاته العنيفة معها، فأصبحت تراه متجسدًا أمامها بدلاً من منه، متذكرة كيف استحقرها، وعاملها بدونية قبل أن تتحول معاملته لطريقة بدائية ووحشية ترسخت معالمها العنيفة في الذاكرة قبل الجسد، وظلت آثارها ملازمة لها إلى الآن. تسمر الأخير في مكانه متابعًا لومه الصارخ بها:

-إنتي إيه؟ معندكيش دم؟ ابعدي عننا بقى، وسبينا نعيش كويسين.

انتصبت شعيرات جسدها أكثر، وأصابتها انتفاضة أخرى مصحوبة بوخزات حسية جعلتها غير قادرة على الصمود، بالكاد نجحت في التمالك حينما جاءت "آمنة" على إثر صراخه، لتتساءل بعد أن فتحت الباب ووزعت نظراتها الحائرة بينهما:

-في إيه يا "هيثم"؟

كانت والدتها تظن في البداية أن الصياح قادمًا من الخارج لكونه غير واضح؛ لكن ما إن أرهفت السمع وتأكدت أنه يأتي من داخل المنزل، حتى أسرعت ناحية المطبخ لتفقد الأمر، بقيت نظراتها تتجول على الاثنين في تخبط وهي تتساءل:

-في إيه يا ولاد؟ حصل إيه؟

لعن "هيثم" من بين أسنانه بصوتٍ خفيض؛ لكن بدت أصابع الاتهام تشير إلى "فيروزة" من طريقته العصبية، قالت الأخيرة فجأة بصوتها المهتز:

-أنا .. هامشي يا ماما.

رمقتها والدتها بنظرة مليئة بالشك وهي تسألها:

-تمشي؟

بلعت ريقها وادعت كاذبة بتلعثم:

-عندي مشوار، مش هتأخر.

تقلصت تعابير وجهها، وهتفت مستنكرة ذهابها المريب:

-مشوار إيه السعادي؟ في إيه يا "فيروزة"؟

لم تنظر ناحيتها وهي تواصل الكذب:

-حاجات خاصة بالمحل، عن إذنك.

كانت بحاجة للهروب من هذا الجو المطبق على صدرها قبل أن تنهار، وتكسب شفقة ليست بحاجة إليها ممن يكن لها الكراهية، فرت بخطوات راكضة نحو الخارج صافقة باب المنزل خلفها. اعترضت "آمنة" طريق "هيثم" وسألته بتوجسٍ:

-حصل إيه يا ابني؟ وكنتو قافلين الباب عليكم ليه؟

زفر سريعًا قبل أن يجاوبها:

-مافيش يا حماتي، دي كانت بتوصيني على "همسة" عشان ماتعبهاش في الحمل.

برقت عينيها في خيفة وهي تخبره:

-أوعى تكون ضايقتك بكلامها، أنا عارفة بنتي، بس هي والله طيبة.

صمت ولم يجبها، فأظهرت قسماته امتعاضًا صريحًا، عادت تسأله وهي تتأمل البقايا المتناثرة للطبق المهشم

-طب وإيه البهدلة دي؟

قال في جمود:

-الطبق وقع مني.

ربتت على كتفه في رفقٍ، وطلبت منه وهي تشير برأسها:

-ربنا يسترها معاكو .. روح لمراتك وأنا هنضف الأرضية.

انسحب مغادرًا المطبخ وهو ما زال على حالته الحانقة، اتجه إلى الشرفة ليبقى بها للحظاتٍ حتى يهدأ تمامًا قبل أن يعود إلى زوجته مدعيًا أن شيئًا لم يكن.

....................................................

ترجل من سيارته بعد أن أوقف المحرك، ثم استقام واقفًا، وأوصد بابها ليستند بمرفقه بعد ذلك على سقفها المعدني، أطلق "تميم" ضحكة سريعة، وأكمل الحديث في هاتفه المحمول مع أقرب رفاقه بمرحٍ:

-ده إنت هتلاقينا فوق دماغك يا صاحبي، بارك للحاج والحاجة، وإن شاء الله نقوم بالواجب وزيادة.

قهقه ضاحكًا من جديد قبل أن ينطق وسط ضحكاته القصيرة:

-هيطلع زي أبوه أكيد، عصب شديد زي كل رجالة عيلة "حرب".

لف ميدالية مفاتيحه حول إصبعه وهو يتابع كلامه:

-هاجيبك بنفسي أبارك طبعًا، هو التليفون ده ينفع.

احتفظ وجهه بابتسامته العذبة وهو ينهي المكالمة:

-الله يسلمك.

أعاد "تميم" الهاتف إلى جيب بنطاله الجينز، وســار على مهل متجهًا إلى مدخل بنايته، بدا وكأن الحظ قد أعطاه منحة أخرى من عطاياه، فبهيته الساحرة أطلت عليه من وسط العتمة كقبسٍ ينير الظلام؛ لكنها لم تكن ككل مرة مبتسمة مشرقة، كانت محنية الرأس، تسير في عجالةٍ، فلم تره، واصطدمت بكتفه خلال اندفاعها الأهوج للأمام، ارتدت تلقائيًا للخلف، واعتذرت ممن صدمته وهي ترفع رأسها إليه:

-أسفة.

وقف "تميم" قبالتها يمنعها من المرور، وتأملها عن كثبٍ بدقة، نظراتها الكسيرة حزت في قلبه، وأشعرته بانقباضةٍ غير مريحة في صدره، سألها على الفور وهو يتفرس في معالم وجهها بنظرة شمولية:

-إزيك يا أبلة؟ إنتي بخير؟

لم تتجرأ على إطالة النظر إليه، أخفضت عينيها الدامعتين، تقاوم الشعور بالخوف والمذلة، ازداد إحساسه بأنها ليست على ما يرام، سألها مرة أخرى بإلحاحٍ ملتاع:

-في حاجة حصلت؟

ارتجافة يدها الممسكة بحقيبتها تضاعفت، ومع هذا قالت بوجومٍ تعيس:

-لأ.. ومن فضلك حاسب.

لم تنتظر رده، بل تجاوزته لتخرج من المدخل وهي تمسح بظهر كفها دمعة نفرت من طرفها، التفت يتبعها بعينيه مرددًا بتعابيرٍ مبهوتة:

-شكلها مش طبيعي.

لم يستطع الصعود للأعلى وتركها ترحل هكذا، حسم أمره وقرر الذهاب خلفها، للغرابة كانت كمن يركب الريح، تطير لا تسير، مما اضطره لاستقلال سيارته للحاق بها، بقيت نظراته مرتكزة عليها خلال قيادته، ولسانه يتساءل بقلقٍ:

-هي رايحة فين كده؟

....................................................

قادتها قدماها إلى تلك البقعة التي احترق عندها أول أحلامها، وجدت "فيروزة" نفسها تجلس على الكورنيش تحدق في الفراغ بعينين تسبحان في الدموع المفعمة بكل الألم، استجدائها لتعاطف الغير لم يكن من خياراتها المطروحة؛ لكن أن تعايش إحساس البغض، المصحوب بالانتقاص من النفس كان كافيًا لإعادتها للمنطقة المظلمة في أعماقها، تلك الذكريات التي أرادت تحصينها بعشرات الأسوار الوهمية لتمنع حتى نفسها من العودة إليها. تصلبت في مكانها غير عابئة بالنظرات الفضولية المتطلعة إليها وهي تبكي في صمتٍ مرير.

بالرغم من وجود تحذيرٍ صريح بعدم صف المركبات هنا، إلا أنه لم يهتم بالمخالفة التي سيتلقاها، وأوقف سيارته بمحاذاة رصيف الكورنيش، هبط "تميم" منها متجهًا إلى حيث يجلس طاووسه الحزين، رأى الدموع تغرق وجهها، كان من رابع المستحيلات أن يتركها هكذا، دون أن يكون إلى جوارها، حتى وإن نبذته، جلس إلى جوارها تاركًا مسافة متر بينهما، وقلبه يعتصره الألم، كور قبضته ضاغطًا على أصابعه حتى ابيضت مفاصله، واستطرد فارضًا نفسه عليها في الحديث:

-أنا عارف إني مش من حقي أدخل في شئونك، بس مش همشي من هنا إلا لما ترجعي بيتك.

كان قد التفت إليها مع ختام جملته، لم تنظر ناحيته مطلقًا، ولم تنطق بكلمة، بدا وكأنه يخاطب نفسه، لولا رؤيته لعبراتها المنهمرة على خدها -من زاويته- لظن أن وجهها تحول لقطعة جامدة من الحجر، استبدت به هواجسه الخائفة عليها، وسألها في قلقٍ كبير:

-إنتي كويسة؟

استطاع سماع شهقاتها المكتومة رغم إطباقها على شفتيها بقوةٍ، لتمنع انفلاتها من بينهما. نهاج صدرها، وتشنج جسدها الملحوظ أكد له احتمالية تعرضها لنوبة أخرى، اقترب منها يناديها بنبرة خائفة:

-إنتي سمعاني يا أبلة.

تجرأ على تحريك يده ناحية قبضتها المتشنجة على الكتلة الحجرية الجالسة عليها، حاول لمسها، فانتفضت قابضة على كفه بقوةٍ متصلبة جعلته يدرك مدى سوء حالتها، حينها ناداها باسمها مجردًا:

-"فيروزة"!!

وقف قبالتها يخاطبها؛ لكنها لم تسمعه، بدا صوته بعيدًا للغاية، بل ويزداد تباعدًا، كأن أحدهم يشوش صوته ليصبح غير واضح، رمقته بنظرة غريبة رأت فيها لهفة حقيقية مطلة من عينيه، وخوف صادق لم يكن بحاجة لتزييفه، ابتسمت في سخرية مريرة، وسط الهلاوس التي تخوضها الآن أيعقل أن تكون طبيبتها محقة بشأن ما أخبرتها به في وقت سابق؟!

كانت غير فاقدة لقدرتها على التفكير والاستنتاج، استنزفت مقاومتها، ونفذت آخر ذرات صمودها لهذا اليوم، لهذا أغمضت عينيها مستقبلة غيمة الظلام التي حاوطتها بترحاب شديد، فتراخى جسدها، وكادت تفترش الأرضية الصلبة لولا أن تلقفها بذراعيه.

حملها "تميم" بحذرٍ وسط دهشة المارة، ليسرع في خطاه متجهًا إلى سيارته، أحدهم كان يلحقه متسائلاً:

-هي مالها؟

لم ينظر لهذا المتطفل، واكتفى بمنحه ردًا يرضيه:

-المدام تعبانة شوية.

ظن الرجل أنه يتحدث عن زوجته، فقال في تفهمٍ:

-ربنا يشفي عنها، ألف سلامة.

تجاهله ليهبط بها عن الكورنيش، وعاد إلى سيارته ليمددها في المقعد الأمامي وهو حريص كل الحرص على الانتباه لها. لف حول سيارته، ليجلس خلف المقود وغمغم راجيًا وهو ينظر إلى وجهها الشاحب نظرة مرعوبة:

-استر يا رب، عديها على خير يا كريم ..................................... !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السابع من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة