-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثانى عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثانى عشر

 إن أخبرها أحدهم أنها بعد تلك السنوات ستسير على الرمال بصحبة غريب، وبعلم أهلها لم تكن لتصدق هذا مطلقًا، وتدعوه بالمجنون؛ لكن ها هو يحدث الآن، تتهادى في خطواتها مع من تقدم لخطبتها؛ وكأنهما مراهقان عاشقان يقضيان وقتًا مميزًا مع بعضهما البعض. نظرت "هاجر" إلى أي شيء حولها ما عداه، بدت مشوشة الأفكار، مضطربة المشاعر. تنحنح "سراج" في خفوت ليلفت انتباهها إليه بعد أن طال صمتها، وحين يئس من تجاوبها هتف قائلاً وهو يشير بيده:

-البحر رايق النهاردة، حتى مراكب الصيد كتير.

نظرت إلى حيث أشار، وأومأت برأسها قائلة باقتضابٍ:

-أيوه.

تابع متشجعًا بعد سماع صوتها؛ وإن كان محدودًا:

-الواحد من وقت للتاني بيحب يجي يتمشى عليه.

بدت "هاجر" متخبطة للغاية، لا تجد من الكلمات ما يسعفاه للتجاوب معه، ليس لأنها معترضة على تواجدها بقربه؛ وإنما للموقف الحرج برمته، فهي غير معتادة على مثل تلك الأمور، غالبت حيائها، وقالت بإيجازٍ:

-تمام.

لم يفقد الأمل في إزالة الحاجز الرسمي بينهما، واستأنف قائلاً بنوعٍ من الغزل المستتر:

-هو في أحلى من كده، المياه والهواء و .. الوجه الحسن.

ضغطت "هاجر" على أناملها في توترٍ، وحاولت التغاضي عما سمعته لتسأله بتلعثمٍ دون أن تنظر إليه:

-هو أنا ممكن أسألك سؤال؟

بدا مرحبًا للغاية، فقال:

-اتفضلي يا ست البنات، أنا تحت أمرك.

تنفست بعمقٍ، وخاطبته بصوتٍ غلفه الضيق والحرج معًا:

-يعني .. اشمعنى اخترتني أنا؟ كان قدامك أحسن مني وظروفهم غيري، ده طبعًا بعيد عن اللي كان حاصل بينك وبين "تميم" أخويا.

تجاوز ما قالته أولاً، ليوضح لها ببطءٍ، كما لو أنه يؤكد على قوله:

-موضوع أخوكي كان فيلم واتحبك علينا كلنا.

نطقت في تهكمٍ، شاعرة بغصة مريرة تضرب في حلقها:

-من جوزي طبعًا.

رد عليه بتعابيرٍ شبه منزعجة للتطرق إلى سيرته:

-هو مايستهلكيش من الأول.

زفرت زفرة عالية، وغمغمت بحنقٍ:

-ربنا ينتقم منه.

إفساد لحظته معها لم يكن بالأمر المطروح، لهذا قال "سراج" مبتسمًا بغير تصنع:

-سيبك من اللي فات، وخلينا نبص للي جاي من حياتنا.

توجست خيفة من خوض التجربة، وما يتبعها من أقاويل محتملة قد تنغص عليها حياتها معه، خاصة أنه لم يسبق له الزواج، وزيجتها المنقضية ليست حسنة السمعة، فالكل عَلِم بمساوئ "محرز" وجرائره المشينة، أرادت إثنائه عن رأيه، والتفكير بمنطقية وهي تعلق عليه:

-يا معلم "سراج" ليه تربط نفسك بواحدة معاها عيل، وتشيل هم مش همك؟ إنت في غنى عن ده كله، وآ...

قاطعها في تجهم:

-متكمليش لو سمحتي.

التفتت نحوه لتعارضه بعنادٍ؛ لكنه كان الأسبق في التكلم، وهو يرمقها بتلك النظرة العميقة:

-من غير حلفان، أنا عاوز كده، ده غير إني أول مرة أشيل فيها ابنك حسيت إنه حتة مني، كأنه ابني، والمفروض كان يبقى كده.

حتى في ألطف أوقاتها مع زوجها لم تحظَ بمعسول الكلام العذب، فقط يستخدمه وقت الحاجة من أجل إسداء خدمة ما له عن طريق والدها، لم تكن نواياه محبة صافية كما ظلت توهم نفسها، قاومت ما يعتريها من ضيق، وحادت بنظراتها المتوترة عنه، لتنظر إلى الأمواج المتكسرة على الشاطئ بوجوم، سمعت "سراج" يخبرها:

-صحيح مكانش عندي أمل إن ده ممكن يحصل في يوم من الأيام، وبصراحة مكونتش عاوز أتجوز، ولا ليا لي الرغبة، بس سبحان الله، كل شيء نصيب، وليه وقته.

مع تلك الكلمات تذكرت أيضًا ما كانت تبذله من جهدٍ للاستحواذ على مشاعره، وإسعاده بالدلال والغنج رغم ما كان بها من إرهاق نفسي لمعاملته الجافة –وأحيانًا العنيفة- معها، لم تشتكِ يومًا قساوته عندما تستبد به رغباته الذكورية ويطلبها إلى الفراش، بل كانت تمتدح حسن معاشرته لها، رغم عدم حدوث ذلك، قلما كان في وعيه وهو يمنحها نوبة من الحب العاصف، كان في الأغلب راجعًا لتأثير ما يتعاطاه من الحشيش، وبعض أقراص الهلوسة حين يخرج ويجلس مع رفاقه لوقت متأخر. بمرور الوقت، والاعتياد أصبح ما بينهما روتينيًا، لا تحبذ حتى حدوثه، وتتذرع بالحجج والأعذار لتهرب من ندائه. أفاقت من الذكرى التعيسة على كلام "سراج" القائل:

-والناس مصدقت تطلع عليا كلام مش ولابد، بس ولا فرق معايا.

تشجعت لتنظر إليه مرة أخرى في حرجٍ، فابتسم وهو يؤكد عليها:

-يا ست البنات أنا مش عايزك تقلقي، أنا هشيلك فوق راسي، وابنك غلاوته من غلاوتك...

استمرت تحملق فيه بنظراتٍ مترددة عبرت عن خوفها، فاعترف لها عن قصدٍ:

-وإنتي غلاوتك عندي من زمان.

تورد وجهها خجلاً من كلامه، فتابع بجراءةٍ وهو يحتويها بنظراته الهائمة:

-أنا عارف إنه مايصحش أقولك كده، بس عايزك تعرفي إن عيني ماشفتش أحلى منك، ولا كان نفسي أتجوز غيرك.

أحست بتلاحق دقات قلبها من فرط الحرج والارتباك، بدت كمن عاد بها الزمن للوراء لتسمع ما تمنت سماعه في فترة المراهقة، وربما أيام زواجها الأولى، من تلك الملاطفات الجميلة. جف حلقها، ورمشت بعينيها محاولة الابتعاد عن محيط نظراته المتعلقة بها، في حين واصل "سراج" الاسترسال في التعبير عن مشاعره بصدقٍ:

-من أول لحظة شوفتك فيها حسيت إن قلبي اتخطف، وقولت هي دي اللي هاتكون مراتي.

لم تعرف "هاجر" ما الذي أصابها لتبدو بتلك الربكة أمام سيل الأحاسيس الفياضة التي غرقت فيها، كأنما افتقرت لهذا الشعور طوال ما عاشته من حياتها، ركزت نظرها على حركة الأمواج، علها تتماسك في حضوره، مستشعرة ارتفاع نبضات قلبها المتأثر بحديثه، وربما احمرار بشرتها لعذوبته، لن تنكر أنها شعرت بنفسها كأنثى قادرة على جذب الرجال؛ ولدهشتها استلذت بهذا الشعور. أسبل "سراج" عينيه نحوها يرمقها بمحبةٍ وهيام وهو يملي على أذنيها بالمزيد:

-دفنت مشاعري جوايا، وقفلت عليها بعد ما بقى نصيبك مع "محرز"، لأ والـ .... كان عارف إني ناوي أخطبك، وراح لعب لعبته عشان ياخدك ليه، بس شوفي حكمة ربنا، بعد ما اتفرقنا ربنا أراد إنه يجمعنا من تاني.

أغمضت عينيها للحظة شاعرة بالحقد يتكون داخلها، بل ويتصاعد ضد هذا المخادع الذي عرف كيف بحيله المُحكمة أن يوهم الجميع بأنه الزوج الصالح، وكانت هي أول ضحاياه، وبقيت هكذا حتى آخر لحظة، عندما تكشفت كل الحقائق. توقفت "هاجر" عن السير، واستدارت تخبره بوجهٍ شبه متوتر في تعبيراته:

-احنا بعدنا عن الجماعة.

كأنه لم يسمع ما قالته، ونظر لها ملء عينيه متسائلاً في لهفة:

-رأيك إيه؟ موافقة؟

طالعته بنظرة ما زالت مترددة، فأكدت عليها:

-كل طلباتك أوامر، إن شاء تطلبي لبن العصفور، إنتي بس وافقي، وهتشوفي الهنا كله معايا.

شعرت بأن حالها تبدل للأحسن مع ما يمليه عليها من وعود لم يتخللها الزيف، لوهلةٍ عقد عقلها –بديهيًا- مقارنة سريعة بين ما كان يعدها به "محرز" ولم يحرز منه شيئًا، وبين ما تسمعه الآن ويبدو فيه كل العزم، لم ترغب في التعجل، وقالت متهربة من الرد:

-شكل "سلطان" تعبهم، هاروح أشوفه.

اعترض طريقها وهي تستدير ليقول مبتسمًا:

-خدي كل الوقت اللي عايزاه في التفكير، المهم ما ترفضيش.

تمسكه بها أعجبها بشكلٍ ما، أرضى بها غرور الأنثى لسعي الرجل ورائها، وجدت نفسها تمنحه ابتسامة رقيقة وهي تتجاوزه لتمر. مع تلك الإشارة المبطنة منها أحس "سراج" بأن أحلامه على وشك التحقيق، فرددت في حماسٍ:

-يا رب .. هانت.

..................................................

عند إحدى الزوايا بالسوق الشعبي، جلست على صندوقٍ بلاستيكي قديم يخص المشروبات الغازية، وأخذت تفرز ثمار الكوسة بيدها، واحدة تلو الأخرى في المِشَنّة الموضوعة قبالتها، لتنتقي منها الأصغر حجمًا، ثم أشارت نحو مِشَنة أخرى قائلة بصيغة آمرة:

-هاتي كوسة من الصغيرة دي.

ناولتها البائعة بعض الثمار وهي ترد صاغرة:

-ماشي يا حاجة.

أعادت إليها "سعاد" واحدة كبيرة إلى حدٍ ما وهي تقول:

-بلاش دي، مش هتتحشى.

تابعت عملية الفحص الدقيق والانتقاء للثمار حتى ضجرت البائعة مما تفعله، فأخبرتها على مضضٍ:

-يا حاجة ده إنتي فرزتي كل الموجود عندي في الفَرشة.

عاتبتها "سعاد" ضاحكة:

-يا ولية ما كله بتمنه، وهحسبك زيادة حبتين.

ارتضت البائعة بهذا الاتفاق، وتركتها تفعل ما يحلو لها ببضاعتها، انضمت إليهما امرأة ثالثة، أخذت تقلب في ثمار الطماطم بدقةٍ، ثم رفعت عينيها لتتطلع مدهوشة إلى "سعاد" الجالسة بجوار البائعة، أسرعت ناحيتها ترحب بها في ودٍ شديد:

-إزيك يا ست "أم فضل"؟

نظرت "سعاد" إلى من تخاطبها، وقالت وهي ترفع حاجبها للأعلى:

-"أم الهنا"، إزيك يا بت، عاملة إيه؟

أجابتها بابتسامةٍ عريضة:

-بخير يا حاجة، عاش من شافك، قليل أما بتيجي نواحي السوق.

مصمصمت شفتيها، وقالت:

-الحاج "إسماعيل" الله يديه الصحة بيقضيلي كل طلباتي.

امتدحت صنيعه بترديدها:

-ربنا يبارك في عمره ...

ثم ما لبث أن دنت منها لتسألها في خبثٍ؛ وكأنها تتعمد استفزازها بشكلٍ مستتر:

-ألا صحيح، سمعتي عن دخلة "سها"، أم عيال ابنك "فضل"؟!!

تناقصت المسافة ما بين حاجبيها بشدة، ورددت بتعابيرٍ مصدومة:

-دخلتها؟

أصابت المرأة هدفها، فقالت بتفاخرٍ لتغيظها:

-أيوه على زينة شباب عيلة "عبد المنعم"، ده حتى دايرين في البلد يقولوا إنها على الأسبوع الجاي، والكل معزوم، هايوزعوا دبايح، وإيشي محمر ومشمر.

زمت شفتيها قائلة بتبرمٍ وهي توليها وجهها:

-ربنا يسهلها.

مالت "أم الهنا" عليها، لتهمس لها في أذنها بلؤمٍ:

-بيني وبينك يا حاجة، في كلام تاني بيتقال عن إن لا مؤاخذة سي "فضل"جاب ورا، ومعدتش ينفع بحاجة لما اتضارب مع "رشيد" أيام العركة الأولى.

انتفضت "سعاد" ثائرة، وهتفت مدافعة عن ابنها باستماتةٍ؛ وإن كان ما تنطق به مزينًا بالزيف:

-قطع لسان اللي يقول كده، ابني زي الفل وصاغ سليم، ولولا عياله وحلفانات أبوه عليه مكانتش عدا اللي حصل ده على خير، ده اتاخد غدر يا "أم الهنا"!

حكت المرأة جبينها، وعلقت:

-إيوه صح، ده كانت المضاربة عند داركم.

أضافت "سعاد" بعصبيةٍ وقد تلون وجهها بحمرة منفعلة:

-غير ياختي ما احنا بنفهم في الأصول كويس، واللي يجي عند باب بيتنا حتى لو غلط فينا، جاب الحق علينا، ولازمًا نعامله بالحسنى!!

ردت عليها في تقديرٍ:

-أنا قولت كده برضوه، سي "فضل" لا ممكن يسكت أبدًا عن حد هانه.

حاولت "سعاد" تجنب الحديث مع تلك الفضولية، والتفتت تخاطب البائعة بحدةٍ بائنة في نبرتها:

-اوزني دول، مش هاخد أكتر من كده.

ردت البائعة بوجهٍ فاتر:

-عينيا ليكي يا حاجة.

ادعت "أم الهنا" انشغالها بتفقد ثمار البطاطس، ثم استطردت قائلة من جديد:

-طب وسي "فضل" هيعمل إيه في عياله؟ هتسيبوهم للغريب يربوهم؟

نهضت بثقلٍ وهي تشعر بالألم يضرب ركبتيها، ثم نظرت إليها بنظراتٍ حانقة قبل أن تجيبها:

-احنا مابنرميش عيالنا، "سها" أمهم وهتربيهم كويس، بس هيفضلوا عايشين في خير أبوهم، وإن كان سايبهم فعشان طيبة قلبه.

اقترحت عليها في عبثيةٍ:

-مظبوط، ما تجوزيه يا حاجة، ده لسه شاب، وأكيد عايز واحدة تدلعه وتناغشه، وبالمرة تاخد العيال تربيهمله.

سددت لها نظرة امتلأت بالحنق قبل أن تشيح بوجهها الممتقع عنها وهي تغمغم:

-هيحصل قريب ..

وجهت "سعاد" كلامها للبائع بلهجة لاذعة قليلاً:

-خلصتي الميزان يا ولية؟

أومأت برأسها وهي تناولها الكيس:

-أه يا حاجة.

فتحت "سعاد" حافظة نقودها الموضوعة داخل كيس قماشي صغير تلفه بها، ثم أخرجت منها ثمن ما اشترته، وأعطته لها قائلة بقسماتِ وجهٍ غائمة:

-خدي حسابك.

ربتت بيدها القابضة على الحافظة على كتف المرأة وهي تودعها بنفس اللهجة المزعوجة:

-فوتك بالعافية يا "أم الهنا".

ابتسمت لها وهي ترد في عشمٍ بدا مفتعلاً:

-يعافيكي يا حاجة، وأمانة السلام يوصل لأبا الحاج "إسماعيل".

لم تنظر ناحيتها وردت في جمودٍ:

-إن شاءالله.

تأرجحت الأكياس في يدها وهي تسير بخطواتٍ متعجلة لتبتعد عنها، وعن السوق برمته، ولسانها يردد في استياءٍ حانق:

-هنسلم من كلام الناس ده دلوقتي إزاي؟!!!!

...........................................................

بعد اتصالٍ موجز وغامض معها، وافق على مقابلتها في مكانٍ عام من أجل الاتفاق على بعض القواعد الهامة لترسيخها كمبادئ أولية في علاج "فيروزة"، لم يكن ليتأخر أبدًا عن أي شيء يخصها، لذا كان على الموعد يبحث عن "ريم" بين الجالسين في المقهى الحديث، أشارت له بيدها ليلمحها، فسار ناحية طاولتها، ابتسمت قائلة وهي تشير له بالجلوس:

-في ميعادك مظبوط يا أستاذ "تميم".

جر المقعد للأمام، وسألها بتعابير توزعت ما بين قلقة وجادة:

-أؤمري يا دكتورة، إنتي طلبتي تشوفيني ليه؟ في حاجة حصلت للأبلة تاني؟

ردت نافية بنبرتها الهادئة:

-لأ اطمن، هي حاليًا أحسن شوية بالعلاج المهدئ، بس الزيارة هتفضل ممنوعة عنها لفترة.

زفر مليًا قبل أن يردد وهو يضغط على شفتيه؛ مستحضرًا في ذهنه آخر ما كانت عليه معه من انهيار عصبي مؤلم له قبل أن يكون لها:

-مش هنقول غير الحمدلله، بإذن الله تقوم من اللي هي فيه قريب.

علقت بنفس الأسلوب الهادئ:

-إن شاء الله، بس ده مش هيحصل من غير دعم اللي حواليها.

رد بإيماءة من رأسه:

-أكيد.

أراحت "ريم" مرفقيها على الطاولة، وراحت تحادثه بملامح جادة:

-"فيروزة" عانت تجربة قاسية من كل النواحي، مخلياها في وضع رافض لأي تجاوب.

أضاف عليها "تميم" بسخطٍ صريح:

-وطبعًا الـ (...) "أسر" كان ليه يد في كده؟

تفاجأت من معرفته بهويته، مع ما صاحبه من وصفٍ مهين لشخصه، ولذا انزلقت تسأله في صدمةٍ انعكست آثارها على تعبيرات وجهها:

-إنت تعرفه؟

أخبرها بشفاه مقلوبة:

-حصل بيني وبينه كلام على السريع قريت فيه شخصيه الـ (...).

تحرجت من استخدامه لوصفٍ جارح، وطلبت منه:

-مافيش داعي للإهانة دي يا أستاذ "تميم".

رمقها بنظرة عبرت عن نوايا غير محمودة نحو هذا البغيض، إن كان لا يزال على قيد الحياة، وهو يعقب في حقدٍ متنامي بداخله:

-يا ريتها تيجي على أد كده، ده أنا كان نفسي آ...

بتر عبارته عن عمدٍ لينهيها بتعابيرٍ ناقمة:

-ولا بلاش، هو فلت!

حاولت تجاوز نقطة الاحتدام تلك بقولها الجاد:

-المهم أنا غرضي من كلامي معاك إننا نختار ناس معينة يكون ليها تأثير إيجابي في حياتها.

نظر إليها في اهتمامٍ، فأكملت على مهلٍ، مؤكدة على ما تنطق به:

-وأنا هنا بتكلم عن تأثير قوي، مش مجرد حاجة عابرة والسلام، وخصوصًا إن وجودهم هيحسن من حالتها المعنوية والنفسية.

تعذر عليه استنباط غرضها مما سردته، فقال في صبرٍ بدا نافذًا:

-أنا مش فاهمك يا دكتورة.

أدركت أن المواربة في الحديث معه لن تجدي نفعًا، لهذا لجأت للحديث بوضوح متجاوزة عن حرجها:

-أستاذ "تميم" حضرتك قولت إنك عاوز تتجوز "فيروزة"، بس مايكونش فرض عليها.

هز رأسه قائلاً دون لحظة ترددٍ:

-أيوه.

انتقلت لسؤالها التاني وقد كانت متحفظة بعض الشيء:

-اسمحلي أسألك من غير لف ودوران، إنت بتحبها؟

قبل أن يمحنها الجواب، رجته في لباقةٍ:

-أتمنى يكون ردك عليا واضح وصريح.

قال بعد زفيرٍ سريع:

-أيوه يا دكتورة.

أعادت عليه تساؤلها بنوعٍ من المراوغة:

-أيوه إيه بالظبط؟

كرر سريعًا بتعابيرٍ جعلها غير مقروءة لها:

-أنا بحبها.

حاصرته بسؤالٍ آخر أكثر جراءة:

-هي تعرف بده؟

هز رأسه نافيًا:

-لأ.

ابتسمت وهي تعقب:

-قولت كده برضوه.

سدد لها نظرة منزعجة تعبر عن عدم ارتياحه لتطرقه للحديث معها عن مشاعره المقدسة؛ وكأنه لا يحق لغير طاووسه مشاركته هذا الشعور. تقلصت عضلات وجهه بشكلٍ واضح مع سؤالها التالي:

-طيب هل أسرتك عندها مانع في الارتباط بيها؟

قال بحدةٍ طفيفة رافضًا ما تفعله من تدخل غير مقبول في شؤونه:

-مافيش كلام رسمي يا دكتورة.

ردت بعمليةٍ:

-أنا بتكلم في العموم.

تحامل على نفسه وأخبرها بتعابيره المتجهمة:

-ماظنش في مشكلة، أبويا عارف وموافق، وأمي مرحبة بفكرة إني اتجوز تاني، مش فارق معاها مين ...

نظرت إليه بنظرة غريبة كأنما تدرسه، ليسألها بعدها بنفاذ صبرٍ:

-بس لحد دلوقتي أنا مفهمتش غرضك إيه من الأسئلة دي كلها؟ يعني أكيد إنتي مش جاية تعملي معايا تحقيق.

جاوبته بابتسامة مهذبة رسمتها على ثغرها:

-اهدى يا أستاذ "تميم"، أنا كل غرضي إني عايزة "فيروزة" تتعامل مع ناس بيحبوها من غير ما يتصنعوا ده، ويكونوا بُعاد عن محيط أهلها، لأن من الطبيعي إن الأهل بيحبوا ولادهم، فهيكون في اختلاف في ردة الفعل.

ضاقت نظراته المتشككة نحوها، فتابعت بلطفٍ:

-حابة إنها تحس إنها مهمة عند ناس تانيين، وجودها فارق معاهم، وأكيد كلامهم هيأثر فيها.

لانت تعابيره قليلاً، فواصلت على نفس المنوال بأسلوبها الذكي:

-وخصوصًا إنها اتكلمت معايا عن شخص مجهول بيأثر فيها بشكل معين.

شعر بخفقة عنيفة تقصف قلبه، جمعت ما بين الرهبة والخوف، انعكس تأثير حديثها عليه، فتحفز في جلسته، وسألها بتوجسٍ:

-مين ده؟

أجابته وهي تهز كتفيها:

-ما أنا قولتلك هي محددتش هو مين!

سرعان ما استبد به الخوف المقلق؛ لكنه تبدد إلى حد كبير مع نطقها النزق:

-وتخميني إنه جايز يكون إنت ..

فغر فمه مرددًا:

-أنا؟

حافظت على رقة بسمتها وهي توضح له:

-في حاجات حصلت قصادي أوحيت بده، وأنا مش هاقول إني لماحة وذكية عشان أقدر أخمن؛ لكني بفهم كويس جدًا في شغلي، وبلاحظ اللي بيحصل من حواليا وأجمع أطراف الخيوط ببعضها، ولو ربطته باللي دار بيني وبينها من كلام، فالاحتمالات كلها بتدور حواليك.

شعر بنشوة فرحة تتخلل أوصــاله، بشيءٍ ممتع يطرب آذانه، فإن كانت "فيروزة" قد تحدثت عنه، فإنه حتمًا استحوذ على قدر من تفكيرها، ويا له من محظوظ لينال هذا التقدير الغالي منها! رأت "ريم" ما بدر على ملامحه من سعادة خفية، واتسعت ابتسامتها قائلة:

-أنا دوري هنا أوجه "فيروزة" ناحية الجانب الإيجابي اللي يخدم في علاجها.

زاد الحماس على وجهه، ولمعت عيناه بوميضٍ متحمس، انتصبت بكتفها مُفصحة له عما يدور في ذهنها:

-وبدرجة كبيرة إنت هايكون ليك دور معايا.

بلا لحظة واحدة من التردد، ودون أن يرتد له جفن، نطق بكل ما يجيش في صدره، ويستعمر جوارحه من حبٍ جارف لأي آلام:

-أنا جاهز يا دكتورة لأي حاجة ترجعها أحسن من الأول ................................................. !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة