-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والعشرون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والعشرون

 في تلك اللحظة الحاسمة، أخبرها بما يريده حقًا، بما يرجو حدوثه منذ أن بزغ حبها في قلبه، اعترف غير نادم على طلبه؛ وإن تعجل تحقيقه، حدث ما حدث، وقد كان للفؤاد الكلمة الأخيرة. رأت "فيروزة" الحب في عينيه، لم تستطع تكذيب ما شعرت به؛ لكنه بادر بالتراجع في خوفٍ محسوس في صوته:

-لو هترفضي بلاش تقوليها دلوقتي، خليها بعد فرحتنا بـ "هاجر"...

حتى هذه الدقيقة لم تستوعب ما دار، كانت في حالة أشبه بالجمود، عاجزة عن الرد أو التعليق، بينما تابع "تميم" بما يشبه الرجاء، وقد شع القليل من الحزن في نظراته:

-مش عايز أبقى واقف وقلبي مكسور.

قال كلماته ويده موضوعة على صدره، ليشير إلى موضع الألم المعنوي، وجدت نفسها تتأثر به، ورمقته بتلك النظرة المتعاطفة قبل أن تعلق بتلعثمٍ؛ كأنما فقدت قدرتها على ترتيب جملة منطقية مفهومة:

-أنا ... إنت.. أصلاً ده آ...

قاطعها منكسًا رأسه بنبرة محملة بالأسى والخذلان:

-سامحيني، أنا غلطت، وعديت الأصول بكلامي معاكي.

ما زالت "فيروزة" مأخوذة بالموقف، فقط نظراتها الحائرة تجول على تعبيراته لترى مدى المعاناة والتخبط المسيطران عليه، كرر اعتذاره النادم منها بصوتٍ أقرب للهمس:

-حقك عليا، إنتي غالية ومقامك عالي.

لم يبقَ خافضًا لرأسه كثيرًا، تجرأ على النظر إليها بعينين تحملان أسمى معاني الحب عندما تابع قائلاً:

-بس لو النصيب جمعنا، فمسيرك آ....

على ما يبدو أن الحظ لم يكن حليفه، فقد جاء جده وقاطعه بصرامةٍ:

-واقف كده ليه يا "تميم"؟

انتبه إليه، وتراجع في توترٍ للخلف ليجيبه:

-مافيش حاجة يا جدي.

سلط "سلطان" كامل أنظاره على "فيروزة"، وسألها بتعابير تحولت للجدية بشكلٍ يدعو للاسترابة:

-الواد ده ضايقك في حاجة؟

هزت رأسها نافية وهي ترد:

-آ.. لأ.

بإيماءة مصحوبة بنقرة من عكازه على الأرضية، استطرد "سلطان" يأمر حفيده:

-طب انزل شوف أصحابك، بلاش الوقفة دي.

ضغط "تميم" على شفتيه لثانية، ليعقب بعدها على مضضٍ وهو ينسحب متراجعًا بظهره للخلف:

-ماشي يا جدي.

صاحبته أنظار "فيروزة" التي ما زالت على وضعيتها المصدومة، إلى أن انصرف كليًا، وغاب عن مرمى بصرها، شتت تحديقها في الفراغ لتتطلع إلى الجد الذي سأله بقسماته الجادة:

-قالك إيه؟

انعقد لسانها، ولم تعرف بماذا تجيبه، لعقت شفتيها، وحاولت التهرب من إجابته؛ لكنه باغتها بقوله المباشر:

-طلبك للجواز؟

اتسعت عيناها في ذهولٍ، وسألته بقلبٍ يخفق في توترٍ حرج:

-هو ..حضرتك سمعته؟

لاحت ابتسامة وقورة على زاوية فمه حين جاوبها بغموض ضاعف من تلبكها الحائر:

-سمعته، وشوفته، وعارف اللي جواه.

انزوى ما بين حاجبيها في استغرابٍ مستريب، فأكمل على نفس المنوال الهادئ وهو يشير لها لتتحرك معه:

-بصي يا بنتي، أنا اللي عايزك تتأكدي منه إن مافيش قوة على الأرض هتجبرك على حاجة مش عايزاها.

توقفت عن المشي لتتطلع إليه بنفس النظرة المليئة بالتردد، فأخبرها مؤكدًا كمن يقرر لا يُخير:

-إنسي أي كلام اتقالك نهائي، كأنه محصلش.

استنكرت تبسيطه للأمر، وهتفت بقليلٍ من الحدةِ رغم خفوت نبرتها:

-عادي كده؟

أومأ برأسه مؤكدًا عليها، وتلك البسمة المهذبة تزين محياه:

-أيوه، وأنا بقولهالك لتاني مرة اعتبري طلبه مرفوض.

أصاب قلبها نغزة غريبة، كما شعرت بالتعاسة تزحف إلى داخلها، وهتفت تخبره، كمن يبحث عن مبرر لإظهار احتجاجها:

-بس أنا مقولتلوش لأ.

حاوطها "سلطان" من كتفيها، واستحثها على السير قائلاً عن ثقة واضحة:

-أنا هقوله بالنيابة عنك، ومش هاخليه يقرب ناحيتك نهائي.

أدارت رأسها ناحيته لتعترض في وجومٍ غريب:

-بس..

قاطعها مشددًا بنفس اللهجة الحاسمة:

-احنا معندناش حد يجبر بناتنا على الجواز.

تعالت فجأة ضحكته، وأخبرها كأن ما عرفه لم يكن شيئًا يدعو للغرابة:

-تعالي فرفشي كده.

حالة من التخبط والإنكار سيطرت عليها، ظنت أن في اتخاذه القرار عنها راحة عجيبة؛ لكن شعور الألم العالق بقلبها خنقها، بل وجعلها تدرك بأنها لم تكن مسرورة بهذا الرأي مطلقًا.

.............................................

استمرت في منح الرضيع هدهدة لطيفة لتبعث السكينة عليه، حتى استكان بين أحضانها، وغرق في سباتٍ هانئ. وضعت "آمنة" يدها على ذراع ابنتها، انتبهت لها "همسة"، وتطلعت إليها بنظرة مستفهمة، فأردفت تسألها وسط الضوضاء التي بدأت تسود في الأرجاء:

-أختك مش ظاهرة قصادك؟ شايفاها من عندك؟

اشرأبت بعنقها، ودارت بعينيها في المكان تفتش عنها، ثم أجابتها وهي ما زالت تنظر بإمعانٍ دقيق في الحضور:

-لأ يا ماما.

هزت "آمنة" رأسها قائلة:

-تلاقيها مشغولة مع العروسة، وإنتي كتر خيرك أعدة بابنها، وواخدة بالك منه.

ضمت "همسة" الصغير إلى حضنها، وأعطته قبلة صغيرة على جبينه الناعم وهي تقول في محبةٍ صافية:

-ده ابنها سكر خالص، ربنا يباركلها فيه.

ابتسمت لابنتها، وقالت في رجاءٍ:

-عقبال ما أفرح بابنك إن شاءالله.

تنهيدة بطيئة خرجت من جوفها، أتبعها ترديدها المتضرع:

-يا رب.

عادت "آمنة" لتركز نظرها على "رقية" التي كانت تلهو في مرحٍ مع بعض صغار الجيران، حيث عج بهو المنزل بهم، ولم يرد أصحابه الكرام أي ضيف جاء للتهنئة أو المباركة رغم محدودية الدعوات، استقبلوا كل من جاء بنفس القدر العالي من التقدير والاحترام، فتحولت الصالة إلى قاعة صغيرة مليئة بذوي المحبة الصافية.

أمسك القلق بعقل "آمنة"، ودار في خلدها حوارها الأخير مع "تميم"، ذاك الذي لم يأخذه على محمل الجدية بعد، بدت ملامحها واجمة بعض الشيء، ومالت برأسها على ابنتها تسألها من جديد في تحفظٍ حذر:

-بقولك هو "هيثم" مقالكيش حاجة عن "تميم"؟

نظرت "همسة" إلى والدتها باستغرابٍ، وسألتها:

-حاجة زي إيه؟

لم ترغب في إفشاء الأمر علنًا، لهذا اختلقت حجة واهية، وادعت بكلام شبه مرتب:

-آ.. يعني ناوي يتجوز ولا حاجة؟ ما هو أكيد مش هيفضل كده، اللي زيه قادر على فتح بيت واتنين.

لم تشكك في نواياها، وأجابتها بسلاسة:

-لأ خالص، مقاليش على حاجة زي كده ..

سرعان ما سيطر الفضول عليها، وسألتها بمكرٍ:

-هو إنتي عارفة حاجة أنا معرفهاش؟

نفت بهزات متتالية من رأسها:

-لأ يا بت، ده أنا بسأل بس.

ادعت الابتسام، لتخفي اضطرابها، لكن ما لبث أن انعكس على ملامحها في تلك اللحظة المزيد من القلق والخوف، تكلمت مع نفسها بصوتٍ لم يفارق جوفها:

-لأحسن يكون صرف نظر عن الموضوع.

زفيرٌ مهموم وثقيل تحرر من رئتيها، أعقبها قولها المتحسر بنفس الصوت غير المنطوق:

-عيني عليكي يا بنتي، بختك قليل في الدنيا.

.......................................................

لولا أنه انتشله من بين الحضور باستدعائه العاجل له من الأسفل، واحتجزه منفردًا في غرفته ليوبخه على رعونته، لخرج حفيده عن طور عقلانيته، وأظهر مدى ندمه لتسرعه في المطالبة بما لم تكن مستعدة له بعد، وربما لأفسد كل شيءٍ بحماقةٍ غير مدروسة. دار "تميم" حول نفسه، وتساءل بصوتٍ بدا أقرب للبكاء، وهذا اللمعان يتلألأ في حدقتيه:

-قالتلك لأ يا جدي؟

عاتبه الجد بتعابيره الجامدة وهو يلف عكازه في راحته:

-ما إنت اللي متسربع، مش صابر على رزقك.

توقف عن الدوران، ووضع يده أعلى جبينه قائلاً في حزنٍ:

-غصب عني، مقدرتش أستنى أكتر من كده...

ثم سلط أنظاره على جده، وسأله بأنفاسٍ غير منتظمة:

-هي رفضت صح؟

هز الجد رأسه نافيًا في هدوءٍ:

-لأ، مقالتش حاجة.

وكأن الحياة قد دبت في روحه من جديد، هدأت مهاجه المنفعلة، وجلس على طرف الفراش مستشعرًا تلك الرجفات الخفيفة التي نالت من بدنه، ولسانه يردد:

-الحمدلله.

واصل "سلطان" الكلام بتشديدٍ ملحوظ:

-بس لو سمعت كلامي ونفذته بالحرف جايز يجيب نتيجة معاها، وماتقولش لأ بجد.

انتفض ناهضًا من مكانه، وجثا على ركبته أمام جده يتوسله بعينين تستجدياه بشدة:

-أنا رهن إشارتك يا جدي، قولي أعمل إيه وأنا هنفذه بالحرف الواحد.

........................................................

ساعة أخرى مرهقة في التفكير التحليلي، تخللتها بعض الثرثرة النسائية العابرة، تجاوبت معها تارة بكلماتٍ مقتضبة، وفي بعض الأحيان بهزة لطيفة من رأسها، كأنما تشارك في الموضوع؛ لكن عقلها لم يتوقف عن التخمين والاستنباط، والبحث عن الأسباب التي دفعته لهذا الطلب؛ وإن كانت هناك بعض الأمارات الممهدة لذلك، والتي تغاضت عنها طواعيةً.

حاولت أخذ فسحة من هذا التفكير العميق، والتركيز مع أجواء عقد القران، خاصة حينما احتشد الضيوف في البهو المتسع، والذين كان أغلبهم من كبار تجار السوق، أوحت ثيابهم بهذا؛ لكن عيناها الخائنتان كانتا تفتشان عنه، دارت على الحضور إلى أن وجدته، يقف بشموخٍ أمام رفاقه، ولدهشتها كان كشخصٍ آخر، وكأنه لم يفصح عن رغبته في الزواج بها منذ وقت قريب. أزعجها جموده، واستفزها بروده الملحوظ إلى حدٍ ما، توهمت أنه سيختلس النظرات ناحيتها، سيبتسم لها، ويرسل النظرات الحانية كما اعتاد أن يفعل؛ لكن لا شيء، لا شيء على الإطلاق!

حينها فقط تيقنت أن الجد "سلطان" نفذ وعده لها، ويا ليته لم يفعل! فالإحباط تمكن منها. انتبهت حواسها للصوت الرجولي القائل باعتزازٍ:

-ده مهر العروسة، وزيادة عليه 100 ألف جنية.

تساءل "بدير" في استغرابٍ:

-ليه كده يا "سراج"؟

جاءه رده مليئًا بالفخر:

-بنت الأصول تستاهل أكتر من كده، صح يا حاج "لطفي"؟

أكد عليه الضيف العزيز:

-طبعًا، دي ماتتقدرش بمال.

في حين علق "عوف" ممازحًا:

-الجيب تقيل ويشيل.

أخرج "سراج" من جيب سترته علبة من قماش القطيفة، وضعها على الطاولة التي تنتصف مكان جلستهم مخاطبًا الحاضرين:

-كمان دي هدية بسيطة من أمي للغالية.

أطلقت "ونيسة" زغرودة فرحة، تبعها ترديدها المبتهج وهي تلتفت ناظرة إلى حماة ابنتها:

-ماشاءالله، تعيشي يا حاجة.

ردت عليها مجاملة:

-دي حاجة بسيطة، وإن شاءالله نزودها.

تابع "سراج" قائلاً وهو يشير بيده للمأذون الجالس إلى جواره في منتصف الأريكة:

-والمؤخر نص مليون جنية.

رد عليه الحاج "لطفي" بتعابيره الهادئة:

-ربنا ما يجيب حاجة وحشة، إنت مناسب أهل الكرم والأصول.

قال مؤكدًا عليه:

-ده حقها، ودين في رقبتي.

سرت همهمات إعجابٍ بموقفه الرجولي بين الحاضرين، بينما استمر "سراج" في إخبار أهل عروسه:

-ومن بكرة بأمر الله العروسة تنزل تختار عفشها إن كانت عايزاه عمولة ولا جاهز، ولو إني أفضل يكون جاهز عشان الوقت.

علق عليه "بدير" في استحسانٍ:

-بسيطة .. دي سهل نتفق عليها.

تساءل "عوف" مبتسمًا بابتسامة عريضة:

-ها، نبدأ يا حاج "بدير"؟

قبل أن يعطيه رده، وجه أنظاره نحو أبيه الجالس في وقارٍ وهيبة يستأذنه في صمتٍ، فأومأ له الأخير بنظرة صامتة، لينطق بعدها:

-اتوكل على الله.

صــاح "عوف" مهللاً وهو يرفع كفيه للأعلى:

-سمعونا الفاتحة كده الأول.

................................................

منذ أن وقعت العروس على وثيقة الزواج، تحول المكان إلى خلية نحل، الكل يتعاون معًا لإحضار الطعام والحلوى لكافة المدعوين، ممن تم دعوتهم بشكلٍ مباشر، وممن جاءوا للمجاملة دون دعوة مسبقة، تعاملوا مع الجميع بسواسية وبنفس التقدير. انفردت "فيروزة" بنفسها في المطبخ، بعيدًا عن الصخب السائد بالخارج، يكفيها قرع الطبول الدائر في رأسها، لتزيده بغيره. أرادت التنفيس عما تكبته حاليًا من مشاعر متصارعة، فلم تجد سوى طبيبتها، لهذا لم تتردد في الاتصال بها.

سحبت المقعد، وجلست عليه أمام طاولة المطبخ المستديرة، استهلت مكالمتها معها قبل أن تتطرق لأي شيء:

-إزيك يا دكتورة "ريم"؟ أنا أسفة إني بتصل بيكي في الوقت ده.

أتاها صوتها مرحبًا وودودًا:

-أهلاً بيكي يا "فيروزة"، لا يا حبيبتي، اتصلي بيا في أي وقت إنتي محتاجاني فيه.

ضغطت "فيروزة" على أناملها وهي تخبرها بنبرةٍ شبه متوترة:

-أنا عاوزة أقابلك ضروري، ممكن تحدديلي ميعاد قريب؟

ردت عليها غير ممانعة:

-حاضر، هشوف بس مواعيدي، وأبعتلك رسالة بالميعاد.

ألحت عليها بنفس التوتر الظاهر في صوتها وتعبيراتها:

-يبقى كتر خيرك يا دكتورة، بس ضروري جدًا يكون قريب.

دون أن تتغير نبرتها الهادئة أخبرتها:

-حاضر، دقايق وهايكون عندك الرد.

أنهت معها المكالمة واضعة يدها على جبينها، لتستند على مرفقها وهي تفرك بيدها الأخرى عنقها المتيبس، أطبقت على جفنيها للحظاتٍ محاولة استدعاء لمسة من السكينة؛ لكن تبددت أمنيتها البسيطة مع صوته المألوف الذي بدا قريبًا منها، ففتحت عينيها في جزعٍ، ونظرت مصدومة أمامها. كان "تميم" يوليها ظهره، يتحدث هاتفيًا بصياحٍ:

-لأ خلاص.

تجمدت في مكانها وهي تتلفت سريعًا حولها، كان الاثنان بمفردهما في المطبخ؛ لكنه لم يدرك بعد أنها متواجدة معه، قفزت علامات الاستفهام إلى رأسها عندما استمر "تميم" في مكالمته قائلاً:

-أنا ماينفعش أجبر واحدة على الجواز، حتى لو كنت عاوزها.

وخزة مباغتة آلمت صدرها مع كلماته الأخيرة الصادمة، مما جعل أنفاسها تضطرب، وصدرها ينهج في توترٍ خائف. تدلى فكها السفلي للأسفل، واتسعت حدقتاها أكثر وهو يتابع في صوتٍ أظهر انكساره:

-يمكن نصيبها مع حد تاني أحسن مني.

لا يمكن التشكيك مطلقًا أنها كانت المقصودة في حديثه الغامض مع أحدهم، لن تنكر أن نزعة الأنثى المغترة بنفسها لكونها مطلوبة في عالم الرجال ثارت بداخلها، ورغم هذا لا تقارن أبدًا بشعور الخوف الذي انتابها في نفس اللحظة من قراره بابتعاده المحتوم عنها. سحب "تميم" نفسًا عميقًا، لفظه على مهل وهو يواصل مخابرته الغامضة:

-ربنا يسعدها، أنا مش هظهر في حياتها، عشان مايتقالش إني بضغط عليها.

نغزةٌ وراء أخرى عصفت بقلبها، حتى كاد من شدة الوخزات أن يتمزق خوفًا. بدأت الدموع في التجمع بمقلتيها تأثرًا باعترافاته المليئة بالكدر والألم، بالكاد منعت شهقة من الإفلات من بين شفتيها وهو يضيف في حزن شديد الوضوح:

-هي تستاهل كل خير.. مش مهم أنا، أمرها أهم عندي.

تعاظم بداخلها الشعور بالضيق، والخوف. لم تعرف ما الذي أصابها لتخشى فقدانه، وتهاب في نفس الوقت اقترابه، هذا التذبذب الخطير في مشاعرها كان مربكًا وموترًا. ابتعد "تميم" عن محيطها قائلاً دون أن يستدير وهو يضع يده الأخرى على أذنه:

-مش سامعك، الشبكة وحشة باين.

تصاعد الألم واشتد في صدرها، فلم تعد تطيق تحمله، كان مُطبقًا عليها، أحست باختناق الأجواء من حولها، لمجرد ترديد صدى ابتعاده عنها في عقلها، وكأنها تستنكر عليه اختياره الإرادي، نهضت من مكانها باحثة عن الماء لتروي هذا الظمأ الغريب الذي نال من حلقها، ارتعشت يدها وهي تمسك بالكوب الزجاجي، رفعته إلى فمها، بللت جوفها، وأخفضته بنفس الأنامل المرتجفة، لتتساءل بعدها بصوتٍ شبه لاهث؛ لكن يطغى عليه الخوف:

-أنا مالي، مضايقة كده ليه ........................................ ؟!!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة