-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والعشرون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والعشرون

 بين الحقول المتفاوتة في مساحاتها ومزروعاتها، تنقل بغير حماس في معظم الأوقات، مع من جاء بصحبتهم، لاكتساب خبرات جديدة خلال اتفاقات التجار الأولية مع أصحابها. كانت الكلمة عقد، والعقد في عرفهم يعني التزامًا كاملاً لا يفضه إلا الموت. صعد "تميم" إلى عربة النصف نقل، وجلس إلى جوار السائق نافخًا بزفيرٍ مرهق، فاليوم هو العاشر له منذ أن طلب منه جده تنفيذ خطته في الابتعاد الاضطراري، والاختفاء غير المبرر عن محيط مهجة قلبه.

كان ينكوي بألم الحب وهو يدعي كذبًا خلال تواجدها بالمطبخ، أنه لن يضغط عليها للموافقة على طلبه بناءً على ما أخبره به جده. لم يكن ليمانع مُطلقًا باتخاذ كافة السبل، بفعل المستحيل، فقط لينال محبتها؛ لكن على ما يبدو السبيل إلى قلبها كان محفوفًا كالعادة بالمشاق. عاد "تميم" من شروده على صوت الحاج "لطفي" القائل من مسافة قريبة منه:

-تعبناك معانا.

استدار برأسه ناحيته، وهمَّ بالترجل من العربة لولا أن أشار الأخير له ليبقى، ثم علق بابتسامةٍ باهتة:

-لا متقولش كده يا حاج.

ابتسم له "لطفي" وهو يتابع ملوحًا بذراعه في الهواء:

-جدك موصيني تاخد خبرة، ما هو ياما كان بيطلع معانا الطلعات دي.

حك "تميم" مقدمة جبينه معلقًا في تعجبٍ:

-الصراحة أنا شوفت فروقات في السعر كبيرة عما بنشتري من سوق الجملة.

أومأ برأسه مكملاً في تفاخرٍ:

-أيوه، في ناس حبايبنا، من زمن الزمن بيبوعلنا، وطبيعي يكرمونا في السعر، وإن شاء الله الزرعة كلها لينا لما ربك يطرح فيها البركة.

هتف في استحسانٍ:

-الله يكرمنا جميعًا.

خاطبه "لطفي" وهو يسير متجهًا للعربة الأخرى:

-احنا هنريح في الطريق حبة، وبعد كده نكمل مشوارنا.

هز رأسه معقبًا:

-ماشي يا حاج.

ثم طرق بيده على باب العربة مُحدثًا السائق:

-بينا ياسطا.

بدأت العربات في التحرك واحدة تلو الأخرى على الطريق الفرعي غير المُعبد، ليتجهوا جميعًا منه إلى الطريق الرئيسي.

...............................................

بعد نصف ساعة من القيادة في قيظ النهار الحار، والمرور على بضعة مزارعين ممن اتفقوا على الاجتماع بهم، توقفت كافة العربات بالقرب من إحدى الاستراحات المقامة على الطريق. ترجل "تميم" من عربته، ليلقي نظرة شاملة على المكان، وقعت أنظاره على إحدى الشاحنات التي بدت مألوفة له، سرعان ما تشكل على وجهه المتعب ابتسامة مشرقة، ليلتفت بعدها ناظرًا إلى من خاطبه بودٍ وحميمية:

-سبحان من جمعنا من غير ميعاد.

امتلأت نظرات "تميم" بالفرحة لرؤية رفيقه المقرب "منذر" يفتح ذراعيه لاستقباله، أقبل عليه يحتضنه قائلاً:

-حبيبي.

بادله التحية الحارة، وتراجع عنه متسائلاً في اهتمامٍ:

-عامل إيه يا سيد المعلمين؟ جاي النواحي دي ليه؟

أجابه وهو يحاول حجب أشعة الشمس عن عينيه:

-شغل بخلصه مع رجالة السوق ...

ثم سأله:

-بس إنت بتعمل إيه بعيد عن الوكالة؟

وضع "منذر" نظارته على عينيه، وأجابه:

-نقلة بوردها لوكيل لينا ماسك الناحية دي.

أشــار "تميم" بيده نحو الأمام متابعًا:

-خلينا نقعد جوا.

رد مشترطًا عليه:

-ماشي، بس المشاريب على حسابي، إنت وكل اللي معاك تعتبروا في منطقتي.

ضحك قائلاً في سرور:

-مش هردك

تحركا معًا نحو إحدى الطاولات الفارغة، وأشار "تميم" للعامل ليأتي للمتواجدين معه بما يريدون، ثم يحضر له كوبًا من الشاي. تساءل "منذر" وهو يتطلع إلى رفيقه بنظرة مستفهمة:

-إيه جديدك؟

تقلصت المسافة ما بين حاجبيه متسائلاً:

-جديدي في إيه؟

ابتسم "منذر" موضحًا له:

-مش ناوي تكمل نص دينك.

تنهد على مهلٍ قبل أن يجيبه:

-ربنا يسهل.

مازحه في تسلية وهو يلكزه في ساعده:

-ولا خايف تتجوز تاني.

قال نافيًا على الفور:

-لا مش كده، بس لسه ربنا مأذنش.

أعطى "منذر" بقشيشًا للعامل الذي أحضر له زجاجة مياه معدنية، وواصل الحديث معه:

-لعلمك أنا وإنت فينا حاجات كتير شبه بعض، اتجوزنا قبل كده، حريمنا اتاخدوا غدر.

رد عليه "تميم" بتعابيرٍ فاترة:

-الله يرحم الجميع يا رب.

أمن بعد في تعجلٍ:

-يا رب.

ما لبث أن بدت نبرته مليئة بالفرحة وهو يكمل:

-بس عايز أقولك عوض ربنا كان حلو، وجميل.

تقوست شفتا "تميم" عن ابتسامة صغيرة، بينما استمر "منذر" في كلامه مسترسلاً:

-الواحد صبر، واستحمل، رغم إن كان نفسي أحط على ابن "أبو النجا" بعد اللي عمله.

عادت ملامح "تميم" للتجهم وهو يقول:

-سمعته كانت سبقاه في اللومان.

ضاقت عينا "منذر" معقبًا بحذر:

-بلغني إنك اتعاركت معاه جوا.

بنوع من العنجهية أوضح له وقد لاحت بسمة ساخرة على زاوية فمه:

-كتير، في الرايحة والجاية، مكوناش سايبين بعض لحد ما اتنقل .. فضنا منه، المهم كله عندك تمام؟

بدا "منذر" كما لو كان على وشك تقبيل راحة وظهر كفه وهو يردد:

-الحمدلله .. رضا، مافيش بعد كده.

ربت رفيقه على كتفه قائلاً في حبور:

-ربنا يزيدك من كرمه.

ارتشف "منذر" ما تبقى في كوبه، ليخبره، وهذا الوهج الغريب يطل من حدقتيه:

-تعرف، اتقابلت أول مرة أنا ومراتي في مكان زي كده، لو أقولك على الفصل البايخ اللي اتحطينا فيه، بس الحمدلله عدت على خير.

حافظ "تميم" على جمود تعابيره وهو يخاطبه:

-ما محبة إلا بعد عداوة.

ضحك عاليًا بعض الشيء قبل أن يقول وسط ضحكاته في سعادة لا يمكن إنكارها:

-مافيش أحلى من كده محبة.

ساد الصمت للحظاتٍ قبل أن يقطعه "تميم" قائلاً في غموض:

-صحيح عارف الحاج "إسماعيل"، صاحب الحاج "فتحي".

اكتست تعابير "منذر" بالجدية وهو يسأله:

-أيوه، ماله؟

هتف يخبره في سخطٍ:

-لو أقولك على ابنه، الصراحة يخليك تجيب من الأرض وتحط عليه.

وافقه الرأي وهو يقول:

-عارفه اللطخ اللي اتقابلنا معاه يوم عزا جماعتك، ده بني آدم (...).

دمدم "تميم" مضيفًا:

-كويس إنك فاكره، حد أعوذ بالله منه.

لم يفهم "منذر" سبب انتقال الحوار للحديث عنه؛ لكنه بادر بإخباره بعزمٍ شديد:

-وربنا كنت هاجيب رقبته، لولا الظروف اللي كنا فيها، مضايقك في حاجة، قولي وأنا رقبتي.

أشعل "تميم" سيجارة أخرجها من العلبة التي كانت في جيب بنطاله، ليضعها بين شفتيها مرددًا:

-أنا ظبطته، إياكش يتهد.

تفرس "منذر" في وجهه متسائلاً بنوعٍ من الشك، وقد شاركه التدخين:

-بس إنت مقولتليش الدغوف ده مضايقك في إيه؟

لاذ بالصمت مُطبقًا على شفتيه، وقد ظهر التردد على محياه. وضع "منذر" يده على كتفه مؤكدًا عليه:

-سرك في بير.

كاد "تميم" يجن من كبته لمشاعره، ناهيك عن بُعده عنها، لهذا لفظ دفعة من الدخان الحارق عن رئتيه، وتشجع مغمغمًا في حذرٍ:

-كان في كلام على قريبته، وهو شكله حاطط عينه عليها.

تجاهل رفيقه الجزء الأخير من كلامه ليسأله في تسليةٍ وهو يغمز بطرف عينه:

-أوبا، هي الصنارة غمزت ولا إيه؟

انقلبت تعابيره وهو ينطق:

-ولا الهوا حتى، بس سايبها على الله.

فرك "منذر" راحتيه معًا قائلاً بابتسامة عريضة:

-إن شاءالله خير، عايزين نقوم معاك بالواجب.

ردد في رجاءٍ:

-يتم المراد الأول.

قال وهو يجمع أشيائه عن الطاولة:

-هه، يا مسهل.

ألقى "تميم" نظرة من خلف كتف رفيقه ليجد أيضًا من معه يستعدون للرحيل، لملم متعلقاته هو الآخر مودعًا إياه:

-شكل الرجالة ماشيين، كانت صدفة حلوة يا "أبو زين".

صافحه الأخير أولاً قبل أن يجذبه إلى حضنه هاتفًا في ودٍ شديد:

-ربنا يكتر من الصدف الحلوة، وهستنى تليفون منك تبشرني فيه.

عفويًا احتل ثغره بسمة عذبة وهو يقول:

-يا رب يا كريم.

افترق الصديقان على وعدٍ بلقاءٍ قريب، وبقي القلب مشغولاً بوليفه البعيد.

.........................................................

لم تعد تحسب عدد المرات التي أطلت فيها برأسها من بلكون غرفة الأطفال في منزل توأمتها، لتنظر إلى سيارته المصفوفة عند الناصية بنظراتٍ جمعت بين الحزن والقلق، فقد حُرمت من رؤيته منذ عقد قران شقيقته، ظنت أنه سيظهر لاحقًا؛ لكن مضت الأيام قاسية، جافة، وطويلة بدونه، حقًا صدق الجد في تنفيذ وعده لها، ويا ليته ما فعل!

استندت "فيروزة" بمرفقيها على حافة السور، واشرأبت بعنقها للأسفل محاولة اختلاس النظرات إلى شرفة غرفته القابعة أسفلها، لسوء حظها كان المكان معتمًا، وخاليًا من أدنى أثر لوجوده. تملكها الإحباط، واستقامت واقفة لتتساءل مع نفسها في خيبةِ أمل:

-هو راح فين؟

فركت طرف ذقنها، وظل عقلها يتساءل في لوعةٍ:

-طب هو غاب عني ليه؟ للدرجادي مكانش عايزني.

انتشرت في رأسها الهواجس المزعجة، وكلما حاولت مغالبتها فشلت فشلاً ذريعًا، ليظل هو الحاضر الغائب في ذهنها. اليوم العاشر على وشك الانتهاء، وهي تواظب على الحضور يوميًا لشقيقتها دون أن تلتقي به حرفيًا، استغلت حُجة توضيب متاعها في صناديق كرتونية لنقلها للمنزل الآخر، كوسيلتها المتاحة للمجيء دون إثارة الريبة، ومع هذا زادها هجره من شعور الوَحشة بداخلها. تركت الشرفة، وعادت إلى الغرفة فاقدة للرغبة في فعل شيء، تحركت نحو الصالة، إلى حيث تجلس توأمتها، رأتها وهي تغلف الكؤوس بأوراق الجرائد لحفظها. جلست على الأريكة المقابلة لها، وسألتها بفتورٍ:

-فاضيلك أد إيه في النيش؟

أجابتها "همسة" دون أن ترفع رأسها عن الصندوق الذي ترص فيه المقتنيات الزجاجية:

-نصه تقريبًا.

تطلعت "فيروزة" إلى (النيش) بنظرات فاحصة، قبل أن تخبرها:

-يوم ولا اتنين وهايكون خلصان.

امتدت يد "همسة" لتمسك بمفكرةٍ صغيرة إلى جانبها، أعطتها إلى شقيقتها موضحة:

-بصي أنا عاملة نوتة بترقيم كل كرتونة، وكاتبة إيه اللي جواها، بحيث يسهل علينا فيما بعد لما نرصص الحاجة.

استحسنت حُسن تفكيرها، فقالت مادحة:

-كويس أوي، شطورة يا "هموسة".

خيم الصمت بينهما من جديد إلا من صوت التلفاز الصادح، لم تكن "فيروزة" منتبهة لما يعرض عليه، تفكيرها منصب عليه وحده، أوشك عقلها على الانفجار من كثرة الحيرة والقلق. حانت منها نظرة جانبية نحو "همسة"، كانت بحاجة لإشباع فضولها، علَّها تنشد السلام، ترددت في سؤالها، وقبل أن تتراجع عن تلك الفكرة الطائشة، سبقها لسانها في الكلام:

-بأقولك صحيح، أنا بقالي فترة مابشوفش المعلم "تميم" ..

حاولت أن تجعل جملها سريعة، مرتبة، وعلى نغمة واحدة حتى لا ترتاب في أمرها، وأكملت الناقص بنفس الثبات:

-ولا حتى في الدكان، هو عيان ولا حاجة؟

جاءها الرد تلقائيًا:

-لأ، مسافر.

انعقد حاجباها بشدة وهي تردد مصدومة:

-مسافر؟

أومأت "همسة" برأسها عندما جاوبتها:

-أيوه، "هيثم" كان قالي كده.

تلقائيًا اندفع السؤال التالي من جوفها:

-وسافر ليه؟ متعرفيش؟!

رفعت شقيقتها رأسها إليها، وأجابتها بنظراتٍ مرتابة:

-تقريبًا كلفوه بشغل جديد، هو إنتي عاوزاه في حاجة؟

حمحمت وهي تدعي بحجة غير حقيقية:

-ده المحامي كان عايز يديله ورق يخصه.

لم تشك في أمرها، واستطردت تخبرها:

-بصي هو معظم الوقت "هيثم" بيغطي مكانه، حتى تلاقيه معدتش بيرجع البيت زي الأول، يعني مقسم وقته عندهم، وشوية عند محله، ويطلع بعد كده على الشقة.

بتعابيرٍ غلفتها التعاسة علقت عليها "فيروزة":

-ربنا معاه.

قبل أن تفقد الباقي من شجاعتها تساءلت مرة أخرى:

-ومتعرفيش هيرجع إمتى؟

تداركت لهفتها الظاهرة بشكلٍ غريب في نبرتها لتوضح بتمهلٍ، وبطريقة ملتوية؛ وكأن الأمر لا يعنيها، بعد أن ركزت عينيها على التلفاز لئلا تفضحها نظراتها التواقة:

-آ.. عشان يعني.. يخفف الحمل عن جوزك، وأديله ورقه.

هزت كتفيها قائلة:

-معنديش خبر.

تصنعت الابتسام وهي تقول:

-ربنا معاهم.

طاف الحزن على وجه "فيروزة"، وزحف إلى عينيها، لم تكن هكذا من قبل، لم يشغلها أحدهم بتلك الصورة، للحظةٍ تذكرت تفكيرها في أمره وقت غربتها، شعور اللوعة الذي استبد بها آنذاك كان في تلك اللحظات أضعاف ما عانته. أراحت صدغها على كفها وهي تسند كوعها على مسند الأريكة، ثم حملقت بعينين تائهتين في التلفاز، كأنما تتابع ما به. لم تبعد نظراتها عنه و"همسة" تسألها:

-أخبار محلك إيه؟

أجابت في فتورٍ كبير:

-شغال.

ردت عليها متسائلة في نبرة مهتمة:

-لسه مصممة تعملي الافتتاح الرسمي؟ مش المحل الناس عرفت إنه شغال وخلاص؟

نظرت إليها قائلة بعد أن أخفضت ذراعها:

-الحاج "بدير" مصمم، وأنا مش عايزة أزعله.

ابتسمت "همسة" وهي تمتدحه:

-بصراحة راجل ذوق، وكريم جدًا، حقيقي عمل معانا كتير.

أكدت عليها توأمتها بما يشبه الابتسامة الباهتة:

-ولسه بيعمل والله.

تنهدت "همسة" مضيفة بنبرة راجية:

-ربنا يخليه لينا، عوضنا كتير عن اللي ناقصنا.

أحست "فيروزة" بالكآبة تتسلل إليها، ولم تحبذ أن تظهر علامتها على ملامحها، مما يجعل شقيقتها تحاصرها بأسئلتها الفضولية، لهذا كان الخيار الأنسب حاليًا الرحيل. نهضت من مقعدها قائلة:

-طيب يا "هموسة"، أنا يدوب هاقوم، هحاول بكرة أجيلك بعد ما أخلص.

قامت "همسة" ببطءٍ ملحوظ، واعترضت عليها:

-مالوش لازمة، كفاية ماما بتيجي الصبح، كده تعب عليكي زيادة.

أقبلت عليها تحتضنها وهي تصر عليها:

-لأ يا حبيبتي، أنا مبسوطة لما بأجي عندك.

حافظت على بسمتها الرقية وهي تتم جملتها بنوع من التشديد:

-خدي بالك من نفسك، وسلامي للبيبي اللي جوا.

عفويًا وضعت "همسة" كلتا يديها على بطنها المنتفخ تتلمسه في حنوٍ وهي ترد:

-حاضر يا "فيرو".

........................................................

بغير همةٍ هبطت الدرجات وهي تجرجر قدميها، وحين أصبحت على بُعد بضعة خطواتٍ من بسطة منزله، ذهبت عيناها إلى الباب المغلق، تجمدت لوهلةٍ على الكتلة الخشبية، كأنما تفتش عنه بين طياته، توقفت "فيروزة" عن الحركة، وباتت جامدة لبعض الوقت، يدها قابضة على الدرابزين، تتأمل الفراغ بشرودٍ واجم، وهذا الصوت المُلح يتساءل في رأسها:

-بعدت ليه؟

شهقةٌ شبه مسموعة تحررت من بين شفتيها عندما التفتت كليًا لتكمل سيرها وقد رأته واقفًا عند بداية البسّطة قبالتها، لم يعد ما تراه من وحي الخيال، بل كان حقيقيًا، ملموسًا، يمكن الشعور به، فـ "تميم" بشحمه ولحمه حاضرًا بعد غيابه الطويل. خفق قلبه بشدة، حتى كاد من صوت ارتفاع خفقاته أن يصم أذنيها، تحشرج صوتها وهي تسأله بنبرةٍ بدت معاتبة عنها مستفهمة:

-إنت كنت فين؟

بصعوبةٍ طاف ببصره عنها ليرد في لهجةٍ رسمية:

-الناس بتقول سلام عليكم الأول.

أحرجها بجموده المريب، فقالت في تلعثم وخجل انعكست آثاره على بشرتها المشتعلة:

-سلام عليكم، أنا كنت..

وكأن الكلمات طارت من رأسها فلم تعرف كيف تبرر له سؤالها النزق، تنفست بعمقٍ، وأخفضت رأسها معللة بغير صدق:

-يعني عشان تحضر افتتاح المحل .. مع العيلة.

إن كنت كذوبًا، فكن ثابتًا، لم ينطبق هذا معها، اللجلجة بدت واضحة للغاية في نبرتها. استنشقت الهواء بعمقٍ، وتجرأت لتنظر إلى وجهه الذي اشتاقت لرؤيته، فوجدته لا ينظر ناحيتها، بل كان يعاملها بجفاءٍ معذبٍ لها، حاولت التركيز معه حين نطق موجزًا:

-مبروك.

أمام هذا البرود شعرت بالضيق والحنق، سرعان ما تكونت غصة مؤلمة في حلقها، جرحتها بقوة وهي تراه يتجاهلها بهذا الشكل الفج، تجاوزته بالمرور من جواره وهي تعلق باقتضابٍ حفظًا لماء وجهها:

-شكرًا.

منع "تميم" نفسه من النظر ناحيتها، واستمر في تعاليه المستفز حتى هبطت عن الدرجات بخطواتٍ سريعة كانت مسموعة إليه. حينها فقط سقط القناع عن وجهه، واندفع ينظر من الدرابزين إليها بقلبٍ يدق في ألمٍ وغيظ، عنف نفسه لوقاحته، كيف له أن يعاملها بهذه الخشونة؟ أبعد كل هذا الانتظار يُقابل طاووسه ببرودٍ زائف وكأن نيران الشوق لم تحرقه؟ كور قبضته، وضرب بها الحاجز بغلظةٍ وهو يلوم نفسه من بين أسنانه:

-يا غبي!

آهٍ لو كان يملك الحق في استرضائها، لما تركها أبدًا تذهب هكذا! لكن جده أوصــاه ألا يبدو متلهفًا في وجودها، عليه بالتحلي بفضيلة الصبر، مع القليل من الجفاء حتى تكتشف بنفسها مشاعرها نحوه، عندئذ ستهون كل الصِعاب.

.................................................

ارتعدت تحت دفقات الماء المنهمر على جسدها وهي تستحم، كانت وسيلتها لإخفاء نوبة بكائها غير الطبيعية، كتمت بيدها لأكثر من مرة صوت نهنهاتها الغادر، أطالت في مدة اغتسالها حتى تستكين، ووضعت يدها على صدرها تتحس قلبها المتألم، أزاحت الماء عن وجهها، وتساءلت:

-إنتي زعلانة ليه؟

جففت جسدها، ولفته بالمنشفة، ثم تطلعت إلى ملامحها المشوشة في انعكاس المرآة، مسحت البخار عنها لتحدق في وجهها بنظراتٍ مهمومة، ثم أكملت تبريرها:

-المفروض الموضوع منتهي.

احتدت نظراتها، وبرز الغضب في عينيها بو ضوحٍ وهي تواصل الحديث مع نفسها:

-بس أنا مقولتش لأ، ده جدي "سلطان" هو اللي قال كده.

تهدل كتفاها في إحباطٍ، وأردفت عن يأس:

-مش كان صبر شوية.

أدارت جسدها للجانب لتنظر إلى التشوه في كتفها، رفعت يدها لتتحسسه، وهي تؤكد لنفسها:

-واستحالة يكون ده السبب عشان ما يرضاش بيا.

تردد صدى كلمات طبيبتها في رأسها لتذكرها بأنها ليست المُلامة في إفشال زيجتها، بل كان الطرف الآخر فاقدًا لمقومات إنجاح العلاقة الزوجية، واستغل إصابتها لمواراة علته الخطيرة. كررت على مسامعها بصوتٍ خفيض حتى لا تستبد بها هواجسها:

-دكتورة "ريم" معاها حق، العلاج موجود جوايا، مش لازم أسمح لحد يقلل من ثقتي بنفسي.

عاد طيف "تميم" يستحوذ على عقلها، وجفائه الأخير ما زال تأثيره منعكسًا عليها، انقلبت تعابيرها قائلة بنبرتها الهامسة:

-بس هو المفروض يبقى عنده ذوق ويكلمني كويس.

جمعت خصلات شعرها النافرة، وسوتها بيديها وهي ما زالت تخاطب نفسها:

-يمكن جده منبه عليه، هو آخر مرة قالي كده.

مطت شفتيها للحظةٍ، وتابعت كأنما استغرقت في أفكارها التحليلية:

-ما جايز كان مستني يسمع الرد مني، هو صحيح فاجئني، وأنا وقتها مقولتش رأيي، بس هو مصبرش، والنهاردة مادنيش فرصة أكلمه.

لكزت مقدمة رأسها بيدها في توبيخٍ شبه حاد:

-أنا معنديش مخ ولا إيه؟ ما هو لسه راجع من سفره الغريب ده، المفروض يكون عندي تمييز، هيلحق يكلمني إزاي يعني؟

عبست مرددة مع نفسها:

-على الأقل كان يسأل عني.

نفخت في سأمٍ، واستدارت مبتعدة عن المرآة وهي تكلم نفسها:

-أنا زهقت، ليه العذاب ده؟ عملت فيا إيه عشان أبقى كده؟

انتفضت مفزوعة على صوت والدتها المنادي من الخارج:

-يالا يا "فيروزة"، كل ده يا بنتي؟ بتعملي إيه عندك؟

ردت عليها بصوتها المرتفع:

-حاضر يا ماما خارجة أهوو.

أمسكت بالممسحة، وأزاحت بها الماء المتجمع بالأرضية نحو البالوعة، لتردد بهسيسٍ:

-مسيري اتقابل معاه تاني.

.....................................................

امتلأ قلبه بأطنانٍ لا حصر لها من الحنين والشوق إليها، هذا النوع من الهروب السخيف غير مجدي معه، أصبح على شفا الجنون من الانتظار الطويل، أنى له أن ينتهي؟ دار "تميم" في غرفة جده يذرعها جيئة وذهابًا وهو يشكو صبره غير النهائي:

-دخلنا في أسبوعين يا جدي، وأنا عامل فيها هندي، بس خلاص أعصابي تعبت ...

تطلع إليه "سلطان" بتمعنٍ، وفي صمت، وهو ما زال مستمرًا على شكواه:

-حتى الافتتاح بتاعها مش عارف أحضره، وأبويا نفسه مستغرب.

توقف عن الالتفاف حول نفسه ليجلس على طرف الفراش قائلاً بتبرمٍ:

-ده تلاقيه شاكك إني بحبها أصلاً.

بدا الجد هادئًا للغاية وهو يسأله بحاجبٍ مرفوع للأعلى قليلاً:

-طب وقاعد كده ليه؟

ظن أنه يهزأ منه، فأجابه في سخريةٍ مريرة:

-هنزل أروح فين؟ ما إنت عارف اللي فيها يا جدي.

أشار "سلطان" بعكازه نحو الدولاب يأمره:

-طلعلي القفطان الجديد من جوا.

نهض واقفًا، وسأله في حيرة:

-هتنزل ولا إيه؟

ابتسم الجد في سرورٍ وهو يجيبه:

-أيوه .. هاحضر الافتتاح.

ظهر الغيظ على ملامحه، وهمهم في خفوت:

-يا بختك يا جدي.

سرعان ما قفز قلبه يرقص في فرحةٍ عارمة، وجده يضيف:

-وإنت جاي معايا.

برقت عيناه، وأشرقت تعابير وجهه وهو يسأله ليتأكد مما سمعه:

-بجد؟

بنفس الهدوء الوقور أخبره:

-أيوه يا واد، ويالا عشان منتأخرش.

اندفع نحو ضلفة الدولاب لإحضار ثياب جده مهللاً في حماسٍ رهيب:

-على طول يا جدي.

...............................................

بعض الصفقات الرابحة مع عشرات الزبائن نالتها خلال الأيام الماضية؛ لكنها لم تشعرها بالسعادة، ظلت تفتقد لهذا الإحساس، للغرابة إن كان نجاحها في سوق العمل قبل بضعة أشهر لاختلف شعورها الآن! تنهدت "فيروزة" بعمقٍ، ونظرت إلى الحشد المتجمهر بداخل دكانها وخارجه، حمدت الله أنها استعانت بفتاتين من المنطقة لمساعدتها في إنجاز الأعمال، وإلا لأرهقها ما كُلفت به بالإضافة مع تفكيرها غير المتوقف عنه.

كان الافتتاح كبيرًا إلى حدٍ ما، حيث ازدانت الطرقات المؤدية إليه بالمصابيح الملونة، وأيضًا بالبالونات الضخمة المدون عليها عبارات التهنئة، والتي كانت غالبيتها من عائلة "سلطان"، فيما عدا قلة متناثرة من الجيران في المنطقة، أمام عند مدخل دكانها، فقد تم وضع بضعة أعمدة جرانيتية على الجانبين، ويملأ الفراغ بينهما سجادة طويلة من اللون الأحمر، لصنع ممر صغير إلى الداخل، كذلك صدح صوت الموسيقى من مشغل الأسطوانات بشكلٍ أزعج الجميع، إلا أنها طلبت من المسئول عنه إخفاض الصوت.

تراصت المقاعد الخشبية على طول الرصيف، وفي الشارع أيضًا، جلس "خليل" وإلى جواره "همسة"، ووالدتها، والصغيرة "رقية"، وهناك مقعد محجوز لـ "هيثم" حين يأتي للجلوس في وقتٍ لاحق. بدأ الزوار في القدوم للتهنئة، تارة تجد بعضهم بالداخل، وهناك من يجلس بالخارج؛ لكن استمتع الجميع بما تم تقديمه من حلوى ومشروبات غازية باردة، كتفصيلة أساسية وهامة خلال الافتتاح كما أمر الحاج "بدير".

بعد مُضي ما يزيد عن الساعة، وقفت "فيروزة" خلف الطاولة الموضوعة في الواجهة بنهاية مساحة دكانها، تراقب الوافدين بعينين تتقدان في لهفةٍ حين تسمع صوت الترحيب بأحدهم متوقعة أن يكون ضمن القادمين؛ لكن ما لبث أن يختفي هذا الوهج مع اكتشاف عدم حضوره، أطلقت زفرة ثقيلة من صدرها وهي تتساءل بين طيات نفسها:

-مش معقول كل المدة دي ومظهرش فيها؟ للدرجادي ندمان إنه آ..

توقفت عن تفكيرها التشاؤمي حين سألتها إحدى السيدات:

-بكام دي؟

أدارت رأسها للخلف، وتطلعت إلى البلورة التي تشير إليها، ثم أجابتها وهي تعاود النظر إليها:

-بـ 25 جنية.

رأت السيدة تناقش واحدة واقفة إلى جوارها

-سعرها حلو، احنا ممكن نجيب منها ....

أبعدت أنظارها عنها لتهمس بصوتٍ بالكاد فارق شفتيها:

-حتى الافتتاح مجاش فيه.

ناداتها إحدى الفتاتين بصوتٍ شبه مرتفع لتتغلب على الصخب المنتشر:

-يا أبلة "فيروزة"!

ندائه الحصري الذي بات محببًا إليها كان مختلفًا عن كل مرة، غيره يناديها به، فكان فاترًا، غير مستساغٍ على أذنها، التفتت ناظرة إلى البائعة الأخرى وهي تسألها بعينيها دون كلام، فأخبرتها البائعة:

-بكام اللفة دي؟

أجابت بعد نظرة فاحصة لما تشير إليه:

-بـ 30 جنية.

تحركت عينا "فيروزة" نحو الباب مجددًا، تتطلع إليه في وجومٍ، شعرت بلمسة رقيقة على ذراعها، فاستدارت للجانب لتجد والدتها تكلمها في توجسٍ:

-إنتي مش مركزة خالص النهاردة، في حاجة يا بنتي؟

ابتسمت وهي ترد:

-لأ يا ماما، أنا كويسة.

تفرست "آمنة" في ملامحها وهي تقول:

-بس وشك مش باين عليه، على طول شاردة.

اتسعت حدقتاها في توترٍ، خشيت من اكتشاف أمرها، فتنحنحت قبل أن تختلق كذبة سريعة:

-ده بس عشان الواحد هبطان طول اليوم، من الوقفة الطويلة وكده.

ربتت على ظهرها في حنوٍ وهي تدعو لها:

-ربنا يقويكي يا حبيبتي، أدها وأدود.

اتجهت أنظارها مع والدتها التي خاطبت ابنة شقيقها:

-خدي بالك يا "كوكي" مش عايزين حاجة تتكسر.

توقفت الصغيرة "رقية" عن التحرك بفوضاوية، وقالت في عبوسٍ طفولي:

-متخافيش يا عمتو.

تشتت كل أنظارها عنها عندما سمعت والدتها تهتف مرحبة بحرارة:

-حاج "سلطان" اتفضل.

وكأن ترف الحياة ومتعها قد مُنح لها في اللحظة التي تحول بصرها نحو الباب لتجده واقفًا خلف جده في عِزة وشموخ، لم تستطع إبعاد عينيها عنه، كأنما تعوض ما فاتها بغيابه المريب، ولدهشتها كان يبادلها النظرات الدافئة المليئة بشيء نفذ قبل دهرٍ إلى داخلها! تلك النظرات التي اعتادت عليها منه، ولم تكن ممانعة من تحديقه، بالكاد باعدت عينيها عنه والجد يخاطبها:

-أنا جايب العيلة كلها معايا يا "فيروزة".

سرعان ما شملت من جاءوا بصحبته بنظرة جمعت بين الحرج والتوتر، كيف لم تنتبه إلى مجيء أفراد عائلته؟ ألتلك الدرجة حجب عنها "تميم" بحضوره الطاغي من سواه؟ اكتسبت بشرتها حمرة خجلة، وقالت في صوتٍ شبه مهتز:

-يا أهلاً وسهلاً، نورتم.

بادرت "ونيسة" بتهنئتها أولاً، ثم لحقت بها "هاجر"، ومن بعدهما "سراج"، ليمد "بدير" يده لمصافحتها قائلاً في فرحةٍ:

-مبروك يا بنتي، يجعله فاتحة خير عليكي يا رب.

قالت وهي تبادله المصافحة:

-الله يبارك في حضرتك.

تكلم الجد بصيغة من يقرر، وهو يدفع بذراعه المتأبط حفيده للأمام، ليبدو قريبًا منها:

-بصي بقى، احنا من عوايدنا لما يبقى حد عزيز أوي علينا، وربنا كرمه ندبحله حاجة كده، ونطلعها لله.

انفرجت شفتاها في دهشةٍ، وهتفت معترضة:

-ده كتير يا جدي.

أشار بيده للخلف حاسمًا جدالها قبل أن يبدأ:

-ولا كتير ولا حاجة، الرجالة هتنزل العجلين جمب الدكان وتفرق على الغلابة، خلي الكل يفرح معانا.

فردت "آمنة" ذراعها لتشير إلى ضيوفها بالجلوس:

-اتفضلوا يا جماعة.

انسحبوا واحدًا تلو الآخر ليظل "تميم" باقيًا معها، ظهر التردد عليها، خاصة مع نظراته الشغوفة ناحيتها، بلعت ريقها وسألته وهي تتجنب النظر إليه عن هذا القرب الخطير:

-إزيك؟

أجاب وهو يستقيم في وقفته ليبدو أكثر طولاً:

-الحمدلله، مبروك عليكي الافتتاح، وربنا يوفقك.

ردت ببسمة صغيرة وهي ترمش بعينيها:

-الله يبارك فيك.

توقعت أن يتجاذب أطراف الحديث معها؛ لكنه ظل صامتًا، نظرت إليه من طرف عينها، لمحته وهو يتطلع إليها بإشراقة تجبرها على الاستدارة والنظر إليه ملء عينيها، مثلما تحب أن تراه دومًا، ضغطت على إبهامها بسبابتها، بدت متحيرة في اتخاذ قرارها الآن، قاومت ترددها باستبسالٍ غريب، فربما لن تواتيها الفرصة لإخباره برأيها النهائي. لفظت كتلة من الهواء سريعًا، واستطردت قائلة في تعجلٍ لا يخلو من التلعثم:

-آ.. كنت عايزة آ..

شجعها على الكلام قائلاً في هدوء:

-اتفضلي، سامعك.

لم تمتلك من الجراءة ما يحثها على النظر إليه في هذه اللحظة وهي تخبره:

-إنت كنت سألتني عن حاجة من فترة، وأنا مردتش عليك.

سمعت صوت تنهيدته وهو يرد:

-أيوه، وآ...

قاطعته قبل أن يتم جملته قائلة في دفعة واحدة، ودون أن تنظر ناحيته:

-أنا موافقة، شوف هتكلم خالي إمتى.

استحثها فضولها على رؤية تعابير وجهه، لذا اختطفت نظرة سريعة إلى ملامحه، فرأت في قسماته سعادة الدنيا بأسرها، هربت من حصار نظراته الناطقة بصنوف الحب، لتقول وهي تبتعد:

-عن إذنك.

ردد "تميم" مذهولاً في عدم تصديقٍ، وعيناه تشعان بالهيام:

-دي قالت موافقة.

استدار باحثًا عن جده ليجده خلفه، فارتمى في أحضانه يضمه بشدة، وهو يصيح بابتهاجٍ متعاظم:

-وافقت يا جدي.

اشتهى حفيده تذوق السعادة بعد مشقةٍ، وجَلْد، وطول انتظار، وها هو يحظى في نهاية المطاف بجائزته الكبرى، لما لا يفرح وقد استحق ذلك؟ ربت الجد على ظهره ضاحكًا حتى برزت نواجذه، قبل أن يتراجع عنه ليمازحه:

-طبعًا الحضن ده كان لحد تاني مش ليا .............................................. !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السادس والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة