-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثامن والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثامن والعشرون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الثامن والعشرون

 في أقل من دقيقتين، عاد الوضع إلى ما كان عليه، وبدأ أهالي المنطقة في الاحتشاد من جديد، بعد أن تم إحكام السيطرة على الثور الهائج، وتأمين الآخر بشكلٍ يضمن عدم تكرار الأمر معه. لم يدم حوار "تميم" مع "فيروزة" كثيرًا، حيث جاءت "آمنة"، ومن ورائها "همسة" للاطمئنان على الاثنتين، استطردت الأولى قائلة في لوعةٍ، وعيناها تنذران بوعيد للصغيرة "رقية":

-لطفك يا رب، مش أنا منبهة عليكي ماتنزليش من على الرصيف يا بت؟

تدخل "تميم" قائلاً بهدوء، بعد أن اشتدت قبضتي الصغيرة حول رقبته؛ كأنما تنشد حمايته:

-جت سليمة الحمد لله.

كزت "آمنة" على أسنانها هاتفة بتجهمٍ شديد:

-طبعًا، الحمدلله وكل حاجة، بس آ...

قاطعها رافعًا يده في الهواء أمام وجهها، وبنبرة صارمة، لا تقبل بالنقاش:

-خلاص يا حاجة، مش هنزعلها.

تراجعت عن تأنيبها قائلة بابتسامة بدت مصطنعة للغاية:

-اللي تقوله يا معلم.

صــاح صوت أحدهم من الخلف مرددًا:

-يالا يا جماعة، جاهزين عشان ندبح.

اتجهت كل الأنظار نحو الثور المقيد على بُعد عدة أمتار، وحوله عدد لا بأس به من الرجال وأهالي المنطقة. رأى "تميم" ابن خالته يلوح له مناديًا:

-تعالى يا "تميم"، مستنينك.

بادله الإشارة بذراعه الطليق وهو يرد:

-جاي.

أنزل الصغيرة على قدميها، استعدادًا لذهابه، ليتفاجأ بـ "فيروزة" تسأله في غرابةٍ:

-إنت هتدبحه بنفسك؟

نظر إليها بثقةٍ يشوبها التفاخر، قبل أن يجيبها مبتسمًا:

-أيوه.

سألته في تشككٍ دون أن تبعد عينيها عنه:

-هو إنت بتعرف أصلاً؟

رمقها بتلك النظرة الغامضة المليئة بشيء من الاعتداد بالنفس، قبل أن يغادر بغير جوابٍ، عبست "فيروزة" بملامحها، وهمهمت في تبرمٍ –وبنبرة شبه خافتة- وهي تضبط حجاب رأسها، لتلقي بطرفه المتدلي خلف كتفها:

-مردش عليا ليه؟

شتت نظراتها عنه لتدير رأسها نحو الجانب عندما تكلمت "همسة" قائلة بخوفٍ ظاهر عليها:

-تعالوا على جمبك بدل ما يفك منهم تاني ويهرب.

علقت "فيروزة" في استخفافٍ ساخر:

-هيفك إزاي وهما مرقدينه على الأرض؟

دققت النظر في الثور المقيد، وردت مؤيدة إياها:

-صح، بس الحرص واجب.

.....................................................

على مسافةٍ معقولة، وبعد أن تم تجهيز الثور لنحر عنقه، كان "تميم" يقف عند رأسه، منتظرًا الإشارة للبدء، اتجهت أنظاره نحو جده الذي رفع عكازه له، فأخفض الأول يده القابضة على السكين، ليبدأ في ذبحه بخفةٍ وسرعة، وسط تهليل المتجمهرين. انزعجت الصغيرة "رقية" من المشهد، وخبأت رأسها في حضن "فيروزة"، التي كانت مرتكزة بحواسها قبل عينيها عليه، ابتسمت ابتسامة صغيرة وقد وجدت الرد عمليًا على سؤالها، كان خبيرًا في ذبح الأضاحي، كأنما اعتاد ممارسة تلك المهنة منذ فترة طويلة، أو ربما لأنها حديثة العهد بالاهتمام بشئونه، أصبح العادي من تصرفاته مبهرًا لها!

رفرفت بجفنيها في حرجٍ حين أمسك بها تنظر إليه، ومع ذلك لم ترغب في الظهور بمظهر الشابة الخجول، حافظت على ثبات نظراتها نحوه، ولدهشتها لم يحد بعينيه عنها، بل كان يمنحها نفس النظرة الهائمة الساهمة، مما أجبرها في النهاية على إخفاض عينيها، والنظر إلى "رقية"، رأتها متشبثة بها، فمسحت على ظهرها بحنوٍ، وطمأنتها قائلة:

-خلاص يا "كوكي".

نظرت "رقية" بنصف عين إلى الثور الغارق في دمائه، وهتفت في خوفٍ غريزي:

-عايزة أمشي.

تفهمت عزوفها عن المتابعة، وحملتها من خصرها على ذراعها قائلة بلطفٍ:

-ماشي يا حبيبتي، تعالي نقعد في المحل.

استوقفتها "همسة" متسائلة في استغرابٍ:

-مش هتتفرجي ولا إيه؟

أجابتها بإيماءة من رأسها نحو الصغيرة:

-لأ، عشان كوكي.

هزت رأسها متابعة بعد تنهيدة سريعة:

-طيب أنا جاية معاكو، مش قادرة أقف.

عقبت عليها بنوعٍ من النصح:

-المفروض ترتاحي.

تأبطت "همسة" ذراع توأمتها الآخر، وراحت تخبرها في مرحٍ، بما يشبه التحذير:

-أيوه، بس عريسك طلع مش سهل، خدي بالك لتزعليه!

ردت عليها "فيروزة" باستنكارٍ مازح:

-أومال عملتيه عريسي؟

قالت في حماسٍ:

-طبعًا يا بنتي، ده أنا مستنية اليوم اللي أفرح فيه بيكي.

تحولت تعابير "فيروزة" للجدية، وهي تؤكد عليها:

-ماشي، بس أنا قادرة أزعله لو زعلني، أنا مش هينة!

برقت عينا "همسة" في قلقٍ، وهي تتطلعت إلى شقيقتها لتردف بعدها:

-ربنا يستر، شكلها كده هتحصل بينكم معارك لو اتخانقتوا.

ضحكت عاليًا في تلقائية وقد تخيلت المشهد، حين يتجادلان معًا على أمر ما، وهي بطبيعة الحال ليست من ضعاف الشخصية لترضى بالأمر الواقع وتصمت، وهو مثلها، لن يمرر الأمر على خير، حتمًا سينشأ الصدام بينهما، وسيكون البقاء فيه للأقوى! توقفت عن القهقهة لتنطق بعدها بصوت شبه لاهث، وعيناها تدمعان من الفرحة:

-طب يالا بينا.

مكث ثلاثتهن في داخل الدكان غالبية الوقت، وطارت النظرات المداعبة بين الحين والآخر في الهواء بين عصفوري الحب، فتشعل الرغبة في نفس المعذب بطاووسه الأبيض، وتثير التوق في كيان الحائرة بفارس أحلامها المنتظر.

مضى حفل الافتتاح على خير، وعاد الجميع إلى منازلهم، بعد اتفاقٍ مسبق على القدوم لبيت العروس في غضون أسبوع.

.....................................................

أيام ما قبل مجيء أهل العريس إلى المنزل، للتقدم لها رسميًا وخطبتها، جلبت عليها المزيد من الضغوطات، والصدامات الشفهية مع والدتها، فالأخيرة كانت تصر على بقائها في المنزل، والاستعداد كأي فتاة تخوض نفس الظرف السار، من شراء ثوبٍ جديد، زيارة مصففة الشعر، والعناية ببشرتها في أحد مراكز التجميل، بالإضافة إلى تنظيف كامل غرف المنزل وإعداد الصالون لاستقبالهم بالشكل الذي يليق بالحدث.

لكن رغبات أمها لم تتوافق مع شغفها لإنجاح عملها، فكان النقاش بينهما ينتهي بغير خير، ويزيد من المشاحنات وتوتر الأجواء. اقتربت "آمنة" من ابنتها تنهرها في ضيقٍ كبير:

-حتى النهاردة نازلة كمان؟

ربطت "فيروزة" طرفي حجابها الأخضر بمشبكٍ معدني وهي تجيبها:

-أيوه.

استندت والدتها على إطار باب غرفتها تسألها بتعابيرٍ حانقة:

-وهتروحي إمتي للكوافيرة؟

قبل أن تبادر بالرد، كانت "آمنة" الأسبق في التهكم:

-والعريس وأهله هنا في البيت؟

ابتسمت "فيروزة" في برودٍ وهي تعلق عليها:

-ما أنا مش هروح.

شهقت والدتها صائحة في صدمةٍ، وسبابتها تتحرك صعودًا وهبوطًا في الهواء وهي تشير إليها:

-أومال هتقابليه بالمنظر ده؟

بنفس الهدوء المستفز قالت "فيروزة" وهي تغلق زرار ياقة بلوزتها المائلة للاصفرار:

-ما هو عارف شكلي.

هتفت والدتها تنهرها في ضجرٍ بعد أن تقدمت نحوها:

-يا بنتي اهتمي بمظهرك، الناس هتقول إيه؟

ردت غير مبالية وهي تتفقد ما بداخل حقيبة يدها بعد أن انتهت ارتداء كامل ثيابها:

-اطمني، ولا يفرقوا معايا الناس.

استنشقت "آمنة" الهواء بعمقٍ، لتثبط به من نوبة انفعالٍ وشيكة، لتسألها بعدها بترقبٍ:

-طيب جبتي فستان جديد؟

اتجهت عينا "فيروزة" نحو خزانة ثيابها عندما أجابتها باسترسالٍ هادئ:

-لأ، هلبس واحد كان عندي في الدولاب، شكله مناسب.

هنا خرجت عن طور سكونها لتصرخ فيها بتزمتٍ:

-كمان! اعمل فيكي إيه بس يا "فيروزة"؟ إنتي هتجننيني معاكي؟ مش عايزة تسمعي كلامي نهائي.

تجهمت تعبيرات ابنتها، ورمقتها بنظرة مزعوجة وهي ترد:

-في إيه يا ماما؟ إنتي مكبرة الموضوع ليه؟

بحنقٍ متزايد أخبرتها في بساطة:

-ده جواز.

صححت لها بابتسامة صغيرة كادت تضاعف من جنونها:

-لسه خطوبة.

ردت عليها في غيظٍ، والشرر الغاضب ينتفض في حدقتيها:

-ما هو أخرتها جواز، والعريس ده لقطة، مليون واحدة تتمناه، إيه هتضيعيه من إيدك؟

مطت شفتيها معلقة في ثقةٍ، وهي تتجه نحو باب الغرفة:

-لو مش عجباه وأنا كده يشوف غيري، احنا فيها لسه!

ضربت "آمنة" بيديها على فخذيها، كتعبيرٍ عن نقمها من تصرفتها غير المبالية، وصاحت فيها باستياءٍ:

-أنا غلبت معاكي.

تغاضت "فيروزة" عن نوبة حنقها اليومية لتتطلع إلى ابنة خالها التي أمسكت بطرفي ثوبها الذهبي تسألها:

-شكلي حلو؟

رمقتها بنظرة مدققة شملتها من رأسها لأخمص قدميها، فرأته يبرز غالبية ساقيها، وينحصر عند ردفيها بشكلٍ غير مستحب، كما أن تناسق أكتافه لم يكن متماشيًا مع عُرضها، ومع هذا حافظت "فيروزة" على بسمتها وهي ترد:

-عسل أوي يا "كوكي"، يالا غيريه عشان مايتبهدلش.

ركضت الصغيرة إلى الغرفة الأخرى، حينها التفتت إلى والدتها تكلمها في جدية:

-الفستان مش قصير شوية يا ماما؟

ردت عليها "آمنة" بوجهٍ شبه مهموم:

-هي ماشاءالله طولت، ومكونتش واخدة بالي إنه مش هايكون مناسب ليها، في الليلة الكبيرة هاشتريلها واحد جديد، المهم خلينا فيكي إنتي.

عادت "رقية" لتقول في براءة:

-عمتو، مش عارفة أقلع الفستان.

أدارت "آمنة" الصغيرة للناحية الأخرى، لتتمكن من حل أشرطة الثوب المعقودة، بينما خاطبت الطفلة ابنة عمتها:

-أنا هالبس زيك يا "فيرو".

جثت "فيروزة" على ركبتها أمامها، وطبعت قبلة رقيقة على وجنتها، ثم قرصت بيدها خدها الآخر وهي تؤكد لها:

-ما إنتي أحلى عروسة عندنا.

حدجت "آمنة" ابنتها بنظرة صارمة وهي تؤكد عليها:

-متتأخريش.

نظرت إليها "فيروزة" من فوق كتف الصغيرة قائلة بامتعاضٍ:

-طيب.

ثم ودعت الصغيرة قبل أن تنهض واقفة وتخرج من الغرفة، متجهة إلى باب المنزل، بمجرد أن فتحته وجدت توأمتها تصعد الدرجات الأخيرة لتبلغ البسّطة. اتسعت عينا "همسة" في دهشةٍ، وهتفت متسائلة بنبرة ذاهلة:

-إيه ده؟ معقولة إنتي نازلة النهاردة؟

تدلى فكها السفلي في تعجبٍ من استخدامها لنفس أسلوب والدتها، وردت بتذمرٍ:

-في إيه جماعة؟ إنتو مستغربين ليه؟ ده لسه ربط كلام، واتفاقات، مش حاجة يعني مهمة.

جاءها ردها المبرر لاستنكارها:

-أصل اليوم ده بالذات، الواحدة بتبقى مشغولة فيه من صباحية ربنا.

كبتت "فيروزة" ضيقها من تضخيم الأمر، وردت في سخافة:

-الكلام ده لو أنا فاضية للتفاهات دي.

على ما يبدو سمعت والدتها تنمرها الواضح على الأمر، واستهزائها بالمعتاد من تصرفات في مثل هذا اليوم، فصاحت من خلفها في حدةٍ:

-تعالي يا "همسة" لأحسن أختك هترفع ضغطي بعمايلها.

ولجت الأخيرة لداخل المنزل، وقالت مُلطفة:

-سبيها على راحتها يا ماما.

رمقت "فيروزة" والدتها بنظرة غير راضية، لم تتخلَ عن هدوئها وهي ترد بابتسامة متسعة:

-مش أول مرة أتخطب فيها يا ماما، مش لازم نكبر الموضوع.

كادت أن ترد عليها "آمنة"؛ لكنها أسرعت بالخروج وإغلاق الباب خلفها، لتهبط السلم وهي تدمدم بامتعاضٍ، وبصوتٍ مرتفع نسبيًا:

-ما هي جوازة زي أي جوازة والسلام.

لم تتوقع مُطلقًا أن يسمع "تميم" تذمرها الواضح وهو يصعد أول الدرج المؤدي إلى بيتها، حاملاً في يديه علبة حلوى مغلفة، ليقول لها بنبرة أقرب للعتاب، وهو ينظر إليها بعينين تحويان لمحة من الحزن:

-لأ مش زي أي جوازة.

حلت الصدمة على كامل قسماتها، فاندفعت كتلة من الدماء إلى بشرتها، لتلهبها بحمرةٍ حرجة للغاية، تمنت لو كانت قد أطبقت على شفتيها، واحتفظت لنفسها برأيها، فلا تفصح عنه هكذا علنًا، وتتعرض لمثل هذا الموقف المخجل. حمحمت مبررة بما يشبه الاعتذار:

-أنا .. مقصدش، دي زلة لسان، عادي يعني.

أراد أن يكون القادم في نقاشهما إن اختلفا في الرأي قائمًا على الاحترام والتقدير، لا الإجبار والترهيب، لذا سعي تلك المرة أن يكون صارمًا معها لا غاضبًا، حتى تدرك خطئها غير المتعمد في حقه، انقلبت تعابيره الصافية لأخرى منزعجة وهو يرد:

-حصل خير.

ظلت أنظارها عليه وهو يكمل صعوده إلى أن توقف قبل درجتين منها، تفرست في وجهه متسائلة بترددٍ:

-إنت زعلان؟

أكثر ما كان يؤرقه في هذا الموقف، أن يكون قبولها به، مبنيًا على العقل لا المشاعر؛ فحبه العميق لها يستحق أن يحظى بفرصته كاملة، وتدركه بكل جوارحها. تنهد "تميم" بعمقٍ قبل أن يجاوب على سؤالها بآخرٍ موجز؛ لكنه عني الكثير:

-هتفرق؟

ضغطت على شفتيها في ندمٍ، واشتدت قبضتها على يد حقيبتها المعلقة على كتفها، لتنطق بعد هنيهة في تلعثمٍ خفيف:

-صدقني معرفش إنك طالع على السلم.

أسبل عينيه قائلاً في وجومٍ:

-عشان مكتوبلي أعرف رأيك ناحيتي، وإني مش مهم عندك.

هتفت مدافعة على الفور وهي تشير بسبابتها:

-أنا مقولتش كده على الفكرة، الحكاية إن ماما ضاغطة عليا بحاجات كتير، وأنا مش حابة كده، عايزة الأمور تمشي بسلاسة، ده بس والله اللي مخليني متوترة، وبأقول أي كلام من زهقي؛ بس أكيد إنت مهم عندي، وإلا مكونتش وافقت.

جاءت جملتها الأخيرة مُرضية له بشدة، وأبعدت عنه أي هواجس مقلقة، ورغم هذا قرر ألا يبدو لينًا متساهلاً معها، لهذا بدا أسلوبه رسميًا للغاية وهو يعقب عليها:

-خلاص يا أبلة.

رمشت بعينيها تسأله في شكٍ:

-شكلي عكيت الدنيا جامد، صح؟!

صمت ولم يجبها، فبادرت معتذرة بروتينية:

-متزعلش، خلاص.

اغتاظ من أسلوبها الجامد الخالي من اللطف، واستمر في تعامله الجاف معها، بقوله الجاد وهو يمد يديه بالعلبة:

-أنا كنت جايب دول، اتفضلي.

ناولها العلبة كما لو كان يعطي أحدهم قفصًا من الفاكهة، بالكاد نجحت في الإمساك بها قبل أن تسقط من يديها بسبب ثقلها، انزوى ما بين حاجبيها في إنكارٍ مزعوجٍ، كما انفرجت شفتاها عن صدمةٍ غريبة لطريقته شبه الوقحة. هتفت تناديه بتعابيرٍ ضائقة:

-يا معلم "تميم" آ..

تجاهل الإصغاء لها عن عمدٍ، وأولاها ظهره ليهبط الدرج وهو يقول:

-نتقابل بالليل، سلام عليكم.

شيعته بنظراتٍ مليئة بالذهول حتى غاب عن أنظارها، لا تصدق ما حدث للتو، جلست على الدرج موبخة نفسها في حدةٍ:

-أوف، إيه اللي هببته ده؟

انخفضت نظراتها على العلبة المغلقة، كانت الماركة التجارية المحفورة عليها تشير لأشهر محال صنع قوالب الحلوى شهية المذاق، نفخت مجددًا في ضيقٍ أكبر؛ لكن ما لبث أن تحول الزفير إلى شهقة خافتة مصدومة عندما ظهر "تميم" على الدرج من جديد ليخاطبها بملامحه الجامدة:

-معلش، في كلمة محشورة في زوري وعاوز أقولها.

رمقته بنظرة متسائلة، فأجاب بعنجهية ملموسة في نبرته، وهو يصعد السلم ببطءٍ:

-بكرة لما أتجوزك هتعرفي مين هو "تميم سلطان"، وإني مش زي أي حد.

حين بات قريبًا منها، أحنى جذعه للأمام، ليبدو وجهه على بُعد مسافة شبرين من وجهها، اتسعت حدقتاها ذهولاً من قربه الموتر لها، نظر مباشرة في لؤلؤتيها، لتشعر بنظراته تخترقها، أراد مناوشتها، اللعب بأعصابها، لئلا تظن أن العبث معه يسهل تمريره.

رأت "فيروزة" في نظراته التي احتوتها -مع هذا التقارب الجسدي الموتر- شيئًا من العبثية، ضمت شفتيها، وازدرت ريقها، وهي ما تزال تحملق فيه بنفس التعابير المصدومة من جرأته غير المتوقعة. استطرد "تميم" يخاطبها في همس ومعترفًا بقصدٍ، وبنفس النبرة الواثقة، حتى شعرت أنها توقفت عن التنفس في وجوده:

-وبقولك أتجوزك مش نتجوز، عشان أنا عايزك ليا أكتر ما إنتي عاوزاني بمراحل.

منحها قبلة سريعة في الهواء بشفتيه، شعرت على الفور بتأثيرها على بشرتها التي اصطبغت بحمرة ساخنة للغاية، وبالطبع لن تكون غير ملحوظة له! ارتخت تعابيره الجادة، ولانت نظراته نحوها قبل أن يستقيم واقفًا ويهبط الدرج مغادرًا مثلما جاء في خفةٍ. استغرقها الأمر لحظة لتستعيد انتظام أنفاسها المقطوعة، أحست بدقات قلبها تتلاحق في توترٍ أكبر، بلعت ريقًا غير موجودٍ في جوفها وهي تتساءل في غرابة ممتزجة بالدهشة:

-مغرور ده ولا إيه؟

هزت رأسها للجانبين، وهي ما تزال على وضعيتها المدهوشة، لتكمل متسائلة:

-مين يعني "تميم سلطان"؟

أتاها صوته محذرًا من الأسفل:

-أنا سامعك على فكرة، فبلاش نغلط بدل ما أطلعلك!

انتفضت قافزة من مكانها في حرجٍ مضاعف، كادت فيه أن تفقد اتزان علبة الحلوى، متوقعة أن يقوم بشيء متهور، تجمدت للحظات وهي تنظر من فرجة الدرابزين، إلى أن تأكدت من ذهابه، حينئذ استقرت جالسة في مكانها، لتضع يدها على فمها تكتمه، وصوت بعقلها يردد في حيرة لا تخلو من شعورٍ بالمرح:

-هو إيه اللي عمله ده، أنا مالي اتكسفت كده ليه ....................................... ؟!!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة