-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل التاسع والأربعون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل التاسع والأربعون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل التاسع والأربعون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل التاسع والأربعون

مكمن الأسرار الهامة .. جرى في المعتاد أن يكون بداخل غرف النوم؛ حيث تتواجد الخزائن، والأدراج الموصدة، لهذا كانت وجهته منذ البداية محددة، فقط فتش –باستخدام إضاءة كشاف هاتفه المحمول- عن الطريق إلى الحجرة، وجد ضالته بغير مجهودٍ يُذكر، ورغم كون الأثاث مغطى بالملاءات والأغطية البيضاء لئلا تكسوه الأغبِرة، إلا أن المعالم الأساسية لكل قطعة كان بارزًا. فتح "حُسني" الباب، ودار بالإنارة المُركزة على الأركان في مرة سريعة، قبل أن يُعاود الكرة ثانية في تمهلٍ ليحدد موضع الدولاب.

سار ناحيته بخطواتٍ مهرولة، أمسك بأول ضلفةٍ ليفتحها، ولكون الدولاب قديمًا، فقد كان موصدًا بالمفاتيح، جذب اللوح الخشبي في عنفٍ ليتمكن من فتحه؛ لكنه فشل، سلط الضوء على باقي الضلف متوقعًا تواجد مفتاح منسوخ في واحدة منهن؛ لكن دون جدوى! ضغط على أسنانه في غيظٍ، وهسهس لاعنًا:

-إيه النحس ده؟ طب هفتحهم إزاي؟

أعمل عقله بتركيزٍ محاولاً الوصول لحلٍ عاجل يُمكنه من فتح الدولاب، فكر في التفتيش في الأدراج، إذ ربما وضعت المفاتيح بواحدٍ منهم، بدأ مهمة البحث الدقيق، غير مكترثٍ بترك بصماته في الأرجاء، لحسن حظه وجد ما يرغب بالدرج الأخير في تسريحة المرآة، كومة من المفاتيح المطابقة لتلك المستخدمة في الدواليب. التقط الكمية كلها، واتجه عائدًا إلى الدولاب، يجرب واحدًا تلو الآخر إلى أن تمكن من فتح جميع الضلف، وشعوره بالانتشاء يزيد بداخله.

لم يهتم "حُسني" بإعادة كل شيء إلى مكانه، بل بدا أكثر تصميمًا على إظهار تواجده بالشقة. انتقل من رف لآخر يفتش في كل ركنٍ وفي عمق كل زاوية باحثًا عن أيٍ من الأوراق التي تثبت تورط "خليل" في تزوير مستندات تسفير الشباب بصورة غير شرعية، أو أي دليل لأمر غير قانوني قد ارتكبه سابقًا لإدانته، وبالتالي تكون وسيلته في المساومة الجديدة، ومن منطق القوة!

...............................................................

كان في غرفته وحيدًا، مهمومًا، متباعدًا عمن حوله، غير منشغل بالثرثرات الجانبية عن أجواء العرس الذي حضره بلا ذهنٍ أو تركيز. جال بخلد "خليل" أن يكون "حُسني" قد قام بزيارة "حمدية" في محبسها، ولربما عرف منها بعض التفاصيل الدقيقة مما لم يُفصح عنها له، انتقامًا منه، لكونه هجرها بعد جريمتها النكراء، لهذا زارها سرًا دون أن يُعلم أحدهم بهذا الأمر، مستخدمًا التصريح الذي كان بحوزته صبيحة اليوم التالي لتهديده، مدعيًا ذهابه إلى العلاج الفيزيائي.

عاد بذاكرته إلى حيث كان اللقاء، "حمدية" بعباءتها الحمراء، إيذاءً بقرب تنفيذ حُكم الإعدام بها، وهو بعكازيه واقفًا في انتظار قدومها، قابلته بنظرة بها كل كره الدُنيا، وكأنه من استحثها على إلقاء نفسها في التهلكة، وإهدار أرواح الأبرياء ظلمًا وبهتانًا. بدت ملامحها أكثر وجومًا، ونظراتها أكثر عدائية، استطردت تخاطبه قائلة في ازدراءٍ بعد أن تُركت بمفردها معه في تلك الحجرة الرمادية الكئيبة:

-دلوقتي افتكرت تجيلي، وأنا بودع الدنيا؟

حاول الاستقامة في وقفته، وأخبرها بتلعثمٍ:

-إنتي اللي اختــ..رتي يا "حمدية" طـ..ريقك.

صرخت به في عصبيةٍ:

-وأنا عملت كده ليه؟ مش عشان خونتني؟ اتجوزت وعشت حياتك، وحرقت قلبي على نفسي .. ومن بعدها عيالي.

برر مدافعًا عن نفسه بلهجةٍ جاهد أن تكون غير مهتزة:

-أنا مقصــ..رتش معاكي في حاجة، أنا كنت بعامـ..لك بما يرضي الله، كـ..ل اللي كنتي بتـ..عوزيه كنتي بتلاقيه وزيادة.

احتقن وجهها، وتحول لمزيدٍ من الإحمرار وهي ترد عليه:

-ده حقي، وحق ولادي.

رمقها بنظرة متأففة قبل أن يعقب في أسفٍ:

-هتـ..فضلي زي ما إنتي، مش شـ..ايفة إلا نفسك.

لم تتحمل تلك نظرة الإشفاق في عينيه، فقست عيناها أكثر وهي تسأله:

-جاي ليه يا "خليل"؟

صمت ونظر إليها في تمعنٍ، فأكملت صراخها:

-تشمت فيا؟ تشوفني قبل ما رقبتي تتعلق على حبل المشنقة؟

انقلبت تعابيرها بشدة، وتابعت في اتهامٍ صريح:

-ولا تلاقي أختك وبناتها السو موصينك تعمل كده، ما إنتو كلكم بتكرهوني.

دافع عن شقيقته قائلاً:

-هما أحـ..سن منك، رغم ظلمي ليهم سـ..امحوني، وما تغيروش معايا.

هتفت مؤكدة في حرقةٍ متهكمة:

-أه طبعًا، لازم يسامحوك وياخدوك تحت جناحهم عشان يلهفوا كل حاجة في الآخر، ما إنت زي ما أنا شايفة رجليك والقبر.

حدجها بنظرة غير نادمة، وقال بحدةٍ طفيفة:

-أنا كنت مفـ..كرك اتغيرتي، نـ..دمتي على اللي عاملتيه، طالبة السمـ..اح قبل ما تقابلي وجه كريم.

ضحكت في حقدٍ قبل أن تبتر قهقاتها المريضة لتخبره:

-أطلب السماح منك إنت؟

اشتاطت نظراتها على الأخير، وصرخت في تشددٍ:

-لأ، مش هنولهالك يا "خليل".

تلون وجهها ببغضٍ يتضاعف مع كل لحظةٍ وهي تصرح له بشراسةٍ:

-تعرف أنا جزء من ناري برد لما قتلت مراتك، ولو رجع بيا الزمن كنت قتلتها بدل المرة عشرة، والمسخوطة بنتك اللي عايشة في نعيمي وحق ولادي اللي راحوا هدر، لو كنت فضلت برا كنت دبحتهالك، حسرتك عليها.

عجز عن الرد عليها من صدمته، وحاول مجاراتها مرددًا:

-إنتي بني آدمة آ...

لم تعطه الفرصة لإكمال جملته، حيث انقضت عليه، بكل ما فيها من عدائية، شراسة، غضب، تريد الإطباق على عنقه، وخنقه، قست يداها على مجرى تنفسه وهي تتوعده:

-أنا هقتلك إنت كمان، هي موتة ولا أكتر.

باغتته الصدمة، فانتفض مفزوعًا، وترك عكازيه يسقطان على الأرض ليتسببا في إصدار صوتٍ عنيف لافت للأنظار، جاهد لتحرير رقبته منها، انحبست أنفاسه مع زيادة ضغطها المؤلم عليه، بالكاد انفلتت منه استغاثة متحشرجة:

-الحـ..قوني.

مع التطور المتلاحق في أقل من بضعة ثواني تدخل أفراد الأمن لتخليصه من براثنها، وإبعادها عنه، قال أحدهم كأنما ينهرها في غلظةٍ:

-سبيه يا "حمدية"، ابعدي عنه.

وتولت سيدتين تعملان في حراسة سجون النساء تكبيلها؛ لكنها صاحت في جنونٍ وهي تتلوى بجسدها للإفلات من القبضة الأمنية:

-هموته، مش هاسيبه يعيش.

صاح مسئول المكان بلهجته الآمرة:

-خدوها من هنا.

استمرت "حمدية" في صراخها المهتاج وهي تُجر جرًا إلى الخارج:

-هموتك يا "خليل"، هموتك وأقهرك على كل حاجة في حياتك.

ارتخت أطراف زوجها في ذهولٍ، فألقى بثقله على المقعد القديم، محاولاً استجماع شتات نفسه، ولسان حاله يردد:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

استفاق من هذا الشرود القاسي على شعوره بالثقل والضيق الشديدين، أخذ يخاطب نفسه في ندمٍ:

-أنا كنت إزاي معمي كده ومش شايف السواد اللي جواها؟!

من حديثه معها لم يتأكد إن كانت متورطة مع "حُسني" في تحويل حياته إلى جحيمٍ، فظل على وضعه الحائر، والهواجس المخيفة تسيطر على كامل تفكيره.

.......................................................

بكل ما لذ وطاب، امتلأت مائدة السفرة بأصناف الطعام المطهو منزليًا، وكذلك المُعد في أحد المطاعم الشهيرة، ليحظى الزوجان بوجبة عشاء دسمة وسخية في ليلة عرسهما المميزة. بعد أن تذوقا بوادر السعادة والاقتراب الحميمي، جلس كلاهما عند الطاولة، ترأس مقدمتها "سراج"، بينما جلست زوجته على ميمنته، وراحا يتناولان المأكولات باستمتاعٍ لا يخلو من ضحكٍ وملاطفات مرحة، أججت من لهيب الشوق بداخلهما، وعززت من عمق الرغبات بينهما.

أدار "سراج" طبق الدجاج المشوي للجانب، ليتمكن من نزع قطعة من اللحم الشهي بإصبعيه، ثم مد ذراعه نحو زوجته، وقرب اللقيمة من فمها قائلاً بإصرار تشوبه المحبة:

-تعدميني لو مكالتيش اللقمة دي.

أرجعت رأسها للخلف لتتجنب ملامسة الطعام لشفتيها، ورفضت بتهذيب وهي تشير بيدها:

-والله شبعت، مابقتش قادرة.

ألح عليها بعينين تُطالعان إياها في هيام:

-طيب قطمة صغيرة، حتة بس.

استسلمت أمام نظراته السارحة في ملامحها بولهٍ؛ فأشعرها بتأمله الحالم، بأنه يُجالس إحدى ملكات جمال الكون، وقالت في نعومة متدللة:

-دي وخلاص.

فتحت فمها لتأكل اللقيمة من يده، ووجهها يبتسم، فاستطرد معلقًا في تحمسٍ:

-ألف هنا.

انتظرت "هاجر" لأقل من دقيقة حتى مضغت الطعام وبلعته، لتنهض من مقعدها، ويداها تجمعان الصحون المتسخة والفارغة. نظر لها زوجها مدهوشًا، وسألها:

-إنتي هتعملي إيه؟

أجابته في تلقائيةٍ وهي تنظر إليه:

-هلم الأطباق، وأروق السفرة.

نهض بدوره من مقعده، وأرجعه للخلف، ثم أمسك برسغها، ومنعها من إتمام عملها قائلاً بلهجةٍ غير ممازحة:

-لأ سيبي كل حاجة في مكانها، مش عاوزك تعملي حاجة نهائي.

اعترضت عليه بحاجبين معقودين:

-ليه بس؟

سلطت أنظارها على الأطباق المفرودة، وتابعت:

-ده ربع ساعة وهاكون منضفة كل حاجة.

أبعد "سراج" يدها قبل أن تمسك بالصحن، وقال في إصرارٍ:

-النهار ليه عينين، وفي اللي هايجي يريحك.

حاولت المناص من قبضته اللطيفة، وتمسكت برأيها قائلة:

-أنا مبحبش حد غريب يخش بيتي ..

تطلع إليها في تعجبٍ، وهي ما تزال تُخاطبه موضحة أسبابها:

-ده غير الناس لو جت تباركلنا في الصباحية هايقولوا إيه والبيت متبهدل كده؟!!

مسح المكان بنظرة سريعة قبل أن يحتج:

-فين البهدلة بس؟

ردت مشيرة نحو مائدة الطعام:

-هنا أهوو.

ارتفعت يده لتلمس وجنتها في نعومةٍ قبل أن يخفض صوته ليكلمها بصوتٍ أقرب للهمس:

-طب وهما أصلاً مالهومش دعوة باللي بيحصل في بيتنا.

اعترضت في عبوسٍ مصطنع لتكمل:

-يا "سراج" آ...

قاطعها بابتسامةٍ مبتهجة مسبلاً نظراته نحوها:

-عيون "سراج".

حاولت الفرار من أمام موجة مهددة بمشاعرٍ أخرى شغوفة أشعلت فتيل الرغبة بداخلها:

-سيبني بس أخلص.

احتضن كفيها بيديه، وغازلها بغمزةٍ من طرفه:

-أنا عايزك تركزي معايا، وتقوليلي كده، إنتي كل شوية بتحلوي بزيادة، إيه السر؟

التوت رقبتها قليلاً في حياءٍ، وتحاشت النظر إليه قائلة بضحكةٍ خجولة:

-الله! ماتكسفنيش بقى يا "سراج".

امتدت ذراعه لتحاوطها من كتفيها، وأدارها ليسحبها إلى صدره قبل أن يجذبها لتسير في اتجاه العُش الشاهد على ميلاد حبهما:

-أنا كده مش هعرف أسيب البيت وأبعد عنك بالساهل.

ضحكت في نعومةٍ، فصاح مهللاً:

-وربنا أنا أمي دعيالي في ليلة مفترجة.

استمر في توجيهها بتؤدةٍ وهو يمازحها بكلماتٍ موحية، وتلك النظرة المتقدة تبرق في حدقتيه:

-تعالي جوا هاقولك كلمتين إنما إيه حكاية.

اعترضت في دلالٍ:

-طب مش تستنى أما نحلي الأول.

رمقها بتلك النظرة العابثة وهو يهمس لها:

-أحلى وأنا معايا طبق الحلويات كله؟

لكزته في صدره بغير قوةٍ وهي تتدلل عليه:

-يووه عليك، مش هتبطل؟!

غازلها عن قصدٍ وهو يحتويها في أحضانه:

-أنا لسه ببتدي يا "أم العيال".

رفعت حاجبها متسائلة في دهشةٍ لا تخلو من غبطةٍ:

-أوام عملتني "أم العيال"؟

قال مؤكدًا بصدقٍ؛ كأنما لم يرَ سواها أمًا لأبنائه:

-هو أنا أطول.

حيئنذ شعرت بقوة المحبة الطاغية تجتاحها، بالرضا الكبير يملأ صدرها، وكأنها نالت في نهاية صبرها الطويل مكافأة الله لها، لفت ذراعها حول جسده، ودعت له في تنهيدةٍ:

-ربنا يخليك ليا ..

انخفضت نبرتها بشدةٍ وهي تتم جملتها:

-عوض ربنا مالوش زي .. الحمدلله يا رب.

...................................................

اجتمعا بعد أن تفرقا، التقيا بعد أن تباعدا، أصبحا بمرور الأيام أكثر تناغمًا، تفاهمًا، وانسجامًا؛ كأن برعم الحب الناشئ بينهما قد نضج، وأزهرت وريقاته. بات يومها لا يبدأ ولا ينتهي إلا بالحديث معه، ليغدو –بعد طول انتظارٍ- جزءًا أساسيًا من حياتها، لا تريد الاستغناء عنه، تبقى لها خطوة أخيرة، وأكيدة، توطيد هذا القرب بتلاحمٍ جسدي في إطارٍ شرعي، تذوب فيه الأرواح، وتتشكل في كيانٍ متحد. وقفت "فيروزة" عند نافذة غرفتها المضيئة، تداعب بإصبعيها طرف الحجاب المحلول حول رأسها وهي تتأمل الطريق من زاويتها، ارتسمت ابتسامة رقيقة على ثغرها وهي تكمل حديثها بهدوءٍ عبر هاتفها المحمول:

-ما أنا قولتلك مالهاش لازمة الأعدة عند "همسة"، خليها تاخد راحتها في البيت.

خاطبها معترضًا في انزعاجٍ لم تفهمه:

-مجاتش من يوم ولا اتنين يا أبلة.

أخذت تنظر إلى طلاء أظافرها، وانتقلت للحديث عما فعله رفيقه وابنه من مداعبات متجاوزة بعض الشيء، استطاعت أن تسمع صوت ضحكاته المستمتعة وهي تشتكي إليه، فتبدلت نبرتها للعتاب عندما نطقت:

-لولا إنه كان صاحبك مكونتش عديت اللي حصل.

نما إلى مسامعها صوت تنهيداته، فاستمرت تقول:

-ما هو مش حتت ولد صغير يضحك على "كوكي" بحركاته دي.

وقبل أن يُفكر في التبرير حذرته وهي تستند بيدها على حافة إطار النافذة:

-ومتقولش إنهم عيال.

سمعته يتكلم أخيرًا في إيجازٍ بعد صمتٍ غريب:

-حاضر.

بدت وكأنها غير راضية عن رده المقتضب، فعنفته دون أن تسيء إليه:

-بس كده؟ ده ردك، إنت مابتكلمش ليه؟ وتاخد وتدي معايا، قول رأيك، هو أنا غلطانة في ده؟

قال في هدوءٍ:

-لأ.

ظهرت رنة الاحتجاج في صوتها وهي تُعيد عليه سؤالها:

-أومال مش بتقول رأيك ليه؟

أخبرها ببساطة أربكتها في التو:

-لأني عاوز أسمعك وبس.

رغم البهجة التي شعت في روحها جراء جملته الصادقة، إلا أنها استنكرت في نعومةٍ:

-يا سلام؟

أكد عليها بما أنعش قلبها وملأه بدفعة من المشاعر الجياشة:

-طبعًا، أنا لحد دلوقتي مش مصدق إني بكلمك عادي كده، إن بقى بيني وبينك حاجات ومحتاجات.

كان حذرًا في التصريح عن مشاعره؛ لكن مضمونها المُبطن وصل إليه بكلماته التلقائية. على ما يبدو ما قيل لاحقًا من عذب الكلام لم تنتبه إليه، فقد استرعى انتباهها ذلك الظل المتحرك في باحة البناية، ركزت كل نظراتها عليه محاولة تبين ملامحه وسط الظلام السائد، دق قلبها في سرعةٍ تأثرًا بالرهبة المباغتة التي تسربت إليها، انطلق لسانها يتساءل في تحيرٍ مرتاع:

-مش معقول، مين ده؟

من صوتها الخائف توتر "تميم"، وتساءل بلهفةٍ قلقة:

-في إيه؟

جمدت "فيروزة" نظراتها على الوجه المبتسم في شرٍ بعد أن تحرك ليقف في بقعة مضيئة متعمدًا أن تراه، ليُعلم الجميع بوجوده في محيط العائلة، شَخِص بصرها فزعًا، وتصلبت في مكانها مصعوقة. رفع "حُسني" يده ليلوح لها صائحًا بصوتٍ جهوري تقريبًا لتتمكن من سماعه:

-سلام يا قُطة ..

هبط قلبها بين قدميها، وتضاعف شعورها بالرعب وهو يواصل الكلام مؤكدًا لها أنها ليست مرته الأخيرة:

-أنا جاي تاني .. عشان أخد اللي ليا.

فهمت بعبارته الموحية هذه أنه يقصد الصغيرة "رقية"، نظراته الخبيثة وملامحه الدنيئة أصابتها برجفةٍ كلية، لم تتوقف عن متابعته بنظراتها المرعوبة حتى غادر المكان، لتنتبه بعدها لنداء "تميم" من الطرف الآخر في تخوفٍ شديد:

-ردي عليا يا "فيروزة"، في إيه اللي حاصل عندك؟

تداركت نفسها، ولملمت بعثرتها اللحظية أمام هول المفاجأة المفزعة، لتخبره بأنفاس مضطربة وهي بالكاد تحاول السيطرة على نوبة الخوف التي تفشت في أوصالها:

-"تميم" إلحق، خال "رقية" كان نازل من عند بيتنا ........................................... !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل التاسع والأربعون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة