-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الخمسون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخمسون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الخمسون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الخمسون

 كل ما فيها رقيق، ناعم، يدعو للتوق والرغبة، كان بحديثه معها يشبع جزءًا ضئيلاً من مشاعرٍ تُريد أن تتفجر كالعيون من أعماقها، ترك لصوتها مهمة تخدير حواسه، التسلل تحت جلده، وإشباع خلاياه بعذب تنهيداتها، حتى أصبح مدمنًا لكل ما يصدر عنها .. صبر واصطبر، وأطال في انتظاره رغم الشوق الذي يُضنيه، لعَّل الروح –في نهاية السعي- تستكين بساكنها.

التبدل السريع في نبرتها، وما أتبعه من إعلامه برؤيتها لـ "حُسني" جعله يبلغ قمة غضبه وخوفه، انتفض كالمذعور عائدًا إلى داخل غرفته، كان الهاتف ما زال ملتصقًا بأذنه وهو يُخرج من ضلفة دولابه ثيابه ليرتديها على عجالةٍ، أمرها مشددًا وهو يلتقط مفاتيحه كذلك ليدسها في جيب بنطاله:

-اقفلي الباب عليكم كويس، أنا جاي في الطريق.

أتاه صوتها خائفًا وراجيًا:

-حاضر، ماتتأخرش.

وكأن صافرات الإنذار بإعلان الحرب قد انطلقت في الأجواء ليتأهب الجميع ويتخذوا وضعية الدفاع المستميت، خرج "تميم" مهرولاً من غرفته، ليتجه صوب باب المنزل، لم يملك أفضلية الوقت ليقف ويطيل الشرح والتفسير لعائلته عن سبب خروجه المتأخر، ليأتي التبرير لاحقًا. ما إن كان على السلم حتى هاتف "ناجي" بلهجةٍ غليظة قاسية:

-إنت فين يا "ناجي"؟ والرجالة اللي بيأمنوا المكان مش موجودين ليه؟

أجابه في اندهاشٍ:

-كله كان في الفرح يا ريسنا، احنا كنا بنقوم بالواجب وآ...

قاطعه في حدةٍ:

-أهوو اللي كنت خايف منه حصل، والبأف إياه موجود عند الجماعة.

دون إضاعة وقتٍ في فهم التفاصيل أخبره في التو:

-على طول هنكون عندك يا كبير.

جاءه صوته صارخًا أكثر منه آمرًا وهو يهتف به:

-أوام.

أنهى المكالمة وهو يقفز آخر درجتين ليركض في اتجاه سيارته، ظل لسانه يردد في رجاءٍ:

-ربنا يستر، عديها على خير.

لم ينتظر إعادة تسخين المحرك، لتسير السيارة بسلاسة، بل إنه أدارها بخشونةٍ غير مكترث بالزمجرة الصادرة عنها، اشتاطت حدقتاه، واصطبغتا بحمرة غريبة وهو يصر على أسنانه مغمغمًا في هسيسٍ حانق:

-اقسم بالله لو مس حد منهم بشعره، لهخليه يقول حقي برقبتي من اللي هعمله فيه.

................................................

عاد الرعب ليسري في بدنها بعد أن تناست ذلك الشعور .. المطمئن قليلاً وسط هذه المخاوف المستجدة عليها أن هناك من تستند عليه بحقٍ، من أصبح بمواقفه جدارها المنيع، يزود عنها الأهوال بلا ترددٍ. امتثلت "فيروزة" لأوامر "تميم"، وجَرَت نحو باب منزلها لتتأكد من غلقه، أنارت معظم الإضاءة، وحاولت قدر المستطاع أن تغلق كافة النوافذ، وقلبها ما زال ينبض بعنفٍ. على إثر حركتها المستريبة في هذا التوقيت، خرجت "آمنة" من غرفتها تسألها وهي شبه ناعسة:

-في إيه يا "فيروزة"؟ ليه الدوشة دي؟

بصوتٍ خافت عكس رجفتها قالت:

-خال "رقية" كان موجود هنا.

شهقت لاطمة على صدرها قبل أن تسألها في جزعٍ وهي تدور ببصرها في المكان:

-هنا فين؟

هزت كتفيها قائلة وهي تشير بيدها:

-معرفش، بس أنا شوفته خارج من باب العمارة.

لطمت مرة ثانية على صدرها وهي تولول بتوجسٍ أشد:

-يا نصيبتي، لأحسن يكون ناوي على نصيبة.

نظرت إليها نظرة مرتاعة مثلها، في حين تابعت "آمنة" متسائلة بنفس الصوت المفزوع:

-طب والعمل إيه؟ ده جايز يكون متفق مع شوية عصبجية يأذونا ولا آ...

قاطعتها وهي تطبق على جفنيها محاولة ألا ينساق تفكيرها للأسوأ:

-هو مشى أصلاً.

هتفت والدتها تأمرها في نفس النبرة الملتاعة:

-كلمي أختك قوليلها.

علقت في استنكارٍ:

-السعادي؟ هقلقها معانا يعني؟ تفتكري هتسيب بيتها وتجيلنا دلوقتي تشوف حل؟

لوت ثغرها مرددة في تحير لا يخلو من خوف:

-يعني هنتصرف إزاي؟ ده شكله مش ناوي يجيبها لبر.

ظهر التردد على محياها إلى حدٍ ما وهي تخبرها:

-أنا كلمت "تميم" وهو جاي في الطريق.

على ما يبدو لم تلحظ خجلها من اللجوء إليه، وعقبت في استحسانٍ:

-كويس .. بس لازمًا نصحي خالك ونقوله.

هزت رأسها توافقها الرأي:

-ماشي.

استدارت "آمنة" متجهة نحو الرواق لتسرع الخطى وهي تكلم نفسها:

-استرها معانا يا رب، ده احنا غلابة.

.........................................................

النظرة المتألقة في عينيها ناحيته في هذه اللحظة، كانت تحوي كل ما تمناه يومًا معها، وإن لم يرها فعليًا تنظر إليه، فقط لو استدار وأبصر ما يضمره القلب بحق، لتناسى هموم الدنيا وأثقالها. انشغل "تميم" مع من جاءوا معه لفحص شقة خالها بتدقيق، وليتأكد أيضًا من تأمين البناية، بعد التقصير الملحوظ في حماية الأغلى إليه. غادر رجاله الصالة، وتجمعوا بالأسفل في انتظار جديد أوامره، بينما بقي في موضعه يفكر بعمقٍ في الدوافع التي جعلت "حُسني" يقوم بتلك الخطوة الجريئة رغم تهديده الصريح له. التفت نحو "فيروزة" أولاً ليرى في عينها نظرة سلبت لبه، وجعلته طامعًا في المزيد، نظرةٌ لم يشبع منها بعد، بصعوبة توقف عن تحديقه كالمبهور فيها ليتكلم موجهًا أسئلته لوالدتها وشقيقها:

-مافيش حاجة ناقصة؟ إنتو متأكدين؟

أجابت "آمنة" بإيماءةٍ من رأسها:

-أيوه، الحاجات المهمة كنت طلعت لميتها وسيبتها تحت عندنا.

أيدها "خليل" قائلاً كذلك:

-حتى الدهـ..ب، شايله في الدولاب جوا شكمـ..جية بقفـ..ل.

تساءل "تميم" في تحيرٍ أكبر وهو يمرر يده أعلى رأسه:

-يبقى كان جاي ليه؟

قالت "فيروزة" بنوعٍ من التخمين، وقد انعقد حاجباها:

-ممكن حركة يخوفنا بيها، أو كان عاوز يشوف سكة يعرف ياخد بيها "كوكي".

استبعد حدوث الأمر مفسرًا:

-ماظنش، لأنه مش هيورط نفسه في حاجة ممكن تتاخد قانونيًا ضده، وخصوصًا إن "رقية" حضانتها مع أبوها، ولو بفرض قدم ورق إنه مش قادر على رعايتها عمتها موجودة.

اندهشت "فيروزة" لتحليله المستفيض، وسألته بدافع فضولي متنامي بداخلها:

-إنت عرفت الكلام ده منين؟

منحها نظرة كاملة وهو يجيبها بثقةٍ:

-سألت المحامي عشان أطمن.

تضاعفت التساؤلات في عقلها، ولم تمنع نفسها من الإفصاح عن أحدهم:

-وإيه اللي يخليك تعمل كده؟

كان رده تلقائيًا غير مراوغٍ:

-بعد ما قعدت مع خالك كنت محتاج أعرف كام حاجة كده.

باغتها اعترافه، وتساءلت في استهجانٍ؛ كأنما لم تبدُ راضية عن قدومه في غيابها:

-هو إنتو اتقابلتوا وأنا معرفش؟

رأى تعبيراتها المزعوجة، فاسترعى ذلك انتباهه، أحقًا استاءت لعدم لقائها به؟ شعر بالنشوة تغمره لمجرد الفكرة، فاستطرد ملطفًا:

-دي دردشة عادية.

لم يكن الوقت مناسبًا لنشوب أي جدالٍ، لهذا تجاوزت عنه مرغمة، وقالت بتعابير منقلبة نسبيًا:

-أوكي.

بقيت أنظاره عليها للحظاتٍ إلى أن قطعت تأمله السارح فيها "آمنة" بسؤالها:

-طب المفروض نعمل إيه دلوقتي؟ نبلغ البوليس ولا آ...

قاطعها بحزمٍ قبل أن تنهي جملتها:

-هتقولوله إيه؟

نظروا إلى بعضهم البعض بنظراتٍ حائرة، فتابع كلامه المنطقي:

-ده غير إن مافيش شهود تثبت إنه اقتحم الشقة، لأن معظم الحاجة زي ما هي في مكانها، يعني غرضه يدور على حاجة معينة، وملقهاش.

هتفت "فيروزة" متسائلة في تحفزٍ:

-يعني هنسيبه؟

ركز عينيه عليها قائلاً بوجهٍ جاد:

-لأ طبعًا، ليه حسابه.

اقترحت "آمنة" في ترددٍ وهي تشير بيدها:

-طب ما نتكلم معاه ونشوف غرضه.

أدار رأسه في اتجاهها، وأخبرها بلهجةٍ لم تسترح لها "فيروزة"، حيث استشعرت خلالها نية مُبيّتة على القيام ضده بأمرٍ خطير:

-هيحصل.

......................................................

اشتعل صدره ولم يهدأ، وزادته نيران النارجيلة التهابًا، نفث الدخان في عصبيةٍ، وراح يشد نفسًا آخرًا يؤجج به الألسنة المندلعة بين ضلوعه، ظهرت حمرة الغيظ في عينيه، وامتزجت بغضبٍ لا يهدأ. راقبه زميله الجالس معه على المقهى الشعبي بنظراتٍ شبه ساخرة، قبل أن يهزأ منه علنًا:

-يعني زي ما روحت زي ما جيت؟

كز "حُسني" على أسنانه قائلاً باقتضاب متجهم:

-أيوه.

تكلم زميله في جديةٍ:

-وليه اللف والدوران ده كله؟ ما تطلب اللي إنت عاوزه وش.

استخف باقتراحه البسيط معلقًا بوجومٍ حانق:

-من غير ما يكون معايا حاجة أمسك رقبته بيها، ويكون تحت رحمتي؟!!

أخبره في نفس الهدوء المناقض لغضبه المتعصب:

-مش معاك باقي وصولات الأمانة؟

هز رأسه موضحًا، وخرطوم النارجيلة بين شفتيه:

-أيوه، بس سهل يدفعهم، مالهومش قيمة أد كده دلوقتي.

اقترح عليه في خبثٍ:

-طب ما تلعبه بالحيلة؟

انزوى ما بين حاجبيه في حيرةٍ وهو يسأله مستفسرًا:

-إزاي؟ مش فاهمك!

برزت ابتسامة شيطانية على محياه وهو يمتدح دهائه:

-أنا بردك اللي هفهمك؟ ده إنت أستاذ في اللعب بالبيضة والحجر.

زجره في صبرٍ نافذ:

-ياض أنا مخي مقفل دلوقتي مش فايق أفكر، ولا أقرى عُقب الحكاية.

حرك رأسه بإيماءة صغيرة قبل أن يميل ناحيته ليخاطبه على مهلٍ:

-ساومه، فهمه إن معاك اللي أهم من الوصولات، واشتري منه وماتبعش.

سأله ليتأكد مما استنبطه منه:

-يعني أقول معايا ورق مش موجود أصلاً؟

رد مؤكدًا ببسمة صغيرة واثقة:

-أيوه، بس اتكلم بقلب كده، حسسه إنه رايح في داهية وجُر رجله لحتتك، ساعتها هتلاقيه بقى زي الكتكوت المبلول.

على ما يبدو لاقت الفكرة غير المتكلفة استحسانه، فاسترخى في مقعده، وغاص فيه قائلاً وهو يلامس بالخرطوم شفته السفلى:

-طيب سيبني أمخمخ كده وأسويها في دماغي.

أمسك زميله بكوب شايه ليرتشف الجزء الأخير الباقي منه، رفعه إلى فمه مرددًا في غرورٍ واضح:

-سويها لحد ما تستوي .. وادعيلي.

.......................................................

استدعاء النوم في تلك الليلة، وبعد تلك التجربة الانفعالية، كان أمرًا مستبعدًا بالنسبة لها، تقلبت على جانبيها في سريرها كل بضعة دقائق، سحبت الغطاء أعلى رأسها لتمنح نفسها المزيد من الظلام، إلا أنها ظلت أبعد ما يكون عن الغفلة .. وبالرغم من يقينها بأنه لم يتركها بمفردها، ووضعه رجالاً حول محيط المنزل لمراقبته جيدًا، إلا أن رهبتها كانت تتجدد بين الفنية والأخرى بداخلها.

كان كمن يشعر بها، صدح رنين هاتفها، وشق السكون السائد في غرفتها، فانتفضت معتدلة بعد أن أزاحت الغطاء عنها، لتمد ذراعها وتلتقطه من على الكومود، ابتسامة سعيدة ارتسمت على محياها مع قراءتها للقب "المعلم" الذي يحتل شاشتها. استهلت حديثها في صيغة تساؤلية بعد ضغطة سريعة على زر الإيجاب:

-إنت لسه صاحي؟

تنهيدة عميقة التقطتها أذنها قبل أن يخبرها صراحةً:

-وهايجلي نوم إزاي بعد اللي حصل؟

أراحت "فيروزة" ظهرها على الوسادة، وأمسكت بخصلة من شعرها المهوش تلفه على إصبعها وهي تتساءل في صوتٍ مُرقق:

-إنت خايف عليا؟

اعترف لها بما نفذ إلى قلبها، وجعله ينتفض في ابتهاجٍ:

-إن مكونتش هخاف عليكي، هخاف على مين؟

صمتت كأنما تستمتع بتأثير كلماته على خلاياها الحسية، فتنقلها إلى عوالمٍ وردية، تشكلت في الفراغ من حولها، حيث تماوجت فيها الأحلام وازدهرت، أغمضت عينيها ليكتمل هذا الشعور الدافئ الباعث على الراحة والسرور، لم تشعر باستطالة سكوتها، فانتبهت لصوته المتساءل في جدية:

-إنتي كويسة؟

لم تخبت هذه الابتسامة الراقية عن وجهها وهي تعترف له بصوتٍ أقرب للهمس الناعم:

-بقيت أحسن دلوقتي.

وصله شعورها رغم عدم رؤيته لها، فقال كأنما يداعب وجدانها:

-ده عندي كفاية.

لوهلةٍ أحست بالندم لإرجائها تأجيل عقد القران، أليس من حق هذا القلب المتعب أن يستريح من الهموم التي تثقله؟ لماذا كل هذا التردد وهي متأكدة مما تكنه له؟ حتى في جلساتها الأخيرة مع طبيبتها "ريم" كانت لا تتوقف عن الحديث عنه، تأتي على ذكره في كل شاردة وواردة، لم ينقصها سوى إطلاق العنان لدفعة المشاعر المقيدة لتحلق في فضاء البهاء والهناء. مرة أخرى انتشلها "تميم" من شرودها اللحظي متسائلاً:

-مالك؟ ساكتة ليه يا .. أبلة؟

التردد الظاهر في نبرته وهو ينطق حروف لقبها جعلها تتحفز، فسألته في جديةٍ:

-هو إنت مش عاوز تقول اسمي ليه؟ على طول بتناديني أبلة .. وأنا بقولك يا معلم!

سكت لبرهةٍ كأن الكلمات تاهت منه، لم تتعجل جوابه، وشاركته الصمت، لينطق أخيرًا بحذر:

-إن كان عليا عاوز أناديكي بيه ليل نهار، بس الرك عليكي توافقي.

فهمت ما يرمي إليه مع ختام عبارته، فتنهدت بصوتٍ مسموع، وقالت بما بدا موحيًا له:

-جايز ربنا ييسرها قريب.

هتف في شوقٍ غارق في اللهفة:

-يـــــا ريت.

ادعت تثاؤبها وهي ما تزال تبتسم، ثم استطردت متهربة منه:

-هنام بقى، عاوز حاجة مني؟

اعترفت شفتاه بما ترجوه الروح، والنفس:

-عاوزك إنتي.

دق قلبها في ربكةٍ، وقد كسا بشرتها حمرة ساخنة، استجمعت شتاتها الذي تبعثر مع وَجْده الثائر لتردد بتلعثمٍ خجول:

-تصبح على خير.

أنهت الاتصال في التو، قبل أن تسمعه يقول بكل ما ملأ قلبه من رجاوات لا تفرغ:

-تصبحي وإنت معايا وويايا.

.........................................................

تهيأت لأداء صلاة الفجر قبل أن يبزغ خيط النهار الأول؛ لكن هذا الشعور الخانق، الجاثم على صدرها، منعها من التركيز، بالكاد انتهت من فرضها في الصالة، لتنهض بتثاقلٍ من على المصطبة، وسارت الهوينى في اتجاه الممر الصغير المؤدي إلى غرفة زوجها الذي ما زال حبيس جدرانها. دقت عليه الباب، ونادته وهي تدير المقبض لتفتحه:

-يا حاج "إسماعيل"! الفجر هيروح عليك.

كان موصدًا من الداخل، فانتظرت لهنيهة حتى يُجيبها؛ لكن لا شيء .. لا شيء مُطلقًا! ألصقت أذنها بالباب، وواصلت الطرق، وهي لا تزال تُلح عليه:

-إنت متعودتش تتأخر على فرض ربنا مهما حصل.

وقفت في مكانها مُتحيرة، ثم كررت عليه بإلحاحٍ:

-يا حاج "إسماعيل"، خصيمك النبي لتطلع.

تابعت دقاتها المزعجة على الباب دون كللٍ، مما اضطر ابنها للنهوض عن فراشه ليعنفها في جحودٍ:

-إيه يامه الدوشة دي؟ هتهدي البيت؟

نظرت له شزرًا، وقالت في عبوسٍ:

-بشوف أبوك، ولا ده كمان بقى مضايقك؟

علق في سخطٍ صارخ وهو يدعك وجهه الناعس:

-مش بالشكل ده، إيه! مش عارف أنام!

عاتبته في استياءٍ مستنكر:

-يعني مش كفاية إنه حابس نفسه في الأوضة من ساعة النصيبة اللي عملتها فيه، كمان مستخسر أشأر عليه؟

برر لها فعلته النكراء بسماجةٍ غير نادمة مُطلقًا:

-أنا عملت اللي فيه مصلحته ومصلحتي، وربنا عالم نيتي إيه!

كلماته الأخيرة كانت تهكمية أكثر منها بلاغية، فغمغمت معقبة في ازدراءٍ وهي ترمقه بنظرة متحسرة:

-أيوه، صح .. نيتك الحلوة.

حدجها بنظرة جوفاء، لا تحوي أدنى مشاعر المحبة لأبوين جاهدا لتربيته، ثم استدار مغادرًا مكانه، استوقفته "سعاد" هاتفة في صدمةٍ ذاهلة:

-إنت هتروح تنام؟ ما تخش تكلم أبوك وتحِب على راسه.

لم يلتفت ناحيتها عندما رد:

-مش دلوقتي.

صاحت به مغتاظة وقد انتفضت عروقها في حنقٍ:

-يا "فضل" راضي أبوك بكلمتين، إنت قهرته بعملتلك.

نفخ عاليًا، واستدار ليواجهها وهو يهسهس في قنوطٍ:

-يووه يامه، طيرتي النوم من عيني.

هتفت في عصبيةٍ:

-ما يطير ولا يروح في داهية، ده أبوك، واللي عملته فيه مش هيعدهولك بالساهل!!

ثرثرتها غير المجدية كانت كالصداع في رأسه، ليهرب من إلحاحها، أطبق بيده على المقبض، وهزه بعنفٍ ليفتحه وهو يقول في زمجرةٍ:

-لو عاوزة تفتحي الباب أهوو.

راح يدفع الكتلة الخشبية بكل غلٍ وغضب وقوة لبضعة مرات، إلى أن تمكن من انتزاع القفل من مكانه، فانفتح الباب على مصراعيه، ولجت "سعاد" بعدها في خطواتٍ متلهفة وهي تنادي:

-حاج "إسماعيل"!

وقف "فضل" عند عتبة الغرفة الفارقة بين الدخول والخروج، حائرًا في الإقدام أو الانسحاب، حك رأسه بأظافره، حسم أمره بالذهاب، فليس في مزاج يسمح له بتحمل توبيخات لاذعة، هم بالاستدارة والابتعاد؛ لكن صراخ والدته الفزع وهي تنادي على أبيه جمده في موضع قدميه:

-قوم يا حاج، رد عليا.

ببطءٍ وجل استدار ليواجهها، فوجدها منكفأة على جسد والده تهزه في عنفٍ، وهي لا تزال تصرخ به:

-يا حاج "إسماعيل"! جرالك إيه؟ رد عليا يا حاج.

هوى قلبه بين قدميه في صدمةٍ أولية، وتوقف عن التنفس للحظةٍ وهو يجبر عقله على استيعاب الموقف المريب وتفسيره، صراخ "سعاد" المفطور جعله يتدارك حقيقة ما يحدث، خاصة عندما ولولت:

-أبوك مابينطقش يا "فضل"، أبوك مــــات .............................................. !!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل االخمسون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة