-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل التاسع والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية كاملة جديدة للكاتب عمرو عبدالحميد والمليئة بلإثارة والغرائب والخيال فتابعونا علي موقعنا قصص 26 و موعدنا اليوم مع الفصل التاسع والعشرون من رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد

رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل التاسع والعشرون

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية
رواية أرض زيكولا

رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل التاسع والعشرون

مر الوقت واقتربت الشمس من تعامدها ظهرا على الأرض، واجتمعت الألوف من أهالي زيكولا بساحة كبيرة بالمنطقة الوسطى، واصطفوا أمام منصّة خشبية عالية وأخذوا يرقصون ، ويغنون ، وينشدون الأهازيج، وحمل الكثيرون منهم أطفالهم فوق أكتافهم حتى أشار أحدهم إلى طفله: انظر.. إنها الزيكولا..
وأشار إلى المنصة حين قام مجموعة من الجنود بإزاحة قطعة قماشية كبيرة.. كانت تخفي أسفلها عمو دين خشبيّين سميكين ومتوازيين، ويصل طول كل منهما إلى ثلاثة أمتار، وبينهما قرص خشبي دائري يصل قطره إلى ما يقارب مترا واحدا وتبرز منه ثلاثة أسهم طويلة، وتظهر من خلفه تروس حديدية تتباين أحجامها ويزداد لمعانها تحت آشعة الشمس، وبجوار تلك الآلة يقف رجل ضخم حليق الرأس، لا يرتدي سوى سروالٍ واسعٍ ، وتبرز عضلاته القوية وذراعه الضخم الذي يمسك بذراع حديدي امتد من أحد العمودين الخشبيّين للزيكولا، ويمسك ذراعه الآخر بذراع خشبي أقل طولا، ويتصل مباشرة بشريط يخرج من القرص الخشبي.. حتى صاح الجميع حين دقت الطبول وظهر الحاكم بشرفة قصره.. تجاوره زوجته وعلى ذراعيها رضيعها، وتجاورهما أسيل، والتي وقفت واجمة والقلق ينبعث من عينيها.. ثم جلسوا جميعًا ينتظرون بدء المنافسة..
الجميع ينتظرون.. الجميع يتراقصون ، وأسيل تنتظر أن ترى خالدا.. يدق قلبها بقوة.. تنظر إلى السماء مجددًا، وتتحرك شفتاها متمتمة بهمسات غير مسموعة.. حتى وجدت الجنود يحملون التماثيل الثلاثة، ويصعدون بها إلى المنصّة الخشبية ويسير من خلفهم خالد ومن معه فتسارعت أنفاسها، وهللت الألوف المتواجدة حين وجدوهم يصعدون المنصة.. بعدها التفت قائد الحرس إلى شرفة قصر الحاكم، وانحنى إليه فأشار إليه بأن تبدأ المنافسة، فالتفت إلى خالد والفقيرين معه.. ثم أشار إلى أحد الفقيرين: ستبدأ أنت.. أين ستضع دروعك الثلاثة؟
فنظر إليه الفقير في صمت.. ثم تقدم بعدما فكت قيوده ونظر إلى الزيكولا ثم التفت إلى تمثاله ونطق: سأحمي ذراع تمثالي الأيمن من أعلى وفخذ تمثالي الأيسر وأسفل بطنه..
فصاح قائد الحرس بأحد جنوده: ضع دروعه كما أراد..
فوضع الجندي دروعًا حديدة صغيرة تلائم الأماكن التي أرادها الفقير.. ثم حمل التمثال ومعه جندي آخر إلى أمام الزيكولا.. لا تفصلهما إلا أمتار قليلة.. صمتت الأهازيج، وصمت من يتواجدون ، وكأن أنفاسهم قد حُبست
ثم نطق قائد الحرس إلى الفقي :سينطلق كل سهم من سهامك الثلاثة حين تشير إلى حارس الزيكولا..
فرد الفقير بصوت واهن: حسنا..
ثم أشار القائد إلى الرجل الضخم الذي يمسك بذراع الزيكولا الحديدي بأن يحرك
أحد ذراعيها..
ًفابتسم الرجل مبرزا أسنانه الصفراء الكبيرة.. وجذب الذراع الحديدي نحوه فبدأت التروس الحديدية تتحرك ببطء وتسرع من حركتها شيئا فشيئا، وتحرّك معها القرص الخشبي وما عليه من سهام، ثم زادت سرعته كثيرا وأصبح يدور دون أن تظهر سهامه.. يدور حول نفسه ثم يتنقل بين العمودين الخشبيّين في حركة عشوائية خاطفة لا يستطيع أحد توقعها وخالد ينظر إليه وقلبه يدق بقوة
ويحدث نفسه : مستحيل أن أحدد اتجاه السهام..
حتى أشار الفقير الأول إلى حارس الزيكولا فجذب الرجل الذراع الخشبي القصير على الفور .. فانطلق السهم الأول نحو تمثاله فأصاب عنق التمثال.. فصاح الحضور ثم أكمل القرص دورانه، وبعد لحظات أشار الفقير مجددًا إلى الحارس فانطلق السهم الثاني فاخترق ذراعه الأيسر، فصاح الناس مجددًا وظهر التوتر على وجه الفقير، ونظر إلى الزيكولا كثيرا وإلى قرصها الذي يدور .. ثم أشار إلى الحارس من جديد فانطلق سهمه الأخير فاصطدم بدرعه الحديدي فوق أسفل بطن تمثاله.. فزاد صياح أهالي زيكولا، ودُقت الطبول وابتسم الفقير قليلا بعدما لم يصب تمثاله سوى سهمين.. ثم أشار قائد الحراس إلى الفقير الآخر: هيا تقدم لتحمي تمثالك..
فتقدم هو الآخر، وفعل مثلما فعل الفقير الأول ، وكلما أشار إلى حارس الزيكولا صاح الناس.. حتى انتهى من سهامه الثلاثة، ولم يصب تمثاله إلا سهم واحد اخترق بطنه السفلى، ورقص فرحًا مع دقات الطبول بعدما أيقن أنه قد نجا بذلك.. ثم أشار قائد الحرس إلى خالد: هيا لم يعد سواك.. إما أن تنجو بألا يصيب تمثالك سهام أو يصيبه سهم واحد.. أو يصيبك سهمان فتعاد المنافسة بينك وبينه.. وأشار إلى الفقير الاول .. أما غير ذلك فستكون ذبيح غد.. فتقدم خالد نحو تمثاله، ووقف أمامه دون أن يفعل شيئا..
فصاح به القائد : أسرع ..
فنظر خالد إلى قرص الزيكولا، والذي زرعت به السهام من جديد.. ثم نظر عاليًا إلى شرفة قصر الحاكم حيث تجلس أسيل.. بعدها نظر إلى تمثاله، وأغمض عينيه، وتمتم بآيات قرآنية ثم فتحهما
ونظر إلى القائد: أريد أن أضع دروعي كي تحمي صدر تمثالي، وعضد ذراعه الأيسر.. ثم صمت مجددًا ونظر إلى الزيكولا ثم التفت إلى تمثاله وأكمل: وأريد أن أحمي رأس تمثالي..
فأشار القائد إلى جنوده بأن ينقلوا تمثاله أمام الزيكولا، وأن يضعوا دروعه مثلما أراد.. ثم أمر حارس الزيكولا بأن يبدأ دوران قرصها.. فبدأت التروس تتحرك من جديد، وخالد يراقب القرص الذي يدور مسرعًا ويتحرك بين العمودين الخشبيّين.. حتى سمى الله ثم أشار إليه فانطلق السهم الأول فصاح الجميع حين أصاب فخذ تمثاله الأيمن.. فدق قلبه بقوة ودق قلب أسيل وانتفض وكأنها تسمع دقاته والقرص يواصل دورانه، وخالد لا يعلم ماذا يصنع.. لا يرى تلك السهام بالقرص، وأيهما سينطلق.. ثم أشار إلى الحارس مجددًا فانطلق السهم الثاني فأصاب فخذه الأيمن مرة أخرى .. فأمسك برأسه وحدث نفسه وكأن أنفاسه تقطعت: تمالك يا خالد.. تمالك.. عليك أن تفكر قليلا.. لم يعد سوى سهم واحد.. اما تعاد المنافسة.. وإما إن تكون ذبيح غد..
أسيل وتحدث نفسها: تمالك يا خالد.. تمالك..
ثم نظر إلى القرص مجددًا والجميع أنفاسهم محتبسة.. ينتظرون إشارته الأخيرة وحارس الزيكولا يبتسم، ويتأهّب كي يجذب ذراعها ومازالت عينا خالد تتحرك مسرعة بين قرص الزيكولا وبين تمثاله الواقف أمامه، وأسيل تتمتم وتتحرك شفتاها في توتر، وتلمع عيناها بالدموع.. حتى إنها لم تستطع أن تواصل جلوسها ونهضت لتقف مكانها، وأغمضت عينيها بعدما وجدته يشير إلى حارس الزيكولا بأن يطلق سهمه الأخير ..
أشار خالد إلى حارس الزيكولا بأن يطلق سهمه الأخير.. واحتبست أنفاسه حين بدأت يد الحارس تجذب ذراع الزيكولا، حتى انطلق السهم الثالث فأصاب فخذ تمثاله الأيمن مرة أخرى .. فصاحت الألوف المتواجدة بأنه ذبيح زيكولا ودقت الطبول من جديد وقد اختلفت دقاتها عما قبل المنافسة وخالد ينظر إلى تمثاله في ذهول واحمر وجهه وزاد العرق على جبينه ثم نظر إلى من يرقصون ويحتفلون وكأنه لا يصدق نفسه.. تتسارع أنفاسه ويدق قلبه بقوة ويضع يده حول رقبته يتحسسها وكأنها في كابوس يود أن ينتهي منه أما أسيل فغادرت شرفة الحاكم على الفور بعدما لم يستطع خالد النجاة من الزيكولا وقد أثار مغادرتها فجأة دهشه الحاكم وزوجته
أسرعت إلى حجرتها تحدث نفسها :لو وضعت دروعك لتحمي فخذ تمثالك الأيمن
لنجوت.. ماذا أفعل؟.. سيُذبح غدا..
ودموعها على وجهها، وتسرع وعقلها لا يتوقف عن التفكير وتتحدث الى نفسها مجددًا بصوت مسموع :أنا من سبّب كل هذا..
أنا من أخبرته عن مكان رأس المثلث.. أنا من تركته يدفع من وحداته الكثير دفعة واحدة دون أن أوقفه.. كان لي الحق أن أعترض على ذلك.. أنا من دفعت به إلى الزيكولا..
ثم دلفت إلى حجرتها، وما زالت تصيح إلى نفسها: ماذا أفعل؟ .. ماذا أفعل؟ .. سيذبح من أحبه غدا.. ثم وضعت رأسها بين يديها، وصمتت وكأن أصابها الهدوء..
أصبح الطريق الممهد بين المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية مزدحمًا بالكثير من العربات والأحصنة والمشاة من أهالي زيكولا بعدما بدأ الكثيرون منهم ينتقلون إلى المنطقة الشرقية حيث أرض الاحتفال، وبينهم عربة بها خالد مُكبل اليدين والقدمين وأمامه قائد حرس الحاكم
والذي نظر إلى خالد وقال :ستبيت الليلة ببيت فقراء المنطقة الشرقية ..
فلم يرد خالد وظل صامتا فأكمل القائد :عليك أن تسعد بما أنت به.. ستموت فداءً لمولود الحاكم.. ترى كم ستجلب السعادة لكل هؤلاء الأشخاص ..
وأشار إلى خارج العربة، وصمت ثم أكمل بعد لحظات: أترى ذلك الزحام؟ .. إنه ليس الزحام الأكبر.. إن الكثيرين لم يحضروا الزيكولا اليوم.. هناك من خرجوا بعد فتح باب زيكولا.. ولكن مع شروق شمس غد سيُغلق بابها، وسترى كم من أهل زيكولا سيحتفلون معك بيوم عيدنا..
فصاح به خالد غاضبًا :أريدك أن تصمت.. أريدك أن تصمت..
فضهر الغضب على وجه قائد الحرس وتقوّس حاجباه ثم صمت، وتابع خالد نظره عبر نافذة العربة ..
مرّ الوقت، ووصلت العربة إلى المنطقة الشرقية مع غروب الشمس ومرت أمام البحيرة التي طالما مكث خالد على شاطئها ثم أسرعت بأحد شوارع تلك المنطقة وتوقفت أمام بيت يتواجد أمامه الكثير من الجنود فنظر القائد إلى خالد في غلظة: هيا.. لقد وصلنا بيت الفقير..
مازالت أسيل بحجرتها بقصر الحاكم.. تجلس على أرضية الحجرة مسندة ظهرها إلى الحائط، وتنظر إلى أوراق خالد أمامها حتى نهضت وأحضرت ورقة جديدة وأمسكت بقلمها وأزادت من إضاءة المصباح الناري وكتبت: سيموت من أحبه غدا.. وأنا من سيحتفل ..
ثم توقفت يدها عن الكتابة ونظرت إلى ما كتبته فمزقت الورقة ثم نهضت لتتحرك جيئة وذهابًا والتوتر يكسو وجهها حتى نظرت خارج شرفتها فوجدت الظلام قد حل وبدأت الألعاب النارية تضيء سماء زيكولا، ثم سمعت صوت وصيفتها يأتيها من الخارج : سيدتي.. سيدي الحاكم يسألك إن كنت تودين الذهاب ضمن موكبه غدا إلى
المنطقة الشرقية..
فلم تجبها ثم حملت أوراق خالد وأوراقا أخرى معها، وهمت لمغادرة الحجرة..
زجّ بخالد بإحدى غرف بيت الفقير بالمنطقة الشرقية وظل قابعًا بها وسط ظلامها.. ينام على جنبه، لا يستطيع أن يفكر في شيء.. يستمع إلى صوت الألعاب النارية بالخارج، وإلى احتفالات الأهالي، ولكنه لا يرى أمامه سوى الذبيح الذي أطاح السياف برأسه.. لا يعلم هل يريد أن يمر الوقت سريعًا كي تنتهي تلك اللحظات التي يعيشها.. أم يمر ببطء لعل تلك اللحظات تحمل أملا جديدا.. حتى فتح باب الغرفة ودلف إليه أحد الجنود، ومعه رجل آخر قصير القامة، وتحدث إليه الجندي: أيها الفقير.. انهض .. ستحلق رأسك الآن ..
ُفرد مندهشا: ماذا؟ !!
فأكمل الجندي: لابد وأن يكون ذبيح زيكولا حليق الرأس ..
فصمت خالد.. ثم أشار الجندي إلى من معه بأن يستعد لبدء عمله فاقترب من خالد، والذي بدا عليه اليأس والاستسلام، ولم يتحرك.. ثم وضع على رأسه مادة خضراء لزجة أخرجها من وعاء زجاجي بحقيبته، ودلكها بين شعر خالد الطويل ويضع المزيد منها ويزيد من تشبع الشعر بها، ثم وضع القليل منها على لحيته ودلكها هي الأخرى ثم أخرج آلة حادة تشبه السكين الصغير ولكنها أقل سُمكا وبدأ يحلق شعره والذي بدا عليه الاستسلام كصاحبه وتساقطت خصله بجواره متلاصقة وخالد يجلس صامتا.. ينظر إلى الجندي أمامه، وكلما سأله الحلاق عن شيء لم يجبه.. حتى انتهى من رأسه، ثم أسرع فقصّ لحيته، وابتسم إلى خالد : لقد انتهينا أيها الفقير ثم أخرج مرآة :انظر إلى نفسك ..
ووضعها أمامه بمكان تتخلله الإضاءة عبر باب الغرفة فلمح خالد نفسه وقد ازيل شعر رأسه ولحيته بالكامل فهز رأسه في حزن ، ثم تحرّك بجسمه إلى ركن بالغرفة ونام على جانبه واضعًا ساعديه أسفل رأسه..
الفصل التاسع والعشرون من رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا الجزء الأول
تابع من هنا: جميع فصول رواية دمار قلب بقلم كنزى حمزة
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة