-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل الرابع والثلاثون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الرابع والثلاثون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الثالث والثلاثون"

روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الرابع والثلاثون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل الرابع والثلاثون

إنعطف بالسيارة نحو الشمال، وأسرع بالسيارة وقد بدى على ملامحه الغضب..
نظر لمرآة السيارة مرة أخرى، فوجد الشاحنة الكبيرة ماتزال تلاحقه، يبدوا أن أحدهم يريد التخلص منه.
أمسك هاتفه بسرعة بينما يقود باليد الأخرى وطلب أحدهم، ثم وضع الهاتف على أذنه وتابع مسرعًا أكثر..

ما إن سمع صوت أحدهم في الجهة الأخرى حتى تحدث بإنفعال: 
-معتصم، فيه عربية نقل ماشية ورايا وشكلها مستقصداني

هدأ قليلاً ليستمع للجهة الأخرى قبل أن يرد بضيق: 
-أنا على الطريق السريع، مشيت فيه عشان أعرف أسوق حلو
سكت للحظات، وأعاد النظر للمرآة، ثم تابع بعدها بغضب: 

-أيوة ماشية ورايا
أومأ رأسه للحظة ثم سأله: 
-من الجنب التاني صح؟... ماشي

ثم أغلق الهاتف بسرعة، ووضعه بجانبه على الكرسي، ثم بدأ يحاول الإنحراف عن المسار الذي يسلكه.
حسب أولاً المسافة التي تمكنه من السير بجانب السيارة بسرعة لا تمكنها من الإحتكاك به، حينها سيستطيع تنفيذ الخطة
فجأة بدأ يبطء السيارة حتى قارب المسافة بينه وبين السيارة الأخرى، فأسرع صاحب السيارة الأخرى أكثر، في حين ظل هو يبطء السيارة، ولأن السائق في السيارة الأخرى لم يتوقع هذا فأسرع لدرجة أنه لم ينتبه لنفسه إلا حين سبقه، أما الآخر فقد إنحرف بالسيارة للجانب الآخر وسار بسرعة مضاعفة، وهو ينتبه جيدًا للطريق من أمامه، ومن خلفه .
طرق الباب مرة أخرى، ولكن لا فائدة لم تجبه فقال بهدوء قبل أن يفتح الباب: 
-أنا هدخل ها؟

لم يسمع لها صوتًا مجددًا، ففتح الباب، وكاد أن يلج للداخل لولا أن ما رآه إستوقفه، فقد وجدها مغشيًا عليها في منتصف الغرفة، وشعرها الأسود يحجب وجهها .
إتسعت عينه من هول ما رآى، وأسرع نحوها مرددًا إسمها بهيستيرية.
-جويرية، قومي، جويريـــة! 

لكن لا حياة لمن ينادي، حينها حملها بسرعة، فإنساب شعرها على يديه، وضعها على السرير وأحضر كوب ماءٍ بجانبه، ونثر بعض القطرات على وجهها

كان جفنيها يرجفان كأنها ستفتحها كلما نثر عليها الماء، ثم تعود للسكون مرة أخرى، حينها أدرك أنها بخير فاسترخى.
هل إنتابه الشعور بالقلق حيالها، هل سمع صوت دقات قلبه تعلوا؟ لا ربما هو يتوهم، لكن لا يجب أن ينكر شعوره بالقلق عليها كما يشعر بالقلق على رحيل إن أصابته علة! 

وضع يده على وجنتها التي تستلقي عليها، ثم إنحنى حتى جلس بمستوها أمام السرير، وظل يرنوها بهدوء لفترة قبل أن يقول بخفوت: 
-أنا مش متعود أشوفك ضعيفة كدة، أنا إتعودت عليكي قوية ومبتسبيش حد يقرب منك عشان يقولك معلش، مبتسمحيش للوجع يكسرك، وبتحاربي عشان دموعك متنزلش.

صمت قليلاً ورفع يده الأخرى ومسح على شعرها برفق ليتابع بعدها بنبرة أكثر خفوتًا، وخزنًا: 
-إوعي تكوني مفكرة إني مش حاسس بيكي تبقي غلطانة، أنا من يوم ما شوفتك وأنا عارف إنك بتتعذبي، لغة العيون ميفهمهاش حد أدنا، حد عاش الوجع وإتكسر، حد معدش بيثق في أي حد، حد حاسس بالوحدة مهما زاد الناس حواليه.
أخذ نفسًا عميقًا ثم تابع ناظرًا لها نظرات غامضة: 
-تعرفي! 

ظهرت شبه إبتسامة وهو يضيف: 
-أنا بعد ما شوفتك حسيت إني طبيعي، عشان لقيت حد شبهي، لو مش مصدقاني بصي في المرايا، متبصيش على شكلك بصي على عنيكي، هتلاقي نفس النظرة
سعلت هي حينها، وبدأت تفتح عينيها، بمجرد أن رأته أمامها إنتفضت جالسة، ومن أثر الحركة المفاجئة أصيبت بالدوار، فوضعت يدها على رأسها، أما هو فوقف وراقبها بهدوء
بعد أن خف الدوار قليلاً، نظرت له بضيق، وتحدثت بحدة: 
-إنت لو قصدك تجعزني مش هتعمل كدة! 

رفع حاجبه ساخرًا وقال وهو يشيح وجهه عنها: 
-إبقي قوليلي إنك هتصحي الأول!

بدأت هي تحاول تذكر ما حدث، قبل أن تفقد وعيها، فوجدته يردف بنبرة ساكنة: 
-أغمى عليكي وأنا حطيتك على السرير بس!

وضعت هي يدها بين رأسها من أثر الصداع الرهيب، والدوار.
فجأة نظر أسفله فوجد حجابها ملقى على الأرض، فإنحنى بجذعه وإلتقطه، ثم مد يده لها به قائلاً وهو يشيح وجهه عنها: 
-إمسكي
نظرت له، ثم نظرت ليده، ومدت يدها وأخدته ثم وضعت بجانبها غير آبهة به، فسألها بدهشة: 
-مش هتلبسيه؟

زفرت بحنق وأجابته: 
-لأ، هو إحنا مش إتجوزنا، لسا هنعمل فيلم! 

أغمض عينيه مرة ثم فتحها من الدهشة، فهي تتصرف بغرابة حقًا! 

حينها تابعت هي بهدوء: 
-أنا.. أنا مصدعة، و عاوزة قهوة
جلس على الفراش أمامها، ونظر لها مطولاً يستشف ما تفكر به، فسألته ببرود: 
-فيه حاجة؟
وضع يده على جبهتها ليعرف درجة حرارتها، فنظرت هي له بانزعاج، رافعة حاجبيها وعينيها للأعلى، ليجيبها هو بقلق: 
-جويرية إنتي إيه آخر حاجة فكراها؟
أجابته بإقتضاب: 
-إتجوزنا
سألها مجددًا: 
-طب قبل ما نتجوز؟

وضعت يدها على رأسها مجددًا ثم قالت بضيق: 
-مش فاكرة، بحاول أفتكر لسة! 
صمتت قليلاً تراقب نظراته الغريبة، وظلت هي تحاول التركيز فتابعت بهدوء: 
-الأول كنت في البيت،صحيت ودخلت، وبابا كان واقع من على السرير، و..
بدأت نبرتها تهتز قليلاً وهي تتابع: 
-وبعدين، فضلت أحاول أفوقه، صحى شوية وفضل يقولي أخلي بالي من نفسي، وطلبت عربية الإسعاف و..
صمتت فجأة وإتسعت عينيها بشكل لا إرادي، فأدرك هو أنها قد تذكرت كل شيء من جديد، العجيب أنها تذكرت زواجهما ألا تعتبر ذاكرتها أن زواجهما مصيبة فتقرر حذفها! 

نظر لها مرة أخرى فوجدها ما تزال متسعة العينين ناظرة للأمام بشرود
سألها هو بخفوت: 
-سكتي ليه؟

حركت قدمها للجانب الآخر من الفراش تريد النزول، وظل هو يرقبها بصمت حتى رآها تكاد تفقد توازنها فأسرع إليها لكي يسندها، سألها برفق: 
-عاوزة تروحي فين؟

أجابته بشرود: 
-عاوزة أطلع من هنا وبس
حينها أعانها على الخروج مقررًا أخذها لحديقة المنزل، هل فكر لما يساعدها؟ هل فكر لما يشعر بالألم لأجلها؟ لا، لم يفعل، ولم ينوي حتى أن يفعل، هو يجد راحته في ذلك، فلما يرهق عقله بالتفكير إذًا؟

كانت الحديقة كما تحب عينها، لكن عينها لم تكن مجودة للتحفي بروعة المكان . لقد وُجِدت عينها في مكان آخر، مكان مظلم كئيب، وُجِدت حيث يبكي الناس، الألم هو الألم أما الذكرى فتختلف، الغريب أن والدتها توفيت في نفس اليوم من العام السابق
تذكرت أنه في "العاشر من مارس من عام ٢٠٠٩" توفيت والدتها
واليوم والذي هو "العاشر من مارس من هذا العام ٢٠١٠" توفي والدها
أليس هذا عجيبًا! 
وها هي والدتها ستلتقي به اليوم بعد مفارقته لها عامًا بأكمله.
تحركت نحو إحدى الشجيرات، فجلست تحتها بتهالك، وظل هو يرنوها من القريب بصمت، وألم لم يدرِ مصدره
منذ بدأ يراقبها في ذاك الشهر، تحولت رؤيتها إلى متعة كبيرة، تحول النظر لها ومراقبتها لهواية، هواية مجنونة، غريبة.
بدى عليها الإرهاق الشديد وهي جالسة، شاردة في البعيد، وظلت تسعل لأكثر من مرة، إقترب منها وبرغم شعورها به لم تعره إهتمامًا، إتخذ هو موضعًا بجانبها، وجلس، ثم قال بروية: 
-عارفة البيت دة إشتريته زمان أول ما بدأت أشتغل في الشركة عشان كنت بحب أقعد لوحدي
لم يلاحظ أي تأثرٍ عليها، فزفر بضيق وسألها بصوت غريب: 
-كدة بقيتي لوحدك إنتي بس من عيلتك صح؟

نظرت له وكأنها صدمت من السؤال، ولم تجبه بل أدارت وجهها عنه ونظرت للسماء بصمت مرة أخرى، فعاد هو يتابع ببرود: 
-أختك ماتت من كام سنة، وبعدها أمك، والوقت أبوكي
وضعت يدخا على أذنها فلم تعد تحتمل، فتابع هو غير بهدوء: 
-إهدي يا جويرية، إنتي كدة بتتعبي نفسك على الفاضي، اللي بيموت مبيرجعش
نظرت له بغضب ثم صرخت به بإنفعال: 
-عارفة، أنا عارفة، عارفة وبحاول أتأقلم، عارفة وبحاول أعيش الألم لوحده، ومجرش باقي الذكريات بس هي اللي بتيجي لوحدها، عارفة بس أنا إيه ذنبي؟

لم يتفاجأ بها حين إنفجرت فيه بذاك الشكل، هو يريد أن يوصلها لدرجة البكاء لا فقط الصراخ، هذه هي الطريقة الوحيدة لترتاح قليلاً
لذلك رد عليها بهدوء شديد: 
-ذنبك إنك عايشة معاهم، عايشة مع ذكريات، ومحرمة على نفسك تنسي.
هزت رأسها نافية بقوة وأجابته بغضب: 
-لأ أنا مش عايشة في الذكريات، أنا محبوسة فيها، أنا مش قادرة أطلع أنا..
بدأ صوتها يهتز فجأة ثم صمتت، نظر لها فوجدها تمسك رأسها بين يديها، تنهد بقلق، لقد وصاه الطبيب على عدم إرغامها على التفكير ومع ذلك ظل رأسها يعمل و..
رفعت رأسها حينها، وقد بدى عليها الإنهاك حقًا، لذلك وقف هو ومد يده لها وهو يردف بهدوء: 
-قومي معايا
لم تنظر له ولم تحرك رأسها، ولم تحاول أن تتحرك حتى، لتميل للخلف قليلاً بعدها وتغلق عينيها بعنف وهي تتنفس بصعوبة، لم يفكر حينها وهو يحملها بسرعة إلى الداخل، بينما هي كانت شبه فاقدة الوعي، بعد أن وصل للغرفة ووضعها على الفراش، وقرر أنه يجب أن يأخذها إلى المشفى، فحالتها تحتاج لإشراف من طبيب مختص، لذلك أسرع نحو هاتفه ليُجري مكالمة ضرورية، وكل أنظاره منصبة عليها.
...............
-والله يا بيه أنا مليش ذنب
قالها الرجل بصوت مهتز، وجميع أطرافه ترتجف، فصاح به معتصم:
-يعني إيه ملكش ذنب، كنت عاوز تموت صاحبي وتقول ملكش ذنب! !

إقترب منه براء وأردف بثبات: 

-معتصم إهدى شوية، نشوف الأول مين باعته! 

أجاب الأخير بنظرات هلعة: 
-دد.. دة الباشا رضوان، هو اللي إداني فلوس وقالي أجيب أرار البيه
رفع براء حاجبه ساخرًا وقال: 
-آه قولتلي رضوان! 

نظر له معتصم بغضب وهتف فيه: 
-مش دة اللي هددك برضوه؟ أنا قولتلك بلاش تستتفه أي حاجة وإنت مبتسمعش الكلام، وإيه النتيجة، كنت هتموت! 
ربت براء على كتف صديقه ليهدأه قليلاً، فهو يعلم أنه كالأخ بالنسبة له، وخسارته ستؤلمه كثيرًا..
نظر معتصم للرجل وسأله بجمود: 
-إنت قبضت كل الفلوس؟

-لأ يا باشا النص بس، والنص التاني آآ..
أكمل براء عنه ببساطة: 
-كنت هتاخده بعد ما تتخلص مني، مظبوط؟
وضع الرجلعينيه في الأسفل، وأردف بخفوت: 
-مظبوط يا باشا
قال معتصم بحنق: 
-طيب إنت هتتصل بيه دلوقت وتقوله إنك قتلته، وتتفقوا على ميعاد تتقابلوا فيه عشان إحنا نمسكه
أومأ الرجل رأسه موافقًا على أي شيء يطلبه المهم ضمان سلامته، فقد احمر، وازرق وجهه لدرجة توهم من يراه أنه قد ضُرب ضربًا مبرحًا، لكن هل يحدث ذلك في قسم الشرطة حقًا؟
.................

جلس ذلك العجوز يراقب المارة بفتور رهيب..
ها قد تزوج ولده بطريقة غريبة بدون زفاف أو فستان لعروسه! 

لقد تزوجها وبدى عليه السعادة وكأنه حصل على ما ينقصه، لقد رآه وهو يبتسم على غير العادة التي أصبحت عادته فقط في الأيام الأخيرة حين تبصرها عيناه، ربما كانت هي السبب بالتغيرات الجذرية التي طرأت عليه فجأة، وهو ليس بالجاحد لينكر شعوره بتبدل حالة ابنه إلى الهدوء والشرود الدائم،

 لكن في ذاك الوقت لم يتسنى له معرفة التفاصيل، من هي، نعم لقد تذكر أنها تلك الفتاة التي أغرقت ولده بدلو الماء يومًا ولم يبدُ عليها للحظة الخوف منه أو من بطشه.. لكن ما الذي حدث لتنقلب الموازين وتصبح عروسه فجأة؟! 
زفر بنفاذ صبر ووقف.

يجب أن يعلم من هي، يجب أن يجمع المعلومات عنها لربما كانت تنتوي له الشر!
ظل يبحث بعينيه عن شيء ما، وما لبث أن تقدم عدة خطوات وأمسك الذي أبصره، ليضعه على أذنه بعد أن طلب رقمًا، ثم انتظر حتى ينصت للجانب الآخر.
-ألو، عقاب أنا عاوزة أسألك على كذا سؤال
صمت قليلاً ثم تابع بعدها بهدوء: 
-تعرف البت اللي صهيب إتجوزها النهاردة دي؟
أومأ رأسه مرتين، ثم استطرد حديثه بـ: 
-تمام، طب عدي عليا النهاردة محتاج أعرف معلومات عنها..

 اقرأ ايضاً ...عيد الحب والقديس فالنتين

كانت تمشي بصعوبة في حديقة واسعة الدرب، خضراء الأرض، إزدانت بأروع الزهور والورد..
شاردة كانت في وردة حمراء أمامها، قربت يديها منها وابتسامة شاحبة تسللت إلى وجهها. لطالما كانت الزهور هي أكثر ما يسعدها، وحتى أن والدها حينما كان يغيب عنها لمدة يومين أو أكثر كان يحضر لها زهرة حمراء وبجانبها الشوكولا التي تعشقها ويضعهم بجانبها على السرير إلى أن تصحوا، وبسرعة كانت تركض للغرفة الأخرى بمجرد إستيقاظها لتجد والدها ينتظرها، وتراه يبتسم لها تلك الإبتسامة الحانية.

سقطت بعض العبرات من مآقيها وهي لا تنتبه، وكانت يديها ما تزال تلامس الوردة. في يوم من الأيام كانت كالملكة في القصر، وبعد أن إختارت الإبتعاد صارت تتألم كل يوم، وكأنها تعاقب على ما عاشته من دلال في صغرها! لقد فهمت جيدًا أن الحب ليس كل شيء، لقد تأكدت أن العلاقات الأسرية أفضل من دونها من العلاقات.

وضعت يدها على بطنها، تلامس ذاك الإنتفاخ غير الملحوظ، لقد كانت كذاك الإنتفاخ يومًا، والآن صارت أمًا، أمًا لديها العديد من الخطط من أجل ذاك الطفل مهما كان، أكان ذكرًا أم أنثى، بالرغم من ذلك تتمنى هي أن تكون فتاةً، تتمنى ذلك لدرجة كبيرة، في الفترة السابقة بدأت تتعلق به بالرغم من أنها لم تكن تحبه في البداية، لكن كأم يجب أن تتأقلم على الوضع الجديد وتحارب لأجل مستقبل طفلها، ألا يكفي أنه سيعيش بدون أب! و..

-يامدام؟
إنتفضت هي على إثر الصوت العالي، ثم نظرت للمنادي مجيبة بحنق:
-نعم؟

خفض هو من نبرة صوته وحاول قدر إستطاعته ألا يضحك بسبب الفزع الذي بدى على وجهها ليردف: 
-آسف مكنش قصدي، بس أنا من فترة بنده ومش بتردي
زفرت هي بنفاذ صبر وسألته: 
-طيب عاوز إيه؟

نظر لها الرجل بإمعان يتفرس في ملامحها، فتضايقت هي من ذلك، وكادت ترحل، لكنه قال سريعًا: 
-آسف تاني، بس أنا مش بحب أشوف حد بيقطع في الورد وأسكت، هما بيزرعوه عشان إحنا نستمتع بجماله مش نقطفه! 
نظرت له بتعجب وقالت: 
-بس أنا مقطفتش ورد! 

نظر إلى يديها بدهشة وهو يقول: 
-غريب، أنا أعرف إن اللي بيكدب بيخفي الدليل الأول! 

نظرت هي إلى يديها حيث ينظر، فإتسعت عينيها من الصدمة، متى قُطفت وإنتقلت إلى يديها! رفعت يدها أما عينيها وظلت تحدق بها قليلاً قبل أن تلتفت لتنظر لمكان الزهرة، لكنها لم تجدها! فصمتت مصدومة
-ممكن كنتي سرحانة ومأخدتيش بالك
قالها الرجل باسمًا حينما رآى ملامح الصدمة تغزوها.
حركت رأسها محتارة وكأنها تحدث نفسها، وكادت أن تسير مبتعدة لولا سؤاله الغريب: 
-هو أنا شوفتك قبل كدة؟
إستدارت تنظر له وقد بدأ الشعور بالصدمة يزول تدريجيًا، دققت به لكنها لم تتذكر أنها رأته، فسألته بإستخفاف: 
-هي دي طريقة جديدة للمعاكسة عندكم في مصر؟

بدى على وجهه ملامح الدهشة، وسألها بهدوء: 
-معاكسة؟! 

أشاحت وجهها عنه وهي تتأفف، فتابع وهو يتقدم نحوها باتزان: 
-لأ أكيد الحكاية بس إني حاسس إني شوفتك قبل كدة، وخاصة إنك اللي يشوفك يقول إنك مش مصرية لولا لهجتك، يبقى ليه هشبه عليكي إلا لو كنت شوفتك! 
وضعت يديها بين خصلات شعرها لشعورها بالصداع فجأة، وأجابته: 
-إنت بتغني وترد على نفسك؟ مش مصرية أكيد، مشوفتكيش قبل كدة، ولو شوفتك قبل كدة هقول، أقصد لو مشوفتكيش قبل كدة هقول إني شوفتك ليه! 

ضحك هو على طريقتها في الحديث، فشعرت هي بالغضب وصرخت به: 
-إيه اللي بيضحك الوقت، طريقتك هي اللي مستفزة! 

حاول هو الكف عن الضحك لكي لا يزعجها لكنه عجز عن ذلك، لم يدرِ لما يضحك، لكنها بحق تضحكه بطريقتها الغريبة هذه! 
سارت مبتعدة عنه بغيظ فلحق بها بسرعة إلى أن وقف أمامها، فتراجعت رهبة منه، لقد خافت منه فجأة، وقد فضحت عينيها ذلك. نظر لها مشدوهًا لتلك النظرات الجذعة، حتى كاد أن يتحدث، ففاجأته هي بقولها بإرتباك: 
-خلاص سيبني أمشي
سألها باسمًا بهدوء: 
-طيب أنا دايقتك في حاجة؟
حسنًا، لقد قاطعته بتعلثم لشدة إضطرابها: 
-آآآ لأ عادي ولا يهمك، أنا آآ أنا بس هروح
عقد حاجباه وصمت، وظل ساكنًا في محله لكي لا يخيفها أكثر، حينها ظلت هي تبتعد للوراء إلى ما يقرب من أربعة أمتار، ثم إستدارت وسارت بسرعة من أمامه. وضع يده على جبهته وقال لنفسه: 
-هي مالها دي، دة أنا حتى معرفتش إسمها!

نظر للزهرة المبتورة، ثم ضحك وهو يتذكر ما حدث منذ قليل، ليسير بعدها عكس الإتجاه الذي سارت هي منه.

..............

جزء مما وراء الرواية..

١٠/٣/١٩٩٥

مساءًا في الصحراء..

تهب رحياح هوجاء من جهة الشمال، صوتها وحده يبعث القشعريرة في القلوب.
من البعيد، هناك يد تظهر لأحدهم.
الظلام الدامس يمنع رؤية الشخص بالكامل، لكن يمكن التأكد هنا أنه ليس شخصًا واحدًا، فذاك الشخص الأول يشير للثاني غربًا، ثم يسيران معًا بهدوء شديد، يمكن أيضًا الملاحظة أن الشخص الثاني يحمل جثة شخص مقطوع الرأس، أي أنه مذبوح، والشخص الآخر كان يحمل كيسًا بلاستيكيًا أسود ومحراثان..
حامل الكيس أشار للآخر بالتوقف عند نقطة ما، وأعطاه محراثًا ثم بدأ كلاهما بالحفر..
هدوء مريب يسيطر على المكان عدا صوت الرياح الهوجاء. إستمر الحفر لمدة ساعة، لم ينبس أحدهما بكلمة حينها، ثم وما إن انتهوا أفرغ الشخص الأول محتوى الكيس بإهمال داخل الحفرة، لقد كانت رأسًا مبتورة وصاحب الرأس ما يزال مفتوح العينين، أما ملامحه فلم تظهر أبدًا بسبب الدماء التي تغطي ملامح الرأس، ثم وضع الشخص الآخر الجثة داخل الحفرة بهدوء، وبدأ الإثنان بالردم.
إشتدت الرياح، فسقط الوشاح الذي كان يغطي شعر الشخص الأول، ليظهر شعرًا طويلاً،شعرًا ناعمًا لفتاة لا لرجل........!!!

................................!!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة