-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل الثالث والأربعون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الثالث والأربعون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الثاني والأربعون"
روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الثالث والأربعون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل الثالث والأربعون

٣ ابريل

كان رحيل يعبث بأغراضه التي لم يخرجها من الحقيبة بعد حين وقعت ورقة مطوية من بين ثيابه الممسك هو بها. نظر رحيل للورقة باستعجاب، قبل أن يترك الثياب على السرير ويهبط بهدوءٍ ليلتقطها.
انتصب واقفًا من جديد، ثم فتح الورقة وبدأت عيناه تتسع حينما قال:
-دي جت هنا ازاي!

شرد للحظة وهو يتذكر أنه خبأها بين ثيابه في الخزانة، وهذه هي نفس الثياب التي خبأها بها. أخذ نفسًا مطولاً وزفره بسرعة وهو لا يزال ينظر لتلك الورقة، بدى عليه الإختناق والحزن وهو يطالعها، وللحظة بدأ يتحسس حروفها وقد لمعت عيناه حزنًا.
ولم ينتبه لمن ولج توًا ويقف على مقربة منه.
-احم احم!

انتبه رحيل لوجود شخص ما في الغرفة فأسرع يستدير و ينظر إليه بصدمة، ثم أخفى الورقة سريعًا خلف ظهره قائلاً بارتباك:
-آآ صهيب! آآآ.. إنت جيت امت؟!

استعجب صهيب لما فعله الآخر، فهو معتاد على اخباره كل شيءٍ عن شيء، فماذا جد الآن!

سأله صهيب بحيرة، وهو عاقد حاجباه:
-بتخبي إيه؟
اهتزت نبرة رحيل وهو يجيبه متعلثمًا:
-دآآآآ آه دة، ورق، ورق عادي، قصدي أنا مش بخبي، أنا آآآ
رفع صهيب يده إلى شعره وأرجعه للخلف قليلاً، ثم اقترب منه عدة خطوات وهو يتحدث بسخرية:
-مش معقول يا رحيل، أنا مش عيل صغير عشان تكدب وأصدق!
تراجع رحيل للخلف مما أثار حنق الأخير واستفزه حتى مد يديه خلف ظهر رحيل وسحب الورقة من يده عنوة، فنظر له رحيل برعبٍ وحاول جاهدًا أخذها منه، إلا أنه لم يستطيع فالتجأ للكلام لربما فلح..

-يا صهيب صدقني دي حاجة خاصة بـ..
قاطعه صهيب مبتسمًا ببرود:
-عادي يا رحيل أناهعرف بنفسي إيه اللي فيها، وبعدين لو مكنتش بعدتها عني مكنتش هاخدها منك!
ثم ابتعد عنه بضع خطوات وبدأ بفرد الورقة جيدًا ليقرأ، بينما ظل الأخير واقفًا مكانه منتظرًا أن تَحُل الكارثة عليه.

فقط بضع ثواني، وكان وجه صهيب كالأحمر القاني، عيناه تشبعتا بالغضب تشبعًا، يكاد يقسم من يراه أنه فاني. تركت عيناه الورقة وتحولت إلى من يقف على مسافة بضع خطوات منه، ثم تقدم نحوه وهو يصيح باشتعال:
-الكلام دة حقيقي!
لم يجرؤ رحيل على النظر في وجهه، ولم يجبه.
فعاد الأخير يهدر بصوتٍ عالٍ:
-جاوبني، أنا ابنك؟!!

نظر له رحيل وبدأ يشرح مبررًا بحزن:
-الموضوع مش زي ما انت آآ..
قاطعه صهيب بنبرة حاسمة:
-عاوز إجابة بس، الكلام دة حقيقي ولا لأ؟!

أخذ رحيل نفسًا عميقًا، ثم أجابه بحذر:
-آه، بس أنا آآآ..

قاطعه من جديد بهدوء مفاجئ:
-خلاص، إنت مش جاوبت، هو دة إللي أنا كنت عاوزه.
ثم تركه وذهب، فذهب خلفه براء يسترضيه، إلا أنه يئس عندما خرج من الغرفة وذهب إلى غرفته، لذا قرر تركه قليلاً ليتعايش مع هذا الواقع المرير، وخرج من غرفته متجهًا للحديقة.

تقدروا تشوفوا احداث الفصل الأول من هنا  حب لا يجوز شرعاً "الفصل الأول"
جلس صهيب على الفراش في غرفته مصدومًا، لا يصدق ما حدث، وضع يداه على رأسه وأسند ذراعيه على قدمه وهو يتساءل مع نفسه، أإلى تلك الدرجة من السقوط كانت والدت! لقد تعايش دومًا مع واقع أنها خائنة، لكن زانية! ومع من!!
أي أن رحيل لم يكن يحبه، بل كان يعتني به كتنفيذًا للوصية، أو لأنه والده حتى ولو لم يعترف به. يعني هذا أن رحيل كان.. كان يقضي الوقت معها بينما هي متزوجة من أخيه. وهذا يعني أيضًا أنه لربما ساعدها في قتله، و..

-آآآآآآآآه
وقف صهيب فجأة وهو يخرج صوتًا حادًا من حنجرته، ثم اتجه نحو مزهرية حمراء أمسك بها ثم أسقطها أرضًا بقوة، ثم أخذ أخرى وأسقطها أيضًا وهو ما يزال يصيح بغضب. فهو لا يصدق، لا يصدق أنه كان يعيش طوال حياته في كذبة سوداء سامة.
ثم اقترب من المرآة الكبيرة في غرفته، وكاد أن يحطمها إلا أنه وجدها تقف خلف انعكاسه في المرآة، فنظر خلفه مباشرةً فوجدها أمامه.
وبسرعة سألها بحدة:
-جاية هنا ليه؟!
تحدثت بهدوء:
-اتحكم بأعصابك.
وضع يداه على شعره، وظل وتخلله بأصابعه جاذبًا إياه بقوة للخلف يكاد يقتلعه من جذوره، ثم تركها وجلس على السرير المجاور.
مضت فترة من الصمت ينظر هو في الفراغ، وتنظر هي له منتظرة ما سيفعل، إلى أن بدأت هي حين لم تجد له ردة فعل.
فذهبت إليه ووقفت أمامه، حينها نطق هو بانفعال:
-كل دة كان كدب، حتى اللي كنت مفكرهم، مفكرهم صادقين، طلعوا أكبر كدبة في حياتي!
أخذت هي نفسًا مطولاً، ونظرت له وهي تجيبه بجمود:
-تعرف إيه أكبر غلطة ممكن الإنسان يقع فيها؟
رفع رأسه لينظر لها منتظرًا إجابتها، فتابعت بثبات:
-إنه ميوزنش الأمور صح.
أجابها هو بنبرة عالية محتقنة:
-أنا مباخدش قرارات غلط!

أجابته ببساطة:
-بس بتتسرع في حكمك على الناس!

صمت قليلاً وهو غير متقبل لنقدها، ليرد بعدها بضيق:
-إنتي اللي مش فاهمة
وضعت يدها على كتفه وهي تردف بجدية:
-قوم ياصهيب، تعالى وأنا هقولك ازاي كل دة يتحل.
لم يفهم هو مقصدها وظل ينظر لها، فأمسكت به من ذراعه وحثته على القيام معها، فوقف وهو لايفهم شيئًا، حينها ظلت تسير به إلى أن وقفت أمام الحمام ونظرت له، ثم تحدثت بروية:
-إدخل اتوضى
نظر لها بدهشة وظن في البداية أنها تمزح، إلا أن جدية وجهها وتعابيره جعلته يقتنع أنها جادة تمامًا، فسألها بخفوت:
-أتوضى!!

أومأت رأسها مرة واحدة، فأشاح وجهه عنها ولم يجبها. فماذا يقول لها، أنه لا يعلم كيف يتوضأ!
أم يقول أنه لم يصلِ في حياته يومًا، لقد كانت حياته خالية من الذكر، ومن أي شيءٍ يتعلق بالعبادة، ولم يعلمه أحدهم الأمر من قبل.
شعرت هي أنها فهمت ما به من نظراته فسألته بترقب:
-بتعرف تتوضى!

أجابها بضيق وكأنه لم يقصد:
-لأ معرفش، مش فاكر ازاي
-تمام، طب بصلي
نظر لها، فدلفت إلى الحمام وبدأت تتوضأ، أولاً غسلت يداها، ثم تمضمضت ثم..
ظل هو ينظر لها وهو لا يفهم لما تعلمه الآن أمرًا كهذا، بل لا يفهم أصلاً لما تحاول حتى مساعدته، عاد لينتبه لها من جديد فوجدها تغسل قدمها اليسرى. ثم نظرت إليه وخرجت من الحمام لتسأله بهدوء:
-دورك
كاد أن يلج لكنها سبقته بقولها:
-وانوي الصلاة قبل الوضوء
أدار وجهه لينظر لها لثوانٍ قبل أن يعود ليدخل من جديد.
وبالفعل بدأ يتوضأ، لكنه توقف فجأة فقالت هي بتريث:
-شعرك وودنك
تابع صهيب الوضوء بعد أن أملته ما عليه فعله، إلى أن انتهى، ثم خرج من الحمام وسألها بهدوء:
-اتوضيت، ولسة عاوز أكسر باقي الفازات!

رفعت حاجبها للأعلى، وأجابته بهدوءٍ مماثل:
-تصور لو إنت جعان أوي، وكلت حتة من صاندويتش صغير أوي، هتشبع؟

تحدث بنفاذ صبر:
-صاندويتش إيه، وجعان إيه؟

-جاوبني بس
زفر وهو يجيبها بحنق:
-لأ مش هشبع.
-إنت بقى الوقت كلت حتة بس منه، تعالى نكمله
كاد أن يتحدث، إلا أنها سبقته محذرة بـ:
-ومتقوليش أنا مش جعان أنا مش بهزر على فكرة!

نظر لها بدهشة فهذا ما كان سيقوله الآن، لكنه انتبه إليها وهي تقف أمامه قائلة برفق:
-صلي يلا
نظر لها وتحدث بغضب:
-بقولك مبعرفش أتوضى ازاي، يبقى هعرف أصلي؟!

استدارت لتواجهه بوجهها الهادئ، لدرجة أنه شك أنها سمعت ما قال، وتابعت وكأن شيئًا لم يكن:
-بسيطة، الناس كلها مبتكونش عارفة إلا لما تتعلم.

ثم تركته وخرجت من الغرفة. قطب حاجباه، ووقف مستشيطًا منها غاضبًا على تركها له فجأة هكذا، فليس لها الحق أن تظهر متى شاءت وتختفي متى شاءت. لكن الأمر لم يطل حتى عادت مجددًا ممسكة بكتابها الذي دومًا ما يراه معها، حينها تبدلت ملامحه من الغضب إلى الدهشة والفضول، جلست على الفراش أمامه ونادته بجدية:
-صهيب، تعالى
تنهد، ثم ذهب إليها متسائلاً بعدم فهم:

-مش فاهم!
وحين جلس بجانبها، نظرت له ثم بدأت تتحدث ببساطة:
-أنا هفهمك. ربنا قال "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَاعِ إِذَا دَعَانِ" وربنا قال "أَلَآ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَإِنُّ القُلُوبُ" فاحنا هنعمل كدة، هنصلي، بس وعشان نصلي لازم على الأقل تكون حافظ الفاتحة، وأي سورة تانية عشان تصلي.
أخذ نفسًا طويلاً، ثم أجابها بهدوء:
-أنا حافظ الفاتحة، بسمعها كل يوم في المساجد.
ابتسمت له برفق، وقالت وهي تشير على شيء داخل المصحف:
-خلاص احفظ السورة دي.
نظر لها بتعجب لكنه على الرغم من هذا آثر أن يفعل، فهو يشعر أن هذا سيريحه، أو ربما..
أخذ نفسًا عميقًا ثم أخذ منها كتاب الله الذي مدت يدها له به، وبدأ يحفظ. كان كلما قرأ آية شعر بأنه مذنب، لا يدري لما سيطر عليه هذا الشعور فجأة، لكنه بالفعل يشعر بالندم، وبالرغم من هذا تتسلل السكينة إلى قلبه، كما لو كانت الآيات شفاءًا لصدره ولروحه من كل سقم، حتى وصل إلى مرحلة أنه بدأ يتناسى كل ما حوله، ويعيش فقط مع كل كلمة ينطقها. وبعد وقت من حفظه بدأ يفهم لما يشعر بالندم.. هذا لبعده عن خالقه، هل التجأ إليه قبل الآن؟ لا
هل فعل ما يستحقه خالقه منه؟ لا، والآن وبكل بساطة حزين لأن حياته لا تسير كما يريد هو، ولكن هل أدى حقه لكي يطالب بما يريد؟ أيضًا لا، لا ولا.. كم هو غافل!
كل هذا وأكثر كان يدور في عقله، أسئلة أحزنته إجابتها، وأشعرته بالندم، والضيق من نفسه في آن واحد.

وكانت جويرية تتابعه بعينيها. لقد أرادت مساعدته كما حاول هو في الأيام الخوالي، لم تكن ولن تكن يومًا ناكرة للجميل، ولن تنكر مساعدته لها حتى ولم تعجبها طرقه. وعلاوة على ذلك، تمنت أن تكون سببًا في تقربه إلى الله عز وجل. لقد كانت واثقة أنه يحتاج لذلك.. الجميع يحتاج إلى ذلك.. الجمع يحتاج إلى الرحمن.
الفصل الرابع ..إغتصاب ولكن تحت سقف واحد
مر بعض الوقت عليهما، وهما لا يزالان على نفس الوتيرة، يسيطر الهدوء على المكان، كما أنهما لم يظهرا امتعاضًا في تلك الفترة.
حتى استدار هو برأسه نصف استدارة، وأردف بهدوء:
-حفظت
سألته بروية لتتأكد:
-سورة إيه؟
أجابها بثبات:
-المُلْك
أومأت رأسها، ثم نزلت من على السرير وسارت عدة خطوات إلى أن توسطت الغرفة، ثم نظرت له قائلة بجدية:
-أنا هعمل إني بصلي، وهعلي صوتي حتى في الحاجات إللي مش بنعلي فيها الصوت.
ولم تنتظر إجابته، بل بدأت مباشرةً.
رفعت يديها لأعلى لتكبر تكبيرة الإحرام قائلة:
-الله أكبر
صمتت لثوانٍ ثم تابعت بعدها:
-"بِسْمِ اللَّهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعَالَمِينَ . الْرَّحْمَانِ الرَحِيمِ . مَالِكِ يَومِ الدِينِ.."
ظلت تقرأ حتى نهاية سورة الفاتحة، وهو منتبه لها تمامًا، وما إن انتهت، حتى صمتت لثوان لتتابع بسكينة حينها:
-"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَىَ كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ . الَّذٌي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَىَ فِي خَلْقِ الْرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىَ مِنْ فُطُورٍ..."
وظلت تقرأ هي حتى وصلت إلى قوله تعالى:
-"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيهِ الْنُّشُورُ"
ثم رفعت يديها لتكبر، ثم ركعت وبدأت تقول سبحان ربي العظيمُ ثلاثًا، ثم اعتدلت وهي تتابع بـ:
-سمع الله لمن حمده
صمتت لثانيتين، ثم قالت بعدها:
-ربنا ولك الحمد
كادت أن تتابع، لكنها وجدته يسألها بهدوء:
-بس انتي بتطولي عن كدة، أنا.. كنت سعات بشوفك.
لم تنظر له، لكنها قالت بروية:
-ربنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبَاركًا فيه ملء السماواتِ والأرضَ وما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعده.
ثم وجهت حديثها له بثبات:
-بقول دة بس أنا بقولك اللي تحفظه الوقت
لم يدرِ ما الذي دعاه للإبتسام، لكنه فعل، وتبعها بحديثة الجاد:
-عيديه تاني
-ربنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبَاركًا فيه ملء السماواتِ والأرضَ وما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعده.
-ربنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبَاركًا فيه ملء السماواتِ والأرضَ وما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعده.
نظرت له بعد أن سمعته يقوله بلا أخطاء

 ثم أومأت رأسها ايجابًا وهي تبتسم له، لتتابع بعدها الباقي. فعادت لنفس وقفتها، ثم كبرت وسجدت، وقالت سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، ثم قامت من السجود جالسة على قدميها وقالت ربِ اغفرلي ثلاثًا، ثم سجدت من جديد قائلة سبحانك ربي الأعلى ثلاثًا، ثم قامت ونظرت له على فورها، وبدأت تتحدث باهتمام:

-أي دعاء قولته ٣ مرات قابل للزيادة، والسجود دة المناجاة، تقدر تعتبر إن السجود دة هو المجأ إللي بيقربك دايمًا من ربنا، والرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" تقدر تدعي براحتك.
أخذ نفسًا طويلاً ثم سألها بإستفهام:
-وباقي الصلاة؟

-الركعة التانية زيها بس تبدأ من الآية إللي وقفت عندها، ولما هتقوم من السجود تاني مرة هتقول نص التشهد.
ثم وضعت يدها على ركبتها، ورفعت الإصبع الثاني في اليد اليمنى وتابعت بهدوء:
-وهتقول، "التحياةُ لله والصلواتُ والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، السلام علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين، أشهد ألا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"
ثم وقفت فجأة واتجهت نحو مكتبه، أخذت منه ورقة وقلم، وبدأت تخط عليها بعض الكلمات، حتى إذا ما انتهت، ذهبت إليه بالورقة وأعطتها له قائلة:
-دة الدعاء كامل، في أول مرة هتقول لحد إللي معلمالك عليه دة، وفي تاني مرة هتقوله كامل وتسلم، طبعًا أول ركعتين فيهم سورة غير الفاتحة، تاني ركعين بتكتفي بالفاتحة.

وقف صهيب وهو يمسك بالورقة، لكنه كان ينظر لها قبل أن يسألها بخفوت:
-بس أنا عمري ما صليت، الصلاة دي مش هتتقبل!

هزت رأسها نافية على الفور، ثم ردت عليه بخفوتٍ مماثل:
-لأ يا صهيب، أوعى تقول كدة "وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَ شَيْءٍ" مهما كان حجم المعصية ربنا بيتوب، عارف ليه؟ عشان هو بيحبنا، حتى لما بيبتلينا بيعمل كدة عشان يزود أجرنا، ويكتر من ثوابنا ويدخلنا الجنة.

ظلت أنظاره متعلقة بها لآخر كلمة، أجل لقد كانت كلماتها جميلة جدًا، كل مرة كان يسمعها تقرأ فيها يشعر أنه من المستحيل أن يتقرب إلى الله مثلها، ولكن ها هي ببساطة تخبره أنه ليس بالمستحيل، تقلص المسافات بينه وبين ربه بحديثها. هل حقًا نسي ما الذي أشعره بكل ذاك الغضب منذ قليل، أم أنه يتوهم!

وضعت جويرية يدها على كتفه مبتسمة بمودة، ثم أردفت باتزان:
-أسيبك تصلي بقى، أنا كتبتلك كل إللي قولته عشان لو نسيت حاجة، وإيه إللي هتقوله سري وإيه جهري
ثم تركته وذهبت، وظل هو يرمقها بعينيه إلى أن انصرفت، وهو يقسم في نفسه أنها خُلقت لتكون أمًا حنونًا. برغم كل الجمود الذي تظهره لا يخفى عليه تلك النظرات الحانية وحتى ابتسامتها تذيب جبلاً من الجليد.. رائعة هي ولا تضاهيها أي قرينة لها، أو أي أنثى.

نظر للورقة الممسك هو بها، ثم بدأ يقرأ ما دون بها بعناية...


١٠/٣/١٩٩٦

في وسط الصحراء مساءً..
كان هناك شخصًا ما لا يظهر منه شيء إلا وشاح أسود، وبضع خصلات صفراء تتطاير من شعره، أو شعرها، لقد كان المكان معتمًا بما فيه الكفاية لكي لا ترى هيأته. كان ممسًا بمحراثه، ومستمرٌ في الحفر. حتى إذا ما سمع صوت احتكاك المحراث بشيء صلب، تركه سريعًا من يده، ثم بدأ يحفر بيديه.. بعد القليل من الوقت، بدأ يظهر هذا الشيء الذي نقب هو عنه. لقد كان..

 كان هيكل عظمي لإنسان، جمجمته في بداية الحفرة، وجسده في نهايتها. حينها لم يبدُ على ذاك الشخص التأثر، بل وكأنه ينظر له متشفيًا. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى انتصب ذاك الشخص وسار على بضع خطواتٍ أمام تلك المقبرة، حتى وقف أمام جسدٍ لأحدهم، يحمل طعنةً في بطنه ووجه قد تم اخفاؤه بقماشة، ثم بدأ يجره من قدمه إلى أن وقف أمام المقبرة. وببساطة ألقاه فيها وكأنه يلقي كيسًا عفنًا في صندوق القمامة.

استمرت نظراته للجسد والهيكل بغموض لفترة، قبل أن يبدأ بردم الحفرة عليهما من جديد. وبعد أن انتهى وقف سريعًا وبدأ بنفض الغبار من على ثيابه، قبل أن ينظر ذاك الشخص إلى الرمال على بضع خطوات منه، ثم سار نحوها حتى وقف أمامها، وأخرج ورقة من جيب معطفه الأسود الطويل، ثم جثنى على ركبته ليحفر حفرة صغيرة ويدفن تلك الورقة فيها.. تلك الورقة البيضاء الذي خُط عليها بلون الدماء "نفذت وعدي، فلتركضي عزيزتي بسلام"..ثم ردمت الحفرة على الورقة وعيناها ينبعث منهما وهج من السعادة الغريبة.....!!!

................................!!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة