-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل الحادي والخمسون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الحادي والخمسون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الخمسون"


روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الحادي والخمسون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل الحادي والخمسون

-ندخل في الجد بقى..
هذا ما أردف به هو بجدية وهو يرمقهم جميعًا بهدوء
ابتسم له الأخير وقال بحرص:
-أكيد، اتفضل يا أستاذ معتصم
رد عليه معتصم مبادلاً إياه الإبتسامة:
-بلاش ألقاب يا سهيل إحنا زي الاخوات!

ثم نظر لها ولم تختفِ الإبتسامة وهو يتابع بروية:
-أنا الصراحة جاي أطلب إيد أختك، فيروز!

سعلت فيروز من إثر الصدمة، وضيقت الصغيرة الجالسة بجانبها عينيها، بينما لم يبدُ على أخيها الدهشة.
نظر لها معتصم لثوانٍ، ثم عاد لينظر لأخيها قائلاً:
-فيروز بنت محترمة جدًا مختلفة عن بنات اليومين دول، وكمان هي بـ...

-بس إنت عارف اللي حصلي!

قاطعته فيروز بها باختناق، ثم وقفت وقد تجمعت الدموع في مآقيها وتابعت بألم:
-أنا مـ..

قاطعها معتصم بنبرة حادة وهو يقف:
-أيوة بس أنا ميهمنيش اللي حصلك! ميهمنيش حاجة إنتي ملكيش دخل فيها!

وقف سهيل حينها، ودنا من شقيقته، ثم وضع يده على كتفها قائلاً بهدوء:
-فيروز، لا إنتي ولا شرفك اتبهدلوا.. أنا أختي فوق أي حد ومحدش يقدر يشوه سمعتها ولا يحسسها إنها أقل من حد في يوم!

نكست رأسها وبدأت عبراتها تنهمر، فنظر لها معتصم بحزنٍ ومع ذلك تحدث بهدوءٍ شديد:
-قبل أي حاجة أحب أقولك إني شايفك بنت كاملة تمامًا، ولو معتبراني عشان عندي بنت وجاي أتقدملك بقلل من شأنك يبقى أنا..
رفعت رأسها إليه ودموعها لم تتوقف عن الإنهمار، لكنها قاطعته باختناق:
-لأ يا معتصم، أنا مقصدش كدة أبدًا..

ثم جثت على ركبتها أما الصغيرة التي تنظر لها بحزنٍ مع أنها لا تفهم شيئًا، ووضعت يدها على وجنتها وهي تردف بحنو:
-تالا عمرها ما هتقلل من شأني يا معتصم، أنا بحبها زي ما يكون بنتي.
ثم وقفت، وبدأت تجفف دموعها، وأكملت وهي تدعي الصلابة:
-إنت مفيش حاجة تجبرك على بنت آآآ

-والله دي حاجة ترجع ليا، وأنا شايفك كاملة من غير نواقص ولا عيوب، بل على العكس، أنا اتجوزت قبل كدة وإنتي لأ.. من غير شرح كتير يا فيروز أنا شاريكي وقدام أخوكي أهو، ومش هطلب منك جواب الوقت، عاوزك تهدي كدة وتفكري براحتك في الموضوع

ثم نظر لابنته لثوانٍ وتابع:
-على فكرة إنتي متعرفيش قيمة نفسك.
إلتفت بعدها وأكمل بثبات:
-هسيب تالا عندك النهاردة وهاجي أخدها بكرة بعد الضهر عشان مش هكون في البيت الفترة دي، وبدل ما اسيبها عند الجيران.. إنتي أولى.

ولم ينبس بكلمة أخرى بعدها، بل تركهم وانصرف..
لم تكن فيروز قادرة على الفهم والإدراك، فهي لم تصدق أنه طلب يدها في خضم تلك الظروف والأزمات التي مرت بها.. بالأخص أنهرأكثر من يعلم ما حلَّ بها! سقطت دموعها من جديد وأخذت تنظر لنفسها في حزن، هي لا تعتبر أنها كاملة بل ترى أنها تنجست وتدنست، فمن ذا الذي يلتفت! أما هو، وابنته، لا هي لا تستحقهما، هي ومهما حدث فقد أُعيبت، هكذا ينظر لها الناس، بالطبع حتى ولو لم يظهر هو ذلك سينظر لها دومًا على هذا النحو. الفتاة المعيوبة!

وقفت تالا على الأريكة لتعادلها طولاً، ثم بدأت تمسح لها دموعها وهي تقول بحزن:
-مش إنتي قولتيلي مرة مش تعيطي، بتعيطي ليه؟!

نظرت لها برفق، ومسحت باقي دموعها وهي تجيب:
-أنا مش بعيط أهو
هزت تالا رأسها معترضة، وهتفت بغضب:
-بابا زعلك؟
-لا يا حبيبتي مزعلنيش..


ظل سهيل ينظر إليهما باسمًا، سهيل لا يراها تبتسم ولا يتحسن مزاجها إلا مع تلك الصغيرة، فكيف وإن عاشت معها! لن ينكر أن معتصم له هيبة كرجلٍ يعمل في النيابة العامة، لكن في ذات الوقت هو لا يعلم عنه الكثير، إلا أنه وقف بجانب أخته كثيرًا.
يدرك هو ضرورة أن تبدأ أخته في تأسيس أسرة خاصة أنها أهلٌ لذلك، لكنه في كل الأحوال لن يضغط عليها أبدًا، وقرارها قراره في النهاية. 


بعد ما يقرب من الساعة، كانت تالا قد نامت وأدخلتها فيروز غرفتها،
خرجت من غرفتها بعد أن دثرت تالا جيدًا وأغلقت الباب عليها.
فاقترب منها سُهيل ثم أمسك يدها وفتحها لها ليضع بداخلها شيئًا ما، ثم يغلقها عليه. نظرت له فيروز ثم فتحت يدها لتنظر ما وضعه لها، فوجدت قلادة من الذهب كتب في نهايتها كلمة "الله"
نظرت له سريعًا وسألته:
-إيه دة؟ وجبتها منين؟!

رفع حاجباه مبتسمًا وهو يردف بتفاخر:
-إيه يا بنتي إنتي مستقلية بيا! أنا بشتغل حلو يابت!

مسحت هي آثار الدموع المتبقية وهي تتابع بدهشة:
-آه بس دي غالية جدًا و..
-وأنا أختي أغلى، أنا جبتلك دي عشان تبقى تذكار مني لو روحتي في أي مكان، وعشان تعرفي إن ربنا معاكي دايمًا.
ابتسمت له بامتنانٍ وهي تعيد النظر للقلادة، لتقبض عليها بكفها بقوةٍ بعدها.
تابع سهيل حديثه بهدوء:

-أنا جبتهالك من امبارح بس جيت لقيتك نايمة، والصبح نسيت أديهالك و...
تفاجأ بها وهي تعانقه بقوة وتبكي، فسألها بهدوء وهو يمسح على شعرها:
-طب بتعيطي ليه الوقت؟

أجابته باختناق:
-كلهم شايفيني ناقصة، إنت بس اللي بتحاول تحسسني إني...
قاطعها وهو يردف بحدة:
-فيروز، أنا قولتلك وهرجع أعيد، إللي حصل دة يتنسى دة عدى من حياتك خلاص، ومات، ولو معتصم هو السبب في اللي إنتي فيه دة وربنا ما هخليه يقرب منك تاني!
ابتعدت هي عنه سريعًا وهي تهز رأسها نافية وتقول:
-لأ مش معتصم، أنا اللي مش هـ...
-إنتي زي الفل، ثم إني شايف إنه كان معانا في كل خطوة، يعني لو هو شايف اللي إنتي شايفاه بعماكي دة عمره ما هيتقدملك، ولا إيه؟
فكرت هي فيما يقول لثوانٍ قبل أن تجيبه بخفوت:
-مش عارفة!
مسح دموعها سريعًا، وتابع بجدية:
-لأ صدقيني، هو مش بيفكر في كل دة، وبعدين بقى إنتي مش بتحبي تالا
-بحبها
-خلاص فكري في الموضوع دة كويس، وأنا معاكي في اللي هتختاريه.
نظرت له بامتنان، ثم أومأت رأسها عدة مرات، فتنفس الصعداء حين وافقت وابتسم لها محييًا. 


ولج إلى غرفته بعد يومٍ مضنٍ من الذكريات، يجب أن يذهب غدًا للعمل، خاصة وأن الشركة كانت بدون ادارة اليوم.
أخذ نفسًا طويلاً، وجلس على الفراش.. من كثرة تدفق الذكريات والأفكار لا يستطيع أن التركيز في شيءٍ بعينه. تمدد وظل ينظر للفراغ أعلاه. كان تفكيره منصبًا على كيفية حدوث كل هذا وهو لا يعلم أي شيءٍ عن الأمر! كيف دُفن الماضي بتلك الطريقة؟ كيف لم..، وأين كانت مذكراتها كل هذا الوقت؟ هل كان رحيل يعلم كل هذا ولم يخبره؟! هل هو السبب في ما حدث لوالدته؟ ماذا لو لم يرحل ويتركها هل كان سيؤخرها عن..!

-إتاخر!
نظر إليها بدهشة، فرفعت حاجباها، ونظرت له ببرود وهي تعيد:
-تاخر

تزحزح هو قليلاً وهو ما يزال ينظر لها مشدوهًا، حينها نزعت الغطاء عن الفراش ثم نامت بجانبه موليةً إياه ظهرها، وتدثرت.
عجب صهيب لما قامت به، مع أنه لم يدرك ابتسامته التي ارتُسمت على وجهه. ثم وبهدوء سألها:
-هتنامي هنا؟

أجابت ببساطة:
-آه
سأل مجددًا وابتسامة متسلية تعتلي ثغره:
-ليه؟
فأجابته ببرود:
-بصفتي مراتك مسموحلي أتنقل في البيت دة براحتي جدًا، حتى لو على السرير دة، و حتى ممكن أطلعك برا بس أنا طيبة!
ألجمته بِرَدها، أهناك سؤال لا تستطيع الإجابة عليه؟
ظل ينظر لها قليلاً قبل أن يقترب منها أكثر، ثم لف ذراعاه حولها من الخلف وأردف بابتسامة سمجة:
-أوضتك ساقعة مثلاً؟

ارتفع حاجبها وهي تجيبه بنفس البساطة:
-مثلاً!

-أنا قولتلك قبل كدة إنك مكسب!

-مممم لما خطفتني!
اتسعت ابتسامته قليلاً وهو يتذكر هذا اليوم الكارثي، ثم سألها بجدية:
-مكنتيش خايفة خالص في اليوم دة؟
-الإنسان مبيخافش إلا من الحاجة اللي هتأذيه، و جويرية في العموم مبتخافش غير من ربنا!
-طب ما أنا كنت خاطفك، يعني ممكن أءذيكي؟

-أنا مخافتش عشان كان عندي قناعة إنك مش هتأذيني.
أمسك بيديها الإثنين، فأغلقت يديها على يديه، وأغمضت عينيها لتنام.. هو يعلم جيدًا لما جاءت، كما أنه على يقينٍ أنها لم تعد تنزعج منه، وهذا ما يسبب له نوعًا من الراحة والسكينة.

دنى من أذنها أكثر، وهمس لها:
-شكرًا.
لم تجبه، ربما نامت، أو هي يقظة ولم تجبه، في كل الأحوال لم يرَ هو ابتسامتها الودودة التي ظهرت للحظات وسرعان ما اختفت.
أغمض عيناه هو الآخر، وكف عن التفكير في أي شيء، ولم تمضِ أكثر من خمس دقائق حتى غرقا معًا في نومٍ عميق. 

........... 

صباحًا..

استيقظت هي في الصباح، فوجدت يداه ما تزالان ملتفتان حولها.. حسنًا لن تلومه على أي حال، فهي حتى الآن لم تترك يداه!
هل افتقدت عقلها؟ لأن البارحة لم تستعمله مطلقًا.. لم تفكر قبل أن تبادر بالتقرب منه، ولم تفكر قبل أن تنام بجانبه، ولم تفكر حتى قبل أن تتركه يحيطها بيديه طوال الليل، لكنها قالت لعقلها فجأة.. أتعلم! لم أفتقدك! و لن أفكر الآن أيضًا، ولن أندم حتى!
ابتسمت لنفسها، فهي في صغرها كانت تظن أنها مجنونة لكثرة حديثها مع نفسها.

حاولت انتزاع يدها من بين يديه فلم تستطع، فأدركت أنه مسيقظ..
-من إمتى؟

-إسمها صباح الخير.
التفتت لتنظر له، فحل يديه عنها، حينها أردفت ببرود:
-اتأخرت أكيد على الشغل، يلا قوم

هز رأسه نافيًا وهو يمسك بخصلاتٍ من شعرها ويجيبها بهدوء:
-تؤ تؤ أنا المدير، أروح براحتي وآجي براحتي.
رفعت حاجباها ساخرة، ثم حدثته بنبرة توازيه هدوءًا:
-تؤ تؤ إنت المدير، يعني تروح أول واحد عشان تبقى قضوة للي بيشتغلوا هناك.

نزلت بعدها من على الفراش وهي تتابع:
-الأول صلي، وافطر، وبعدها روح

نظر لها مغتاظًا، لقد تجاوزت ألوانها ألوان الحرباء. لا يصدق أنها نفس الفتاة التي لم تتركه البارحة وحده، وأذابت جليدها حتى تسانده..
هز رأسه بيأس.. عاد الجليد من جديد!

استدارت تنظر إليه وتسأله بحدة:
-إنت لسة عندك!

كاد أن يجيب إلا أنها اقتربت منه وتابعت بهدوء:
-الـ آآآ

قاطعها هو بسحبها من يديها بقوة، فوقعت على الفراش بجانبه. نظرت له بذهول وقبل أن تنطق بحرف سبقها هو قائلاً بهدوء:
-هروح وكل حاجة بس عاوز أسألك الأول سؤال، وتجاوبيني عليه.
قطبت حاجباها وهي تعتدل في جلستها وسألته بحيرة:
-خير؟

وضع يده على وجهها ورفعه إليه قليلاً وهو يسألها بخفوت ناظرًا لوجهها مليًا:
-مش هتسبيني صح؟

نظرت له لأكثر من دقيقة كاملة ولم تتحدث، فلام نفسه على أنه سألها هذا السؤال، فالإجابة الآن ستكون..
-برأيك لو كنت ناوية اسيبك كنت هسيبك تحط ايدك على وشي وتمسك إيدي كدة! مممم أو كنت هنام هنا امبارح؟

نظر لها، هل هو سعيد؟ أو ربما مندهش وامتزج اندهاشه بالصدمة، لم يتوقع هذا الجواب. لم يتوقعه أبدًا.. إلى أي حدٍ باتت تهمه! بل إلى أي درجة بات وجودها في حياته أمرًا ضروريًا لاستمرار حياته. لو كان جوابها غير هذا فلم يحسب حسابًا لما كان سيفعل حينها.. وفي النهاية بدأت ابتسامة رائعة تزين وجهه بدون أن ينبس بحرف. 

نظرت له وهي تشعر بالسكينة لأنه ليس كالبارحة، وأنها استطاعت جعله يبتسم، لكنها وعلى الرغم من هذا لم تظهر له الأمر وتابعت ببرود:
-إنت عملت ذنوب كتير أوي في حياتك، وشكلك أذيت ناس كتير.. فاستخقتني بجدارة!

ضحك، فرفعت حاجباها وهي تكمل محذرة:
-أنا كابوس مش حلم!

كتف يديه واستند على السرير وهو يجيب باستخفاف:
-إيه دة أنا مقولتلكيش قبل كدة إني بحب الكوابيس اللي من النوع دة!

-لأ للأسف أول مرة تقولي!

أردفت بها وهي تنزل من على الفراش وتذهب، فنظر لها وسألها بجدية:
-راحة فين؟

أجابت بروية:
-الفجر راح عليا هتوضى عشان..
صمتت قليلاً ثم التفتت إليه وتابعت متسائلة:
-تحب تيجي تصلي معايا؟
نزل هو أيضًا، وذهب ناحيتها قائلاً و هو يومئ رأسه:
-خلاص تعالي نتوضى عشان نصلي. 
................ 
وقفت أمام البحر، في نفس المكان الذي اعتادت أن تلقاه فيه، وفي نفس المكان الذي تقف فيه باستمرار حين تشعر بالوحدة.
اقتربت قليلاً من الماء وجثت على ركبتها، ثم وضعت يدها بداخل ماء البحر البارد، ثم أخرجت يدها تحمل القليل منه، ووقفت على قدميها من جديد.. في الحقيقة كانت تفكر بأن تدخل البحر إلا أن الجو بارد جدًا وربما يتأذى طفلها.

هي تعلم أنها ستظل وحيدة اليوم، ولن تراه فقد أخبرها أنها لا يجب أن تراه إلا حين تتخلص من كل أوهامها، وهذه الذكريات.. ربما بالفعل كانت تكابر لكن حين تصدق مع نفسها تعترف أنها في كل مرة تتحدث إليه ترتاح أكثر.. بالرغم من أنه يضغط عليها لكنها تلاحظ الفرق حين تهدأ. سعلت وقد بدأ الجو يصبح باردًا، ثم ضمت نفسها بيديها.. 

-المفروض كنتي تتقلي
نظرت بجانبها فوجدته أمامها، لم تنتفض ككل مرة فهي قد علمت صوته جيدًا.

أجابته بفتور:
-مكنتش أعرف، وبعدين مش المفروض منتقابلش الوقت!

أخذ نفسًا هادءًا، ثم أجابها بتريث:
-كدكتور والحالة بتاعته أوك، أما كأصدقاء فعادي جدًا!

نظرت له بحنقٍ وسألته:
-ومين قالك إننا صحاب؟

اقترب منها، فكتفت يداها وأشاحت بوجهها عنه بغضب، فابتسم، يبدوا أنها باتت تعمل على نفسها كثيرًا هذه الأيام. حينها أجابها بصوتٍ منخفض:
-أومال احنا إيه؟

رمشت بعينيها عدة مرات حين لاحظت قربه الذي زاد عن حده، ومع ذلك استجمعت قوتها وظلت ثابتة في مكانها، بالرغم من تعلثمها وهي تجيب:
-إنت الدكتور بتاعي بس!

-وقبل ما ابقى الدكتور؟

-مـ.. مكنتش حاجة
ابتسم بهدوء وتراجع خطوة واحدة، ثم قال بثقة:
-لأ كنت!

قطبت حاجباها متسائلة بحيرة:
-كنت إيه؟

رفع يده اليمنى وعاد عدة خطواتٍ للخلف، ثم استدار وسار بعيدًا عنها بعد أن أجابها بهدوء:
-واحد من الناس.
سارت هي خلفه، ونادته:
-لؤي!

استدار لها فقالت بهدوء:
-أنا موافقة نكون صحاب
رفع احدى حاجباه وسألها ببرود:
-اشمعنا!

أجابته بفتورٍ، وحزن:
-عشان.. عشان
صمتت حين لم تجد جوابًا مناسبًا، بل وكادت أن تبكي أيضًا إلا أنه تحدث عنها قائلاً:
-وحيدة!

أومأت رأسها، فنظر لها بحدية وأردف:
-غلط
رفعت رأسها ناظرة إليه وسألته مستفهمة:
-إيه دة!

-مش أول حد يمدلك اديه تمسكي فيها، افرضي كان هيوقعك!
نظرت له لثوانٍ وقد بدى عليها التيه، قبل أن تسأله بدهشة:
-حتى انت؟

أومأ رأسه وهو يجيبها:
-حتى أنا
اعتبرت هي أنه يريد إحراجها فقط حتى ولو كان الغرض النصح، وكادت أن تسير بعيدًا عنه إلا أنها سمعته يتابع بثبات:
-بس متخافيش أنا مش وحش، أنا أخري أطلعك عن شعورك بس!

استشاطت من الغضب، مع ذلك تابع ببرود:
-وأنا رأيي تديني تلفونك عشان لما تحبي تيجي تتصلي بدل ما آجي هنا كل يوم!
-وإنت تيجي أصلاً ليه؟

-أصل إنتي بتخرجي البرود الصباحي اللي عندي وأغلب الأحوال لما بشوفك محدش بيتشاكل معايا و..
كادت أن تصفعه إلا أنه أمسك يدها قبل أن تصل لوجهه، ثم نظر لها لثوانٍ قبل أن يتحدث بجدية:
-كويس بس كان لازم ردة فعلك تبقى أسرع، متسمحيش لحد يتطاول عليكي بأكتر من كلمتين.

اتسعت عيناها بدهشة بعد أن كانت عيناها كجمرتين من النيران، ثم قال لؤي:
-على فكرة إنتي كويسة جدًا، بطلي تفكري إنك لسة بتعاني من أي مشاكل.
سألته بهدوء
-وإيه اللي أكدلك؟

ابتسم وهو ينظر لها، فشعرت أن هناك خطبًا ما بها، نظرت مليًا لتكتشف بعدها أنه قريبٌ منها لدرجة أنها باتت تسمع أنفاسه!
ترك يدها كي لا يخيفها أكثر، هو قد تأكد أنها بدأت تتحسن كثيرًا بالفعل، لكن لا يجب المغالاة في الأمر.

ثم أردف بهدوء:
-الساعة ٤ النهاردة فاضي، وبصفتنا أصدقاء جداد أنا عازمك على الغداء.
لم تعلم، هل توافق فيخبرها ألا تثق به، أم ترفض ثم تندم!

أدرك هو الحيرة التي وضعها بها، فتابع بجدية:
-هستناكي النهاردة في كافي ((...)) متتأخريش.
ثم تركها وانصرف، فظلت تنظر له وهو يرحل، ثم زفرت، فلم تتوقع أبدًا أن يكون بكل تلك الوقاحة، فلم يتركها حتى لتعطه قرارًا!

أخذت نفسًا عميقًا، ثم سارت في الاتجاه المعاكس. 


خرجوا ثلاثتهم من المحكمة مستبشرةً وجوههم، ابتسامة هادئة تعتلي ثغرهم.
كان أحدهم حاملاً حقيته السوداء، والآخر ممسك ببعض الأوراق، والأخير بهاتفه.

صاح أحدهم بنبرة سعيدة:
-الله ينور أرجالة، بس لأ براء كان رهيب النهاردة.. مش قادر أستوعب إنه مش شغال من زمان وبيعرف يتكلم كدة!
ضحك براء وهو يجيبه بغرور:
-أكيد يا بني، هو أي حد براء!

نظر لهما الأخير بتعالٍ وأجاب:
-دة على أساس مين جابلك الأدلة إنت وهو، ها يا معتصم!

وضع معتصم يده على كتفيهما وأجاب بهدوء:
-شكرًا يا أبان بجد على اللي عملته معايا، إن الراجل البريء دة يطلع براءة دة كان بالنسبالي حاجة بتعادل شرفي.
ثم التفت ناظرًا لبراء وتابع:
-وأنا بجد معرفش لولاكم كنت هعرف أثبت براءته ازاي.

ابتسم له براء وأجاب بجدية:
-الموضوع مش محتاج شكر، دة كفاية اللي عمال يهددك دة وكل دة بسبب..

-براء متقولش كدة
قاطعه معتصم بغضب، فتابع عنه أبان:
-صح يا براء الموضوع دة كان يخصنا كلنا، وبعدين معتصم بيشكرنا على حاجة بسيطة زي دي، ونسى إن هو طول السنين اللي اشتغل فيها كان بينتقم من العصابة دي واحد واحد لحد ما خلص عليهم كلهم وردم اسمهم في التراب..
-فاكر لما بقينا صحاب! وأول يوم اتقابلنا فيه كان في الصحراء مش فاهم إيه الأماكن المخروبة دي!

أردف بها معتصم ضاحكًا، فأجابه أبان بمزاح:
-كنت عاوزك تبقى خايف، كنت عاوز أعمل جو عليك.

ضحك ثلاثتهم بسخرية، ثم استطرد أبان حديثه بجدية:
-على فكرة، أنا استقلت أنا كمان، وشوفلي مكان في الشركة إلدي بتشتغل فيها دي.
صدم كلاهما وهتفا سويًا وهما ينظران إليه:
-إستقلت!

نظر لهما بهدوء وأجاب ببساطة:
-إحنا صحاب يا معتصم، واللي ييجي عليك ييجي عليا، أنا بس استنيت كل دة عشان أجيبلك الأدلة دي.
كاد معتصم أن يتحدث، إلا أنهما سمعا رجلاً على يمينه ويساره ضباط يبتسم لهم ويردف بود:
-ربنا يحفظم إنتم التلاتة يارب، أنا من غيركم كان زماني معتقل دلوقتي ومكنتش هطلع دة لو مكنوش حكموا عليا بالإعدام!

اقترب منه معتصم، ووضع يده على كتفه قائلاً بابتسامة بشوشة:
-متقولش كدة، الحق مش فضل واحنا بس رجعنالك حقك
ظلت الابتسامة تملأ وجهه حتى انصرف، فشعروا ثلاثتهم بالسعادة لإخراجه من هذا البلاء بعد توفيق الله تعالى.

نظر لهما براء لعدة ثوانٍ ثم قال بجدية:
-على كدة الشركة دي بنشتغل فيها من الساعة كام
نظر له معتصم وسأله:
-إيه دة إنت عاوز تيجي انت كمان؟

-آه اشمعنا أنا؟

ضحك كلاهما، ثم تابعوا حديثهم وهم يسيرون في اتجاه الشمال....!!! 
.......................................!!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة