-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل الحادى والثلاثون (الأخير)

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية كاملة جديدة للكاتب عمرو عبدالحميد والمليئة بلإثارة والغرائب والخيال فتابعونا علي موقعنا قصص 26 و موعدنا اليوم مع الفصل الحادى والثلاثون (الأخير) من رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل الحادى والثلاثون (الأخير)

اقرأ أيضا: روايات إجتماعية

رواية أرض زيكولا

رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل الحادى والثلاثون (الأخير)

فهمس خالد إلى نفسه : "باب زيكولا.."
ثم أسرع يعدو تجاه باب زيكولا.. يجري ولا يشعر بشيء من حوله.. يجري ولا تدور برأسه سوى كلمات أسيل.. يجري مسرعًا كأنه لم يجر من قبل.. يتمنى أن تنقله الرياح إلى ذلك الباب.. من يراه يندهش، ويرتطم بهذا وذاك.. ويواصل عدوه ويسقط وينهض ليعدو مرة أخرى .. يستمع إلى أنفاسه المتسارعة، ويكمل عدوه وسقطت منه الورقة فتركها.. وأكمل طريقه.. حتى وصل إلى باب زيكولا فوجده مغلقا وأمامه حارس ضخم الجثة فصاح به: أريد أن أخرج..
فابتسم الحارس: ألا ترى ؟ !!.. لقد اغلق الباب مع شروق شمس اليوم..
فصاح خالد مجددًا :لابد أن أخرج ..
فظهر الغضب على وجه الحارس حتى صاح خالد مرة أخرى ، وحاول أن يزيح الحارس بذراعه فدفعه الحارس بدرعه فعاد خطوات إلى الخلف، وسقط ثم نهض مجددًا وعاد إلى الحارس: أريد أن أخرج..
فضربه الحارس ضربة قوية بدرعه أسقطته على ظهره، و جعلت الدماء تنزف من وجهه فاقترب منه يامن، وأمسك بكتفيه: هيا يا خالد.. لابد أن نرحل عن هنا..
فنهض خالد، ونظر إلى الباب الضخم.. وانتفخت عروق رقبته وصاح بصوته كأنه يود أن يهز جدران تلك المنطقة: أسيييييل.. أسيييييل..
فجذبه يامن :هيا يا خالد.. هيا.. لابد أن نرحل عن هنا..
ثم أعطاه ورقة أسيل التي سقطت منه، وقال: لا تستطيع أسيل العودة إلى هنا مجددًا .. كانت تعلم أنها ستصبح في نظر تلك المدينة خائنة.. ففضلت أن تتركها بكافة ما تمتلكه..
فصاح به خالد: إنها ليست خائنة ..
فابتسم يامن: أعلم ذلك يا صديقي.. لقد قرأت تلك الورقة ثم نظر إليه: لقد ضحّت بكل شيء من أجل حياتك يا خالد.. أنت تعلم ما كتبته إليك.. ما تمنته لك أن تعود إلى حبيبتك في عالمك.. وأن تعيش حياتك سعيدا.. هذا سيكفل لها السعادة.. خالد، عليك أن تفعل ما يجعلها سعيدة الآن..
ًفنطق خالد حزينا: كان لابد أن تعرف أن حبيبتي تلك قد تزوجت..
فصمت يامن ثم قال: لن تستطيع أسيل العودة إلى هنا.. ولن تستطيع أنت اللحاق بها.. عليك أن تعود إلى بلدك.. لقد فعلنا الكثير كي تتحقق أمنيتك بعودتك إلى بلدك..
فجلس خالد، وأمسك برأسه..
وتحدث نفسه بصوت مسموع: لم أكن لأرضى أن تفعل ذلك..
فصاح به يامن: ولكنها فعلته، ولم يعد هناك وقت لما تفعله الآن.. هيا انهض..
ثم جذبه: أعلم أنك صديقي، ولكن أيها الصديق لا أريدك أن تظل هنا ببلدي.. عليك أن
تعود إلى بلدك..
فضحك خالد ساخرا: بلدي؟! كيف؟.. لابد وأن صاحب البيت بالمنطقة الغربية قد عاد إليه، وانتهى كل شيء..
فصمت يامن ثم أكمل مبتسمًا: أو ربما لم يعد بعد.. ثم أكمل : سيعود إلى بيته بعد غد..
فنظر إليه خالد متعجبًا: كيف وقد أخبرنا الفتى بأنه سيعود إلى بيته مع يوم زيكولا؟ !
فابتسم يامن : أعتقد أن مائتي وحدة ذكاء كافية لتجعله يترك بيته ليلتين..
فسأله خالد في دهشة : مائتا وحدة؟!
فابتسم يامن: نعم ..
فسأله خالد مجددًا: أعطيته مائتي وحدة؟!
فأجابه يامن: نعم..
فنظر إليه خالد: كيف تدفع تلك الوحدات؟
فأجابه يامن، ولا زالت الابتسامة على وجهه: ليست أسيل فقط من تقدم المساعدة.. حين جعلتنا نتخلص من آخذى وحدات الحماية كى نأكل دجاجًا ونوفر وحدتين كل يوم.. لم أكن آكل الدجاج.. ثم زادت ابتسامته: لم أخبرك من قبل أنني لا أحب الدجاج.. وسامحني لأنني لم أحضر منافسة الزيكولا بالأمس.. كان لابد، وأن أمكث هنا أمام ذلك الباب، وأنتظر النهار بأكمله مع الخادم كي أجد صاحب البيت وأقدم له عرضي قبل أن نفقده ويضيع كل شيء..
فسأله خالد :وما مقابل تلك الوحدات يا يامن؟
فنظر إليه يامن: لا تكفي تلك الوحدات مقابلا لتلك الشهور التي كنت بها صديقا وفيًا لي..
فابتسم خالد ثم احتضنه، فهمس يامن إلى أذنه: هيا عليك أن ترحل الآن.. الطريق إلى المنطقة الغربية طويل.. هناك ينتظرك إياد.. ستعطيه ذلك الحصان حين تصل إليه.. ثم أشار إلى حصان أسود قد عقله بالقرب منهما وتبدو عليه القوة..
فسأله خالد، وكأنه لا يصدق مفاجآته: ومن أين لك بهذا الحصان أيضا؟
فابتسم يامن: لا تقلق، لقد استأجرته كي آتي به إلى هنا.. كان لابد أن أسرع.. ولكنني تذكرت أن الحصان لابد وأن يعود إلى صاحبه بالمنطقة الغربية، وأنا إن ذهبت إلى هناك كي أعيده.. فكيف أعود هنا مجددًا؟!
ًثم أكمل ضاحكا: أنا جئت به.. وأنت ستعود به..
فابتسم خالد :أكيد مش هلاقى صاحب زيك يا يامن..
فابتسم يامن :ها أنت قد عدت إلى لهجتك الجميلة يا صديقى ..هيّا لا تضيع وقتك وتذكرني دائمًا وأنا سأظل هنا لأحكي للصغار أن صديقيل صاحب أغلى كتاب واغلي قبلة بتاريخ زيكولا.. القبله التي أنقذت حياته يوم زيكولا..
ثم أتى بالحصان إلى خالد، فامتطاه خالد ونظر إليه: يامن.. تعلم أن هناك شابًا قد يكون أخى بالمنطقة الشمالية.. إن قابلته يومًا وكان في حاجة إلى مساعدة فلا تتأخر عنه..
فابتسم يامن: حسنا..
ثم ضرب مؤخرة الحصان بيده، وصاح : هيا إلى طريقك.. سيعطيك إياد كتابك حين يجدك.. أما أنا سأذهب لأحتفل مع أهل زيكولا.. أشعر أنني في حاجة كي أرقص مع إحدى الفتيات.. كفاني تلك الجرعة من الحزن الأوقات السابقة..
بدأ خالد يتحرك بحصانه، وينظر إلى يامن الذي يقف مبتسمًا ويلوح له بيده والحصان يتحرك ببطء، وخالد ينظر إلى بيوت المنطقة الشرقية وقصورها التي عاش بينها لشهور .. حتى اختفى يامن عن أنظاره، وتحرك نحو البحيرة فابتسم ثم اقترب منها، وترجّل ونزل ليشرب من مائها.. ثم امتطى حصانه مجددًا وأمره أن ينطلق في طريقه إلى المنطقة الغربية، والشمس تسطع فوق رأسه الحليق.. يتطاير قميصه مع الهواء، ويسرع حصانه كأنه سهم يشق الطريق نحو الغرب.. بينما تنطلق أسيل بحصانها خارج زيكولا تجاه بيجانا نحو الشرق .. يسير كلاهما في طريقه، ويبتعد كل منهما عن الآخر.. سوى بكلمات أسيل خالد لا يفكر وأسيل لا يدور برأسها سوى خالد.. يبتسم حين يتذكر حديثه إليها عن التلفزيون وتبتسم هي بعدما تذكرت احمرار وجهه حين قبلته.. ينطلق الحصانان كلٌ نحو قدره الذي اختاره صاحبه، وتتحرك فوقهما الشمس من الشرق إلى الغرب كأنها تراقبهما على ظهر تلك الأرض وهما مجتمعان للمرة الأخيرة وخالد يسرع ويقلب عينيه بين صحراء زيكولا وكأنه يودعها، وينظر إلى مناطقها التي يمر عليها ويشير إليها بيده وكأنه يخبرها بأنه سيرحل.. وأسيل تغمض عينيها كأنها تتمني لخالد ان يحق ما يريد.. حتى بدأت الشمس في الغروب إيذانا برحيل هذا النهار..
حل الليل ووصل خالد إلى أطراف المنطقة الغربية واتجه نحو البيت الذي يقصده على الفور وما إن وصله حتى دلف إليه بحصانه وهناك وجد إيادًا في انتظاره والذى صاح: لقد سمعت بما حدث اليوم.. هنيئا لك يا صديق ..
فابتسم خالد: شكرا يا صديقى..
ثم ترجّل، وأشار إلى حصانه :هذا هو الحصان الذي استأجره يامن.. إنه أسرع حصان رأيته بزيكولا.. لقد أحسن يامن الاختيار تلك المرة..
فابتسم إياد ثم أخرج كتابه :وهذا هو كتابك..
فابتسم خالد : مازلت أدين لك بأجر متابعة حفر النفق..
فضحك إياد: لقد أعطاني يامن ذلك الأجر.. لم أطلب الكثير..
فابتسم خالد: يامن..
فسأله إياد: هل سترحل الآن؟
فأجابه: نعم
فأكمل إياد: لقد قرأت بعض الصفحات من كتابك.. لقد أسعدك الحظ يا خالد.. إن الليلة بدر أيضا.. سيكون سردابك مضاءً .. ثم نظر إليه وأعطاه مصباحًا ناريًا: وهذا المصباح سيلزمك حتى تمر من نفقنا ..
فابتسم خالد :حسنا، ولكن عليكم أن تغلقوا طرف ذلك النفق بعد ذهابي..
فقال إياد : بالطبع يا صديقي.. إن اكتشف أحد ما فعلناه فسنصبح خائنين لزيكولا..
فوضع خالد يده على كتفه ثم صافحه واحتضنه، ووضع كتابه بين بطنه وبنطاله أسفل قميصه، واتجه إلى فتحة النفق، ونزل السلم الخشبي بها، وبيده المصباح.. وأشار إلى إياد مودّعًا له..
بعدها نظر خالد إلى النفق الأفقى فوجده مظلمًا.. فسمى الله وبدأ يزحف على ركبتيه وبيده المصباح، يتحرّك مسرعًا ويحدث نفسه: ليست إلا أمتار وأكون خارج زيكولا.. يشعر أن نشاطه قد عاد إليه بعدما افتقده الأيام السابقة.. ويكمل حديثه إلى نفسه: أرحل من أجل أسيل.. من أجل جدك.. من أجل يامن، ويواصل زحفه ويتجنب الدعامات الخشبية التي تركها من صنعوا هذا النفق.. يتوقف للحظات ليلتقط أنفاسه ثم يبتسم، ويحدث نفسه مجددًا: ما زلنا في البداية يا خالد.. هيا.. ثم يكمل تحركه حتى لمح الفتحة الأخرى للنفق، والنور يتسرب خلالها فأسرع من تحركه.. يجذبه الأمل نحوها.. هيا يا خالد.. هيا.. إنها لحظات.. هيا، ويزحف بقوة، حتى وصل إلى تلك الفتحة، وقفز إلى خارجها، ومازال مصباحه بيده حتى وجد نفسه بأرض رملية يظهرها نور البدر الذي يسطع بالسماء، والتفت ليدق قلبه بقوة حين وجد سور زيكولا بشموخه خلفه.. فصاح فرحًا :أنا خارج زيكولا.. أنا خارج زيكولا ..
وظل يعود بقدمه خطوات للخلف، وينظر إلى سور زيكولا وإلى ارتفاعه الشاهق الذي طالما كان عائقا له.. حتى انزلقت قدماه في الرمال فجأة، وسقط على ظهره وسقط المصباح بعيدا عنه، ومالبث أن مد يده كي يلتقطه حتى وجد جسده يسقط بحفرة وسط الرمال، وظ ل جسده يهوى لأسفل، ويرتطم بجدران تلك الحفرة، ويهوى أكثر فأكثر دون أن يتوقف، وأمسك برأسه التي ارتطمت كثيرا وبدأت الدماء تنزف منها.. حتى بدأت حركته تقل شيئا فشيئا ثم توقف جسده عن الارتطام لينظر أمامه ليجد نفقا ممهدا يتجه بانحناء لأسفل ولأحد الاتجاهات فأسرع به يجري ..الطريق يأخذه لأسفل، ولا يفكر بشيء سوى أن يسرع به.. يريد أن يصل إلى ما يريده.. يعلم أن انحناء الطريق لأسفل ربما لسبب لا يعلمه.. إنه صُمّم كذلك.. ربما كان سببًا كي يحتوي فرعي زيكولا بالكامل.. أو ربما كانت هناك فروع أخرى .. يتحدث إلى نفسه، وتدور بعقله تفسيرات لا يأبه بها كثيرا.. حتى سقط وتدحرج بجسده مجددًا فابتسم ونهض وأكمل عدوه وكلما سقط تدحرج جسده قليلا ثم ينهض مجددًا ويكمل عدوه وظل يواصل طريقه، والوقت يمرّ .. وإن أصابه التعب وقف للحظات كي يلتقط أنفاسه ثم يسرع من جديد، ويحدث نفسه ليحفزها: هيا يا خالد.. لم يعد سوى القليل..
حتى زاد تعبه للغاية فجلس وأسند ظهره إلى جدار، ومسح بذراعه حبات العرق التي أغرقت جبينه.. ثم نهض وسار بضع خطوات حتى وجد صورة تشبه الصورة التي وجدها حين نزل السرداب لأول مرة، والصورة التي نقشت على سور زيكولا بالمنطقة الغربية فوقف أمامها، وابتسم: فوريك..
وما إن مر أمامها حتى شعر بذات الهزة العنيفة التي حدثت من قبل حين عبر السرداب للمرة الأولى ونظر خلفه ليجد جدران السرداب قد بدأت في الانهيار.. فابتسم وبدأ يعدو.. يسرع.. والجدران تنهار من خلفه.. تخطو قدماه مسرعة.. يعلم أن الانهيار من خلفه يدفعه لطريق مقصود.. يسرع ويخشى أن يطوله الانهيار فتتحطم معه آماله.. هيا يا خالد.. يحفز نفسه.. هيا.. حتى بدأ الصوت يقل من خلفه وهدأت الحركة العنيفة ولم تعد هناك انهيارات للجدران، وما إن نظر أمامه حتى وجد نفسه في طريق للسرداب أكثر اتساعً ا، وجدرانه منقوشة بنقوشٍ كثيرة.. فصاح : سرداب فوريك.. سرداب فوريك الأساسي..
وأسرع به ترتطم قدماه بالهياكل العظمية المنتشرة بأرضيّته وأكمل جريه حتى وصل إلى سلمه الطويل فأسرع إليه وصعد درجاته.. يخطو العديد منها بخطوة واحدة منه.. ويحدث نفسه.. لم يعد سوى القليل يا خالد.. يصعد ولا ينظر خلفه..
ينظر إلى درجات السلم المتبقية، ويخطوها مسرعًا.. حتى وصل إلى أعلاه فتوقف وانحنى ليمسك ركبيته ليلتقط أنفاسه، وكأنه يفكر، ويتذكر يوم نزوله السرداب للمرة الأولى، وحدث نفسه بصوت يسمعه: ها أنا قد مررت من السرداب.. الآن النفق ..
عليك أن تسرع يا خالد.. لا يوجد هواء بالداخل ..
ثم صمت وأكمل: ولا توجد إضاءة.. عليك أن تتذكر جيدا كيف كان مسارك بهذا النفق..
ثم أغمض عينيه وكأنه يتذكر ثم فتحهما ونظر إلى الفتحة ذات ألواح الخشب المتكسّرة، والتي تصل سرداب فوريك بالنفق المظلم.. وسمى الله ثم ملأ صدره بالهواء، وأسرع إليها فوجد الظلام يسود بداخله، وأسرع يزيح شباك العنكبوت التي تملؤه ويسرع ويتذكر في لحظات طريقه حين نزله.. يسرع في الظلام، وكلما وجد طريقه خاليًا يتقدم أكثر.. ويتحرك كأنه يغطس بأعماق محيط.. تحركه كمية الهواء التي التقطها منذ دخوله بعدما لم تكف فتحة هذا النفق لتدخل المزيد من الهواء مع كثافة شباك عناكبه كأنه صُمّم ليكون قبرا للاختناق حتى لو لم يكن مغلقا بالكامل، وبدأ يشعر بالاختناق، ولكنه أكمل طريقه، وتسارعت أنفاسه ودق قلبه مسرعًا وبرزت عيناه حتى ارتطمت قدماه بشيء صلب وحين تحسسه أدرك انه سلم النفق فصعد درجاته على الفور حتى اصطدمت رأسه ببابه الفولاذي الذي قد أغلق حين انكسر اللوح الخشبي، فبدأ يدفعه بقوة.. يعلم أنه يستطيع ذلك.. يدفعه ويحاول أن يرفعه.. يحفز نفسه، وأخرج ما لديه من هواء : هيا يا خالد.. هيا..
ويضغظ على أسنانه، ويدفع بكتفيه..
ًحتى بدأ الباب يرتفع قليلا، واندفع الهو إلى صدره: هيا يا خالد ..
حتى ارتفع الباب بأكمله وقفر خالد إلى خارجه، وسقط بجواره وصدره يعلو وينخفض مسرعًا.. وصاح: أنا رجعت..
وأمسك برأسه وكأنه لا يصدق نفسه.. يجلس بجوار الباب الفولاذي، وينظر إليه ويتحسس وجهه كأنه يتيقن أنه ليس نائمًا.. ثم ينظر إلى ملابسه الزيكولية ويتحسس رأسه ليجده حليقا فأدرك أنها حقيقة.. ثم أغلق باب النفق من جديد وأسرع إلى الخارج فوجد الظلام يسود السماء ثم عبر السور العالي الذي يحيط بالبيت المهجور وما إن عبره حتى سمع أذان الفجر يهزّ كافة أرجاء بلدته.. البهو فريك.. فابتسم، وكما سمع كلماته بدأ يكرر الآذان وأسرع بين شوارعها الخالية وكلما رأى أحد الأشخاص يمر.. حاول أن يختبئ حتى لا يراه بهذا الزيّ .. حتى اقترب من بيته، وما إن وصل إليه، ودق الباب بقوة حتى وجده مفتوحًا قليلا فأدرك أن جده قد فتحه كعادته مع حلول الفجر ثم دلف إليه فوجد جده يصلي الفجر جالسًا ويعلو صوته بآيات من القرآن فجلس خلفه في انتظاره، وتساقطت دموعه حين سمع دعاءه بأن يعود إليه سالما حتى انتهى والتفت فوجد خالدا خلفه فتسارعت أنفاسه وكأنه لا يصدق نفسه، واحتضنه بقوة ودمعت عيناه، أما خالد فبكى كثيرا حين احتضنه وكأنه لا يصدق نفسه هو الآخر، وظل يحتضنه ويمسح رأسه بكتفه، ويبتسم بينما يرتشف دموعه: كنت بقولك هرجع لك يا عبده.. قلت لك إنى هرجع..
ثم سقط، وكأنه قد فقد وعيه..
ظل خالد نائمًا وبدا عليه أنه لم ينم لأيام طويلة، وبجواره جده.. يجلس لينظر إليه، و بدل له ملابسه ولم يرد أن يفتح كتابه الذي أحضره معه إلا بعدما يخبره بما حدث له أولا ومر يومٌ كامل دون أن يستيقظ، حتى نهض فوجد جده بجواره ومعه صديقه العجوز - مجنون السرداب - الذي كان أول من يخبره عن حقيقة سرداب فوريك، وما إن رآه قد فتح عينيه حتى صاح: خالد صحي.
فابتسم خالد وقال: لابد أنكم قد أصابكم القلق..
فاندهش الرجل مما سمعه فضحك خالد : عارف إن لهجتى أوقات بتتغير.. بس قريب أوي هستعيد لهجة البهو فريك..
فقاطعه جده: يلا يا خالد.. احكي لنا اللي حصل لك ..
ثم تدخل الرجل : انت نزلت السرداب فعلا؟
فابتسم خالد وسألهما : من أين تريدان أن أبدأ قصّتي؟
ثم بدأ يحكي عما حدث له منذ نزوله ذلك النفق أسفل البيت المهجور بالقرية وما حدث له به، ونزوله إلى سرداب فوريك الحقيقي، وتلك الصورة به، وما به من هياكل عظمية ثم خروجه إلى أرض زيكولا، وظل يحكي لهما، وهما يستمعان إلى كل كلمة يقولها.. يحدثهما عن قوة تلك المدينة، وعن أهلها وعن طقسها الذي يبدو ثابتا مع تغير فصول العام.. وعن عمله هناك، وعن يوم زيكولا، وعن يامن وأسيل وعن رحلته خلف هذا الكتاب الذي يوجد بين أيديهم، ولكنه آثر ألا يخبر جده بأن أباه قد قتل كي يرثه ابنه.. بل إنه لم يذكر سيرة أبيه أو أخيه على الإطلاق وآثر أن يحتفظ بهذا السر خشية أن يسبب مزيدا من الحزن لجده، وظل يحكي ويحكي وتمر الدقائق وتتبعها الساعات، ولم يتركاه دون أن يسألاه عن تفاصيل كل جملة يقولها.. حتى انتهى فنظر إلى جده وصاحبه وقال: أريد أن يظل حديثنا هذا سرا بيننا..
فاندهش صديق جده : وليه منقولش للناس كلها .. انت بطل..
فأجابه خالد: لن يصدقك أحد.. لن يقولوا بطلا.. سيقولون مجنونا..
فقاطعه الرجل: الكتاب أحسن دليل ..
فابتسم خالد: سيقولون إنك أحضرت الكتاب من مكان آخر.. أريد فقط أن يظل هذا السر
بيننا.. أريدكما أن تعداني بذلك..
فابتسم جده: حاضر ..
وابتسم الرجل: وأنا كمان بوعدك ..
ثم ضحك جده :أكيد مني هتفرح لما تعرف إنك رجعت.. دي على طول كانت بتسأل عليك وعمرها ما سابتني لوحدي..
فسأله خالد: هىّ متجوزتش؟ !
فابتسم جده : لا ثم أكمل : منى بتدي لأبيها دروس من جديد.. زي اللي بترد له كل اللي عمله فيك.. كل ما يتقدم لها عريس ترفض.. وتبوّظ الجوازة لأي سبب.. وحلفت قدام الناس إنها مش هتتجوز ..
فابتسم خالد: أكيد طالعة مجنونة لأبوها..
فابتسم جده :هي مش هتتجوز إلا انت يا خالد..
فابتسم خالد : لكني لا أريد الزواج الآن ..
حتى فوجئوا بمنى تدخل إليهم فجأة، ونظرت إلى خالد في سعادة: خالد.. أنا عرفت إنك رجعت..
فابتسم خالد: نعم ..
فأكملت: أنا مبسوطة أوى إنك رجعت..
فابتسم :شكرا منى.. أشكرك إنك كنتي بجوار جدي تلك الفترة ..
فضحكت منى: انت بتتكلم كدة ليه؟ ..هو السفر أثر ع كلامك ولا إيه؟
فضحك خالد: نعم ..
ثم نهض جده، وصاحبه، وتركاهما فابتسمت منى: أنا حلفت لأبويا إني مش هتجوز الا انت.. وإن متجوزتكش مش هتجوز طول عمري واللي يعمله يعمله ..
فصمت خالد دون أن يرد فتابعت :خالد.. أنا مش شايفاك فرحان بكلامي ليه.. انت حبيت حد تاني وانت مسافر؟
فابتسم خالد: منى.. أنا رجعت من السفر زي ما أنا.. اعتبريني هبدأ من جديد ..
فابتسمت :خلاص.. وأنا موافقة نبدأ سوا..
فنظر إليها خالد في هدوء: أرجوكي يا منى.. محتاج شوية وقت عشان أرتب أموري..
فظهر الحزن على وجهها وهمت للمغادرة: حاضر يا خالد.. ثم غادرت ..
كان خالد يعلم أن منى تحبه، ولكنه أراد ألا يتسرّع في حديثه معها وأراد أن يتحقق من مشاعره تجاهها، وخاصة أنه لم يفق بعد مما حدث له بزيكولا وبُعده عن أسيل وعزم على أن يجد عملا يحقق له ذاته، وظل يبحث عن عمل ملائم لدراسته، وذهب إلى أماكن كثيرة.. يبحث عن عمله دون أن يصيبه تعب أو ملل، ويبتسم حين تضيق الدنيا أمامه ويحدث نفسه دائمًا؛ لابد وأن هناك أملا.. ماذا بعد نجاتي من الموت قبل لحظات.. يبحث نهارا ويعود إلى شرفة بيته ليلا ليتأمل سماء بلدته بحثا عن ذلك النجم.. أسيل.. حتى يغلبه النعاس فيظل نائمًا لتشرق شمس اليوم الذي يليه.. واستمر في بحثه عن عمل لمدة أيام وأيام، وامتدت لأسابيع.. حتى وجد عملا بإحدى فروع شركة كبرى بمدينة المنصورة، ومرت شهور وهو يعمل ويشعر بذاته في ذلك العمل وكلما واجهته مشكلة قابلها بابتسامة يحسده عليها زملاؤه.. وتزداد بسمته حين يعود إلى بيته فيجد جده يقرأ بكتاب سرداب فوريك الذي لم يتركه إلا لحظات قليلة منذ عودته، ويطلب منه أن يخبره بالمزيد مما حدث له بزيكولا.. فيحكى له الكثير والكثير.. ويسأله بعد انتهائه ألا يخبر أحدا بذلك.. حتى جاء في يوم، وعاد إلى جده مبتسمًا : يلا يا عبده.. انت مش عايز حفيدك يتجوّز ؟
فنظر إليه جده فتابع خالد: إحنا هنروح للمرة الأخيرة نخطب منى.. والله أبوها وافق هتجوزها.. ولو موافقش.. هتجوزها برضه..
فابتسم جده، واتجه معه إلى بيت والد منى، واندهش خالد حين وجده قد تغير تمام التغير، وقابلهما بكل حفاوة وتقدير، وما إن تحدث جد خالد بأنه يريد أن يطلب يد منى لخالد حتى نطق والدها بترحيب: يلا نقرأ الفاتحة..
فابتسم خالد، وابتسمت منى التي كانت تقف أمام باب الحجرة، وعلت الزغاريد ببيتها، ونهض خالد ليحتضن والدها ثم احتضن جده، وحددوا موعدا قريبًا لإقامة عُرسهما..
مرت أيام كثيرة، ومرت أسابيع وتبعتها بضع شهور وخالد يعمل بقوة كي يستعد ليوم عُرسه.. حتى جاء ذلك اليوم، الرابع عشر من سبتمبر، وعلقت الأنوار أمام بيته، واجتمع الكثير من الأهالي ليهنئوه ويهنئوا جده بهذا العُرس وحل الليل وبدأ حفل الزفاف و
ًكان حفلا رائعًا تراقص به من يعرفون خالد ومنى ومن لا يعرفانهما، وخالد ينظر إلى الجميع وتتشابك ذراعه بذراع منى التي ظلت تهمس إليه طوال الاحتفال دون أن يسمع أي شيء ولكنه كان يهز رأسه مبتسمًا دون أن يدرك عما تتحدث.. حتى انتهى الاحتفال، ودلفا إلى شقتهما، وامتلأ وجه منى بالخجل بعدما دلفا إلى حجرة نومهما فضحك خالد ثم ضحكت منى، ونظرت إليه
وقالت :خالد.. باين إننا هنبتدي المشاكل من دلوقتي.. خالد.. الشقة حر أوي .. أنا عايزة تكييف ..
فضحك ولم ينطق ثم اتجه نحو شرفة الغرفة، وفتحها كي يندفع الهواء إليها حتى نظر إلى السماء فدق قلبه بقوة حين وجد ذلك النجم اللامع وحيدا مميزا بها، وهمس إلى نفسه في ذهول : أسيل!!
فأكملت منى وهي تجلس بفستان زفافها على سرير الغرفة: خالد.. أنا نفسي نقضي شهر العسل في أي مكان.. فابتسم بعدما سمع كلماتها ثم نظر إلى النجم مجددًا وأطال نظره تلك المرة كثيرا
وكأنه يفكر .. ثم نظر إليها :أنا كمان كنت بفكر إننا نقضى شهر العسل في مكان مختلف تمامًا ..
ثم أكمل مبتسمًا :إيه رأيك في مكان التعامل فيه مش بالفلوس؟
فاندهشت منى، وسألته: أومال بإيه؟ !
فضحك ثم اقترب منها، وهمس إليها :هتعرفي لما نروح هناك..
*********************
إلي هنا تنتهي رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا الجزء الأول
تابع من هنا: جميع فصول رواية دمار قلب بقلم كنزى حمزة
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة