-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم - الفصل الثامن والعشرون (الأخير)

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة دينا ابراهيم الشهيرة بروكا والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن والعشرون (الأخير) من رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم

رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم - الفصل الثامن والعشرون (الأخير)

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية

رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم
رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم


رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم - الفصل الثامن والعشرون (الأخير)

تابع من هنا: روايات زوجية جريئة 

 في نهاية اليوم بعد ان حرص بيجاد وريان على توصيل ليان إلى المنزل، جلس بيجاد داخل بيته يحادث ريان على الهاتف يتشاوران فيما يخص وضع ليان ومولودتها:


- يعني انت شايف لازم نعمل معاها أيه؟


- مش عارف يا بيجاد انت بتسألني أنا ليه؟

ما تشوف عايز تعمل أيه واعمله ولا أسأل مراتك!


تحدث ريان في ملل وكل ما يرغب به هو الراحة بعد يوم مليء بالضغط الذهني والجسدي لكن بيجاد سأله مستنكرًا:


- انت بتتكلم بقرف ليه كده، أنا غلطان اني بكبرك؟


-بيجاد، انا كبير غصب عنك يا بابا، وبعدين انا تعبان ومش شايف قدامي لاني طول النهار واقف على رجلي مع أختك ومحتاج أنام زي الخلق.


رد ريان في نبرة انفعاليه صادقة فزفر بيجاد الذي كان رده ساخرًا :


- يا ساتر عليك، ما أنا كنت واقف زيي زييك ولا أنا كنت على الشازلونج !


- انا أسف يا بيجاد، ممكن أنام طيب وبكرا نقرر هنعمل أيه مع ليان وبنتها؟


قال ريان في تهكم صريح، فتمتم بيجاد اعتراضاته مغلقًا الهاتف مع شقيقه، ثم قال لزوجته المنشغلة بالسيطرة على "تيم" الباكي:


- بقولك ايه أنا داخل أنام عايزه حاجة؟


رمقته وسام شزرًا دون مبرر مقنع له لكنها تمتمت باعتيادية يكمُن خلفها الكثير:


- براحتك...


تفحص بيجاد وجومها المريب وكاد يسألها عن سبب انزعاجها لكنها وقفت في حده تحمل "تيم" متجهة إلى المرحاض متمتمه للصغير:


- تعالى استحمى يمكن ربنا يهديك وتنام وتسيبني في حالي انت وأبوك!


ارتفع حاجب بيجاد لكنه انسحب في هدوء متعمدًا عدم التعرض لها في هذه الحالة تاركًا إياها حتى تهدأ في الصباح.


استلقى على فراشه متسائلًا عن سبب غضبها، يسترجع أحداث اليوم ولكن كل ما يتذكره هو تجوله في المشفى بين الصعود والهبوط طوال اليوم حتى سمح الطبيب بخروج ليان أخر الليل، مرت دقائق قليلة عليه لكنها كانت كافية لأن يغلبه النعاس من شدة إرهاقه ليدخل في ثبات عميق.


*****


في خارج الغرفة حيث ينام بيجاد، أغلقت وسام الضوء في كل الشقة متحركة حول المكان داخل الردهة تهز صغيرها بين ذراعيها المتهالكة من رعايته بمفردها طوال اليوم.


- باااد باااد ....


- نايم يا تيم وانت كمان مينفعش تلعب بليل ولازم تنام وترحمني.


قالت وسام في حده وسرعان ما تحولت ملامحها إلى آسى غاضبة على بيجاد الذي لم يفكر حتى في السؤال عن حالها أو يعرض عليه المساعدة طوال اليوم، صابً كل تركيزه على ليان وطفلتها دون أدنى مراعاه لوجودها هي أو "تيم" الشقي.

مشاعرها تلك لم تكن نابعة من الأنانية، لأنها واعية لصعوبة الحدث الذي مر به الجميع به، لكنها رأت بوضوح كيف تعامل ريان وأحمد مع نسائهم فكلًا منهما وضع أمرأته في بداية أولوياته.

زادت تشنجات تيم في أحضانها فوضعته على الأرض غير قادرة على تحمل وزنه أكثر طالبة في خفوت:


- طيب تعالى اتمشي حوالين العفش مع ماما.


كالعادة رفض تيم الاعتماد على نفسه للوقوف والمشي متمسكًا في عناد بعادة حمل الجميع له.

زفرت وسام تزداد تعبًا وغيظًا لكنها قالت في هدوء مُتكلف أثناء محاولتها في اقناعه بالوقوف على قدميه:


- تيم عشان خاطري قوم بلاش دلع، ماما تعبت.


رفض في تعنت وزاد في بكاءه متمتمًا رفضه بشكل متواصل، انتصر الحزن عليها أخيرًا، تشفق على نفسها خاصة وقد تراكمت ذكريات اليوم عليها وكيف كانت كالغارقة تتجول بطفلها الذي يرفض الهدوء.

تتابعت دموعها وشهقات بكاءها فتوقف الصغير عن الحركة قبل أن يشاركها في البكاء بشكل أقوى غير قادر على فهم ملامح الحزن والإرهاق داخل عيون والدته.


- كفاية عياط كفاية، أنا مش قادرة استحمل وتعبت.


قالت في نبرة عالية حادة للفراغ من حولها قبل ان ترفع ابنها في قهر متخذة خطوات عنيفة مبعثرة حيث ينام زوجها، اشعلت الاضاءة تضئ الغرفة دون ادنى اكتراث بذلك النائم قرير الأعين بينما هي لم تذق طعم النوم أو الراحة منذ أسبوع حين رحلت والدتها إلى بيت الخالة للعناية بها بعد أن كُسِر ذراعها الأيمن.

اندفعت للفراش واضعة "تيم" فوق بيجاد النائم بشيء من العنف دون تبرير، وتابعت بيجاد ينتفض ولكنه سرعان ما لف ذراعه حول صغيره متسائلًا في نبرة مهتزة:


- في ايه؟


- في ايه؟؟ .. في ايه؟؟

انت بجد بتسأل فيه ايه يا بيجاد!


حرك رأسه يومأ في غباء يحاول استجماع استيعابه من النعاس بينما يربت على "تيم" الباكي كي يصمت.

صرخت وسام محركة ذراعيها حولها من الغيظ بسبب لا مبالاته وغباءه الجلي مُصرحة بما يؤرق مكنوناتها:


- فيه أني مش بنام... فيه اني تعبانه منك ومن شغل البيت ومن ابنك اللي مش بيسكت طول النهار...

فيه ان أنا واحدة ليها طاقة وليها حدود أنا مش ببطارية وانتوا بتضغطوا عليا وبتجهدوا فيا من غير ما حد يكلف خاطره يساعدني، ده حتى في المستشفى ما فكرتش تاخد ابنك وتريحني منه شويه يا مؤمن!


- ممكن توطي صوتك شوية وتهدي، وبعدين هو انتِ طلبتي مساعدة مني وأنا قولت لا!


برر بيجاد يرمي باللوم عليها محاولًا التدخل وتهدئة انفجارها لكنه زاد من اشتعاله ما أن فتح فمه، ضغطت على أسنانها تتنفس من أنفها، تحاول كبح حمم من التوبيخ والتي ترغب بشدة في نفثها فوق رأسه لكنها قالت في بطءٍ ونبرة خافتة تخفي خلفها اطنان من التوعد:


- انا هدخل أنام، وخليك انت قاعد بأبنك،

وإياك ثم إياك تدخل تقولي خُديه!


أغمضت جفونها لا تصدق وقاحته بأن يلقي باللوم عليها بدلًا من اعترافه بخطئه، استدارت "وسام" مغادرة من الغرفة نهائيًا متجه إلى غرفة الاطفال التي تستوطنها وقت غضبها دون أن تكترث بزوجها الشبه مستقلي فوق الفراش، حاملًا "تيم" أثناء متابعته لها تغادر في ذهول.

نظر إلى "تيم" الذي بدء يتفحص أصابع قدمه أثناء تحريكها بتركيز عالي وفم مفتوح مُتعجِب وكأنه يشاهد فيلمًا عن الفضاء الخارجي.


- عجبك كده، جننت أمك وبتجنن نفسك دلوقتي.


هبط "تيم" بفمه يحاول إقحام كل قدمه الصغيرة داخل فمه فهتف بيجاد محاولًا إبعادها عن مرماه:


- يا ابني انت مش كبرت على الكلام ده ولا هو مص صباع رجلك إدمان!

قولنا مية مرة الرِجل للمشي اللي انت مش عايز تمشيه ده،

مش مكسوف من نفسك وانت مبهدل أمك معاك.


قضب تيم حاجبيه الصغيرين وقد استوعب نبرة التوبيخ ونظرات والده المعاتبة، زم شفتيه في غضب واضح وهو يرفع كفه نحو والده يحاول تقليده دون أن يدرى مدى صدق اتهامه:


- لا...ات....


- مش واخدين منك غير اللماضة، لكن تيجي عند المشي والكلام الصح تقلب بطة بلدي،

تصدق بالله، أنا مستنيك تكبر شوية بس وهمرمطك معايا وخخليك تفتح الجيم كل يوم من تمانية الصبح لحد ما تسترجل.


وضعه بيجاد على الفراش جواره والضيق يتملكه لأنه مُتعب كذلك ويرغب في النوم لكن عيون ذلك المشاكس المنفرجة لا تفصح عن نوم قريب:


- تعالى نتفرج على الكرتون يا غلباوي.


- سيلني!


- تصدق وتآمن بالله أنا فعلًا معرفتش أربي، قوم ياض حرك رجلك

أنت فاكرني أمك ده أنا أقطعك هنا.


- سيلني...سيلني...سيلني....


تعالت نبرة تيم المتذمرة حتى استسلم بيجاد ومال يحمله لمشاهدة التلفاز.

مرت الساعة التالية عليهما بطيئة وكأنها عشر سنوات طويلة، أمن فيها بيجاد بإن "تيم" ليس مجرد طفل عادي وإنما هو حفيد للشياطين يعيش على امتصاص طاقة البشر.

تحرك بتروٍ يرفعه من فوق جسده إلى الوسادات المرصوفة ارضًا أمام الشاشة بجوار بعضها البعض، تنفس الصعداء عندما أستمر في نومه دون أن يستيقظ ثم توجه للداخل يحضر غطاء صغير يرميه فوقه.


وضع يداه فوق رأسه يتأمل نوم صغيره في رضا قبل ان تتنقل عيناه حول المكان المزين بألعاب "تيم" المبعثرة فبدى كجزر اندونيسيا عقب ضرب تسونامي لها، زفر بيجاد قبل أن يفرك رأسه في تعب سيكون عليه مصالحة "وسام" الليلة لأنها إن استيقظت في الصباح واستقبلها هذا المشهد ستقتله هو وصغيره لا محال.

أطفئ التلفاز لكنه ترك الإنارة، اتجه غي خطوات بسيطة هادئة نحو غرفتها فوجدها تغط في نوم عميق، انتقلت عيناه فوق وجهها الأصفر الشاحب وملامحها المرهقة، جز على أسنانه وقد ضربه إعصار من تأنيب الضمير لأنه لم يلحظ ذلك أو تلك الدوائر السوداء البارزة أسفل عينيها من قبل.

استلقى بيجاد جوارها ببطء واضعًا ذراعه أسفل رأسها وقربها نحوه بالأخر، فتشنج جسد وسام لحظات مستشعرة وجوده لكنه مال يقبل رأسها من الخلف هامسًا قرب أذنها:


- انا أسف حقك عليا، أنا عارف اني قصرت معاكي بس أوعدك هاخد بالي بعد كدا.


رمشت وسام ثم فتحت عيناها تحاول السيطرة على مشاعرها التي بعثرتها كلماته البسيطة الصادقة كي لا تبكي من جديد لكن دمعه خائنة فرت من عينيها، رفعت أصابعها في سرعة تمسحها، فمال بيجاد يقبل وجنتها ويزيد من ضمه لها قائلًا في نبرة خجلة مقطرة بالذنب:


- أمانه عليكي ما تعيطي عشان مكرهش نفسي أكتر من كدا.


همست في نبرة عتاب يغلب عليها أثار نعاسها:


- انا مش بعيط، أنا بس صعبان عليا نفسي عشان انت المفروض بتقول بتحبني.


- والله العظيم بحبك وبموت فيكي كمان، بس أنا حمار خصوصًا لما ببقى مضغوط مش بعرف أتعامل مع الموقف.


أردف بيجاد في لهجة صريحة خجلة أثناء مطالبته لها من خلال ذراعه ان تلتف كي يصبحا وجهًا لوجه، التفتت وسام مستجيبة بينما تجيبه في نبرة متهكمة:


- اه ما أنا عرفت.


- خلاص قلبك أبيض.


قال ممازحًا وهو يقترب كي يضم شفتيها في حب فسمحت له بتلك القبلة التي حاول بها إحياء حنين داخل قلبها يهفو إليه، املًا أن ينسيها ما صدر منه، متعمدًا أن يسرقها بين ممرات عشقه التي سيصف من خلالها ما يعجز لسانه عن وصفه، كحال كل عاشق يصبو إلى الكمال وسد اشتياق خاص بمن نحب.

تململت وسام تحاول المقاومة في دلال رغم رغبتها في هذا الاقتراب الحميمي إلا إن ارهاقها طغى على أي مشاعر أخرى، دفعت يدها في صدره توقفه وما أن ابتعد حتى قالت بابتسامة واسعة ماكرة تتقطر ميوعة:


- شكرًا على ثقتك الغالية دي بس لا، عدي علينا بكرا.


كاد يعترض ولكنه ابتلع اعتراضه عندما رفعت حاجبها الرفيع في تحذير خفي،

لن يفهم النساء أبدًا ...

فكر في غيظ لكنه قال ساخرًا:


- طيب ممكن أنام في حضن حضرتك بعد إذنك ولا ده كمان بكرا؟


- اممم، طيب مفيش مشكلة.


قالت وسام في غرور مستلقية برأسها فوق صدره، فارتفع جانب فمه في ابتسامه متهكمة قائلًا:


- ده من كرم أخلاق سموك، مش عارف أودي جمايلك دي فين؟!


رفعت رأسها في ابتسامة والمشاكسة تقفز من عينيها فرفع حاجبه محذرًا:


- اعمليها وشوفي هعمل فيكي ايه!


دوت ضحكتها الرنانة وهي تعيد رأسها فوق صدره سامحة له بزيادة ضمها إليه، لا تحتاج للنظر إليه لترى السعادة المشعة من عينيه كلما ابتسمت.


- بحبَك وبحب احساس السلام وانا بين إيديك رغم انك أكتر حد مغلبني.


مرر أصابعه بين خصلات شعرها يفركها بين اصابعه في حنو قائلًا في اعتراف مباشر:


- انا معرفتش يعني إيه سلام غير وانتِ في حضني.


هدئت انفاسهما، وكلاهما غارقان في الأمان والمحبة المُطلقة بين ذراعي الآخر.

وكان أخر تفكير تملكه قبل أن يخطفه النوم هو "وعد"، وعد لذاته بألا ينجرف وراء صعاب ومشاق الحياة ويهمل شريكة حياته.

وعد بأن لا يترك لها فرصة للوم أو العتاب فكثرتهما داخل النفس البشرية خاصة المرأة تؤدي إلى تجسير فجوة الحب وتنعكس بالسلبية على العلاقات الزوجية.

الخلاف في الحياة الزوجية أمرًا طبيعيًا ولكن رغبه كلًا من الطرفين على مضح العتاب بإلقائه على الآخر لا يصبو نحو النصر كما يعتقدا...

فالحب والاحترام يُكتسبا باللين لا بالهزيمة...


*****


ساعد "أحمد" زوجته على الاستلقاء واضعًا خلفها وسادة ترفعها قليلًا كي تبدء في إطعام ابنتهم الباكية، جاورهما فوق الفراش يربع ساقيه متفحصًا لهن في ترقب وانبهار فترة طويلة فسالت ليان:


- انت ساكت ليه؟


- خايف اتكلم تتضايق.


علت ضحكة ليان التي انقطعت في لحظتها لتتأوه بألم ما ان شعرت بذبذبات ضحكتها تندفع دفعة واحدة نحو جرحها فقالت موبخه:


-لنا بضحك الجرح بيموتني!


- سلامتك يا حبيبتي.


تنفشت قليلًا تستجمع آلامها ثن وجهت نظرها نحو ابنتها المستقرة في احضانها، قائلة بعد نظرات طويلة في شغف وفرحة حقيقة:


- شوفتها جميلة ازاي يا احمد.


اتسعت ابتسامة راضيه على وجهه ثم رفع اصابعه يلامس وجنتها الرقيقة بحذر شديد وفخر، مخبرًا إياها:


-بس صغيرة أوي لو فضلت على كده العيال هيتنمروا عليها.


- يتنمروا على مين!!

ده أنا اكلهم بسناني بس خلي حد يتجرأ ويمسها بكلمة واحد.


ضحك على الحالة الدفاعية الخاصة بليان أثناء نقله لأصابعه من خد صغيرته إلى خدي ليان قارصًا لها في مداعبة، ثم غمزها ممازحًا في نبرة خافتة:


- وَحش أوي في نفسك يا شقي...


اخفضت بصرها لحظة مبتسمه ثم اعادتها إلى عينيه في شقاوة مردفه:


- كان على عيني، بس زمن الشقاوة هيستنى كام يوم.


غمزته تلمح عن وقاحة افكارها متجاهلة الألم والإرهاق التي تشعر به على امل سرق بسمة مم شفتيه.

أومأ رأسه يحركها في يأس من تعقلها يومًا ورغمًا عنه اعادته تلك الوقاحة لأول مرة ذاق فيها طعم العشق معها.


***


منذ ما يُقرب من العام والنصف، جلس أحمد الغارق في توتره ورغم تعدد زياراته في الشهور الماضية وان مشكلته الجسدية لا تُذكر إلا انه يغرق في التوتر والقلق كلما جلس أمام الطبيب الشاب بعد كل جلسة خاصة بمتابعه التطورات في خطواته العلاجية، فر الطبيب في الأوراق بين يديه قبل أن يخبره:


- جميل كل حاجة زي ما احنا عايزنها، بس ياريت تفضل مستمر على نظام الأكل الصحي الموضوع ده هيفيدك في حياتك كلها،

المهم طمني عامل ايه مع دكتور شهاب، مرتاح؟


- اه الحمدلله، هو مريح جدًا.


اجاب احمد سؤاله عن طبيبه النفسي، ففرك الطبيب ذقنه مستعد لسؤاله الجديد:


-وبالنسبة لحياتك الخاصة مع مراتك، كل حاجة تمام.


صمت أحمد ولم يجيب يشعر بإحراج شديد، ارتفع حاجب الطبيب في تعجب قائلًا:


- ايه لو فيه مشكلة لازم تقولي!


- هو مش موضوع مشكلة، هو الموضوع اني كنت مأجل الحوار ده لحد ما اتأكد اني خفيت نهائي.


-ده كلام يا أحمد!

معقولة ازاي مش مُتفهم ان تقربك من مراتك في الوقت ده امر مهم ومطلوب جدًا.


زفر أحمد في تعب بينما يفرك رأسه في حده قائلًا:


- عارف يا دكتور، أنا متوتر مش اكتر و...


صمت أحمد لا يزال يشعر بالخجل أو النطق بما يؤرقه فحفزه الطبيب ليستكمل في صراحة:


-أنا بحب مراتي بس ظروف جوازنا مكنتش طبيعية، وأنا خايف بعد كل ده أفشل وأقع من عنيها، عشان كدا حبيت أستنى لحد ما أكمل العلاج بشكل نهائي.


مط الطبيب شفتيه في استياء واضح قائلًا في نبرة متهكمة:


- لا واضح أن دكتور شهاب مش شايف شغله زي ما أنا كنت حابب.


- لا اطلاقًا، احنا بس لسه موصلناش للنقطة دي وأنا بتعمد اتجنبها.


لكنه ابتسم مؤكدًا في تعجب:


-الغريب اني برناح في الكلام معاك أنت اكتر، يمكن عشان لسه ما اخدتش عليه أوي؟


- احمد انت عارف اني بعزك من أول مرة جيت فيها عندي، ولازم تعرف ان الموضوع ده لازم تتخطاه وتغير اسلوب تفكيرك السلبي عشان تقدر تعيش حياتك بشكل طبيعي...

أنا صحيح مش دكتور نفسي لكن عارف أن اسهل وسيلة للراحة هي الكلام ولو حسيت انك عايز تتكلم معايا في أي وقت أنا معنديش مانع.


هز احمد رأسه في امتنان فالطبيب صار كصديق له، طال الحديث بينهما طويلًا حتى دلفت موظفة الاستقبال تخبر الطبيب بتكدس العيادة بالخارج، فابتسم أحمد في خجل قائلًا:


- لا أنا زيارتي بتيجي معاك بخسارة، هستأذن أنا وعلى تلفونات يا دكتور.


مد كفه يصافح الطبيب الذي شاركه السلام ملمحًا في جدية دون توضيح الأمور أمام الموظفة :


- النهارده يا أحمد عشان لو صبرت العزيمة اللي غذيتها دلوقتي هتقل.


حرك أحمد رأسه بالموافقة قبل ان يغادر وطوال الطريق كان يحفز قراره المُتخذ متحديٍ مخاوفه، فهذا حقه تجاه ذاته وحق زوجته ليان التي أثبت صلابتها فهي حنونه ومشاعرها لعُوب ساخرة، كما أن اقترابها الحار منه بشكل دائم قد أحدث تصدعات في جدران سيطرته الفولاذية التي صارت تتماسك بأعجوبة أمام سحر قبلاتها ولمساتهم الماجنة فيجد نفسه مستسلمًا يبادلها بأشد منها مجونًا لكنه كان يتوقف فجأة مرتعبًا يخشى القفز من الحاجز الأخير.

وبرغم اصرارها وعدم استسلامها الذي يبرز له كم تعشقه بجنون الا انه يشعر بالتهديد ويصعب عليه الاعتراف بما يخشاه كارهًا التفكير في الماضي لكن ليان امرأة سبق لها الزواج من قبل وعاشت حياة طبيعية ذاقت فيها الاتصال الجسدي ولابد انها ستتوق إليه عاجلًا أم آجلا عكس تجربته العذرية تمامًا.

تنهد يجد نفسه حائرًا بين نارين إحداهما الغيرة وكره فكرة وجودها مع شخص قبله والأخرى الخوف من فشله في إتمام زواجهما فيسقط خاسرًا أمام تجربتها الأولى.


هز راسه يبعد هواجسه رافضًا التفكير السلبي في الأمر كي لا يتراجع، محولًا أفكاره وتركيزه إلى لحظاتهما الشبه حميمة معًا كي يحافظ على حماسه في الحصول على مكافأته الكبرى، علت دقات قلبه في ترقب وصار يحارب الوقت للوصول الى المنزل.

وبعد ان تغلب على الزحام الشديد، وصل أخيرًا دخل إلى المنزل وكل ما يسيطر على تفكيره هو أنه أخيرًا سيمتلكها ويوسمها له بشكل كلي حاسم، دلف إلى المنزل مناديًا في نفاذ صبر وحماس واضح:


- ليان، انا جيت.


تحرك نحو غرفة النوم لكنه توقف عندما وصله ردها من المطبخ، فعاد أدراجه متجهًا لها، قابلته ليان بابتسامة واسعه وهي تقلب إحدى الأواني فوق النار: متسائلة:


- نورت يا قلبي، اتأخرت عند الدكتور انهارده بزيادة كان فيه حاجة جديدة ولا أيه؟


هز رأسه دون أن يجيب يشعر بتخدير في أطراف جسده تائهًا في تفحص منحنيات جسدها المُفصلة بشكل كامل من خلال ما تتعمد أن ترتديه، فقد اعتادت طوال الشهور الماضية أن تقابله بما يحلم أن يراه كل رجلً أن رسالة صريحة منها لاستفزاز مشاعر رجولته، بلل شفتيه يشعر بحلقه يجف وقد اشتعلت داخله نيران من نوع غريب عليه لم يعهده.


- مالك يا أحمد، سكوتك ده قلقني!


اغلقت النار متوجسة واقتربت ناحيته خطوتين قبل أن تتسمر متعجبة من اللمعة الجديدة المشتعلة داخل مقلتيه، اندفع أحمد نحوها تاركًا العنان لرغباته أخيرًا.

شعرت ليان بالذعر لوهله ما ان احتضن وجهها بقوة لكنها تفاجأت به يغطي فمها بفمه في قبلة فتاكة المشاعر نجح من خلالها في أن يسرق عقلها ويمحض كل خوف أو تفكير داخل رأسها المتحجر ...

ولكن منذ متى يقترن الحب بالتفكير؟

استسلمت لأصابعه التي تحاول تجريدها من كل ما يسترها عن عينيه الجائعة متعلقة به بكلا ذراعيه تبثه القبول وكأنها تخشى انسحابه، دائبة على مبادلته عنفوان هجومه بقلب يتضخم في عشق داخل صدرها لا يصدق أنه يقترب منها من تلقاء نفسه وشيء في عينيه يؤكد لها بأن الانتظار انتهى.

لم يهمها المكان أو الزمان لخوض تلك التجربة السامية المشاعر فكل ما يهم هو انتهاءهما بين ذراعي أحدهم الآخر في نهاية المطاف.

***


سعل أحمد مقررًا إنهاء تلك الذكريات التي بدئت تعبث في ثباته، ثم فرك وجهه متذكرًا كيف انتهى بهم الأمر فوق أرضية المطبخ الشبه مبتلة نتيجة حربها اليومية المبعثرة من أجل تعلم طهي الطعام.

يتذكر أكثر مشاعر الفخر الرجولية والسعادة اللامتناهية التي ملئت صدره عندما أحس بالتخم بين ذراعيها، تابع ليان تلتقط انفاسها فوق صدره في غبطة سعيدًا بأنه لم يخيب آمالها.

وزاد درجات حبوره وعلت إلى السماء عندما طالعته بتلك الابتسامة ونظرة الرضا التي تملكت وجهها ولأول مرة منذ تزوجها تُظهر ليان مشاعر الخجل.


-النظرة دي مش مطمناني.


قاطعت ليان الساخرة تفكيره عندما طالت نظراته عليها، فضحك أحمد قبل أن يعدل جسده يستلقى جوارها واضعًا ذراعه خلف عنقها المسنود على رأس السرير الخشبي.

ثم رفع كفها بين أصابعه يقبلها في نعومة وحنو بالغ، قائلًا في لهجة جدية بعيدًا عن المزاح:


- انا لو فضلت طول عمري اشكر فيكي واوصف عظمة وجودك في حياتي والسعادة اللي خلقتيها جوايا لما بقيت أب من هنا للصبح بردو مش هديكي حقك.


تعلقت بأصابعه ثم رفعتها لفمها تعكس قبلته الحانية معترفة بأمنيتها الدائمة:


- انا مش عايزاك تشكُرني يا سيدي، حبني انت لأخر العمر وأنا هبقى مبسوطة.


لامس انفه بأنفها في مشاكسة مؤكدًا:


- ده إيه الطلبات الحلوة والسهلة دي، ده انتِ لقطة.


عضت شفتيها تسيطر على ضحكة تحاول الفرار، وهي تأخذ أنفاس متتالية قبل ان ترمقه في عتاب قائلة :


- احمد نام عشان مش مستحملة والله.


- خلاص هقعد جنبك هنا ومش هفتح بؤي، هبقى مؤدب.


- شطور خليك مؤدب عشان اجبلك حاجة حلوة.


- حاجة أحلى من طعمي؟


ضحكت رغمًا عنها وسط تأوهاتها في محاول للسيطرة على الالم المنتشر اسفل بطنها، لا تصدق ما اخبرها به الجميع من أحاديث مجنونة خرجت منها بفعل التخدير، لكنها رمقته في غيظ ولوم فرفع أحمد ذراعيه باستسلام معتذرًا بين ضحكاته:


- اسف اسف مقدرتش أقاوم، هسكت اهو خالص.


وبذلك سند جانب رأسه فوق رأسها في تروٍ بينما يده تتجه لملامسه خصلات طفلته "ريم" الرقيقة حبيبة القلب، طرأ تفكير على باله فانفجر ضاحكًا بصوتً عالي.

نظرت له ليان وكأنه يملك خمس رؤوس متسائلة في تعجب:


- بتضحك على ايه يا مجنون؟


- لا يا ستي هنضحكي واحنا مش ناقصين.


- انت رخم يا ابني، قول وارحم فضولي انجز.


- ابدًا، بس انتِ عارفه اخوكي هيعمل فيا ايه كل ما أنادي على بنتي؟


اتسعت ابتسامه ليان حتى ظهرت كل اسنانها البراقة متخيلة رد فعل ريان إن استمر أحمد في مناداه ابنتهما، لكنها اخبرته بعيون ضيقة متهمة:


- وطبعًا انت مش هتتوصى مش كدا.


- انتِ بتبصيلي كدا ليه، انتِ اللي قررتي تسميها ريم مش أنا.


قال أحمد في دفاعية صادقة فهي السبب في الأمر، لكنها تجاهلته مؤكدة:


- احنا مش هنقول ريم اسمها "مرمر" وبعدين أنا غرضي كان شريف،

منه هكمل اعتذاري لريم ومنه اقرب ريان منها واخليه يحبها.


- يحب بنتي؟

هو سامحك اه بس لسه بدري على الموضوع ده، بلاش ترفعي امالك.


- انا عارفه أخويا كويس جدًا ولمعلوماتك ريان أسري جدًا وبتاع مسئولية،

يعني تلقائي هيحبها وهيحس انها منه وهيخاف عليها عشان هي بنتي أنا.


حرك احمد رأسه لا يرغب في مجادلتها وقد اندلعت الحمية لشقيقها داخلها، لكنه قال في صدق:


- ماشي وأنا هصدقك مش عشانك، عشان خاطر مرمر حبيبتي اللي مش هتلاقي الحب والقرب غير من عيلتك انتِ.


- الحمدلله عندها عيلتي وعيلتك حتى لو بُعاد عننا، المسافات مش بتقلل من الحب الأسري وبعدين لما مرمر هتكبر هنخصص يوم كل اسبوع نزور فيها مامتك واختك.


هز رأسه مجيبًا في خفوت:


- تكبر الأول وبعدين نشوف.


ساد الصمت المريح والهادئ بين الطرفين وانتباههما مُنصب على الرضيعة بينهما، تعلقت عيون ليان الممتلئة بالسعادة بعيون أحمد التي تحتوي على كم هائل المشاعر متعجبًا كيف نجحت المحتالة في سكون روحه والتربع على عرش قلبه بل كيف نجحت في منحة حياة أسرية لم يتخيل يومًا أن ينعم بها، فوجُود ليان كان وسيظل كرم ورحمة من رب العالمين ...

هدية لم يتوقعها يومًا ولم يجرأ على تمنيها حتى سقطت في حياته، لقد كان مفوضًا أمره لله تعالى في هذا الشأن .. ف كفاه بها وبأبنته.

نعمة لن يتخلى عنها وسيحيى حياته كلها يدعوا دوامها.


*****


بعد مرور عام .....


جلست ليان في منزل ريان تتوسط الأريكة بين أحمد الصامت وعُمر الذي يرفض ترك ابنتها " مرمر " من يديه خوفًا عليها من جنون تيم وعز الاشقياء المنشغلان في المنافسة على إطفاء الشمع الخاص بعيد ميلاد عز.

رفعت كفها تربت على رأس عمر الذي يُقبل مرمر مداعبًا خديها بأصابعه الصغيرة كلما اقتربت بفمها من وجهه ممازحًا:


-أبوو الخدود ... عايز ياكلني العبيط.


-لا يا حبيبي هي عايزة تبوسك.


صرحت ليان إلى عمر رغم لكزه أحمد الحانق عليها وكأنها افشت أكبر أسرار ابنته، ارتفع جانب وجه ليان في ابتسامه مشاكسة رغم نظرة أحمد المحذرة لها، انتبهت إلى عمر الذي اتسعت عيناه في انبهار وسعادة قبل أن يقرب وجهه منها وبالفعل طبعت الصغيرة قبلة ملوثة بلعابها فوق وجنته فانتفض عمر صارخًا:


-باستني، كده هي بتحبني صح يا عمتي؟


-اه يا روح عمتك وبتموت فيك كمان.


استدار عمر نحو ريان وريم الجالسان امامهم بشكل موازي قائلًا في فخر:


-شوفت يا بابا ريم بتحبني.


تابع ريان كيف يحملها طفله ويخشى عليها كأنها كنز من نوع ما فابتسم له مؤكدًا:


-طبعًا.


-ريم بتاعتنا!


همس الصغير بابتسامه واسعة غير واعي لوقع كلماته على مسامع جميع الجالسين، نظرت ليان إلى ريم المبتسمة نظرة ذات معنى، فقاطع تواصلهما ريان الذي وضع ذراعه حول كتف ريم مؤكدًا في فخر وغلاظة متعمدًا دفع كلماته في الصميم:


-بتاعتنا طبعًا، كل ما هو ريم ملكنا يا حبيبي.


أخفض أحمد بصره رافضًا الدخول في حرب مع ريان، يعلم مدى اهميه تلك الزيارة إلي زوجته فمنذ تصالح الاخوة تحاول ليان عدم الاجتماع مع اخوتها بشكل دوري مكتفيه بثلاث أو أربع زيارات فائتة جميعها في مناسبات سنوية، تخطط بذكاء لقاءاتهم لأنها تخشى الضغط على ريان أكثر ووضع أحمد في وجهه بين كل حين والآخر، وتريد التروي وأخذ خطوات بسيطة صغيره في طريقها الكامل للصلح والدمج بينهما.

نظر بيجاد الجالس في الركن الملتوي نحو وسام يعبر عن قلق وتوجس كأنهما يتوقعان انتهاء تلك الزيارة بشكل دموي، مر الموقف سريعًا عندما بدئت ريم في سرد واقعة مضحكة صادفتها وقت عملها في المتجر وعندما استوقفها أمر ما، شرع أحمد تلقائيًا يملئ الفراغ في حكايتها معتد على نبرته الهادئة.

ابتسمت ريم في عفوية مستكملة حديثها للجميع متعمدة تجاهل التشنج الذي تملك جسد ريان جوارها مكتفية بختم حكايتها بجملتها:


-الحمدلله كان أنسب قرار اني استسلم لحب ريان من تاني واني قعدت من الشغل والا كنت شنقت نفسي من زياراتها المستمرة.


أرسلت ريم نظرة حب إلي ريان تتعلق عيناها به في شغف وكأنه كل الحياة، نظراتها التي أشعلت الرضا داخله دفعته لجذب يدها مقبلًا لها داخل كفها في استعراض صريح للحب أمام الجميع خاصً بها شخص واحد.


ارتبكت ريم خجلة لكنها انقذت الموقف وهي تخبر ليان :


-تعالي ساعديني انتي ووسام نجهز العشا يلا.


ذهبت النساء للداخل تاركين اطفالهم يلعبون بالألوان وأطباق الحلوى لاهين عن النار المشتعلة وحالة التأهب بين الرجال الثلاثة، سعل ريان في خفة غير قادر على التصنع في غياب الفتيات ثم استطرد:


-انا داخل أشرب سيجارة عشان العيال.


دخل ريان إلى الشرفة وانغمس في افكاره يحاول تمالك نفسه وتحدي رغبته في أن يطرد أحمد ويبعثر السلام المكتسب بينه وبين شقيقته ولكن ما باليد حيله هو غير قادر على المسامحة.


-محتاج اتكلم معاك لو ينفع؟


التفت ريان في حدة نحو صوت أحمد الذي يقف خلفه متابع لحركته وملامحه عن كثب فاستدار ريان من جديد مستمر في شرب سيجارته قائلًا في نبرة جامدة:


-عايز ايه؟


-أنا عارف أنك بتكرهني وانك مستحمل وجودي عشان خاطر ليان.


ابتسم ريان في سخرية قائلًا في تهكم:


-طيب الحمد لله عندك نظر.


تجاهل احمد السخرية وأكمل في جدية تامة:


-انا عارف ان ده حقك وان اللي عملته كان صعب، بس انا حبيت اعتذر ومش عشاني ولا عشانك،

عشان خاطر الست اللي ضحت بكل حاجه علشاني.


-أيه عايزني أصدق انك بتحبها؟


-لا، رأيك في النقطة دي ما يلزمني لأني عارف ومتأكد من حبي لمراتي،

اللي قدرت تخليني أحب وأحس بمشاعر عمري ما حسيتها ناحيه اي ست ... اي ست يا ريان.


ضغط على نهاية جملته عن قصد يبرز مغزاه فجز ريان على اسنانه ملقيًا بالسيجارة قبل أن يلتفت نحوه مقترب منه خطوتين ثابتتين، وقف قبالته في تحدي متسائلًا:


-عايز تقول أيه .. أخلص..


-عايز أقول أن عمري ما نظرت لريم نظرة راجل لست او نظرت نظرة مؤذيه، من يوم ما شوفتها وكل مشاعري نحيتها أخوية.

ريان أنا عارف الموضوع صعب بس احنا لازم نتخطاه او على الاقل نتقبل الواقع والتعايش سوا، أنا مش هستحمل وجع ليان لو انت قاطعتها من تاني!


تبادل كلاهما نظرات ثابتة جامدة كلًا على موقفه غير منتبهين لتلك التي تتابع حديثهم من بعيد، شهقت ليان في ذعر عندما لكزتها ريم موبخه:


-انتي هتقضلي تلمعي أوكر طول حياتك، صحيح اللي في عادة مش بيبطلها!


-خضتيني يا ريم، انا مش مصدقه بس أحمد بيصالح ريان مقدرتش أقاوم لما اختفوا جيت جري خفت يتخانقوا بس اتصدمت لنا لقيت أحمد بيتصافى مع ريان.


اتسعت ابتسامه ريم ووقفت خلف ليان تحاول استراق السمع والنظر هامسة في حماسه:


-احلفي، يارب أصلح الحال عشان نعيش مرتاحين بقى.


اما في الداخل عند الرجلين فقد ساد الصمت أكثر من اللازم قبل أن يتحدث ريان عاقدًا ذراعيه أمام صدره في محاوله لإظهار تفوقه الجسدي على غريمه:


-انت صح الموضوع صعب ومستحيل اتقبل وجودك في حياتي.


أخفض أحمد بصره حزين بأن مخططه لم ينجح فكل ما يرغبه هو مساعده زوجته والتصدي لأي عقاب فرضه عليها زواجها منه، لكن عيناه اتسعت حين استكمل ريان في نبرة ثلجية غليظة:


-بس انا هديك فرصة واحدة، مش عشان خاطرك ولا عشان خاطر ليان.


انعقد حاجبي أحمد في تساؤل فأجابه ريان في ثقة:


-عشان ريم بنتكم تستحق تعيش في بيئة صحية وسط أهلها.


ابتسم أحمد يشعر بامتنان كبير رغم الانزعاج الواضح على محيا وجه ريان، رفع أحمد كفه أمامه قائلًا في صدق:


-معاهدة سلام.


نظر ريان إلى يده في اشمئزاز قبل ان يضيق عينيه ممسكًا بكفه في قوة أكثر من اللازم، تعمد تقريب أحمد منه خطوة قبل أن يحذره في نبرة مخيفة متوعدة:


-سلام .... لحد ما تغلط غلطة...غلطة واحدة بس مع ليان ومش هفكر لحظة قبل ما ادمرك وارميك من حياتنا.


-تسلم يا أبو نسب.


قال أحمد في سخرية مستديرًا للمغادرة وقلبه يدق في حماس وسعادة لا يصدق انه نجح في انهاء ذلك الخلاف الذي سرق منهم الكثير والكثير...

حسنًا ....

لم ينهيه بشكل كامل ولكنها خطوة مهمة وقفزة عن البداية فهو ليس ساذجًا بالقدر الذي يجعله يظن انه حصل على مسامحته بهذه السهولة لكنه متأكد بانه سيفعل ما في وسعه لاستبدال تلك الصورة السيئة المرتسمة في عقل ريان، بصورة أخرى تعكسها حبه العارم لزوجته ليان.


*****


هرعت ليان وريم راكضتين إلى المطبخ تحت بصر بيجاد المتعجب من أفعال النساء حين يجتمعن، قفزت الفتاتان يتلوان على مسامع وسام ما حدث ليقفز ثلاثتهن من الابتهاج والسعادة.


*****


انتهى العشاء وبدئت النساء في افراغ الأطباق، تابع ريان اطفاله المنشغلين مع تيم و "مرمر" وتساءل في تمنى لما لا ينشغلا عنه هو وريم بضع دقائق من كل يوم كي يستطيع أن يروي شوق قلبه لها.

رفع عيناه نحو ريم المنغمسة امام طاولة الطعام وعندما رفعت عيناها هي الأخرى تقابلت عيناهم في لحظات كهربائية، ظهرت بسمة ضعيفة على فمها موجهه له فقط ثم أبعدت بصرها عن زوجها حاملة بضع الأطباق قبل التوجه للمطبخ.

تململ ريان في جلسته وقد لمعت فكرة شيطانية في عقله مقررًا تنفيذها رغم خطورتها، استقام من مجلسه في عفوية مصطنعة عندما اتت ريم مستطردً سؤاله في جدية:


-ريم سيبي البنات تكمل لم الطباق وتعالي هاتي الورق اللي ادتهولك تشيليه من يومين عشان عايز اصوره وابعته ايميل ضروري.


تجمدت ريم في مكانها تنظر إلية في بلاهة جلية تحاول استيعاب مغزى كلامه وتذكر الحدث دون جدوى فسألته متعجبة:


-ورق ايه؟


وضع ريان يداه فوق خصره في ملل قائلًا في لهجة جادة محذرة:


-نعم؟

الدوسيه المهم يا ريم اللي قولتلك خبيه من قدام عز من يومين، أنا محتاجة حالًا.


ارتبكت ريم التي بدئت تطالع جميع من حولها في حيرة قائلة في تلعثم قلق فهذا الورق يبدو هامًا وهي لا تتذكر الموقف مت الأساس:


-والله العظيم ما ادتني حاجة.


جز ريان على أسنانه مستاءً من تدني تركيزها لكنه ابتعد عنها في خطوات حازمة متجههً إلى الغرفة أمرًا:


-سيبيلي اللي في ايدك وتعالي أقلبي الدنيا عليه لحد ما تلاقيه .


تحركت ليان اخذه الأطباق التي كانت في يد ريم ثم دفعت خلف شقيقها هامسة في نبرة هدفها إخماد قلقها المتصاعد:


-روحي وراه ووحدي الله وانتي بتدوري وأكيد هتلاقي، مفيش داعي للقلق.


حركت ريم رأسها للأعلى والاسفل في توتر ثم اتبعت ريان الذي ما أن دلفت خلفه حتى مد رأسه خارج باب الغرفة رافعًا صوته متعمدًا علوه النسبي في نبرة مقطرة برائحة الغضب:


-طلعي كل الورق على السرير واقفلي الباب ده مش طالبة ابنك يدخل يبحتر الورق واحنا بندور، كفاية اللي ضايع!


أغلق ريان الباب موصدًا إياه في إحكام فأرتفع حاجبي ريم التي قالت في براءة:


-بس عز مش بيعرف يوصل لاوكره الباب بتقفله بالمفتاح ليه؟


اقترب ريان المتذمر منها يحاوط جسدها الصغير بذراعيه كي يقربها من احضانه في حده أكثر من اللازم، سارقًا شهقة تعجب من شفتيها، قبل أن يعبر عن حنقه:


-ياريت ما اسمعش نفسك اللحظات دي عشان أنتي جبتيلي المرارة ببراءتك المستفزة.


أخفض ريان رأسه في محاولة لتقبيلها لكنها ابعدت فمها عنه بأعين مفتوحه من الصدمة ليستقر بشفتيه فوق عنقها، حاولت رسم دفع اصابعه عنها في هلع لا تصدق انه يحاول التقرب منها بحميمة والعائلة كلها مجتمعه في الخارج، لكن محاولاتها الساذجة بائت بالفشل فاستنكرت في صوت خافت مرتعد:


-ريان أنت اتجننت، العيلة كلها بره، لا طبعًا.


-ما هو ده البوينت كلهم برا ومفيش قلق على العيال ومحدش هيتوقع،

من الآخر أمان.


-لا لا..


رفضت في قوة من بين اسنانها وهي تجذب جسدها للأسفل بكل قوتها عسى أن يفلتها لكنه لم يتزحزح بل زاد من ضغطه على جسدها يقربها منه متمتمًا في إصرار:


-لا في عينك، بقولك إيه انتي تقفلي البوء الجميل ده وتسبيني أشوف حالي عشان أنا جالي حرمان عاطفي بسبب عيالك.


انهى جملته بين شفتيها يمنع وابل من الكلمات المستهجنة قبل ان تخرج من فمها محكمًا إحدى قبضتيه خلف عنقها مانعًا ابتعادها، أثناء هجومه السافر فوق شفتيها في محاولة ثقيلة لقمع مقاومتها ومحاولاتها للانفلات منه.

تعمد إطالة قبلته المُهلكة مستغلًا زيادة هروب الاكسجين منها ما بين فرط حركتها وجنون قبلتهما حتى كادت تنقطع انفاسها، على أمل إخماد عزيمة مقاومتها المتصاعدة، ابتعد عنها فعلا صوت شهيقها التي جذبته قبل أن تهمس شاكية في استهجان:


-بتقطع نفسي، أنت قاصد تموتني!


قبل وجنتها رغم اعتراضها الواهن ثم همس في صوته الرجولي الخافت قرب أذنها:


-وهو انا كنت اشتكيت لما كل شوية تموتيني ببعادك رغم إنك عارفة ومتأكدة ان قُربك بقى هو الهوا اللي بتنفسه؟


-يالهوي عليا.


خرجت همستها مهتزة غير واعية وتحولت نظرة الغضب في عيونها الى أخرى حالمة، لا تزال متعلقة بعيون ريان الماكرة، متعلقة بتفاصيلها السوداء الحادة الملامح والمشاعر على حد السواء، رمشت عدة مرات تحاول الخروج من حالة السحر الذي القاه عليها ما أن داعب أذنيها بكلماته من الحب والغزل، فمثل تلك الكلمات تختفي مجالها عندما يكون لديك طفلين سارقين كل يومك وكل ما ترغبي فيه مع زوجه هو اختلاس بضع لحظات صامته لكنها كافية لبث كل أنواع المشاعر داخل قلبهما.

لم يتركها ريان تفكر كثيرًا او يعطيها فرصة للانسحاب، حيث قام برفعها بين ذراعيه مستمرًا في طبع قبلات رقيقه فوق وجهها الصغير وعنقها الناعم، وضعها في حنان بالغ هامسًا في صوته الخشن المُعتق بمشاعره الصادقة:


-أنا بتوه في عنيكي لحد ما أحس بنشوة الانتصار باني فسرت الحب واسراره.


تنهدت ريم واضعة يده فوق قلبها الخافق الذي يكاد يتوقف من شدة ضخه، ويد فوق وجنتها الحارقة تشعر أن روحها ترتعش متراقصة في سعادة ترغب في التلألأ كنجوم السماء، هامسة في نبرة خفيضة تغمرها المشاعر:


-يخربيت اللي أنت عامله في قلبي يا شيخ.


-سلامة قلبك يا روحي.


همس بابتسامه مفترسة مشاغبة وعيون لامعة بالنصر متأكد بانه نجح في وضعها حيث يريد داخل مصيدة غرامه، مرر عيناه في ترفب فوق وجهها المشع بحمرة الخجل والحب ثم اقترب منها يقبلها في ثقة.

وتلك المرة أحاطت ريم عنقه في قوة مستجيبة في لهفة وشوق واستسلام منتظره أن يطبع ألحان غرامه في قلبها، ويفجر ينوع من الحب والسعادة داخل روحه وروحها كي يرحمهم من الظمأة.

هربا سابحين معًا بين همزات ولمسات غير عابئين ببحور العشق العالية أو بالسيطرة على زمام ذلك العشق، فأنت قادر على طرد جيش استوطن وطنك لكنك عاجز عن طرد لعنة من العطاء و "فرطِ الحب" استوطنت عرش ومملكة المحب.



*****


مضى يوم الميلاد بصعوبة على ريم المرتبكة يراودها هاجس بأن الجميع يدري بنا حدث خلف الجدران، بينما زوجها المستفز يجلس بين الجميع في ثبات ورزانه عالية مندمج في أحاديثه وكأن لم يعصف بمشاعرها قبل قليل.

لكنها تنفست الصعداء عندما غادر الجميع دون اي تعليق منهم، تحركت تنظف المكان واتجهت لإلقاء نظرة على ريان الجالس في غرفة الأطفال يتحدث معهم في جدية بالغة بما يؤرقه محاولًا التمسك بقراره وحقه في الاحتفاظ بزوجته لنفسه في الليل.


-انهارده كان عيد ميلادك يا عز يعني أنت بقيت كبير خلاص.


-لا مش كبير.


اعترض الصغير فصيح اللسان وشعر بالندم انه وافق بيجاد على مطلبة بزيادة المخالطة بين "عز" و"تيم" المتأخر قليلًا في النطق حتى يشجعه على المنافسة والحديث وجاء على رأس بيجاد لأن طفله المشاكس تعلم الكلام سريعًا وصار متذاكي، ضغط ريان فوق فمه كي لا يوبخه قائلًا في هدوء:


-لا كبرت وجه الوقت اللي تنام فيه جنب أخوك عمر، مش أنت على طول عايز تبقى كبير زي عمر، هي دي فرصتك أثبت نفسك فيها.


وصلته ضحكة ريم المطلة من باب الغرفة قبل أن تردف في سخرية:


-يمين بالله الواد ما فاهم نص كلامك، انت مش بتكلم زمايلك المهندسين في الشغل، ده طفل!


-اسكتي أنتي، أنا فاهم الأشكال دي كويس!


أخبرها ريان متجاهلًا إياها بحركة من يده مستمرًا في حديثه المنمق مع الصغار وكأنه يُجري صفقة من نوع ما، حركت ريم رأسها فاقدة الأمل في عناد زوجها لكنها قررت الانسحاب وتركه معهم مستغلة الوقت كي تنهى الصحون المتراكمة في الداخل.


بعد وقت طويل وقف ريان على باب غرفة الأطفال يلوح لهم فخورًا بنفسه لأنه نجح في اقناع عز بالنوم في غرفته مع شقيقه، اغلق الباب ثم اتجه بابتسامه واسعة يبحث عن ريم التي كانت تلملم بضع أغراض من أرضيه غرفتهما فدخل مخبرًا إياها في غرور وأنف مرفوع:


-عمر اقتنع انه هينام مع عمر اخوه، لا داعي للشكر.


-مش عايزة اصدمك بس متفرحش اوي غير لما ينام فعلًا خليك متوقع ظهوره في أي لحظة والتانية.


ردت كلماتها المستفزة في صدره فزم شفتيه في تعالى أثناء تحركه للمرحاض مؤكدًا:


-أنا متأكد انه هينام، لانه بقى راجل خلاص.


ضحكت ريم فهو لا يقل شقاوة عن ابناءه ثم انشغلت في انهاء أعمال التنظيف بالخارج وبعد مرور نصف ساعة تقريبًا دلفت إلى غرفتها أخيرًا وكل ما تتمناه هو حمام ساخن يسرق الألم الحارق من عضلات جسدها المتفرقة.

لمحت ريان المرتدي لسرواله البيتي دون النصف العلوي لبيجامته، يستنشق دخانه منشغلًا بحاسوبه فوق الفراش بحرية، كادت تستفزه بأحد تعليقاته بانه لم يلبث على خروج عز من الغرفة سوى ساعة وها هو يقوم بكل المحظورات لكنها تغاضت عن الأمر.

رمقت ثوبها الملطخ ما بين شكولاتة تورتة الميلاد وبقع مياه غسيل الصحون في اشمئزاز صريح ثم اتجهت للخزانة تبحث عن منشفه وثوب نظيف مناسب يشعرها بأنوثتها، إلا أن ريان باغتها محتضنًا لها في ارتياح وحرية معترفًا بمكنوناته المبتهجة:


-أنا مش مصدق اني هخدك في حضني طول الليل، لا احنا كده ولا العرسان الجداد ولازم نحتفل.


ضربت رأسها للخلف في كتفه متسائلة في استنكار واضح:


-بذمتك ده منظر يتبص عليه حتى ويتقال نحتفل ده انا ملحوسه من كل حته.


مط جانب شفتيه متعمدًا دغدغتها من جانبي جسدها ليخبرها وسط ضحكاتها:


-ملكيش دعوة، أنا بحب اللحوسه.


-طيب اديني فرصة استحمى و....


صوت طرقات متتالية قطع حديثها، فرفعت ريم حاجبه نحو ريان قبل ان تشير برأسها للباب:


-اتفضل، قابل أنت.


لولا كبرياءه أمام الجميع لأوشك ريان على البكاء من فرط الغيظ لكنه اتجه نحو الباب يفتحه مانعًا الطارق من الدخول، متسائلًا في نبرة رخيمة:


-أنت منمتش ليه يا عز؟


-مش عارف، أنا عايز مامي!


أجابه عز بعيون واسعة في براءة واهية أثناء محاولاته في تخطي والده للدخول لكن ريان رفض مستكملًا:


-وبعدين معاك، احنا مش قولنا أنت كبرت.


-طيب أقول لمامي حاجة واحده بس.


أخبره في نبرة طفولية حزينة تتلاعب على اوتار أبويتهما فهتفت ريم من الداخل :


-دخله يا ريان هيقولي حاجه ويروح ينام.

التفت ريان يحدقها بنظرات نارية فاستغل عز انشغاله عنه ودخل سريعًا راكضًا نحو والدته كأنها المنقذة في الحياة.

حملته ريم وهي تجلس فوق الفراش متسائلة:


-مالك يا عزو، عايز تقولي أيه؟


-أنام في حضن مامي شوية وفي اوضتي شوية.


أخبرها وهو يتعلق برقبتها، فتخصر ريان يتابع رد فعلها، رمقته في خجل فضاقت عيناه متنبئ بما هي مقدمة عليه، فوجدها ترضخ لإحساس أمومتها وتهز رأسها في موافقة هامسة:


-طيب، لكن اوعدني من بكره تنام في اوضك.


-ماشي.


قال عز وهو يستوطن مكانه المعتاد بمنتصف الفراش وعلى وجهه ابتسامه راضية يرفض النظر لوالده خوفًا من اللوم والعتاب الذي سيغرقه بهما.


-على فكرة ده مش صح وهيتعود على كده ومش هينام في اوضته ابدًا.


-معلش يا ريان هو صغير، مش من أول مره هينام برا.


لم يجيبها ريان الغاضب وانطلق يستلقي على جانبه من الفراش في انزعاج ورفض مباشر وصريح لأفعالها، فوجدت نفسها تهمس كي تراضيه:


-لما ينام هنودي أوضته طيب، اتفقنا؟


لم يملك الوقت للإجابة أثناء اعتداله لمواجهتها وقد اتت طرقات عمر من الخارج قبل أن يفتح الباب متسائلًا بنبرة مُحمله بالنعاس:


-هو عز هنا؟

اصلي صحيت ملقتهوش.


-اه يا حبيبي ما تقلقش، هو هينام جنبنا شويه.


اقترب عمر من الفراش بتلقائية ينظر في حنين طفولي إلى عز المحاط بوالديه، فشعرت ريم بوخزة تتملك قلبها لذلك التمني المنبثق من عينيه فأخبرته في صوت ضعيف تخشى رد فعل ريان المتوقعة:


-تعالى نام وسطينا شويه لو عايز يا عمر.


انتفض ريان في ذهول يرفع الغطاء عن جسده للاستقامة، متعجبًا من طفله الذي ألقى بنفسه في المنتصف ما ان انهت ريم جملتها، فهتف في جنون:


-ينام وسطينا فين هي رحلة، اتوبيس هو بنحجزه!

هننام احنا الأربعة ازاي على السرير؟!


سأل في غيظ يحاول كتمه وقد أكل عمر جزء كبير من مكانه فوقف جوار السرير الخشبي منتظر اجابتها لكنها اكتفت بكلمتها المستفزة:


-معلش.


-ايه ده معقولة معلش؟

لا كتر خيرك جدا، بقولك ايه نامي انتي وعيالك براحتكم انا هغور في داهيه وانام برا على الكنبة.


-هقول ايه بس، يا ريان استنى .....


حاولت ريم ان تستوقفه لكنه خرج منزعجًا متذمرًا لا يصدق انه وصل إلى هذه الدرجة من اليأس حيث يشعر بالتهديد والغيرة من لحمه ودمه.


تنهدت ريم لكنها وعدت نفسها بمراضاته ومصالحته ما ان يخلد الفتيان للنوم، نظرت إلى عمر وعز المحدقان لها وتعجبت لضحكات المكتومة داخل مقلتيهما.


-أنا شايف أن بابا هو الكبير يبقى هو اللي ينام برا.

صرح عز في ثقة ورغمًا عنها ضحكت بخفة شاركاها إياها لكنها سيطرت عليها سريعًا خوفًا من ريان.


*****


طوال الساعة الماضية تقلب ريان على الأريكة في صعوبة وعدم راحة، يشعر بالضيق والغضب على ريم لأنها لم تُحمل ذاتها مشقة القدوم خلفه مختاره اطفاله عليه.

زم شفيه يمنع الفاظه الخارجة، ثم استقام في حده مقررًا الشجار معها دون اكتراث لتأخر الوقت فهو لن ينزعج وحده، لكنه ما ان دخل الغرفة حتى قوبل بمشهد نوم الثلاثة في عمق فوق فراشه، طارت مشاعر الغضب والتذمر تدريجيًا من جسده أثناء اقترابه منهم.

وقبض على شبح ابتسامه تتنقل فوق شفتيه وهو يرى عز كيف ينام قابضًا بين كفه على مقدمة ثوبها الملطخ بينما عمر يحتضن عز وريم بيد وساق ممتدة على وسعها.


-ناموا انتوا وبلاش أنا .


تمتم ساخرًا لكنه ظل مندمجًا في النظر إليهم ورغمًا عنه ملئته تلك اللوحة البشرية أمام عينيه بشعور منبعه الامتنان والكمال لوجودهم في حياته.

أقترب من ريم يبعد خصلات شعرها المشعث عن وجهها رافعًا له ببطء للأعلى كي لا تتضايق أثناء نومها.

ضحك ساخرًا فزوجته لا تختلف عن فتيانه كثيرًا لأنها تبدو مرهقة بملابسها الملطخة كفتى مراهق امضى يومه كله في لعب الكرة في الشارع مع أصدقائه، مال يقبل جانب فمها الوردي المفتوح إنشًا قبل أن يلامس ذقنها في خفه يجبره على الانغلاق.

ثم اتجه في صمت نحو جانبه من الفراش متمتًا في نبرة ساخرة:


-ما كان من الأول وأنت من امتى بتكسب العيال وأمهم يا راجل.


استلقى في المكان ضيق لكنه تأقلم مع الوضع في هدوء محتضنًا عمر يليه عز حتى استقرت أصابعه فوق كف عز القابض على ملابس ريم تمامًا عند قلبها الكبير الرائع المتسع للجميع تمامًا...


*****

تعددت خيارات الإفراط في الحياة والهزيمة دائمًا واحدة، فالفرط لعنة وخير الأمور لطالما كانت الوسط ...


قد تترك نفسك غارقً في "فرطِ أنانية" تسرق بها حقوق الآخرين لكنك لا تظلم سوى نفسك التي سرقت حقها في تذوق النعيم..


إما إن وقعت في الفخ وحُبست في "فرط الحب" فأنت منتهي لا محال، فالخدعة تكمُن خلف فرحة البداية لتكتشف في النهاية إنها ليست مجرد لعنة بل العقاب الأشد للمُحب والطريق الأسرع لهلاكه بعد أن يلقيه من حافة الهاوية.


النهاااااية .....

*********************
إلي هنا تنتهي رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم
تابع من هنا: جميع فصول رواية رواية احفاد الجارحي بقلم آية محمد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حزينة
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة