-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثلاثون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثلاثون

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثلاثون

 امتدت جلستهم لبعض الوقت وهم يتبادلون الحديث حول الأعمال وكيف تسير تجهيزات زفاف رهف وحمزة بعد أن قرر نجيب عدم تأجيله رغم الظروف، وطلب من رهف أن تبقى بمنزل عمها إلى أن يغادر المشفى، وأصبحت تذهب لزيارته يوميًا وتحاول جاهدة أن تبتعد عن مواجهة كرم، لاحظ الجميع أن نظرة يسر العدائية تجاههم تحولت، لقد خُيل لمنار أن وقت الحساب قد حان وجاءت يسر تكيل لهم الاتهامات وتعاتبهم على ما اقترفوه بحق ابن عمها لكن الحقيقة مغايرة تمامًا، جلست بهدوءٍ ولم تستطع اخفاء البريق المفعم بالسعادة الذي يغلف نظراتها، أحيانًا تبتسم وتدارك الأمر عندما يلاحظها أحد، لقد تحولت تمامًا أصبحت هادئة الطباع تركيزها منصب حول والدتها ورهف، تختلس النظرات بين الفينة والأخرى لتتابع زوجها وهو يتحدث، لم يتطرق الحديث إلى القضية أو أي من تلك الأمور، حفاظًا على مزاجها الجيد، راقبها مراد طوال الجلسة، ووارى ضحكته خلف يديه لأكثر من مرة عندما تتساءل سمية أو كرم بنظراتهما عن التحول الملحوظ بمزاج يسر، ذهبت يسر وجاءت أخرى، لم يكن بوسعه إخبارهما سبب هذا التغيير لكنه أومأ لهما لأكثر من مرة ليطمأنا، لم يتأكد بعد لكن حدسه يخبره قطعة من روحه بداخلها الآن، وأثناء انشغالهم بالحديث استأذنت يسر أن تختلي برهف في غرفتها لتتبادل الحديث معها؛ تهللت أسارير الأخيرة، منذ مجيء يسر وهي تلاحظ نظراتها وارتباكها، تعرفها جيدًا وتعرف أن لديها ما تريد قوله أو تسأل عنه، هذه عادتها تُخفي حزنها جيداَ لكن فرحها يصعب عليها أن تخفيه، إن لم تتحدث عنه نظراتها ستفعل، جلست على السرير وأشارت لها بيدها دون أن تتحدث لتجلس، تبادلتا النظرات لبعض الوقت، عاتبتها يسر على الكثير واعتذرت رهف دون أن تنطق، وأخيرًا قطعت يسر حالة الصمت وقالت:

"رهف أود أن أسألكِ كيف تعاقب الأم صغيرها؟"

عقدت رهف ما بين حاجبيها وحركت رأسها تسألها دون أن تنطق، فتابعت يسر:

"أجيبي يا رهف كيف تعاقب الأم ابنها إن أخطأ؟"

هزت كتفيها بلا مبالاة، وقالت:

"إن تحدثنا عن ماما سمية ستخاصمه لدقائق أو بضع ساعات، أو تتحدث معه عن خطأه حتى تثنيه عن فعله ثم تقبل رأسه وتعانقه وكأنها تعتذر عن عقابها له، أما إن تحدثنا عن منار ستعاقبه بشتى الطرق، رصيدها في طرق العقاب لا تنتهي، ستبرحه ضربًا أو تنهره بشدة لدرجة الدماء ستهرب من جسده على إثر هلعه من نظراتها، إن كان جرمه كبيرًا، مثلا طلب منها الطعام أثناء تحدثها لصديقتها، أو كسره للكوب من خوفه منها، ستقوم بقفل باب الغرفة المظلمة عليه، ويظل يصرخ إلى أن يحين موعد عودة والده من العمل ستذهب إليه تترك له أثار صفعة مؤلمة على وجنته وتخبره ألا يغادر غرفته إلا بالصباح، وسيقضي ليلته ينتحب بصمتٍ، ولن يسلم الأمر بكل مرة، مؤكد ستترك علامة لعينة بجسده كذكرى للأمومة التي لم تمارسها بيومٍ، كهذه"

ختمت حديثها وهي تمد يدها بوجه يسر لتظهر تلك الندبة التي شوهت كف يدها، انهالت دمعاتها لتهبط على شفتيها المرتجفة، بتلك اللحظة تحديدًا صًكت رهف بصك اليتم رغم وجود والديها على قيد الحياة، لم تتفوه بتلك الكلمات لتترجي عطف يسر أو مسامحتها لها، وإنما ما تفهمه عن الأمومة متمثل بقسوة منار وحنان سمية، ولأن حنان سمية ممتد بقلب يسر، التقطت يد رهف وانحنت عليها لتنهال عليها بوابلٍ من القبلات على موضع الندبة فاستقرت دمعاتها على الندبة وكأنها تود محو آلامها التي لا تنتهي منذ سنوات، قالت ووجها منكب على يد رهف:

"لا أستطيع الغضب منكِ أو عليكِ، أنتِ طفلتي الصغيرة مارست عليكِ الأمومة قبل أن أمارسها على ابني ألا يكفيكِ ذلك"

مالت رهف بجزعها عليها فاستندت برأسها على رأس يسر، وقالت وقد انفرطت في البكاء لتختنق بشهقاتها:

"لا تعاقبي طفلتكِ يا يسر، عاقبها الزمان بشتى الطرق، ألا يكفيكِ ما تفعله بها الحياة، ألا يكفيكِ أنها تعيش لاجئة لا أب لا أم لا أخ، اطمئني يا ابنة عمي لقد ثأر لكِ القدر منا"

لقد تماسكت بقدر المستطاع الفترة الماضية ليس لقوة شخصيتها، رهف أضعف من أن تواجه أو تُدلي بإفادة من شأنها أن تدمر شقيقها وما خفي كان أعظم، ولكن لأنها تعلم جيدًا إن استسلمت لأحزانها لن تنهض إلا عندما تمد يسر يدها لها، خاصة في غياب والدها، ويسر لم يبدو عليها أي مظهر من مظاهر المسامحة لها، بكت وأطلقت العنان لدمعاتها حررت أحزانها وأفكارها التي تعصف بروحها، شعرت يسر بضعفها، ندمت رغم أنها تستحق العقاب لكنها ندمت أنها تركتها وحيدة بوقتٍ كهذا، جذبتها لتستقر بين أحضانها وراحت تمرر يدها بحنانِ أمٍ على ظهرها، وقالت قاصدة معاتبتها وتعنيفها، واحتواءها، بذات الوقت:

"يا غبية، أين عقلكِ؟ ذهبتِ إليه وأخبرتِه بحديثنا، حتى أنكِ تمنيتِ أن تعود علاقتنا، أخفيتِ عني عودته إلى البلاد، وعندما علمتِ أنه حاول إيذائي استنكرتِ فعلته، كنتِ تعلمين أنه قتل ياسمين وأخفيتِ الأمر لكنكِ جئتِ إلى ماما واعترفتِ لها، وعندما أبلغت عنه وذكرت أمر شهادتكِ غضبتِ لكنكِ ذهبتِ وأدليتِ بشهادتكِ، بأي تخبط تتعاملين، لما تمرين بتلك التناقدات، أين عقلكِ؟!"

قالت بنحيب وقد ارتفعت نبرة صوتها قليلًا:

"ما قاله قبل سنوات رفض عقلي تصديقه كثيرًا، وضعت الكثير من التكهنات أهمها أن أخي ليس قاتلًا، جزء بي رفض التصديق لكن ضميري حتم عليّ أن أخبر ماما سمية بالأمر، وعندما مرت السنوات ولم تقدمه للعدالة توقعت أنها لم تقتنع بما قلت، فتعايشت على أن لهذه الجملة معنى آخر، وعندما عاد رأيت تدهور حالته، لقد كان نادمًا بشدة، يشتاق إليكِ، يقسم أنه سيخلصكِ ويعوضكِ عما مضى، توقعت أن الأفضل لكما أن تعودا لكن فور معرفتي بما فعل أيقنت أنه لم يتغير، وكان قد فات الأوان وأخبرته بما تحدثنا به فصمت، واستسلمت لقدري، أما شهادتي لم أتجرأ على الإدلاء بها من قبل لكن فعلت الآن حتى أتخلص من هذا العبء الذي يجثم على روحي، حتى ينال كل منا ما يستحقه، السؤال هنا إن كان كرم لم يغتصب ياسمين من فعل ذلك؟"

ابتعدت عنها وتطلعت بها بذهولٍ وتابعت الحديث:

"السؤال الأهم الآن لما تبدل حالكِ هكذا! كنتِ تصرخين وتجولين هنا وهناك وتلقين الاتهامات علينا، وتقسمين على براءته، كيف تبدل حالكِ، كيف أثُلج على صدركِ هكذا؟"

كفكفت يسر دمعاتها وقالت بعد أن تنهدت براحة:

" أنا لم أقسم على براءته، لم يكن كرم بيومٍ ما بريء بعيني فور رحيله مات كرم نجيب بقلبي، على العكس أنا أثق تمامًا قضية أخوتي لن تنتهي النهاية التي نتخيلها جميعًا، أكاد أُجزم هناك أمور بالخفاء وستظهر، أنا خسرت كثيرًا، خسرت لدرجة تمزق قلبي إلى أشلاء، وأحاول الآن تجميع شتات روحي، لذا قررت ترك الحزن والصدمة إلى أن تنتهي القضية"

هدرت رهف بنفاذِ صبرٍ:

"وكيف استطعتِ فعل هذا من عاونكِ؟"

ترددت كثيرًا فيما ستقُدم عليه، لكنها لم تعد تتحمل لابد وأن تتشارك بهذا السر مع أحد، قلبها لا يستطيع تحمل تأثير ما يحدث بمفردها، هي بالأساس جاءت لتخبرها ولم تعد تتحمل السكوت أكثر زفرت براحةٍ، ثم ابتسمت، مدت يدها بتوجسٍ لتمسك بيد رهف وتحركت بها نحو بطنها لتضعها فوقها وقالت، بعد أن هبطت دمعاتها بسعادة لتمتزج مع بسمتها:

"هذا"

اتسعت حدقتا عينا رهف، فشهقت ووضعت يدها الأخرى على شفتيها وقالت:

"يسر أنتِ حامل"

انتفضت الأخيرة، وقالت وهي تضع يدها على فهما لتسكتها:

"اخفضي صوتكِ، لم أخبر أحد بالأمر بعد"

استمر حديثهما لنصف ساعة أخرى، وصفت بها يسر مشاعرها تجاه معرفتها بحملها، وما تكنه بقلبها لمراد، وما تنوي فعله، والأهم من ذلك صارحتها أنها سامحتها لكن بشرطِ أن تتماسك بعد أن تظهر نتائج التحقيقات، وأنها لابد وأن تتوقع الأسوأ، لأن الأسوأ قادم لا محالة، أكدت عليها أن تفعل ما بوسعها ليتم زفافها بأوانه، مما جعل رهف تتوجس خيفة وكأن يسر لديها ما تخفيه بشأن هوية القاتل، سألتها كثيرًا عما تضمره بصدرها لكنها أقسمت أنها لا تعرف أكثر منهم، وأن ما يهمها الآن أن كرم ليس مغتصب ياسمين، وأنهما لم يقوما بخيانتها، يكفي ألا يكون ابن عمها مغتصب شقيقتها، أو أقام علاقة معها.

**

مرت عدة أيام أخرى على هذا اللقاء غادر نجيب المشفى، استمرت يسر بإخفاء حملها عن الجميع، هذا ما تعتقده بالحقيقة شروق وابنتها لم يخفي عليهما حالة الإعياء الشديدة التي تمر بها، وقد رجحا أنها أعراض طبيعية لبداية الحمل، أما مراد كان يتابعها بترقبٍ، لم تذهب إلى الطبيب أو تقوم بعمل الاختبار لتتأكد، فانتابه الشك أنها مجهدة مما تمر به من أحداثٍ، خاصة بعد تبدل أحوالها بين اللحظة والأخرى، تارة يستيقظ ليفاجئ بها تضع يدها على صدره ولا تغضب عندما تستيقظ وتجد نفسها بين أحضانه، وتارة أخرى تهدم المنزل فوق رأسه إن ابتسم لها، ترك كرم نجيب المنزل فور عودة والده ولم يستطع أحد الوصول إليه، إلا بعد أن فجرت منار قنبلتها المدمرة عندما استطاع المحامي اثبات عدم أهلية رهف لإبداء الشهادة وبطلان ما شهدت به ضد شقيقها، بعد تقديمه مستندات تثبت مكوثها لأشهر بمصحة للأمراض النفسية و تلقيها العلاج النفسي منذ سنوات، خُيل لمنار أنها هكذا أنقذت ابنها من حبل المشنقة، ولم تعلم أنها هكذا قتلت آخر أمل بداخله أن يكونَ إنسانًا.

انهارت رهف، لم تتحمل أن تصبح بنظر الجميع والقضاء غير مؤهلة عقليًا لإبداء رأيها وشهادتها، بكت، صرخت، كرهت دماء الدالي التي تسري بجسدها، أكثر ما ألمها هو أن من فعل بها هذا شقيقها، لم يتركها حمزة وكذلك يسر أما سمية شعرت بالذنب من أجلها هي من وضعتها بموضع كهذا؛ لذا قرت ألا تنبش أكثر خلف الحقيقة، واقتنعت أن منار هي الرابحة هذه المرة أيضًا.

منزل طاهر الدالي

جلست شاردة بالشرفة تبكي وترثي حالها، أثناء قيام سمية بإعداد الطعام، ووجود كرم بالعمل، سمعت جرس الباب يدق فتوجهت بوهنٍ لتفتحه، فوجئت بشقيقها يقف مطأطأ الرأس وكأنه لا يقوى على رفع عينيه بها، قالت:

"أنتَ ماذا تفعل هنا، هل جئت لتخبر سكان البناية بجنوني كما فعلت بالمحكمة؟"

رفع وجهه، لتُصدم من هيئته، ذقنه مهملة، وعينيه متورمتان، مكتسيتان باللون الأحمر وكأنه يبكي منذ أسابيع، وجهه شاحب جسده، هزيل يبدو أثناء بكاءه بهذه الأسابيع لم يتناول الطعام، قال ليزيد من صدمتها:

"بل جئت أرد إليكِ كرامتكِ"

قالت:

"ما بكَ لما حالتكَ هكذا؟"

دارت عينيه بالمنزل يبحث عن معذبة قلبه، فلم يجد أحد فقال:

"هل يرافقكِ أحد؟"

تنهدتِ بحزن وقالت:

"نعم ماما سمية بالداخل، قل لي ما بكَ ولما جئت؟"

"هل علمتِ بقرار المحكمة؟"

قالت بعتابٍ بالغ:

"نعم، أصبحت غير مؤهلة، مجنونة بفضلكِ"

دفعها قليلًا إلى الداخل وقال:

"لم أفعل شيء، إنها أفعال منار"

ابتسمت بتهكمٍ:

"منار!، ألم تغضب عندما لا أناديها بماما؟"

"رهف جئت أخبركِ، أنني لم أفعل هذا الأمر إنها تدابير أمي"

"لاأصدقكَ"

"هذه مشكلتكِ، أقسم لكِ بحياة يسر لم أفعل"

صرخت به فجاءت سمية على صوت صراخها، ووقفت تتابعهما بصدمةٍ من حالة كرم، لقد كان يستند على الحائط وكأن قدمه لم تعد تحمله، قالت رهف وهي تسدد له اللكمات بصدرهِ:

" اخرس إياك أن تُقسم بها، إياك أن تلفظ اسمها من بين شفتيكَ"

أومأ بحزنٍ، وقال:

"حسنًا لن أقسم بحياتها، سأقسم بحياتكِ أنتِ، أنا برئ من هذا الذنب، يكفي أن تصدقيني"

تطلعت به بدت كأنها تقرأه، نظراتها الثاقبة أربكته، قبضت بأسنانها على شفتيها حتى سالت دمائها، تعلم كلماتها ستكون خنجرًا ستصوبه على قلبه لكن انغرز بقلبها أولًا، قالت وهي تنظر له بترقبٍ:

"وذنب ياسمين هل أنتَ بريء منه؟"

طأطأ رأسه، وراح يلهث، باتت الأحداث تجثم على روحه لابد وأن يتخلص من الاتهامات التي توجه له دومًا، ذنبه الوحيد أنه أحب، أحب الجميع والدته وزوجته، تمزق نياطه حزنًا، أكثر من أحبهما بالحياة وفعل من أجلهما ما لم يتخيل أن يفعل يومًا تخلتا عنه، رفع وجهه لينساب سيل دمعاته وقال:

"إجابة هذه السؤال لدى منار، تتهمين الشخص الخطأ يا صغيرتي"

اندفعت سمية كالإعصار الذي ضرب المدينة وسيقلب الأمور رأسًا على عقب، وقالت:

"هذا ليس سؤال، إنه اتهام صريح دماء أبنائي برقبتكَ وأنتَ والحرباء منار؛ لذا لا تأتي تدافع عن ذنب صغير كذنب جعل شقيقتك مجنونة لا يُعترف بشهادتها، من إي فصيلة من البشر أنتما!

حدق بها نيران الكره والغل بعينيه، جعلتها لأول مرة تخشاه، لأول مرة تراه منهزمًا هكذا، الإنكسار بعينيه أربكها، وما قاله جعله تتوجس خفية منه:

"نعم أنا مذنب وأمي كذلك، لكن أول الذنوب كانت من نصيبكِ أنتِ لا تنسي هذا مطلقًا، أنتِ السبب فيما عليه أمي الآن، أنانيتكِ خلقت منها حاقدة، أنا سأنهي هذه الحرب سأخبر يسر بالحقيقة كاملة، سأخبرها بما حدث منذ سبعة وعشرون عامًا وما حدث منذ ما يقارب الأربعة سنوات، لن أحترق بمفردي سأحول حياتكم إلى مقبرة موتاها قد وضعوا أعينهم على ما لا يستحقون"

حدقت به سمية بصدمةٍ بينما جذبته رهف من ذراعه، فأبعد يدها وقال وهو يغادر:

"ابتعدي إن كنت مذنب بنظرها لتعلم من أوصل أمي لما هي عليه الآن، لأتخلص من الهموم التي تخنقني وليحدث ما يحدث"

صرخت به:

"مستحيل أن تذهب، إياك أن تخبرها بشيءٍ"

التفتت إلى سمية تستنجد بها وقالت:

"ماما سمية عن ماذا يتحدث؟"

أجابتها:

"اتركيه ليس لدي ما أخفيه"

ابتسم بتهكمٍ وقال وهو يغادر:

"عرق الدالي الأصيل، لا يعترف بذنبه مطلقًا"

أيقنت رهف أنها لن تستطيع إيقافه فصرخت به:

"لا يمكنك أن تخبرها بشيء اتركها لا تسرق منها سعادتها"

حدق بها غير مدركًا لما تقصد، وقال والمرارة تغلف كلماته:

"وهل السعادة تعرف طريقها كي أسرقها منها، اتركيني يا رهف لأتخلص من هذا الحمل"

تابعت صراخها:

"بلا تعرفها قدمها لها مراد على طبق من ذهب، إنها تحمل جنينه بأحشائها لم يعد لكَ مكان بحياتها، اتركها وشأنها، لا تجعلها تحزن، هي تركت الأمر وأقسمت ألا تسعى لكشف الحقيقة، تقبلت الأمر وقالت يكفي ألا يكونَ مغتصبًا لياسمين"

شهقت سمية وقالت بتوترٍ بالغٍ:

" هل يس حامل"

قالت رهف:

"نعم وإن أخبرها كرم بالحقيقة ستسوء حالتها، هي تخلت عن الانتقام لا تفكر سوى بصغيرها، أنا راضية أن أكون مجنونة لكن أتوسل إليكما أتركوها وشأنها، تنازلي يا ماما عن شكواكِ، وأنتَ يا كم هيا غادر البلاد وكأنك لم تعد من غربتكَ"

وبينما تتبادل سمية ورهف الحديث كان كرم يتابعهما مصدومًا، عزائه الوحيد كان أن يسر مازالت له، لم تسلم قلبها إلى مراد، والآن يكتشف أن قلبها وجسدها ملكًا له، صرخ:

"لا يمكن ليسر أن تفعل بي هذا"

أطلق العنان لقدميه، وركض قبل أن تستطيع رهف منعه من الذهاب، ركض ينهي هذه المهزلة، هذه الأرض لن تحمله هو ومراد لن يجتمعا عليها، لابد وأن يغادرها أحدهما، لابد وأن يسترد عشق طفولته.

**

وبعد مرور بضع ساعات، كان يقف شارد الذهن، يحدق بالسماء الشاسعة من أمامه، شلال دموعه لا يتوقف نبضات قلبه تهتف باسمها، يقبض على يده بشده، يكبت غضبه كي لا يصرخ، وإن صرخ ستحرق صرخاته الأرض، خفض نظره ليرى القاهرة تحت قدميه، صغيرة الدنيا عندما ننظر لها من الأعلى، لا تستحق الحياة عندما ننظر لها بنهايتها، لا تساوي شيء عندما نخسر من نحب، أطلق زفرة كفيلة أن تحرق روحه وهمس:

"لا يمكن أن تسلمه قلبها، لا تفعل بي هذا"

جاءه صوتها من الخلف فقالت:

"بلا فعلت وأكثر من ذلك"

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثلاثون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة