-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الرابع والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الرابع والعشرون

اقرأ أيضا: روايات رومانسية

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار

رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الرابع والعشرون

 سمية لابد وأن نجلس ونتحدث ابن منار بات خطرًا جدًا، أخشى أن يقم بإيذاء يسر، رغم ثقتي أنه لن يتركها وشأنها.

قال كرم وهو يجثو على ركبتيه ويضع يديه على ركبتي سمية التي كانت تستند بجبينها عل كف يدها الموضوع على جانب الأريكة، وجسدها يرتجف على إثر توترها مما حدث، رفعت وجهها تحدق به، تفكر عما يتوجب عليهما فعله فقالت:

_لن نهدد منار وابنها، أو نطلب من نجيب ردعهما، لن نحاول إبعاد يسر عن مرماه حتى لا يصيبها، نحن سنقضي عليهما تمامًا لنتخلص من شرهما إلى الأبد، ونخلص ابنتنا.

نهض متوجسًا ثم قال وهو يضع سبابته على شفتيه يحذرها وقال:

_ لا يكن ما فهمته صحيحًا، هل نويتِ أن تشعلي الحرب من جديد؟ ليكن بعلمكِ هذه المرة لن تنتهي.

قالت وهي تحدق بالفراغ من أمامها:

_ سأحرقه، آن الأوان ليدفع ثمن ما قام به، وليحترق قلب منار كما احترق قلبي، لتجرب نار الابن كيف تكون.

خارت قواه وجلس على المقعد المقابل لها لا يصدق أنها وأخيرًا قررت أن تتجرع منار من نفس الكأس الذي تجرعت منه قبل سنوات، ولأن عواقب ما سيقومان به وخيمة، طالعها لعله يجد في صفحة وجهها آثار لترددها، أو ريبتها لكنه لم يجد سوى إصرار وعزيمة على المواصلة، تنهد وقد أدرك أنه لن يستطع ردعها، فكر أنه ما يتوجب عليه فعله الآن عد العتاد، ووضع الخطط فالحرب هذه المرة لن تحتمل الخسارة، إما المكسب أو الفناء.

قال محذرًا:

_ هل فكرتِ بالعائلة وما ستؤول إليه الأحداث؟

_ فكرت بابنتي والثأر لها ألا يكفيك هذا؟ فكرت بابني وزهرة شبابه التي قُطفت ألا يستحق، فكرت بزوجي، فكرت بقلب ابنتي الذي يحترق، ألا يستحقون أن أحرق الدنيا من أجلهم؟

قال وهو يومأ برأسه متوعدًا:

_ يستحقون يا حبيبتي، يستحقون.

**

حديقة فيلا نجيب الدالي

ما حدث كان فوق قدرة استيعاب أو تحمل رهف، هي طفلة يسر المدللة التي تركض إليها متى مرت بأزمةٍ، أو مارست عليها الحياة ضغوطاتها، وبهذا اليوم نبش كرم جرحها الدفين وأعاد إلى مخيلتها شكوكٍ كانت تراودها فيما مضى لكن لم تجد لها إجابات فقتلت البذرة قبل أن تصبح نبتة، أما الآن الأمر مختلف باتت الصورة أكثر وضوحًا، لذا كان لزامًا عليها الالتجاء إلى ابنة عمها؛ فقامت بالاتصال على هاتفها المحمول وإرسال العديد من الرسائل النصية لكن لا مجيب، فيسر أدركت أن الجاسوسة التي دسها كرم نجيب بينهم هي رهف، عندما رأت الهاتف يرن معلنًا عن مكالمات وسائل رهف لم تجيب، لقد أدارت وجهها عنها، كل شيء بقانون يسر مسموح به إلا الخيانة، طوال سنوات لم تجعل ما بدر من كرم يؤثر على علاقتهما، والحال أن رهف ضعفت وانحازت بطرف أخيها، وسيترك هذا الضعف جرح غائر بعلاقتها بيسر.

كان لابد لها من معين في صدمتها يساعدها في إدراك الأمور وعندما أُغلق باب يسر بوجهها قررت اللجوء لحمزة، ذلك الحنون الذي لا يتوانى عن مساعدتها مطلقًا، هاتفته فكان بمنزلهم في غضون الساعة ويجلس مقابلها يتطلع بها بحيرةٍ، زفرت ونظرت إلى السماء تناجي ربها يدلها لطريق الصواب، فسأم من مراوغتها وقال:

_ فوفي كفاكِ حزنًا، وأخبريني ماذا حدث لكِ وأوصلكِ إلى هذه الحالة؟

أغمضت عينيها تهرب منه فسالت دمعاتها، أليست هي من طلبت منه الحضور إذًا لما الخجل الآن!

قالت وقد داهمتها رجفة قوة بجسدها لتتنبأ أن تلك الليلة لن تمر مرور الكرام:

_ حمزة إلى أين وصلت الأعمال بمنزلنا؟

حدق بها فاغرًا فاه، فقد أدرك من سؤالها ما تود طرحه عليه فقال:

_القليل جدًا إن أردت تنتهي الأعمال في غضون الشهر.

قالت بنبرةٍ طفوليةٍ تنم عن مدى احتياجها له:

_ ألا يمكن أقل؟

قال بصوتٍ رخيمٍ:

_ يكفي أن تؤشرين لي بإصبعكِ، وكل شيء ينتهي في الحال لكن أخبريني لِمَ السؤال؟

قلصت المسافة بينهما وقالت برجاء:

_ خذني من هنا لو كنت تُحبني حقًا، لما ننتظر أن تتحسن العلاقة بين صديقكَ وابنة عمي!

_ لقد عاد مراد إلى يسر أخبرني بذلك منذ قليل، لم يعد هناك داع لتأخير زفافنا أكثر، وإن لم يعودا يكفي أن تلقي بجسدكِ بين ذراعيّ، أخطفكِ بعيدًا عن هنا، من أبكاكِ يا صغيرتي؟

نهضت بفزعٍ وقد تبدل حالها من ضعيفة منكسرة إلى فتاة يتطاير الشرر من عينيها وقالت:

_ ماذا هل عادت يسر إلى مراد؟ كيف ذلك كنت معها ولم تخبرني!

_ لقد حدث الأمر منذ عدة ساعات، ما بكِ لما كل هذا الانفعال؟

قالت باندفاعٍ غير مدروس عواقبه:

_ كيف تفعل هذا دون أن تخبرني! ماذا عن كرم ووعده لنا؟

_ عن أي وعد تتحدثين؟

أدركت خطأها فقالت بعد أن جلست على المقعد:

_ ها لا شيء لا شيء، أخبرني كيف علمت أنها عادت إلى صديقكَ؟

_ هو أخبرني بذلك، لا تتهربين بماذا وعدكِ شقيقكِ؟

_ لا شيء يا حمزة كل ما في الأمر أنني توقعت بانفصالها عن مراد ستكون هناك فرصة لكرم أن يصلح خطأه.

_ هناك أخطاء لا يمكن غفرانها كخطأ كرم، الذي لو سعى طوال عمره لإصلاحه لن يستطع محو ما تركه بنفسها وقلبها.

تضرج وجهها بحمرةِ الغضب وقالت:

_ أرى أنكَ اخترت وجهتكَ؟

_ وأنا أرى أنكِ اخترتِ وجهتكِ أيضًا، وتخليتِ عن ابنة عمكِ.

_ أنا! بالطبع لا، كل ما في الأمر أنني أعلم مدى حبها لأخي؛ لذا تمنيت أن يستطع اقناعها بالعودة إليه، لكن طالما عادت إلى زوجها هذا يعني أن كرم لم يعد يُعني لها شيئًا.

_ هذا صحيح، لننهي الحديث بهذا الموضوع، إن كنتِ تريدين أن نحدد موعد للزفاف لنفعل، سأتحدث مع والدكِ بالأمر وغدًا صباحًا نذهب لزيارة يسر ونخبرها ما رأيكِ؟

الهروب من المنزل هو هدف رهف بالمقام الأول، خلافات والدتها باتت تربكها وشخصيتها الضعيفة لا تحتمل الجدال أو الحروب لذا الهروب إلى كنف حمزة أفضل ما يمكنها التفكير به، فقالت:

_ حسنًا لنتحدث مع أبي الآن، وغدًا نذهب إلى يسر أنا بحاجة للتحدث معها.

اتفق حمزة مع نجيب على أن يتم الزفاف بنهاية الشهر، وسيتم الانتهاء من جميع التحضيرات بخلال تلك الفترة، كانت رهف متوترة تخشى أن يحدث ما يعرقل زواجها أي نجاتها من حرب عائلة الدالي، فاقترحت أن يكون عقد قران بدون حفل زفاف مراعاة لوفاة عمها، لكن رفض حمزة معللًا رفضه بزواج يسر بعد وفاة والدها وأنها تستحق هي الأخرى حفل زفاف يليق بها، لم تجد رهف مبررًا فقالت:

_ حسنًا ليكن عقد القران بنهاية الأسبوع والزفاف كما حددتما بنهاية الشهر.

تعجب حمزة ووالدها من مجاهرتها برغبتها بتعجيل زواجها إلى الحد الذي يجعلها تحدد موعد قرانها، لكن تفهما مخاوفها مما هو قادم، رهف أضعف من أن تكون جزءًا من حرب عائلتها.

**

جلست تتخذ حجرها موطنًا لها وهي تتوسد صدرها برأسها، بينما تتأرجح بسعادة وكأنها نسيت كل ما مرت به بالأيام القليلة الماضية، فانشغال والدتها عنها والحالة المذرية التي رأتها بها أثرت على نفسيتها وردود أفعالها، وكأن أنامل يسر التي تمررها على رأسها بحنانٍ أزالت لعنة أمجد ومريم من عقلها، قال مراد يداعبها:

_ ليان، قطتي سأغار الآن، ألن تأتي إليّ؟

أومأت برأسها رافضة اقتراحه، فقال:

_ لكن نريد أن نصعد إلى مريم لنخبرها بوجود يسر.

تجهم وجهها وكأن ذكر اسم أمها يعكر من صفوها، فهذا حالها بالفترة الماضية، لقد كانت تخاف منها متوقعة صراخها بتلك الليلة عليها لا من أجلها، قبلت يسر أنامل ليان الصغيرة وقالت وهي تنهض:

_ لا لتبقى تستريح بغرفتها سنذهب نحن إليها .

نهض هو الآخر وقال:

_ لكنكِ بحاجة للراحة.

كان يقصد أنها تحتاج لقسطٍ من الراحة بعدما فعله كرم بها،

لذا ارتبكت بوجود والدته وحاولت تدارك الموقف قائلة:

_ أنا بخير، فقط سأطمئن على مريم فأنا قلقة جدًا بشأنها.

استأذنت من والدته لتصعد إلى الأعلى، وعندما اختفت عن أنظارهما قالت شروق:

_ بت لا تعير وجودي اهتمام، تزوجتها رغمًا عني وطلقتها فجأة دون أن تخبرني، وجئت ممسكًا بها والسعادة كالطير ترفرف من حولكَ، وأيضًا بدون علم لي، هل تعدني من الأموات يا بُني!

تنهد براحةٍ لم يشعر بها منذ وقت بل لم يشعر بها من الأساس وقال:

_ أنتِ قلتيها السعادة كالطير ترفرف من حولي وأنا ممسك بيدها، إن كانت السعادة مرتبطة بوجودها ماذا أفعل سوى أن أضمها لي؟

_ فجأة!

_ فجأة أو بعد تخطيط وقرار مسبق، المهم أنها هنا مرة أخرى، اعلمي ذلك يا أمي، أنا أتنفس عشقها وقلبي ينبض باسمها، ولن أتخلى عنها، تقبليها حتى لا تجبريني أرحل عنكم من أجلها.

لم يعطيها الفرصة لتبادله الحديث لأنه يعلم أن تقبلها ليسر كزوجة لابنها يحتاج وقتًا طويلًا وقد قرر اعطاءها كل الوقت، ونهض متوجهًا إلى الأعلى قاصدًا الاطمئنان على معشوقته خوفًا من أن تأثر حالة مريم النفسية عليها، فمؤكد ما ستتحدث به مريم سيعيد ذكريات يسر المؤلمة .

**

طرقات خافتة متتالية على باب غرفتها لم توليها بالبدايةِ اهتمامٍ، لكن اصرار الطارق جعلها تصرخ بعد أن وارت رأسها خلف دثارها محتضنة وسادتها:

_ ابتعدوا عني، قلت لكم لا أريد رؤية أحد.

قررت يسر اقتحام عزلة مريم بعد أن أدركت مدى رفضها للحياة والاختلاط، ويتوجب عليها إنقاذها من احتلال الحزن لقلبها؛ فقامت بفتح الباب محتضنة الصغيرة، دفنت ليان وجهها بعنقِ يسر تختبئ من أمها، وما أصعب ما تفعله تلك الطفلة التي لا تعي مدى مرارة ما تقوم به، وقفت بالقرب من الفراش تتطلع لحالة الغرفة المذرية التي تنم عن فوضوية صاحبتها فقالت:

_ألن تقولي مرحبًا!

واربت مريم الدثار بتمهلٍ وحدقت بها غير مصدقة وجودها فتابعت يسر وهي تتقدم نحوها بخطوات وكلمات مدروسة:

_ خُيل لي أنكِ أول من يفرح لعودتي إلى منزلكم.

جلست ومازالت محدقة بها، فوجود يسر بغرفتها آخر ما كانت تتوقعه، استجمعت رباط جأشها وقالت:

_ يسر ماذا تفعلين هنا؟

ابتسمت قائلة:

_ إن نسيتِ هذا منزل زوجي.

انتفضت في جلستها وهي تصرخ:

_ هل عدتما؟

أومأت لها بالإيجاب مبتسمة، ربتت مريم على يدها مباركة لها بينما حاربت كثيرًا ألا تعانقها لأنها تعلم جيدًا متى ستقترب من ابنتها ستصرخ كما الأيام الماضية، تفهمت يسر وضعها وحثتها على التجرؤ وهي تومئ لها مشيرة بوجهها إلى ليان التي مازالت تختبئ منها، رفعت مريم يدها المرتجفة لتستقر على ظهر صغيرتها وقالت:

_ لي لي، هل نلعب لعبة اخفاء الوجوه؟

أجفلت الصغيرة وشددت من قبضتها على ملابس يسر التي قالت:

_ لي لي الجميلة علمت أن ماما مريضة وكانت تبكي وتصرخ بسبب تألمها، قبلة جميلة ستزيل الألم أليس كذلك يا مريم؟

نظرت لها نظرة ذات معنى تخبرها أن دورها لإعادة الطمأنينة بقلب ابنتها قد حان، فقالت:

_ نعم كنت أتألم لذا بكيت ألن تُقَبلني قطتي؟

يبدو أن الدور الذي قامت به يسر قد أجدى نفعه، ونجحت في أن يرق قلب ليان إلى والدتها؛ التفتت إليها بحذرٍ وقالت:

_ ماما..

مدت لها ذراعيها على مصراعيهما وكأنها تدعوها لتلتجئ لها تمنحها الحنان، تمارس أمومتها، و تستمد من صغيرتها القوة لمواجهة ما هو قادم، وقالت:

_ قلبها.

عناق دافئ مؤثر بين مريم وابنتها، كنداءات مستغيثة صارخة، كي لا تهرب منها وترحم ضعفها وتنسى حالتها بتلك الليلة اللعينة، مما آثار حزن يسر وكان سببًا لتعلم دموعها مجراها، استفاقت من حالة حزنها على أيدي أحدهم تحيط بكتفيها، وصوتًا يهمس:

_لأيام حاولت مع ليان لكن فشلت، أي سحر مارستِ عليهما؟

أجفلت من اقترابه منها إلى هذا الحد، تطلعت به بحيرةٍ، وحاولت التملص من بين يديه، فقالت هامسة:

_ مراد ابتعد.

_ لن أفعل مكانكِ دومًا بين يدي من الآن، والآن أخبريني ماذا فعلتِ لتجعلي ليان تتخلص من خوفها.

_ لي أساليبي الخاصة.

أدركت مريم وجود أخيها بالغرفة؛ فرفعت وجهها تتابعهما، مما آثار تخوف يسر من أن تلاحظ ما يدور بينهما فقالت بصوتٍ خفيضٍ:

_ سنأتي مرة أخرى، ضميها إليكِ تحتاجكِ.

ركضت مغادرة الغرفة وهو من خلفها، يبتسم على أفعالها الطفولية، وقفت بالرواق في حيرةٍ من أمرها أين تذهب هل تصعد إلى الأعلى إلى جناحهما الخاص وتعطي فرصة لمراد أن يكمل اجتياحه لمشاعرها وخصوصيتها، أم تتوجه إلى الحديقة لتجلس على مرمى ومسمع من الجميع، وتقطع كل الطرقات المؤدية إليها؟ الخيار المناسب لها كان الأخير فركضت صوب السلم وقبل أن تعتلي أولى درجاته شعرت بقبضة يده حول خصرها؛ فشهقت وحاولت دفعه بعيدًا عنها قائلة:

_ مراد لا تتمادى بأفعالك الطفولية تلك، ما بكَ منذ متى ويدك تستبيح جسدي هكذا!

أعدم تلك السنتيمترات التي كانت تفصل بينهما، تبدلت نظراته الشغوفة، التي تصرخ عشقًا لعينيها إلى أخرى متحدية وقال:

_ خطأ، ما تقولينه خطأ، أن أستبيح جسدكِ لنفسي هذا يعني أن لا حق لي بكِ، يسر أنتِ زوجتي، كل الحواجز التي تشيدينها بيننا أن سأدمرها لذا لنتعامل وفقًا لذلك.

للكلمة أثر إما تقتل أو تُحيي فأربكتها كلماته، وأصابت لمساته جسدها بالقشعريرة؛ انتفضت مبتعدة عنه وغيرت وجهتها لتركض إلى غرفتها، وفور أن دلفت إليها أحكمت غلق الباب وأوصدته بالمفتاح علها تنجح في الاختباء منه، لكن إن نجحت بذلك، كيف ستنجح من الاختباء من ذلك الذي ينبض بسرعةٍ بمشاعرٍ تعرفت عليها سريعًا؛ فأرادت وأدها قبل أن تحيى بداخلها مرة أخرى؟

أما عنه لم ييأس، لكنه ترك لها مساحة من الحرية عندما سمع صوت المفتاح يُغلق؛ فقرر أن يتركها تستعيد رباط جأشها ومن ثم يعاود هجومه الضاري مرة أخرى.

قضى ليلته بغرفة المكتب بعد أن علم من حمزة أنه سيبدأ بتحضيرات الزفاف والأعمال بالشركة ستصبح على عاتقه من بعد الآن، وراح يراجع تلك الملفات التي تراكمت عليه أثناء انشغاله بحربه مع قلبه والتي ظفر بيسر بنهايتها.

داهمت ليان باب غرفة يسر بشكل مفاجئ، ووصل إلى أذان الأخيرة طرقات خافتة على الباب خُيل لها أنها لمراد فلم تعير الأمر اهتمامًا، لكن صوت الصغيرة وهي تنادي"ملااااااااد" أظهر هويتها لها؛ ففتحت لها وقضت الليلة بين أحضان يسر.

**

في الصباح

غازلت أشعة الشمس المتسللة من النافذة عينيه؛ فابتسم قبل أن يفتحهما عندما تذكر أن حبيبته بالأعلى ويجمعهما سقف منزل واحد وأخيرًا، نهض مندفعًا وعلى ثغره بسمة مشاكسة ينوي استكمال ما أوقفه البارحة.

تذكر أمر غلقها للباب لكنه دعى ربه أن تكون قد تخلت عن عنادها، شك بالأمر لكنه لم ييأس وضع يده على المقبض ففتح الباب بسهولةٍ، تعجب لكن سرعان ما زال تعجبه عندما رأى الجمال في أبهى صوره متمثلًا في زوجته وتلك القطة التي تنام معانقة إياها، تقدم نحوهما في تمهلٍ، فجلس بالقرب منهما ومال ليصبح جسده موازيًا لجسدها، وليان تنام صانعة حاجزًا بينهما، طبع قبلة على جبين الصغيرة ثم مرر يده على وجه يسر وهمس:

_ هيا يا كسولة استيقظي.

تململت بالفراش وفتحت عينيها تحدق به بذهولٍ عندما أيقنت أنها غفلت عن غلق الباب مرة أخرى بعد دخول ليان، قال:

_ صباح الخير يا هاربة.

نهضت بغيظٍ وقالت وهي تتوجه نحو المرحاض:

_ صباح النور يا متطفل.

قهقهة بسعادةٍ وقال:

_ هيا استعدي عائلتكِ بالطريق، لقد دعوتهم ليتناولون وجبة الافطار معنا.

قصد بكلمة عائلتها خالها ووالدتها بالإضافة إلى رهف وحمزة بصفته خطيبها، لم توليه الاهتمام الذي كان يتطلع له عندما تحدث، وأغلقت الباب من خلفها فتمتم ببلاهة وهو يسلط أنظاره على تلك النقطة التي كانت تقف بها" فظة لكن جميلة جدًا بالصباح".

**

على مائدة الافطار تشاركت العائلتان الطعام وسط سعادة مراد البالغة وشرود مريم الملفت للأنظار، وتطاير أقدام ليان التي تركلها بالهواء بسعادةٍ بعد أن أجلستها يسر أمامها على طرف المائدة، وراحت تناولها بعض اللقيمات الصغيرة بفمها، قال مراد مازحًا وهو يشير إلى حقيبة ملابس يسر التي أحضرتها والدتها:

_ لتكن تلك الأخيرة إن شاء الله.

شاركه كرم المزاح وقال وهو يشير له بسبابته:

_ ليكن بعلمك هذه الأخيرة حقًّا، إن أخذتها بدون ملابسها مرة أخرى ستضطر أن تبتاع لها غيرها، لأنني لن أصبح حامل حقائب زوجتكَ من بعد الآن.

عانق مراد كتفيها بيده بتملكٍ وقال:

_ لن تغادر زوجتي أو ملابسها منزلي بعد الآن، بالكاد ستأتي إليكما زائرة لبضع ساعات.

قبل أن ينهي جملته صدح صوت حمزة بالمنزل وهو يقول:

_ خيرًا لكَ أن تفعل ذلك، زفافي اقترب ولن أقبل التأجيل، لتنهيا لعبة القط والفأر إلى أن يتم الزفاف وبعدها اقتلا بعضكما لن نسألكما لما فعلتما ذلك.

صوبت الأنظار نحوه هو وتلك التي تُمسك بيده بترقبٍ، وقلبها يخفق داعيًا ألا تتخذ يسر موقفًا منها بعد عودتها لزوجها، وبعد السلام والترحاب، تحلقوا جميعًا حول المائدة بسعادةٍ بينما لاحظ مراد نظرات يسر الحانقة التي تخترق قلب ابنة عمها، وفور أن فرغوا من تناول الطعام وأثناء احتساء القهوة قامت يسر بدعوة رهف للتحدث بمفردهما بالأعلى؛ فتأكدت شكوك مراد بشأنهما، سارت من خلفها تقدم قدم وتؤخر الأخرى، نظراتها طوال جلستهما كانت تشي بأن هناك ما يحزنها، أو ما سيُحدث فجوة بينهما، وفور أن وصلت يسر إلى غرفتها التفتت باندفاعٍ وقالت وعينيها يتطاير منها الشرر:

_ هل تخليتِ عن صديقتكِ ومن اعتبرتكِ شقيقة لها بعد وفاة إخوتها من أجل من تخلى عنا جميعًا؟!

تطلعت بها بذهولٍ غير مصدقة ما تقول فقالت مستفهمة:

_ عن ماذا تتحدثين؟ لا أفهمكِ.

هدرت بها :

_ أتحدث عن حديثي الذي أخبرتِ به كرم وبالنص.

صُدمت رهف بعد أن أدركت أن كرم ويسر تواجها، واستنبطت من الحديث ومهاجمة يسر لها أن كرم قد أخبرها أنها هي من كانت تنقل له أخبار يسر، فقالت مدافعة عن نفسها:

_ لا لم أتخلى عنكِ ولن أفعل، أنتِ لستِ ابنة عمي أنتِ رفيقة دربي أنتِ كل شيء لي، لا تفعلي ذلك.

_ لكنكِ اخترتِ وجهتكِ، من أخبره بما تحدثنا به، من نقل له حديثي بصورةٍ أوهمته أنني باقية على حبه؟

_ قال أنه يعشقكِ، وسعادتكِ معه، وأنه سيأخذكِ وترحلان من هنا، سيعوضكِ عما حدث سابقًا.

ارتفع صوت صراخها ودمعاتها تحرق وجنتيها:

_ هل جننتِ، لقد كُسر هذا القلم منذ زمن، لو أراد أن يعوضني حقًا ليعيد لي أبي، حينها يأتي ويتحدث.

قالت بنبرةٍ حزينةٍ:

_ حسنًا افعلي ما يحلو لكِ لن أجبركِ، لكن دعينا لا نتخاصم.

_ رهف لقد خاصمت كل شيء وكل فرد يمت بصلةٍ لكرم من قريب أو بعيد بعد أن حاول التهجم عليّ، بعد أن تلاعب بالصور التي كانت بحوزته، وأوهم مراد أنها حقيقية، اعلمي هذا لولا مراد وخالي لكان مصيري كمصير ياسمين الآن، لقد أعطى مراد فرصة ليصبح بطلي مرة أخرى، وأُصبح أنا المسكينة، لا حول لها ولا قوة، لذا يا ابنة عمي صار لقبكِ من بعد الآن زوجة صديق زوجي، لنتعامل وفقًا لذلك.

**

أثناء تبادل العائلتين الحديث مال حمزة نحو كرم وقال:

_ ارفع عينيك عن مريم، سيقتلعها لكَ مراد إن لاحظ نظراتكَ الثاقبة لها، صديقي غيور جدًا.

همس كرم مرتبكًا:

_ حمزة لا تجن، عن أي نظرات تتحدث!

_ برأيي إن أردت اطلق العنان لجنونكَ، العصفورة ستخرج من القفص خلال أيام.

شرد بالحزن البادي بعين الريم وأهدابها الكثيفة المعانقة لها، التي سحرته فور أن تلاقت نظراتهما، بها شيء يجذبه لها، تلك الدمعة التي تغلف عينيها استقطبته لتجبره يتابع أفعالها طوال الجلسة، يديها المرتجفة الخالية من خاتم زواجها خلقت مائة فكرة وفكرة بعقله، أما كلمات حمزة جعلته يفكر ماذا سيحدث إن غادرت العصفورة القفص هل سيجتمع بها بالقفص الوردي، أم سيظل حبيس سجن الخذلان القابع به منذ سنوات.

أنقذه من حالة التيه التي اجتاحته شقيقته وهي تهمس له:

_ فور أن تعود يسر سنودعها ونذهب لنلتقي بالمحامي، لنضرم النيران بعائلة الدالي وليحترق من يحترق، ولينجو من يستحق، هذا إن وُجد بيننا من يستحق النجاة.🌷🌷

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة